أخبار الثورة السورية المباركة - اخوانكم في ليبيا معكم يا رجال ويا حرائر سوريا



فلم - كشف اللثام عن المنافق المجرم الصوفي البوطي عدو أهل الشام
فلم - كشف اللثام عن المجرم الصوفي البوطي عدو أهل الشام



دعم الثورة الجزائرية ضد النظام الجزائري الدموي العميل لاسرائيل

Asharis .. The Other Face

أشاعرة يدنسون ويدوسون على المصاحف ويكتبون الاسماء الحسنى بالغائط ! استماع ۞ الامام الاشعري وشيخه وتلاميذه مجسمة ۞ شيخ أشعري كذاب رماه الله تعالى بالخبث في العضو فمات !! ماذا فعل ؟ ۞ دفاع القرطبي عن ابن عبدالبر من اعتداء جهلة الأشعرية ودليل تجسيم الامام الاشعري !!! ۞ د. عبد الرحمن دمشقية: الامام الاشعري يثبت الحد!
السواد الاعظم... ... أم الكذب الأعظم؟
أشاعرة اليوم (الشعبوريون) أشر قولا من اليهود والنصارى !
روى أمير المؤمنين في الحديث الإمام البخاري (صاحب صحيح البخاري) في كتابه خلق أفعال العباد ج1ص30 باب ذكر أهل العلم للمعطلة وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ عَامِرٍ: " الْجَهْمِيَّةُ أَشَرُّ قَوْلًا مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، قَدِ اجْتَمَعَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى، وَأَهْلُ الْأَدْيَانِ أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَلَى الْعَرْشِ، وَقَالُوا هُمْ: لَيْسَ عَلَى الْعَرْشِ شَيْءٌ "

فرقة الأحباش .. الوجه الآخر

الاحباش المرتزقة .. الوجه الآخر
وإن منهم لفريقا يلوون ألسنتهم بالكتاب لتحسبوه من الكتاب وما هو من الكتاب
ويقولون هو من عند الله وما هو من عند الله ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون : آل عمران - 75

الصوفية .. الوجه الآخر - وكذبة الصوفية الحقة

واجهة التصوف إدّعاء الإحسان .. والوجه الآخر عبادة الأموات !
موقع الصوفية - صوفية حضرموت - الحوار مع الصوفية - شرار الخلق - التصوف العالم المجهول
۞ الاحسان الصوفي ۞ روى الشعراني : إذا صحبت فاصحب الصوفية فإن للقبيح عندهم وجوهاً من المعاذير وليس للحُسن عندهم كبير موقع يعظمونك به ۞ يقول الصوفي المغربي أبو لبابة حسين عن الصوفية : "فهم لا يترددون بالاستشهاد حتى بالموضوع من الحديث إذا كان ذلك يخدم قضيتهم" ا.هـ موقف متصوفة افريقيا وزهادها من الاحتلال العبيدي
Sufism .. The Other Face
The Outward is claiming Ihsan .. The inward is Graveworship (deadworship) !
Cleanse the houses of Allah .. from the corpses of Sufis

أسرار كتاب الغزالي إحياء علوم الدين - للشيخ نظام اليعقوبي استماع
رحلتي مع جماعة التبليغ - للصوفي السابق الشيخ :عباس الشرقاوي Angry face
ست محاضرات خطيرة! في كشف أسلحة الصوفية السرية في استغفال المسلمين علمائهم وعامتهم (اضغط على السهمين المتعاكسين للانتقال بين المحاضرات)
دينُ الصوفيةِ أصبحَ خَرِقاً - الدكتور الصوفي :فرحان المحيسن الصالح يطلقها مدوية !
خطبة مؤثرة جدا ! من يرد النجاة فليصدق ويستمع الى الخطبة

01 يونيو، 2010

المقالات الدمشقية في الدفاع عن ابن تيمية وكشف الضلالات الحبشية 74-99

فهذه النصوص المحكية عن السلف كانت مورد الشبهة، وقد يأخذ بها من لا يتحقق من درجة ثبوت هذه الروايات أو ضعفها. وهذا بخلاف من بنى قوله أصلاً على قواعد أهل الكلام أدت به إلى التزام لوازم فائدة كالجهم بن صفوان.
فكيف وأن الثابت عن ابن تيمية وتلميذه تصريحهما المطلق بأبدية الجنة والنار وأنهما لا تفنيان أبداً! وهو ما أذهب إليه.
ولقد أنكر الشعراني صحة نسبة القول بفناء النار إلى محي الدين بن عربي، مع أن ذلك موجود في كتبه، فقال الشعراني في الأجوبة المرضية "ثم إنه بتقدير صحة نسبة ذلك إلى الشيخ محي الدين فالشيخ لم ينفرد بذلك، فقد قال جمع من الظاهرية وفرقة من الحنابلة والقدرية بفناء النار" (1) . ومع ذلك فإن المتعصبين لم يُشيروا إلى ذلك وإنما سكتوا عنه وكتموا الحق بشأنه لأنه من الأولياء:
نعم؛ هو من الأولياء ولكن أولياء من؟
قال تعالى {إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ اللّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ}. وقال {فَقَاتِلُواْ أَوْلِيَاء الشَّيْطَانِ}.

قيام الحوادث بالرب هو قول الأشعري

أما عن استنكار الحبشي قول ابن تيمية "فإن قلتم لنا: فقد قلتم قيام الحوادث بالرب. قلنا لكم: نعم، وهذا قولنا الذي دل عليه الشرع والعقل" (2) :
فالحبشي يكتم الناس أن هذه من مسائل الأشعري نفسه خالفه فيها الماتريدية وأن الأشاعرة يوافقون ابن تيمية في ذلك.
الرازي يصرح بقيام الحوادث بالرب
ويكتم الحبشي أيضاً عن عامة أتباعه أن هذا ليس مذهب ابن تيمية وحده وإنما هو ما انتهى إليه نُظّار الأشاعرة حيث انتقدوا القول بأزلية الصفات مطلقاً بعد أن واجهتهم مشكلات بسبب هذه النظرية، فتفرقوا واضطربوا:
حتى صرح إمامهم في المذهب الأشعري وهو الرازي بأن أكثر العقلاء يقولون بقيام الحوادث بالرب وإن أنكروه باللسان:
أضاف الرازي:
__________
(1) نقلاً عن جلاء العينين للألوسي 425 .
(2) المقالات السنية 19 .
(1/74)

فأبو علي وأبو هاشم من المعتزلة وأتباعهما قالوا بإرادة حادثة لا في محل.
وأبو الحسين البصري يثبت في ذاته تعالى علوماً متجددة بحسب تجدد المعلومات.
والفلاسفة يقولون بأن الإضافات وهي القبلية والبعدية موجودة في الأعيان. فيكون الله مع كل حادث. قال الرازي: وذلك الوصف الإضافي حدثٌ في ذاته.
والأشعرية يثبتون نسخ الحكم، ويثبتون للعلم والقدرة تعلقات حادثة (1) وانتهى إلى أن القول بقيام الصفات الفعلية (ذكر منها صفة الكلام) بمشيئة الله واختياره هو أصح الأقوال عقلاً ونقلاً" قال الحافظ ابن حجر "وهو المحفوظ عن السلف" (2) .

