مخالفة الأشاعرة لأهل السنة في صفة القدرة
عبد الله الخليفي
عبد الله الخليفي
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد :
فإن من المهم لطالب العلم التعرف على مقالات الناس ودواعي القول بها ليسهل عليه نقضها وليعرف الفرق بين أهل السنة وغيرهم
قال شيخ الإسلام كما في مجموع الفتاوى (7/387):" لكن أحمد كان أعلم بمقالات الناس من غيره "
قال الشيخ السعدي في تيسير اللطيف المنان ص269 :" أن من أكبر نعم الله على عبده أن يرزقه العلم النافع، ويعرف الحكم بين الناس في المقالات والمذاهب، وفي الخصومات والمشاحنات كما قال تعالى: " وآتيناه الحكمة وفصل الخطاب "
ومن الأخطاء التي تشيع بين طلبة العلم دعوى موافقة الأشاعرة لأهل السنة في صفة القدرة وهذا غلط إذ أن الأشاعرة يخالفون أهل السنة في هذه الصفة من وجهين
الأول : طريقتهم للإستدلال لهذه الصفة إذ أنهم يعتمدون الأدلة العقلية في إثباتها ولا تذكر النصوص الشرعية إلا اسئناساً ولو اكتفوا بالأدلة الشرعية لألزمهم المعتزلة بإثبات بقية الصفات لأن ظواهر النصوص تدل عليها أيضاً لهذا جعل الأشاعرة العقل هو الأساس
الثاني : تخصيصهم للقدرة بالمخلوقات
قال الشيخ علي النوري في عقيدته :" وَالإِرَادَةُ التِّي يُخَصِّصُ تَعَالَى بِهَا المُمْكِنَ بِمَا شَاءَ.
وَالقُدْرَةُ التِّي يُثْبِتُ تَعَالَى بِهَا أَوْ يُعْدِمُ مَا أَرَادَ مِنْ المَمْكِنَاتِ.
وَبُرْهَانُ وُجُوبِ اتِّصَافِهِ تَعَالَى بِهِذِهِ الصِّفَاتِ أَنَّهُ لَوْ انْتَفَى شَيْءٌ مِنْهَا لَمْ تُوجَدِ الحَوَادِثُ "
قلت : الممكنات يقابلها المستحيلات
ويقابلها أيضاً الواجب _ وواجب الوجود هو الله عز وجل عند القوم _
ومن هنا جاء قول السيوطي في تفسير الجلالين :" (وهو على كل شيء قدير ) ومنه إثابة الصادق وتعذيب الكاذب وخص العقل ذاته فليس عليها بقادر" ووافقه الشربيني في تفسيره
كلام السيوطي هذا ناشيء عن فهمه لعقيدة قومه فإن ذات الله عز وجل وصفاته الذاتية ليست من الممكنات
ومن هنا جاء قول عبد الله الحبشي الهرري في قوله تعالى {إِنَّ اللَّه عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} بأن هذه الآية "لا تعني أن الله على كل شيء قدير، لأن (كل) لا تفيد التعميم هنا، فيصير قادراً على نفسه، وإنما المعنى أن الله قادر على أكثر الأشياء وليس على كل شيء قدير. ولأن الله غير قادر على الظلم، لأن الظلم ممتنع على الله" (إظهار العقيدة السنية 40 بشرح العقيدة الطحاوية).
وقد صرح شيخ الإسلام ابن تيمية أن مذهب الأشاعرة والكلابية في القدرة أنها لا تتعلق بصفات الله عز وجل
قال شيخ الإسلام كما في مجموع الفتاوى (6/220) :" يقولون _ يعني الأشاعرة _ هو متصف بالصفات التي ليس له عليها قدرة , ولا تكون بمشيئته ؛ فأما ما يكونبمشيئته ؛ فإنه حادث , والرب تعالى لا تقوم به الحوادث ويسمون الصفات الاختيارية بمسألة حلول الحوادث فإنه إذا كلم موسى بن عمران بمشيئته وقدرته , وناداه حينأتاه بقدرته وبمشيئته كان ذلك النداء , والكلام حادثاً .
قالوا : فلو اتصف الرببه لقامت به الحوادث .
