ألقاب أهل السنة والحديث عند خصومهم من أهل البدع
إن من حكمة الله عز وجل أن جعل لكل من يسلك طريق النبي صلى الله عليه وسلم في الدعوة إلى عبادة الله تعالى، وتنزيهه عن الشرك والتمثيل والتعطيل، وإثبات صفاته كما وردت أعداءً من أهل الشرك والتعطيل والبدع يصدون الناس عن دعوته ومنهجه بشتى الأساليب والوسائل، فإذا أعيتهم قوة الحجة والبرهان لجؤوا إلى وصم الحق وأهله بأقبح الألقاب وأحط الأسماء بغية التشنيع والتنفير !!
وأهل السنة وسلف الأمة وأئمتها أهل العلم والإيمان ليسوا كما زعم المعطلة مشبهة حشوية مجسِّمة مجبرة ناصبة بل هم أهل توحيد وسنة وتنزيه لله تعالى عن التمثيل والتشبيه وعن كل نقص وعيب يُضاد كماله فهم كما قال الإمام الصابوني رحمه الله:
(. . . عصامة من هذه المعايب بريئة زكية نقية، وليسوا إلا أهل السنة المضية والسيرة المرضيّة، والسبل السوية والحجج البالغة القوية، قد وفقهم الله عز وجل لاتباع كتابه ووحيه وخطابه، والاقتداء برسوله صلى الله عليه وسلم في أخباره . . . وأعانهم على التمسك بسيرته والاهتداء بملازمة سنته وشرح صدورهم لمحبته ومحبة أئمة شريعته وعلماء أمته، ومن أحب قوماً فهو معهم يوم القيامة بحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم: "المرء مع من أحبَّ").
ومن باب الدفاع عن أهل السنة والجماعة، وعن السلف الصالح، ودفع ما يشوِّش عليهم المبتدعة من المعتزلة والأشاعرة والماتريدية والشيعة الروافض؛ من الألقاب الباطلة والمسميات الكاذبة والتهم الساقطة، لأنهم والله قد ظُلِمَ أهلُ السنة والجماعة من المبتدعة ظلمًا كثيرًا، ولقَّبوهُم بألقاب مختلفة متعددة، لا تجد لها مثيل عند غيرهم، ومن تلك الألقاب ما يأتي:
أولاً: المشَبِّهة والمجسِّمة:
وهذا اللقب من أشنع الألقاب التي نبذهم بها مخالفوهم، في باب الأسماء والصفات من الجهمية والمعتزلة، والأشاعرة والماتريدية، هنا أبين لماذا لقبوهم بهذا اللقب الشنيع؟
وذلك لأن أهل السنة والجماعة والسلف الصالح يصفون الله -عَزَّ وَجَلَّ- بكل ما وصف به نفسه، أو وصفه به رسوله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآَلِهِ وَسَلَّمَ- من غير تعطيل ولا تأويل، ولا تشبيه ولا تمثيل، وعند هذه الطوائف والفرق: أنه لا بد من تأويل النصوص الواردة في باب الصفات؛ لأن ظاهرها يوهم التشبيه والتجسيم عندهم، ولهذا قالوا: لا بد من صرفها. وعدُّوا كلَّ من أثبت لله ما أثبته لنفسه، وما أثبتته له النصوص من غير تأويل، مشبهًا ومجسِّماً.
فمثلًا الجهمية: فإن من أهم وأقدم ما وصل إلينا من النصوص التي تشير إلى نبذهم أهل السنة والأثر بلقب "مشبهة"، ما رواه الإمام اللاكائي عن إسحاق بن راهوية أنه قال: عنهم (علامة جهم وأصحابه دعواهم على أهل الجماعة وما أولعوا به من الكذب أنهم مشبهة).
