بسم الله الرحمن الرحيم
" ملخص لكتاب درء تعارض العقل والنقل لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى "
661 – 728 هـ
إعداد و دراسة
د. محمد السيد الجليند
إشراف و مراجعة
د. عبد الصبور شاهين
تلخيص
أحمد محمد بوقرين
طالب ماجستير – قسم أصول الدين
بالجامعة الأمريكية المفتوحة
تصدير
" ملخص لكتاب درء تعارض العقل والنقل لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى "
661 – 728 هـ
إعداد و دراسة
د. محمد السيد الجليند
إشراف و مراجعة
د. عبد الصبور شاهين
تلخيص
أحمد محمد بوقرين
طالب ماجستير – قسم أصول الدين
بالجامعة الأمريكية المفتوحة
تصدير
هذا الكتاب تقريب لكتاب ابن تيمية رحمه الله تعالى " درء تعارض العقل و النقل " , و هو أحد الكتب التي تقوم على الجدل لتحقيق الوفاق بين أطراف مختلفين في فهم النصوص الدينية و قد كان لهذا الاختلاف أثر في تمزيق أمتنا إلى نحل
و طوائف .
و كثيرا ما كان التمزق الفكري يحمل أسماء رموزه و صانعيه , فالأشعرية , الماتريدية , و الجهمية , إشارات إلى أؤلئك العلماء الذين عكفوا على تعاطي الخلافات , و تشقيق الآراء في هذه الأمة .
لقد ضرب هؤلاء المختلفون صفحا عن مفهوم الأوامر الإلهية الصريحة الداعية للوحة
والتماسك حين اغرموا بالجدل و المناظرات و الخصومات و كأنهم كانوا ينفذون مخططا لتخريب الوجود الإسلامي , تحت ستار حرية الرأي , و البحث عن الحق .
و حرية الرأي كانت و لا تزال قاعدة الفكر الإسلامي و أمل المسلمين إلى تحقيق مزيدا من التقدم و لكن سوء استخدام هذه الحرية أدت إلى نتائج عكسية تماما .
و لقد ظن أدعياء الفكر أن بين العقل و الشريعة تناقضا و تعاديا يدعوان الإنسان إلى مرافقة العقل و مفارقة الشريعة و كانت هذه المقولة أساس الصراع الذي احتدم بين الاتجاهات و الفرق فجاء لبن تيمية رحمه الله ليفند هذا الادعاء و يؤكد أن العقل و الشريعة متعاونان على رسالة واحدة و هذا ما بينه في طيات كتابه هذا الذي نحن بصدده .
إن الرسالة التي نهض بها ابن تيمية رحمه الله في هذا الكتاب هي أعظم ما تواجه به تيارات التعصب و الانحراف ترشيدا للمسيرة وتنويرا للعقول .
مقدمة
يدرك المخصصون في الدراسات الفلسفية قبل غيرهم أهمية الكتاب المنهجي في عرض قضاياه و مناقشتها نقدا و تمحيصا , قبولا و رفضا .
وهذا الكتاب الذي بين أيدينا هو من النمط من المؤلفات الجيدة و الجادة و قد ظل هذا الكتاب حبيسا في خزائن الكتب من القرن الثامن الهجري إلى أن قيض الله له من تولى تحقيقه تحقيقا علميا و أخرجه في طبعة رائعة و هو المرحوم الأستاذ محمد رشاد سالم فأخرج الجزء الأول منه .
أهمية هذا الكتاب :
يعالج هذا الكتاب مشكلة العلاقة بين العقل و الشرع تلك المشكلة التي أرقت الكثير من المفكرين قديما و حديثا وقد كان سب ظهور هذه المشكلة قديما عوامل كثيرة تتصل بوضع الأمة الإسلامية بين الأمم و وضعها السياسي و الحضاري على خارطة الكرة الأرضية و مدى صلة مثقفيها بأصول حضارتهم أو انقطاعهم عنها.قرأ ابن تيمية رحمه الله هذا كله ووقف إزاءه متسائلا عن الأسباب الكامنة وراء هذا الزعم القائل بإمكان تعرض العقل و الشرع و حددها في أمور :
• ظن بعض المفكرين أن ما عند أر سطو من تصورات عقلية عن الله صحيح لا خطأ فيه .
• الجهل بالميراث النبوي المتمثل بالكتاب و السنة الصحيحة .
• عدم التفرقة بين العقل القطعي الصريح الدلالة و بين ما يسميه الناس معقولات أو دلالة عقلية .
وقد أخذ المؤلف في مواقفه مع معارضيه بمنهج تحليلي رائع تمثل فيما يلي :
• كان يبدأ أولا بتحديد المصطلح ليعرف ما فيه من معاني ليمكن بعدها أن يقبلها أو يرفضها .
• ثم يضع أمامه الأدلة التي ظنها الفلاسفة عقليات للمناقشة و التمحيص .
• ثم يوضح لمعارضيه بالأمثلة العقلية أن العقل الصريح لا يتعارض أبدا مع المنقول الصحيح .
• و في النهاية يقول لأصحاب هذه الدعاوى : إنه يمكن للخصوم أن يعارضوا قولكم بمثل حجتكم و لا تملكون دليلا صحيحا تردون به صولتهم عليكم .
