بسم الله
مقال جيد في الرد على من ينكر صفة اليد.
المصدر: موسوعة الفرق - الدرر السنية
من صفات الله تعالى الثابتة له سبحانه بالكتاب والسنة الصحيحة صفة "اليدين" ومذهبُ الماتريدية فيها تبعاً للجهمية الأولى مذهبٌ تعطيلٍ وتحريفٍ.
بشبهة "التشبيه" حيث إنهم فهموا من هذه الصفة ما يفهم من صفات المخلوق فزعموا أن "الوجه" و"العين" و"اليدين" و"اليمين" و"الأصابع" والساق و"القدم" ونحوها أعضاء وجوارح.
فلو قلنا بإثبات ذلك يلزم كونه تعالى متبعضاً متجزياً مركباً، وغير ذلك من اللوازم الباطلة.
وبناء على هذا الفهم عطلوا هذه الصفة وحرفوا نصوصها إلى أنواع من المعاني المجازية بشتى طرق التأويل.
فأما صفة "اليدين"فقد قال الإمام أبو منصور الماتريدي في تأويل "اليدين" في تفسير قوله تعالى: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} [المائدة: 4] "نعمه مبسوطة" .
ومن أشنع تحريفاتهم قوله تعالى: {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْعَالِينَ} [ص: 75].
قولهم: "أي خلقته بالذات من غير توسط أب وأم.والتثنية - (تثنية اليد بذكر اليدين)- لإبراز كمال الاعتناء بخلقه عليه الصلاة والسلام" .وقالوا: المراد من "اليدين" غاية الجود والسخاء .أو المراد: منحه تعالى لنعمتي الدنيا والآخرة .أو كمال القدرة .
وأما صفة "اليد":فقالوا: المراد من "اليد" النعمة والقدرة .أو الملك .أو التصرف .
وأما صفة "اليمين":فحرفوها إلى "القدرة التامة" .أو "عظمة الله تعالى" .
وأما صفة "الكف":فيحرفونها إلى "التدبير" .
وأما صفة الأصابع:فيحرفونها إلى "القدرة" .
وأما صفة "القبضة":فيزعمون أن هذا "مجرد تصوير عظمة الله والتوقف على كنه جلاله لا غير من غير ذهاب بالقبضة ولا باليمين إلى جهة حقيقيةٍ أو جهةِ مجاز" .أو أن هذا تمثيل وتخيل لتخريب العالم من غير اعتبار القبضة، واليمين لا حقيقةً ولا مجازاً" .
هذا هو بيانٌ إجماليٌ لمذهب الماتريدية في هذه الصفات ونصوصها والذي يهمنا هو مناقشتنا إياهم في تعطيلهم لصفة "اليدين" وتحريفهم لنصوصها وبإبطال مذهبهم فيها يظهر بطلان مذهبهم في تلك الصفات الأخرى.
فنقول وبالله التوفيق:
مناقشتنا للماتريدية من طريقين: إجمالية، وتفصيلية.
أما المناقشة الإجمالية:
فأولاً: نقول: لقد سبق أن أبطلنا شبهة "التشبيه" في فصل مستقل.
وهي شبهة قديمة للجهمية الأولى واستمرت في أذهان المعطلة إلى يومنا هذا.
وهذا هو الدافع للمعطلة على تعطيل صفات الله تعالى وتحريف ونصوصها.
ثانياً: نقول: إن ما تشبثوا به - من شبهة أن "اليدين" و"اليد" و"الأصابع" ونحوها جوارح وأعضاء.
فلو أثبتنا ذلك لله تعالى يلزم كونه متجزياً متبعضاً متركباً ذا أبعاض وجوارح وأعضاء - باطلٌ قطعاً.
لما ذكرنا أن كل صفة إذا أضيفت إلى موصوفٍ فهي على ما تناسبه وتستحقه وتلائمه حتى باعترافهم.
ومن المعلوم أن صفاتنا منها ما هي أعيان وأجسام وهي أبعاض لنا، كالوجه، واليدين والرجلين، ونحوها.
ومنها ما هي معانٍ وأعراضٌ لنا.
كالسمع والبصر والكلام ونحوها.
ونحن وأنتم متفقون على أن "علم الله تعالى" و"بصره" و"سمعه" و"كلامه" ونحوها صفاتٌ لله تعالى وليست أعراضاً له تعالى.
فكذلك قولوا: في "الوجه" و"اليدين" و"الأصابع" ونحوها: إنها صفاتٌ لله تعالى وليست أجساماً ولا جوارح ولا أبعاضاً وأعضاء له سبحانه وتعالى.
وإلا يلزمكم أن تقولوا: إن "سمع الله تعالى"، و"بصره" و"علمه" و"قدرته" ونحوها أعراضٌ قائمةٌ بالله تعالى.
فإذا كنتم لا تعطلون تلك - فلم تعطلون هذه؟.
وإذا عطلتم هذه - يلزمكم أن تعطلوا تلك أيضاً.
