بسم الله الرحمن الرحيم
سلسلة تلخيص كتاب ( فرق معاصرة ) للدكتور غالب عواجي - فهرس
سلسلة تلخيص كتاب ( فرق معاصرة ) للدكتور غالب عواجي - فهرس
الباب الحادي عشر: دراسة المرجئة
التمهيد
س1: يذكر أن السلف كانوا يصلون خلف المرجئة ويترحمون عليهم، وإنما يشنعون عليهم مسلكهم الخاطئ في تأخير العمل عن حقيقة الإيمان، فمن هم هؤلاء المرجئة؟
ج1: هؤلاء هم مرجئة الفقهاء وليسوا مرجئة الجهمية الغلاة.
الفصل الأول
س2: عرف الإرجاء لغة واصطلاحا؟
ج2: الإرجاء لغة: يطلق على عدة معاني منها: الأمل والخوف والتأخير وإعطاء الرجاء.
واصطلاحا: اختلفت كلمة العلماء في المفهوم الحقيقي للإرجاء، مفاد ذلك نوجزه فيما يلي:
1- أن الأرجاء في الاصطلاح مأخوذ من معناه اللغوي؛ أي بمعنى التأخير والإمهال – وهو إرجاء العمل عن درجة الإيمان، وجعله في منزلة ثانية بالنسبة للإيمان لا أنه جزء منه، وأن الإيمان يتناول الأعمال على سبيل المجاز، بينما هو حقيقة في مجرد التصديق، كما أنه قد يطلق على أولئك الذين كانوا يقولون: لا تضر مع الإيمان معصية كما لا تنفع مع الكفر طاعة.
كما أنه يشمل أيضاً جميع من أخر العمل عن النية والتصديق.
2- وذهب آخرون إلى أن الأرجاء يراد به تأخير حكم صاحب الكبيرة إلى يوم القيامة، فلا يقضى عليه في الدنيا حكم ما.
3- وبعضهم ربط الإرجاء بما جرى في شأن علي رضي الله عنه من تأخيره في المفاضلة بين الصحابة إلى الدرجة الرابعة، أو إرجاء أمره هو وعثمان إلى الله ولا يشهدون عليهما بإيمان ولا كفر، وخلص بعضهم من هذا المفهوم إلى وصف الصحابة الذين اعتزلوا الخوض في الفتن التي وقعت بين الصحابة وخصوصاً ما جرى بين علي ومعاوية من فتن ومعارك طاحنة، خلصوا إلى زعم أن هؤلاء هم نواة الإرجاء، حيث توقفوا عن الخوض فيها واعتصموا بالسكوت، وهذا خطأ من قائليه.
والواقع أن إطلاق اسم الإرجاء على كل من يقول عن الإيمان: إنه قول أو تصديق بلا عمل، أو القول بأنه لا يضر مع الإيمان ذنب كما لا تنفع مع الكفر طاعة – هو الأغلب في عرف العلماء حينما يطلقون حكم الإرجاء على أحد؛ بل هو المقصود بالإرجاء.
الفصل الثاني
س3: ما هو الأساس الذي قام عليه مذهب المرجئة؟
ج3: الأساس الذي قام عليه مذهب الإرجاء هو الخلاف في حقيقة الإيمان ومم يتألف، وتحديد معناه، وما يتبع ذلك من أبحاث.
س4: ما هو مذهب أبو حنيفة في الإيمان؟
ج4: ذهب أبو حنيفة رحمة الله إلى أن الإيمان هو التصديق بالقلب والإقرار باللسان، لا يغنى إحداهما عن الآخر؛ أي فمن صدق بقلبه و أعلن التكذيب بلسانه لا يسمى مؤمناً. وعلى هذا قام مذهب الحنفية وهو أقرب مذاهب المرجئة إلى أهل السنة لموافقتهم أهل السنة في أن العاصي تحت المشيئة، وأنه لا يخرج عن الإيمان. وخالفوهم في عدم إدخال العمل في الإيمان وفي أن الإيمان يزيد وينقص، فلم يقولوا بذلك.
الفصل الثالث
س5: كيف نشأ الإرجاء وكيف تطور إلى مذهب؟
ج5: الإرجاء في بدء الأمر كان يراد به في بعض إطلاقاته أولئك الذين أحبوا السلامة والبعد عن الخلافات وترك المنازعات في الأمور السياسية والدينية، إلا أنه من الملاحظ أنه بعد قتل عثمان رضي الله عنه وبعد ظهور الخوارج والشيعة أخذ الإرجاء يتطور تدريجياً. فظهر الخلاف في حكم مرتكب الكبيرة ومنزلة العمل من الإيمان، ثم ظهر جماعة دفعوا بالإرجاء إلى الحد المذموم والغلو، فبدأ الإرجاء يتكون على صفة مذهب، فقرر هؤلاء أن مرتكب الكبيرة كامل الأيمان وأنه لا تضر مع الإيمان معصية، ولا تنفع مع الكفر طاعة، وأن الإيمان في القلب.
الفصل الرابع
س6: من هو أول من قال بالإرجاء؟
ج6: - يذكر العلماء أن الحسن بن محمد بن الحنفية هو أول من ذكر الإرجاء في المدينة بخصوص علىّ وعثمان وطلحة والزبير، حينما خاض الناس فيهم وهو ساكت ثم قال: قد سمعت مقالتكم ولم أر شيئاً أمثل من أن يرجأ علي وعثمان وطلحة والزبير، فلا يتولوا ولا يتبرأ منهم. ولكنه ندم بعد ذلك على هذا الكلام وتمنى أنه مات قبل أن يقوله، فصار كلامه بعد ذلك طريقاً لنشأة القول بالإرجاء، وقد بلغ أباه محمد بن الحنفية كلامُ الحسن فضربه بعصا فشجه، وقال: لا تتولى أباك عليّا؟ ولم يلتفت الذين تبنوا القول بالإرجاء إلى ندم الحسن بعد ذلك، فإن كتابه عن الإرجاء انتشر بين الناس وصادف هوى في نفوس كثيرة فاعتنقوه. ولكن ينبغي معرفة أن إرجاء الحسن إنما هو في الحكم بالصواب أو الخطأ على من ذكرهم، ولم يتعلق إرجاؤه بالإيمان أم عدمه كما هو حال مذهب المرجئة أخيراً.
- وقيل: إن أول من قال بالإرجاء على طريقة الغلو فيه هو رجل يسمى ذر بن عبد الله الهمداني وهو تابعي، وقد ذمه علماء عصره من أهل السنة، بل كان بعضهم- مثل إبراهيم النخعي- لا يرد عليه إذا سلم، وكذلك سعيد بن جبير.
والجمع بين هذا القول والذي قبله يتضح باختلاف حقيقة الإرجاء عند الحسن وعند ذر بن عبد الله؛ إذ الإرجاء عند الحسن ترك الحكم على أولئك الأشخاص. وأما الإرجاء عند ذر فهو إخراج العمل عن مسمى الإيمان.
ويذكر شيخ الإسلام عن نشأة الإرجاء بالكوفة أن أول من قال فيهم حماد بن أبي سليمان. وقيل: إن أول من قال به رجل اسمه سالم الأفطس، ويطلق على إرجاء هؤلاء أنه إرجاء الفقهاء، ويظهر أن تلك الأقوال لا تباعد بينها؛ لأن هؤلاء كانوا في عصر واحد، وكانوا أيضاً على اتفاق في إرجائهم.
الفصل الخامس
س7: ما هي الأصول أو المسائل الهامة التي تكاد تتفق عليها فرق المرجئة؟
ج7: تكاد فرق المرجئة تتفق في أصولها على مسائل هامة هي:
تعريف الإيمان بأنه التصديق بالقول أو المعرفة أو الإقرار.
وأن العمل ليس داخلاً في حقيقة الإيمان، ولا هو جزء منه، مع أنهم لا يغفلون منزلة العمل من الإيمان تماماً إلا عند الجهم ومن تبعه في غلوه.
وأن الإيمان لا يزيد ولا ينقص؛ لأن التصديق بالشيء والجزم به لا يدخله زيادة ولا نقصان.
وأن أصحاب المعاصي مؤمنون كاملوا الإيمان بكمال تصديقهم وأنهم حتماً لا يدخلون النار في الآخرة.
س8: من هم القائلين بأن الإيمان يكون بالقلب واللسان والجوارح؟
ج8: 1- أهل السنة. 2- الخوارج. 3- المعتزلة.
س9: من هم القائلين بأن الإيمان بالقلب واللسان فقط؟
ج9: 1- مرجئة الفقهاء الحنفية.
2- ابن كلاب، وكان على عقيدة المرجئة الفقهاء، وقد انقرض مذهبه.
س10: من هم القائلين بأن الإيمان باللسان والجوارح فقط؟
ج10: 1- الغسانية. 2- فرقة مجهولة لم يصرح العلماء بتسميتها، ولعلها الغسانية.
س11: من هم القائلين بأن الإيمان بالقلب فقط؟
ج11: 1- الجهمية. 2- المريسية. 3- الصالحية. 4- الأشعرية. 5- الماتريدية.
س12: من هم القائلين بأن الإيمان باللسان فقط؟
ج12: الكرّامية: وقد انقرضوا، وقد ذكر عنهم شيخ الإسلام أنهم يقولون: المنافق مؤمن وهو مخلد في النار؛ لأنه آمن ظاهراً لا باطناً ويدخل الجنة من آمن ظاهراً وباطناً.
س13: ما هي تفاصيل اتجاهات الناس في حقيقة الإيمان؟
ج13: أ- الذين قالوا: إنه بالقلب واللسان والجوارح:
1- الذين قالوا: الإيمان فعل كل واجب وترك كل محرم، ويذهب الإيمان كله بترك الواجب أو فعل الكبيرة:
1-الخوارج؛ مرتكب الكبيرة عندهم كافر.
2-المعتزلة؛ مرتكب الكبيرة عندهم في منزلة بين المنزلتين؛ يعني في الدنيا، وأما في الآخرة فقد وافقوا الخوارج في الحكم.
2- الذين قالوا: الإيمان قول وعمل – أي عمل القلب والجوارح – وكل طاعة هي شعبة من الإيمان أو جزء منه.
والإيمان يكمل باستكمال شعبه وينقص بنقصانها، لكن منها ما يذهب الإيمان كله بذهابه؛ ومنها ما ينقص بذهابه.
فمن شعب الإيمان أصول لا يتحقق إلا بها، ولا يستحق مدعيه مطلق الاسم بدونها،ومنها واجبات لا يستحق الاسم المطلق بدونها، ومنها كمالات يرتقي صاحبها إلى أعلى درجاته. "وتفصيل هذا كله بحسب النصوص". كما هو مذهب أهل السنة والجماعة.
ب- الذين قالوا: إنه يكون بالقلب واللسان فقط:
1- الذين يدخلون أعمال القلب – يعنى في حقيقة الإيمان – وهم بعض قدماء المرجئة الفقهاء، وبعض محدثي الحنفية المتأخرين.
2- الذين لا يدخلون أعمال القلب، وقد تطور بهم الأمر إلى إخراج قول اللسان أيضاً من الإيمان وجعلوه علامة فقط، وهم عامة الحنفية "الماتريدية".
ج- الذين قالوا: إنه يكون بالقلب فقط:
1- الذين يدخلون فيه أعمال القلب جميعاً، وهم سائر فرق المرجئة: كاليونسية والشمرية والتومنية.
2- الذين يقولون: هو عمل قلبي واحد – المعرفة – الجهم بن صفوان.
3- الذين يقولون: هو عمل قلبي واحد – التصديق – الأشعرية والماتريدية.
الفصل السادس
س14: ما هي أقسام المرجئة؟
ج14: مرجئة السنة: وهم الأحناف: أبو حنيفة وشيخه حماد بن أبى سليمان ومن اتبعهما من مرجئة الكوفة وغيرهم، وهؤلاء أخروا العمل عن حقيقة الإيمان.
مرجئة الجبرية: وهم الجهمية أتباع جهم بن صفوان، وهم الذين اكتفوا بالمعرفة القلبية وأن المعاصي لا أثر لها في الإيمان، وأن الإقرار والعمل ليس من الإيمان.
مرجئة القدرية: الذين تزعمهم غيلان الدمشقي، وهم الغيلانية.
مرجئة خالصة: وهم فرق اختلف العلماء في عدهم لها.
مرجئة الكرامية: أصحاب محمد بن كرام، وهم الذين يزعمون أن الإيمان هو الإقرار والتصديق باللسان دون القلب.
مرجئة الخوارج: الشبيبية وبعض فرق الصفرية الذين توقفوا في حكم مرتكب الكبيرة.
الفصل السابع
س15: ما هي أدلة المرجئة لمذهبهم؟
ج15: - من القرآن الكريم استدلوا بقول الله تعالى:
1- {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء}
2- {قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقطنوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً إنه هو الغفور الرحيم}
3- كما اهتمت الجهمية بجمع النصوص التي تجعل الإيمان أو الكفر محله القلب. كما في قول الله تعالى: {أولئك كتب في قلوبهم الإيمان}
4- {إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان} 5- {ختم الله على قلوبهم}.
- أما من السنة النبوية: فقد استدلوا بما يلي:
1- قول الرسول صلى الله عليه وسلم: "من مات يشرك بالله شيئاً دخل النار".قال ابن مسعود: "وقلت أنا من مات لا يشرك بالله شيئاً دخل الجنة"
2- وقوله صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه أنه قال: "يا ابن آدم إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً لأتيتك بقرابها مغفرة"
3- وقوله صلى الله عليه وسلم: "اللهم ثبت قلبي على دينك"
4- وكذا حديث الجارية التي سألها الرسول عليه الصلاة والسلام بقوله: "أين الله؟ فقالت: في السماء. فقال لمولاها: اعتقها فإنها مؤمنة"
5- وقوله صلى الله عليه وسلم: "التقوى ها هنا، ويشير إلى صدره ثلاث مرات"
6- ومن أدلتهم كذلك ما جاء في أحاديث شفاعة المصطفى صلى الله عليه وسلم في أقوام فيخرجهم الله من النار حتى لا يبقى من في قلبه ذرة أو برة أو شعيرة من الإيمان، وفيه: "فيقول الله عز وجل: شفعت الملائكة وشفع النبيون وشفع المؤمنون ولم يبق إلا أرحم الراحمين، فيقبض قبضة من النار فيخرج منها قوماً لم يعملوا خيراً قط، قد عادوا حمماً، فيلقيهم في نهر في أفواه الجنة يقال له نهر الحياة فيخرجون كما تخرج الحبة في حميل السيل إلى أن قال: فيخرجون كاللؤلؤ في رقابهم الخواتم يعرفهم أهل الجنة، هؤلاء عتقاء الله الذين أدخلهم الله الجنة بغير عمل عملوه ولا خير قدموه"
وقد استدل المرجئة بهذا الحديث لإرجائهم من العبارات السابقة فيه:
1- لم يعملوا خيراً قط.
2- هؤلاء عتقاء الله الذين أدخلهم الجنة بغير عمل عملوه..
فقالوا: إذا لم يكن لهم عمل خير قط فما الذي بقي معهم؟ والجواب –كما يزعمون- أنه بقي معهم التصديق فقط ونفعهم دون النظر في العمل، لأن حقيقة الإيمان –كما يزعمون- لم تتوقف على العمل.
