مناهج اللغويين في تقرير العقيدة إلى نهاية القرن الرابع
خاتمة كتاب مناهج اللغويين في تقرير العقيدة إلى نهاية القرن الرابع الهجري لفضيلة الشيخ الدكتور محمد الشيخ عليو محمد
عن موقع الدرر السنية
الخاتمة
(( لا يسعني في ختام هذا البحث إلا أن أشكر المولى عز وجل الذي أمدني بفضله وآلائه وأعانني على إنجاز البحث المتواضع فبنعمته تتم الصالحات وتبلغ الغايات وحسبي أني بذلت فيه مقدار طاقتي أو قاربته فما كان فيه من صواب فهو من فضل الله وما كان فيه من خطأ فمني ومن الشيطان وأستغفر الله منه وأتوب إليه وقد رأيت أن ألخص أهم معالمه في هذه النقاط التالية:
1- تبين فيما مضى أن المنهج لغة:هو الطريق البين الواضح واصطلاحا: خطوات عملية منظمة يتخذها الباحث لمعالجة أمر ما للوصول إلى نتيجة ذهبية أو محسوسة .
2- للمنهج أهمية كبيرة وعظيمة في المعارف كلها إذ بدونه يحصل الاضطراب ويصعب الوصول إلى نتائج حاسمة وتتجلى أهمية العقيدة في المناهج كونها الركيزة الأولى التي تنبني عليها المذاهب المختلفة فما من فرقة إلا وتسلك في مناهجها مع ما يتفق مع عقيدتها وأهوائها ولذلك فإن معرفة منهج الشخص هو الطريق إلى معرفة عقيدته .
3- للإنسانية مناهج مختلفة في تقرير العقائد عموما منها: المنهج المادي والمنهج العقلاني والمنهج التجريبي والمنهج الإسلامي بين تلك المناهج المختلفة هو: المنبني في تقرير عقيدته على الوحي بقسميه: الكتاب والسنة الصحيحة من غير تمييز بينهما .
4- وللإسلاميين كذلك مناهج متباينة في تقرير العقائد منها: منهج الخوارج المنبني على التشدد والغلو في الدين ومنهج الرافضة المنبني على الغلو في أهل البيت وتنقص السلف ومخالفة المسلمين ومنهج المرجئة المنبني على التساهل ومنهج المتكلمين المنبني على تقديم العقل على النقل ونفي الصفات أو تأويلها ومنهج الفلاسفة المنبني على الإلحاد والتعطيل ومنهج الصوفية المنبني على الغلو في الأشخاص والرهبانية المبتدعة ومنهج أهل السنة والجماعة بين تلك المناهج المضطربة هو: المنبني على الاعتصام بالكتاب والسنة وما اتفق عليه السلف والتابعون فمن قال بالكتاب والسنة وإجماع السلف كان من أهل السنة والجماعة وتوسط بين الغالين والمقصرين .
5- اختلف اللغويون قبل القرن الرابع الهجري في تعاملهم مع اللغة العربية لتقرير العقائد تبعا لاختلاف مناهجهم العقيدة فتوزعوا في خمسة مناهج رئيسة هي: منهج أهل السنة والجماعة ومنهج المعتزلة ومنهج الأشاعرة ومن شابههم ومنهج الشيعة والرافضة ومنهج الخوارج .
6- لمنهج أهل السنة والجماعة في تعامله مع اللغة العربية في تقرير العقائد قواعد وأسس منها: اعتبار العربية أصلا من أصول الدين والتثبت من روايتها ورواتها والاحتكام إلى قوانين العربية وقواعدها والأخذ بالقياس والظاهر وبما تفهمه العرب من خطابها دون الشاذ والغريب والبعيد إلا بقرينة والابتعاد عن المصطلحات الكلامية المستحدثة ومراعاة دلالة السياق وأحوال المتكلم والمخاطب والقرائن في الألفاظ اللغوية والشرعية وتقديم المدلولات الشرعية على اللغوية والاعتماد في تفسير ألفاظ الكتاب والسنة والآثار واللغة على الكتاب والسنة وأقاويل السلف لا على اللغة المجردة
7- وللمنهج الاعتزالي في تعامله مع اللغة العربية لتقرير العقائد سمات منها: الاعتماد على العقل أو اللغة المجردة أو الأشعار في تفسير المفردات اللغوية الشرعية وتجريد الألفاظ العربية من المعاني التي تدل عليها وحملها على ما يتلاءم مع عقائدهم من غير مراعاة للسياق والتصرف في معاني الألفاظ الشرعية بالوجوه الإعرابية والقراءات الشاذة وتحريف مدلولات الصيغ الفعلية والأدوات والحروف حتى تنسجم مع مبادئهم والتحكم في سياقات اللغة العربية بالتأويل والتقدير وادعاء أن هناك محذوفا يجب تقديره ورد دلالات الألفاظ الشرعية بالأساليب البلاغية المستحدثة وعدم الأخذ بتفسير السلف للغة العربية ورده .