لأن الشبهة المذكورة قائمة من النوعين على السواء:
ثالثاً: نقول: لقد بينا تفصيلاً في فصل التأويل أن مقالة تأويل الصفات بدعة في الإسلام وخروج على إجماع سلف هذه الأمة وأئمة السنة، وأنها في الأصل مقالة الكفار راجت على بعض المسلمين من طريق الجهمية الأولى، وأنها تستلزم تعطيل صفات الله تعالى وتحريف نصوصها، وأنها باب إلى زندقة القرامطة الباطنية وإلحادهم، مع كون تعطيل صفات الله تعالى وتحريف نصوصها زندقةً وإلحاداً أيضاً.
وأما المناقشة التفصيلية:
فنقف فيها مع الماتريدية وقفات:
الوقفة الأولى:
أننا قد ذكرنا نصوص الإمام أبي حنيفة (150هـ) وكبار أئمة الماتريدية، كفخر الإسلام البزدوي (482هـ) وشمس الأئمة السرخسي (490هـ) وحافظ الدين النسفي (710هـ) وعلاء الدين البخاري (730هـ) وأبو المنتهى المغنيساوى (كان حيا سنة (939هـ) والملا على القاري (1014هـ) وشيخ زاده (1078هـ) والعلامة الكشميري (1352هـ) على أن تأويل "اليد" بالقدرة أو بالنعمة، يستلزم محذورين:
أحدهما: أنه قول أهل القدر والاعتزال، وليس من قول أهل السنة في شيء.
ثانيهما: أنه إبطال لصفة الله تعالى "اليد" وهو تعطيل وتحريف.
فلا حاجة إلى إعادتها.
وفي ذلك عبرة بالغة للماتريدية لو كانوا يعلمون.
فإن نصوص الأئمة الحنفية وعلى رأسهم الإمام أبو حنيفة صريحة بأن من أول صفةً بصفةٍ أخرى فقط عطل وحرف وخرج من أهل السنة والجماعة والتحق بالجهمية.
فهل يمكن لأحد أن يعد الماتريدية وخلطائهم في عداد أهل السنة والجماعة؟؟.
الوقفة الثانية:
أن الماتريدية وزملاءهم الأشعرية اشترطوا في صحة التأويل أن يكون موافقاً للغة العربية وإلا يكون تحريفاً قرمطياً محضاً.
فنقول لهم: في ضوء اعترافهم أن تأويلاتكم لصفة "اليدين" ونحوها، وتحريفها إلى النعمة والقدرة ونحوها، من قبيل تأويلات الباطنية، ولا تساعدها اللغةُ البتة. بل ورود الكف، والأصابع، والقبضة، واليمين، ولفظ اليدين بصيغة التثنية، ولفظة "بيدي" بعد لفظة "خلقت" يمنع إرادة التأويل ويدفع المجاز ويعين إرادة الحقيقة بلا شك.
ولأجل هذه النكتة استدل أئمة السنة بعدة أحاديث على إثبات اليدين حقيقةً لله تعالى()، فإنه لم يرد لفظه "اليد" فقط بل ورد معها ما يتعلق باليد من الكف، والقبضة، والأصابع، واليمين، كما ورد "اليدان" بصيغة التثنية.
ولا يقال في اللغة العربية: "علمته بيديّ" إلا إذا باشر ذلك العمل بيديه.
والكلام يحمل على الحقيقة على ما هو الأصل ولو لم يكن قرائن الحقيقة، فكيف إذا تظافرت القرائن الموجبة لحمله على الحقيقة.
وإلا لكان هذا مستلزماً لإفساد نظام اللغة وإبطال التفاهم بين الناس وقلب الحقائق وتبديل الشرائع وهذا هو هدف الباطنية.
وإليك أيها القارئ الكريم نصوصاً لبعض كبار الأئمة الذين يعترف الماتريدية بفضلهم لتكون شاهدةً لما قلنا وحجةً قاهرة باهرةً على الماتريدية:
1- قال الإمام أبو الحسن الأشعري (324هـ) بعد ما ذكر أدلة كثيرة على إثبات اليدين لله تعالى:
"... ولا يجوز في لسان العرب ولا في عادة أهل الخطاب أن يقول القائل: "عملت كذا بيدي" ويعنى به النعمة، وإذا كان الله عز وجل إنما خاطب العرب بلغتها وما يجري مفهوما في كلامها، ومعقولاً في خطابها وكان لا يجوز في خطاب أهل اللسان أن يقول القائل: "فعلت بيدي" ويعني به النعمة - بطل أن يكون معنى قوله تعالى: {بِيَدَيَّ} النعمة.
وذلك أنه لا يجوز أن يقول: القائل: "لي عليه يدي" بمعنى لي عليه نعمتي"، ومن دفاعنا عن استعمال اللغة، ولم يرجع إلى أهل اللسان فيها - دوفع عن أن تكون "اليد" بمعنى "النعمة"، إذ كان لا يمكن أن يتعلق في أن "اليد" "النعمة" إلا من جهة اللغة، فإذا دفع اللغة لزمه أن لا يفسر القرآن من جهتها، وأن لا يثبت "اليد" "نعمة" من قبلها، لأنه إن روجع في تفسير قوله تعالى: {بِيَدَيَّ} بنعمتي؛ فليس المسلمون على ما ادعى متفقين،وإن روجع إلى اللغة فليس في اللغة أن يقول القائل: "بيديّ" "نعمتيّ"، وإن لجأ إلى وجه ثالث وسألناه عنه، ولن يجد له سبيلاً..." .
