بسم الله
لننظر ماذا ينقل عن ائمة الاشاعرة في العقيدة الاشعرية الامام ابن أبي العز الحنفي رحمه الله في شرح الطحاوية :
قوله: (فيتذبذب بين الكفر والإيمان)
فيتذبذب بين الكفر والإيمان، والتصديق والتكذيب، والإقرار والإنكار، موسوساً تائهاً، شكاً، لا مؤمناً مصدقاً، ولا جاحداً مكذباً
شرح: يتذبذب: يضطرب ويتردد. وهذه الحالة التي وصفها الشيخ رحمه الله حال كل من عدل عن الكتاب والسنة إلى علم الكلام المذموم، أو أراد أن يجمع بينه وبين الكتاب والسنة، وعند التعارض يتأول النص ويرده إلى الرأي والآراء المختلفة، فيؤول أمره إلى الحيرة والضلال والشك، كما قال ابن رشد الحفيد، وهو من أعلم الناس بمذاهب الفلاسفة ومقالاتهم، في كتابه تهافت التهافت: ومن الذي قال في الإلهيات شيئا يعتد به ؟.
وكذلك الآمدي، أفضل أهل زمانه، واقف في المسائل الكبار حائر.
وكذلك الغزالي رحمه الله، انتهى آخر أمره إلى الوقف والحيرة في المسائل الكلامية، ثم أعرض عن تلك الطرق وأقبل على أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم، فمات وصحيح الإمام البخاري على صدره. وكذلك أبو عبد الله محمد بن عمر الرازي، قال في كتابه الذي صنفه: أقسام اللذات:
نهاية إقدام العقول عقال وغاية سعي العالمين ضلال
وأرواحنا في وحشة من جسومنا وحاصـل دنيانا أذى ووبال
ولم نستفد من بحثنا طول عمرنا سوى أن جمعنا فيه: قيل وقالوا
فكم قد رأينا من رجال ودولة فبادوا جميعا مسرعين وزالوا
وكم مــن جبال قد علت شرفاتها رجال، فزالوا والجبال جبال
لقد تأملت الطرق الكلامية، والمناهج الفلسفية، فما رأيتها تشفي عليلاً، ولا تروي غليلاً، ورأيت أقرب الطرق طريقة القرآن، أقرأ في الإثبات: { الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى } [1] { إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ } [2].
وأقرأ في النفي: { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ } [3] { وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً } [4]. ثم قال: ومن جرب مثل تجربتي عرف مثل معرفتي.
وكذلك قال الشيخ أبو عبد الله محمد بن عبد الكريم الشهرستاني، إنه لم يجد عند الفلاسفة والمتكلمين إلا الحيرة والندم، حيث قال:
لعمري لقد طفت المعاهد كلها وسيرت طرفي بين تلك المعالم
فلم أر إلا واضعاً كف حـــــائر عـلى ذقن أو قارعاً سن نادم
وكذلك قال أبو المعالي الجويني: يا أصحابنا لا تشتغلوا بالكلام، فلو عرفت أن الكلام يبلغ بي إلى ما بلغ ما اشتغلت به.
وقال عند موته: لقد خضت البحر الخضم، وخليت أهل الإسلام وعلومهم، ودخلت في الذي نهوني عنه، والآن فإن لم يتداركني ربي برحمته فالويل لابن الجويني، وها أنا ذا أموت على عقيدة أمي، أو قال: على عقيدة عجائز نيسابور.
وكذلك قال شمس الدين الخسروشاهي، وكان من أجل تلامذة فخر الدين الرازي، لبعض الفضلاء، وقد دخل عليه يوماً، فقال: ما تعتقده ؟ قال: ما يعتقده المسلمون، فقال: وأنت منشرح الصدر لذلك مستيقن به ؟ أو كما قال، فقال: نعم، فقال: أشكر الله على هذه النعمة، لكني والله ما أدري ما أعتقد، والله ما أدري ما أعتقد، والله ما أدري ما أعتقد، وبكى حتى أخضل لحيته. و لابن أبي الحديد. الفاضل المشهور بالعراق:
فيك يا أغلوطة الفكـــــــر حار أمري وانقضى عمري
سافرت فيك العقـــــــــول فما ربحت إلا أذى السفــر
فلحى الله الأولى زعموا أنك المعروف بالنظـــــــــر
كذبوا إن الذي ذكـــــروا خارج عن قوة البشـــــــــر
وقال الخوفجي عند موته: ما عرفت مما حصلته شيئاً سوى أن الممكن يفتقر إلى المرجح، ثم قال: الإفتقار وصف سلبي، أموت وما عرفت شيئاً.
وقال آخر: أضطجع على فراشي وأضع اللحفة على وجهي، وأقابل بين حجج هؤلاء وهؤلاء حتى يطلع الفجر، ولم يترجح عندي منها شيء.
