بسم الله
قاعدة (الإضافة تمنع التماثل) ؛ صفة الاستواء مثالاً
أبوعبدالملك النصري
من أشهر آيات الصفات التي جنى عليها المخالفون للسلف في هذا الباب: قول الله تعالى: (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى)(طه: 5)، وقوله: (ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ)(في ست آيات من كتاب الله )؛ فإنهم قالوا: لا نعقل استواءً إلا نظيرَ ما نراه من استواء الإنسان، وهو استواء حاجة يفتقر فيه المستوي للمستوى عليه؛ فالقول في الآية أن ظاهرها غير مراد؛ لأنه لا يليق بالله.
والجواب بإعمال هذه القاعدة وغيرها من قواعد السلف يكون على خمسة وجوه:
الأول: أن الاستواء في الآية مضاف إلى الله، وأي صفة يضيفها الله لنفسه؛ فإنها تختص به وتباين في حقيقتها حقيقة صفة غيره؛ فامتنع أن تستلزم صفة الاستواء هذه اللوازم الباطلة وقد اختصت به بمجرد الإضافة، كيف وقد ازداد هذا الاختصاص جلاء بورود صفة الإستواء في سياق آيات تعظيم الله وبيان عظيم خلقه وقدرته.
الثاني: أن الله وقد أضاف الإستواء إلى نفسه؛ نزه نفسه عن مماثلتة لخلقه، وأثبت لنفسه الكمالات المطلقه والغنى التام؛ فأي معنى لا يليق بالله؛ ينزه عنه- ومن ذلك المماثلة – مع إثبات ما أثبت لنفسه، لا أن يضرب بعض كلامه ببعض.
الثالث: أن الله عالٍ على خلقه بنفسه لا أنه صار عالياً بشيء من مخلوقاته لا العرش ولا غيره، وهو سبحانه خالق ما سواه وخالق هذا العرش الذي أخبرنا أنه مستو عليه، ولا يكون خالق المخلوق مفتقراً إليه بحالٍ.
الرابع: أنه لا تلازم في المخلوقات بين علوها وبين افتقارها لما علت عليه؛ فهذا الهواء فوق الأرض وليس مفتقراً إلى أن تحمله، والسحاب والسموات كذلك؛ فكيف يجب أن يكون الله محتاجاً إلى العرش إن استوى عليه أو إلى مخلوقاته إن علا عليها وهو رب كل شيء ومليكه ذو العلو المطلق على جميع الخلق؟.
الخامس: أن الله أخبرنا عن سفينة نوح ’ أنها استوت على الجودي، ولا يقول عاقل: إن استواءها على الجودي كاستواء الإنسان على سطح داره؛ فاستواء الخالق أولى بالمباينة.
و قد أبى المخالفون أن يثبت لله استواءٌ يثبت معه ما أثبته لنفسه من كمال غناه عن جميع مخلوقاته بما فيها العرش، ثم منهم من تعدوا ذلك و زعموا أن الإستواء في الآية هو الإستيلاء؛ فلما قيل لهم: الإستيلاء لا يكون إلا بمغالبة؛ فمَن الذي غالب الله العرشَ حتى غلبه الرب – تعالى عن ذلك -؟؛ قالوا: هو استيلاء منزه عن المغالبة.
فيالله العجب؛ ينفون عن الله ما أثبت لنفسه من الإستواء، و لا ينفون عما أثبت لنفسه ما لا يليق به من الحاجة أو مشابهة غيره - وذلك غير لازم لما أثبت -، ثم يثبتون له استيلاءً لا برهان لهم به وينفون عنه المغالبة – وهي لازمة لما أثبتوا -.
وإنما كان داعيهم إلى التعطيل أولاً وجود ذوات غير الله متصفة بصفة الإستواء؛ وذلك في الإستيلاء أبين؛ فإن المتصفين بصفة الإستيلاء التي زعموها أكثر من المتصفين بصفة الإستواء.
ثم من المعلوم أن الإستواء لو كان بمعنى الإستيلاء لصح أن يقال: الله مستو على كل مخلوق، وهذا لا يقول به مسلم لله في قلبه وقار؛ فإن الإستواء علو خاص لم يخبر الله به عن نفسه إلا مضافاً إلى العرش.
فوقع هؤلاء في محاذير عظيمة؛ نفوا عن الله صفة أثبتها وزعموا أن ظاهرها هو التشبيه، وأن الظاهر الذي يفهمه أهل اللسان منها غير مراد، ثم زعموا أن المراد منها ما ادعوه، بل وأبدلوا لفظاً تكلم الله به وأنزله في كتابه ليتلى ويتعبد به إلى يوم القيامة بلفظٍ من عند أنفسهم زعموا براءته من الدلالة على المشابهة؛ فلزم من ذلك أن يكون كلامهم عن الله أدل على الحق و أهدى من كلام الله عن نفسه!!.
المصدر: شبكة الالوكة وللتعليقات المفيدة : شبكة صوفية حضرموت
مواضيع ذات صلة :
ما التجسيم والتشبيه والتمثيل ؟
0 comments:
إرسال تعليق