قلت: قد تقدم مراراً أن الحنفية ومنهم الكوثرية ذكروا الإمام الأشعري في عداد الحنفية فلا أدري ماذا يصنعون به على يرمونه بالوثنية والتجسيم والتشبيه؟؟!!.2- الإمام القاضي أبو بكر محمد بن الطيب الباقلاني (403هـ) الذي يعظمه الكوثري بأنه لسان الأمة وسيف السنة، وأنه لا يوجد في كلامه مجازاةٌ للحشوية وإيهام التجسيم والتشبيه، بل هو من الصرحاء في التنزيه البات .
فقد ذكر تأويلات الجهمية وتحريفاتهم لصفة "اليدين" ثم قال: "يقال لهم: هذا باطل لأن قوله "بيدي" يقتضي إثبات اليدين هما صفة له فلو كان المراد بها القدرة لوجب أن يكون له قدرتان.
وأنتم لا تزعمون أن لله سبحانه قدرة واحدة فكيف يجوز أن تثبتوا له قدرتين؟؟
وقد أجمع المسلمون من مثبتي الصفات والنافين لها على أنه لا يجوز أن يكون له تعالى قدرتان فبطل ما قلتم.
وكذلك لا يجوز أن يكون الله تعالى خلق آدم بنعمتين، لأن نعم الله تعالى على آدم وعلى غيره لا تحصى.
ولأن القائل: لا يجوز له - أن يقول: رفعت الشيء بيدي أو وضعته بيدي أو توليته بيدي وهو يعني "نعمته".
وكذلك لا يجوز أن يقال: "لي عند فلان يدان" يعني "النعمتين" وإنما يقال: "لي عنده يدان بيضاوان"، لأن القول: "يد" لا يستعمل إلا في اليد التي هي صفة للذات.
ويدل على فساد تأويلهم أيضاً أنه لو كان الأمر على ما قالوه، لم يغفل عن ذلك إبليس وعن أن يقول: "وأي فضل لآدم عليّ يقتضي أن أسجد له؟ وأنا أيضاً بيدك خلقتني التي هي قدرتك، وبنعمتك خلقتني.وفي العلم بأن الله تعالى فضل آدم عليه بخلقه بيديه دليل على فساد ما قالوه" .
قلتُ: هذا هو كلام الباقلاني الذي ليس عنده مجاراة للحشوية وهو صريح في التنزيه البات عند الكوثري، وقد عرفت أنه صريح في إثبات "اليدين" لله تعالى.3- ومثله كلام مهم للإمام أبي الحسن علي بن خلف الكبري المعروف بابن بطال (449هـ) ذكر نص كلامه الحافظ ابن حجر وأقره .
4- وقال الإمام أبو محمد عبدالواحد السفاقسي المالكي المعروف بابن التين (611هـ):"قوله: "وبيده الأخرى الميزان" يدفع تأويل اليد هنا بالقدرة، وكذا قوله في حديث ابن عباس رفعه: (( أول ما خلق الله القلم فأخذه بيمينه وكلتا يديه يمين)) الحديث .وقريب من كلام هؤلاء كلام ابن فورك والبيهقي ولعل كلامهم مأخوذ من كلام ابن خزيمة .
فهؤلاء كلهم يثبتون صفة اليدين له تعالى بدون تأويل، فهل هؤلاء مشبهة وثنية؟.
الوقفة الثالثة:
في ذكر بعض النصوص القرآنية والحديثية الدالة على تحقيق صفة "اليدين" التي لا تحتمل المجاز إطلاقاً.
والتي استدل بها كبار أئمة الإسلام وأساطين الكلام الذين يعظمهم الماتريدية ولا يمكن لهم أن يرموهم بالوثنية والتجسيم والتشبيه، على أقل التقدير.
أمثال البخاري (256هـ ) والأشعري (324هـ) والباقلاني (403هـ) وابن فورك (406هـ) والبيهقي (458هـ) لتتم الحجة على الماتريدية ولا يبقى لهم عذر.
أ- فمن كتاب الله تعالى:
1- قوله سبحانه وتعالى في الرد على اليهود: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاء} [المائدة: 64].
فهذه الآية الكريمة صريحة في إثبات "اليدين" له تعالى، كما تدل على أن اليهود كانوا معترفين بإثبات اليد لله تعالى غير أن الله تعالى رد عليهم في نسبتهم النقص إلى يد الله تعالى بأنها مغلولة فقال: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} [ المائدة:64] فكذبهم في مقالتهم.قال الإمام ابن خزيمة (311هـ) "وافهم ما أقول من جهة اللغة تفهم وتستيقن أن الجهمية مبدلة لكتاب الله، لا متأولة قوله: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} [ المائدة:64] لو كان معنى "اليد" النعمة - كما ادعت الجهمية - لقرئت: (بل يداه مبسوطة)، أو منبسطة، لأن نعم الله أكثر من أن تحصى، ومحال أن تكون نعمة نعمتين لا أكثر - فلما قال عز وجل: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} [ المائدة:64] كان العلم محيطاً أنه أثبت لنفسه يدين لا أكثر منها... بيقين يعلمُ كل مؤمن أن الله لم يرد بقوله: {غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ} أي غلت نعمهم لا ولا اليهود أن نعم الله مغلولة، وإنما رد الله عليهم مقالتهم وكذبهم في قولهم: {يَدُ اللّهِ مَغْلُولَةٌ} وأعلم المؤمنين أن يديه مبسوطتان" .
