لفظ البعض والكل والشيء على الله تعالى
بسم الله وبعد:
فقد تقرر أن باب الإخبار أوسع من باب الصفات، إذ يصح الإخبار عن الله تعالى بكل ما يليق به، مما لا يتضمن معنى سيئا، ومن بين هذه الألفاظ مثلا: لفظ الشيء والكل والبعض عن ذات الله تعالى، كما يقول أهل السنة مثلا أن الصفة هي بعض الموصوف وهو الله تعالى، لا أنها هي الله، وأن المؤمنين يرون يوم القيامة شيئا من ذات الله تعالى أو بعضا منه لا يرون ذاته كلها، وأن صفة البصر والعلم مثلا من صفات الله تعالى، و" من" تبعيضية في لغة العرب التي نزل بها القرآن، ونحو ذلك، مما سيتبين في المطالب التالية:
المطلب الأول: إطلاق لفظ الشئ على ذات الله تعالى:
المطلب الثاني: في إطلاق لفظ البعض أو الكل ونحوهما على الله تعالى،
المطلب الثالث: ذكر البيان أن لفظ البعض جائز بل واجب على الله باعتبار، وباطل على الله بالإعتبار الثاني الفاسد:
الباب الأول: ذكر المعنى المحظور الفاسد:
الباب الثاني: ذكر المعنى الجائز بل الواجب:
المطلب الرابع: ذكر الأدلة على مشروعية لفظ البعض ونحوه:
النوع الأول: من الإجماع على تعريف الصفة وحقيقتِها عند السلف:
النوع الثاني: ذكر الأدلة النقلية:
المطلب الخامس: كلام بعض العلماء:
المطلب الأول: إطلاق لفظ الشئ على ذات الله تعالى: وهذه اللفظة ثابتة بالقرآن والسنة، كما قال البخاري في الصحيح : باب { قل أي شيء أكبر شهادة قل الله}، فسمى الله تعالى نفسه شيئا، وسمى النبي صلى الله عليه وسلم القرآن شيئا، وهو صفة من صفات الله، وقال{كل شيء هالك إلا وجهه }"، اهـ، وفي صحيحه مرفوعا:" لا شيء أحب إليه المدح من الله ولذلك مدح نفسه"، وفيه أيضا:" لا شيء أغير من الله"، وغير ذلك من الأدلة.
المطلب الثاني: في إطلاق لفظ البعض أو الكل ونحوهما على الله تعالى فقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية في بيان تلبيس الجهمية 2/407 في إثبات الجهة ونقده للرازي:" فقد أخبر ـ الرازي ـ أن ما لا يكون في جهة، لا تسمى رؤيته إدراكا، وإن لفظ الإدراك إذا أُريد به الرؤية فهي رؤية مخصوصة، وهي رؤية المتناهي الذي يكون في جهة، فأما الشيء الذي لا يكون في جهة فلا تسمى رؤيته إدراكا، وإذا كان كذلك فيكون قوله تعالى:{ لا تدركه الأبصار} أي متناهيا لا تحيط به ولا تدركه متناهيا محدودا، قال ابن تيمية: وهذا الذي ذكره جيد وإن كان لم يستوف حجته، فإن أئمة السلف بهذا فسروا الآية، وما ذكرته المعتزلة عن ابن عباس انه تأول الآية على نفي الرؤية كذب على ابن عباس، بل قد ثبت عنه بالتواتر انه كان يثبت رؤية الله وفسر قوله تعالى:{ لا تدركه الأبصار} بأنها لا تحيط وضرب المثل بالسماء فقال: ألست ترى السماء؟ فقال: بلى، فقال: أكلها ترى؟ قال: لا، قال: فالله أعظم"،.. الخ.