8- كذلك للمنهج الأشعري في تعامله مع اللغة العربية في تقرير العقائد سمات منها: الاعتماد على المنهج الاعتزالي مع اللغة العربية السالف الذكر وتفسير المصطلحات العقدية باللغة المجردة أو الأشعار وتطويع اللغة العربية لمتطلبات المذهب وصرف اللفظ عن ظاهره مع عدم بيان المراد منه وهو ما يعرف عندهم بالتفويض غير أنهم يخالفون المعتزلة فيما إذا كان تخريجهم للغة مخالفا لعقائدهم ويتقبلون ألفاظ النصوص المتعلقة بالغيبيات بناء على إثباتهم للسمعيات.
9- وللمنهج الشيعي الرافضي أيضا خصائص في تعامله مع اللغة العربية لتقرير العقائد منها: الكذب على اللغة وتحريف الكلم عن مواضعه والتصرف في الحروف والوجوه الإعرابية النحوية لدعم المذهب واختيار الأوجه الغريبة والشاذة للاحتجاج بها وتوظيف فقه اللغة لخدمة معتقداتهم وأسمائهم ورد تفاسير السلف للغة العربية جملة وتفصيلا.
10- أما منهج الخوارج فليس له سمات واضحة في تعامله مع العربية لتقرير العقائد لأنه كان قليل الحظ لدى اللغويين غير أن قدماءهم كانوا نصيين يغالون في فهم ظاهر ألفاظ الكتاب والسنة ولا يلتفتون إلى الأدلة الأخرى الواردة في المعنى نفسه فأوقعهم ذلك في التكذيب لما يخالف ظنهم من الآيات والأحاديث والتكفير على الكبائر وتوابعه أما متأخروهم فقد تأثروا بالمعتزلة وأخذوا بمناهجهم مع اللغة العربية لتقرير العقائد .
11- تعد العربية أصلا من أصول الدين ومعتمدا من معتمدات الشريعة لأنه لا يفهم معاني الكتاب والسنة إلا بمعرفتها وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب كما أن لها تأثيرا مباشرا ودورا حيويا في فهم العقيدة الصحيحة وتجلى ذلك بوضوح في المسائل اللغوية العقدية المذكورة والتي اختلف فيها أهل السنة والجماعة مع غيرهم وذلك كله مما يدل على أهمية معرفة عقائد اللغويين الذين يرجع إليهم في تفسير كتاب الله وأخبار المصطفى صلى الله عليه وسلم فإن اتباعهم على الأخطاء اللغوية يؤدي إلى الوقوع في المهالك العقدية .
12- ظهر في الباب الأول تقرير الأئمة اللغويين: نصر بن عاصم الليثي وعبد الرحمن بن هرمز الأعرج وأبي عمرو بن العلاء وحماد بن سلمة والخليل بن أحمد الفراهيدي وسيبويه ويونس بن حبيب البصري والكسائي والنضر بن شميل النحوي والأصمعي وأبي عمرو الشيباني وأبي عبيد القاسم بن سلام وأبي عمر الجرمي وابن الأعرابي والرياشي وأبي الهيثم الرازي وابن قتيبة وإبراهيم الحربي وثعلب وابن الحداد المغربي وابن دريد ونفطويه وأبي بكر ابن الأنباري وأبي جعفر النحاس وأبي عمر الزاهد ( غلام ثعلب ) والأزهري وأبي بكر الزبيدي وابن فارس وبديع الزمان الهمذاني لمنهج أهل السنة والجماعة في عقائدهم ومدى الجهود الجبارة التي بذلوها في الرد على المخالفين لأهل السنة والجماعة .
13- وتبين في الباب نفسه أنه لم يصح اتهام نصر بن عاصم وأبي عمرو بن العلاء بالإرجاء كما لم يثبت اتهام الخليل بمذهب الزيدية أو الإمامية مثلما لم يصح ادعاء المعتزلة والإمامية لسيبويه وتم توجيه مقصد سيبويه في قوله: إن الاسم غير المسمى وظهر صواب تسميته ما سمي بالمجاز بعده بـ ( اتساع كلام العرب واختصاره ) واتضح طهارة الكسائي من التهم الأخلاقية التي رماه بها حاسدوه وبراءة الإمامين الأصمعي وابن قتيبة من الأشياء المفتراة عليهما كما تبين بُعدُ ابن دريد ونفطويه وابن فارس من التشيع مع توجيه اتهام البعض ابن دريد وابن فارس بالتشيع والأخذ على أبي بكر ابن الأنباري وأبي جعفر النحاس والأزهري وابن فارس في تأويل بعض الصفات وبالأخص الصفات المقرونة بما يقابلها وبيان أن ذلك يخالف منهجهم العام في إثبات الصفات الإلهية على منهج السلف .