2- قوله تعالى: {يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ} [ص: 7].
فهذه الآية صريحة في إثبات اليدين لله على الحقيقة وتمنع احتمال كل تأويل ومجاز قال الإمام ابن خزيمة: "وزعم بعض الجهمية أن معنى قوله: "خلق الله آدم بيديه": أي بقوته فزعم أن "اليد" هي القوة، وهذا من التبديل أيضاً، وهو جهل بلغة العرب، والقوة إنما تسمى "الأيد" في لغة العرب، لا "اليد" فمن لا يفرق بين "الأيد" و"اليد" فهو إلى التعليم والتسليم إلى الكتاتيب أحوج منه إلى الترؤس والمناظرة.
قد أعلمنا الله عز وجل أنه خلق السماء بأيد، و"اليد واليدان" غير "الأيد" إذ لو كان الله خلق آدم بأيد كخلقه السماء دون أن يكون الله خص خلق آدم بيديه لما قال: لإبليس {مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ}.
ولا شك ولا ريب أن الله عز وجل قد خلق إبليس - عليه لعنة الله - أيضاً بقوته، أي إذا كان قوياً على خلقه فما معنى قوله: {مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ } [ ص:75] ؟.عند هؤلاء المعطلة، والبعوض، والنمل، وكل مخلوق فالله خلقهم عنده بأيد وقوة" .
3- قوله تعالى: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [الزمر: 67].
فهذه الآية تدل دلالة واضحة على إثبات اليمين لله تعالى كما تدل على إثبات يده الأخرى بطريق الإشارة وكلتا يدي ربنا يمين وسياق هذه الآية أيضاً لا يحتمل التأويل والمجاز، ونكتفي بذكر هذه الآيات الثلاثة وإلا فالآيات في الباب كثيرة.
قال الإمام ابن خزيمة: "وزعمت الجهمية المعطلة، أن معنى قوله: { بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} [المائدة:64] أي النعمتان، وهذا تبديل لا تأويل.
والدليل على نقض دعواهم هذه أن نعم الله كثيرة لا يحصيها إلا الخالق الباري، ولله يدان لا أكثر منهما... فمن زعم أنه خلق آدم بنعمته كان مبدلاً لكلام الله تعالى.
وقال الله عز وجل: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [ الزمر:67] .
أفلا يعقل أهل الإيمان: أن الأرض جميعاً لا تكون قبضةَ إحدى نعمتيه يوم القيامة، ولا أن السموات مطويات بالنعمة الأخرى؟.ألا يعقل ذوو الحجا من المؤمنين، أن هذه الدعوى التي يدعيها الجهمية جهل أو شر من الجهل؟!! بل الأرض جميعاً قبضة ربنا جل وعلا بإحدى يديه يوم القيامة والسموات مطويات بيمينه، وهي اليد الأخرى وكلتا يديه يمين" .
هذه كانت نماذج من النصوص القرآنية الصريحة في إثبات صفة "اليدين لله تعالى التي لا تقبل التأويل.
ب- من السنة الصحيحة المحكمة الصريحة:1- قوله صلى الله عليه وسلم من حديث أنس في الشفاعة الكبرى: ((يا آدم أما ترى الناس خلقك الله بيديه، وأسجد لك ملائكته)) . الحديث.2- وقوله صلى الله عليه وسلم في تحاجّ آدم وموسى عليهما السلام: ((قال له آدم: يا موسى اصطفاك الله بكلامه وخط لك بيده)) .3- وقوله صلى الله عليه وسلم: ((يد الله ملأى)) وفي رواية ((يمين الله)) ((لا يغيضها نفقة سحاء الليل والنهار... وبيده الأخرى الميزان، يخفض ويرفع)) .4- وقوله صلى الله عليه وسلم: ((يقبض الله الأرض، ويطوي السماوات بيمينه ثم يقول: أنا الملك، أين ملوك الأرض؟)) .
5- ومثله من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.6- وقوله صلى الله عليه وسلم: ((ما تصدق أحد بصدقة من طيب، ولا يقبل الله إلا الطيب، إلا أخذها الرحمن بيمينه، وإن كانت تمرة فتربو في كف الرحمن حتى تكون أعظم من الجبل، كما يربي أحدكم فُولُوُّه أو فصيله)) .7- وقوله صلى الله عليه وسلم: ((تكون الأرض يوم القيامة خبزة واحدة يتكفؤها الجبار بيده كما يكفأ أحدكم خبزته في السفر، نزلاً لأهل الجنة)) . الحديث.
مقال جيد في الرد على من ينكر صفة اليد.