وسوف يتم التركيز في هذا التقديم على قضايا أساسية كانت محور الخلاف بينه
و بين خصومه و هي :
• منهجه في إثبات وجود الله .
• مذهبه في التوحيد .
• موقفه من التشبيه و التنزيه .
الإمام ابن تيمية - مدخل تاريخي
نشأته :
هو الإمام تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن الإمام مجد الدين أب البركات عبد السلام بن أبي محمد بن عبد الله بن أبي القاسم بن علي بن عبد الله بن تيمية الحراني .نشأته :
ولد بحران في يوم الاثنين من شهر ربيع الأول سنة 661 هـ - الموافق 22 يناير 1263 م . هاجر به والده إلي دمشق عندما أغار التتار علي البلاد الإسلام سنة 667 هـ وفي دمشق استقر به المقام. حفظ القران وهو في سن الصبا ثم اتجه إلي تحصيل علوم الحديث والفقه والأصول وعلم الكلام ولقد انبهر بذكائه وفطنته أهل دمشق
منهجه الإصلاحي :
جهاده :
يحدثنا التاريخ عن كثير من مواقف ابن تيمية ضد غارات التتار و تحريض المسلمين على القتال , فلقد تقدم الصفوف في واقعة شقحب سنة 702 هـ التي كانت بين التتار و المسلمين و أفتى الجنود بضرورة الفطر في رمضان حتى يقووا على ملاقاة الأعداء و افطر هو أمامهم و كان يبيت لياليه على الأسوار حارسا أمينا على أمن البلاد .جهاده :
محاربة البدع :
لقد اشتدت عداوة ابن تيمية للمتصوفة و الباطنية و حرص على تخليص مجتمعه من خرافاتهم التي ملكوا بها عقول السذج معلنا لهم انه لا يوجد طريق إلى الله غير طريق محمد صلى الله عليه و سلم و ليس هناك هدى سوى هدى القران .
محنته ووفاته :
جرت الطبيعة البشرية على أن كل من علا نجمه و استشهد بفضله كثر حساده و لقد كان خصوم ابن تيمية في كثير من الأحيان هم قضاته من الفقهاء الذين كبر عليهم مخالفته لهم في فتاواهم و أرائهم فألقي به في السجن عدة مرات بسبب فتاواه و اجتهادا ته ولقد كانت حياة ابن تيمية داخل السجون أحب إليه من حياة يجبر فيها عل النفاق أو السكوت على الباطل و استمرت حياته عل هذا النحو فما يخرج من السجن إلا ليودع في غيره و ما كانت تنتهي محاكمة إلا لتبدأ أخرى وقد ظل ابن تيمية في سجنه الأخير سنتين و أشهر و قد أفتى بحبسه هذه المرة طائفة من أهل الأهواء على رأسهم القاضي المالكي الأخنائي .
وعندما منع ابن تيمية من الكتابة و التأليف و هو في سجنه و التي كانت أنيسة
و زاده الروحي اشتدت به علته و ازداد به الضيق حتى فاضت روحه الطاهرة إلى بارئها ليلة الاثنين لعشرين من ذي القعدة سنة 728 هـ و مات الرجل كما يقضي عظماء الرجال من أصحاب العقائد الثابتة و الإيمان الراسخ الذي يجعل صاحبه غصة في حلوق أعدائه فلا يتنفسون إلا في غيبته و لا ينعمون بالحياة إلا بعد رحيله و قد شهد جنازة ابن تيمية من الخلائق مالا يحصره عد .
رحم الله ابن تيمية و جزاه الله عن الإسلام و المسلمين خير الجزاء ...
منهج ابن تيمية في إثبات وجود الله :
سلك ابن تيمية في الاستدلال على وجود الله اتجاهين كلاهما يمكن الاستدلال به على وجود الصانع سبحانه و تعالى :1. الموقف الذاتي :
الاتجاه الأول :
وهو لجوء المرء إلى الفطرة السليمة التي هي مضطرة بطبعها إلى الإقرار بوجود الرب الخالق , و ذلك لما تحتاجه النفوس من لجوئها إلى قوم عُليا تستنقذ بها عند حلول المصائب .
الاتجاه الثاني :
وقد يطرأ على بعض الناس من يفسد فطرتهم فيحتاجون في ذلك إلى ما ينير لهم السبيل و يوضح لهم الطريق كالتعليم مثلا , و لذلك بعث الله الرسل و أنزل الكتب .
الاتجاه الثالث :
أن في النفوس قوة لطلب الحق و ترجيحه على غيره و من هنا نفهم من أسلوب القرآن في الاستدلال على وجود الله جاء في صورة التذكير و التنبيه .
الاتجاه الرابع :
نجد أنه في كل نفس ما يدفعها إلى قبول الحق و رفض الباطل مما يعرض لها من خارج ذاتها و في هذا دليل على أن فطرة الإنسان مركوزة على الاعتراف بالحق .
الاتجاه الخامس :
إن كل نفس إذا لم يعرض لها مصلح و لا مفسد من خارج ذاتها فإننا نجدها تطلب ما ينفعها و تحاول أن تدفع عنها ما يضرها .