14- وأما الباب الثاني وهو المعقود للمعتزلة فظهر فيه التزام قطرب والأخفش والجاحظ والناشئ الأكبر وابن كيسان وأبي علي الفارسي والمرزباني والرماني والصاحب بن عباد وابن جني والجوهري وأبي هلال العسكري والشريف الرضي بمنهج المعتزلة في تقرير العقيدة مع اختلاف درجاتهم في تقرير المذهب والاستدلال له والدفاع عنه بحسب تمكنهم من العربية وعلم الكلام وتقلد الرئاسة على حين ترجح اتهام هارون الأعور ويحيى بن المبارك اليزيدي وابنه عبد الله بن يحيى بن المبارك وأبي حاتم السجستاني وأبي عثمان المازني وأبي سعيد السيرافي وأبي أحمد العسكري بالاعتزال للقرائن التي ذكرناها في مواضعها وتأكد اتهام أبي زيد الأنصاري والمازني بالقدر مع عدم وجود دلائل قاطعة في ذلك .
15- وظهر في الباب نفسه تأثر كثير من متأخري المعتزلة بالتشيع كالمرزباني والرماني والجوهري وغيرهم أو بالرفض كالصاحب بن عباد والشريف الرضي نظرا لتأثر المعتزلة بالشيعة والعكس منذ أيام المأمون كما بيناه بالتفصيل عند كلامنا على تشيع علي بن عيسى الرماني .
16- وأما الباب الثالث فظهر فيه وجود جمع من اللغويين الذين سلكوا مسلك الاضطراب في إثبات الصفات الإلهية نفعا وإثباتا كالفراء والمبرد والزجاج والزجاجي وابن خالويه والخطابي وأبي عبيد الهروي الباشاني مع موافقتهم أهل السنة والجماعة في المسائل العقدية الأخرى وعليه فإن ذكرنا لهم عند كلامنا على المنهج الأشعري في التمهيد هو من حيث مشابهتهم للأشاعرة في إثبات بعض الصفات ونفي بعضها لا من حيث الانتساب إليهم كمذهب فإنهم لم يلتزموا لا بقواعد الأشاعرة ولا بقواعد الكلابية في تقرير الصفات وبعضهم مات قبل ولادة الأشعري حسب اطلاعي.
17- وأما الباب الأخير فظهر فيه ثبوت تشيع أبي الأسود الدؤلي ويحيى بن يعمر العدواني وأبان بن تغلب الجريري ومعاذ بن مسلم الهراء وابن السكيت وأبي حنيفة الدينوري وأبي الفرج الأصفهاني وأبي حاتم أحمد بن حمدان الرازي مع التنصيص على أن تشيع الخمسة الأول كان على نمط قدماء الشيعة الذين كانوا يقدمون عليا على عثمان رضي الله عنهما من غير نيل من باقي الصحابة والسلف على حين كان الأخير شيعياً إسماعيلياً باطنياً شديد العداوة لأهل السنة والجماعة وإن حاول إخفاء مذهبه .
18- كما ظهر في الباب نفسه انتساب عند عبد العزيز القارئ ( بشكست ) وأبي عبيدة معمر بن المثني للخوارج وبيان اضطراب أبي عبيدة في باب الصفات الإلهية واتهامه بالشعوبية وإن كانت بعض مؤلفاته تدل على براءته منها وبعد منهج ابن المقفع وأبي بكر بن السراج عن منهج أهل السنة والجماعة مع عدم ثبوت انتسابهما لأحد الفرق وبراءة ابن عبد ربه من التشيع وإن كان فيه انحرافا عن بعض الأمويين وكون منهجه على نمط منهج أهل السنة والجماعة في عصره بصفة عامة وإن كنا لا نعرف تفاصيل منهجه لعدم تأليفه في العقائد.
وفي الختام أوصي إخواني الباحثين الاعتناء بجمع المسائل اللغوية العقدية التي اختلف فيها أهل السنة مع مخالفيهم ودراستها لإبراز أدلة أهل السنة والجماعة اللغوية على مسائل العقيدة والكشف عن مناهجهم مع اللغة العربية لتقرير العقائد وإظهار جهودهم الكبيرة في الرد على المتطفلين على العربية باللغة العربية من أرباب الفرق والأهواء خاصة وأنه لا يوجد كتب مستقلة في ذلك.)) .. انتهى
.............................. .............................. .............................. ..
