بسم الله الرحمن الرحيم
خصوم الأزهر محاولة للترتيب الصحيح
كتبه/ عبد المنعم الشحات
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
"الأزهر" هو كبرى المؤسسات العلمية في العالم الإسلامي، ومناهجه الرسمية منذ عصر "صلاح الدين الأيوبي" -رحمه الله- قائمة على المذاهب الأربعة في الفقه، وعلى المنهج الأشعري في العقيدة. وأشعرية الأزهر هي الثغرة التي نفذ منها خصوم الإسلام؛ لكي يوقعوا العداوة بين "الأزهر" و"الصحوة الإسلامية" -التي تقوم معظم فصائلها على مرجعية سلفية- حتى ينشغل الفريقان؛ كل منهما بالآخر ويتركون مواجهتهم.
وفي هذا المقال نحاول التعريف الإجمالي بقصة المذهب الأشعري وكيف دخل "الأزهر", كما نذكر رجال الأزهر بأن أمامهم خصومًا كثيرين, ينهشون في الأمة ويناقضون المذهب الأشعري الذي يعتقدونه, وأنه إذا كان هناك اتفاق على أن المذهب الأشعري نشأ كطريقة للانتصار للمنهج السلفي أمام تيار الفلسفة والعقلانية المعتزلية، فانحرف عن منهج السلف في بعض قضاياه فمن غير المعقول أن يهادن رجال الأزهر العقلانية ويعادوا السلفية.
أولاً: نشأة المذهب الأشعري:
يعترف علماء الأشاعرة بأن مذهبهم نشأ بعد انخرام عصر الصحابة والتابعين ومن ثم ينسبونه إلى "أبي الحسن الأشعري" -رحمه الله- فهو عندهم مؤسس هذا المذهب؛ وذلك أن القرن الثالث الهجري قد شهد ظهور الكثير من الفرق والبدع....
فعلى المسار العقلي ظهرت الفلسفة فتصدت لها المعتزلة فكانوا أهون منهم شرًا، ولكنهم كانوا وبالا على السنة والأثر, بل والعقل بما دانوا به من متناقضات حتى انقلب عليهم أحد أنجب أتباعهم وهو الإمام "أبو الحسن الأشعري" الذي رام الرجوع إلى السنة بيد أنه عاد إليها محملا ببعض بقاياها مما جعل مذهبه وسطا بين أهل السنة والمعتزلة. وذهب "أبو منصور الماتريدي" إلى نفس ما ذهب إليه "الأشعري" وسبقهما "ابن كلاب" بيد أن "الأشعري" كان هو أشهر الثلاثة, وبين الثلاثة فروق طفيفة ولكن هذا لم يمنع أتباعهم من أن يجعلوهم ثلاثة مذاهب مستقلة
ومن العوامل التي أدت إلى انتشار مذهب الأشعري, أنه بعد وفاة الإمام "أحمد" عاود المعتزلة نشاطهم في الدعوة إلى بدعة خلق القرآن وهي بدعة منكرة؛ أدركت الأمة خطورتها بيد أنها كانت في حاجة إلى من يرد الشبه عنها ووجد الكثيرون في التصدي العلني السافر من الأشعري للمعتزلة ملاذا يلوذون إليه من هذه البدعة.
ومن الجدير بالذكر أن الإمام الأشعري قد استمر في دراسته؛ حتى تخلص مما بقى عنده من مورثات الاعتزال في كتابيه "مقالات الإسلاميين" و"الإبانة عن أصول الديانة" وعاد تمامًا إلى المنهج السلفي بيد أن مذهبه في الفترة الوسيطة من حياته كان قد ذاع وانتشر وما زال المنتسبون إلى المذهب الأشعري ينكرون نسبة هذين الكتابين إلى الإمام الأشعري رغم ثبوت نسبتهما إليه.
ثانيًا: كيف دخل المذهب الأشعري الأزهر:
شهد القرن الثالث الهجري -بالإضافة إلى بدع الفلسفة الرومانية والعقلانية المعتزلية- انتشار الفلسفات الفارسية الباطنية الممزوجة بعقائد الشيعة, وحاولوا هدم الدين بالتأويلات الباطلة وتمكنوا من معظم العالم الإسلامي فسيطر الفاطميون على مصر والشام, هذا فضلا عن سيطرة القرامطة وغيرهم على أجزاء من الحجاز والعراق.
وعلى صعيد آخر انتشرت الباطنية الذين يريدون هدم الدين بالتأويلات الباطلة وتمكنوا من معظم العالم الإسلامي فسيطر الفاطميون على مصر والشام هذا فضلا عن سيطرة القرامطة وغيرهم على أجزاء من الحجاز والعراق.
وقامت صحوة إسلامية مضادة في العراق, قادها الوزير "نظام الملك" بالتعاون مع إمام الحرمين "الجويني" الذي كان فقيها شافعيا عظيم الشأن, ولكنه انتحل مذهب الأشعري في العقيدة.