بيان موقف الماتريدية من هذه الصفة
المصدر: موسوعة الفرق - الدرر السنية
من صفات الله تعالى الثابتة له سبحانه بالكتاب والسنة الصحيحة صفة "اليدين" ومذهبُ الماتريدية فيها تبعاً للجهمية الأولى مذهبٌ تعطيلٍ وتحريفٍ.
بشبهة "التشبيه" حيث إنهم فهموا من هذه الصفة ما يفهم من صفات المخلوق فزعموا أن "الوجه" و"العين" و"اليدين" و"اليمين" و"الأصابع" والساق و"القدم" ونحوها أعضاء وجوارح.
فلو قلنا بإثبات ذلك يلزم كونه تعالى متبعضاً متجزياً مركباً، وغير ذلك من اللوازم الباطلة.
وبناء على هذا الفهم عطلوا هذه الصفة وحرفوا نصوصها إلى أنواع من المعاني المجازية بشتى طرق التأويل.
فأما صفة "اليدين"فقد قال الإمام أبو منصور الماتريدي في تأويل "اليدين" في تفسير قوله تعالى: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} [المائدة: 4] "نعمه مبسوطة" .
ومن أشنع تحريفاتهم قوله تعالى: {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْعَالِينَ} [ص: 75].
قولهم: "أي خلقته بالذات من غير توسط أب وأم.والتثنية - (تثنية اليد بذكر اليدين)- لإبراز كمال الاعتناء بخلقه عليه الصلاة والسلام" .وقالوا: المراد من "اليدين" غاية الجود والسخاء .أو المراد: منحه تعالى لنعمتي الدنيا والآخرة .أو كمال القدرة .
وأما صفة "اليد":فقالوا: المراد من "اليد" النعمة والقدرة .أو الملك .أو التصرف .
وأما صفة "اليمين":فحرفوها إلى "القدرة التامة" .أو "عظمة الله تعالى" .
وأما صفة "الكف":فيحرفونها إلى "التدبير" .
وأما صفة الأصابع:فيحرفونها إلى "القدرة" .
وأما صفة "القبضة":فيزعمون أن هذا "مجرد تصوير عظمة الله والتوقف على كنه جلاله لا غير من غير ذهاب بالقبضة ولا باليمين إلى جهة حقيقيةٍ أو جهةِ مجاز" .أو أن هذا تمثيل وتخيل لتخريب العالم من غير اعتبار القبضة، واليمين لا حقيقةً ولا مجازاً" .
هذا هو بيانٌ إجماليٌ لمذهب الماتريدية في هذه الصفات ونصوصها والذي يهمنا هو مناقشتنا إياهم في تعطيلهم لصفة "اليدين" وتحريفهم لنصوصها وبإبطال مذهبهم فيها يظهر بطلان مذهبهم في تلك الصفات الأخرى.
فنقول وبالله التوفيق:
مناقشتنا للماتريدية من طريقين: إجمالية، وتفصيلية.
أما المناقشة الإجمالية:
فأولاً: نقول: لقد سبق أن أبطلنا شبهة "التشبيه" في فصل مستقل.
وهي شبهة قديمة للجهمية الأولى واستمرت في أذهان المعطلة إلى يومنا هذا.
وهذا هو الدافع للمعطلة على تعطيل صفات الله تعالى وتحريف ونصوصها.
ثانياً: نقول: إن ما تشبثوا به - من شبهة أن "اليدين" و"اليد" و"الأصابع" ونحوها جوارح وأعضاء.
فلو أثبتنا ذلك لله تعالى يلزم كونه متجزياً متبعضاً متركباً ذا أبعاض وجوارح وأعضاء - باطلٌ قطعاً.
لما ذكرنا أن كل صفة إذا أضيفت إلى موصوفٍ فهي على ما تناسبه وتستحقه وتلائمه حتى باعترافهم.
ومن المعلوم أن صفاتنا منها ما هي أعيان وأجسام وهي أبعاض لنا، كالوجه، واليدين والرجلين، ونحوها.
ومنها ما هي معانٍ وأعراضٌ لنا.
كالسمع والبصر والكلام ونحوها.
ونحن وأنتم متفقون على أن "علم الله تعالى" و"بصره" و"سمعه" و"كلامه" ونحوها صفاتٌ لله تعالى وليست أعراضاً له تعالى.
فكذلك قولوا: في "الوجه" و"اليدين" و"الأصابع" ونحوها: إنها صفاتٌ لله تعالى وليست أجساماً ولا جوارح ولا أبعاضاً وأعضاء له سبحانه وتعالى.
وإلا يلزمكم أن تقولوا: إن "سمع الله تعالى"، و"بصره" و"علمه" و"قدرته" ونحوها أعراضٌ قائمةٌ بالله تعالى.
فإذا كنتم لا تعطلون تلك - فلم تعطلون هذه؟.
وإذا عطلتم هذه - يلزمكم أن تعطلوا تلك أيضاً.