س16: ما هو الرد على أدلة المرجئة؟
ج16: - الواقع أن تلك النصوص التي تقدمت في استدلال المرجئة على إخراج العمل عن حقيقة الإيمان لا يسلم لهم فهمهم لها من أنها تدل على إخراج الأعمال الظاهرة عن أعمال القلب، فإن إيمان القلب وإن كان الأساس وعليه الاعتماد الأول ولكن لا ينفي هذا أن أثر إيمان القلب يظهر على الجوارح بل هو الحق، والنصوص كما هو الواضح منها لا تدل على تصديق القلب وحده، وإنما تدل على أن الإيمان له دلالات لا تتضح إلا بالأعمال الظاهرة، والذين أحجموا عن إدخال الأعمال الظاهرة في حقيقة الإيمان نتج عن ذلك تساهل عندهم في الحكم حتى على الفجار الذي لا شك في ظهور فجورهم.
- ومن استند منهم إلى إخراج الأعمال عن حقيقة الإيمان بما استنبطه مما جاء في القرآن الكريم من إسناد الإيمان إلى القلب فقط، فقد أخطأ الفهم، فليس المراد منها إخراج العمل وإغفاله عن إيمان القلب، فإن من أنكر تلازم الأعمال الظاهرة بأعمال القلوب وقال: إن الإيمان هو المعرفة فقط فهو جهمي، وكذا من قال: إنه التصديق فقط مثل الأشاعرة فقد تجهم، إذ لا فرق بين دعوى المعرفة ودعوى التصديق فقط-وكلاهما من دون عمل، وما ذكره بعض الأشاعرة من التفريق بينهما فإنه نصرة لمذهبهم فإن كلتا الطائفتين تلتقي على إخراج الأعمال عن حقيقة الإيمان، فيبقى النزاع في التفرقة بين المعرفة والتصديق المجرد عن العمل غير واضح، فإن المعرفة والتصديق موضعهما القلب، والعمل الظاهر دليل ذلك ولازم له. وقد كفر أئمة العلم من قال بقول جهم: إن الإيمان هو التصديق فقط. فظهر أن تلك الآيات لا تدل على نفي دخول الأعمال في حقيقة الإيمان، بل غاية ما فيها التركيز على أهمية الإيمان القلبي الذي بدوره يثمر الإيمان بالقيام بأعمال الشرع الظاهرة، أو أنها أسندت إلى القلوب باعتبار أنها هي المضغة التي إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله.
- وأما ما استدل به المرجئة من النصوص التي تدل على أن من اجتنب الشرك دخل الجنة-سواء كانت تلك النصوص من القرآن الكريم أو من السنة النبوية فإن الجواب على ذلك:
"إن هذه النصوص تفيد أن من لم يقع في الشرك مع التوبة والقيام بأمر الله والانتهاء عن نهيه-أن الله يغفر له الذنوب التي هي دون الشرك، فإذا مات على بعض الذنوب يرجى له المغفرة ابتداء، أو يعاقبه الله بذنبه ثم يدخله الجنة، كما هو مذهب السلف في أهل الذنوب حسب ما تفيده النصوص من الكتاب والسنة.
كما أنه لا يقع من شخص عرف التوحيد وأخلص لربه أنه لا يأتي بالأعمال الأخرى التي أوجبها الإسلام، بحيث يكتفي بابتعاده عن الشرك ثم يركن إلى ذلك لدخوله الجنة، فاتضح أن هذه الآيات لا تدل عن إغفال العمل والاقتصار على المعرفة أو التصديق بالقلب أن هذه الآيات لا تدل على إغفال العمل والاقتصار على المعرفة أو القلب كما يرى المرجئة، بل هي واردة في حكم من مات تائباً أو لم تكن عليه معاص، أو كانت عليه معاص ومات على التوحيد، بحيث كان آخر كلامه في الدنيا: لا إله إلا الله".
- وما فهموه من قول الرسول صلى الله عليه وسلم:"التقوى ها هنا" بأن الإيمان والكفر محلهما القلب، ولا عبرة بعمل جارح- فهو فهم غير سديد من جهة نفي دخول الأعمال الظاهرة إذا لم تثمر القيام بأعمال الإيمان الظاهرة فهي ليست تقوى صحيحة. وهل كان الرسول صلى الله عليه وسلم يريد أن الإيمان هو مجرد التصديق والإقرار بالقلب فقط دون أن يرى أثر ذلك في الأعمال كلها.
وقد جرهم إلى هذا الفهم أمر لم يتقبلوه وهو أن الرسول صلى الله عليه وسلم مرة يعبر عن الإيمان بأعمال القلب ومرة بأعمال الجوارح ومرة بكليهما، فمن وقف على جانب دون آخر من هذه المراتب فقد قصر ولم يلتزم الحق واختلط الأمر عليه.
- وأما حديث الجارية الذي استدل به المرجئة على مذهبهم أن ترك العمل لا ينافي الإيمان، فإن المراد من شهادة الرسول صلى الله عليه وسلم لها بالإيمان-أي الإيمان الظاهر- الذي تجري بموجبة الأحكام الدنيوية لا الإيمان الحقيقي الكامل.
- وأما حديث شفاعة المصطفى صلى الله عليه وسلم في أولئك فالجواب عنه: أنه لابد من النظر إلى الأحاديث الكثيرة التي صرحت بأنها من أهل الإيمان وعليهم أثر السجود الذي هو عبارة عن عمل الصلاة وأن الجهنميين يعرفون بذلك.
وقوله: "لم يعملوا خيراً قط" لا ينفي العمل مطلقاً بل قد يكون لهم عمل وإن كان قليلاً إلى جانب إيمانهم وحسناتهم الأخرى فينفعهم ذلك، وهذا مثل أن تقول لشخص: أنت ما عملت شيئاً بعد إتمامه للعمل الذي هو فيه، فإنك لا تنفي وجود عمل ما، ولكن حيث كان العمل غير كامل ولا دقيق ولا يعتبر به-ولو من وجهة نظرك- اعتبرته في عداد من لم يعمل شيئاً وهو أسلوب من أساليب العرب في كلامهم.
س17: ما معنى قوله تعالى: وما كان الله ليضيع إيمانكم ؟
ج17: أي صلاتكم إلى بيت المقدس، لا كما ذهب إليه المرجئة من أن المعنى أي تصديقكم بالنبي صلى الله عليه وسلم والدين.
س18: هل هناك أحاديث فيها أن الإيمان في القلب فقط، وأنه لا يزيد ولا ينقص؟ وما حكمها؟
ج18: في هذا يقول ابن القيم رحمه الله: "وكل حديث فيه أن الإيمان لا يزيد ولا ينقص فكذب مختلق" ومن تلك الأحاديث:
1- حديث: "من قال: الإيمان يزيد وينقص فقد خرج من أمر الله، ومن قال: أنا مؤمن إن شاء الله، فليس له في الإسلام نصيب"، قال الشوكاني: رواه محمد بن تميم، وهو واضعه.
2- ومنها الحديث المروي عن أبي سعيد الخدري مرفوعاً: "من زعم أن الإيمان يزيد وينقص فزيادته نفاق ونقصانه كفر، فإن تابوا وإلا فاضربوا أعناقهم بالسيف أولئك أعداء الرحمن فارقوا دين الله تعالى واستحلوا الكفر وخاصموا الله، طهر الله الأرض منهم ألا فلا صلاة لهم ألا فلا زكاة لهم ألا فلا صوم لهم ألا فلا حج لهم ألا فلا دين لهم، هم براء من رسول الله صلى الله عليه وسلم ورسول الله صلى الله عليه وسلم بريء منهم"، وقال السيوطي: موضوع، آفته الطالقاني كذاب خبيث من المرجئة كان يضع الحديث لمذهبه.
3- ومثله أيضاً الحديث المروى عن أبى هريرة رضي الله عنه أن وفد ثقيف جاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسألوه عن الإيمان هل يزيد وينقص فقال: "لا، زيادته كفر ونقصانه شرك" وهو حديث موضوع وضعه أبو مطيع الحكم بن عبد الله البلخي وهو من رؤساء المرجئة.
قال السيوطي نقلاً عن الحاكم: "اسناده فيه مظلمات، والحديث باطل والذي تولى كبره أبو مطيع".
الفصل الثامن
س19: ما هو مذهب أهل السنة في الإيمان؟
ج19: مذهبهم في الإيمان أنه قول باللسان واعتقاد بالقلب وعمل بالجوارح، يزيد بالطاعات وينقص بالمعاصي. وأن العمل داخل في حقيقة الإيمان وأنه لا إيمان بدون عمل، وأن الإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية حسب ما حل بالقلب من ذلك.
س20: اذكر بعض أدلة أهل السنة على مذهبهم في الإيمان؟
ج20: - قوله تعالي: إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون.
- قوله صلى الله عليه وسلم: " الإيمان بضع وسبعون أو بضع وستون شعبة، فأفضلها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان".
- وقوله صلى الله عليه وسلم لوفد عبد القيس: " آمركم بأربع وأنهاكم عن أربع، آمركم بالإيمان، أتدرون ما الإيمان؟ شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وأن تعطوا الخمس من المغنم".
س21: هل التصديق معناه مجرد التصديق بالخبر فقط دون الالتفات إلي ثمرة التصديق وهو الإذعان والامتثال للأمر الذي يتبعه العمل حتماً؟
ج21: لا، قال تعالى: وناديناه أن يا إبراهيم(140) قد صدقت الرءيا أي قد امتثلت الأمر وحققته فعلاًُ لو لا أن الله فدى ولدك بذبح غيره، وليس المقصود إنك صدقت الرؤيا كما تصدق سائر الأخبار أو تكذب، بل صدقتها وجزمت بالعمل القلبي الذي يتبعه العمل الظاهر وهو إرادتك ذبح ابنك.
ومن السنة قول الرسول صلى الله عليه وسلم: "إن الله كتب علي ابن آدم حظه من الزنا أدرك ذلك لا محالة، فزنا العين النظر، وزنا اللسان المنطق، والنفس تتمنى وتشتهى، والفرج يصدق ذلك كله ويكذبه".
وتصديق الفرج وتكذيبه كناية عن الفعل نفسه أو عدمه، وعلى هذا فالتصديق الذي يريده السلف هو ما يتبعه العمل، وبهذا يتبين خطأ من ذهب إلى أن مراد السلف هو التصديق المجرد بالقلب دون الالتفات إلى عمل القلب وإذعانه.
الفصل التاسع
س22: ما هي منزلة مذهب المرجئة عند السلف؟
ج22: يذكر بعض العلماء روايات في ذمهم والتنفير من معتقداتهم، ومن تلك الروايات:
1-"صنفان من أمتي ليس لهما في الإسلام نصيب؛ المرجئة والقدرية"
2-"صنفان من هذه الأمة لا تنالها شفاعتي؛ المرجئة والقدرية"
3-"ألا وإن الله لعن القدرية والمرجئة على لسان سبعين نبياً "
4-"صنفان من أمتي لا يردان على الحوض ولا يدخلان الجنة؛ القدرية والمرجئة"
5-"لكل أمة مجوس ولكل أمة نصارى ولكل أمة يهود، وإن مجوس أمتي القدرية، ونصاراهم الحشوية، ويهودهم المرجئة"
6- وفي رواية عن أنس بن مالك مرفوعة: "القدرية والمرجئة مجوس هذه الأمة، فإن مرضوا فلا تعودوهم، وإن ماتوا فلا تشهدوهم".
وذكر سعيد بن جبير المرجئة فقال: إنهم يهود أهل القبلة، أو صابئة هذه الأمة. وقال شريك، وذكر المرجئة فقال: هم أخبث قوم، وحسبك بالرافضة خبثاً، ولكن المرجئة يكذبون علي الله. وقال سفيان الثوري: تركت المرجئة الإسلام أرق من ثوب سابري. وقال إبراهيم النخعي: الإرجاء بدعة؛ وقال أيضاً: لفتنتهم عندي أخوف على هذه الأمة من فتنة الأزارقة. وقال الزهري: ما ابتدعت في الإسلام بدعة هي أضر على أهله من الإرجاء. وقال الأوزاعي: كان يحيى بن أبي كثير وقتادة يقولان: ليس شيء من الأهواء أخوف عندهم على الأمة من الإرجاء.
الباب الثاني عشر: الجهمية
تمهيد
س23: هل توجد آراء الجهمية في وقتنا الحاضر؟
ج23: آراء هذه الطائفة لا تزال في بعض المجتمعات، ولا يزال الخصام بينهم وبين أهل الحق قائماً.
الفصل الأول
س24: من هي الجهمية ومن هو مؤسسها؟
ج24: الجهمية إحدى الفرق الكلامية التي تنتسب إلى الإسلام، وهي ذات مفاهيم وآراء عقدية كانت لها آراء خاطئة في مفهوم الإيمان وفي صفات الله تعالي وأسمائه. وترجع في نسبتها إلي مؤسسها الجهم بن صفوان الترمذي، وهو من أهل خراسان، ظهر في المائة الثانية من الهجرة سنة 2هـ،ويكنى بأبي محرز، وهو من الجبرية الخالصة، وأول من ابتدع القول بخلق القرآن وتعطيل الله عن صفاته.
الفصل الثاني
س25: ما هي درجات الجهمية؟ وما هو مدى تأثر الناس بهم؟
ج25: ذكر شيخ الإسلام درجات الجهمية ومدى تأثر الناس بهم، وقسمهم إلي ثلاث درجات:
1- الدرجة الأولى: وهم الجهمية الغالية النافون لأسماء الله وصفاته، وإن سموه بشيء من الأسماء الحسنى قالوا: هو مجاز.
2- الدرجة الثانية من الجهمية: وهم المعتزلة ونحوهم، الذين يقرون بأسماء الله الحسنى في الجملة لكن ينفون صفاته.
3- الدرجة الثالثة: وهم قسم من الصفاتية المثبتون المخالفون للجهمية، ولكن فيهم نوع من التجهم، وهم الذين يقرون بأسماء الله وصفاته في الجملة ولكنهم يردون طائفة من الأسماء، والصفات الخبرية وغير الخبرية ويؤولونها. ومنهم من يقر بصفاته الخبرية الواردة في القرآن دون الحديث كما عليه كثير من أهل الكلام والفقه، وطائفة من أهل الحديث. ومنهم من يقر بالصفات الواردة في الأخبار أيضاً في الجملة، لكن مع نفي وتعطيل لبعض ما ثبت بالنصوص وبالمعقول، وذلك كأبي محمد بن كلاب ومن اتبعه. وفي هذا القسم يدخل أبو الحسن الأشعري وطوائف من أهل الفقه والكلام والحديث والتصوف، وهؤلاء إلي السنة المحضة أقرب منهم إلي الجهمية والرافضة والخوارج والقدرية، لكن انتسب إليهم طائف هم إلي الجهمية أقرب منهم إلي أهل السنة المحضة.
الفصل الثالث
س26: ما هو مصدر مقالة الجهمية؟
ج26: يذكر شيخ الإسلام أصل مقالة التعطيل وأنها ترجع في نهايتها إلى اليهود والصابئين والمشركين والفلاسفة الضالين، وأن أول ما ظهرت هذه المقالة من جعد بن درهم، وأخذها عنه الجهم بن صفوان وأظهرها فنسبت مقالة الجهمية إليه، وقد قيل: إن الجعد أخذ مقالته عن أبان بن سمعان وأخذها أبان من طالوت ابن أخت لبيد بن الأعصم، وأخذها طالوت من لبيد بن الأعصم اليهودي الساحر الذي سحر النبي صلى الله عليه وسلم.