وقال في المطالب العالية "هل يعقل أن يكون الله محلاً للحوادث؟ قالوا (3) هذا قول لم يقل به إلا الكرامية. وأنا أقول: إن هذا قول قال به أكثر أرباب أهل المذاهب، أما الأشعرية: فإنهم يدعون الفرار من هذا القول إلا أنه لازم عليهم". ثم أوضح بطلان عقيدة الأشاعرة في الكلام النفسي هو قول بعيد عن الصواب (4) .
فإذا كان قيام الحوادث بصفات الرب الفعلية: لزم الحبشي تكفير ابن حجر والرازي والأشاعرة عموماً، فإنهم أكدوا قيام الحوادث في أفعاله سبحانه. وأنه قول لا مهرب منه.
أليس غريباً حينئذ أن يتهم ابن تيمية بأنه يقول بقيام الحوادث بالرب بينما يكتم عن عامة أتباعه أن هذا ما اتُّهم به الأشعري نفسه في موقفه من صفة التكوين وسائر صفات الأفعال. ولقد زعم أن الأشعرية والماتريدية تمثلان عقيدة أهل السنة والجماعة. وأنه لا حرج على من يختار أي من الطريقتين شاء. فإذا كان يلزم من القول بحدوث صفات الرب حدوث الرب نفسه فأخرِجوا الأشاعرة من بوتقة أهل السنة والجماعة. وهذا لا ريب فيه.
__________
(1) الأربعين في أصول الدين للرازي 118 .
(2) فتح الباري 13/441 .
(3) يعني أصحابه من الأشاعرة .
(4) الدليل القويم 76 .
(1/75)

ولقد اعترف الحبشي بأن معظم الأشاعرة خالفوا الماتريدية قائلين: إن الصفات الفعلية ليست أزلية لأنها لا تتعلق بذات الله تعالى (1) وإنما تقوم بإرادة الله ومشيئته (2) . ويلزمهم من ذلك أن يعترفوا بأن الخلاف بين الأشاعرة والماتريدية خلاف في أصل العقيدة. وأن منه ما جعلهم يكفّر ويبدّع بعضهم بعضاً.
ولقد اعترف الحبشي بصحة ما ذكره الحافظ ابن حجر في (الفتح 13/439) بمعارضة الأشعري القول بأزلية كل الصفات لله تعالى مما جعل الماتريدية يُلزمونه بأنه يقول بحلول الحوادث بالله (3) . وبقي هذا الخلاف قائماً بين الفريقين إلى اليوم:
فالأشاعرة يقولون بأن الصفات الفعلية لله ليست أزلية بخلاف الصفات الذاتية فإنها أزلية. وهذا باعتراف الحبشي نفسه (4) .

التعلقات والإضافات هروب شبيه بالكسب
وقد فسروا أفعال الله بالتعلقات والإضافات وهي في الحقيقة ليست إلا الأفعال ولكنها مخالفة لها في اللفظ موافقة لها في المعنى كقولهم في الكسب الذي خالفوا في الجهم لفظاً ووافقوه معنى. ولهذا ألزم الرازي الأشاعرة بأن التعلقات والإضافات التي يقول بها المتكلمون هي الحدث بنفسه في الله (5) .
أما عن التعلقات فيسألهم ابن تيمية أولاً عن الدليل الشرعي من الكتاب والسنة على وجود إضافات وتعلقات لله وهو أمر غيبي لا قِبَلَ لهم بالعلم به إلا من عند الله؟ فهذا افتراء شبيه بافترائهم أن جبريل فهم ما في نفس الله من المعاني وصاغه بألفاظ من عنده.
ثم يناقشهم ابن تيمية فيقول "إما أن يكون التعلق أمراً وجودياً أو عدمياً؟
فإن كان عدمياً فلم يتجدد شيء والعدم لا شيء. فهذا قول غير معقول.
وإن كان وجودياً بطل قولهم من أصله فيلزمهم إثبات إرادة فعلية مستقبلة (6) ..
__________
(1) إظهار العقيدة السنية 31 .
(2) فتح الباري 13/ 441 و455 و 491 .
(3) الدليل القويم 76 .
(4) الدليل القويم 75 .
(5) الأربعين في أصول الدين 118 .
(6) درء تعارض العقل والنقل 8/283 .
(1/76)

نفي قيام الحوادث بالرب
ذريعة اعتزالية قديمة موروثة
ولقد استخدم المعتزلة هذه الذريعة فقالوا: لا تحِلّ الحوادث بالله: لا الأعراض ولا الجواهر. وأرادوا بذلك نفي أن تقوم به صفة العلم والقدرة أو أن يقوم به الفعل كالخلق والاستواء والإحياء والإماتة. غير أن السلف ردوا عليهم.
- قال البخاري في صحيحه في كتاب التوحيد: باب قول الله تعالى {كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} وقوله {لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا} بأن حدَثه سبحانه لا يشبه حدث المخلوقين لقوله تعالى {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}.
فإنكار قيام الحدث في أفعال الرب يؤدي إلى القول بأزلية المخلوقات، وإثبات ذلك على وجه لا يشبه حدث المخلوقين هو الموافق للشرع والعقل كما قال البخاري".
وأين هذه الأزلية من قول النبي - صلى الله عليه وسلم - المتفق على صحته "لما فرغ الله من الخلق كتب على عرشه رحمتي سبقت غضبي"؟!

تفصيل معنى الحوادث
ولا بد لنا أن نتفهم مراد ابن تيمية من عبارة (قيام الحوادث بالرب):
قال "فمن قال: الرب تعالى ليس محلاً للحوادث، نقول له: إن هذا لفظٌ مجمل لا يُقبل على إطلاقه، بل يُفسَّر ويُفصّل كالآتي:
فإن أريد بهذا النفي المجمل أن الله تعالى ليس محلاً للحوادث، أي ليس داخل ذاته المقدسة شيء من المخلوقات المحدثة فهذا نفيٌ صحيح.
وإن أريد بذلك النفي: نفي ما وصف الله به نفسه وما وصفه به رسوله - صلى الله عليه وسلم - من الصفات الاختيارية من أن لا يتكلم بما شاء إذا شاء ولا أنه يغضب ويرضى ولا أن يوصف بما وصف به نفسه من النزول والاستواء والإتيان كما يليق بجلاله وعظمته: فهذا نفيٌ باطل ومردود على قائله" (1) .
وأهل الكلام المذموم يطلقون [لفظ] نفي الحوادث، فيسلّم السُّنّي له ذلك على ظن أنه ينفي عن الله ما لا يليق بجلاله.
فإذا سلّم له ذلك ألزمه [المتكلم] بنفي الصفات الإختيارية وصفات الفعل، وهو غير لازم له.
__________
(1) مجموع الفتاوى 6/ 273 .
(1/77)

وإنما أُتِيَ السّنّيُّ من تسليمه لهذا النفي المجمل، وإلا فلو استفسر واستفصل لم ينقطع معه" أي لم يتمكن المتكلم من إلزامه بهذا النفي.

مسألة قدم العالم
وزعم الحبشي أن ابن تيمية كفر لقوله بقدم العالم بنوعه، ونقل عن التقي السبكي قوله في الدرة المضية أن ابن تيمية "جعل الحادث قديماً والقديم حادثاً" يعني قوله بقدم المخلوقات وقوله بحدوث الإرادة بالله. قال: ولم يجمع أحد سواه بين هاتين الضلالتين (1) .
- قلت لو كان هذا صحيحاً فكيف يثني السبكي عليه الثناء البالغ ويصرح أن الله جمع له بين الورع والزهادة وبلوغه والاجتهاد والديانة ونصرة الحق، واتباعه مذهب السلف (2) رواه الحافظ ابن حجر.
وإذا كان السبكي يصف ابن تيمية بهذه الأوصاف العظيمة: كيف يجرؤ لرجل ككمال الحوت أن ينفي دعاء السبكي له بالرحمة (3) فإنه بالرغم من تعصب السبكي الإبن ضد ابن تيمية إلا أنه كان يدعو له بالرحمة والفوز بشفاعة النبي - صلى الله عليه وسلم - ووسيلته (4) .
القائلون بأزلية فعل الخالق يلزم أزلية المخلوق
بل إن من يدعون أن صفات الله كلها أزلية ولا يعترفون بأن أفعال الله كالتخليف والتصوير أفعال حادثة: يلزمهم القول بأزلية المخلوق، لأنه إذا كان فعل الله بلا أول لزم أن يكون المفعول المخلوق بلا أول.
الفخر الرازي يمنع من تكفير القائلين بقدم العالم
وتعجب إذا علمت أن الفخر الرازي – مقعد المذهب الأشعري – قرر في "شرح إشارات ابن سينا" (1/42-43) أنه لا كُفرَ لمن يقول بقدم العالم على طريقة الفلاسفة مع إثبات الخالق وأن العالم مخلوق لازم لذات الله، بل لم يجعلها من مسائل التوحيد ما دام الكل متفقاً على أن الله هو خالق كل شيء.
__________
(1) الدليل القويم 160 .
(2) الدرر الكامنة 1/159 الذيل على طبقات الحنابلة 2/293 .
(3) التوفيق الرباني 68 و76 والرسائل السبكية 60 .
(4) طبقات السبكي 10: 149 تحقيق الحلو والطناحي ط: الحلبي مصر .
(1/78)

