تتخذ الفرق الباطلة من انتحال مذهب في الفروع كساءً لها وترويجاً لمذهبها الفاسد ، فما من إمام إلا وينتسب إليه أقوام وهو منهم بريء . بريء ممن يشركون بالله فيستغيثون بالمخلوق ويجيزون الاستعاذة به دون الخالق ويجيزون عمل الحيلة على الله .
قال أبو المظفر الاسفراييني " قد نبغ من أحداث أهل الرأي من تلبّس بشي من مقالات القدرية والروافض مقلداً فيها وإذا خاف سيوف أهل السنة نسب ما هو فيه من عقائده الخبيثة إلى أبي حنيفة تستراً به ، فلا يغرنك ما ادعوا من نسبتها إليه فإن أبا حنيفة بريء منهم ومما نسبوه إليه " ([1]) .
· قال السبكي " كان [ يعني القاضي عبد الجبار المعتزلي ] ينتحل مذهب الشافعي في الفروع " ([2]) .
· ويتحدث القشيري عن طائفة من المعتزلة يقلدون مذهب أبى حنيفة ، واتخذوا التمذهب بالمذهب الحنفي سياجاً عليهم ، وقد أشربـوا في قلوبـهم فضـائح القدرية " ([3]) .
والحبشي وأضرابه معطلون ينتحلون مذهب الشافعي في الفروع تمويهاً على الناس ، ويتسترون بالانتساب إلى الشافعي والأشعري بينما لا يتفقون مع الأشعري فيما انتهى إليه من إثبات الصفات وعدم التأويل .
· أما مذهبه في العقيدة فليس على مذهب الشافعي فإنه يعتمد تأويل صفات الله بينما منهج الشافعي إثباتها . ويدعو للاستعاذة والاستغاثة والاستعانة بغير الله والشافعي بريء من الشرك .
· ويحتج الأحباش على مخالفهم بكتاب اسمه الفقه الأكبر يزعمـون أنه للشافعي ([4]) وهو يجري على طريقة الأشاعرة في تأويل الصفات . وأسلوبه مغاير لأسلوب الشافعي في التصنيف ، فهو يجري على طريقة علم الكلام . بينما لا تكاد تجد كتاباً للشافعي إلا وقد ذم فيه علم الكلام وتواتر هذا الذم عنه لدى كل من رووا عنه .
ولكن فرحتهم بالكذبة لم تطل ، فقد قال حاجى خليفة ( في نسبته إلى الشافعي شك والظن الغالب أنه من تأليف أكابر العلماء ) ([5]). وقال فؤاد سيزكين " لم تتضح بعد نسبة المؤلفات التالية إلى الشافعي منها (الفقه الأكبر) ([6]). ومن الأدلة على كذب هذا الكتاب أنه ورد فيه تلك العبارة (42,52,72) ( قال بعض أصحابنا ) وهو يقصد أصحابه في المذهب فهو شافعي المذهب وليس هو الشافعي صاحب المذهب .
المعاملة بالمثل
قد أنكر الأحباش نسبة كتاب (الإبانة) إلى الأشعري وقالوا: هذا تلميذه أبو بكر ين فورك لم يذكر كتاب الإبانة من ضمن كتب الأشعري . ونحن نقول لهم بالمقابل : هذا السبكي صاحب أكبر طبقات في ترجمة الشافعي والشافعية لم يذكر للشافعي كتاباً اسمه الفقه الأكبر .
وكذبوا عليه أيضاً بأن نسبوه إلى علم الكلام بالرغم من ذمه لعلم الكلام الذي قال عنه الذهبي لعل هذا متواتر عنه ( أي الشافعي ) ([7]) . وقد زعموا أن الشافعي قسم البدعة " الشرعية " إلى حسنة وسيئة . وكان مقصود الشافعي البدعة اللغوية ([8])
ولكن من أين لهم أنه كان يقسم علم الكلام إلى مذموم وممدوح ؟ !
· الحبشي أقرب إلى " حفص الفرد " معاصر الشافعي والذي حط عليه الشافعي ورماه بالزندقة وحذر منه لأنه كان يتعاطى علم الكلام وتأويل الصفات ، وهذا الرجل اليوم يتعاطى علم الكلام ويتأول الصفات ، مكملاً بذلك مسيرة حفص الفرد تحت مظلة الشافعي، بينما حكمه عند الشافعي كحكم حفص الفرد عنده .