الاتجاه السادس :
إنه لا يمكن للنفس أن تكون خالية من الشعور بخالقها و عن الإحساس بوجوده وذلك لان نفس لابد أن تكون مريدة و شاعرة .
2. الموقف الخارجي :
ويقسم ابن تيمية هذه الأدلة إلى نوعين : أقيسة و آيات
أ. الأقيسة :
وهي لا تدل إلا على معنى غير متعين . فإذا قيل هذه مُحْدث فلا بد له من مُحْدِث . أو كل ممكن لابد له من واجب فإن النتيجة التي تؤدي إليها مقدمات هذا القياس هي إثبات واجب قديم . لكنها لا تدل على عينه .
ب. الآيات :
وفي معرض الاستدلال بالآيات على وجود الله نجد القرآن يضع أمام الإنسان أكثر هذه الآيات دلالة و أظهرها وضوحا في الاستدلال وهي أية الخلق من العدم قال تعالى : " اقرأ باسم ربك الذي خلق . خلق الإنسان من علق " .
إن أدلة ابن تيمية على وجود الله تمتاز بوضوحها و بداهتها مع نفسها و هي أكثر ملاءمة للنفوس و العقول ولجميع الناس عامتهم و خاصتهم .
ابن تيمية بين التشبيه و التنزيه
لقد وضع القرآن أمامنا آيات عديدة يدور الحديث فيها حول تنزيه الله تعالى عن مشابهة الحوادث مثل قوله تعالى : " ليس كمثله شي " و قوله تعالى : " ولم يكن له كفوا أحد " و مع ذلك فقد ذكر القرآن جميع الصفات الإلهية التي وصف الله بها نفسه من العلم و القدرة و العلو و الاستواء . و طلب من المؤمنين أن يؤمنوا بجميع صفاته و آيات كتابه العزيز و منها آيات التنزيه وعلى ذلك فليس من التشبيه في شي أن يؤمن العبد بأن الله عليم و قدير و أنه استوى على عرشه ما دام يعتقد أنه سبحانه ليس كمثله شي في صفاته , و كما أنه لا يشبه شي في ذاته .و ما على العبد إلا أن يثبت وجود الصفة لله كما أثبتها له القرآن و لا يبحث في كيفها و كما ه منهج القرآن في ذلك إثبات بلا تشبيه , و تنزيه بلا تعطيل .
وكان ابن تيمية على هذا المنهج القويم و كان كل ما صرح به أما نطق به القرآن و إما جاءت به السنة الصحيحة فهو يثبت لله صفات العلو و الاستواء و المجيء
و الإتيان و النزول و هذا المنهج قد اخذ به أيضا أبو الحسن الأشعري في رسالته إلى أهل الثغر و في كتابه " الإبانة " و " اللمع " .
و مع أن ابن تيمية يصرح بنفي التمثيل و التشبيه و التكييف لهذه الصفات إلا أن خصومه نسبوا إليه أقولا كان بعيد عنها وجميع الاتهامات التي وجهت إلى الإمام ابن تيمية سواء في حياته أو بعد مماته لا تكاد تخرج عن نمطين من الحديث :
• النمط الأول :
نمط من الحديث مكذوب و محض افتراء عليه بقصد التشنيع و التشويه .
• النمط الثاني :
اتهامه بالتشبيه و التجسيم نتيجة الخطأ في فهم مذهبه .
تقريب الكتاب
الفصل الأول : هل تتعارض الأدلة القطعية :
يشرح ابن تيمية رحمه الله تعالى في هذا الفصل قانون الرازي الذي وضعه في كتابه " نهاية العقول " والذي يذهب فيه إلى القول بأن العقل قد يتعارض مع الشرع , وحينئذٍ ينبغي عنده أن نرد دليل الشرع و نعتصم بدليل العقل و هذه الدعوى يردها ابن تيمية من عدة أوجه .
فبين رحمه الله أولا أن كلام القائلين بتعارض العقل و الشرع يتطلب إثبات التعارض فعلا , ثم يطلب بعد ذلك أن ما يدعيه المتكلمون و الفلاسفة من أدلة هي في ذاتها أدلة عقلية صريحة في دلالتها على مطلوبها , ثم بعد ذلك ينظر رحمه الله فيما يدعونه من شرع هل هو شرعي صحيح أم أنه ليس شرعيا في ذاته و هم يسمونه كذلك ؟ ثم يشرح ابن تيمية الجهة التي يكون الدليل مقبولا أو مرفوضا لأجلها , و ليس أن الدليل يقبل كونه قطعي الدلالة على المراد ,
و كدلالة طلوع الشمس على وجود النهار , فهذه دلالة قطعية لا يشك فيها عاقل . ثم يتعرض بعد ذلك للعلم فيقسمه إلى علم نظري و عملي ثم إلى كسبي و وهبي و يبين أن العلم بالله لا يتوقف على العقليات المخالفة للشرع , و ينصح الفلاسفة
و المتكلمين بضرورة الاعتصام بألفاظ الكتاب و السنة لان الله أعلم بما يليق به منا , و بين رحمه الله أن سبب الخطأ عندهم هو استعمالهم لتلك الألفاظ المجملة في حق الله تعالى , و أنها أوقعتهم و أوقعت المسلم معهم في حيرة و اضطراب ,
و لو كانت طريقتهم سديدة في استعمال هذه الألفاظ لكانت الرسل أسبق منهم إلى استعمالها و الإشارة إليها , ولما لم يستعمل الرسل في حق الله لا نفيا ولا إثباتا دل ذلك على أنها طريقة فاسدة , أو على الأقل أنها ليست هي الطريقة الأقوم لهداية البشر .