قال "فأما القائلون بأن واجب الوجوب واحد، فقد اختلفوا على قولين:
فمنهم من قال: إنه تعالى لم يكن في الأزل فاعلاً، ثم صار فيما لا يزال فاعلاً، ثم صار فيما لا يزال فاعلاً وهم الملِّيوّن بأسرهم. ومنهم من قال: إنه كان في الأزل فاعلاً، وهم الفلاسفة". ثم قال بعد سطور: إنه كان في الأزل فاعلاً وهو الفلاسفة.
قال "فثبت أنه لا تعلق لمسألة القدم والحدوث بالتوحيد".
اختبار الصدق
وكنا نود أن يكون الحبشي شديداً على القائلين الحقيقيين بقدم العالم، غير أننا رأيناه على عكس ذلك فإنه يتستر عليهم ويتأول ألفاظهم.
فمع أنه يذكر أن الأمة اتفقت على كفر القائلين بقدم العالم، إلا أنه لا يريد أن يعترف بأن أبرز القائلين بقدم العالم هم الصوفية، يتزعمهم في ذلك ابن عربي كما صرّح به:
العز بن عبد السلام (الذي كان معاصراً لابن عربي).
وأبو حيّان النّحوي.
والحافظ ابن حجر.
حيث صرحوا أن ابن عربي يقول بقدم العالم ولا يحرِّم فرجاً (1) .
لكن الحبشي ينسب القول بقدم العالم (زوراً) إلى ابن تيمية ويتكتم على شهادة العز بن عبد السلام وأبي حيان في ابن عربي أنه كان مؤمناً بقدم العالم: فهل هذا إلا الظلم والتعصب الأعمى؟!
هذه كتب ابن تيمية: أين قال فيها بقِدَم العالم؟ قارنوها بكتب ابن عربي التي قال فيها الذهبي "إن لم تكن كفراً فلا يوجد في الدنيا كُفر" (2) .

ما حكم القائلين بأزلية النور المحمدي؟
إن الحبشي يخفي حقيقة لا يعرفها من يتعصبون له، وهو أنه في الوقت الذي يتهجم فيه على ابن تيمية ويتهمه كذباً بأنه يقول بأزلية شيء مع الله، يخفي عليهم أن القول بوجود مخلوق أزلي مع الله هو قول المنحرفين الصوفية الذين يفخر بأنه على طريقتهم كالرفاعية والنقشبندية.
__________
(1) لسان الميزان 2/384 سير أعلام النبلاء 23/48 تفسير البحر المحيط 3/449 تنبيه الغبي إلى تكفير ابن عربي 157 للبقاعي طبقات ابن الملقن (153) صفحة 469 .
(2) سير أعلام النبلاء 23/48 .
(1/79)

الصيادي والرواس يصرحان بأزلية نور النبي - صلى الله عليه وسلم -
فقد ذكر الصيادي في قلادته الصلاة الرفاعية ونصها:
"اللهم صلّ على نورك الأسبق الذي أبرزته رحمة شاملة لوجودك: نقطة مركز الباء الدائرة الأولية الذي فتقت به رتق الوجود وخصصته بالمقام المحمود وأقسمت بحياته: فهو سرك القديم الساري وماء جوهر الجوهرية الجاري الذي أحييتَ به الموجودات من معدنٍ وحيوان ونبات (1) .
ووصفه الصيادي بأنه - صلى الله عليه وسلم - نور من نور الله وسر من أسراره (2) . وهذا السر قديم مع قدم الله.
وهذا ما صرح به المهدي الرواس في كتابه (بوارق الحقائق) (3) حيث جعل نور النبي - صلى الله عليه وسلم - أزلياً وأن عمامته فوق عرش الله، قال:
وهو نور أزليٌ طرزُه صار في وجه وجود الكون شامة
طُوِيَ العالم في جبّته وعلى العرش علت منه العمامة
وتسألهم: كيف اعتقدتم بوجود أزلي مع الله؟ أليس هذا كفراً؟ لماذا لا تحكمون بكفر زعيمين من كبار الطريقة الرفاعية: الصيادي والرواس؟
وهنا ستخرس ألسنتهم ولن يرضوا بتكفير الصيادي ولا الرواس، لأنهما رأس الطريقة الرفاعية، وسيحاولون التملص من الإحراج، وسيشعرون بالذلة بعد تعاظمهم، يتبجحون بتكفير ابن تيمية لقوله بزعمهم بأزلية المخلوقات، ألا فليجيبوا عن انحرافات الصيادي والرواس إن كانوا صادقين. فإن أبوا فاعلم أنهم متعصبون: يصدق فيهم قول أبي حنيفة "إني وجدت أهل الكلام قاسية قلوبهم، غليظة أفئدتهم، يبالون مخالفة الكتاب والسنة، وليس عندهم ورع ولا تقوى" (4)
__________
(1) قلادة الجواهر 249 وهذا الكتاب يعتمده الحبشي ويعظمه .
(2) قلادة الجواهر 263 .
(3) بوارق الحقائق ص333 وص15 من المجموعة النادرة .
(4) سير أعلام النبلاء 6/399 مفتاح دار السعادة 2: 136 .
(1/80)

والصيادي يزعم أنه لولا محمد لما خلق الله السماوات والأرض. قال "فالكل لأجله كان وبه نظم، بمعنى لولاك لولاك لما خلقت الأفلاك" (1) وقد كذّبه الله حين قال {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}.
والصوفية يزعمون أنهم يصيرون إلى حالة تجعلهم مع الله شيئاً واحداً، وكلامهم في "الفناء بالله" مشهور منثور في كتبهم. فكيف يصير القديم والحادث شيئاً واحداً؟!
عقيدة مصطفى نجا من وحدة الوجود
كما يعبر عنه عبد السلام بن بشيش "اللهم انشلني من أوحال التوحيد، وأغرقني في عين بحر الوحدة" (2) ، هذه العبارة المشؤومة قد استحسنها من تجعلونه قدوة لكم في الاعتقاد وهو الشيخ مصطفى نجا (3) . قاله في كشف الأسرار الذي أثنى عليه الأحباش وزعموا أنه دليل على صحة عقيدته (4) .
فيا من تزعم أن من مزايا الطريقة الرفاعية محاربة القائلين بوحدة الوجود لماذا تثني أنت وأتباعك على مصطفى نجا الذي استحسن هذا الكلام الكفري من ابن بشيش، فالتوحيد عنده أوحال، والوحدة عنده هو عين التوحيد!!
وإليك المزيد من عقيدة مصطفى نجا الشاذلي اليشرطي (5) :
__________
(1) قلادة الجواهر 252 .
(2) النفحة العلية في أوراد الشاذلية 16 .
(3) كشف الأسرار لتنوير الأفكار ص9 طبع على نفقة أحمد اليشرطي شيخ الطريقة اليشرطية الشاذلية.
(4) مجلة منار الهدى 43/47 .
(5) اليشرطية طائفة صوفية فاسدة حكي عنها أمور مذمومة واعتقادات مشؤومة حتى نفتهم الحكومة العثمانية، حكى في (حلية البشر أنهم كانوا يفخرون بمخالفة الشريعة وأن فعل المنكرات يوصل إلى رب الأرباب، ويُذكر أنهم كانوا يرتكبون الفواحش، وكان كثيرون يشكونهم إلى مؤسس الطريقة علي بن أحمد اليشرطي فكان يقتصر على قوله: "عظوهم وعرّفوهم أن هذا محرم. وإذا وعظهم إنسان سخروا منه وعدّوه من أهل الجهالة" (انظر الأعلام للزركلي 4/261).
(1/81)