لأن الشبهة المذكورة قائمة من النوعين على السواء:
ثالثاً: نقول: لقد بينا تفصيلاً في فصل التأويل أن مقالة تأويل الصفات بدعة في الإسلام وخروج على إجماع سلف هذه الأمة وأئمة السنة، وأنها في الأصل مقالة الكفار راجت على بعض المسلمين من طريق الجهمية الأولى، وأنها تستلزم تعطيل صفات الله تعالى وتحريف نصوصها، وأنها باب إلى زندقة القرامطة الباطنية وإلحادهم، مع كون تعطيل صفات الله تعالى وتحريف نصوصها زندقةً وإلحاداً أيضاً.
وأما المناقشة التفصيلية:
فنقف فيها مع الماتريدية وقفات:
الوقفة الأولى:
أننا قد ذكرنا نصوص الإمام أبي حنيفة (150هـ) وكبار أئمة الماتريدية، كفخر الإسلام البزدوي (482هـ) وشمس الأئمة السرخسي (490هـ) وحافظ الدين النسفي (710هـ) وعلاء الدين البخاري (730هـ) وأبو المنتهى المغنيساوى (كان حيا سنة (939هـ) والملا على القاري (1014هـ) وشيخ زاده (1078هـ) والعلامة الكشميري (1352هـ) على أن تأويل "اليد" بالقدرة أو بالنعمة، يستلزم محذورين:
أحدهما: أنه قول أهل القدر والاعتزال، وليس من قول أهل السنة في شيء.
ثانيهما: أنه إبطال لصفة الله تعالى "اليد" وهو تعطيل وتحريف.
فلا حاجة إلى إعادتها.
وفي ذلك عبرة بالغة للماتريدية لو كانوا يعلمون.
فإن نصوص الأئمة الحنفية وعلى رأسهم الإمام أبو حنيفة صريحة بأن من أول صفةً بصفةٍ أخرى فقط عطل وحرف وخرج من أهل السنة والجماعة والتحق بالجهمية.
فهل يمكن لأحد أن يعد الماتريدية وخلطائهم في عداد أهل السنة والجماعة؟؟.
الوقفة الثانية:
أن الماتريدية وزملاءهم الأشعرية اشترطوا في صحة التأويل أن يكون موافقاً للغة العربية وإلا يكون تحريفاً قرمطياً محضاً.
فنقول لهم: في ضوء اعترافهم أن تأويلاتكم لصفة "اليدين" ونحوها، وتحريفها إلى النعمة والقدرة ونحوها، من قبيل تأويلات الباطنية، ولا تساعدها اللغةُ البتة. بل ورود الكف، والأصابع، والقبضة، واليمين، ولفظ اليدين بصيغة التثنية، ولفظة "بيدي" بعد لفظة "خلقت" يمنع إرادة التأويل ويدفع المجاز ويعين إرادة الحقيقة بلا شك.
ولأجل هذه النكتة استدل أئمة السنة بعدة أحاديث على إثبات اليدين حقيقةً لله تعالى()، فإنه لم يرد لفظه "اليد" فقط بل ورد معها ما يتعلق باليد من الكف، والقبضة، والأصابع، واليمين، كما ورد "اليدان" بصيغة التثنية.
ولا يقال في اللغة العربية: "علمته بيديّ" إلا إذا باشر ذلك العمل بيديه.
والكلام يحمل على الحقيقة على ما هو الأصل ولو لم يكن قرائن الحقيقة، فكيف إذا تظافرت القرائن الموجبة لحمله على الحقيقة.
وإلا لكان هذا مستلزماً لإفساد نظام اللغة وإبطال التفاهم بين الناس وقلب الحقائق وتبديل الشرائع وهذا هو هدف الباطنية.
وإليك أيها القارئ الكريم نصوصاً لبعض كبار الأئمة الذين يعترف الماتريدية بفضلهم لتكون شاهدةً لما قلنا وحجةً قاهرة باهرةً على الماتريدية:
1- قال الإمام أبو الحسن الأشعري (324هـ) بعد ما ذكر أدلة كثيرة على إثبات اليدين لله تعالى:
"... ولا يجوز في لسان العرب ولا في عادة أهل الخطاب أن يقول القائل: "عملت كذا بيدي" ويعنى به النعمة، وإذا كان الله عز وجل إنما خاطب العرب بلغتها وما يجري مفهوما في كلامها، ومعقولاً في خطابها وكان لا يجوز في خطاب أهل اللسان أن يقول القائل: "فعلت بيدي" ويعني به النعمة - بطل أن يكون معنى قوله تعالى: {بِيَدَيَّ} النعمة.
وذلك أنه لا يجوز أن يقول: القائل: "لي عليه يدي" بمعنى لي عليه نعمتي"، ومن دفاعنا عن استعمال اللغة، ولم يرجع إلى أهل اللسان فيها - دوفع عن أن تكون "اليد" بمعنى "النعمة"، إذ كان لا يمكن أن يتعلق في أن "اليد" "النعمة" إلا من جهة اللغة، فإذا دفع اللغة لزمه أن لا يفسر القرآن من جهتها، وأن لا يثبت "اليد" "نعمة" من قبلها، لأنه إن روجع في تفسير قوله تعالى: {بِيَدَيَّ} بنعمتي؛ فليس المسلمون على ما ادعى متفقين،وإن روجع إلى اللغة فليس في اللغة أن يقول القائل: "بيديّ" "نعمتيّ"، وإن لجأ إلى وجه ثالث وسألناه عنه، ولن يجد له سبيلاً..." .