الفصل الرابع
س27: ما هي أهم عقائد الجهمية إجمالا؟
ج27: 1 - مذهبهم في التوحيد؛ هو إنكار جميع الأسماء والصفات لله عز وجل ويجعلون أسماء الله من باب المجاز.
2 - القول بالجبر والإرجاء.
3 - إنكار كثير من أمور اليوم الآخر مثل:
أ- الصراط. ب- الميزان.
ج- رؤية الله تعالي. د- عذاب القبر.
5- القول بفناء الجنة والنار.
4- ومنها نفي أن يكون الله متكلماً بكلام يليق بجلاله، والقول بأن القرآن مخلوق.
5- وأن الإيمان هو المعرفة بالله.
6- ونفي أن يكون الله تعالي في جهة العلو.
7- والقول بأن الله قريب بذاته، وأن الله مع كل أحد بذاته عز وجل، وهذا هو المذهب الذي بنى عليه أهل الاتحاد والحلول أفكارهم.
س28: ما هي شبهات الجهمية في نفي الصفات؟
ج28: 1-أن إثبات الصفات يقتضي أن يكون الله جسماً؛ لأن الصفات لا تقوم إلا بالأجسام، لأنها أعراض والأعراض لا تقوم بنفسها.
2-إرادة تنزيه الله تعالى.
3-أن وصف الله تعالي بتلك الصفات التي ذكرت في كتابه الكريم أو في سنة نبيه العظيم يقتضي مشابهة الله بخلقه، فينبغي نفي كل صفة نسبت إلي الله تعالى وتوجد كذلك في المخلوقات لئلا يؤدي إلى تشبيه الله – بزعمهم – بمخلوقاته التي تحمل اسم تلك الصفات.
س29: ما هو الرد على شبهاتهم في نفي الصفات؟
ج29: 1- إن كلمة الجسمية لله تعالى نفياً أو إثباتاً هي من الألفاظ المخترعة التي لم ترد في الشرع لا في الكتاب ولا في السنة، وهي تخفي وراءها هدفا ما، ولو وقف هؤلاء الذين يطلقون لفظ الجسم عند الحدود الشرعية لرأوا أنه يجب عليهم لزاما، ألا يطلقوا على الله إلا ما ثبت له من الأسماء والصفات، وترك ذلك التنطع المذموم؛ لأن لفظ الجسم لفظ عام يحتاج إلى بيان وتوضيح ممن يقول به؛ لأنه لم يرد في الشرع لا بالنفي ولا بالإثبات، ولهذا كان في إطلاقه حق وباطل ويجب على القائل به تفصيل ما يريد. فهناك من ينفي لفظ الجسم من الجهمية والمعتزلة ليخفي ما يهدف إليه من نفي ما أثبته الله لنفسه من الأسماء والصفات، وهناك من يثبت الجسم من المشبهة ليخفي ما يهدف إليه من إثبات ما نفاه الله عن نفسه.
2- إن تنزيه الله عز وجل لا يمكن أن يكون بسلب صفاته وما تدل عليه من العظمة والكمال، إنه من الإجرام أن ينزه الله عن ما تمدح به. إن التنزيه الصحيح إنما يكون في إثبات الصفة في أعلى كمالها؛ لأن الكمال المطلق لا يوصف به أحد غير الله تعالي.
3- يجب علينا الإيمان التام بكل ما وصف الله به نفسه ووصفه به نبيه صلى الله عليه وسلم، كما جاءت به النصوص من غير تحريف ولا تعطيل ولا تمثيل ولا تكييف. وأن نقول عن كل صفة: الصفة معلومة والكيف مجهول والسؤال عنها بدعة. إذ كيف تكيف ذاتاً لم تدركها ولم توصف لك أكثر من صفات مجملة قابلة للاشتراك في الأسماء متباينة الحقائق؛ لأن الاشتراك في التسمية لا يوجب الاشتراك والمماثلة في الذات، إذ يقال: رأس الرجل ورأس الجمل ورأس الذرة ورأس الجبل، وبين ذوات هذه الأشياء من الفروق ما لا يخفى على عاقل.
س30: ما المراد بالصراط؟ وما هي أدلة إثباته؟
ج30: الصراط المراد به: ما ثبت في السنة النبوية أنه جسر ممدود على متن جهنم أدق من الشعرة وأحد من السيف، يعبره الخلائق بقدر أعمالهم إلى الجنة فمنهم من يجتازه ومنهم من يقع فيه.
وقد ورد في القرآن الكريم لفظة الصراط في تسعة وأربعين موضعاً-على معان مختلفة لكنها متقاربة في المعنى- مراداً بها الطريق أو طريق الهداية والرشاد. هذا في اللغة، ولكن السلف ما كانوا يغفلون حقيقته الشرعية من أنه جسر ممدود على متن جهنم، ولم يأت التصريح بذكره في القرآن الكريم.
غير أن هناك آيات بعض العلماء جعلها في ذكر الصراط وبعضهم يجعلها إشارة إليه، ومن ذلك:
قول الله تعالى: فاهدوهم إلى صراط الجحيم ، وهذه الآية ليس فيها التصريح التام بذكر الصراط في اصطلاح الشرع، إلا أن يقال: إن طريق الجحيم هو أخذهم إلى الصراط ومنه إلي النار.
ومنه قوله تعالى: فلا اقتحم العقبة ، ورد في تفسير العقبة أقوال كثيرة منها أن العقبة هنا هي الصراط. وكذا قوله تعالي: وإن منكم إلا واردها… الآية؛ أي بالمرور على الصراط.
س31: ما المراد بالميزان؟ وما هي أدلة إثباته؟
ج31: هو ميزان حقيقي له لسان وكفتان توزن به أعمال العباد خيرها وشرها، يظهره الله في يوم القيامة لإظهار مقادير أعمال الخلق، وقد أجمع المسلمون على القول به واعتقاده. وجاء ذكره في القرآن الكريم في أكثر من آية تنويهاً بعظمه وأهميته، قال تعـالــى: ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئاً وإن كان مثقال حبةٍ من خردلٍ أتينا بها وكفى بنا حاسبين . كما وردت في السنة النبوية أحاديث كثيرة منها: قوله صلى الله عليه وسلم كما في الحديث الذي رواه أبو هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "كلمتان حبيبتان إلى الرحمن خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان: سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم". وثبت أن العمل يوزن ويوزن أيضاً العامل، وتوزن صحائف الأعمال، وروي أن أشد ما يكون الناس خوفاً في يوم القيامة عندما يأتي دور الوزن. وقد تلقى المسلمون أخباره بالقبول والتصديق لثبوته بالكتاب والسنة والإجماع، ولم يخالف في ثبوته أي شخص من السلف.
س32: ما هو الأصل الفاسد الذي اعتقده الجهم بن صفوان الذي جعله يقوله بفناء الجنة والنار؟
ج32: الأصل الفاسد الذي اعتقده هو امتناع وجود ما لا يتناهى من الحوادث، وهو عمدة أهل الكلام المذموم الذي استدلوا به على حدوث الأجسام وحدوث ما لم يخل من الحوادث.
س33: ما هي الأدلة على عدم فناء الجنة والنار؟
ج33: قال تعالى: وأما الذين سعدوا ففي الجنة خالدين فيها ما دامت السموات والأرض إلا ما شاء ربك عطاء غير مجذوذ أي غير منقطع إلا إذا شاء الله أن يقطعه، فقوته فوق ذلك، ولكن أخبر عز وجل أنه لم يشأ أن ينقطع أبدا فيجب تصديق ذلك: ومن أصدق من الله قيلا .
وقال تعالى: وما هم منها بمخرجين لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى ، إلى غير ذلك.
وقد جاءت السنة بتأكيد ثبوت وجود الجنة والنار الآن ودوامهما في المستقبل في أحاديث كثيرة كقوله صلى الله عليه وسلم: "من يدخل الجنة ينعم ولا يبأس "، وقوله صلى الله عليه وسلم:" ينادي مناديا يا أهل الجنة! إن لكم أن تصحوا فلا تسقموا أبدا وأن تشبوا فلا تهرموا أبدا وأن تحيوا فلا تموتوا أبدا ".
وعن دوام النار يقول الله تعالى: فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون وقال تعالى: خالدين فيها أبدا وما هم بخارجين من النار لا يقضى عليهم فيموتوا ولا يخفف عنهم من عذابها
وقد ذكر الله عز وجل في القرآن الكريم أدلة على وجودهما الآن بما لا يخفى إلا على أهل البدع، فقد قال تعالى عن الجنة: أعدت للمتقين وقال عن النار كذلك: أعدت للكافرين لقد أعدهما الله تعالى قبل نزول أهلهما فيهما.
ومن الأحاديث التي تؤكد وجودهما الآن ما جاء في حديث الإسراء والمعراج قوله صلى الله عليه وسلم: " ثم انطلق بي جبريل حتى أتى سدرة المنتهى. فغشيها ألوان لا أدري ما هي قال: ثم دخلت الجنة فإذا هي جنابذ اللؤلؤ وإذا ترابها المسك ".
الفصل الخامس
س34: ما هو الحكم على الجهمية؟
ج34: لقد ذهب كثير من علماء السلف إلى تكفير الجهمية وإخراجهم من أهل القبلة، ومن هؤلاء الإمام الدارمي أبو سعيد عثمان بن سعيد الدارمي، فقد جعل في كتابه – " كتاب الرد على الجهمية " – بابا سماه باب الاحتجاج في إكفار الجهمية "، وبابا آخر سماه " باب قتل الزنادقة والجهمية واستتابتهم من كفرهم ".
س35: ما هي أدلة الدارمي وغيره من العلماء على تكفير الجهمية؟
ج35: 1- بدلالة القرآن الكريم، حيث أخبر عن قريش أنهم قالوا عن القرآن: إن هذا إلا قول البشر أي مخلوق، وهو نفسه قول الجهم بخلقه.
2- ومن الأثر ما ورد عن علي وابن عباس في قتلهم الزنادقة، لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: " من بدل دينه فاقتلوه " والجهمية أفحش زندقة وأظهر كفرا منهم.
3- قال الدارمي: " ونكفرهم أيضا بكفر مشهور " ثم ذكر من ذلك قولهم بخلق القرآن، وتكذيبهم لما أخبر الله تعالى أنه يتكلم متى شاء وكلم موسى تكليما، وهؤلاء ينفون عنه صفة الكلام فيجعلونه بمنزله الأصنام التي لا تتكلم، ثم بكفرهم في عدم إثباتهم لله تعالي ما أثبته لنفسه من الصفات: كالوجه والسمع والبصر والعلم والكلام. وبكفرهم في أنهم لا يدرون أين الله تعالى ولا يصفونه بأين ولا يثبتون له مطلق الفوقية الثابتة بالنصوص الصريحة في كتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم"
س36: من هم العلماء الذين حكموا بكفر الجهمية صراحة؟
ج36: أورد الدارمي جملة من أسماء الذين حكموا بكفر الجهمية صراحة، ومنهم: سلام بن أبي مطيع، وحماد بن زيد، ويزيد بن هارون، وابن المبارك، ووكيع، وحماد بن أبي سليمان، ويحي بن يحيى، وأبو توبة الربيع ابن نافع، ومالك بن أنس.
الباب الثالث عشر: المعتزلة
الفصل الأول
س37: من هم المعتزلة؟
ج37: المعتزلة اسم يطلق على فرقة ظهرت في الإسلام في القرن الثاني الهجري ما بين سنة 105 وسنة 110هـ، بزعامة رجل يسمي واصل بن عطاء الغزال. وقد أصبحت المعتزلة فرقة كبيرة تفرعت عن الجهمية في معظم الآراء، وقد تفرقت المعتزلة أيضا فرقا كثيرة، واختلفوا في المبادئ والتعاليم، ووصلوا إلى اثنين وعشرين فرقة، إلا أنه يجمعهم إطار عام وهو الاعتقاد بالأصول الخمسة:
التوحيد على طريقة الجهمية، والعدل على طريقة القدرية، والوعد والوعيد، والمنزلة بين المنزلتين، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على طريقة الخوارج.
س38: كيف نشأت المعتزلة؟
ج38: 1- يرى بعض العلماء أن أصل بدء الاعتزال كان في زمن الخليفة الراشد علي رضي الله عنه، حينما اعتزل جماعة من الصحابة كانوا معه السياسة، وتركوا الخوض في تلك الخلافات التي نجمت بين علي ومعاوية رضي الله عنهما، وهذا القول باطل لا صحة له.
2- ويرى أكثر العلماء أن أصل بدء الاعتزال هو ما وقع بين الحسن البصري وواصل بن عطاء من خلاف في حكم أهل الذنوب.
س39: ما هي أسماء المعتزلة التي أطلقها عليهم العلماء، وما هو سبب تلك التسميات؟
ج39: 1- المعتزلة: وسبب التسمية أن أول زعيم لهم وهو واصل ابن عطاء الغزالي اعتزل حلقة الحسن البصري.
2- تسمية المعتزلة جهمية: للاتفاق بين المعتزلة والجهمية في المسائل العقدية، ولسبق الجهمية في الظهور، أطلق العلماء اسم الجهمية على المعتزلة، وذلك لأن المعتزلة هم الذين احيوا آراء الجهمية في مبدأ ظهورهم. فالجهمية أعم من المعتزلة فكل معتزلي جهمي، وليس كل جهمي معتزليا.
3- تسميتهم بالقدرية: بسبب موافقتهم القدرية في إنكار القدر وإسنادهم أفعال العباد إلى قدرتهم، وكان أول المتكلمين في القدر والمقررين له معبد الجهني وغيلان الدمشقي.
4- ومن أسمائهم الثنوية والمجوسية: وهم ينفرون من هذا الاسم، والذي حمل المخالفين لهم على تسميتهم به هو مذهب المعتزلة نفسه، الذي يقرر أن الخير من الله والشر من العبد، وهو يشبه مذهب الثنوية والمجوس الذي يقرر وجود إلهين: أحدهما للخير والآخر للشر.
5- الوعيدية: وهو ما اشتهروا به من قولهم بإنفاذ الوعد والوعيد لا محالة، وأن الله تعالى لا خلف في وعده ووعيده، فلابد من عقاب المذنب إلا أن يتوب قبل الموت.
6- المعطلة: وهو اسم للجهمية أيضا ثم أطلق على المعتزلة لموافقتهم الجهمية في نفي الصفات وتعطيلها وتأويل ما لا يتوافق مع مذهبهم من نصوص الكتاب والسنة.
س40: ما هي أسماء المعتزلة التي اختاروها لأنفسهم؟
ج40: 1- المعتزلة: وقد سبق أنه اسم ذم وهو كذلك إلا أن المعتزلة حينما رأوا ولع الناس بتسميتهم به أخذوا يدللون على أنه اسم مدح بمعنى الاعتزال عن الشرور والمحدثات واعتزال الفتن والمبتدعين على حد قوله تعالى:﴿ واهجرهم هجرا جميلا ﴾.
2- أهل العدل والتوحيد أو "العدلية": والعدل عندهم يعني نفي القدر عن الله تعالى، أو أن تضاف إليه أفعال العباد القبيحة، والتوحيد عندهم يعنى نفى الصفات عن الله تعالى، وتسميتهم بالعدلية اسم مدح اخترعوه لأنفسهم.