وكان يؤمن بقدم نور نبينا - صلى الله عليه وسلم - وأن من نوره - صلى الله عليه وسلم - خلق الله الأشياء، وأن نور النبي - صلى الله عليه وسلم - أول صادرٍ عن الله (1) .
وأنه لولا محمد ما خلق الله سماءً ولا أرضاً، ولم يخرج شيء من العدم إلى الوجود لولا سريان سره في الأشياء وإمداده لها: لم يصح بقاء موجود (2) .
وزعم أن الله يتجلى لمن شاء من خلقه كما وقع لموسى حين تجلى الله له على النار المخلوقة (3) .
طريقة أهل البدع في الحكم على الآخرين
وزعم أن ابن تيمية قال "لا مانع أن يكون نوع العالم غير مخلوق لله" (4) من غير أن يحيل إلى شيء من كتبه.
ولا وجود لمثل هذا في كلام ابن تيمية وإنما هذا ما يراه الحبشي مما يزعم أنه من كلامه، ولو سألته عن المصدر الذي أخذ منه هذه العبارة لقال لك أنا لم أنقل هذا نصاً وإنما هو لازم كلام ابن تيمية في قوله بالقدم النوعي.
ولقد نبه ابن تيمية من قبل على أن هذه طريقة من طرق أهل الكلام في الافتراء على خصومهم حيث يُلزمونهم بما لم يقولوه، ثم يحكونه للناس فيظنون أنه نص كلامهم، وإذا طولبوا بالدليل على ما زعموه من مصدر خصومهم قالوا لك: هذا لازم قول خصمنا. وهو تحريف واضح وليس بجديد، فقد حرفوا كلام الله: جعلوا الاستواء استيلاء، فما الذي يمنعهم من تحريف كلام غير الله؟! ولا يعتقدون أن لازم المذهب ليس بمذهب.

تبرئة ابن تيمية من القول بقدم العالم
__________
(1) كشف الأسرار ص128 .
(2) كشف الأسرار 74 – 75 وانظر 86 .
(3) الكشف الإلهي 80 .
(4) الدليل القويم 160 .
(1/82)

قال الحبشي "فإن قلت أين قال ابن تيمية بأن دوام النوع أزليته. قلنا مراده بدوام النوع الأزلية كما لا يخفى (1) فلم ينقل الحبشي شيئاً من كتب ابن تيمية وإنما قال "لا يخفى أن يكون هذا مراده" أي مقصوده. ولو كان لابن تيمية نص صريح لتمسك به الحبشي وأظهره على الملأ. لكنه لا يملك نصاً فلم يسمعه إلا أن يقول: ومراده بدوام النوع الأزلية كما لا يخفى". وهذا تلبيس ماكر لا يتفطن له العامة من الناس.
وهو لا يخبرهم أن ابن تيمية يرى أن الصفات الفعلية لله تعالى وإن كانت أزلية النوع إلا أنها حادثة الأفراد كالخلق والكلام.
لكن الظالمين قلبوها إلى "قدم العالم النوعي" وجعلوا ذلك موافقاً لقول ابن سينا والفارابي وابن رشد الحفيد (2) ، بطريقة اعتباطية جائرة. وهذا كقولهم عن الحنابلة أنهم يعتقدون بأزلية وقدم ورق المصحف والحبر وجلد الغلاف. وقد جهلوا أن الله مطلع على هذا التلبيس الذي لا يزيد طالب الحق إلا نفوراً من مذهب الظلم.
وقد أفتى ابن تيمية بكفر الفلاسفة لقولهم بقدم العالم، وصرّح مراراً بأن الله لم يزل خالفاً فعّالاً وأن دوام خالقيته من لوازم وجوده، فهذا ليس قولاً بقِدَم شيءٍ من العالم (3) .
وأكد أن القول بقدم العالم قول الدهريين وهو كفرٌ ظاهرٌ معلومٌ فساده بالعقل والشرع، إذ لو كان العالم قديماً لوجب أن يكون مع الله قديم آخر (4) بل هذا من أبطلِ الباطل وأن من قال بذلك فليس معه إلا الجهل" (منهاج السنة 1/101-104). فإن "كل ما سوى الله مخلوق حادث كائنٌ بعد أن لم يكن، وأن الله هو وحده القديم الأزلي ليس معه شيء قديم تقدّمه" (درء التعارض 1/125).
__________
(1) الدليل القويم 41 .
(2) قاله في كتابه إظهار العقيدة السنية 41 .
(3) مجموع الفتاوى 16/95 .
(4) شرح حديث النزول 160 و170 ط المكتب الإسلامي .
(1/83)

قال "ويمتنع أن يكون مفعوله (أي ما خلقه الله) مقارناً له أزلياً معه، لأن كونه مقارناً في الأزل يمنع كونه مفعولاً له، فإن كون الشيء مفعولاً مقارناً ممتنع عقلاً" (منهاج السنة 1/117). مما يؤكد أن كلام ابن تيمية عن دوام النوع لا يعني به شيئاً من دوام أحد غير الله.

وقال "وليس معه شيء قديم بقدمه، بل ليس في المفعولات قديم ألبتّة، بل لا قديم إلا هو سبحانه، وهو الخالق لكل ما سواه، وكل ما سواه مخلوق" (المنهاج 8/272).
فها هو يصرح بوضوح أن القول بوجود قديم آخر مع الله تعالى من أبطل الباطل، فأوضحوا كلامكم وأجيبوا ببساطة ووضوح: هل يقول ابن تيمية بقِدَم شيء مع الله أم لا؟ إن سؤالاً مثل هذا على بساطته سوف يُحرجهم لأنهم لن يجدوا من كلام ابن تيمية ما يؤيد فريتهم.

تسلسل الحوادث لا إلى أول
يمنعون على الله التخليق
وأما مذهبكم الذي أخذتموه من الحبشي فإن العامة لم يقفوا بعد على حقيقته وهو أنكم تجعلون ممتنعاً على الله أن يخلق شيئاً قبل خلق الماء أو العرش. وهو الذي جعل ابن تيمية يخالفكم في ذلك أشد المخالفة، لأن مذهبكم ينتهي إلى نسبة العجز لله عز وجل، لا سيما وأنه محالٌ على الله برأيكم أن يخلق شيئاً قبل خلق السماوات والأرض، لأن الامتناع عندكم داخل في باب المحالات.
وهذا ما حدا بابن تيمية إلى مخالفتكم قائلاً بأنه:
(1/84)