وما أورده الإمام أحمد بن حنبل في كتابه القيم: (الرد على الجهمية والزنادقة) عن الجهم أنه زعم: (أنه من وصف الله بشيء مما وصف نفسه في كتابه، أو حدث عنه رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان كافرًا، وكان من المشبهة).
وكذلك قول أبي حاتم: (وعلامة الجهمية تسميتهم أهل السنة ومشبهة).
وأما المعتزلة: فهم ورثة الجهمية الذين ورثوا عنهم القول بنفي الصفات، ونبذ من أثبتها بالتشبيه، فهذا أبو موسى المردار، والذي يعد من علماء المعتزلة ومقدميهم، ينقل عنه الخياط أنه كان يزعم أن من قال: (إن الله يُرى بالأبصار على أي وجهٍ، قال: فمشبِّهٌ لله بخلقه، والمشبه عنده كافر).
ومعلوم: أن من أصول مذهب أهل السنة، إثبات رؤية المؤمنين ربهم في الجنة، هذا من أصول أهل السنة والجماعة.
ويقول القاضي عبد الجبار و هو أيضًا من أئمة المعتزلة، بعض أن أوَّلَ الاستواء، وذكر استعمالات لفظة "استوى" في اللغة قال: "وإذا كانت اللفظة تستعمل على هذه الجهات، فكيف يصحُّ للمشبهة التعلق بها؟!" يقصد من يثبت الاستواء لله -عَزَّ وَجَلَّ- على عرشه.
ويذكر الإمام الرازي: "أن جماعة من المعتزلة ينسبون التشبيه إلى الإمام أحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه، ويحيى بن معين، قال: وهذا خطأ منهم فإنهم منزهون في اعتقاديهم عن التشبه والتعطيل".
ويذكر شيخ الإسلام ابن تيمية: (أن جُلَّ المعتزلة تدخل عامة الأئمة مثل الإمام مالك وأصحابه والثوري وأصحابه والأوزاعي وأصحابه والشافعي وأصحابه وأحمد وأصحابه وإسحاق بن راهوية، وأبي عبيد وغيرهم في قسم المشبهة).
بل ذهب بعضهم إلى أبعد من ذلك: "فرمى الأنبياء -صلوات الله وسلامه عليهم- بذلك؛ حتى قال ثمامة بن الأشرس من رؤساء الجهمية: ثلاثةٌ من الأنبياء مشبهة موسى حيث قال: ((إِنْ هِيَ إِلاَّ فِتْنَتُك) ( [الأعراف:155]، وعيسى حيث قال: ((تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ) ( [المائدة: 116] ومحمد -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآَلِهِ وَسَلَّمَ- حيث قال: (ينزل ربنا).
وأما الأشاعرة: فإنهم لما كانوا لا يثبتون إلا بعض الصفات، ويؤولون البعض الآخر، فقد نبذوا من يثبت لله جميع ما وصف به نفسه أو وصفه به رسوله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالتشبيه والتجسيم.
يقول الجويني -رَحِمَهُ اللهُ-: (واعلموا أن مذهب أهل الحق أن الرب -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- يتقدس عن شغل حيزٍ ويتنزه عن الاختصاص بجهة. وذهب المشبهة إلى أنه تعالى عن قولهم: مختص بجهة فوق).
ومعلوم أن أهل السنة والجماعة يثبتون لله -عَزَّ وَجَلَّ- وجل ما أثبته لنفسه من الفوقية في قوله سبحانه: ((يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِم) ( [النحل:50]، ومن أثبت ذلك يعد عن الجويني مشبهًا.