قالوا : ولو قامت به الحوادث لم يخل منها و ما لم يخل منالحوادث فهو حادث "
قلت : فعدم تعلق القدرة بالذات من باب أولى
والآن مع نقض أهل السنة على القوم :
قال شيخ الإسلام كما في مجموع الفتاوى (18/144 ) :"وكذلك قوله تعالى ( وقال الذي آمن يا قوم إنى أخاف عليكم مثل يوم الأحزاب مثل دأب قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم وما الله يريد ظلما للعباد ) يبين أن هذا العقاب لم يكن ظلما لإستحقاقهم ذلك وأن الله لا يريد الظلم والأمر الذى لا يمكن القدرة عليه لا يصلح أن يمدح الممدوح بعدم إرادته وإنما يكون المدح بترك الأفعال إذا كان الممدوح قادرا عليها فعلم أن الله قادر على ما نزه نفسه عنه من الظلم وأنه لا يفعله وبذلك يصح قوله ( إنى حرمت الظلم على نفسى ( وأن التحريم هو المنع وهذا لا يجوز أن يكون فيما هو ممتنع لذاته فلا يصلح أن يقال حرمت على نفسى أو منعت نفسى من خلق مثلى أو جعل المخلوقات خالقة ونحو ذلك من المحالات وأكثر ما يقال فى تأويل ذلك ما يكون معناه إنى أخبرت عن نفسى بان ما لا يكون مقدورا لا يكون منى وهذا المعنى أخبرت عن نفسى بان ما لا يكون مقدورا لا يكون منى وهذا المعنى مما يتيقن المؤمن أنه ليس مراد الرب وأنه يجب تنزيه الله ورسوله عن إرادة مثل هذا المعنى الذى لا يليق الخطاب بمثله إذ هو مع كونه شبه التكرير وإيضاح الواضح ليس فيه مدح ولا ثناء ولا ما يستفيده المستمع فعلم أن الذى حرمه على نفسه هو أمر مقدور عليه لكنه لا يفعله لأنه حرمه على نفسه وهو سبحانه منزه عن فعله مقدس عنه "
وقال الشيخ ابن عثيمين في الشرح الممتع (5/221):" وقول صاحب تفسير الجلالين في قوله تعالى في سورة المائدة: )لله ملك السماوات والأرض وما فيهن وهو على كل شيء قدير) (المائدة:120)
قال: "خص العقل ذاته فليس عليها بقادر"، فهذا القول منكر، وذلك؛ لأن قوله: "خص العقل ذاته" نقول: أين العقل الذي خص ذاته بأنه ليس قادرا عليها، أليس الله يفعل ما يريد؟!
والفاعل لما يريد يفعل بنفسه؛ فهو قادر على أن يفعل ما شاء وأن يدع ما شاء.
نعم الشيء الذي لا يليق بجلاله لا يمكن أن يكون متعلق القدرة؛ لأن أصل القدرة لا تتعلق به.
كما لو قال قائل: هل يقدر الله على أن يخلق مثله؟
نقول: هذا مستحيل؛ لأن المثلية ممتنعة، فلو لم يكن من انتفاء المماثلة إلا أن الثاني مخلوق والأول خالق.
والأول: واجب الوجود.
والثاني: ممكن الوجود"
قلت : وبقي أن نقول أن المستحيل الممتنع ليس بشيء فلا يورد على قوله تعالى :" وهو على كل شيء قدير "
قال ابن القيم في مفتاح دار السعادة (1/129_130) :" وقد رويت هذه الحكاية على وجه آخر وإنهم سألوا العابد فقالوا هل يقدر ربك أن يخلقمثل نفسه فقال لاادري فقال اترونه لم تنفعه عبادته مع جهله وسألوا عن ذلك فقال هذهالمسألة محال لأنه لو كان مثله لم يكن مخلوقا فكونه مخلوقا وهو مثل نفسه مستحيلفإذا كان مخلوقا لم يكن مثله بل كان عبدا من عبيده وخلقا من خلقه"
ومن هذا يعلم مخالفة الأشاعرة لأهل السنة في صفة القدرة بل هم مخالفون لهم أيضاً في صفة الكلام إذ لا يثبتون إلا الكلام النفسي ولا يثبتون الكلام الذي يعرفه العقلاء المتصف بالحرف والصوت ويخالفون أهل السنة في صفتي السمع والبصر إذ لا يثبتون إلا السمع والبصر القديمان وأما الأفراد الحادثة فلا يثبتونها لشبهة حلول الحوادث عندهم وكذا قولهم في صفتي العلم والإرادة
مع التنبه على الخلل عندهم في منهج الإثبات إذ الإعتماد عندهم على العقل
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم
المصدر : شبكة سحاب السلفية
0 comments:
إرسال تعليق