"إذا لم يزل الله حياً قادراً مريداً متكلماً – وذلك م لوازم ذاته – فالفعل ممكن له بموجب هذه الصفات له، وإنه: أنْ يوصف الله بالفعل أكملُ من أن لا يفعل شيئاً وأنه لا يلزم من هذا القول أن يكون شيء من مخلوقاته ملازم معه أزلاً لأنه سبحانه متقدم على كل فرد من مخلوقاته تقدماً لا أول له. فالكل مخلوق أول، والله لا أول له. وليس من العقل أن يكون الله خالقاً من غير خلق". وقال "إذا عُرض على العقل ذات يمكنها أن تتكلم بقدرتها وتفعل ما تشاء بنفسها، وذات لا يمكنها أن تتكلم بمشيئتها ولا تتصرف بنفسها: قضى العقل الصريح أن هذه الذات أكمل" (1) .
وإثباتكم أن الله خالق لكنه لم يكن خالقاً قول مرجوح، ونسألكم: هل يمكن أن يخلق مذ كان خالقاً؟ فإن قلتم نعم فقد قلتم بإمكان حوادث لا أول لها، ولا فرق عند العقلاء بين إمكانها وبين حدوثها فعلاً. وإن قلتم: لا، وقعتم في سفسطات لا نهاية لها.
فأنتم لم تعرفوا إلا مذهبين: مذهب الفلاسفة القائلين بقدم العالم ومذهبكم في الاستدلال على الخالق بحدوث العالم آل بكم إلى نفي صفات الله الفعلية. لأن الفعل عندكم حدوث، وظننتم أنه إذا بطل مذهب الفلاسفة صح مذهب الأشاعرة.
بينما هناك قول ثالث: وهو التفريق بين الخلق والمخلوق، فالخالق هو الله تعالى والخلق هو الصفة التي قامت به والمخلوق هو الموجد المنفصل عنه.
فيقال في صفة الخلق لله ما يقال في صفة الكلام. وهذا معنى دوام النوع عند ابن تيمية الذي احتج بقوله تعالى {أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لاَّ يَخْلُقُ} على دوام خالقيته مع تصريحه الدائم بأنه ليس مع الله شيء قديم (2) .
__________
(1) مجموع الفتاوى 6/242 درء التعارض 4/7 – 10 .
(2) مجموع الفتاوى 18/228 .
(1/85)

ولكن ليس عندكم أي رغبة في الاعتراف بوجود الفرق بين نوع الصفة وبين عين الصفة، وذلك هرباً من القول بحلول الحوادث بذاته تعالى، وقد فعلتم الشيء نفسه في صفات الله الأخرى فألحدتم في الصفات الفعلية منها وعطلتموها وجعلتم الصفات كلها أزلية، وهو السبب الذي جعلكم تنكرون أن يدخل كلام الله تحت مشيئته وقدرته. وأن يدخل فعله تحت مشيئته وقدرته.
بينما يفرّق ابن تيمية بين النوع والعين ويقسّم الصفات إلى ذاتية أزلية وفعلية غير أزلية على النسق الذي فعله الأشعري والبيهقي والكرماني والحافظ ابن حجر من قبل.
وهذا ما حملكم على ظلم الرجل واتهامه بموافقة الفلاسفة مع أنه يكفّرهم لقولهم بقدم العالم. وشهدتم عليه شهادة زور تُسألون عنها أمام الله يوم يقوم الأشهاد!.
وفي صفة الإرادة يفرق ابن تيمية بين الإرادة للشيء وبين إرادة فعله كقوله تعالى {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} فكلمة (إذا) ظرفية تمحض الفعل الماضي للاستقبال. ففي الآية إثبات إرادة مستقبلة تتعلق بالمراد (1) .
وهو لا شك أنه أراد هذا الشيء قبل كونه أزلاً، وهي الإرادة القديمة. وأما إرادة الشيء عند خلقه فهي إرادة متعاقبة لا تتعارض مع إرادة الله الأزلية.
ويقول "أنتم تسلمون قدم الإرادة والقدرة وحدوث المخلوقات بعد أن لم تكن، فما أوجب حدوث المخلوقات في وقت دون آخر؟
فإما أن يوجد سبب لحدوثها أو لا يوجد. ولا يمكن أن يقال: لا يوجد سبب.
وهذا السبب هو الفعل الحادث الذي يفر الأشاعرة المتأخرون منه هروباً من القول بقيام الحوادث بالله. وهو لازم لهم كما ألزمهم به الرازي.
__________
(1) رسالة الصفات الاختيارية لابن تيمية 2/13 ضمن جامع الرسائل .
(1/86)

وفي صفة العلم يفرق التفريق نفسه فيرى أن الله يعلم بالشيء قبل وقوعه فلما خلقه تجدد له علم مع علمه المتقدم أنه سيكون. كقوله تعالى {وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ} وقوله{وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ} وقوله{وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} ولا يرد على ذلك قولهم أنه يلزم من ذلك التغير في ذات الله. فإن التغير من حجج الفلاسفة وشبهاتهم التي جعلتهم ينفون علم الله. وكتاب الله جاء بخلاف ما تخرصت به الفلاسفة وأتباعهم الذين جعلوا العلم والإرادة شيئاً واحداً حتى لا يقولوا بتجدد العلم والإرادة.
وصفة السمع والبصر لا تتعلقان بالمعدوم فإذا خلق الله الأشياء رآها، وإذا دعاه عبادُه سمع دعاءهم. فلله سمع وبصر ذاتيان وفعليان ففي الرؤية يقول تعالى {وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ} ولم يقل {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا} {قَدْ سَمِعَ اللّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ فَقِيرٌ} إلا بعد أن قالوا ما قالوا.
وهذا ما انتهى إليه الرازي في شرح الإشارات حيث ذهب إلى أن قول أبي الحسين البصري بتغير العلم عند تغير المعلوم هو المذهب الصحيح (1) .
إما حدوث الفعل وإما أزلية المفعول
__________
(1) شرح الإشارات 1/76 عن الزركان ص 309 .
(1/87)

وأما قولكم بأزلية صفات الله الفعلية فإنه يؤدي إلى القول بأزلية المفعولات، لأننا إذا قلنا بأن الفعل كان أزلياً صار المفعول أزلياً مثله. وإن كان الفعل محدداً بوقت صار المفعول محدداً غير أزلي. فإن من قال إن الله خلق السماوات والأرض والبشر منذ الأزل فقد جعل وجود المخلوقات أزلياً. ولهذا كان قولكم هو المشعر بالتصريح بقدم العالم، وهو الذي دعا الرازي إلى مخالفتكم وإلى التصريح بأن جميع من تهربوا من القول بالحدوث في أفعال الله تعالى اضطروا إلى العودة إليه بصيغة أخرى.
ولهذا لم يكن يوافقكم ابن تيمية على زعمكم في:
1 ) التحديد الزمني لابتداء فعل الله التخليف. لأنه ما من وقت إلا كان الله فيه خالقاً. ولم يكن معطلاً عن الخلق.
2 ) ولم يوافقكم على زعمكم أن الله كان موصوفاً بأنه خالق لكن التخليق كان ممتنعاً عليه.
3 ) ومع ذلك لم يكن يرى ابن تيمية وجود شيء قديم مع الله عز وجل كما تزعمون عليه بلا تقوى ولا إنصاف، فإنه قال "وكل مخلوق فهو مُحدَث مسبوقٌ بالعدم وما ثم قديم أزلي إلا الله وحده، وإذا قيل لم يزل خالقاً فإنما يقتضي قِدَم نوع الخلق [أي التخليق ولهذا قال] ودوام خالقيته لا يقتضي قِدَم شيء من المخلوقات، فيجب الفرق بين أعيان المخلوقات الحادثة بعد أن لم تكن، فإن هذه لا يقول عاقل أن منها شيئاً أزلياً" (1) . فأين قال ابن تيمية بقدم شيء من المخلوقات؟!
__________
(1) مجموع الفتاوى 16/95 .
(1/88)

والذين يجعلون لفعل التخليق لله تعالى تحديداً ويمنعون عليه أن يكون خالقاً شيئاً قبل خلق السماوات والأرض فليس عندهم إلا رواية "كان الله ولم يكن شيء غيره، وكان عرشه على الماء ثم خلق السماوات والأرض" ويفهمون من ذلك أنه قبل السماوات والأرض لم يكن ثمة خلق. مع أن الرواية هذه تفيد بأن العرش والماء كانا مخلوقين قبل خلق السماوات والأرض. مما يدل على أن هذه الرواية لا يلزم منها القول بأن الله لم يكن خالقاً شيئاً قبل خلق السماوات والأرض.
- فقد جاء أهل اليمن يسألونه عن هذا العالم المشهود وليس عن جنس المخلوقات. فأخبرهم عن خلق السماوات والأرض حال كون عرشه على الماء ولم يخبرهم عن ابتداء خلق العرش الذي تؤكد الرواية أنه كان مخلوقاً خلق قبل السماوات والأرض.
- وأيضاً فقد قال "كان الله ولم يكن شيء قبله" وفي رواية "معه" وفي رواية "غيره" – والمجلس كان واحداً – فعُلِم أنه قال أحد هذه الألفاظ الثلاثة والآخران رُويا بالمعنى. ولهذا كان كثير من أهل الحديث يروونه بلفظ "القبل" كالحميدي والبغوي وابن الأثير.
ولفظ "القبل" ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في غير هذا الحديث:
فقد ثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - أن الله "قدر مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة: وكان عرشه على الماء" (مسلم 6243) وعن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال "اللهم أنت الأول فليس قبلك شيء" (مسلم 2713).