تقريب الفصل الأول
قال شيخ الإسلام :
المقصود هنا الكلام على قول القائل : " إذا تعارضت الأدلة السمعية و العقلية ... ... إلخ "
• الجواب على اعتراض الرازي و الفلاسفة :
وحينئذٍ نقول الجواب من وجوه :
الوجه الأول :
أن قوله : " إذا تعارض النقل و العقل "
إما أن يريد به القطعييَن , فلا نسلم إمكان التعارض حينئذ ٍ .
و إما يريد به الظنييَن , فالمقدم هو الراجح مطلقا .
و إما أن يريد به أن أحدهما قطعي , فالقطعي هو المقدم مطلقا , و إذا قدر أن العقلي هو القطعي كان تقديمه لكونه قطعيا . لا لكونه عقليا .
فعلم أن تقديم العقلي مطلقا خطأ كما أن جعل جهة الترجيح كونه عقليا خطأ .
الوجه الثاني :
أن يقال لا نسلم انحصار القسمة فيما ذكرناه من الأقسام الأربعة , إذ من الممكن أن يقال :
يقدم العقلي تارة و السمعي أخرى , فأيهما كان قطعيا قدم , و إن كانا جميعا قطعيين , فيمنع التعارض و إن كانا ظنيين فالراجح هو المقدم .
فدعوى المدعي : أنه لابد من تقديم العقلي مطلقا أو السمعي مطلقا , أو الجمع بين النقيضين , أو رفع النقيضين – دعوى باطلة – بل هناك قسم ليس من هذه الأقسام كما تقدم , بل هو الحق الذي لا ريب فيه .
الوجه الثالث :
هو العقل أصل في إثبات الشرع في نفسه أم أصل في علمنا به ؟
قوله : " إن قدما النقل كان ذلك طعنا في أصله الذي هو العقل , فيكون طعنا فيه " غير مُسَلم .
وذلك لان قوله : " إن العقل أصل النقل " إما أن يريد به :
أنه أصل في ثبوته في نفس الأمر أو أصل في علمنا بصحته .
فالأول لا يقوله عاقل , فإن ما هو ثابت في نفس الأمر بالسمع أو بغيره هو ثابت , سواء علمنا بالعقل أو بغير العقل ثبوته و عدم علمنا بالحقائق و لا ينفي ثبوتها في أنفسها .
فتبين بذلك أن العقل ليس أصلا لثبوت الشرع في نفسه .
الوجه الرابع :
أن يقال إما أن يكون عالما بصدق الرسول , و ثبوت ما أخبر به في نفس الأمر ,
و إما أن لا يكون عالما بذلك .
فإن لم يكن عالما امتنع التعارض عنده إذا كان المعقول معلوما له , لان المعلوم لا يعارضه المجهول و إن لم يكن المعقول معلوما لم يتعارض مجهولان .
الوجه الخامس :
هل أخبرت الرسل بموارد النزاع ؟
إنه إذا علم صحة السمع و إن ما أخبر به الرسول فهو حق فإما أن يعلم أنه أخبر بمحل النزاع , أو يظن أنه أخبر به أو لا يعلم ولا يظن .
فإن علم أنه أخبر به امتنع أن يكون في العقل ما ينافي المعلوم بسمع أو بغيره , فإن ما علم ثبوته أو انتفاؤه لا يجوز أن يقدم دليل يناقض ذلك .
و إن لم يكن في السمع علم و لا ظن فلا معارضة حينئذ ٍ , فتبين بذلك أن الجزم بتقديم العقل مطلقا خطأ و ضلال .
الوجه السادس :
يجب تقديم الشرع عند مظنة التعارض
أن يقال إذا تعارض الشرع و العقل وجب تقديم الشرع , لان العقل مصدق للشرع في كل ما أخبر به و الشرع لم يصدق العقل في كل ما أخبر به , و لا العلم بصدقه موقوف على كل ما يخبر به العقل .
و معلوم أن هذا إذا قيل أوجه من قولهم كما قال بعضهم : يكفيك من العقل أن يعلمك صدق الرسول و معاني كلامه و بين ابن تيمية رحمه الله في هذا الوجه أن معارضة الشرع للعقل ليس فيه حجة على تقديم أراء العقلاء على الشرع .
الوجه السابع :
أن يقال : تقديم المعقول على الدلالة الشرعية ممتنع متناقض و أما تقديم الأدلة الشرعية فهو ممكن مؤتلف .
فلو قيل بتقديم العقل على الشرع , و ليست العقول شيئا واحدا بينا بنفسه بل فيه الاختلاف و الاضطراب و أما الشرع فهو في نفسه قول الصادق و هذه صفة لازمة له لا تنفك عنه و لا تختلف باختلاف الناس .