ومن المعلوم أن الإمام شيخ الإسلام ابن تيمية من أكثر أئمة أهل السنة وصماً بالتشبيه والتجسيم ظلماً وعدواناً قديماً وحديثاً، ومن أشهر من رماه بذلك من الأشاعرة والماتريدية، ومن هؤلاء السبكي وابن حجر الهيتمي وأبو بكر الحصني الذي ألف في ذلك كتاباً سماه: (دفع شبه من شبَّه وتمرَّد ونسب ذلك إلى الإمام أحمد)، وقد صار هذا الكتاب مرجعاً للحاقدين على شيخ الإسلام رحمه الله في نبزه بالتشبيه والتجسيم، كالكوثري وأضرابه المتكلمين أهل التحريف والتعطيل وسعيد فودة وحسن السقاف وعبدالله الحبشي الهرري وأبو حامد بن مرزوق ومنصور عويس وغيرهم، وكلهم نبزوا شيخ الإسلام بالتجسيم والتشبيه، وتحريف أقواله وتحميلها ما لا تحتمل زوراً وبهتاناً، ومقالاتهم في الطعن في شيخ الإسلام كثيرة جدا كأنهم تواصوا بذلك.
ومن خلال هذا العرض لهذه النماذج من أقوال الجهمية والمعتزلة والأشاعرة التي وصموا فيها أهل السنة بالتشبيه، ويتضح لنا أن القوم يعدون إثبات الصفات التي وصف الله بها نفسه أو وصفه بها رسوله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تشبيهًا، وكل من أثبت مشبهًا.
والحق: أن أهل السنة لم يزيدوا في هذا الباب على أن قالوا كما قال ربهم وخالقهم عن نفسه ((لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ) ( [الشورى:11]، فأثبتوا لله ما أثبت لنفسه من الصفات، مع قطعهم بنفي المشابهة والمماثلة بين صفاته، وصفات المخلوقات، فهم يصفون الله بما وصف به نفسه، أو وصفه به رسوله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآَلِهِ وَسَلَّمَ- من تغير تحريفٍ ولا تعطيلٍ، ولا تكييفٍ ولا تمثيلٍ.
المشبهة: في الحقيقة هم الذين يمثلون صفات الله بصفات خلقه. أما من أثبت الصفة، وقال: بأن الله ليس كمثله شيء، وأن صفات الله -عَزَّ وَجَلَّ- تليق بجلاله وكماله، وهي على ما وصف به نفسه، هذا ليس بمشبه، قال الإمام إسحاق بن راهوية: إنما يكون التشبيه لو قيل: يدٌ كيدٍ، وسمعٌ كسمعٍ، أما إذا قيل يد وسمع تليق بعظم الباري وجلاله من غير مشابهةٍ أو مماثلةٍ ليدٍ وسمع المخلوق اللائق بعجزه وافتقاره؛ فلا يعد ذلك تشبيهًا.
وأهل السنة والجماعة من أشد الناس مقتًا للمشبهة والتشبيه؛ لِمَا قَامَ في قلوبهم من جلال الخالق وعظمته، مع إثباتهم مَا وَرَدَ من صفات الجلال والكمال لله تعالى، والتي ثبتت لله -عَزَّ وَجَلَّ- ومن هنا يقول نعيم بن حماد -رَحِمَهُ اللهُ-: من شبَّهَ اللهَ بشيء من خلقه فقد كفر، ومن أنكر ما وصف الله به نفسه فقد كفر، وليس في ما وصفه الله به نفسه ورسوله تشبيه؛ لماذا؟ لأن الله ليس كمثله شيء لا في ذاته، ولا في صفاته.
وقال إسحاق بن راهوية: -وأنا أذكر هنا أئمة أهل السنة المثبتين للصفات- أنهم ينفون التشبيه عن الله والتمثيل والتكييف، فلم يقع أحد من أهل السنة في التكييف أو التشبيه، وتمثيل الله -عَزَّ وَجَلَّ- بخلقه أبدًا، هذه كتبهم، وهذه أقوالهم، ومن ذلك ما قال الإمام إسحاق بن راهويه: من وصف الله فشبهه بصفات أحدٍ من خلقه فهو كافر بالله العظيم.