3- أهل الحق: لأنهم يعتبرون أنفسهم على الحق ومن عداهم على الباطل.
4- الفرقة الناجية: لينطبق عليهم ما ورد في فضائل هذه الفرقة.
5- المنزهون الله: لزعمهم حين نفوا الصفات أنهم ينزهون الله.
س41: متى بلغ سلطان المعتزلة ذروته؟ ومتى بدأ بالانحدار؟
ج41: بلغ ذروته في عهد الخليفة العباسي المأمون. وفي عهد المتوكل بدأ بالانحدار.
الفصل الثالث
س42: اذكر بعض مشاهير المعتزلة القدرية الجهمية؟
ج42: 1- بشر بن السري. 2- ثور بن زيد المدني. 3- ثور بن يزيد الحمصي. 4- حسان بن عطية المحاربي. 5- الحسن بن ذكوان. 6- داود بن الحصين.
الفصل الرابع
س43: اذكر أهم عقائد المعتزلة إجمالا؟
ج43: 1- اختلفوا في المكان لله تعالى:
أ- فذهب بعضهم – وهم جمهورهم – إلى أن الله تعالى في كل مكان بتدبيره.
ب- وذهب آخرون إلى أن الله تعالى لا في مكان، بل هو على ما لم يزل عليه.
2- ذهبوا إلى أن الاستواء هو بمعنى الاستيلاء في قول الله تعالى: " الرحمن على العرش استوى ".
3- أجمعوا على أن الله لا يرى بالأبصار.
4- اختلفوا في صفة الكلام لله تعالى:
أ- فذهب بعضهم إلى إثبات الكلام لله تعالي. ب- وذهب بعضهم إلى إنكار ذلك.
الفصل الخامس
س44: ما هي الأصول الخمسة للمعتزلة؟
ج44: 1- التوحيد. 2- العدل. 3- الوعد والوعيد.
4- القول بالمنزلة بين المنزلتين. 5- الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر.
س45: ماذا يقصد المعتزلة بالأصل الأول وهو التوحيد؟
ج45: يقصدون به البحث حول صفات الله عز وجل وما يجب لله تعالي وما لا يجب في حقه.
وقد حرص المعتزلة على إنكار صفات لله تعالى بحجة أن إثباتها يستلزم تعدد القدماء وهو شرك على حد زعمهم، لأن إثبات الصفات يوحي بجعل كل صفة إلها، والمخرج من ذلك هو نفى الصفات وإرجاعها إلى ذات الباري تعالي فيقال: عالم بذاته قادر بذاته.. الخ، وبذلك يتحقق التوحيد في نظرهم.
س46: وما هو الرد عليهم في هذا؟
ج46: السلف رحمهم الله يثبتون صفات الله عز وجل كما جاءت في الكتاب والسنة دون تحريف أو تأويل، مع معرفتهم بمعانيها وتوقفهم في بيان كيفياتها، لأنهم يؤمنون بأن الكلام في صفة كل شيء فرع عن تصور ذاته، والله عز وجل له ذات لا تشبه الذوات ولا يعلم أحد كيفيتها، وصفاته كذلك ثابتة على ما يليق بذاته جل وعلا. وطريقة السلف تتلخص في إثبات أسماء الله وصفاته على وجه لا يوحي بأي نوع من المماثلة والمشابهة على ضوء قول الله عز وجل: " ليس كمثله شيء وهو السميع البصير " المتضمن رد التشبيه والتمثيل ورد الإلحاد والتعطيل. ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم مخاطبا أصحابه حينما كانوا يرفعون أصواتهم بالتكبير والتهليل: " أربعوا على أنفسكم فإنكم لا تدعون أصم ولا غائبا، تدعون سميعا بصيرا قريبا ".
س47: ماذا يقصد المعتزلة بالأصل الثاني وهو العدل؟
ج47: اتضح أنهم يريدون بالعدل ما يتعلق بأفعال الله عز وجل التي يصفونها كلها بالحسن ونفي القبح عنها – بما فيه نفي أعمال العباد القبيحة عن الله عز وجل، لأن ذلك يوجب نسبة الفعل القبيح إلى الله تعالى وهو منزه عن ذلك لأن الله تعالى يقول: والله لا يحب الفساد، وما الله يريد ظلما للعباد . فاتفق المعتزلة على أن الله تعالى غير خالق لأفعال العباد وأن العباد هم الخالقون لأفعالهم، مع أنهم يؤمنون بأن الله تعالى عالم بكل ما يعمله العباد وأن الله تعالى هو الذي أعطاهم القدرة على الفعل أو الترك.
س48: ما هي الشبهات التي اعتمد عليها المعتزلة في أصلهم الثاني: العدل؟
ج48: 1- أن إثبات خلق الله لأفعال العباد فيه نسبة الظلم والجور إليه تعالى والله منزه عن ذلك.
2- ومنها آيات كثيرة في القرآن يستدلون بها، منها قول الله تعالى: ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت، ومأخذهم من هذه الآية كلمة "تفاوت"، وقد أخطأوا المراد منها حيث فسروها بالحكمة.
س49: ما هو الرد عليهم في ذلك؟
ج49: مما لا شك فيه أن أفعال الله كلها حسنة لا قبيح فيها، إلا أن المعتزلة ارتكبوا مغالطات واضحة في فهم النصوص. ذلك أن الظلم الذي نفاه الله عن نفسه هو وضع الشيء في غير موضعه أو وضع سيئات شخص على أخر، أو أن ينقص من حسنات المحسن، وهذا ظلم بلا شك والله منزه عنه. والخلاف إنما هو في حقيقته في خلق كل الأشياء وكل الأفعال، وأنها لا تخرج عن خلق الله وإرادته لها، قال تعالى: والله خالق كل شيء، وقال تعالى: والله خلقكم وما تعملون.
وأما بالنسبة لاستدلالهم بالآية الكريمة: ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت فقد فسروا التفاوت هنا بالحكمة، بينما الصحيح أن التفاوت المنفي هنا هو التفاوت في الخلقة، أي لا يوجد في خلق السموات والأرض من تفاوت، أي من عيب أو خلل، لقلة استوائهما بل هما في أدق تناسب وإتقان، فالمقصود بنفي التفاوت في الخلقة وليس في الحكمة كما فسروه.
س50: ما هي المسائل التي تلتحق بمسألة العدل؟ وما هو الرد عليهم فيها؟
ج50: يلتحق بمسألة العدل مسائل من أهمها: الصلاح والأصلح، واللطف من الله تعالى، وإرسال الرسل عليهم الصلاة والسلام. حيث يرى المعتزلة أنها من الواجبات التي افترضوها على الله تعالى.
والرد عليهم:
- لا إيجاب على الله إلا ما أوجبه على نفسه تفضلا منه وكرما، لا أن العباد يستحقون عليه شيئا بإيجاب أحد من خلقه عليه، وكذلك مسألة اللطف من الله تعالى هي من الأمور الثابتة، لكن ليس على سبيل الإيجاب على الله تعالى كما ترى المعتزلة. بل اللطف من الله بمحض تفضله جل وعلا قال تعالى: ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان إلا قليلا. وأما إرسال الرسل، فقد اقتضت حكمته تعالى أن يرسل الرسل وأن يعذر إلى الخلق فلا يعذب أحدا إلا على مخالفته لرسله قال تعالى: وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا ، وقال تعالى: ذلك أن لم يكن ربك مهلك القرى بظلم وأهلها غافلون ، وهذا من تفضله وكرمه على عباده ولطفه بهم، لا أن أحدا أوجبه عليه كما ترى المعتزلة.
س51: ماذا يقصد المعتزلة بالأصل الثالث: الوعد والوعيد؟
ج51: أن الله وعد المطيعين بالثواب وتوعد العصاة بالعقاب وأنه يفعل ما وعد به وتوعد عليه لا محالة، ولا يجوز عليه الخلف والكذب.
س52: بماذا استدل المعتزلة على وجوب إنفاذ الله وعده للعبد استحقاقا منه على الله؟
ج52: قول الله عز وجل: ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله وكان الله غفورا رحيما وموضع الشاهد من الآية هو قوله تعالى: فقد وقع أجره على الله ، حيث فسروا هذا الوقوع بمعني الوجوب، أي فقد وجب ثوابه على الله استحقاقا، لأن العمل في رأيهم من موجبات الثواب. واستدلوا أيضا على ذلك من العقل بأن الله مادام قد كلف عباده بالأعمال الشاقة فلابد أن يكون لها مقابل من الأجر، وإلا لكان ذلك ظلما، والله منزه عن الظلم، فلا يجوز على الله تعالي – في نظرهم – أن يوجب العمل ولا يوجب له جزاء.
والواقع أن ما استدلوا به من الآية والشبهة العقلية إنما بنوه على مسألة وجوب دخول الجنة بالعمل، واستدلوا على أن دخول الجنة لا يكون إلا بالعمل بقوله تعالى: يقولون سلام عليكم أدخلوا الجنة بما كنتم تعملون .
س53: ما هو الرد عليهم في هذا؟
ج53: الحق أن دخول الجنة إنما هو بفضل الله أولا وأخيرا، وليس للعبد على ربه أي استحقاق غير أن الله تعالى أوجب على نفسه أنه لا يظلم عمل عامل من ذكر أو أنثى، فجعل العمل من أسباب دخول الجنة، والأسباب نفسها إنما هي تفضل من الله تعالى.
فاتضح أن استدلال المعتزلة بالآية السابقة وغيرها في وجوب الثواب – بمعنى أن الله تعالى يجب عليه شيء لم يوجبه هو على نفسه – استدلال خاطئ، فإن الله تعالى لا يستطيع أحد من خلقه أن يوجب عليه شيئا لم يوجبه هو على نفسه. ومع ذلك فإن الله تعالى لا يخلف وعده، فإنه يعطي العبد ما وعده به من الخير بحكم وعده وكرمه، وفرق بين وقوع ذلك على هذه الصفة وبين وقوعه استحقاقا. ولكن الله تعالى جعل العمل مع رحمة الله تعالى من أسباب دخول الجنة.
س54: بماذا استدل المعتزلة على أن أصحاب الكبائر إذا ماتوا من غير توبة فإنهم يستحقون بمقتضى الوعيد من الله النار خالدين فيها إلا أن عقابهم يكون أخف من عقاب الكفار؟
ج54: قوله عز وجل: إن الأبرار لفي نعيم وإن الفجار لفي جحيم يصلونها يوم الدين وما هم عنها بغائبين وكذا قوله تعالى: إن المجرمين في عذاب جهنم خالدون وقوله تعالى: بلى من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون .
س55: ما هو الرد عليهم في ذلك؟
ج55: الآيات لا تدل على خلود أصحاب المعاصي من المؤمنين خلودا أبديا حتميا، ذلك أن الله عز وجل قد يعفو عنهم ابتداء وقد يعذبهم بقدر ذنوبهم ثم يخرجهم الله بتوحيدهم وإيمانهم، لأنه لا يخلد في النار إلا من مات على الشرك الذي أخبر عز وجل أنه لا يغفر لصاحبه، وأما ما عدا الشرك فإن الله تعالي يغفره. ومن ناحية أخرى، فإن خلف الوعيد من فعل الكرام وهى صفة مدح، بخلاف خلف الوعد فإنها صفة ذم، والله عز وجل يتنزه عنها، بخلاف الوعيد فإنه يعتبر من باب التفضل والتكرم وإسقاط حق نفسه، وهذا هو مذهب السلف أهل السنة والجماعة.
س56: ما هو موقف المعتزلة من الشفاعة؟
ج56: المعتزلة لا ترى الشفاعة لأحد في الآخرة إلا للمؤمنين فقط دون الفساق من أهل القبلة، فلا شفاعة لأهل الكبائر، لأن إثبات ذلك يؤدي إلى خلف وعيد الله، وخلف الوعيد عندهم يعتبر كذبا والله يتنزه عن الكذب. ثم استدلوا بالآيات الواردة في نفي الشفاعة عن غير المؤمنين الفائزين كقوله تعالى: واتقوا يوما لا تجرى نفس شيئا ولا يقبل منها شفاعة ولا يؤخذ منها عدل ولا هم ينصرون وكذا قوله تعالى: ولا يشفعون إلا لمن ارتضي ، أي والفساق غير راض عنهم فلا تصح الشفاعة فيهم. وقوله تعالى: ما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع .. إلى غير ذلك من الآيات.
ولا ريب أن المعتزلة جانبوا الصواب في الحكم بنفي الشفاعة في العصاة، فإن القول بإثبات هذه الشفاعة مما هو ثابت متواتر عن السلف، لثبوت الأحاديث المتواترة بذلك وإجماع علماء الإسلام عدا المعتزلة.
س57: ماذا يقصد المعتزلة بالأصل الرابع: المنزلة بين المنزلتين؟
ج57: المقصود أن المعتزلة يريدون بالمنزلة بين المنزلتين المؤمن صاحب المعاصي، فهو عندهم ليس بمؤمن ولا كافر بل يفرد له حكم ثالث وهو تسميته " فاسقا" في الدنيا، والحكم بخلوده في النار في الآخرة، فاختلف اسمه وحكمه في الدنيا فاستحق أن يكون في منزلة بين المنزلتين.
وتلقب هذه المسألة حسب ما يذكره القاضي عبد الجبار " بمسألة الأسماء والأحكام ".
س58: ما هو الرد عليهم في ذلك؟
ج58: الواقع: أن العاصي غير خارج من الملة بفسقه بل هو مؤمن ناقص الإيمان، أو مؤمن بإيمانه فاسق بكبيرته، ولم تخرجه النصوص عن الإيمان لا في كتاب الله ولا في سنة نبيه، ولا في إجماع الأمة.
س59: ما هو حكم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عند المعتزلة، وبماذا افترقوا عن أهل السنة في ذلك؟
ج59: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يعتبران من فروض الكفايات عند المعتزلة إذا قام بهما من يكفي سقط عن الباقين، وحكمها عموما الوجوب الكفائي. وقد توافق أهل السنة والمعتزلة في حكم القيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في كونه من الواجبات على الكفاية، إلا أنه وقع خلاف بين أهل السنة والمعتزلة فيما يلي:
1- طريقة تغيير المنكر. 2- أوجبوا الخروج على السلطان الجائر.
3- حمل السلاح في وجوه المخالفين لهم سواء كانوا من الكفار أو من أصحاب المعاصي من أهل القبلة.
س60: ما هي طريقة تغيير المنكر عند المعتزلة، وعند أهل السنة؟
ج60: عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان "
وتغيير المنكر عند المعتزلة يبدأ بالحسنى ثم باللسان ثم باليد ثم بالسيف، بينما الحديث يرشد إلى العكس، وهو ما يذهب إليه أهل الحق، من أن تغيير المنكر يبدأ بالفعل باليد إذا لم يترتب عليه مفاسد، والتغيير باليد هنا لا يكون بالسيف، وإنما هو إزالة المنكر بدون قتال ولا فتح باب فتنة أكبر من المنكر المراد إزالته. فإن لم يتمكن الشخص من التغيير باليد انتقل إلى التغيير باللسان، فإن وصل الحال إلى عدم الاستطاعة من التغيير باللسان بأن كان الشر هو الغالب على الخير، فليكتف بالتغيير بالقلب من كراهة المنكر وتمنى زواله وبغضه وبغض أهله، ومع هذا فلا مكان للسيف هنا، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يرشد إليه، ولما فيه كذلك من جر الأمة إلى ما هو أكبر من تغيير ذلك المنكر، بخلاف المعتزلة فإنهم لا يرون حرجا في حمل السلاح لتغيير المنكر.