الوجه الثامن :
موارد النزاع من الأمور الخفية
أن يقال : المسائل التي يقال أنه قد تعارض فيها العقل و السمع من المسائل البينة المعروفة بصريح العقل , كمسائل الحساب الهندسة و نحو ذلك بل لم ينقل أحد بإسناد صحيح عن نبينا صلى الله عليه و سلم شيئا من هذا الجنس إلا في حديث مكذوب موضوع يعلم أهل النقل أنه مكذوب مثل حديث عرق الخيل و أمثالها من الأحاديث المكذوبة الموضوعة باتفاق أهل العلم فلا يجوز لأحد أن يدخل هذا و أمثاله في الأدلة الشرعية .
الوجه التاسع :
إلى عقل من نحتكم عند النزاع ؟
و هو أن يقال : القول بتقديم الإنسان معقولة على النصوص النبوية قول لا ينضبط ,
و ذلك لان أهل الكلام و الفلسفة المتنازعين فيما يسمونه عقليات كل منهم يقول : " إنه يعلم بضرورة العقل أو بنظره ما يدعى الأخر أن المعلوم بضرورة العقل أو بنظره نقيضه .
الوجه العاشر :
مجادلة أهل الباطل بالتي هي أحسن
أن يعارض دليلهم بنظير ما قالوه , فيقال إذا تعارض العقل و النقل وجب تقديم النقل لان الجمع بين المدلولين جمع بين نقيضين و رفعهما رفع للنقيضين و تقديم العقل ممتنع , لان العقل دل على صحة السمع ووجوب قبول ما أخبر به الرسول صلى الله عليه و سلم فلو أبطلنا النقل لكنا أبطلنا دلالة النقل لكنا قد أبطلنا دلالة العقل لم يصح أن يكون معارضا للنقل فكان تقديم العقل موجبا عدم تقديمه فلا يجوز تقدمه .
الوجه الحادي عشر :
الدليل اليقيني هو القطعي في دلالته
إن ما يسميه الناس دليلا من العقليات و السمعيات ليس كثير من دليلا و إنما بظنه الظان دليلا و هذا متفق عليه بين العقلاء .
فنقول :
أما المتبعون للكتاب و السنة من الصحابة و التابعين و تابعيهم فهم متفقون على دلالة ما جاء به الشرع في باب الإيمان و الأسماء و الصفات و اليوم الأخر و ما يتبع ذلك و المعارضون لذلك من أهل الكلام لم يتفقوا على دليل واحد من العقليات مع العلم أن أهل الحق لا يطعنون في جنس هذه الأدلة العقلية و إنما فيما يدعي المعارض أنه يخالف الكتاب و السنة و ليس في ذلك دليل صحيح في نفس الاسم و لا دليل مقبول عند عامة العقلاء .
الوجه الثاني عشر :
كل ما عارض الشرع علم فساده بالعقل
إن كل ما عارض الشرع من العقليات فالعقل يعلم فساده و إن لم يعارض العقل و ما علم فساده بالعقل لا يجوز أن يعارض به لا عقل و لا شرع .
و هذه الجملة تفصيلها هو الكلام على حجج المخالفين للسنة من أهل البدع بأن نبين بالعقل فساد تلك الحجج و تناقضها و من تأمل ذلك وجد في المعقول مما يعلم فساد المعقول المخالف للشرع مالا يعلمه إلا الله .
الوجه الثالث عشر :
علم المحدثين بمقاصد الرسول
أن يقال : إن أهل العناية بعلم الرسول , العالمين بالقرآن عندهم من العلوم الضرورية بمقاصد الرسول و مراده ما لا يمنعهم دفعه عن قلوبها و لهذا كانوا متفقين على ذلك من غير تواطؤ و لا تشاغر كما اتفق أهل الإسلام على نقل حروف القرآن و نقل الصلوات الخمس و القبلة بالتواتر ومعلوم أن النقل المتواتر يفيد العلم اليقيني سواء كان التواتر لفظيا أو معنويا .
الوجه الرابع عشر :
الأمور الشرعية فطرية
بأن يقال : الأمور السمعية التي يقال أن العقل عارضها كإثبات الصفات و المعاد
و نحو ذلك , و هي مما علم بالاضطرار أن الرسول صلى الله عليه و سلم جاء بها و ما كان معلوما بالاضطرار من دين الإسلام امتنع أن يكون باطلا مع كون الرسول رسول الله حقا , و فمن قدح في ذلك و أدعى أن الرسول لم يجئ به كان قوله معلوم الفساد بالضرورة من دين المسلمين .
الوجه الخامس عشر :
الدليل إما قطعي و إما غير قطعي
أن يقال : كون الدليل عقليا أو سمعيا ليس هو صفة مدحا أو ذما و لا صحة ولا فسادا بل ذلك يبين الطريق الذي به علم , و هو السمع أو العقل وان كان السمع لابد له من العقل و كذلك كونه عقليا أو نقليا , و إما كونه شرعيا فلا يقابل بكونه عقليا
و إنما بكونه دعيا إذ البدعة تقابل الشرعة و كونه يدعيا صفة ذم و شرعيا صفة مدح وما خالف الشريعة فهو باطل .