ومن يصل إلى مثل هذه الحال إن لم يتداركه الله برحمته وإلا تزندق، كما قال أبو يوسف: من طلب الدين بالكلام تزندق، ومن طلب المال بالكيمياء أفلس، ومن طلب غريب الحديث كذب.
وقال الشافعي رحمه الله: حكمي في أهل الكلام أن يضربوا بالجريد والنعال، ويطاف بهم في القبائل والعشائر، ويقال: هذا جزاء من ترك الكتاب والسنة وأقبل على الكلام. وقال: لقد اطلعت من أهل الكلام على شيء ماظننت مسلماً يقوله، ولأن يبتلى العبد بكل ما نهى الله عنه -ما خلا الشرك بالله - خير له من أن يبتلى بالكلام. انتهى.
وتجد أحد هؤلاء عند الموت يرجع إلى مذهب العجائز، فيقر بما أقروا به ويعرض عن تلك الدقائق المخالفة لذلك، التي كان يقطع بها، ثم تبين له فسادها، أو لم يتبين له صحتها، فيكونون في نهاياتهم - إذا سلموا من العذاب - بمنزلة أتباع أهل العلم من الصبيان والنساء والأعراب.
والدواء النافع لمثل هذا المرض، ما كان طبيب القلوب صلوات الله وسلامه عليه يقوله - إذا قام من الليل يفتتح الصلاة -: اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل، فاطر السموات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم. [5].
توجه صلى الله عليه وسلم إلى ربه بربوبية جبرائيل وميكائيل وإسرافيل أن يهديه لما اختلف فيه من الحق بإذنه، إذ حياة القلب بالهداية.
وقد وكل الله سبحانه هؤلاء الثلاثة بالحياة: فجبرائيل موكل بالوحي الذي هو سبب حياة القلوب، وميكائيل بالقطر الذي هو سبب حياة الأبدان وسائر الحيوان، وإسرافيل بالنفخ في الصور الذي هو سبب حياة العالم وعود الأرواح إلى أجسادها.
فالتوسل الى الله سبحانه بربوبية هذه الأرواح العظيمة الموكلة بالحياة، له تأثير عظيم في حصول المطلوب. والله المستعان.
هامش
1. ↑ [طـه: 5]
2. ↑ [فاطر: 10]
3. ↑ [الشورى: 11]
4. ↑ [طـه: 110]
5. ↑ [خرجه مسلم]
قوله: (فيتذبذب بين الكفر والإيمان)
فيتذبذب بين الكفر والإيمان، والتصديق والتكذيب، والإقرار والإنكار، موسوساً تائهاً، شكاً، لا مؤمناً مصدقاً، ولا جاحداً مكذباً
شرح: يتذبذب: يضطرب ويتردد. وهذه الحالة التي وصفها الشيخ رحمه الله حال كل من عدل عن الكتاب والسنة إلى علم الكلام المذموم، أو أراد أن يجمع بينه وبين الكتاب والسنة، وعند التعارض يتأول النص ويرده إلى الرأي والآراء المختلفة، فيؤول أمره إلى الحيرة والضلال والشك، كما قال ابن رشد الحفيد، وهو من أعلم الناس بمذاهب الفلاسفة ومقالاتهم، في كتابه تهافت التهافت: ومن الذي قال في الإلهيات شيئا يعتد به ؟.
وكذلك الآمدي، أفضل أهل زمانه، واقف في المسائل الكبار حائر.
وكذلك الغزالي رحمه الله، انتهى آخر أمره إلى الوقف والحيرة في المسائل الكلامية، ثم أعرض عن تلك الطرق وأقبل على أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم، فمات وصحيح الإمام البخاري على صدره. وكذلك أبو عبد الله محمد بن عمر الرازي، قال في كتابه الذي صنفه: أقسام اللذات:
نهاية إقدام العقول عقال وغاية سعي العالمين ضلال
وأرواحنا في وحشة من جسومنا وحاصـل دنيانا أذى ووبال
ولم نستفد من بحثنا طول عمرنا سوى أن جمعنا فيه: قيل وقالوا
فكم قد رأينا من رجال ودولة فبادوا جميعا مسرعين وزالوا
وكم مــن جبال قد علت شرفاتها رجال، فزالوا والجبال جبال
لقد تأملت الطرق الكلامية، والمناهج الفلسفية، فما رأيتها تشفي عليلاً، ولا تروي غليلاً، ورأيت أقرب الطرق طريقة القرآن، أقرأ في الإثبات: { الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى } [1] { إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ } [2].
وأقرأ في النفي: { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ } [3] { وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً } [4]. ثم قال: ومن جرب مثل تجربتي عرف مثل معرفتي.