المطلب الثالث: ذكر البيان أن لفظ البعض جائز بل واجب على الله باعتبار، وباطل على الله بالإعتبار الثاني الفاسد: فقد ذُكِرَ أن ذلك من الألفاظ التي تحتمل معنى صحيحا ومعنى فاسدا، فيصح إطلاقها على المعنى الصحيح، ولا يصح إطلاقها على المعنى الفاسد كما في البابين الآتيين:
الباب الأول: ذكر المعنى المحظور الفاسد: قال ابن تيمية في الفتاوى الكبري 6/405،..:"قال نعيم بن حماد: لا يقال بعضه على العرض، وبعضه على الأرض، يدرك بالآيات ويثبت بالعلامات هو الكبير المتعال تبارك وتعالى"، قال ابن تيمية: " وهو ـ نعيم ـ قد نفى تبعيضه بالمعنى الذي فسره، وهذا ما لا يستريب فيه المسلمون، وهذا مما دل عليه قوله تعالى:{ قل هو الله أحد * الله الصمد }..، ولا ريب أن لفظ البعض والجزء والغير ألفاظ مجملة فيها إيهام وإبهام فإنه قد يقال ذلك على ما يجوز أن يوجد منه شيء دون شيء بحيث يجوز أن يفارق بعضه بعضا وينفصل بعضه عن بعض أو يمكن ذلك فيه،كما يقال: حد الغيرين ما جاز مفارقة أحدهما للآخر كصفات الأجسام المخلوقة من أجزائها وأعراضها فإنه يجوز أن تتفرق وتنفصل والله سبحانه منزه عن ذلك كله مقدس عن النقائص والآفات"،
الباب الثاني: ذكر المعنى الجائز بل الواجب: فقد قال ابن تيمية في الفتاوى أيضا:" وقد يراد بذلك ما يُعلَمُ منه شيء دون شيء،، فيكون المعلوم ليس هو غير المعلوم وإن كان لازما له لا يفارقه، والتغاير بهذا المعنى ثابت لك موجود، فإن العبد قد يعلم وجود الحق ثم يعلم أنه قادر ثم أنه عالم ثم أنه سميع بصير، وكذلك رؤيته تعالى كالعلم به، فمن نفى عنه وعن صفاته التغاير والتبعيض بهذا المعنى فهو معطل جاحد للرب فإن هذا التغاير لا ينتفي إلا عن المعدوم،وهذا قد بسطناه في كتاب بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية في الكلام على سورة الإخلاص وغير ذلك بسطا بينا، ومن علم ذلك زالت عنه الشبهات في هذا الباب، فقول السلف والأئمة ما وصف الله من الله وصفاته منه وعلم الله من الله وله نحو ذلك مما استعملوا فيه لفظ" من" وإن قال قائل معناها التبعيض فهو تبعيض بهذا الإعتبار، كما يقال إنه تغاير بهذا الاعتبار ثم كثيرا من الناس يمتنع أو ينفي لفظ التغاير والتبعيض ونحو ذلك وبعض الناس لا يمتنع من لفظ التغاير ويمتنع من لفظ التعيض وبعضهم لا يمتنع من اللفظين إذا فسر المعنى وأزيلت عنه الشبهة والإجمال الذي في اللفظ"، وقال ابن تيمية في منهاج السنة النبوية (2/567):" وأما إذا قيل المراد بالإنقسام أو التركيب أن يتميز منه شيء عن شيء مثل تميز علمه عن قدرته أو تميز ذاته عن صفاته أو تميز ما يرى منه عما لا يرى، كما قاله السلف في قوله تعالى:{لا تدركه الأبصار..}، قالوا: لا تحيط به، وقيل لابن عباس رضي الله عنه: أليس الله تعالى يقول:{ لا تدركه الأبصار} قال: ألست ترى السماء قال بلى قال أفكلها ترى قال لا فذكر أن الله يرى ولا يدرك أي لا يحاط به ونحو ذلك.."، ثم قال:" فهذا الوجه من الإمتياز متفق على إثباته، كما أن الأول متفق على نفيه، وأما الإمتياز في نفس الأمر من غير قبول تفرق وانفصال، كتميز العلم عن القدرة وتميز الذات عن الصفة وتميز السمع عن البصر وتميز ما يرى منه عما لا يرى ونحو ذلك وثبوت صفات له وتنوعها، فهذا مما تنفيه الجهمية نفاة الصفات، وهو مما أنكر السلف والأئمة نفيهم له، كما ذكر ذلك أئمة المسلمين المصنفين في الرد على الجهمية كالإمام أحمد رضي الله عنه في رده على الجهمية وغيره من أئمة المسلمين.."،
المطلب الرابع: ذكر الأدلة على مشروعية لفظ البعض ونحوه:وعامة هذه الأدلة قد ذكرها شيخ الإسلام وإنما رتبتها ونقحتها ثم زدت عليها شيئا، وهي على نوعين:
النوع الأول: من الإجماع على تعريف الصفة وحقيقتِها عند السلف: فقد قال بعضهم: إن حقيقة الصفات أنها ليست غير الله تعالى كما تدَّعي الجهمية، بل الصفة لله تعالى نفسُه، ولا يجوز أن يُقال هي غيره أصلا،