قلت: قد تقدم مراراً أن الحنفية ومنهم الكوثرية ذكروا الإمام الأشعري في عداد الحنفية فلا أدري ماذا يصنعون به على يرمونه بالوثنية والتجسيم والتشبيه؟؟!!.2- الإمام القاضي أبو بكر محمد بن الطيب الباقلاني (403هـ) الذي يعظمه الكوثري بأنه لسان الأمة وسيف السنة، وأنه لا يوجد في كلامه مجازاةٌ للحشوية وإيهام التجسيم والتشبيه، بل هو من الصرحاء في التنزيه البات .
فقد ذكر تأويلات الجهمية وتحريفاتهم لصفة "اليدين" ثم قال: "يقال لهم: هذا باطل لأن قوله "بيدي" يقتضي إثبات اليدين هما صفة له فلو كان المراد بها القدرة لوجب أن يكون له قدرتان.
وأنتم لا تزعمون أن لله سبحانه قدرة واحدة فكيف يجوز أن تثبتوا له قدرتين؟؟
وقد أجمع المسلمون من مثبتي الصفات والنافين لها على أنه لا يجوز أن يكون له تعالى قدرتان فبطل ما قلتم.
وكذلك لا يجوز أن يكون الله تعالى خلق آدم بنعمتين، لأن نعم الله تعالى على آدم وعلى غيره لا تحصى.
ولأن القائل: لا يجوز له - أن يقول: رفعت الشيء بيدي أو وضعته بيدي أو توليته بيدي وهو يعني "نعمته".
وكذلك لا يجوز أن يقال: "لي عند فلان يدان" يعني "النعمتين" وإنما يقال: "لي عنده يدان بيضاوان"، لأن القول: "يد" لا يستعمل إلا في اليد التي هي صفة للذات.
ويدل على فساد تأويلهم أيضاً أنه لو كان الأمر على ما قالوه، لم يغفل عن ذلك إبليس وعن أن يقول: "وأي فضل لآدم عليّ يقتضي أن أسجد له؟ وأنا أيضاً بيدك خلقتني التي هي قدرتك، وبنعمتك خلقتني.وفي العلم بأن الله تعالى فضل آدم عليه بخلقه بيديه دليل على فساد ما قالوه" .
قلتُ: هذا هو كلام الباقلاني الذي ليس عنده مجاراة للحشوية وهو صريح في التنزيه البات عند الكوثري، وقد عرفت أنه صريح في إثبات "اليدين" لله تعالى.3- ومثله كلام مهم للإمام أبي الحسن علي بن خلف الكبري المعروف بابن بطال (449هـ) ذكر نص كلامه الحافظ ابن حجر وأقره .
4- وقال الإمام أبو محمد عبدالواحد السفاقسي المالكي المعروف بابن التين (611هـ):"قوله: "وبيده الأخرى الميزان" يدفع تأويل اليد هنا بالقدرة، وكذا قوله في حديث ابن عباس رفعه: (( أول ما خلق الله القلم فأخذه بيمينه وكلتا يديه يمين)) الحديث .وقريب من كلام هؤلاء كلام ابن فورك والبيهقي ولعل كلامهم مأخوذ من كلام ابن خزيمة .
فهؤلاء كلهم يثبتون صفة اليدين له تعالى بدون تأويل، فهل هؤلاء مشبهة وثنية؟.
الوقفة الثالثة:
في ذكر بعض النصوص القرآنية والحديثية الدالة على تحقيق صفة "اليدين" التي لا تحتمل المجاز إطلاقاً.
والتي استدل بها كبار أئمة الإسلام وأساطين الكلام الذين يعظمهم الماتريدية ولا يمكن لهم أن يرموهم بالوثنية والتجسيم والتشبيه، على أقل التقدير.
أمثال البخاري (256هـ ) والأشعري (324هـ) والباقلاني (403هـ) وابن فورك (406هـ) والبيهقي (458هـ) لتتم الحجة على الماتريدية ولا يبقى لهم عذر.
أ- فمن كتاب الله تعالى:
1- قوله سبحانه وتعالى في الرد على اليهود: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاء} [المائدة: 64].
فهذه الآية الكريمة صريحة في إثبات "اليدين" له تعالى، كما تدل على أن اليهود كانوا معترفين بإثبات اليد لله تعالى غير أن الله تعالى رد عليهم في نسبتهم النقص إلى يد الله تعالى بأنها مغلولة فقال: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} [ المائدة:64] فكذبهم في مقالتهم.قال الإمام ابن خزيمة (311هـ) "وافهم ما أقول من جهة اللغة تفهم وتستيقن أن الجهمية مبدلة لكتاب الله، لا متأولة قوله: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} [ المائدة:64] لو كان معنى "اليد" النعمة - كما ادعت الجهمية - لقرئت: (بل يداه مبسوطة)، أو منبسطة، لأن نعم الله أكثر من أن تحصى، ومحال أن تكون نعمة نعمتين لا أكثر - فلما قال عز وجل: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} [ المائدة:64] كان العلم محيطاً أنه أثبت لنفسه يدين لا أكثر منها... بيقين يعلمُ كل مؤمن أن الله لم يرد بقوله: {غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ} أي غلت نعمهم لا ولا اليهود أن نعم الله مغلولة، وإنما رد الله عليهم مقالتهم وكذبهم في قولهم: {يَدُ اللّهِ مَغْلُولَةٌ} وأعلم المؤمنين أن يديه مبسوطتان" .