وقد عقد الإمام اللالكائي -رَحِمَهُ اللهُ- بابًا في "سياق ما روي في تكفير المشبهة": نقل فيه من أقوال السلف في ذلك -ما سبق ذكر بعضه- فيكف يقال بعد ذلك بأن السلف وقعوا في التشبيه، بل التشبيه بنفاة الصفات ومؤوليها أشبه.
كما ذكر الإمام البخاري عن بعض أهل العلم: أن الجهمية هم المشبهة؛ لأنهم شبهوا ربهم بالصنم، والأصم والأبكم، الذي لا يسمع ولا يبصر، ولا يتكلم ولا يخلق، وقالت الجهمية: هو كذلك لا يتكلم، ولا يبصر نفسه، وقالوا: إن اسم الله مخلوق".
وربما شبهوه بالمعدومات بقولهم: ليس هو فوق، ولا تحت، ولا عن يمين ولا شمال، ولا داخل العالم ولا خارجه، ولا هو ممازج له ولا منفصل عنه.
وهذا في الحقيقة تشبيه لله بالعدم؛ حقيقة هؤلاء الذين رموا أهل السنة بالتشبيه هم المشبهة في واقع أمرهم؛ لأنهم لمَّا وقعوا في التشبيه وسقطوا فيه؛ أرادوا أن يخرج منه فأولوا الصفات الواردة، يعني هم لما سمعوا أن الله يسمع ويبصر؛ ما فهموا من إطلاقه هاتين الصفتين على الله إلا ما يفهموه من أنفسهم، فوقعوا بذلك في التشبيه، فلما وقعوا في التشبيه، وقد عرفوا: أنه باطل وحرام؛ أرادوا أن يخرج منه فأولوا الصفات هذه يعني نقطة مهمة يجب أن نعرفها وأن نتنبه إليها.
بتصرف من: كتاب (المدخل إلى العقيدة الإسلامية) للدكتور/ عثمان ضميرية، وكتاب: (مقالة التشبيه وموقف أهل السنة منها) للدكتور/ جابر بن علي أمير.
إن من حكمة الله عز وجل أن جعل لكل من يسلك طريق النبي صلى الله عليه وسلم في الدعوة إلى عبادة الله تعالى، وتنزيهه عن الشرك والتمثيل والتعطيل، وإثبات صفاته كما وردت أعداءً من أهل الشرك والتعطيل والبدع يصدون الناس عن دعوته ومنهجه بشتى الأساليب والوسائل، فإذا أعيتهم قوة الحجة والبرهان لجؤوا إلى وصم الحق وأهله بأقبح الألقاب وأحط الأسماء بغية التشنيع والتنفير !!
وأهل السنة وسلف الأمة وأئمتها أهل العلم والإيمان ليسوا كما زعم المعطلة مشبهة حشوية مجسِّمة مجبرة ناصبة بل هم أهل توحيد وسنة وتنزيه لله تعالى عن التمثيل والتشبيه وعن كل نقص وعيب يُضاد كماله فهم كما قال الإمام الصابوني رحمه الله:
(. . . عصامة من هذه المعايب بريئة زكية نقية، وليسوا إلا أهل السنة المضية والسيرة المرضيّة، والسبل السوية والحجج البالغة القوية، قد وفقهم الله عز وجل لاتباع كتابه ووحيه وخطابه، والاقتداء برسوله صلى الله عليه وسلم في أخباره . . . وأعانهم على التمسك بسيرته والاهتداء بملازمة سنته وشرح صدورهم لمحبته ومحبة أئمة شريعته وعلماء أمته، ومن أحب قوماً فهو معهم يوم القيامة بحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم: "المرء مع من أحبَّ").