منقول التمهيد
س1: يذكر أن السلف كانوا يصلون خلف المرجئة ويترحمون عليهم، وإنما يشنعون عليهم مسلكهم الخاطئ في تأخير العمل عن حقيقة الإيمان، فمن هم هؤلاء المرجئة؟
ج1: هؤلاء هم مرجئة الفقهاء وليسوا مرجئة الجهمية الغلاة.
الفصل الأول
س2: عرف الإرجاء لغة واصطلاحا؟
ج2: الإرجاء لغة: يطلق على عدة معاني منها: الأمل والخوف والتأخير وإعطاء الرجاء.
واصطلاحا: اختلفت كلمة العلماء في المفهوم الحقيقي للإرجاء، مفاد ذلك نوجزه فيما يلي:
1- أن الأرجاء في الاصطلاح مأخوذ من معناه اللغوي؛ أي بمعنى التأخير والإمهال – وهو إرجاء العمل عن درجة الإيمان، وجعله في منزلة ثانية بالنسبة للإيمان لا أنه جزء منه، وأن الإيمان يتناول الأعمال على سبيل المجاز، بينما هو حقيقة في مجرد التصديق، كما أنه قد يطلق على أولئك الذين كانوا يقولون: لا تضر مع الإيمان معصية كما لا تنفع مع الكفر طاعة.
كما أنه يشمل أيضاً جميع من أخر العمل عن النية والتصديق.
2- وذهب آخرون إلى أن الأرجاء يراد به تأخير حكم صاحب الكبيرة إلى يوم القيامة، فلا يقضى عليه في الدنيا حكم ما.
3- وبعضهم ربط الإرجاء بما جرى في شأن علي رضي الله عنه من تأخيره في المفاضلة بين الصحابة إلى الدرجة الرابعة، أو إرجاء أمره هو وعثمان إلى الله ولا يشهدون عليهما بإيمان ولا كفر، وخلص بعضهم من هذا المفهوم إلى وصف الصحابة الذين اعتزلوا الخوض في الفتن التي وقعت بين الصحابة وخصوصاً ما جرى بين علي ومعاوية من فتن ومعارك طاحنة، خلصوا إلى زعم أن هؤلاء هم نواة الإرجاء، حيث توقفوا عن الخوض فيها واعتصموا بالسكوت، وهذا خطأ من قائليه.
والواقع أن إطلاق اسم الإرجاء على كل من يقول عن الإيمان: إنه قول أو تصديق بلا عمل، أو القول بأنه لا يضر مع الإيمان ذنب كما لا تنفع مع الكفر طاعة – هو الأغلب في عرف العلماء حينما يطلقون حكم الإرجاء على أحد؛ بل هو المقصود بالإرجاء.
الفصل الثاني
س3: ما هو الأساس الذي قام عليه مذهب المرجئة؟
ج3: الأساس الذي قام عليه مذهب الإرجاء هو الخلاف في حقيقة الإيمان ومم يتألف، وتحديد معناه، وما يتبع ذلك من أبحاث.
س4: ما هو مذهب أبو حنيفة في الإيمان؟
ج4: ذهب أبو حنيفة رحمة الله إلى أن الإيمان هو التصديق بالقلب والإقرار باللسان، لا يغنى إحداهما عن الآخر؛ أي فمن صدق بقلبه و أعلن التكذيب بلسانه لا يسمى مؤمناً. وعلى هذا قام مذهب الحنفية وهو أقرب مذاهب المرجئة إلى أهل السنة لموافقتهم أهل السنة في أن العاصي تحت المشيئة، وأنه لا يخرج عن الإيمان. وخالفوهم في عدم إدخال العمل في الإيمان وفي أن الإيمان يزيد وينقص، فلم يقولوا بذلك.
الفصل الثالث
س5: كيف نشأ الإرجاء وكيف تطور إلى مذهب؟
ج5: الإرجاء في بدء الأمر كان يراد به في بعض إطلاقاته أولئك الذين أحبوا السلامة والبعد عن الخلافات وترك المنازعات في الأمور السياسية والدينية، إلا أنه من الملاحظ أنه بعد قتل عثمان رضي الله عنه وبعد ظهور الخوارج والشيعة أخذ الإرجاء يتطور تدريجياً. فظهر الخلاف في حكم مرتكب الكبيرة ومنزلة العمل من الإيمان، ثم ظهر جماعة دفعوا بالإرجاء إلى الحد المذموم والغلو، فبدأ الإرجاء يتكون على صفة مذهب، فقرر هؤلاء أن مرتكب الكبيرة كامل الأيمان وأنه لا تضر مع الإيمان معصية، ولا تنفع مع الكفر طاعة، وأن الإيمان في القلب.
الفصل الرابع
س6: من هو أول من قال بالإرجاء؟
ج6: - يذكر العلماء أن الحسن بن محمد بن الحنفية هو أول من ذكر الإرجاء في المدينة بخصوص علىّ وعثمان وطلحة والزبير، حينما خاض الناس فيهم وهو ساكت ثم قال: قد سمعت مقالتكم ولم أر شيئاً أمثل من أن يرجأ علي وعثمان وطلحة والزبير، فلا يتولوا ولا يتبرأ منهم. ولكنه ندم بعد ذلك على هذا الكلام وتمنى أنه مات قبل أن يقوله، فصار كلامه بعد ذلك طريقاً لنشأة القول بالإرجاء، وقد بلغ أباه محمد بن الحنفية كلامُ الحسن فضربه بعصا فشجه، وقال: لا تتولى أباك عليّا؟ ولم يلتفت الذين تبنوا القول بالإرجاء إلى ندم الحسن بعد ذلك، فإن كتابه عن الإرجاء انتشر بين الناس وصادف هوى في نفوس كثيرة فاعتنقوه. ولكن ينبغي معرفة أن إرجاء الحسن إنما هو في الحكم بالصواب أو الخطأ على من ذكرهم، ولم يتعلق إرجاؤه بالإيمان أم عدمه كما هو حال مذهب المرجئة أخيراً.
- وقيل: إن أول من قال بالإرجاء على طريقة الغلو فيه هو رجل يسمى ذر بن عبد الله الهمداني وهو تابعي، وقد ذمه علماء عصره من أهل السنة، بل كان بعضهم- مثل إبراهيم النخعي- لا يرد عليه إذا سلم، وكذلك سعيد بن جبير.
والجمع بين هذا القول والذي قبله يتضح باختلاف حقيقة الإرجاء عند الحسن وعند ذر بن عبد الله؛ إذ الإرجاء عند الحسن ترك الحكم على أولئك الأشخاص. وأما الإرجاء عند ذر فهو إخراج العمل عن مسمى الإيمان.
ويذكر شيخ الإسلام عن نشأة الإرجاء بالكوفة أن أول من قال فيهم حماد بن أبي سليمان. وقيل: إن أول من قال به رجل اسمه سالم الأفطس، ويطلق على إرجاء هؤلاء أنه إرجاء الفقهاء، ويظهر أن تلك الأقوال لا تباعد بينها؛ لأن هؤلاء كانوا في عصر واحد، وكانوا أيضاً على اتفاق في إرجائهم.
الفصل الخامس
س7: ما هي الأصول أو المسائل الهامة التي تكاد تتفق عليها فرق المرجئة؟
ج7: تكاد فرق المرجئة تتفق في أصولها على مسائل هامة هي:
تعريف الإيمان بأنه التصديق بالقول أو المعرفة أو الإقرار.
وأن العمل ليس داخلاً في حقيقة الإيمان، ولا هو جزء منه، مع أنهم لا يغفلون منزلة العمل من الإيمان تماماً إلا عند الجهم ومن تبعه في غلوه.
وأن الإيمان لا يزيد ولا ينقص؛ لأن التصديق بالشيء والجزم به لا يدخله زيادة ولا نقصان.
وأن أصحاب المعاصي مؤمنون كاملوا الإيمان بكمال تصديقهم وأنهم حتماً لا يدخلون النار في الآخرة.
س8: من هم القائلين بأن الإيمان يكون بالقلب واللسان والجوارح؟
ج8: 1- أهل السنة. 2- الخوارج. 3- المعتزلة.
س9: من هم القائلين بأن الإيمان بالقلب واللسان فقط؟
ج9: 1- مرجئة الفقهاء الحنفية.
2- ابن كلاب، وكان على عقيدة المرجئة الفقهاء، وقد انقرض مذهبه.
س10: من هم القائلين بأن الإيمان باللسان والجوارح فقط؟
ج10: 1- الغسانية. 2- فرقة مجهولة لم يصرح العلماء بتسميتها، ولعلها الغسانية.
س11: من هم القائلين بأن الإيمان بالقلب فقط؟
ج11: 1- الجهمية. 2- المريسية. 3- الصالحية. 4- الأشعرية. 5- الماتريدية.
س12: من هم القائلين بأن الإيمان باللسان فقط؟
ج12: الكرّامية: وقد انقرضوا، وقد ذكر عنهم شيخ الإسلام أنهم يقولون: المنافق مؤمن وهو مخلد في النار؛ لأنه آمن ظاهراً لا باطناً ويدخل الجنة من آمن ظاهراً وباطناً.
س13: ما هي تفاصيل اتجاهات الناس في حقيقة الإيمان؟
ج13: أ- الذين قالوا: إنه بالقلب واللسان والجوارح:
1- الذين قالوا: الإيمان فعل كل واجب وترك كل محرم، ويذهب الإيمان كله بترك الواجب أو فعل الكبيرة:
1-الخوارج؛ مرتكب الكبيرة عندهم كافر.
2-المعتزلة؛ مرتكب الكبيرة عندهم في منزلة بين المنزلتين؛ يعني في الدنيا، وأما في الآخرة فقد وافقوا الخوارج في الحكم.
2- الذين قالوا: الإيمان قول وعمل – أي عمل القلب والجوارح – وكل طاعة هي شعبة من الإيمان أو جزء منه.
والإيمان يكمل باستكمال شعبه وينقص بنقصانها، لكن منها ما يذهب الإيمان كله بذهابه؛ ومنها ما ينقص بذهابه.
فمن شعب الإيمان أصول لا يتحقق إلا بها، ولا يستحق مدعيه مطلق الاسم بدونها،ومنها واجبات لا يستحق الاسم المطلق بدونها، ومنها كمالات يرتقي صاحبها إلى أعلى درجاته. "وتفصيل هذا كله بحسب النصوص". كما هو مذهب أهل السنة والجماعة.
ب- الذين قالوا: إنه يكون بالقلب واللسان فقط:
1- الذين يدخلون أعمال القلب – يعنى في حقيقة الإيمان – وهم بعض قدماء المرجئة الفقهاء، وبعض محدثي الحنفية المتأخرين.
2- الذين لا يدخلون أعمال القلب، وقد تطور بهم الأمر إلى إخراج قول اللسان أيضاً من الإيمان وجعلوه علامة فقط، وهم عامة الحنفية "الماتريدية".
ج- الذين قالوا: إنه يكون بالقلب فقط:
1- الذين يدخلون فيه أعمال القلب جميعاً، وهم سائر فرق المرجئة: كاليونسية والشمرية والتومنية.
2- الذين يقولون: هو عمل قلبي واحد – المعرفة – الجهم بن صفوان.
3- الذين يقولون: هو عمل قلبي واحد – التصديق – الأشعرية والماتريدية.
الفصل السادس
س14: ما هي أقسام المرجئة؟
ج14: مرجئة السنة: وهم الأحناف: أبو حنيفة وشيخه حماد بن أبى سليمان ومن اتبعهما من مرجئة الكوفة وغيرهم، وهؤلاء أخروا العمل عن حقيقة الإيمان.
مرجئة الجبرية: وهم الجهمية أتباع جهم بن صفوان، وهم الذين اكتفوا بالمعرفة القلبية وأن المعاصي لا أثر لها في الإيمان، وأن الإقرار والعمل ليس من الإيمان.
مرجئة القدرية: الذين تزعمهم غيلان الدمشقي، وهم الغيلانية.
مرجئة خالصة: وهم فرق اختلف العلماء في عدهم لها.
مرجئة الكرامية: أصحاب محمد بن كرام، وهم الذين يزعمون أن الإيمان هو الإقرار والتصديق باللسان دون القلب.
مرجئة الخوارج: الشبيبية وبعض فرق الصفرية الذين توقفوا في حكم مرتكب الكبيرة.
الفصل السابع
س15: ما هي أدلة المرجئة لمذهبهم؟
ج15: - من القرآن الكريم استدلوا بقول الله تعالى:
1- {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء}
2- {قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقطنوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً إنه هو الغفور الرحيم}
3- كما اهتمت الجهمية بجمع النصوص التي تجعل الإيمان أو الكفر محله القلب. كما في قول الله تعالى: {أولئك كتب في قلوبهم الإيمان}
4- {إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان} 5- {ختم الله على قلوبهم}.
- أما من السنة النبوية: فقد استدلوا بما يلي:
1- قول الرسول صلى الله عليه وسلم: "من مات يشرك بالله شيئاً دخل النار".قال ابن مسعود: "وقلت أنا من مات لا يشرك بالله شيئاً دخل الجنة"
2- وقوله صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه أنه قال: "يا ابن آدم إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً لأتيتك بقرابها مغفرة"
3- وقوله صلى الله عليه وسلم: "اللهم ثبت قلبي على دينك"
4- وكذا حديث الجارية التي سألها الرسول عليه الصلاة والسلام بقوله: "أين الله؟ فقالت: في السماء. فقال لمولاها: اعتقها فإنها مؤمنة"
5- وقوله صلى الله عليه وسلم: "التقوى ها هنا، ويشير إلى صدره ثلاث مرات"
6- ومن أدلتهم كذلك ما جاء في أحاديث شفاعة المصطفى صلى الله عليه وسلم في أقوام فيخرجهم الله من النار حتى لا يبقى من في قلبه ذرة أو برة أو شعيرة من الإيمان، وفيه: "فيقول الله عز وجل: شفعت الملائكة وشفع النبيون وشفع المؤمنون ولم يبق إلا أرحم الراحمين، فيقبض قبضة من النار فيخرج منها قوماً لم يعملوا خيراً قط، قد عادوا حمماً، فيلقيهم في نهر في أفواه الجنة يقال له نهر الحياة فيخرجون كما تخرج الحبة في حميل السيل إلى أن قال: فيخرجون كاللؤلؤ في رقابهم الخواتم يعرفهم أهل الجنة، هؤلاء عتقاء الله الذين أدخلهم الله الجنة بغير عمل عملوه ولا خير قدموه"
وقد استدل المرجئة بهذا الحديث لإرجائهم من العبارات السابقة فيه:
1- لم يعملوا خيراً قط.
2- هؤلاء عتقاء الله الذين أدخلهم الجنة بغير عمل عملوه..
فقالوا: إذا لم يكن لهم عمل خير قط فما الذي بقي معهم؟ والجواب –كما يزعمون- أنه بقي معهم التصديق فقط ونفعهم دون النظر في العمل، لأن حقيقة الإيمان –كما يزعمون- لم تتوقف على العمل.