وعلى الرغم من أن "الجويني" قد لحق بإمامه "الأشعري" في الرجوع إلى الحق، فإنه أيضا كان في اللحظات الأخيرة من حياته التي لم يكتب لها أن تترجم إلى أرض الواقع.
وخلف "الجويني" "الغزالي" والذي شابهت قصته قصة إماميه من قبل, مع تنوع في المذاهب التي نقضها بيد أنه أوجد قدرًا من المصالحة بين "الأشعرية" و"الصوفية" والتي ما زالت آثارها باقية حتى الآن وهي مصالحة تبدو غير منطقية بين فريق متطرف في إعمال العقل وآخر متطرف في إقصائه.
ورجع "الغزالي" إلى السنة في آخر حياته, كرجوع شيخه "الجويني" وهو الرجوع الذي لم يكتب له أن يترجم عمليا هو الأخر.
وقد كتب الله لهذه المدرسة الإصلاحية النظامية أن يقود أحد قادتها الجهاد ضد الصليبيين وهو "عماد الدين زنكي" الذي أدرك أن جهاد الصليبين لا يتم إلا بجهاد الباطنية, ثم خلفه ابنه "نور الدين محمود", ثم خلفه أحد أبرز قواده "صلاح الدين الأيوبي".
و"صلاح الدين الأيوبي" هو الذي قضى على الدولة الفاطمية في مصر، ومن جملة ما قام به للقضاء على هذا المذهب منع تدريس المناهج الباطنية في "الأزهر" -المسجد الذي أسسه الفاطميون من قبل لنشر الفكر الباطني- واستبدالها بالمذاهب السنية الأربعة في الفقه والمذهب الأشعري في العقيدة.
وكان لنجاح قادة المدرسة النظامية في قيادة الأمة أثر كبير في انتشار الفكر الأشعري في العالم الإسلامي أجمع.
ثالثًا: السلفية تستعيد زمام الأمور وترفض التحالف مع الأمراء ضد الأشعرية:
استمر انتشار المد الأشعري مدفوعا بقوة دفع الانتصار على الصليبيين, وانتشر معه المد الصوفي مستفيدا من قوة الدفع التي حصل عليها نتيجة تقديم الغزالي لصورة تصوف جديدة سميت بالتصوف السني، بيد أنه لم يخلص التصوف الفلسفي من كل أفاته وبقى تصوفه هو الآخر كعقيدته لا هو سني ولا هو فلسلفي.
واستثمر الصوفية الفلسفية هذه الهدنة وعاودوا الانتشار لا سيما مع ظهور "ابن عربي" والذي أعاد فكر "الحلاج" بطريقة فلسلفية أكثر عمقًا, إلى أن أفاقت الأمة على فاجعة "التتار" فكان "شيخ الإسلام" لها بالمرصاد وازداد رصيده عند الأمة علمائها وأمرائها وعامتها وأعاد نشر منهج السلف منتقدا كلا من الشيعة والفلاسفة والصوفية الفلسفية والمعتزلة والأشاعرة وأمسك بيده ميزان العدل فلم ينسب لطائفة ما لا تعتقده ولم يسو بينها في الولاء والبراء بل أثنى كثيرًا على رموز الأشاعرة بما عندهم من حق, بطريقة استعصت على فهم البعض إذ كيف يثنى عليهم في الوقت الذي يبدّع منهجهم ويفنده, ومن علم قاعدة "شيخ الإسلام" في الولاء والبراء وأن المسلم يُحَب لما معه من السنة ويُبْغَض لما معه من البدعة والمعصية؛ تبينت له النكتة في المسألة.
ولذلك ومع قدرة "ابن تيمية" على تحريك الجيوش، إلا أنه حركها ضد "التتار" ولم يحركها لمحاربة الأمراء الذين يحمون المذهب الأشعري والذين سجنوه أكثر من مرة استجابة لوشاية الأشاعرة، بل حينما واتت الفرصة "شيخ الإسلام" لكي ينتقم من علماء الأشاعرة لانقلاب السلطان عليهم؛ وقف "شيخ الإسلام" موقف المدافع عنهم لعلمه بأن الأمة محتاجة إلى فقههم ولكون السلطان كان يريد أن يستصدر منه فتوى ظالمة بقتلهم لخصومة شخصية بينهم وبينه والواجب ردهم إلى السنة لا قتلهم ظلما وعدوانا, فمع أنهم سعوا في قتله إلا أنه سعى في حقن دمائهم.
الحاصل: أن هذا المسلك من "ابن تيمية" ومن جاء بعده من السلفيين؛ ساهم في انتقال عدد كبير ممن درس في هذه المساجد أو الجامعات إلى المنهج السلفي, من أبرزهم بالنسبة لـ "الأزهر" الشيخ "محمد خليل هراس" العميد الأسبق لـ "كلية أصول الدين جامعة الأزهر" وإن بقى المذهب الأشعري هو المذهب الرسمي في معظمها ومنها "الأزهر".