2- قوله تعالى: {يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ} [ص: 7].
فهذه الآية صريحة في إثبات اليدين لله على الحقيقة وتمنع احتمال كل تأويل ومجاز قال الإمام ابن خزيمة: "وزعم بعض الجهمية أن معنى قوله: "خلق الله آدم بيديه": أي بقوته فزعم أن "اليد" هي القوة، وهذا من التبديل أيضاً، وهو جهل بلغة العرب، والقوة إنما تسمى "الأيد" في لغة العرب، لا "اليد" فمن لا يفرق بين "الأيد" و"اليد" فهو إلى التعليم والتسليم إلى الكتاتيب أحوج منه إلى الترؤس والمناظرة.
قد أعلمنا الله عز وجل أنه خلق السماء بأيد، و"اليد واليدان" غير "الأيد" إذ لو كان الله خلق آدم بأيد كخلقه السماء دون أن يكون الله خص خلق آدم بيديه لما قال: لإبليس {مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ}.
ولا شك ولا ريب أن الله عز وجل قد خلق إبليس - عليه لعنة الله - أيضاً بقوته، أي إذا كان قوياً على خلقه فما معنى قوله: {مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ } [ ص:75] ؟.عند هؤلاء المعطلة، والبعوض، والنمل، وكل مخلوق فالله خلقهم عنده بأيد وقوة" .
3- قوله تعالى: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [الزمر: 67].
فهذه الآية تدل دلالة واضحة على إثبات اليمين لله تعالى كما تدل على إثبات يده الأخرى بطريق الإشارة وكلتا يدي ربنا يمين وسياق هذه الآية أيضاً لا يحتمل التأويل والمجاز، ونكتفي بذكر هذه الآيات الثلاثة وإلا فالآيات في الباب كثيرة.
قال الإمام ابن خزيمة: "وزعمت الجهمية المعطلة، أن معنى قوله: { بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} [المائدة:64] أي النعمتان، وهذا تبديل لا تأويل.
والدليل على نقض دعواهم هذه أن نعم الله كثيرة لا يحصيها إلا الخالق الباري، ولله يدان لا أكثر منهما... فمن زعم أنه خلق آدم بنعمته كان مبدلاً لكلام الله تعالى.
وقال الله عز وجل: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [ الزمر:67] .
أفلا يعقل أهل الإيمان: أن الأرض جميعاً لا تكون قبضةَ إحدى نعمتيه يوم القيامة، ولا أن السموات مطويات بالنعمة الأخرى؟.ألا يعقل ذوو الحجا من المؤمنين، أن هذه الدعوى التي يدعيها الجهمية جهل أو شر من الجهل؟!! بل الأرض جميعاً قبضة ربنا جل وعلا بإحدى يديه يوم القيامة والسموات مطويات بيمينه، وهي اليد الأخرى وكلتا يديه يمين" .
هذه كانت نماذج من النصوص القرآنية الصريحة في إثبات صفة "اليدين لله تعالى التي لا تقبل التأويل.
ب- من السنة الصحيحة المحكمة الصريحة:1- قوله صلى الله عليه وسلم من حديث أنس في الشفاعة الكبرى: ((يا آدم أما ترى الناس خلقك الله بيديه، وأسجد لك ملائكته)) . الحديث.2- وقوله صلى الله عليه وسلم في تحاجّ آدم وموسى عليهما السلام: ((قال له آدم: يا موسى اصطفاك الله بكلامه وخط لك بيده)) .3- وقوله صلى الله عليه وسلم: ((يد الله ملأى)) وفي رواية ((يمين الله)) ((لا يغيضها نفقة سحاء الليل والنهار... وبيده الأخرى الميزان، يخفض ويرفع)) .4- وقوله صلى الله عليه وسلم: ((يقبض الله الأرض، ويطوي السماوات بيمينه ثم يقول: أنا الملك، أين ملوك الأرض؟)) .
5- ومثله من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.6- وقوله صلى الله عليه وسلم: ((ما تصدق أحد بصدقة من طيب، ولا يقبل الله إلا الطيب، إلا أخذها الرحمن بيمينه، وإن كانت تمرة فتربو في كف الرحمن حتى تكون أعظم من الجبل، كما يربي أحدكم فُولُوُّه أو فصيله)) .7- وقوله صلى الله عليه وسلم: ((تكون الأرض يوم القيامة خبزة واحدة يتكفؤها الجبار بيده كما يكفأ أحدكم خبزته في السفر، نزلاً لأهل الجنة)) . الحديث.
الماتريدية وموقفهم من توحيد الأسماء والصفات للشمس السلفي الأفغاني 3/51
0 comments:
إرسال تعليق