قال الشافعي للربيع " لا تشتغل بالكلام فإني اطلعت من أهل الكلام على التعطيلى" وقال " حكمي في أهل الكلام أن يُضربوا بالجريد ويحملوا على الإبل ويطاف بهم في العشائر والقبائل وينادى عليهم : هذا جزاء من ترك الكتاب والسنة وأقبل على الكلام " ([9]) وتواتر عنه ذم أهل الكلام . ووصفهم أبو حنيفة بأنهم " قاسية قلوبهم غليظة أفئدتهم لا يبالون مخالفة الكتاب والسنة وليس عندهم ورع ولا تقوى" ([10])
· الحبشي يطعن في بعض أصحاب النبي e ويعتبرهم من أهل النار ومرتكبي كبائر، وهذا خلاف مذهب الشافعي . فإن الشافعي ينهى عن الكلام فيما جرى بينهم ، ويرى الخوض فيه خصلة من خصال الروافض.
· اعترف الأحباش بأن الشافعي كان " يتحرى الدقة فيما يرويه الرواة منسوباً إلى النبي e وكان يشترط فيمن يروي الحديث أن يكون صادقاً ورعاً " ([11]) . وأما الأحباش فأكثر اعتمادهم في مسائل التوسل والتبرك والزيارة وفضل العمائم وعامة أصول الدين على الأحاديث الضعيفة بل الموضوعة كما ستراه بالدليل من كتب شيخهم .
· الحبشي يدعو إلى التصرف بينما يقول الشافعي " لو أن رجلاً تصوف أول النهار ، لا يأتي الظهر حتى يصير أحمق ، وما لزم أحد الصوفية أربعين يوماً فعاد إليه عقله أبداً " ويقـول " أسـس التصـوف على الكسل " ([12]) .
فالشافعي بريء من هذه الأفكار المنحرفة التي تتسلل إلى المسلمين تحت ستار مذهبه. وعلى الحبشي أن يوافق الشافعي في أصوله قبل فروعه فإن الشافعي لم يكن أشعرياً . ولم يكن يختلف مقدار أنملة عن عقيدة أحمد ومالك والأوزاعي ولم يعهد عنهم الارتماء على الأضرحة والاستغاثة بالموتى وتحريف معاني نصوص القرآن بالتأويلات المستكرهة المستبعدة ولم يكونوا يجيزون التقليد الأعمى .
وفي الختام أسأل الله أن يهدي أتباع الحبشي إلى الهدى والحق ، وأن يجمعنا وإياهم على التوحيد والسنة ، فبهما تصفو القلوب وتتآلف ، فبالتوحيد تتحقق الوحدة ، وبدون التوحيد لا تتوحد .
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
([1]) التبصير في الدين 114 تحقيق الكوثري .
([2]) طبقات السبكي 5 / 97 .
([3]) شكاية أهل السنة بحكاية ما لهم من المحنة ص13 ضمن الرسائل القشيرية ط: منشورات المكتبة العصرية .
([4]) وهو غير الفقه الأكبر المنسوب لأبي حنيفة. والذي رجح البعض أن يكون لأبي الليث السمرقندي أو أبي مطيع البلخي كتبه حكاية عن أبي حنيفة كما أشار إليه الذهبي (العلو 101) وفي تاريخ الإسلام (وفيات 191) حيث وصف أبا مطيع بصاحب الفقه الأكبر وانظر كتاب خلاصة الأثر (3/186) .
([5]) كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون 2/1288 ط: دار الفكر .
([6]) تاريخ التراث العربي 3/ 190.
([7]) سير أعلام النبلاء39/10.
([8](أنظر فتح الباري 13/252 - 354 و 3 378:1 وانظر اتحاف السادة المتقين 3/421 للمرتضى الزبيدي
([9]) سير أعلام النبلاء 10 /28 ـ 29 صون المنطق 65 الحلية 9 / 116مناقب الشافعي 1 / 462 .
([10]) سير أعلام النبلاء6 /399 مفتاح دار السعادة 2 / 136.
([11]) مجلتهم منار "الهدى" 13 /28.
(12) تلبيس إبليس لابن الجوزي 320 و 371 .
0 comments:
إرسال تعليق