رابعا: هل التزم جميع خريجي الأزهر ورموزه بهذه التركيبة "الفقه السني والعقيدة الأشعرية"؟
الواقع أن رموز "الأزهر" الكبار عبر التاريخ اختلفت مشاربهم:
- فعلى الصعيد العقدي: وجد من مال إلى مذهب الفلاسفة لا سيما بعد افتتاح قسم الفلسفة في الجامعة الأزهرية.
- ومنهم من قبل بالمذهب الشيعي كمذهب فقهي خامس, رغم أن الأساس الذي قامت عليه المدرسة النظامية التي أدخل رجالها المنهج الأشعري إلى الجامعة الأزهرية هو نقد الشيعة.
- ومنهم من تردد بين السلفية والأشعرية كالشيخ "أبو زهرة".
- ومنهم من اختار السلفية كالشيخ "محمد خليل هراس".
- ومنهم من قبل بالصوفية حتى الصوفية الفلسفية, وهذا فيه غاية المناقضة لمنهج الأشاعرة.
- ومنهم من قبل بالغلو في الصالحين ومظاهر شرك القبور. وهي مسألة؛ مقتضى أصول الأشاعرة المتقدمين على "الغزالي" إنكارها بل لا يمكن أن ينسب إقرارها إلى "الغزالي" رغم مسئوليته عن المصالحة الأشعرية الصوفية بصفة عامة.
- وعلى الصعيد الفقهي: ورغم التماسك النسبي في هذا الجانب بصفة عامة رموز "الأزهر" وجد لا سيما في العصور المتأخرة من شذ إلى اعتماد مناهج عقلانية في الفتوى غير موجودة في مذاهب الأئمة الأربعة، ورفع كثير من شيوخ الأزهر لواء الترخص في الفتوى؛ فأفتوا بفتاوى غير موجودة في المذاهب الأربعة بل ولا في مذاهب أحد من أهل السنة، ودافع بعضهم عن الموسيقى والغناء وفوائد البنوك وغيرها من الفتاوى العملية الشاذة لا سيما ذات الطابع السياسي.
ومن ثمَّ صارت هناك قضايا خلافية بين دعاة السلفية وبعض رموز الأزهر يمكن إجمالها فيما يلي:
- كل قضايا المنهج الأشعري مقارنة بمنهج السلف الذي يسمونه هم "الحنبلي" ومن أبرزها مسائل الصفات.
- قضية شرك القبور.
- قضية الترخص في الفتوى.
ومن الجدير بالذكر أنه يوجد جمع كبير من علماء الأزهر وطلابه يدينون بالمنهج السلفي في كل هذه القضية أو بعضها على الأقل.
بل إن أجرينا إحصائية على خريجي الأزهر -واستبعدنا من يتخرجون وهم لا يدرون أشعرية من سلفية- سنجد أن السلفيين من خريجي الأزهر أضعاف أضعاف الأشاعرة والحمد لله رب العالمين.
وعلى الرغم من ذلك كله فإن السلفية لم تعمد يوما ما إلى إضعاف "الأزهر". بل إن السلفية تكاد تبحث في أي مسألة عمن وافق الحق فيها من شيوخ الأزهر لكي تنشر كلامه لما للأزهر من قبول عند الناس.
ومن الأمثلة على ذلك كتاب فقه السنة للشيخ "سيد سابق" وهو شيخ أزهري لا يكاد يتداول إلا بين أيدي أبناء الصحوة الإسلامية
وفتوى الشيخ "نصر فريد واصل" في حرمة التدخين لم يطبعها على نفقته إلا أبناء الصحوة الإسلامية.
وعندما وافق بعض علماء الأزهر المجتمع الدولي في تحريم ختان الإناث هرعت الدعوة إلى نشر فتوى الشيخ "جاد الحق" -رحمه الله-.
ونشرت جماعة "أنصار السنة" فتاوى علماء الأزهر في حرمة اتخاذ القبور مساجد.
والكتاب المعتمد لدى الدعوة في معرفة البدع كتاب كان مقررا على "الأزهر" وهو كتاب "الإبداع في مضار الابتداع" للشيخ "على محفوظ".
والأمثلة لا تحصى كثرة...
ولكن خصوم الدين هم بطبيعة الحال خصوم لـ "لأزهر" ولـ "الصحوة الإسلامية" معا؛ ومن ثم فهم لا يفتئون يحرضون "الأزهر" على الصحوة حتى ينشغل الفريقان عنهم، وهذا من المكر العظيم وربما زعم بعض العلمانيين أنه يريد أن يرد الشباب المتطرف إلى الدين الوسطي الأزهري. بينما هم يهزؤون ممن لا يوافقهم من شيوخ الأزهر. وكم سخروا من الشيخ "الشعراوي" لأنه عندهم يهدد "الوحدة الوطنية"؟ وكم أساؤوا الأدب مع الشيخ "عطية صقر" والشيخ "جاد الحق" -رحمها الله تعالى-؟
ومع ذلك ربما استجابت بعض الأصوات في "الأزهر" لهذا التحريض فأعلنت حربا لا هوادة فيها على السلفية وكأن السلفية هي العدو رقم واحد.