الفصل الثاني – من أصول المبتدعة
لبس الحق بالباطل
لبس الحق بالباطل
يشرح المؤلف رحمه الله في هذا الفصل أصلا من أصول الحوار العلمي بين أهل الرأي وهو ضرورة الاتفاق على مدلول المصطلح و معنى اللفظ الذي يستعملونه في النفي أو الإثبات , و لما كان هذا الأصل غائبا في ذهن الفلاسفة في حوارهم أوقعهم في خلافات كثيرة أوقعت المسلمين بعدهم في حيرة.
ثم أخذ المؤلف يشرح طريقة الإمام أحمد بن حنبل في المناظرة التي جرت بينه
و بين خصومه في خلق القرآن و قال لهم الإمام أحمد رحمه الله : لابد أن تشرحوا لنا معنى اللفظ الذي تستعملونه , لأنه مجمل و معناه مبهم , فإن كان معناها حقا قبلناه , و إن كان معناه باطلا رددناه عليكم و لا يحق لكم بعد ذلك أن تلزموا المسلمين قبوله , لان في القرآن عناء عنه و أحكم الألفاظ ما تحدث الله به عن نفسه في كتابه , و أخبر به رسوله , ولا يصح ترك هذه الألفاظ المحكمة لجل ما تحدث به هؤلاء من ألفاظ مجملة ألتبس فيها الحق بالباطل .
• هم يعارضون ألفاظ القرآن بألفاظ مجملة :
فإن هؤلاء عبروا عن المعاني التي أثبتها القرآن بعبارات أخرى ليست في القرآن مثل لفظ : القدم , والحدوث , و الجوهر , والجسم , والعرض , و والمتحيز , و غيرها من الألفاظ و العبارات التي تأتي على غير معانيها في لغة العرب .
• المبتدعة يوقعون المسلم في حيرة :
و إذا كانت هذه الألفاظ مجملة فالمخاطب لهم غما أن يفصل و يقول : ما تريدون بهذه الألفاظ ؟ فإن فسروها بالمعنى الذي يوافق القرآن قيلت و إلا ردت عليهم .
و إما أن يمتنع عن موافقتهم في التكلم بهذه الألفاظ نفيا أو إثباتا فإن امتنع عن التكلم بها معهم فقد ينسبوه إلى العجز و الجهل و إن تكلم بها معهم نسبوه إلى أنه أطلق تلط الألفاظ التي تحتمل حقا و باطلا و أوهموا الجهال باصطلاحاتهم .
• منهج الإمام أحمد بن حنبل في مناظرته :
وبهذا ناظر الإمام أحمد رحمه الله الجهمية و صار يطالبهم بدلالة الكتاب و السنة على قولهم فإذا كانت هذه الألفاظ وردت في الكتاب و السنة وافقهم عليها و إن وجد أن اللفظ لا يُدرى مقصود المتكلم به و ليس له أصل في الكتاب و السنة و الإجماع رده عليهم .الفصل الثالث : منهج الرازي في إثبات
وجود الله تعالى
وجود الله تعالى
يشرح المؤلف رحمه الله في هذا الفصل منهج الرازي في إثبات وجود الله عز و جل و يرد عليه مبينا أن منهجه قد سلك فيه مسلك الفلاسفة حينا و مسلك المعتزلة حينا أخر .
و الرازي قد أثبت وجود الله بخمسة طرق هي :
* الطريق الأول :
وجود الأشياء بعد أن كانت عدما و هذا ما عبر عنه بحدوث الذوات أو حدوث الأجسام و هذه طريقة المعتزلة .
* الطريق الثاني :
طريق الإمكان : بمعنى أن العالم كان يمكن أن يوجد و ألا يوجد لكنه الآن موجود فإذن لابد من موجد رجح وجوده من عدمه و هذه طريقة ابن سينا و الفلاسفة .
* الطريق الثالث :
إمكان الصفات : بمعنى اختصاص كل كائن بما يلزمه و يعينه من الصفات اللازمة له كالسمع و البصر للإنسان فذلك دليل على أن هناك ربا خالقا يرعى مخلوقاته .
* الطريق الرابع :
و هذا الطريق هو الاستدلال بحدوث الصفات و والأعراض على وجود الله , مثل صيرورة النطفة إنسانا و البذرة زرعا .
* الطريق الخامس :
هو الاستدلال بما في الصفة من دقة و إحكام وإتقان على وجود الصانع
ولقد قارن ابن تيمية رحمه الله تعالى بين هذه الطرق الخمسة و ما في القرآن الكريم منها و بين أصل كل طريق و من أخذه الرازي .
فصل – ضرورة التلازم بين
الدليل و المدلول
الدليل و المدلول
يلقي المصنف الضوء في هذا الفصل على قاعدة عظيمة و هي ضرورة الملازمة بين الدليل و المدلول و ذلك مثل التلازم الضروري بين الشمس ووجود النهار فإذا رأينا الشمس طالعة تيقنا من وجود النهار و مثل دلالة وجود الكتابة على الشخص الكاتب و مثل دلالة وجود الابن على أبيه و هذا يساوي تماما وجود الخلق فإنه يسلتزم ضرورة وجود خالقه و أدلة القرآن هي من هذا النوع الذي يظهر فيها التلازم الضروري بين كل دليل و مدلوله .
و القرآن سمى كل دليل في آية بمعنى أنه آية على مدلوله و علامة دالة عليه
و على صفاته , و استعمال القرآن لفظ آية أكثر دلالة على ضرورة التلازم المطلوب بين الدليل و مدلوله من استعمال لفظ الدليل .