القائلون من أئمة الكلام بتسلسل الآثار (1) .
قال الأسنوي في شرح منهاج الوصول (2/103) "وأجاب في التحصيل (للآرموي) بجوابين ... الثاني "أن المحال من التسلسل إنما هو التسلسل في المؤثرات والعِلل، وأما التسلسل في الآثار فلا نسلّم أنه ممتنع.
__________
(1) هذا الفصل مستفاد من الكتاب القيم (دفع الشبه الغوية عن شيخ الإسلام ابن تيمية) ص38 لمؤلفه مراد شكري شكر الله سعيه.
(1/89)

قال الأصفهاني في (شرح المحصول) وفيه نظر لأنه يلزم منه تجويز حوادث لا أول لها، وهو باطل على رأينا" انتهى كلام الأسنوي ونقلُه.
قال العلامة محمد بخيت المطيعي في الصفحة نفسها على (شرح الأسنوي) معلقاً على كلام الأرموي قال "كلام جيد، وأما قول الأصفهاني: (وفيه نظر ... ) فلا يلزم من كونه باطلاً على رأيه أنه باطل في الواقع ونفس الأمر، فإنه لغاية الآن لم يقم دليل على امتناع التسلسل في الآثار الموجودة في الخارج، وإن اشتهر أن التسلسل فيها محال، ولزوم حوادث لا أول لها يضر بالعقيدة إلا إذا قلنا: لا أول لها: بمعنى لا أول لوجودها: وهذا مما لم يقم به أحد، بل الكل متفق على أن ما سوى الله تعالى – لما كان أو يكون – حادث: أي موجود بعد العدم بقطع النظر عن أن تقف آحاده عند حدٍ من جانبي الماضي والمستقبل أو لا تقف عند حد من جانبيهما".
فالأرموي مجوّز، والأصفهاني مبطل بقوله (وفيه نظر) والإسنوي ناقل، وبخيت المطيعي شيخ الأزهر ناصر لقول الأرموي، وكذلك أثير الدين الأبهري (1) في كتابه المعروف بـ "تحرير الدلائل في تقرير المسائل" قائل بها، والشيخ محمد عبده والجلال الدوّاني قائل بذلك كما ستراه: ومع هذا فلا تفسيق ولا تضليل ولا تفكير على النحو الذي نراه من الحبشي وأضرابه.
وقد رجّح الدوّاني القول بحوادث لا أول لها في حدوث العالم فقال "أنت خبير مما سبق أنه يمكن صدور العالم مع حدوثه، وعلى هذا الوجه، فلا يلزم القِدَم الشخصي في شيء من أجزاء العالم، بل القدم الجنسي بأن يكون فرد من الأفراد لا يزال على سبيل التعاقب موجوداً"؟
__________
(1) أثير الدين المفضل بن عمر الأبهري السمرقندي صاحب كتاب (هداية الحكمة) شيخ الأصفهاني شارح المحصول توفي 363هـ.
(1/90)

وقال الشيخ محمد عبده في حاشيته على "شرح الدوّأني للعقائد العضديّة" (ص179) ما نصه "وقد استشهد الحكماء على قِدَم الممكنات بدليل نقلي، وهو ما ذمّ الله به اليهود {وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} وبيانه: أنه لو قيل بحدوث العالم فقد قيل بأن الحق في أزليته لم يزل معطلاً عن الفيض والجود أزمنة غير متناهية لا ابتداء لها ثم أخذ يعطي الوجود، ومعلوم أنه على فرض أنه لم يزل خلاقاً إلى الأبد فكل ما خلقه فهو متناه، ونسبة المتناهي إلى غير المتناهي كلا نسبة، وذلك جلي التصور، فنسبة إعطاء الحق للوجود إلى منعه عن كل موجود ليست بشيء، وإن هذا إلا غِلّ اليد، حيث أن الإعطاء ليس بشيء يُذكَر في جانب المنع، وهذا من الشناعة بمكان ... والجواب أن ذلك – التخلص من الشناعة – لا يتوقف على القول بقدم شيء من أجزاء العالم، بل يكفي أن يقال: إن الله لم يزل خلاقاً، وإن كان كل جزء من أجزاء العالم حادثاً، فلا أول لعطائه، ولا مانع يقهره سبحانه، وهو الجواد الحق، ينفق كيف يشاء، ولا شيء من العالم قديم، بل كل حادث فهو مسبوق بالعدم، فلا دلالة في الآية على القدم" انتهى.
فتأمل قوله (فلا أول لعطائه) وقوله (كل جزء من أجزاء العالم حادث) وقوله (لم يزل خلاقاً).
قال الأستاذ مراد شكري "واعجب أخي أن أحداً من المحققين النّظار لم يخطر بباله أبداً أن قدم النوع هو شيء قديم مع الله، وأن النوع شيء محسوس له وجود.
واسأل هؤلاء: هل نوع الحوادث منفك عن الحوادث أم ملازم لها؟ أهو هي؟ إذ لا يمكن أن يكون شيئاً آخر كما يبدو؟
إن كان هو هي – وهو محال – فما الداعي لذكره؟ فهو حادث مثلها، وإن كان ملازماً لها فالمعلوم أن القديم: زائد الحديث يساوي = حادثاً.
والمركب من القديم والحادث هو حادث وهذا بيّنٌ عند من شدا شيئاً من علم الكلام.
(1/91)

وأما إن قالوا: إن النوع شيء والحوادث شيء، فقل لهم: فسّروا لنا كلمة (نوع) وحدها هكذا مجرداً، والأفضل أن ترجعوا لـ "الآجرومية" فتدرسوا باب المضاف والمضاف إليه، وتعربوا جملة (نوع الحوادث) فهذا أليق بكم" (1) .

ثم نقل عن ابن تيمية في (درء التعارض 9/153) ما نصه "فيقال لكم: أتريدون بذلك أن كل حادث فلا بد أن يكون مسبوقاً بغيره وأن الحوادث المحدودة لا بد أن تكون مسبوقة، أو أن الجنس لا بد أن يكون مسبوقاً؟
أما الأول والثاني فلا نزاع فيها، وأما الثالث فيقال: أتريدون به أن الجنس مسبوق بعدم أم مسبوق بفاعله؟ بمعنى أنه لا بد له من محدِثٍ؟ الثاني [أي أنه مسبوق بفاعله] مسلّم، والأول محل نزاع".
قال الأستاذ مراد "فهذا تقرير وتسليم أن جنس الحوادث مسبوق بالفاعل وهو الله جل وعلا، [وهذا يؤكد أن] القول بحوادث لا أول لها، أو تسلسل الآثار لا يفهم عاقل هذه العبارة إلا أنها متعلقة بمشيئة الله التي هي أزلية، وهي مسبوقة بالفاعل رب العالمين، وهذا بدهي وإلا لما كانت حوادث جمع حادثة، وهي المخلوقة المسبوقة بالعدم بأفرادها".
قال "ويُسأل القائل (إن إثبات حوادث لا أول لها مشاركة لله في اسمه "الأول" فيقال له: ماذا تقول في هذه الحوادث التي لا أول لها الآن؟ هل هي موجودة أم معدومة؟
فإما أن يقول: موجودة أو معدومة. أو يفتح فمه ويقول: ها، هاه لا أدري.
قال شيخ الإسلام في (درء التعارض 3/51) "وأيضاً فالحوادث الماضية عُدِمَت بعد وجودها، فهي الآن معدومة كما أن الحوادث المستقبلية الآن معدومة، فلا هذا موجود ولا هذا موجود الآن، وكلاهما له وجود في غير هذا الوقت، ذاك في الماضي، وهذا في المستقبل" (2) .