ونحن نرحب بكل من ينصحنا سواء أنصح برفق أو بشدة طالما كان يريد أن يردنا إلى الكتاب والسنة بفهم سلف الأمة, وإلا رددناه نحن إلى ذلك؛ فالحق أحق أن يتبع, وما لم يكن دينا عند من قال الله لهم (فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا) (البقرة:137)، لم يكن اليوم دينا.
بيد أنه يزعجنا أن ينشغل "الأزهر" بكل إمكاناته عن مواجهة أخطار عظيمة بالأمة، لا سيما أن عوام المسلمين قد أوكلوا مهمة الدفاع عن الإسلام لـ "الأزهر".
وهذه قائمة بخصوم فكريين للأشاعرة والسلفيين على حد سواء وهم في غاية الخطورة على دين الأمة:
أولا: جماعات التنصير:
بعث الله رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله، وليعلن فساد جميع الأديان الموجودة على ظهر الأرض في زمانه وبعد زمانه -صلى الله عليه وسلم- قال تعالى: (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) (التوبة:33)، (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ) (آل عمران:19)، (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) (آل عمران:85)، (لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ) (البينة:1(، (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ)(المائدة:73 )،(لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ) (المائدة:17).
وبيَّن أن الكفر برسول واحد كالكفر بجميع المرسلين إذ قال: (كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ) (الشعراء:105)، ولم يرسل إليهم غير نوح -عليه السلام-، وهذا في حق خاتمهم محمد -صلى الله عليه وسلم- أغلظ وآكد.
وبيَّن وجوب دعوة كل هؤلاء إلى الإسلام بالحكمة والموعظة الحسنة فقال: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) (النحل:125)، وقام علماء الأشاعرة بهذا الدور عبر تاريخهم ومن جهودهم في ذلك:
- الكلام على النصارى مما يحتج به عليهم من سائر الكتب التي يعترفون بها لـ "أبي الحسن الأشعري".
- كلام على النصارى لـ"القاضي أبي بكر الباقلاني" -ت.403هـ - في كتاب التمهيد.
- مناظرة في الرد على النصارى ل "فخر الدين محمد بن عمر الرازي" -ت606هـ -.
- الإعلام بما في دين النصارى من الفساد والأوهام لـ "أبي العباس أحمد بن عمر القرطبي" -ت656هـ -.
- كما قام الشيخ الإمام "محمد أبو زهرة" بمناقشتهم في كتاب "محاضرات في النصرانية".
- كما قام الشيخ "الشعراوي" بالرد عليهم في تفسيره مرئيًا ومكتوبًا.
- وفي هذا الزمان اجترأ المنصرون ووزعوا كتابا بعنوان "مستعدون للمجاوبة" على المسلمين تولى "مجمع البحوث الإسلامية" في "الأزهر" تكليف أحد أعضائه وهو الدكتور "محمد عمارة" بالرد عليه، وكتب حوله كتابه "تقرير علمي "إن الوظيفة الأساسية لأي مؤسسة تريد أن تتولى الدفاع عن عقيدة ما أن تتولى الدفاع عنها ضد العقائد التي تخالفها جملة وتفصيلا قبل أن تخوض في الخلافات الداخلية داخل الدين الواحد.
والكنيسة الأرثوذكسية على الرغم من أنها تكفر شقيقتيها الكاثوليكية والبروتوستانية -بدليل عدم اعتدادهم بالزواج الذي يتم على أيديهم وعدم حضور بطريرك في أي طقس ديني عند الطوائف الأخرى- فإنهم يجعلون حماية عقيدتهم بل وشريعتهم -مع تسليمهم أنها شريعة محدودة- مطلبا يمكن أن تلتقي عليه الطوائف الثلاث كما يفعلون الآن في محاولة وضع قانون موحد للطوائف الثلاث في الأحوال الشخصية حتى لا يحكم على الزوجين النصرانيين بالشريعة الإسلامية في حالة اختلاف الملة كما هو معمول به الآن.
وأما أن يفتى البعض بأنه لا يلزم المسلم أن يدعو إلى الإسلام ويسأل الآخر عن النصارى؛ فيزعم أنهم مؤمنون لأنهم يؤمنون بالله واليوم الآخر ويغفل كل ما ذكرنا من آيات في كفرهم ويغفل قوله تعالى-: (وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلا وَهُمْ مُشْرِكُونَ) (يوسف:106)، فثمة أجزاء من إيمان متى ضاعت لم تنفع الأجزاء الأخرى منه كمن توقف قلبه قبل دماغه أو دماغه قبل قلبه.