بينما قالت طوائف أخرى من السلف أن حقيقة الصفات: هي بعض الموصوف وهو الله تعالى، وفي هذا إطلاق لفظ البعض على صفات الله تعالى، ولا يجوز باتفاق السلف أن يقال مثلا أنَّ صفةَ العلم أو الكلام أو السمع أو غير ذلك هي الله نفسُه، لأن هذا قول أبو الهذيل وأتباعه من الجهمية أعداء الدين، لأن هذه الصفات متغايرة وكلها من ذات الله تعالى جل في علاه، ومن قال غير ذلك فقد كذب على السلف، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى الكبرى (6/405):" وأما أهل السنة والإثبات فقد ظهر كذب النقل عنهم، وأما إطلاق القول بأن الصفة بعض الموصوف، أو أنها ليست غيره، ـ أي ليست غير الله ـ فقد قال ذلك طوائف من أئمة أهل الكلام وفرسانهم"، ثم ذكر أن هذا الخلاف لفظي فقال:" بل كثير من المنازعات يكون لفظيا أو اعتباريا، فمن قال إن الأعراض بعض الجسم، أو أنها ليست غيره، ومن قال إنها غيره يعود النزاع بين محققيهم إلى لفظ واعتبار وإختلاف اصطلاح في مسمى بعض وغيره كما قد أوضحنا ذلك في بيان تلبيس الجهمية"،
وقال القاضي أبو يعلى في إبطال التأويلات عن حديث:" أبدى عن بعضه" قال:" وجواب آخر وهو أنه لو جاز أن يحمل قوله وإذا أبدى عن بعضه على بعض آياته لوجب أن يحمل قوله أراد أن يدمر على قوم تجلى لها على جميع آياته، ومعلوم أنه لم يدمر قرية بجميع آياته لأنه قد أهلك بلادا، كل بلد يغير ما أهلك به الآخر، وكذلك قال الإمام أحمد فيما أخرجه في الرد على الجهمية لما ذكر قول جهم قال فتأول القرآن على غير تأويله وكذب بأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم وزعم أن من وصف من الله شيئا مما يصف به نفسه في كتابه أو حدث عنه رسوله كان كافرا، فبين أحمد في كلامه أن من الله ما يوصف، وأنه يوصف بذلك، فذلك موصوف والرب موصوف به، وهذا كلام سديد، فإن الله في كلامه وصف ما وصف من علمه وكلامه وخلقه بيديه وغير ذلك وهو موصوف بهذه المعاني التي وصفها ولذلك سميت صفات، فإن الصفة أصلها وصفة مثل جهة أصلها وجهة وعدة وزنة أصلها وعدة ووزنة وهذا المثال وهو فعله قد يكون في الأصل مصدرا كالعدة والوعد فكذلك الصفة وموصف وقد يكون بمعنى المفعول كقولهم حلية ووجهه وشرعة وبدعة، فإن فعلا يكون بمعنى المفعول كقوله { بذبح عظيم } أي بمذبوح والشرعة المشروعة والبدعة والوجة هي الجهة التي يتوجه إليها فكذلك قد يقال في لفظ الصفة إن لم تنقل عن المصدر أنها الموصوفة"،
النوع الثاني: ذكر الأدلة النقلية: حيث ذكر شيخ الإسلام أن لفظ البعض من الألفاظ المشتركة فقال في معرض نقله لكلام الرازي وردّه عليه حين ادعى أن الصفة غير الموصوف ونفى إطلاق الصفة على بعض الموصوف، قال :" وبين ـ الرازي ـ ذلك على أن ثبوتها يستلزم افتقار الرب تعالى إلى غيره، وتركيبه من الأبعاض، وبيّنا ما في ذلك من الألفاظ المشتركة الجملة، فهذا إن كان أحد أطلق لفظ البعض على الذات وغيره من الصفات، وقال إنه بعض الله، وأنكر ذلك عليه لأن الصفة ليست غير الموصوف مطلقا، وإن كان الإنكار لأنه لا يقال في صفات الله لفظ البعض"، ثم تعقبه شيخ الإسلام فقال:" فهذا اللفظ ـ البعض ـ قد نطق به أئمة الصحابة والتابعين وتابعيهم ذاكرين وآثرين"، ثم استدل شيخ الإسلام بعدة أدلة أنا ذاكرها بإطناب:
الدليل الأول: كل الآيات القرآنية والأحاديث النبوية التي فيها لفظ" من"، التبعيضية التي وضعها العرب للتبعيض، وهم الذين نزل القرآن بلغتهم، ونظرا لكثرة الأدلة في ذلك أكتفي بقوله تعالى:{ وأتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما}، قال ابن تيمية:".. ونحو ذلك مما استعملوا فيه لفظ" من" وإن قال قائل معناها التبعيض فهو تبعيض بهذا الإعتبار"، وقد مر تبيين الإعتبار المشروع.