وكذلك قال الشيخ أبو عبد الله محمد بن عبد الكريم الشهرستاني، إنه لم يجد عند الفلاسفة والمتكلمين إلا الحيرة والندم، حيث قال:
لعمري لقد طفت المعاهد كلها وسيرت طرفي بين تلك المعالم
فلم أر إلا واضعاً كف حـــــائر عـلى ذقن أو قارعاً سن نادم
وكذلك قال أبو المعالي الجويني: يا أصحابنا لا تشتغلوا بالكلام، فلو عرفت أن الكلام يبلغ بي إلى ما بلغ ما اشتغلت به.
وقال عند موته: لقد خضت البحر الخضم، وخليت أهل الإسلام وعلومهم، ودخلت في الذي نهوني عنه، والآن فإن لم يتداركني ربي برحمته فالويل لابن الجويني، وها أنا ذا أموت على عقيدة أمي، أو قال: على عقيدة عجائز نيسابور.
وكذلك قال شمس الدين الخسروشاهي، وكان من أجل تلامذة فخر الدين الرازي، لبعض الفضلاء، وقد دخل عليه يوماً، فقال: ما تعتقده ؟ قال: ما يعتقده المسلمون، فقال: وأنت منشرح الصدر لذلك مستيقن به ؟ أو كما قال، فقال: نعم، فقال: أشكر الله على هذه النعمة، لكني والله ما أدري ما أعتقد، والله ما أدري ما أعتقد، والله ما أدري ما أعتقد، وبكى حتى أخضل لحيته. و لابن أبي الحديد. الفاضل المشهور بالعراق:
فيك يا أغلوطة الفكـــــــر حار أمري وانقضى عمري
سافرت فيك العقـــــــــول فما ربحت إلا أذى السفــر
فلحى الله الأولى زعموا أنك المعروف بالنظـــــــــر
كذبوا إن الذي ذكـــــروا خارج عن قوة البشـــــــــر
وقال الخوفجي عند موته: ما عرفت مما حصلته شيئاً سوى أن الممكن يفتقر إلى المرجح، ثم قال: الإفتقار وصف سلبي، أموت وما عرفت شيئاً.
وقال آخر: أضطجع على فراشي وأضع اللحفة على وجهي، وأقابل بين حجج هؤلاء وهؤلاء حتى يطلع الفجر، ولم يترجح عندي منها شيء.
ومن يصل إلى مثل هذه الحال إن لم يتداركه الله برحمته وإلا تزندق، كما قال أبو يوسف: من طلب الدين بالكلام تزندق، ومن طلب المال بالكيمياء أفلس، ومن طلب غريب الحديث كذب.
وقال الشافعي رحمه الله: حكمي في أهل الكلام أن يضربوا بالجريد والنعال، ويطاف بهم في القبائل والعشائر، ويقال: هذا جزاء من ترك الكتاب والسنة وأقبل على الكلام. وقال: لقد اطلعت من أهل الكلام على شيء ماظننت مسلماً يقوله، ولأن يبتلى العبد بكل ما نهى الله عنه -ما خلا الشرك بالله - خير له من أن يبتلى بالكلام. انتهى.
وتجد أحد هؤلاء عند الموت يرجع إلى مذهب العجائز، فيقر بما أقروا به ويعرض عن تلك الدقائق المخالفة لذلك، التي كان يقطع بها، ثم تبين له فسادها، أو لم يتبين له صحتها، فيكونون في نهاياتهم - إذا سلموا من العذاب - بمنزلة أتباع أهل العلم من الصبيان والنساء والأعراب.
والدواء النافع لمثل هذا المرض، ما كان طبيب القلوب صلوات الله وسلامه عليه يقوله - إذا قام من الليل يفتتح الصلاة -: اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل، فاطر السموات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم. [5].
توجه صلى الله عليه وسلم إلى ربه بربوبية جبرائيل وميكائيل وإسرافيل أن يهديه لما اختلف فيه من الحق بإذنه، إذ حياة القلب بالهداية.
وقد وكل الله سبحانه هؤلاء الثلاثة بالحياة: فجبرائيل موكل بالوحي الذي هو سبب حياة القلوب، وميكائيل بالقطر الذي هو سبب حياة الأبدان وسائر الحيوان، وإسرافيل بالنفخ في الصور الذي هو سبب حياة العالم وعود الأرواح إلى أجسادها.
فالتوسل الى الله سبحانه بربوبية هذه الأرواح العظيمة الموكلة بالحياة، له تأثير عظيم في حصول المطلوب. والله المستعان.
هامش
1. ↑ [طـه: 5]
2. ↑ [فاطر: 10]
3. ↑ [الشورى: 11]
4. ↑ [طـه: 110]
5. ↑ [خرجه مسلم]
0 comments:
إرسال تعليق