وكأن هذا القائل لا يعرف قوله تعالى عن المشركين (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ) (الزخرف:87)، والعجيب أنك لو سألت أيا منهم عن حكم المسلم الذي ينكر نبوة عيسى -عليه السلام- لأجابك على الفور بأنه كافر وهذا حق لا ريب ولكن لماذا لا يصرحون وبنفس القوة بأن من يكفر بمحمد -صلى الله عليه وسلم- فهو كافر في الدنيا والآخرة؟
وإنه الدور الأهم لهذه المؤسسات هو بيان عقائد الإسلام لأهل الملل الأخرى.
وحتى من الناحية السياسية كادت مصر أن تكون هي الزعيمة الحقيقة للقارة الإفريقية، لما كانت مصر تقترن في حس الأفارقة بدعاة الأزهر الذين يذهبون لهداية الناس إلى الإسلام وثنيين ونصارى وغيرهم. وأما الآن فغاية البعثات الأزهرية هي رعاية المسلمين هناك، هذا إذا ذهبوا إلى هناك. بينما الكنائس ترسل البعثات التبشيرية، والشيعة يرسلون بعثاتهم، واليهود يسيطرون.
حتى صارت الدول الإفريقية تهددنا بقطع المياه عنا فأضعنا ديننا و دينانا.
وإذا كان القائمون على أمر "الأزهر" يعترفون الآن بالتقصير والغياب عن الساحة ويريدون الآن العودة إليها فليكن الهدف الأول هو نشر الإسلام والدفاع عنه ورد شبهات خصومه جملة وتفصيلا.
ثانيا: العلمانية:
العلمانية هي فصل الدين عن الحياة ومن ثم فهي في خصومة مع كل الأديان من حيث المبدأ, وعلى الرغم من أن دين النصارى يحتوى في داخله على نصوص تجعله عالمانيا أو على الأقل قابلا للعلمنة فإن الصراع بين الفريقين لم ينته بعد وعلى الرغم من أن العلمانية حسمت الجولة في بلاد الغرب وأخضعت الدين النصراني لها فإن رجال الدين هناك ما زالوا يناوشن من بعيد.
وعندما وفدت العلمانية إلينا عن طريق بعض رجال الأزهر تولى "الأزهر" نفي خبثه عن نفسه بنفسه.
فتعقب كتاب "الشعر الجاهلي" لـ "طه حسين" وسحب درجة العالمية من "على عبد الرازق" مؤلف كتاب "الإسلام وأصول الحكم" الذي طعن فيه في شرعية الخلافة الإسلامية.
وما زال "الأزهر" يتناول عبر "مجلة الأزهر" والكتيبات الملحقة بها مطاردة هذا الفكر.
ومن غير المعقول إذا أراد الأزهر أن ينهض أن يهادن فريقا؛ قال فيهم النبي -صلى الله عليه وسلم-:(دعاة على أبوب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها) (متفق عليه).
ومن غير المعقول أن يحرض هؤلاء المنبتون عن الدين "الأزهر" ضد السلفية بدعوى أن السلفية حنبلية والأزهر أشاعرة والجميع يتفق على أن الحنبلية إن صح التعبير كانت أحد روافد فكر الأشعري.
ثالثًا: الفلاسفة والصوفية الفلسفية:
إذا ما ذكرنا أطياف الناس بين العقل والنقل فسنجد أن على طرفي النقيض الفلاسفة والسلفية.
إذ أن الفلسفة منهج عقلي محض وإن انتسب من انتسب منهم إلى الإسلام.
والسلفية منهج نقلى ولكنه مضمون أنه موافق للعقل لأنه من عند الله.
وبين الفريقين الفلاسفة- المعتزلة- الأشاعرة- السلفية.
ومن ثم فقد كانت القضية في حس كبار الأشاعرة كـ "الغزالي" أن الخصومة مع الفلسفة هي قضية إيمان وكفر بينما الحرب بين "الأشعري" الإمام والمعتزلة أشهر من أن تذكر مع أن "الأشعري" و"الجويني" و"الغزالي" عادوا جميعا إلى السلفية ومن لا يعترف بذلك لا بد وأن يقر أن مواجهتهم للفلسفة والاعتزال استغرقت منهم وقتا وجهدا أكثر بكثير من مواجهةالسلفية.
والصوفية الفسلفية جمعت بين الباطنية وبين الفلسفة وهذان الفريقان اللذان بالغ "الغزالي" في نقدهما وفي تكفيرهما في "تهافت الفلاسفة" وفي "فضائح الباطنية".
رابعا: الشيعة:
يتفق السلفيون والأشاعرة في العقيدة في الصحابة والإمامة ويتفقون في تبديع الشيعة حتى قسم المؤرخون العالم الإسلامي إلى معسكرين أساسين المعسكر الأول يضم السلفية والأشاعرة وسموهم بأهل السنة -رغم أن السلفية والأشاعرة يتنازعون هذا الاسم فيما بعد فيما بينهم-، والمعسكر الآخر هم الشيعة.