س16: ما هو الرد على أدلة المرجئة؟
ج16: - الواقع أن تلك النصوص التي تقدمت في استدلال المرجئة على إخراج العمل عن حقيقة الإيمان لا يسلم لهم فهمهم لها من أنها تدل على إخراج الأعمال الظاهرة عن أعمال القلب، فإن إيمان القلب وإن كان الأساس وعليه الاعتماد الأول ولكن لا ينفي هذا أن أثر إيمان القلب يظهر على الجوارح بل هو الحق، والنصوص كما هو الواضح منها لا تدل على تصديق القلب وحده، وإنما تدل على أن الإيمان له دلالات لا تتضح إلا بالأعمال الظاهرة، والذين أحجموا عن إدخال الأعمال الظاهرة في حقيقة الإيمان نتج عن ذلك تساهل عندهم في الحكم حتى على الفجار الذي لا شك في ظهور فجورهم.
- ومن استند منهم إلى إخراج الأعمال عن حقيقة الإيمان بما استنبطه مما جاء في القرآن الكريم من إسناد الإيمان إلى القلب فقط، فقد أخطأ الفهم، فليس المراد منها إخراج العمل وإغفاله عن إيمان القلب، فإن من أنكر تلازم الأعمال الظاهرة بأعمال القلوب وقال: إن الإيمان هو المعرفة فقط فهو جهمي، وكذا من قال: إنه التصديق فقط مثل الأشاعرة فقد تجهم، إذ لا فرق بين دعوى المعرفة ودعوى التصديق فقط-وكلاهما من دون عمل، وما ذكره بعض الأشاعرة من التفريق بينهما فإنه نصرة لمذهبهم فإن كلتا الطائفتين تلتقي على إخراج الأعمال عن حقيقة الإيمان، فيبقى النزاع في التفرقة بين المعرفة والتصديق المجرد عن العمل غير واضح، فإن المعرفة والتصديق موضعهما القلب، والعمل الظاهر دليل ذلك ولازم له. وقد كفر أئمة العلم من قال بقول جهم: إن الإيمان هو التصديق فقط. فظهر أن تلك الآيات لا تدل على نفي دخول الأعمال في حقيقة الإيمان، بل غاية ما فيها التركيز على أهمية الإيمان القلبي الذي بدوره يثمر الإيمان بالقيام بأعمال الشرع الظاهرة، أو أنها أسندت إلى القلوب باعتبار أنها هي المضغة التي إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله.
- وأما ما استدل به المرجئة من النصوص التي تدل على أن من اجتنب الشرك دخل الجنة-سواء كانت تلك النصوص من القرآن الكريم أو من السنة النبوية فإن الجواب على ذلك:
"إن هذه النصوص تفيد أن من لم يقع في الشرك مع التوبة والقيام بأمر الله والانتهاء عن نهيه-أن الله يغفر له الذنوب التي هي دون الشرك، فإذا مات على بعض الذنوب يرجى له المغفرة ابتداء، أو يعاقبه الله بذنبه ثم يدخله الجنة، كما هو مذهب السلف في أهل الذنوب حسب ما تفيده النصوص من الكتاب والسنة.
كما أنه لا يقع من شخص عرف التوحيد وأخلص لربه أنه لا يأتي بالأعمال الأخرى التي أوجبها الإسلام، بحيث يكتفي بابتعاده عن الشرك ثم يركن إلى ذلك لدخوله الجنة، فاتضح أن هذه الآيات لا تدل عن إغفال العمل والاقتصار على المعرفة أو التصديق بالقلب أن هذه الآيات لا تدل على إغفال العمل والاقتصار على المعرفة أو القلب كما يرى المرجئة، بل هي واردة في حكم من مات تائباً أو لم تكن عليه معاص، أو كانت عليه معاص ومات على التوحيد، بحيث كان آخر كلامه في الدنيا: لا إله إلا الله".
- وما فهموه من قول الرسول صلى الله عليه وسلم:"التقوى ها هنا" بأن الإيمان والكفر محلهما القلب، ولا عبرة بعمل جارح- فهو فهم غير سديد من جهة نفي دخول الأعمال الظاهرة إذا لم تثمر القيام بأعمال الإيمان الظاهرة فهي ليست تقوى صحيحة. وهل كان الرسول صلى الله عليه وسلم يريد أن الإيمان هو مجرد التصديق والإقرار بالقلب فقط دون أن يرى أثر ذلك في الأعمال كلها.
وقد جرهم إلى هذا الفهم أمر لم يتقبلوه وهو أن الرسول صلى الله عليه وسلم مرة يعبر عن الإيمان بأعمال القلب ومرة بأعمال الجوارح ومرة بكليهما، فمن وقف على جانب دون آخر من هذه المراتب فقد قصر ولم يلتزم الحق واختلط الأمر عليه.
- وأما حديث الجارية الذي استدل به المرجئة على مذهبهم أن ترك العمل لا ينافي الإيمان، فإن المراد من شهادة الرسول صلى الله عليه وسلم لها بالإيمان-أي الإيمان الظاهر- الذي تجري بموجبة الأحكام الدنيوية لا الإيمان الحقيقي الكامل.
- وأما حديث شفاعة المصطفى صلى الله عليه وسلم في أولئك فالجواب عنه: أنه لابد من النظر إلى الأحاديث الكثيرة التي صرحت بأنها من أهل الإيمان وعليهم أثر السجود الذي هو عبارة عن عمل الصلاة وأن الجهنميين يعرفون بذلك.
وقوله: "لم يعملوا خيراً قط" لا ينفي العمل مطلقاً بل قد يكون لهم عمل وإن كان قليلاً إلى جانب إيمانهم وحسناتهم الأخرى فينفعهم ذلك، وهذا مثل أن تقول لشخص: أنت ما عملت شيئاً بعد إتمامه للعمل الذي هو فيه، فإنك لا تنفي وجود عمل ما، ولكن حيث كان العمل غير كامل ولا دقيق ولا يعتبر به-ولو من وجهة نظرك- اعتبرته في عداد من لم يعمل شيئاً وهو أسلوب من أساليب العرب في كلامهم.
س17: ما معنى قوله تعالى: وما كان الله ليضيع إيمانكم ؟
ج17: أي صلاتكم إلى بيت المقدس، لا كما ذهب إليه المرجئة من أن المعنى أي تصديقكم بالنبي صلى الله عليه وسلم والدين.
س18: هل هناك أحاديث فيها أن الإيمان في القلب فقط، وأنه لا يزيد ولا ينقص؟ وما حكمها؟
ج18: في هذا يقول ابن القيم رحمه الله: "وكل حديث فيه أن الإيمان لا يزيد ولا ينقص فكذب مختلق" ومن تلك الأحاديث:
1- حديث: "من قال: الإيمان يزيد وينقص فقد خرج من أمر الله، ومن قال: أنا مؤمن إن شاء الله، فليس له في الإسلام نصيب"، قال الشوكاني: رواه محمد بن تميم، وهو واضعه.
2- ومنها الحديث المروي عن أبي سعيد الخدري مرفوعاً: "من زعم أن الإيمان يزيد وينقص فزيادته نفاق ونقصانه كفر، فإن تابوا وإلا فاضربوا أعناقهم بالسيف أولئك أعداء الرحمن فارقوا دين الله تعالى واستحلوا الكفر وخاصموا الله، طهر الله الأرض منهم ألا فلا صلاة لهم ألا فلا زكاة لهم ألا فلا صوم لهم ألا فلا حج لهم ألا فلا دين لهم، هم براء من رسول الله صلى الله عليه وسلم ورسول الله صلى الله عليه وسلم بريء منهم"، وقال السيوطي: موضوع، آفته الطالقاني كذاب خبيث من المرجئة كان يضع الحديث لمذهبه.
3- ومثله أيضاً الحديث المروى عن أبى هريرة رضي الله عنه أن وفد ثقيف جاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسألوه عن الإيمان هل يزيد وينقص فقال: "لا، زيادته كفر ونقصانه شرك" وهو حديث موضوع وضعه أبو مطيع الحكم بن عبد الله البلخي وهو من رؤساء المرجئة.
قال السيوطي نقلاً عن الحاكم: "اسناده فيه مظلمات، والحديث باطل والذي تولى كبره أبو مطيع".
الفصل الثامن
س19: ما هو مذهب أهل السنة في الإيمان؟
ج19: مذهبهم في الإيمان أنه قول باللسان واعتقاد بالقلب وعمل بالجوارح، يزيد بالطاعات وينقص بالمعاصي. وأن العمل داخل في حقيقة الإيمان وأنه لا إيمان بدون عمل، وأن الإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية حسب ما حل بالقلب من ذلك.
س20: اذكر بعض أدلة أهل السنة على مذهبهم في الإيمان؟
ج20: - قوله تعالي: إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون.
- قوله صلى الله عليه وسلم: " الإيمان بضع وسبعون أو بضع وستون شعبة، فأفضلها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان".
- وقوله صلى الله عليه وسلم لوفد عبد القيس: " آمركم بأربع وأنهاكم عن أربع، آمركم بالإيمان، أتدرون ما الإيمان؟ شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وأن تعطوا الخمس من المغنم".
س21: هل التصديق معناه مجرد التصديق بالخبر فقط دون الالتفات إلي ثمرة التصديق وهو الإذعان والامتثال للأمر الذي يتبعه العمل حتماً؟
ج21: لا، قال تعالى: وناديناه أن يا إبراهيم(140) قد صدقت الرءيا أي قد امتثلت الأمر وحققته فعلاًُ لو لا أن الله فدى ولدك بذبح غيره، وليس المقصود إنك صدقت الرؤيا كما تصدق سائر الأخبار أو تكذب، بل صدقتها وجزمت بالعمل القلبي الذي يتبعه العمل الظاهر وهو إرادتك ذبح ابنك.
ومن السنة قول الرسول صلى الله عليه وسلم: "إن الله كتب علي ابن آدم حظه من الزنا أدرك ذلك لا محالة، فزنا العين النظر، وزنا اللسان المنطق، والنفس تتمنى وتشتهى، والفرج يصدق ذلك كله ويكذبه".
وتصديق الفرج وتكذيبه كناية عن الفعل نفسه أو عدمه، وعلى هذا فالتصديق الذي يريده السلف هو ما يتبعه العمل، وبهذا يتبين خطأ من ذهب إلى أن مراد السلف هو التصديق المجرد بالقلب دون الالتفات إلى عمل القلب وإذعانه.
الفصل التاسع
س22: ما هي منزلة مذهب المرجئة عند السلف؟
ج22: يذكر بعض العلماء روايات في ذمهم والتنفير من معتقداتهم، ومن تلك الروايات:
1-"صنفان من أمتي ليس لهما في الإسلام نصيب؛ المرجئة والقدرية"
2-"صنفان من هذه الأمة لا تنالها شفاعتي؛ المرجئة والقدرية"
3-"ألا وإن الله لعن القدرية والمرجئة على لسان سبعين نبياً "
4-"صنفان من أمتي لا يردان على الحوض ولا يدخلان الجنة؛ القدرية والمرجئة"
5-"لكل أمة مجوس ولكل أمة نصارى ولكل أمة يهود، وإن مجوس أمتي القدرية، ونصاراهم الحشوية، ويهودهم المرجئة"
6- وفي رواية عن أنس بن مالك مرفوعة: "القدرية والمرجئة مجوس هذه الأمة، فإن مرضوا فلا تعودوهم، وإن ماتوا فلا تشهدوهم".
وذكر سعيد بن جبير المرجئة فقال: إنهم يهود أهل القبلة، أو صابئة هذه الأمة. وقال شريك، وذكر المرجئة فقال: هم أخبث قوم، وحسبك بالرافضة خبثاً، ولكن المرجئة يكذبون علي الله. وقال سفيان الثوري: تركت المرجئة الإسلام أرق من ثوب سابري. وقال إبراهيم النخعي: الإرجاء بدعة؛ وقال أيضاً: لفتنتهم عندي أخوف على هذه الأمة من فتنة الأزارقة. وقال الزهري: ما ابتدعت في الإسلام بدعة هي أضر على أهله من الإرجاء. وقال الأوزاعي: كان يحيى بن أبي كثير وقتادة يقولان: ليس شيء من الأهواء أخوف عندهم على الأمة من الإرجاء.
الباب الثاني عشر: الجهمية
تمهيد
س23: هل توجد آراء الجهمية في وقتنا الحاضر؟
ج23: آراء هذه الطائفة لا تزال في بعض المجتمعات، ولا يزال الخصام بينهم وبين أهل الحق قائماً.
الفصل الأول
س24: من هي الجهمية ومن هو مؤسسها؟
ج24: الجهمية إحدى الفرق الكلامية التي تنتسب إلى الإسلام، وهي ذات مفاهيم وآراء عقدية كانت لها آراء خاطئة في مفهوم الإيمان وفي صفات الله تعالي وأسمائه. وترجع في نسبتها إلي مؤسسها الجهم بن صفوان الترمذي، وهو من أهل خراسان، ظهر في المائة الثانية من الهجرة سنة 2هـ،ويكنى بأبي محرز، وهو من الجبرية الخالصة، وأول من ابتدع القول بخلق القرآن وتعطيل الله عن صفاته.
الفصل الثاني
س25: ما هي درجات الجهمية؟ وما هو مدى تأثر الناس بهم؟
ج25: ذكر شيخ الإسلام درجات الجهمية ومدى تأثر الناس بهم، وقسمهم إلي ثلاث درجات:
1- الدرجة الأولى: وهم الجهمية الغالية النافون لأسماء الله وصفاته، وإن سموه بشيء من الأسماء الحسنى قالوا: هو مجاز.
2- الدرجة الثانية من الجهمية: وهم المعتزلة ونحوهم، الذين يقرون بأسماء الله الحسنى في الجملة لكن ينفون صفاته.
3- الدرجة الثالثة: وهم قسم من الصفاتية المثبتون المخالفون للجهمية، ولكن فيهم نوع من التجهم، وهم الذين يقرون بأسماء الله وصفاته في الجملة ولكنهم يردون طائفة من الأسماء، والصفات الخبرية وغير الخبرية ويؤولونها. ومنهم من يقر بصفاته الخبرية الواردة في القرآن دون الحديث كما عليه كثير من أهل الكلام والفقه، وطائفة من أهل الحديث. ومنهم من يقر بالصفات الواردة في الأخبار أيضاً في الجملة، لكن مع نفي وتعطيل لبعض ما ثبت بالنصوص وبالمعقول، وذلك كأبي محمد بن كلاب ومن اتبعه. وفي هذا القسم يدخل أبو الحسن الأشعري وطوائف من أهل الفقه والكلام والحديث والتصوف، وهؤلاء إلي السنة المحضة أقرب منهم إلي الجهمية والرافضة والخوارج والقدرية، لكن انتسب إليهم طائف هم إلي الجهمية أقرب منهم إلي أهل السنة المحضة.
الفصل الثالث
س26: ما هو مصدر مقالة الجهمية؟
ج26: يذكر شيخ الإسلام أصل مقالة التعطيل وأنها ترجع في نهايتها إلى اليهود والصابئين والمشركين والفلاسفة الضالين، وأن أول ما ظهرت هذه المقالة من جعد بن درهم، وأخذها عنه الجهم بن صفوان وأظهرها فنسبت مقالة الجهمية إليه، وقد قيل: إن الجعد أخذ مقالته عن أبان بن سمعان وأخذها أبان من طالوت ابن أخت لبيد بن الأعصم، وأخذها طالوت من لبيد بن الأعصم اليهودي الساحر الذي سحر النبي صلى الله عليه وسلم.