الدليل الثاني: قال الله تعالى عن عبده داود عليه السلام:{ فغفرنا له ذلك وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب}، والزلفى هي القرب من الله تعالى، كما قال عبد الله بن الإمام أحمد في السنة (2/475) حدثني أبو معمر نا سفيان عن حميد يعني الأعرج عن مجاهد عن عبيد بن عمير ( وإن له عندنا لزلفى ) قال: « يقول أدنه أدنه إلى موضع الله أعلم به»، وقد بُيّن هذا الموضع، وهو من ذات الله تعالى:
فقال ابن تيمية: وهذا متواتر عن هؤلاء، وممن رواه الإمام أبو بكر أحمد بن عمرو بن أبي عام النبيل في كتاب السنة حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة عن وكيع عن سفيان عن منصور عن مجاهد بن عبيد بن عمير { وإن له عندنا لزلفى } قال ذكر الدنو منه حتى أنه يمس بعضه"، وقال حدثنا أبو بكر حدثنا ابن فضيل عن ليث عن جاهد: {عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا } قال: يقعده معه على العرش"،
قلت: أما حديث القعود العرش فهو مجمع عليه، قد ذكرت طرقه في مبحث مستقل كبير،
وأما حديث البعض، فقد خرجه الخلال أيضا في السنة 320 قال: حدثنا أبو بكر حدثنا أبو بكر بن خلاد الباهلي حدثنا وكيع حدثنا سفيان عن منصور عن مجاهد عن عبيد بن عمير: {وإن له عندنا لزلفى} قال: ذكر الدنو حتى يمس بعضه"، وقال عبد الله بن أحمد في السنة 2/503 حدثني عبد الله بن عمر أبو عبد الرحمن نا وكيع عن سفيان عن منصور عن مجاهد عن عبيد بن عمير:{ وإن له عندنا لزلفى} قال: ذكر الدنو منه حتى ذكر أنه يمس بعضه"، وقال عبد الله وحدثني أبو معمر نا وكيع عن سفيان عن منصور عن مجاهد عن عبيد بن عمير ( وإن له عندنا لزلفى ) قال: « يقول الرب عز وجل لداود : أدنه حتى يضع بعضه على بعضه»، هذا أثر صحيح، وقد رواه الحسن بن عرفة نا علي بن ثابت الجزري عن المكيين عمرو بن دينار وغيره في قوله:{ وإن له عندنا لزلفى وحسن ماب } قال:" لا يزال يدنيه حتى يمس بعضه"، وقد فُسِّر هذا البعض، وهو قدم الرب جل في علاه، والله أعلم.