ومن أكثر الكتب الذائعة بين أيدي السلفيين في العقيدة في الصحابة "العواصم من القواصم" وهو كتاب على العقيدة الأشعرية ولذلك لما أراد العالم السلفي "محب الدين الخطيب" نشره للاستفادة منه في الدفاع عن الصحابة اكتفى بفصل العقيدة في الصحابة وعرف بهذا الاسم "العواصم من القواصم في تحقيق مواقف الصحابة بعد وفاة النبي -صلى الله عليه وسلم-".
خامسًا: الصوفية القبورية:
وهم أشبه بالطابور الخامس للشيعة وبدع القبور وإن تسربت لكثير من الأشاعرة بعد "الغزالي" -رحمه الله تعالى- أو بصورة أدق بعد "السبكي" فان المنهج العقلاني -الأثري للأشعري- يأبى القبول بهذا المنهج الذوقي البدعي المخالف للعقل والعاري من المستند الأثري اللهم إلا الأحاديث المكذوبة من الشيعة وغيرهم.
كما أن موقف شيوخ الأزهر بعد تطهير مصر من الشيعة إلى وقت قريب جدا وموقف الكثير منهم إلى الآن ما زال رافضا لهذه الخرافات.
خلاصة الأمر أننا نريد أن نكون عونا لـ "الأزهر" على ما اتفقنا عليه ناصحين له في العودة إلى منهج السلف الذي عاد إليه "الأشعري" و"الجويني" و"الغزالي" وغيرهم من أساطين المنهج الأشعري.
فإن أبوا إلا الدفاع عن المنهج الأشعري فلا ينبغي أبدا أن يشغلنا أو يشغلهم ذلك عن الخصوم المشتركين وما أكثرهم ومن خالف ذلك من الفريقين فقد خالف أصول مذهبه الذي ينتمي إليه.
نسأل الله أن يوفقنا للعمل بكتابه وسنة رسوله على هدى صحابة رسوله -صلى الله عليه وسلم- ورضي الله عنهم.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
"الأزهر" هو كبرى المؤسسات العلمية في العالم الإسلامي، ومناهجه الرسمية منذ عصر "صلاح الدين الأيوبي" -رحمه الله- قائمة على المذاهب الأربعة في الفقه، وعلى المنهج الأشعري في العقيدة. وأشعرية الأزهر هي الثغرة التي نفذ منها خصوم الإسلام؛ لكي يوقعوا العداوة بين "الأزهر" و"الصحوة الإسلامية" -التي تقوم معظم فصائلها على مرجعية سلفية- حتى ينشغل الفريقان؛ كل منهما بالآخر ويتركون مواجهتهم.
وفي هذا المقال نحاول التعريف الإجمالي بقصة المذهب الأشعري وكيف دخل "الأزهر", كما نذكر رجال الأزهر بأن أمامهم خصومًا كثيرين, ينهشون في الأمة ويناقضون المذهب الأشعري الذي يعتقدونه, وأنه إذا كان هناك اتفاق على أن المذهب الأشعري نشأ كطريقة للانتصار للمنهج السلفي أمام تيار الفلسفة والعقلانية المعتزلية، فانحرف عن منهج السلف في بعض قضاياه فمن غير المعقول أن يهادن رجال الأزهر العقلانية ويعادوا السلفية.
أولاً: نشأة المذهب الأشعري:
يعترف علماء الأشاعرة بأن مذهبهم نشأ بعد انخرام عصر الصحابة والتابعين ومن ثم ينسبونه إلى "أبي الحسن الأشعري" -رحمه الله- فهو عندهم مؤسس هذا المذهب؛ وذلك أن القرن الثالث الهجري قد شهد ظهور الكثير من الفرق والبدع....
فعلى المسار العقلي ظهرت الفلسفة فتصدت لها المعتزلة فكانوا أهون منهم شرًا، ولكنهم كانوا وبالا على السنة والأثر, بل والعقل بما دانوا به من متناقضات حتى انقلب عليهم أحد أنجب أتباعهم وهو الإمام "أبو الحسن الأشعري" الذي رام الرجوع إلى السنة بيد أنه عاد إليها محملا ببعض بقاياها مما جعل مذهبه وسطا بين أهل السنة والمعتزلة. وذهب "أبو منصور الماتريدي" إلى نفس ما ذهب إليه "الأشعري" وسبقهما "ابن كلاب" بيد أن "الأشعري" كان هو أشهر الثلاثة, وبين الثلاثة فروق طفيفة ولكن هذا لم يمنع أتباعهم من أن يجعلوهم ثلاثة مذاهب مستقلة
ومن العوامل التي أدت إلى انتشار مذهب الأشعري, أنه بعد وفاة الإمام "أحمد" عاود المعتزلة نشاطهم في الدعوة إلى بدعة خلق القرآن وهي بدعة منكرة؛ أدركت الأمة خطورتها بيد أنها كانت في حاجة إلى من يرد الشبه عنها ووجد الكثيرون في التصدي العلني السافر من الأشعري للمعتزلة ملاذا يلوذون إليه من هذه البدعة.