• حاجة الخلق إلى خالقهم ضرورة و فطرة :
ولهذا كان أكثر الناس على أن الإقرار بالصانع ضروري و فطري و ذلك أن اضطرار النفوس إلى ذلك أعظم من اضطرارها إلى مالا يتعلق به حاجتها .
فإذا كانت هذه الأمور مما تحتاج النفوس إليها ولابد لها منها بل هي ضرورية فيها , كان شرطها ولازمها , و هو الاعتراف بالصانع و الإقرار به , و أولى أن يكون ضروريا في النفوس .
فصل – الدليل و كيفية الدلالة
تحدث ابن تيمية رحمه الله تعالى في هذا الفصل عن قضية أن الشئ الواحد قد يكون له أكثر من دليل يستدل به عليه و إن من يعلم دليلا واحدا من هذه الأدلة لا يصح له أن ينفي أدلة الآخرين أو يدعي أنه ليس هناك لا دليلا واحدا فقط , ثم أستدل رحمه الله على هذا الأمر بكثير من الآيات و الأحاديث التي تسانده في هذا الرأي يشرح بها وجهة نظره في ذلك ثم يتعرض رحمه الله بالحديث لقضية نفسية هامة و هي وسوسة الشيطان و كيف يتخلص الإنسان منها بذكر الله عز و جل و قراءة القرآن و يبين رحمه الله أن الرسل أمروا باستعمال البرهان الصحيح و قد بين الرسول صلى الله عليه و سلم كيف نتخلص من وسوسة الشيطان بالاستعاذة بالله
و الدعاء و التضرع إلى الله عز و جل أن يثبت القلب على الإيمان لان نواهي القلوب بيديه سبحانه .
• وسوسة الشيطان تزول مع الاستعاذة :
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :و القرآن فيه شفاء لما في الصدور من الأمراض و النبي صلى الله عليه و سلم علم أن وسواس التسلسل في الفاعل يقع في النفوس , و أنه نه معلوم الفساد بالضرورة فأمر عند وروده بالاستعاذة منه و الانتهاء عنه ففي البخاري عن أنس رضي الله تعالى عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " لن يبرح الناس يتساءلن : هذا الله خالق كل شئ فمن خلق الله ؟ و أمر رسول الله صلى الله عليه و سلم من وجد هذا فليستعذ بالله من الشيطان و لينته .
فصل – العلوم إما ضرورية
و إما كسبية
و إما كسبية
قسم المصنف العلوم نوعان :
• علوم ضرورية فطرية مغروزة في النفوس بمقتضى الفطرة و أن هذه العلوم قد لا يستطيع المرء أن يقيم دليلا على صحتها لشدة بداهتها و ظهورها .
• وهناك نوع آخر من العلوم هي ما يسمى بالعلوم الكسبية و هي تطلب الدليل على صحتها و هي في ذاتها في حاجة إلى إثبات صحتها بدليل أوضح منها .
مناقشة المناطقة في التعريف بالحد :
ناقش ابن تيمية رحمه الله تعالى في هذا الموضع المناطقة في قضية الحد فيوجز ما فصله في كتابه " الرد على المنطقيين " من أن القصد من التعريف بالحد الشارح هو تمييز المحدود عن غيره , و لا سبيل لنا إلى ذلك إلا استعمال الألفاظ الشارحة
و أن هذا هو رأي معظم المفكرين و أن الغاية من التعريف هو التصور التام للمحدود و ذلك لا يكون إلا بالجنس و الفصل كقولنا في الإنسان أنه حيوان ناطق , فالنطق فصل لازم بل ذاتي في الإنسان ولا يمكن تصور الإنسان بدون صفة النطق ,
وابن تيمية رحمه الله يعترض على هذه الشروط من وجوه كثيرة مبينا لهم ما الفرق بين الفص الذاتي كالنطق و الصفة الدائمة كالضحك مثلا .
فصل – طرق معرفة الله
كثيرة و متنوعة
كثيرة و متنوعة
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
ولما كانت طرق معرفة الله كثيرة و متنوعة , صار كل طائفة من النظار تسلك طريقا إلى إثبات معرفته و يظن أنه لا طريق إلا تلك . و هذا غلط محض , و هو قول بلا علم فإنه من أين للإنسان أن يقول أنه لا يمكن المعرفة إلا بهذا الطريق ؟ فإن هذا نفي عام لا يعلم بالضرورة , فلابد من دليل يدل عليه , و ليس مع النافي دليل يدل عليه , بل الموجود يدل على أن للمعرفة طرقا أخرى , و أن غالب العارفين بالله من الأنبياء و غير الأنبياء , بل و عموم الخلق , عرفوه بدون تلك الطريقة المعينة .