الفصل الرابع
س27: ما هي أهم عقائد الجهمية إجمالا؟
ج27: 1 - مذهبهم في التوحيد؛ هو إنكار جميع الأسماء والصفات لله عز وجل ويجعلون أسماء الله من باب المجاز.
2 - القول بالجبر والإرجاء.
3 - إنكار كثير من أمور اليوم الآخر مثل:
أ- الصراط. ب- الميزان.
ج- رؤية الله تعالي. د- عذاب القبر.
5- القول بفناء الجنة والنار.
4- ومنها نفي أن يكون الله متكلماً بكلام يليق بجلاله، والقول بأن القرآن مخلوق.
5- وأن الإيمان هو المعرفة بالله.
6- ونفي أن يكون الله تعالي في جهة العلو.
7- والقول بأن الله قريب بذاته، وأن الله مع كل أحد بذاته عز وجل، وهذا هو المذهب الذي بنى عليه أهل الاتحاد والحلول أفكارهم.
س28: ما هي شبهات الجهمية في نفي الصفات؟
ج28: 1-أن إثبات الصفات يقتضي أن يكون الله جسماً؛ لأن الصفات لا تقوم إلا بالأجسام، لأنها أعراض والأعراض لا تقوم بنفسها.
2-إرادة تنزيه الله تعالى.
3-أن وصف الله تعالي بتلك الصفات التي ذكرت في كتابه الكريم أو في سنة نبيه العظيم يقتضي مشابهة الله بخلقه، فينبغي نفي كل صفة نسبت إلي الله تعالى وتوجد كذلك في المخلوقات لئلا يؤدي إلى تشبيه الله – بزعمهم – بمخلوقاته التي تحمل اسم تلك الصفات.
س29: ما هو الرد على شبهاتهم في نفي الصفات؟
ج29: 1- إن كلمة الجسمية لله تعالى نفياً أو إثباتاً هي من الألفاظ المخترعة التي لم ترد في الشرع لا في الكتاب ولا في السنة، وهي تخفي وراءها هدفا ما، ولو وقف هؤلاء الذين يطلقون لفظ الجسم عند الحدود الشرعية لرأوا أنه يجب عليهم لزاما، ألا يطلقوا على الله إلا ما ثبت له من الأسماء والصفات، وترك ذلك التنطع المذموم؛ لأن لفظ الجسم لفظ عام يحتاج إلى بيان وتوضيح ممن يقول به؛ لأنه لم يرد في الشرع لا بالنفي ولا بالإثبات، ولهذا كان في إطلاقه حق وباطل ويجب على القائل به تفصيل ما يريد. فهناك من ينفي لفظ الجسم من الجهمية والمعتزلة ليخفي ما يهدف إليه من نفي ما أثبته الله لنفسه من الأسماء والصفات، وهناك من يثبت الجسم من المشبهة ليخفي ما يهدف إليه من إثبات ما نفاه الله عن نفسه.
2- إن تنزيه الله عز وجل لا يمكن أن يكون بسلب صفاته وما تدل عليه من العظمة والكمال، إنه من الإجرام أن ينزه الله عن ما تمدح به. إن التنزيه الصحيح إنما يكون في إثبات الصفة في أعلى كمالها؛ لأن الكمال المطلق لا يوصف به أحد غير الله تعالي.
3- يجب علينا الإيمان التام بكل ما وصف الله به نفسه ووصفه به نبيه صلى الله عليه وسلم، كما جاءت به النصوص من غير تحريف ولا تعطيل ولا تمثيل ولا تكييف. وأن نقول عن كل صفة: الصفة معلومة والكيف مجهول والسؤال عنها بدعة. إذ كيف تكيف ذاتاً لم تدركها ولم توصف لك أكثر من صفات مجملة قابلة للاشتراك في الأسماء متباينة الحقائق؛ لأن الاشتراك في التسمية لا يوجب الاشتراك والمماثلة في الذات، إذ يقال: رأس الرجل ورأس الجمل ورأس الذرة ورأس الجبل، وبين ذوات هذه الأشياء من الفروق ما لا يخفى على عاقل.
س30: ما المراد بالصراط؟ وما هي أدلة إثباته؟
ج30: الصراط المراد به: ما ثبت في السنة النبوية أنه جسر ممدود على متن جهنم أدق من الشعرة وأحد من السيف، يعبره الخلائق بقدر أعمالهم إلى الجنة فمنهم من يجتازه ومنهم من يقع فيه.
وقد ورد في القرآن الكريم لفظة الصراط في تسعة وأربعين موضعاً-على معان مختلفة لكنها متقاربة في المعنى- مراداً بها الطريق أو طريق الهداية والرشاد. هذا في اللغة، ولكن السلف ما كانوا يغفلون حقيقته الشرعية من أنه جسر ممدود على متن جهنم، ولم يأت التصريح بذكره في القرآن الكريم.
غير أن هناك آيات بعض العلماء جعلها في ذكر الصراط وبعضهم يجعلها إشارة إليه، ومن ذلك:
قول الله تعالى: فاهدوهم إلى صراط الجحيم ، وهذه الآية ليس فيها التصريح التام بذكر الصراط في اصطلاح الشرع، إلا أن يقال: إن طريق الجحيم هو أخذهم إلى الصراط ومنه إلي النار.
ومنه قوله تعالى: فلا اقتحم العقبة ، ورد في تفسير العقبة أقوال كثيرة منها أن العقبة هنا هي الصراط. وكذا قوله تعالي: وإن منكم إلا واردها… الآية؛ أي بالمرور على الصراط.
س31: ما المراد بالميزان؟ وما هي أدلة إثباته؟
ج31: هو ميزان حقيقي له لسان وكفتان توزن به أعمال العباد خيرها وشرها، يظهره الله في يوم القيامة لإظهار مقادير أعمال الخلق، وقد أجمع المسلمون على القول به واعتقاده. وجاء ذكره في القرآن الكريم في أكثر من آية تنويهاً بعظمه وأهميته، قال تعـالــى: ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئاً وإن كان مثقال حبةٍ من خردلٍ أتينا بها وكفى بنا حاسبين . كما وردت في السنة النبوية أحاديث كثيرة منها: قوله صلى الله عليه وسلم كما في الحديث الذي رواه أبو هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "كلمتان حبيبتان إلى الرحمن خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان: سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم". وثبت أن العمل يوزن ويوزن أيضاً العامل، وتوزن صحائف الأعمال، وروي أن أشد ما يكون الناس خوفاً في يوم القيامة عندما يأتي دور الوزن. وقد تلقى المسلمون أخباره بالقبول والتصديق لثبوته بالكتاب والسنة والإجماع، ولم يخالف في ثبوته أي شخص من السلف.
س32: ما هو الأصل الفاسد الذي اعتقده الجهم بن صفوان الذي جعله يقوله بفناء الجنة والنار؟
ج32: الأصل الفاسد الذي اعتقده هو امتناع وجود ما لا يتناهى من الحوادث، وهو عمدة أهل الكلام المذموم الذي استدلوا به على حدوث الأجسام وحدوث ما لم يخل من الحوادث.
س33: ما هي الأدلة على عدم فناء الجنة والنار؟
ج33: قال تعالى: وأما الذين سعدوا ففي الجنة خالدين فيها ما دامت السموات والأرض إلا ما شاء ربك عطاء غير مجذوذ أي غير منقطع إلا إذا شاء الله أن يقطعه، فقوته فوق ذلك، ولكن أخبر عز وجل أنه لم يشأ أن ينقطع أبدا فيجب تصديق ذلك: ومن أصدق من الله قيلا .
وقال تعالى: وما هم منها بمخرجين لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى ، إلى غير ذلك.
وقد جاءت السنة بتأكيد ثبوت وجود الجنة والنار الآن ودوامهما في المستقبل في أحاديث كثيرة كقوله صلى الله عليه وسلم: "من يدخل الجنة ينعم ولا يبأس "، وقوله صلى الله عليه وسلم:" ينادي مناديا يا أهل الجنة! إن لكم أن تصحوا فلا تسقموا أبدا وأن تشبوا فلا تهرموا أبدا وأن تحيوا فلا تموتوا أبدا ".
وعن دوام النار يقول الله تعالى: فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون وقال تعالى: خالدين فيها أبدا وما هم بخارجين من النار لا يقضى عليهم فيموتوا ولا يخفف عنهم من عذابها
وقد ذكر الله عز وجل في القرآن الكريم أدلة على وجودهما الآن بما لا يخفى إلا على أهل البدع، فقد قال تعالى عن الجنة: أعدت للمتقين وقال عن النار كذلك: أعدت للكافرين لقد أعدهما الله تعالى قبل نزول أهلهما فيهما.
ومن الأحاديث التي تؤكد وجودهما الآن ما جاء في حديث الإسراء والمعراج قوله صلى الله عليه وسلم: " ثم انطلق بي جبريل حتى أتى سدرة المنتهى. فغشيها ألوان لا أدري ما هي قال: ثم دخلت الجنة فإذا هي جنابذ اللؤلؤ وإذا ترابها المسك ".
الفصل الخامس
س34: ما هو الحكم على الجهمية؟
ج34: لقد ذهب كثير من علماء السلف إلى تكفير الجهمية وإخراجهم من أهل القبلة، ومن هؤلاء الإمام الدارمي أبو سعيد عثمان بن سعيد الدارمي، فقد جعل في كتابه – " كتاب الرد على الجهمية " – بابا سماه باب الاحتجاج في إكفار الجهمية "، وبابا آخر سماه " باب قتل الزنادقة والجهمية واستتابتهم من كفرهم ".
س35: ما هي أدلة الدارمي وغيره من العلماء على تكفير الجهمية؟
ج35: 1- بدلالة القرآن الكريم، حيث أخبر عن قريش أنهم قالوا عن القرآن: إن هذا إلا قول البشر أي مخلوق، وهو نفسه قول الجهم بخلقه.
2- ومن الأثر ما ورد عن علي وابن عباس في قتلهم الزنادقة، لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: " من بدل دينه فاقتلوه " والجهمية أفحش زندقة وأظهر كفرا منهم.
3- قال الدارمي: " ونكفرهم أيضا بكفر مشهور " ثم ذكر من ذلك قولهم بخلق القرآن، وتكذيبهم لما أخبر الله تعالى أنه يتكلم متى شاء وكلم موسى تكليما، وهؤلاء ينفون عنه صفة الكلام فيجعلونه بمنزله الأصنام التي لا تتكلم، ثم بكفرهم في عدم إثباتهم لله تعالي ما أثبته لنفسه من الصفات: كالوجه والسمع والبصر والعلم والكلام. وبكفرهم في أنهم لا يدرون أين الله تعالى ولا يصفونه بأين ولا يثبتون له مطلق الفوقية الثابتة بالنصوص الصريحة في كتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم"
س36: من هم العلماء الذين حكموا بكفر الجهمية صراحة؟
ج36: أورد الدارمي جملة من أسماء الذين حكموا بكفر الجهمية صراحة، ومنهم: سلام بن أبي مطيع، وحماد بن زيد، ويزيد بن هارون، وابن المبارك، ووكيع، وحماد بن أبي سليمان، ويحي بن يحيى، وأبو توبة الربيع ابن نافع، ومالك بن أنس.
الباب الثالث عشر: المعتزلة
الفصل الأول
س37: من هم المعتزلة؟
ج37: المعتزلة اسم يطلق على فرقة ظهرت في الإسلام في القرن الثاني الهجري ما بين سنة 105 وسنة 110هـ، بزعامة رجل يسمي واصل بن عطاء الغزال. وقد أصبحت المعتزلة فرقة كبيرة تفرعت عن الجهمية في معظم الآراء، وقد تفرقت المعتزلة أيضا فرقا كثيرة، واختلفوا في المبادئ والتعاليم، ووصلوا إلى اثنين وعشرين فرقة، إلا أنه يجمعهم إطار عام وهو الاعتقاد بالأصول الخمسة:
التوحيد على طريقة الجهمية، والعدل على طريقة القدرية، والوعد والوعيد، والمنزلة بين المنزلتين، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على طريقة الخوارج.
س38: كيف نشأت المعتزلة؟
ج38: 1- يرى بعض العلماء أن أصل بدء الاعتزال كان في زمن الخليفة الراشد علي رضي الله عنه، حينما اعتزل جماعة من الصحابة كانوا معه السياسة، وتركوا الخوض في تلك الخلافات التي نجمت بين علي ومعاوية رضي الله عنهما، وهذا القول باطل لا صحة له.
2- ويرى أكثر العلماء أن أصل بدء الاعتزال هو ما وقع بين الحسن البصري وواصل بن عطاء من خلاف في حكم أهل الذنوب.
س39: ما هي أسماء المعتزلة التي أطلقها عليهم العلماء، وما هو سبب تلك التسميات؟
ج39: 1- المعتزلة: وسبب التسمية أن أول زعيم لهم وهو واصل ابن عطاء الغزالي اعتزل حلقة الحسن البصري.
2- تسمية المعتزلة جهمية: للاتفاق بين المعتزلة والجهمية في المسائل العقدية، ولسبق الجهمية في الظهور، أطلق العلماء اسم الجهمية على المعتزلة، وذلك لأن المعتزلة هم الذين احيوا آراء الجهمية في مبدأ ظهورهم. فالجهمية أعم من المعتزلة فكل معتزلي جهمي، وليس كل جهمي معتزليا.
3- تسميتهم بالقدرية: بسبب موافقتهم القدرية في إنكار القدر وإسنادهم أفعال العباد إلى قدرتهم، وكان أول المتكلمين في القدر والمقررين له معبد الجهني وغيلان الدمشقي.
4- ومن أسمائهم الثنوية والمجوسية: وهم ينفرون من هذا الاسم، والذي حمل المخالفين لهم على تسميتهم به هو مذهب المعتزلة نفسه، الذي يقرر أن الخير من الله والشر من العبد، وهو يشبه مذهب الثنوية والمجوس الذي يقرر وجود إلهين: أحدهما للخير والآخر للشر.
5- الوعيدية: وهو ما اشتهروا به من قولهم بإنفاذ الوعد والوعيد لا محالة، وأن الله تعالى لا خلف في وعده ووعيده، فلابد من عقاب المذنب إلا أن يتوب قبل الموت.
6- المعطلة: وهو اسم للجهمية أيضا ثم أطلق على المعتزلة لموافقتهم الجهمية في نفي الصفات وتعطيلها وتأويل ما لا يتوافق مع مذهبهم من نصوص الكتاب والسنة.
س40: ما هي أسماء المعتزلة التي اختاروها لأنفسهم؟
ج40: 1- المعتزلة: وقد سبق أنه اسم ذم وهو كذلك إلا أن المعتزلة حينما رأوا ولع الناس بتسميتهم به أخذوا يدللون على أنه اسم مدح بمعنى الاعتزال عن الشرور والمحدثات واعتزال الفتن والمبتدعين على حد قوله تعالى:﴿ واهجرهم هجرا جميلا ﴾.
2- أهل العدل والتوحيد أو "العدلية": والعدل عندهم يعني نفي القدر عن الله تعالى، أو أن تضاف إليه أفعال العباد القبيحة، والتوحيد عندهم يعنى نفى الصفات عن الله تعالى، وتسميتهم بالعدلية اسم مدح اخترعوه لأنفسهم.
3- أهل الحق: لأنهم يعتبرون أنفسهم على الحق ومن عداهم على الباطل.
4- الفرقة الناجية: لينطبق عليهم ما ورد في فضائل هذه الفرقة.