ومن الجدير بالذكر أن الإمام الأشعري قد استمر في دراسته؛ حتى تخلص مما بقى عنده من مورثات الاعتزال في كتابيه "مقالات الإسلاميين" و"الإبانة عن أصول الديانة" وعاد تمامًا إلى المنهج السلفي بيد أن مذهبه في الفترة الوسيطة من حياته كان قد ذاع وانتشر وما زال المنتسبون إلى المذهب الأشعري ينكرون نسبة هذين الكتابين إلى الإمام الأشعري رغم ثبوت نسبتهما إليه.
ثانيًا: كيف دخل المذهب الأشعري الأزهر:
شهد القرن الثالث الهجري -بالإضافة إلى بدع الفلسفة الرومانية والعقلانية المعتزلية- انتشار الفلسفات الفارسية الباطنية الممزوجة بعقائد الشيعة, وحاولوا هدم الدين بالتأويلات الباطلة وتمكنوا من معظم العالم الإسلامي فسيطر الفاطميون على مصر والشام, هذا فضلا عن سيطرة القرامطة وغيرهم على أجزاء من الحجاز والعراق.
وعلى صعيد آخر انتشرت الباطنية الذين يريدون هدم الدين بالتأويلات الباطلة وتمكنوا من معظم العالم الإسلامي فسيطر الفاطميون على مصر والشام هذا فضلا عن سيطرة القرامطة وغيرهم على أجزاء من الحجاز والعراق.
وقامت صحوة إسلامية مضادة في العراق, قادها الوزير "نظام الملك" بالتعاون مع إمام الحرمين "الجويني" الذي كان فقيها شافعيا عظيم الشأن, ولكنه انتحل مذهب الأشعري في العقيدة.
وعلى الرغم من أن "الجويني" قد لحق بإمامه "الأشعري" في الرجوع إلى الحق، فإنه أيضا كان في اللحظات الأخيرة من حياته التي لم يكتب لها أن تترجم إلى أرض الواقع.
وخلف "الجويني" "الغزالي" والذي شابهت قصته قصة إماميه من قبل, مع تنوع في المذاهب التي نقضها بيد أنه أوجد قدرًا من المصالحة بين "الأشعرية" و"الصوفية" والتي ما زالت آثارها باقية حتى الآن وهي مصالحة تبدو غير منطقية بين فريق متطرف في إعمال العقل وآخر متطرف في إقصائه.
ورجع "الغزالي" إلى السنة في آخر حياته, كرجوع شيخه "الجويني" وهو الرجوع الذي لم يكتب له أن يترجم عمليا هو الأخر.
وقد كتب الله لهذه المدرسة الإصلاحية النظامية أن يقود أحد قادتها الجهاد ضد الصليبيين وهو "عماد الدين زنكي" الذي أدرك أن جهاد الصليبين لا يتم إلا بجهاد الباطنية, ثم خلفه ابنه "نور الدين محمود", ثم خلفه أحد أبرز قواده "صلاح الدين الأيوبي".
و"صلاح الدين الأيوبي" هو الذي قضى على الدولة الفاطمية في مصر، ومن جملة ما قام به للقضاء على هذا المذهب منع تدريس المناهج الباطنية في "الأزهر" -المسجد الذي أسسه الفاطميون من قبل لنشر الفكر الباطني- واستبدالها بالمذاهب السنية الأربعة في الفقه والمذهب الأشعري في العقيدة.
وكان لنجاح قادة المدرسة النظامية في قيادة الأمة أثر كبير في انتشار الفكر الأشعري في العالم الإسلامي أجمع.
ثالثًا: السلفية تستعيد زمام الأمور وترفض التحالف مع الأمراء ضد الأشعرية:
استمر انتشار المد الأشعري مدفوعا بقوة دفع الانتصار على الصليبيين, وانتشر معه المد الصوفي مستفيدا من قوة الدفع التي حصل عليها نتيجة تقديم الغزالي لصورة تصوف جديدة سميت بالتصوف السني، بيد أنه لم يخلص التصوف الفلسفي من كل أفاته وبقى تصوفه هو الآخر كعقيدته لا هو سني ولا هو فلسلفي.
واستثمر الصوفية الفلسفية هذه الهدنة وعاودوا الانتشار لا سيما مع ظهور "ابن عربي" والذي أعاد فكر "الحلاج" بطريقة فلسلفية أكثر عمقًا, إلى أن أفاقت الأمة على فاجعة "التتار" فكان "شيخ الإسلام" لها بالمرصاد وازداد رصيده عند الأمة علمائها وأمرائها وعامتها وأعاد نشر منهج السلف منتقدا كلا من الشيعة والفلاسفة والصوفية الفلسفية والمعتزلة والأشاعرة وأمسك بيده ميزان العدل فلم ينسب لطائفة ما لا تعتقده ولم يسو بينها في الولاء والبراء بل أثنى كثيرًا على رموز الأشاعرة بما عندهم من حق, بطريقة استعصت على فهم البعض إذ كيف يثنى عليهم في الوقت الذي يبدّع منهجهم ويفنده, ومن علم قاعدة "شيخ الإسلام" في الولاء والبراء وأن المسلم يُحَب لما معه من السنة ويُبْغَض لما معه من البدعة والمعصية؛ تبينت له النكتة في المسألة.