1.الفراهيدي، الخليل بن أحمد، ت:175هـ من مؤلفاته (كتاب العين، وكتاب العروض، وكتاب الشواهد، وكتاب النقط والشكل)
2. سيبويه، عمرو بن عثمان بن قنبر، ت:180هـ من مؤلفاته (الكتاب)
3. الكسائي، علي بن حمزة بن عبد الله، ت:189هـ من مؤلفاته (معاني القرآن)
4. النضر بن شميل بن خرشة النحوي، ت:203هـ
5. الأصمعي، عبدالملك بن قريب، ت:213هـ من مؤلفاته (الأضداد،)
6. أبو عبيد القاسم بن سلام الهروي، ت:224هـ من مؤلفاته (الناسخ والمنسوخ في القرآن العزيز وما فيه من الفرائض والسنن، غريب الحديث، فضائل القرآن، الأمثال، الأموال، الإيمان ومعالمه وسننه واستكماله ودرجاته، الخطب والمواعظ، السلاح، الطهور)
7. ابن الأعرابي، محمد بن زياد، ت:231هـ من مؤلفاته (النوادر، الأنواء، الخيل، تاريخ القبائل، الألفاظ)
8. ابن قتيبة الدينوري، عبدالله بن مسلم ، ت:276هـ من مؤلفاته (أدب الكاتب، الأشربة وذكر اختلاف الناس فيها، الاختلاف في اللفظ والرد على الجهمية والمشبهة، المسائل والأجوبة في الحديث والتفسير، المعاني الكبير في أبيات المعاني، تأويل مختلف الحديث، تأويل مشكل القرآن، تفسير غريب القرآن، عيون الأخبار، غريب الحديث، الميسر والقداح) وغيرها كثير يفوق الستين
9. إبراهيم بن إسحاق بن إبراهيم الحربي، ت:285هـ من مؤلفاته (غريب الحديث، إتباع الأموات، ذم الغيبة، سجود القرآن، رسالة في أن القرآن غير مخلوق، إكرام الضيف)
10. ثعلب، أحمد بن يحيى بن زيد الشيباني، ت:291هـ من مؤلفاته (معاني القرآن، مجالس ثعلب، الفصيح)
11. ابن الحداد سعيد بن محمد بن صبيح المغربي، ت:302هـ من مؤلفاته (توضيح المشكل في القرآن، المقالات، الاستيعاب، الأمالي، عصمة المسلمين، العبادة الكبرى والصغرى، الاستواء)
12. ابن دريد، محمد بن الحسن الأزي، ت:321هـ من مؤلفاته (جمهرة اللغة، الاشتقاق، ديوان شعر، السرج واللجام، الملاحن)
13. نفطويه، إبراهيم ين محمد بن عرفة، ت:323هـ من مؤلفاته (التاريخ، الرد على من قال بخلق القرآن، مسألة سبحان)
14. ابن الأنباري، أبو بكر محمد بن القاسم ، ت:328هـ من مؤلفاته (إيضاح الوقف والابتداء في كتاب الله عز وجل، الزاهر في معاني كلام الناس، الأضداد، الرد على من خالف مصحف العامة، مشكل القرآن)
15. النحاس، أبو جعفر أحمد بن محمد، ت:328هـ من مؤلفاته (معاني القرآن الكريم، اشتقاق أسماء الله، إعراب القرآن، الناسخ والمنسوخ في كتاب الله، القطع والائتناف)
16. غلام ثعلب، محمد بن عبد الواحد الزاهد، ت:345هـ من مؤلفاته (غريب الحديث، فاءت الفصيح، فضائل معاوية، ياقوتة الصراط في تفسير غريب القرآن، المداخل أو المداخلات)
17. الأزهري، أبو منصور محمد بن أحمد، ت:370هـ من مؤلفاته (تهذيب اللغة، الزاهر في غريب ألفاظ الشافعي)
18. الزبيدي، أبو بكر محمد بن الحسن ، ت:379هـ من مؤلفاته (طبقات النحويين واللغويين، لحن العوام، مختصر العين، الانتصار للخليل، هتك ستور الملحدين)
19. أحمد بن فارس بن زكريا، ت:395هـ من مؤلفاته (مأخذ العلم، المجمل في اللغة، تمام فصيح الكلام، معجم مقاييس اللغة، الصاحبي في فقه اللغة وسنن العرب، الحجر، حلية الفقهاء)
20. بديع الزمان الهمذاني، أحمد بن الحسين، ت:398هـ من مؤلفاته (المقامات، رسائل بديع الزمان الهمذاني)
مستفادة من كتاب: ((مناهج اللغويين في تقرير العقيدة إلى نهاية القرن الرابع الهجري))
رسالة دكتوراة لمحمد الشيخ عليو محمد طبعة دار المنهاج 1427هـ
.
من نفس الموقع
0 comments:
إرسال تعليق