5- المنزهون الله: لزعمهم حين نفوا الصفات أنهم ينزهون الله.
س41: متى بلغ سلطان المعتزلة ذروته؟ ومتى بدأ بالانحدار؟
ج41: بلغ ذروته في عهد الخليفة العباسي المأمون. وفي عهد المتوكل بدأ بالانحدار.
الفصل الثالث
س42: اذكر بعض مشاهير المعتزلة القدرية الجهمية؟
ج42: 1- بشر بن السري. 2- ثور بن زيد المدني. 3- ثور بن يزيد الحمصي. 4- حسان بن عطية المحاربي. 5- الحسن بن ذكوان. 6- داود بن الحصين.
الفصل الرابع
س43: اذكر أهم عقائد المعتزلة إجمالا؟
ج43: 1- اختلفوا في المكان لله تعالى:
أ- فذهب بعضهم – وهم جمهورهم – إلى أن الله تعالى في كل مكان بتدبيره.
ب- وذهب آخرون إلى أن الله تعالى لا في مكان، بل هو على ما لم يزل عليه.
2- ذهبوا إلى أن الاستواء هو بمعنى الاستيلاء في قول الله تعالى: " الرحمن على العرش استوى ".
3- أجمعوا على أن الله لا يرى بالأبصار.
4- اختلفوا في صفة الكلام لله تعالى:
أ- فذهب بعضهم إلى إثبات الكلام لله تعالي. ب- وذهب بعضهم إلى إنكار ذلك.
الفصل الخامس
س44: ما هي الأصول الخمسة للمعتزلة؟
ج44: 1- التوحيد. 2- العدل. 3- الوعد والوعيد.
4- القول بالمنزلة بين المنزلتين. 5- الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر.
س45: ماذا يقصد المعتزلة بالأصل الأول وهو التوحيد؟
ج45: يقصدون به البحث حول صفات الله عز وجل وما يجب لله تعالي وما لا يجب في حقه.
وقد حرص المعتزلة على إنكار صفات لله تعالى بحجة أن إثباتها يستلزم تعدد القدماء وهو شرك على حد زعمهم، لأن إثبات الصفات يوحي بجعل كل صفة إلها، والمخرج من ذلك هو نفى الصفات وإرجاعها إلى ذات الباري تعالي فيقال: عالم بذاته قادر بذاته.. الخ، وبذلك يتحقق التوحيد في نظرهم.
س46: وما هو الرد عليهم في هذا؟
ج46: السلف رحمهم الله يثبتون صفات الله عز وجل كما جاءت في الكتاب والسنة دون تحريف أو تأويل، مع معرفتهم بمعانيها وتوقفهم في بيان كيفياتها، لأنهم يؤمنون بأن الكلام في صفة كل شيء فرع عن تصور ذاته، والله عز وجل له ذات لا تشبه الذوات ولا يعلم أحد كيفيتها، وصفاته كذلك ثابتة على ما يليق بذاته جل وعلا. وطريقة السلف تتلخص في إثبات أسماء الله وصفاته على وجه لا يوحي بأي نوع من المماثلة والمشابهة على ضوء قول الله عز وجل: " ليس كمثله شيء وهو السميع البصير " المتضمن رد التشبيه والتمثيل ورد الإلحاد والتعطيل. ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم مخاطبا أصحابه حينما كانوا يرفعون أصواتهم بالتكبير والتهليل: " أربعوا على أنفسكم فإنكم لا تدعون أصم ولا غائبا، تدعون سميعا بصيرا قريبا ".
س47: ماذا يقصد المعتزلة بالأصل الثاني وهو العدل؟
ج47: اتضح أنهم يريدون بالعدل ما يتعلق بأفعال الله عز وجل التي يصفونها كلها بالحسن ونفي القبح عنها – بما فيه نفي أعمال العباد القبيحة عن الله عز وجل، لأن ذلك يوجب نسبة الفعل القبيح إلى الله تعالى وهو منزه عن ذلك لأن الله تعالى يقول: والله لا يحب الفساد، وما الله يريد ظلما للعباد . فاتفق المعتزلة على أن الله تعالى غير خالق لأفعال العباد وأن العباد هم الخالقون لأفعالهم، مع أنهم يؤمنون بأن الله تعالى عالم بكل ما يعمله العباد وأن الله تعالى هو الذي أعطاهم القدرة على الفعل أو الترك.
س48: ما هي الشبهات التي اعتمد عليها المعتزلة في أصلهم الثاني: العدل؟
ج48: 1- أن إثبات خلق الله لأفعال العباد فيه نسبة الظلم والجور إليه تعالى والله منزه عن ذلك.
2- ومنها آيات كثيرة في القرآن يستدلون بها، منها قول الله تعالى: ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت، ومأخذهم من هذه الآية كلمة "تفاوت"، وقد أخطأوا المراد منها حيث فسروها بالحكمة.
س49: ما هو الرد عليهم في ذلك؟
ج49: مما لا شك فيه أن أفعال الله كلها حسنة لا قبيح فيها، إلا أن المعتزلة ارتكبوا مغالطات واضحة في فهم النصوص. ذلك أن الظلم الذي نفاه الله عن نفسه هو وضع الشيء في غير موضعه أو وضع سيئات شخص على أخر، أو أن ينقص من حسنات المحسن، وهذا ظلم بلا شك والله منزه عنه. والخلاف إنما هو في حقيقته في خلق كل الأشياء وكل الأفعال، وأنها لا تخرج عن خلق الله وإرادته لها، قال تعالى: والله خالق كل شيء، وقال تعالى: والله خلقكم وما تعملون.
وأما بالنسبة لاستدلالهم بالآية الكريمة: ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت فقد فسروا التفاوت هنا بالحكمة، بينما الصحيح أن التفاوت المنفي هنا هو التفاوت في الخلقة، أي لا يوجد في خلق السموات والأرض من تفاوت، أي من عيب أو خلل، لقلة استوائهما بل هما في أدق تناسب وإتقان، فالمقصود بنفي التفاوت في الخلقة وليس في الحكمة كما فسروه.
س50: ما هي المسائل التي تلتحق بمسألة العدل؟ وما هو الرد عليهم فيها؟
ج50: يلتحق بمسألة العدل مسائل من أهمها: الصلاح والأصلح، واللطف من الله تعالى، وإرسال الرسل عليهم الصلاة والسلام. حيث يرى المعتزلة أنها من الواجبات التي افترضوها على الله تعالى.
والرد عليهم:
- لا إيجاب على الله إلا ما أوجبه على نفسه تفضلا منه وكرما، لا أن العباد يستحقون عليه شيئا بإيجاب أحد من خلقه عليه، وكذلك مسألة اللطف من الله تعالى هي من الأمور الثابتة، لكن ليس على سبيل الإيجاب على الله تعالى كما ترى المعتزلة. بل اللطف من الله بمحض تفضله جل وعلا قال تعالى: ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان إلا قليلا. وأما إرسال الرسل، فقد اقتضت حكمته تعالى أن يرسل الرسل وأن يعذر إلى الخلق فلا يعذب أحدا إلا على مخالفته لرسله قال تعالى: وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا ، وقال تعالى: ذلك أن لم يكن ربك مهلك القرى بظلم وأهلها غافلون ، وهذا من تفضله وكرمه على عباده ولطفه بهم، لا أن أحدا أوجبه عليه كما ترى المعتزلة.
س51: ماذا يقصد المعتزلة بالأصل الثالث: الوعد والوعيد؟
ج51: أن الله وعد المطيعين بالثواب وتوعد العصاة بالعقاب وأنه يفعل ما وعد به وتوعد عليه لا محالة، ولا يجوز عليه الخلف والكذب.
س52: بماذا استدل المعتزلة على وجوب إنفاذ الله وعده للعبد استحقاقا منه على الله؟
ج52: قول الله عز وجل: ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله وكان الله غفورا رحيما وموضع الشاهد من الآية هو قوله تعالى: فقد وقع أجره على الله ، حيث فسروا هذا الوقوع بمعني الوجوب، أي فقد وجب ثوابه على الله استحقاقا، لأن العمل في رأيهم من موجبات الثواب. واستدلوا أيضا على ذلك من العقل بأن الله مادام قد كلف عباده بالأعمال الشاقة فلابد أن يكون لها مقابل من الأجر، وإلا لكان ذلك ظلما، والله منزه عن الظلم، فلا يجوز على الله تعالي – في نظرهم – أن يوجب العمل ولا يوجب له جزاء.
والواقع أن ما استدلوا به من الآية والشبهة العقلية إنما بنوه على مسألة وجوب دخول الجنة بالعمل، واستدلوا على أن دخول الجنة لا يكون إلا بالعمل بقوله تعالى: يقولون سلام عليكم أدخلوا الجنة بما كنتم تعملون .
س53: ما هو الرد عليهم في هذا؟
ج53: الحق أن دخول الجنة إنما هو بفضل الله أولا وأخيرا، وليس للعبد على ربه أي استحقاق غير أن الله تعالى أوجب على نفسه أنه لا يظلم عمل عامل من ذكر أو أنثى، فجعل العمل من أسباب دخول الجنة، والأسباب نفسها إنما هي تفضل من الله تعالى.
فاتضح أن استدلال المعتزلة بالآية السابقة وغيرها في وجوب الثواب – بمعنى أن الله تعالى يجب عليه شيء لم يوجبه هو على نفسه – استدلال خاطئ، فإن الله تعالى لا يستطيع أحد من خلقه أن يوجب عليه شيئا لم يوجبه هو على نفسه. ومع ذلك فإن الله تعالى لا يخلف وعده، فإنه يعطي العبد ما وعده به من الخير بحكم وعده وكرمه، وفرق بين وقوع ذلك على هذه الصفة وبين وقوعه استحقاقا. ولكن الله تعالى جعل العمل مع رحمة الله تعالى من أسباب دخول الجنة.
س54: بماذا استدل المعتزلة على أن أصحاب الكبائر إذا ماتوا من غير توبة فإنهم يستحقون بمقتضى الوعيد من الله النار خالدين فيها إلا أن عقابهم يكون أخف من عقاب الكفار؟
ج54: قوله عز وجل: إن الأبرار لفي نعيم وإن الفجار لفي جحيم يصلونها يوم الدين وما هم عنها بغائبين وكذا قوله تعالى: إن المجرمين في عذاب جهنم خالدون وقوله تعالى: بلى من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون .
س55: ما هو الرد عليهم في ذلك؟
ج55: الآيات لا تدل على خلود أصحاب المعاصي من المؤمنين خلودا أبديا حتميا، ذلك أن الله عز وجل قد يعفو عنهم ابتداء وقد يعذبهم بقدر ذنوبهم ثم يخرجهم الله بتوحيدهم وإيمانهم، لأنه لا يخلد في النار إلا من مات على الشرك الذي أخبر عز وجل أنه لا يغفر لصاحبه، وأما ما عدا الشرك فإن الله تعالي يغفره. ومن ناحية أخرى، فإن خلف الوعيد من فعل الكرام وهى صفة مدح، بخلاف خلف الوعد فإنها صفة ذم، والله عز وجل يتنزه عنها، بخلاف الوعيد فإنه يعتبر من باب التفضل والتكرم وإسقاط حق نفسه، وهذا هو مذهب السلف أهل السنة والجماعة.
س56: ما هو موقف المعتزلة من الشفاعة؟
ج56: المعتزلة لا ترى الشفاعة لأحد في الآخرة إلا للمؤمنين فقط دون الفساق من أهل القبلة، فلا شفاعة لأهل الكبائر، لأن إثبات ذلك يؤدي إلى خلف وعيد الله، وخلف الوعيد عندهم يعتبر كذبا والله يتنزه عن الكذب. ثم استدلوا بالآيات الواردة في نفي الشفاعة عن غير المؤمنين الفائزين كقوله تعالى: واتقوا يوما لا تجرى نفس شيئا ولا يقبل منها شفاعة ولا يؤخذ منها عدل ولا هم ينصرون وكذا قوله تعالى: ولا يشفعون إلا لمن ارتضي ، أي والفساق غير راض عنهم فلا تصح الشفاعة فيهم. وقوله تعالى: ما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع .. إلى غير ذلك من الآيات.
ولا ريب أن المعتزلة جانبوا الصواب في الحكم بنفي الشفاعة في العصاة، فإن القول بإثبات هذه الشفاعة مما هو ثابت متواتر عن السلف، لثبوت الأحاديث المتواترة بذلك وإجماع علماء الإسلام عدا المعتزلة.
س57: ماذا يقصد المعتزلة بالأصل الرابع: المنزلة بين المنزلتين؟
ج57: المقصود أن المعتزلة يريدون بالمنزلة بين المنزلتين المؤمن صاحب المعاصي، فهو عندهم ليس بمؤمن ولا كافر بل يفرد له حكم ثالث وهو تسميته " فاسقا" في الدنيا، والحكم بخلوده في النار في الآخرة، فاختلف اسمه وحكمه في الدنيا فاستحق أن يكون في منزلة بين المنزلتين.
وتلقب هذه المسألة حسب ما يذكره القاضي عبد الجبار " بمسألة الأسماء والأحكام ".
س58: ما هو الرد عليهم في ذلك؟
ج58: الواقع: أن العاصي غير خارج من الملة بفسقه بل هو مؤمن ناقص الإيمان، أو مؤمن بإيمانه فاسق بكبيرته، ولم تخرجه النصوص عن الإيمان لا في كتاب الله ولا في سنة نبيه، ولا في إجماع الأمة.
س59: ما هو حكم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عند المعتزلة، وبماذا افترقوا عن أهل السنة في ذلك؟
ج59: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يعتبران من فروض الكفايات عند المعتزلة إذا قام بهما من يكفي سقط عن الباقين، وحكمها عموما الوجوب الكفائي. وقد توافق أهل السنة والمعتزلة في حكم القيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في كونه من الواجبات على الكفاية، إلا أنه وقع خلاف بين أهل السنة والمعتزلة فيما يلي:
1- طريقة تغيير المنكر. 2- أوجبوا الخروج على السلطان الجائر.
3- حمل السلاح في وجوه المخالفين لهم سواء كانوا من الكفار أو من أصحاب المعاصي من أهل القبلة.
س60: ما هي طريقة تغيير المنكر عند المعتزلة، وعند أهل السنة؟
ج60: عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان "
وتغيير المنكر عند المعتزلة يبدأ بالحسنى ثم باللسان ثم باليد ثم بالسيف، بينما الحديث يرشد إلى العكس، وهو ما يذهب إليه أهل الحق، من أن تغيير المنكر يبدأ بالفعل باليد إذا لم يترتب عليه مفاسد، والتغيير باليد هنا لا يكون بالسيف، وإنما هو إزالة المنكر بدون قتال ولا فتح باب فتنة أكبر من المنكر المراد إزالته. فإن لم يتمكن الشخص من التغيير باليد انتقل إلى التغيير باللسان، فإن وصل الحال إلى عدم الاستطاعة من التغيير باللسان بأن كان الشر هو الغالب على الخير، فليكتف بالتغيير بالقلب من كراهة المنكر وتمنى زواله وبغضه وبغض أهله، ومع هذا فلا مكان للسيف هنا، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يرشد إليه، ولما فيه كذلك من جر الأمة إلى ما هو أكبر من تغيير ذلك المنكر، بخلاف المعتزلة فإنهم لا يرون حرجا في حمل السلاح لتغيير المنكر.
0 comments:
إرسال تعليق