ومن باب الدفاع عن أهل السنة والجماعة، وعن السلف الصالح، ودفع ما يشوِّش عليهم المبتدعة من المعتزلة والأشاعرة والماتريدية والشيعة الروافض؛ من الألقاب الباطلة والمسميات الكاذبة والتهم الساقطة، لأنهم والله قد ظُلِمَ أهلُ السنة والجماعة من المبتدعة ظلمًا كثيرًا، ولقَّبوهُم بألقاب مختلفة متعددة، لا تجد لها مثيل عند غيرهم، ومن تلك الألقاب ما يأتي:
أولاً: المشَبِّهة والمجسِّمة:
وهذا اللقب من أشنع الألقاب التي نبذهم بها مخالفوهم، في باب الأسماء والصفات من الجهمية والمعتزلة، والأشاعرة والماتريدية، هنا أبين لماذا لقبوهم بهذا اللقب الشنيع؟
وذلك لأن أهل السنة والجماعة والسلف الصالح يصفون الله -عَزَّ وَجَلَّ- بكل ما وصف به نفسه، أو وصفه به رسوله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآَلِهِ وَسَلَّمَ- من غير تعطيل ولا تأويل، ولا تشبيه ولا تمثيل، وعند هذه الطوائف والفرق: أنه لا بد من تأويل النصوص الواردة في باب الصفات؛ لأن ظاهرها يوهم التشبيه والتجسيم عندهم، ولهذا قالوا: لا بد من صرفها. وعدُّوا كلَّ من أثبت لله ما أثبته لنفسه، وما أثبتته له النصوص من غير تأويل، مشبهًا ومجسِّماً.
فمثلًا الجهمية: فإن من أهم وأقدم ما وصل إلينا من النصوص التي تشير إلى نبذهم أهل السنة والأثر بلقب "مشبهة"، ما رواه الإمام اللاكائي عن إسحاق بن راهوية أنه قال: عنهم (علامة جهم وأصحابه دعواهم على أهل الجماعة وما أولعوا به من الكذب أنهم مشبهة).
وما أورده الإمام أحمد بن حنبل في كتابه القيم: (الرد على الجهمية والزنادقة) عن الجهم أنه زعم: (أنه من وصف الله بشيء مما وصف نفسه في كتابه، أو حدث عنه رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان كافرًا، وكان من المشبهة).
وكذلك قول أبي حاتم: (وعلامة الجهمية تسميتهم أهل السنة ومشبهة).
وأما المعتزلة: فهم ورثة الجهمية الذين ورثوا عنهم القول بنفي الصفات، ونبذ من أثبتها بالتشبيه، فهذا أبو موسى المردار، والذي يعد من علماء المعتزلة ومقدميهم، ينقل عنه الخياط أنه كان يزعم أن من قال: (إن الله يُرى بالأبصار على أي وجهٍ، قال: فمشبِّهٌ لله بخلقه، والمشبه عنده كافر).
ومعلوم: أن من أصول مذهب أهل السنة، إثبات رؤية المؤمنين ربهم في الجنة، هذا من أصول أهل السنة والجماعة.
ويقول القاضي عبد الجبار و هو أيضًا من أئمة المعتزلة، بعض أن أوَّلَ الاستواء، وذكر استعمالات لفظة "استوى" في اللغة قال: "وإذا كانت اللفظة تستعمل على هذه الجهات، فكيف يصحُّ للمشبهة التعلق بها؟!" يقصد من يثبت الاستواء لله -عَزَّ وَجَلَّ- على عرشه.
ويذكر الإمام الرازي: "أن جماعة من المعتزلة ينسبون التشبيه إلى الإمام أحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه، ويحيى بن معين، قال: وهذا خطأ منهم فإنهم منزهون في اعتقاديهم عن التشبه والتعطيل".
ويذكر شيخ الإسلام ابن تيمية: (أن جُلَّ المعتزلة تدخل عامة الأئمة مثل الإمام مالك وأصحابه والثوري وأصحابه والأوزاعي وأصحابه والشافعي وأصحابه وأحمد وأصحابه وإسحاق بن راهوية، وأبي عبيد وغيرهم في قسم المشبهة).