فصل – أقوال العلماء في
حديث الفطرة
حديث الفطرة
وفي هذا الفصل يقوم ابن تيمية رحمه الله بشرح آية : " و إذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم و أشهدهم على أنفسهم ألست بربكم ؟ قالوا بلى " و حديث النبي صلى الله عليه و سلم : " كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه " و وقد أسهب رحمه الله تعالى في تفسير هذه الآية الكريمة
و في شرح هذا الحديث الشريف , و تحدث عن سبب الخلاف في حديث الفطرة ساردا أقوال العلماء في هذا الحديث و في معنى الفطرة و قال أن الفطرة الصحيحة هي أصل الحنيفية التي خلق الله خلقه عليها وقال أن الفطرة تدل على خالقها سبحانه
و تعالى و هذا الذي أخبر به الصادق المصدوق في قوله : " كل مولود يولد على الفطرة " .
فصل – الإنسان و العبودية
لله عز و جل
لله عز و جل
أقوال العلماء رحمهم الله في آية : " و ما خلقت الجن و الإنس إلا ليعبدون "
و للناس في هذه العبادة التي خلقوا لها قولان :
• القول الأول :
أنها وقعت منهم . ثم هؤلاء منهم من يقول جميعهم خلقوا لها و منهم من يقول إنما خلق لها بعضهم .
• القول الثاني :
أنهم كلهم خلقوا لها , و مع ذلك فلم تقع إلا من بعضهم , و هؤلاء حزبان :
حزب يقول : إن الله تعالى لم يشأ إلا العبادة , و لكنهم فعلوا مالا يشاءون بغير قدرته و لا مشيئته و هم القدرية المنكرون لعموم قدرته و مشيئته و خلقه .
و الثاني يقولون : بل كل ما وقع فهو بمنشئته و قدرته و خلقه , لكن هو لا يحب إلا العبادة التي خلقهم لها , و لا يأمر إلا بذلك , فمنهم من أعانه ففعل المأمور به
و منهم من لم يفعله .
• آية الميثاق و أقوال العلماء فيها :
قال تعالى : " وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم و أشهدهم على أنفسهم ألست بربكم ؟ قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين "
فإن هذه الآية فيها قولان :
من الناس من يقول هذا الإشهاد كان لما استخرجوا من صلب آدم , كما نقل هذا عن طائفة من السلف و رواه بعضهم مرفوعا عن النبي صلى الله عليه و سلم .
ولكن في حديث أبي هريرة أنه أراهم آدم , و في حديث عمر و غيره انه قال : هؤلاء للجنة و هؤلاء للنار ففيها إثبات للقدر أن الله علم ما سيكون قبل أن يكون وعلم الشقي و السعيد من ذرية آدم و سواء كان استخرجه فرآه آدم هي أمثالهم
و أعيانهم .
فأما نطقهم فليس في شئ من الأحاديث المرفوعة الثابتة و لا يدل عليه القرآن .
و الأخذ يتضمن خلقهم , و الإشهاد يتضمن هداه لهم إلى هذا الإقرار فإنه قال تعالى : " و أشهدهم " أي جعلهم شاهدين فالشهادة هي الإقرار كما في قوله عز و جل : " كونوا قوامين بالقسط شهداء لله و لو على أنفسكم " و كما قيل لماعز : شهد على نفسه أربعا , فإشهادهم على أنفسهم جعلهم شاهدين على أنفسهم أي مقرين له بربوبيته كما قال تعالى في تمام الكلام : " ألست بربكم قالوا بلي شهدنا " فقولهم بلى شهدنا هذا إقرارهم بربويته و هو مخلوقون له .
ولهذ فإن جميع بني آدم مقرون بهذا شاهدون به على أنفسهم و هذا أمر ضروري لهم لا ينفك عنه مخلوق ولا يمكن لأحد جحده .
ثم إن الله بكمال رحمته و إحسانه لا يعذب أحدا إلا بعد إرسال رسوله إليهم و إن كانوا فاعلين لا يستحقون به الذم و العقاب , كما كان مشركو العرب و غيرهم ممن بعث إليهم رسول , فاعلين للسيئات و القبائح التي هي سبب الذم و العقاب و الرب تعالى مع هذا لم يكن معذبا لهم حتى يبعث إليهم رسولا و الناس لهم في هذا النقام ثلاثة أقوال , و قال بكل قول طائفة من المنتسبين إلى السنة من أصحاب الأئمة الأربعة .
طائفة تقول : إن الأفعال لا تتصف بصفات تكون بها حسنة و لا سيئة البتة .
وطائفة تقول : بل الأفعال متصفة بصفات حسنة و سيئة و هذا يعلم بالعقل و يستحق العقاب بالعقل .
وطائفة تقول : بل هي متصفة بصفات حسنة و سيئة تقتضي الحمد و الذم و لكن لا يعذب أحد إلا بعد بلوغ الرسالة هذا أصح الأقوال و عليه يدل الكتاب و السنة فإن الله أخبر عن أعمال الكفار بما يقتضي أنها سيئة قبيحة مذمومة , قبل مجيء الرسل إليهم , و أخبر أنه لا يعذبهم إلا بعد إرسال رسول إليهم قال تعالى : " و ما كنا معذبين حتى نبعث رسولا " و هذه الآية حجة على الطائفتين السابقتين و القرآن دل على ثبوت حسن و قبح قد يعلم بالعقول , و يعلم أن هذا الفعل محمود و مذموم ,
و دل على أنه لا يعذب أحدا إلا بعد إرسال رسول .
وصلى الله على سيدنا محمد و على آله و صحبه ...
0 comments:
إرسال تعليق