فروى السدي عن أبي مالك عن ابن عباس في قوله:{ وإن له عندنا لزلفى} قال: "يدنو منه حتى يقال له خذ بقدمي"،
الدليل الثالث:قال عبد الله في السنة 2/470 حدثني أبي نا أبو المغيرة الخولاني نا الأوزاعي نا يحيى بن أبي كثير عن عكرمة قال: « إن الله عز وجل إذا أراد أن يخوف عباده أبدى عن بعضه إلى الأرض، فعند ذلك تزلزل، وإذا أراد أن تدمدم على قوم تجلى لها»، هذا أثر صحيح عن عكرمة من رواية الثقات عنه، وله حكم الرفع فيكون مرسلا، وقد ورد متصلا إلى ابن عباس، فقال شيخ الإسلام: قال أبو القسم الطبراني في كتاب السنة : حدثنا حفص بن عمرو حدثنا عمرو بن عثمان الكلابي حدثنا موسى بن أعين عن الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن عكرمة عن ابن عباس قال : إذا أراد الله أن يخوف عباده أبدا عن بعضه للأرض فعند ذلك تزلزلت، وإذا الله أن يدمدم على قوم تجلى لها عز وجل"، حفص بن عمرو إما أن يكونَ الربالي وهو ثقة مشهور في هذه الطبقة، وإن كان هو ابن الصباح فقد وثقه ابن حبان وهو يعرفه لأنه قال: يعرف بمشيخة ألف، وأما عمرو بن عثمان الكلابي فمختلف فيه، قال عنه أبو حاتم: يتكلمون فيه، وتركه الأزدي والنسائي، بينما قال عنه ابن عدي: له أحاديث صالحه عن زهير وغيره، وقد روى عنه ناس من الثقات وهو ممن يكتب حديثه"، وذكره ابن حبان في الثقات"، وهذا يعني أنه ممن يُعتبر بحديثه، وأظنه قد توبع فقد قال القاضي أبو يعلى في إبطال التأويلات 1/341:" ورواه ابن فورك عَن يَحْيَى بْن أَبِي كثير عَن عكرمة عَنِ ابْنِ عَبَّاس:" إن اللَّه تبارك وتعالى إِذَا أراد أن يخوف أهل الأرض أبدى عَن بعضه، وإذا أراد أن يدمر عليهم تجلى لَها"، والحديث حسن له حكم الرفع، وله شاهدان آخران من حديث ابن عباس فيهما التجلّي لبعضٍ من ذات الله إلى خلقه كما في:
الدليل الرابع:ذكره أيضا شيخ الإسلام في أدلة البعض عن الله تعالى فقال: وقال أبو بكر بن أبي عاصم حدثنا حسين بن الأسود حدثنا عمرو بن محمد العنقري حدثنا أسباط عن السدي عن عكرمة عن ابن عباس: { فلما تجلى ربه للجبل }قال:" ما تجلى منه إلا مثل الخنصر، قال: فجعله دكا، قال: ترابا، وخر موسى صقعا، غشي عليه، فلما أفاق قال: سبحانك تبت إليك عن أن أسألك الرؤية.. "، وقال شيخ الإسلام: ورواه البيهقي في كتاب إثبات الرؤية له أخبرنا محمد بن عبدالله الحافظ حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب حدثنا محمد بن إسحاق يعني العدفاني حدثنا عمرو بن طلحة في التفسير حدثنا أسباط عن السدي عن عكرمة عن ابن عباس أنه قال : تجلى منه مثل طرف الخنصر فجعله دكا"، قال: والصغاني ومن فوقه إلى عكرمة روى لهم مسلم في صحيحه، وعكرمة روى له البخاري في صحيحه"، وقد خرجه الطبري في تفسيره بلفظ:" ما تجلى منه إلا قدر الخنصر"، وخرجه عبد الله في السنة 2/527 بلفظ:" عن ابن عباس في قول الله عز وجل فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا قال ما يرى منه إلا بقد طرف الخنصر"، وهو حديث صحيح صريح في أنه لم يتجل من الله إلا بعض منه وهو قدر الخنصر، وله شاهد صحيح من حديث أنس:
فقال شيخ الإسلام: وقد جاء في الأحاديث المرفوعة في تجليه سبحانه للجبل ما رواه الترمذي في جامعه 3074 حدثنا عبد الله بن عبدالرحمن أبنأنا سليمان بن حرب حدثنا حماد بن سملة عن ثابت بن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ هذه الآية : { فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا } ] قال حماد هكذا، وأمسك سليمان بطرف إبهامه على أنملة أصبعه اليمنى قال فساخ الجبل وخر موسى صقعا"، قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب صحيح لا نعرفه إلا من حديث حماد بن سلمة"، قلت: لفظ أحمد في مسنده 3/125: عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى { فلما تجلى ربه للجبل } قال: قال هكذا، يعني أنه أخرج طرف الخنصر"، وللحاكم:" ووضع الإبهام على مفصل الخنصر الأيمن"، قال عبد الله: قال أبي: أرانا معاذ، قال: فقال له حميد الطويل: ما تريد إلى هذا يا أبا محمد؟ قال: فضرب صدره ضربة شديدة وقال: من أنت يا حميد، وما أنت يا حميد، يحدثني به أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم فتقول أنت ما تريد إليه"، وفي لفظ للحاكم في مستدركه:" بدا منه قدر هذا"، ولابن خزيمة في التوحيد1/259 :" وأشار بالخنصر من الظفر يمسكه بالإبهام"،
الدليل الخامس: قال الله تعالى: { لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ}، وقد حمل السلف هذه الآية على وجهين: أحدهما نفي رؤية الله تعالى في هذه الدار الدنيا، والوجه الثاني: أن تشمل الآية يوم القيامة لكن ليس لأحد أن يرى كل ذات الله تعالى ولا يحيط بها علما ولا رؤية، لكن يرون بعضها فقط، فقال ابن كثير: وقال آخرون: { لا تُدْرِكُهُ الأبْصَارُ } أي: جميعها، وهذا مخصص بما ثبت من رؤية المؤمنين له في الدار الآخرة، وقال قتادة: هو أعظم من أن تدركه الأبصار"، وقال عطية:" قال: هم ينظرون إلى الله، لا تحيط أبصارهم به من عظمته، وبصره يحيط بهم"، ويشهد لهذا ما في:
الدليل السادس: قال شيخ الإسلام ابن تيمية مستدلا على إطلاق لفظ البعض: وقال الإمام أبو بكر بن أبي عاصم في كتاب السنة حدثنا فضيل بن سهل حدثنا عمرو بن طلحة القناد حدثنا أسباط بن نصر عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس قال: { ولقد رآه نزلة أخرى } قال إن النبي صلى الله عليه وسلم رأى ربه فقال له رجل: أليس قد قال الله تعالى: { لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار } فقال له عكرمة أليس ترى السماء؟ قال بلى قال أفكلها ترى؟ "، تابعه زهير بن محمد وهارون بن إسحاق والعباس بن محمد والرمادي عن عمرو بن طلحة مثله، خرجه عنهم الآجري والدارقطني في الرؤية ص 187، وهو حديث حسن وفيهخ من الإعتقاد ما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية:" ففي هذه أن عكرمة أخبر قدام ابن عباس أن إدراك البصر هي رؤية المدرك كله دون رؤية بعضه، فالذي يرى السماء ولا يراها كلها ولا يكون مدركا لها وجعل هذا تفسيرا لقوله : { لا تدركه الأبصار } وأقره ابن عباس على ذلك، ومع هذا هؤلاء الذين نقل عنهم هذا اللفظ فقد نقل عنهم أيضا إنكار تبعضه سبحانه وتعالى وبين الناقلون معنى ذلك"،
المطلب الخامس: كلام بعض العلماء: بعد أن خرج القاضي أبو يعلى حديث ابن عباس: أبدى عن بعضه"، قال:" قوله أبدى عن بعضه، فهو على ظاهره وأنه راجع إلى الذات إذ ليس في حمله على ظاهره وأنه راجع إلى الذات، ما يحيل صفاته ولا يخرجها عما تستحق، فإن قيل: بل في حمله على ظاهره ما يحيل صفاته لأنه يستحيل وصفاته بالكل والبعض والجزء فوجب حمله على إبداء بعض آياته وعلاماته تحذيرا وإنذارا قيل لا يمتنع إطلاق هذه الصفة على وجه لا يفضي إلى التجزئة والتبعيض كما أطلقنا تسمية يد ووجه لا على وجه التجزئة والتبعيض وإن كنا نعلم أن اليد في الشاهد بعض الجملة"، قلت: وكأن هذا الكلام مثل كلام ابن تيمية الماضي من إطلاق لفظ البعض باعتبار العلم بالله وبصفاته أو بعضها، والنهي عن البعض الذي مر تفسيره عن نعيم بن حماد وابن تيمية، الذي بمعنى الفصل والتجزئة، وأن بعضه في مكان والبعض في مكان آخر تعالى الله من ذلك علوا كبيرا، والله الهادي إلى الصواب.
كتبه أبو عيسى الزياني الجزائري
---
0 comments:
إرسال تعليق