بل ذهب بعضهم إلى أبعد من ذلك: "فرمى الأنبياء -صلوات الله وسلامه عليهم- بذلك؛ حتى قال ثمامة بن الأشرس من رؤساء الجهمية: ثلاثةٌ من الأنبياء مشبهة موسى حيث قال: ((إِنْ هِيَ إِلاَّ فِتْنَتُك) ( [الأعراف:155]، وعيسى حيث قال: ((تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ) ( [المائدة: 116] ومحمد -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآَلِهِ وَسَلَّمَ- حيث قال: (ينزل ربنا).
وأما الأشاعرة: فإنهم لما كانوا لا يثبتون إلا بعض الصفات، ويؤولون البعض الآخر، فقد نبذوا من يثبت لله جميع ما وصف به نفسه أو وصفه به رسوله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالتشبيه والتجسيم.
يقول الجويني -رَحِمَهُ اللهُ-: (واعلموا أن مذهب أهل الحق أن الرب -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- يتقدس عن شغل حيزٍ ويتنزه عن الاختصاص بجهة. وذهب المشبهة إلى أنه تعالى عن قولهم: مختص بجهة فوق).
ومعلوم أن أهل السنة والجماعة يثبتون لله -عَزَّ وَجَلَّ- وجل ما أثبته لنفسه من الفوقية في قوله سبحانه: ((يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِم) ( [النحل:50]، ومن أثبت ذلك يعد عن الجويني مشبهًا.
ومن المعلوم أن الإمام شيخ الإسلام ابن تيمية من أكثر أئمة أهل السنة وصماً بالتشبيه والتجسيم ظلماً وعدواناً قديماً وحديثاً، ومن أشهر من رماه بذلك من الأشاعرة والماتريدية، ومن هؤلاء السبكي وابن حجر الهيتمي وأبو بكر الحصني الذي ألف في ذلك كتاباً سماه: (دفع شبه من شبَّه وتمرَّد ونسب ذلك إلى الإمام أحمد)، وقد صار هذا الكتاب مرجعاً للحاقدين على شيخ الإسلام رحمه الله في نبزه بالتشبيه والتجسيم، كالكوثري وأضرابه المتكلمين أهل التحريف والتعطيل وسعيد فودة وحسن السقاف وعبدالله الحبشي الهرري وأبو حامد بن مرزوق ومنصور عويس وغيرهم، وكلهم نبزوا شيخ الإسلام بالتجسيم والتشبيه، وتحريف أقواله وتحميلها ما لا تحتمل زوراً وبهتاناً، ومقالاتهم في الطعن في شيخ الإسلام كثيرة جدا كأنهم تواصوا بذلك.
ومن خلال هذا العرض لهذه النماذج من أقوال الجهمية والمعتزلة والأشاعرة التي وصموا فيها أهل السنة بالتشبيه، ويتضح لنا أن القوم يعدون إثبات الصفات التي وصف الله بها نفسه أو وصفه بها رسوله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تشبيهًا، وكل من أثبت مشبهًا.
والحق: أن أهل السنة لم يزيدوا في هذا الباب على أن قالوا كما قال ربهم وخالقهم عن نفسه ((لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ) ( [الشورى:11]، فأثبتوا لله ما أثبت لنفسه من الصفات، مع قطعهم بنفي المشابهة والمماثلة بين صفاته، وصفات المخلوقات، فهم يصفون الله بما وصف به نفسه، أو وصفه به رسوله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآَلِهِ وَسَلَّمَ- من تغير تحريفٍ ولا تعطيلٍ، ولا تكييفٍ ولا تمثيلٍ.