اتهامه بالقول بقدم العرش
__________
(1) دفع الشبه الغوية 45 – 46 .
(2) دفع الشبه الغوية 49 .
(1/92)

وهذه كذبة أخرى يفتريها الحبشي على ابن تيمية وينقلها عن الجلال الدواني كما في شرح العضدية "وقد رأيت في تأليفٍ لابن تيمية القول بالقدم الجنسي للعرش" (1) .
ولعلك تلاحظ عبارة "تأليف" وما تتضمنه من الافتراء فلماذا لم يذكر اسم هذا التأليف.
وإذا كنت لا تعرف من هو الجلال الدواني فابحث عن كتاب "إيمان فرعون" (2) فإن الدواني كتبه دفاعاً عن فرعون ولإثبات أنه مات على الإيمان. فقد ردّ عليه الشيخ ملا علي القاري في كتاب "فرّ العون من مدّعي إيمان فرعون". ألم يجد الحبشي رجلاً يحتج به غير من يدافع عن فرعون ويحكم بإيمانه؟
قال الآلوسي المفسر "وحاشا ابن تيمية أن يثبت عنه هذا الكتاب بل نسبته إليه كنسبة كتاب "إيمان فرعون" إلى الجلال الدواني، فاحفظ ذلك" ثم تعقب الجلال الدواني قائلاً "وجلال الدين وأضرابه أجهل الناس بالحديث".
وكذلك حكى الألوسي طعن الكوراني في حاشيته المسماة: "مجلى المعاني على شرح عقائد الدواني" في صحة نسبة هذا الكتاب إلى ابن تيمية قائلاً "لم أقف على هذا التصنيف لابن تيمية" (3) .
وهكذا حال من يحتج الحبشي بتجريحهم لابن تيمية لا يخلون من التعصب والانحراف الصوفي كالدواني والسبكي والهيتمي والحصني.

إقعاد النبي - صلى الله عليه وسلم - على العرش
وزعم الحبشي أن ابن تيمية قال "إن الله تعالى قاعد على الكرسي وترك موضعاً لمحمد ليجلسه عليه في الآخرة. وهذا الكتاب غير الرسالة العرشية" (4) :
ولكن؛ أين قال ابن تيمية هذا؟ وفي أي كتاب. إننا لم نره يؤيد ذلك في كتاب من كتبه، بل إنه حكى أن من السلف من قال بذلك وأنكرها آخرون (5) .
__________
(1) إظهار العقيدة السنية 60 .
(2) تحقيق ابن الخطيب ط المطبعة المصرية 1924 .
(3) عن جلاء العينين في محاكمة الأحمدين للألوسي 340 و 332 – 333 .
(4) شريط 13 (وجه أ) 94 .
(5) رسالة الرد على البكري 329 المعروفة بكتاب الاستغاثة.
(1/93)

وصدق فيما قاله، فإن من السلف من قال بذلك، ونقلت أسانيدُ كلامهم في هذه المسألة بأسانيد صحيحة منها:
ـ رواية مجاهد التي صححها الطبري في تفسير قوله تعالى {عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا} روى لها المحدِّثون كالخلال في السنَّة أسانيد كثيرة جداً. بلغ بعضها الصحة. قالوا إن الله يُقعِد النبي - صلى الله عليه وسلم - ليُرِيَ الخلائقَ منزلتَه (1) .
ولذلك قال الحافظ ابن حجر "قال ابن الجوزي: وقيل إن المقام المحمود أي إقعاده على العرش، وقيل على الكرسي وحكى كلا من القولين عن جماعة (2) ورواه الطبري عن جماعة من السلف ولم ينكر رواية مجاهد في إقعاد النبي - صلى الله عليه وسلم - على العرش (3) .
وقد رد الحافظ ابن عبد البر كلام مجاهد واعتبره مخالفاً للصواب ومهجوراً عند أهل السنة" (4) . ومنهم من أيد قول مجاهد وبالغ في الانتصار له كأبي بكر المروزي الذي جمع فيه كتاباً وروى عن إبراهيم بن عرفة سمعت ابن عمير يقول سمعت أحمد بن حنبل يقول "هذا قد تلقته العلماء بالقبول". وكذلك انتصر وأفتى بوجوب التسليم له جماعة من أهل العلم والحديث منهم أبو داود السجستاني صاحب السنن وإبراهيم الحربي ومحمد بن مصعب العابد شيخ بغداد وخلقٌ كثير، بحيث قال ابن الإمام أحمد عقيب رواية قول مجاهد "أنا منكِرٌ على كل من رد هذا الحديث، وهو عندي رجل سوء متهم، سمعته من جماعة وما رأيت محدّثاً ينكره، وعندنا إنما تنكره الجهمية" بل انتصر له ابن جرير وقال "ليس في فِرَق الإسلام من يُنكِر هذا" وقال بأن ما قاله مجاهد غير مدفوع صحته لا من خبر ولا من نظر (5) . وذكر بأنه لا يلزم منه لوازم باطلة.
__________
(1) رواه الخلال في السنة 218 وانظر العلو للذهبي 75 .
(2) فتح الباري 2 : 95 .
(3) تفسير الطبري المجلد الثامن الجزء 15 .
(4) التمهيد 7 / 157 .
(5) تفسير الطبري المجلد الثامن 8: 15/98-99 والعلو للذهبي 124 .
(1/94)

فمسألة إقعاد النبي - صلى الله عليه وسلم - على العرش على افتراض صحة نسبتها إلى ابن تيمية مسألة تكلم فيها طائفة من السلف كمجاهد وغيره.
فانظر مدى دقة ابن تيمية حول رواية الإقعاد "رواه بعض الناس من طرق كثيرة مرفوعة، وهي كلها موضوعة، وإنما الثابت أنه عن مجاهد وغيره من السلف، وكان السلف والأئمة يروونه ولا ينكرونه ويتلقونه بالقبول (1) .
وقد يقال: إن مثل هذا لا يقال إلا توقيفاً، لكن لا بد من الفرق بين ما ثبت من ألفاظ الرسول، وما ثبت من كلام غيره سواء كان من المقبول أو المردود" (2) .
ابن فورك يقر الإقعاد فهل تكفرونه؟
وحتى ابن فورك فإنه روى رواية مجاهد أن الله يقعد محمداً - صلى الله عليه وسلم - على العرش وجعل لها تأويلاً محتملاً – على عادته – وهو أن معنى (يقعده معه على العرش) أي بمعنى النصر والمعونة". فقد قال:
"فإن قيل: فما تقولون فيما روي عن مجاهد أنه قال في تأويل قوله تعالى {عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا} قيل ... يحتمل أن يقال إنه معه بمعنى النصر والمعونة" (مشكل الحديث وبيانه 339). ثم قال "ولم ينكر إقعاد النبي - صلى الله عليه وسلم - على العرش تأويلنا لفظة معه على ما يليق به من معنى النصرة والمعونة" (291). انتهى كلامه. فها هو ابن فورك يثبت الرواية ويصرح باعتقادها ولكن مع تأويل سائغ لها.

ونقل الخفاجي في شرح الشفا عن الدارقطني في حديث: أن المقام المحمود للنبي - صلى الله عليه وسلم - هو أن يُجلِسه معه تعالى على العرش ما نصه:

حديث النبوة عن أحمد ... إلى أحمد المصطفى مسنده
وجاء حديث بإقعاده ... على العرش أيضاً فلا نُنكره
أمرّوا الحديث على وجهه ... ولا تُدخلوا فيه ما يُفسِده
ولا تُنكروا أنه قائم ... ولا تُنكروا أنه يُقعده
__________
(1) ذكر أهل العلم أن الأسانيد إلى مجاهد مدارها على الليث بن أبي سلمة.
(2) درء تعارض العقل والنقل 5/ 237 – 238 .
(1/95)

وهذه الأقوال مرجوحة، ولقد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بسند صحيح أنه قال "المقام المحمود: الشفاعة" (1) .
ومن الطريف أن الذين لا يؤمنون باستواء الله على العرش – وإنما يؤمنون باستيلائه عليه – تعتبريهم هنا غيرة على العرش بعد أن نفوا أن يرتفع الله عليه كما قال مجاهد في البخاري.

الرفاعية والنقشبندية
يفضلّون قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - على العرش
ويزعمون علو مشايخهم فوق عرش الرحمن
وأهل البدع الصوفية يفضلون قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - على عرش الرحمن والكرسي بل والجنة أمثال محمد الصيادي الرفاعي (2) وقالوا إن قبره - صلى الله عليه وسلم - أفضل من عرش الرحمن وكرسيه! فأي القولين أعظم ضلالة: إقعاده على العرش أو تفضيل قبره عليه؟
ويزعمون أن الله وضع ديكاً عند العرش اسمه (ديك العرش) وأن أبا الوفا (من كبار الرفاعية) كان ينظر إليه وهو جالس في مكانه ويأمر الناس بالنظر إليه وهو يصيح للصلاة من على العرش (3) .
وزعم الصيادي (كبير الرفاعية) أنه لما أخرج آدم من الجنة جعل يبكي على فراق "الملائكة الصوفية" السبعين ألفاً" جُردٌ مُرد (4) يرقصون حول العرش وجبريل رئيس الراقصين وميكائيل قوالهم (منشدهم) (5) يقولون:
جل الملك ملكنا لولا الملك هلكنا
__________
(1) أخرجه أحمد 2/478 والترمذي (3137) وأبو نعيم 8/372 .
(2) قلادة الجواهر 104 ضوء الشمس 1/176 الذخائر المحمدية 161 و206 لعلوي مالكي .
(3) تريقا المحبين 42، روضة الناظرين للوتري 27 .
(4) جمع أمرد وهو الولد الذي لم تظهر لحيته بعد .
(5) قلادة الجواهر 185 الفجر المنير 80 .
(1/96)

وزعم النقشبنديون (الذين يفخر بهم الحبشي وينتسب إلى طريقتهم) أن أولياءهم يعرجون إلى السماء بل ويرتفعون فوق عرش الرحمن متى يشاءون. فقد نقلوا عن أحمد الفاروقي قوله "كثيراً ما كان يُعرج بي فوق العرش المجيد، فلما ارتفعت فوقه بقدر ما بين مركز الأرض وبينه (أي العرش) رأيت مقام الإمام شاه نقشبند" أضاف "واعلم أني كلما أريد العروج يتيسر لي" (1) .
ولقد اطلعت على كثير من كتب التصوف ورأيت أكثرها يتضمن مثل هذه القصص التي يرفعون بها مشايخهم فوق عرش الله ويجعلون من كراماته ارتقاء العرش وتعديل ما في اللوح المحفوظ لتغيير الشقي سعيداً أو السعيد شقياً. ونسبة التصرف في الأكوان إليهم.

كذبة الرسالة العرشية
__________
(1) المواهب اللدنية 184 الأنوار القدسية 182 .
(1/97)

وقد افترى عليه الحبشي وزعم أن كلامه موجود في الرسالة العرشية، وهو ما لم نجده فيه. ولذلك اضطر إلى تقليد الكوثري جهمي العصر (1) في كذبه على ابن تيمية أنه تم مؤخراً حذفها من المطبعة في مصر (2) ، ونحن نتحداه بمخطوطات الرسالة العرشية (3) التي كُتِبَت قبل القرن الذي ولد فيه الكوثري وليس فيها هذه الدعوة الكاذبة.
__________
(1) وهو حنفي متعصب يصحح ما لا أصل له كحديث (أبو حنيفة سراج أمتي) دفعه لذلك غلوه في أبي حنيفة حتى وصفه الغماري بـ (مجنون أبي حنيفة) (بدع التفسير 180) قد تطاول على الصحابة حتى رمى أنساَ بالخرف وطعن في البخاري حتى نفى عنه ما وصفوه به بأنه أمير المؤمنين في الحديث وزعم أنه رجل متبجح ومن المتساهلين الذين لا يفرّقون شمالهم من يمينهم (انظر تأنيب الخطيب 44-45) والكوثري صاحب العنوان المزور (السيف الصقيل في الرد على ابن زفيل) يعني ابن القيم وقد سأله الغماري عن أصل هذا الاسم فلم يُجب، وكان يدعي أن ابن تيمية كان يتقاضى خمسة دراهم مقابل كل فتوى يحل فيها الحرام ويحرم فيها الحلال (ستُكتَب شهادتهم ويُسألون) وقد أعلن حسام الدين القدسي ناشر كتب الكوثري براءته من حقده الدفين وطعنه المطلق بالبشر (مقدمة القدسي لكتاب الانتقاء 3) وقد أحسن من كشف ضلالاته في مجلد ضخم أسماه التنكيل لما عند الكوثري من الأباطيل. وقد صدر مؤخراً كتاب للشيخ أحمد بن محمد بن الصديق الغماري بعنوان "بيان تلبيس المفتري محمد زاهد الكوثري" أثبت فيه طعن الكوثري في جملة من أئمة أهل العلم بدأ بالشافعي مروراً بأحمد. والكتاب بتحقيق أخينا الفاضل الشيخ علي عبد الحميد.
(2) إظهار العقيدة السنية 152 المقالات السنية 25 .
(3) موجودة في خزانة مخطوطات مركز الملك فيصل .
(1/98)

قال الحبشي "كان ابن تيمية يُخفي بعض كتبه عن عامة أتباعه لئلا ينقلب عليه أحد منهم ولكن أحدهم اطلع على أحد كتبه يقول في هذا الكتاب أن الله تعالى قاعد على الكرسي وترك موضعاً لمحمد ليُجلسه عليه في الآخرة وأن تلميذه ذهب بهذا الكتاب إلى أبي حيان فلما اطلع عليه لا زال يلعنه حتى مات" (1) .
وهذه كذبة باردة، فمتى كان ابن تيمية يستخدم هذه التقية وقد قال أمام أعدائه "أي يذهب بي أعدائي، أنا جنتي وبستاني في صدري أينما ذهبت، أنا حبسي خلوة ونفيي سياحة وقتلي شهادة".
ويوم أن منعه السلطان أن يفتي بطلاق الثلاث قال: لا يسعني أن أكتم علماً. فلم يداهن ولم يتّق أحداً غير الله.

فأيهما أكثر شجاعة: ابن تيمية أم ذاك ( ... ) الذي يرتمي هو أتباعه بين أحضان الظالمين الذين يستخدمونه خنجراً في وجه الدعاة إلى الله؟ قد أتوا به وطلبوا منه نشر عقيدة أهل سنته وجماعته المتضمنة للبدع والشرك وتكفير المسلمين والدفاع عن العلمانيين الذين ينبذون القرآن ويحكمون عوضاً عنه بقوانين البشر الوضعية. وينصّبون أنفسهم محامين ومدافعين عن الحكّام بغير ما أنزل الله؟
ومتى كان ابن تيمية يُخفي شيئاً عن الناس وقد وضع بين أيدي خصومه كتاب الواسطية وبيّن فيه عقيدته وأعطاهم مهلة ثلاث سنوات أن يجدوا فيه ما يخالف الكتاب والسنة فلم يستطيعوا معارضته.
__________
(1) إظهار العقيدة السنية 151 – 152 الدليل القويم 39 .
(1/99)


---

0 comments:

إرسال تعليق

أرشيف المدونة الإلكترونية