المشبهة: في الحقيقة هم الذين يمثلون صفات الله بصفات خلقه. أما من أثبت الصفة، وقال: بأن الله ليس كمثله شيء، وأن صفات الله -عَزَّ وَجَلَّ- تليق بجلاله وكماله، وهي على ما وصف به نفسه، هذا ليس بمشبه، قال الإمام إسحاق بن راهوية: إنما يكون التشبيه لو قيل: يدٌ كيدٍ، وسمعٌ كسمعٍ، أما إذا قيل يد وسمع تليق بعظم الباري وجلاله من غير مشابهةٍ أو مماثلةٍ ليدٍ وسمع المخلوق اللائق بعجزه وافتقاره؛ فلا يعد ذلك تشبيهًا.
وأهل السنة والجماعة من أشد الناس مقتًا للمشبهة والتشبيه؛ لِمَا قَامَ في قلوبهم من جلال الخالق وعظمته، مع إثباتهم مَا وَرَدَ من صفات الجلال والكمال لله تعالى، والتي ثبتت لله -عَزَّ وَجَلَّ- ومن هنا يقول نعيم بن حماد -رَحِمَهُ اللهُ-: من شبَّهَ اللهَ بشيء من خلقه فقد كفر، ومن أنكر ما وصف الله به نفسه فقد كفر، وليس في ما وصفه الله به نفسه ورسوله تشبيه؛ لماذا؟ لأن الله ليس كمثله شيء لا في ذاته، ولا في صفاته.
وقال إسحاق بن راهوية: -وأنا أذكر هنا أئمة أهل السنة المثبتين للصفات- أنهم ينفون التشبيه عن الله والتمثيل والتكييف، فلم يقع أحد من أهل السنة في التكييف أو التشبيه، وتمثيل الله -عَزَّ وَجَلَّ- بخلقه أبدًا، هذه كتبهم، وهذه أقوالهم، ومن ذلك ما قال الإمام إسحاق بن راهويه: من وصف الله فشبهه بصفات أحدٍ من خلقه فهو كافر بالله العظيم.
وقد عقد الإمام اللالكائي -رَحِمَهُ اللهُ- بابًا في "سياق ما روي في تكفير المشبهة": نقل فيه من أقوال السلف في ذلك -ما سبق ذكر بعضه- فيكف يقال بعد ذلك بأن السلف وقعوا في التشبيه، بل التشبيه بنفاة الصفات ومؤوليها أشبه.
كما ذكر الإمام البخاري عن بعض أهل العلم: أن الجهمية هم المشبهة؛ لأنهم شبهوا ربهم بالصنم، والأصم والأبكم، الذي لا يسمع ولا يبصر، ولا يتكلم ولا يخلق، وقالت الجهمية: هو كذلك لا يتكلم، ولا يبصر نفسه، وقالوا: إن اسم الله مخلوق".
وربما شبهوه بالمعدومات بقولهم: ليس هو فوق، ولا تحت، ولا عن يمين ولا شمال، ولا داخل العالم ولا خارجه، ولا هو ممازج له ولا منفصل عنه.
وهذا في الحقيقة تشبيه لله بالعدم؛ حقيقة هؤلاء الذين رموا أهل السنة بالتشبيه هم المشبهة في واقع أمرهم؛ لأنهم لمَّا وقعوا في التشبيه وسقطوا فيه؛ أرادوا أن يخرج منه فأولوا الصفات الواردة، يعني هم لما سمعوا أن الله يسمع ويبصر؛ ما فهموا من إطلاقه هاتين الصفتين على الله إلا ما يفهموه من أنفسهم، فوقعوا بذلك في التشبيه، فلما وقعوا في التشبيه، وقد عرفوا: أنه باطل وحرام؛ أرادوا أن يخرج منه فأولوا الصفات هذه يعني نقطة مهمة يجب أن نعرفها وأن نتنبه إليها.
بتصرف من: كتاب (المدخل إلى العقيدة الإسلامية) للدكتور/ عثمان ضميرية، وكتاب: (مقالة التشبيه وموقف أهل السنة منها) للدكتور/ جابر بن علي أمير.
منقووووووووووووووووول
0 comments:
إرسال تعليق