ولذلك ومع قدرة "ابن تيمية" على تحريك الجيوش، إلا أنه حركها ضد "التتار" ولم يحركها لمحاربة الأمراء الذين يحمون المذهب الأشعري والذين سجنوه أكثر من مرة استجابة لوشاية الأشاعرة، بل حينما واتت الفرصة "شيخ الإسلام" لكي ينتقم من علماء الأشاعرة لانقلاب السلطان عليهم؛ وقف "شيخ الإسلام" موقف المدافع عنهم لعلمه بأن الأمة محتاجة إلى فقههم ولكون السلطان كان يريد أن يستصدر منه فتوى ظالمة بقتلهم لخصومة شخصية بينهم وبينه والواجب ردهم إلى السنة لا قتلهم ظلما وعدوانا, فمع أنهم سعوا في قتله إلا أنه سعى في حقن دمائهم.
الحاصل: أن هذا المسلك من "ابن تيمية" ومن جاء بعده من السلفيين؛ ساهم في انتقال عدد كبير ممن درس في هذه المساجد أو الجامعات إلى المنهج السلفي, من أبرزهم بالنسبة لـ "الأزهر" الشيخ "محمد خليل هراس" العميد الأسبق لـ "كلية أصول الدين جامعة الأزهر" وإن بقى المذهب الأشعري هو المذهب الرسمي في معظمها ومنها "الأزهر".
رابعا: هل التزم جميع خريجي الأزهر ورموزه بهذه التركيبة "الفقه السني والعقيدة الأشعرية"؟
الواقع أن رموز "الأزهر" الكبار عبر التاريخ اختلفت مشاربهم:
- فعلى الصعيد العقدي: وجد من مال إلى مذهب الفلاسفة لا سيما بعد افتتاح قسم الفلسفة في الجامعة الأزهرية.
- ومنهم من قبل بالمذهب الشيعي كمذهب فقهي خامس, رغم أن الأساس الذي قامت عليه المدرسة النظامية التي أدخل رجالها المنهج الأشعري إلى الجامعة الأزهرية هو نقد الشيعة.
- ومنهم من تردد بين السلفية والأشعرية كالشيخ "أبو زهرة".
- ومنهم من اختار السلفية كالشيخ "محمد خليل هراس".
- ومنهم من قبل بالصوفية حتى الصوفية الفلسفية, وهذا فيه غاية المناقضة لمنهج الأشاعرة.
- ومنهم من قبل بالغلو في الصالحين ومظاهر شرك القبور. وهي مسألة؛ مقتضى أصول الأشاعرة المتقدمين على "الغزالي" إنكارها بل لا يمكن أن ينسب إقرارها إلى "الغزالي" رغم مسئوليته عن المصالحة الأشعرية الصوفية بصفة عامة.
- وعلى الصعيد الفقهي: ورغم التماسك النسبي في هذا الجانب بصفة عامة رموز "الأزهر" وجد لا سيما في العصور المتأخرة من شذ إلى اعتماد مناهج عقلانية في الفتوى غير موجودة في مذاهب الأئمة الأربعة، ورفع كثير من شيوخ الأزهر لواء الترخص في الفتوى؛ فأفتوا بفتاوى غير موجودة في المذاهب الأربعة بل ولا في مذاهب أحد من أهل السنة، ودافع بعضهم عن الموسيقى والغناء وفوائد البنوك وغيرها من الفتاوى العملية الشاذة لا سيما ذات الطابع السياسي.
ومن ثمَّ صارت هناك قضايا خلافية بين دعاة السلفية وبعض رموز الأزهر يمكن إجمالها فيما يلي:
- كل قضايا المنهج الأشعري مقارنة بمنهج السلف الذي يسمونه هم "الحنبلي" ومن أبرزها مسائل الصفات.
- قضية شرك القبور.
- قضية الترخص في الفتوى.
ومن الجدير بالذكر أنه يوجد جمع كبير من علماء الأزهر وطلابه يدينون بالمنهج السلفي في كل هذه القضية أو بعضها على الأقل.
بل إن أجرينا إحصائية على خريجي الأزهر -واستبعدنا من يتخرجون وهم لا يدرون أشعرية من سلفية- سنجد أن السلفيين من خريجي الأزهر أضعاف أضعاف الأشاعرة والحمد لله رب العالمين.
وعلى الرغم من ذلك كله فإن السلفية لم تعمد يوما ما إلى إضعاف "الأزهر". بل إن السلفية تكاد تبحث في أي مسألة عمن وافق الحق فيها من شيوخ الأزهر لكي تنشر كلامه لما للأزهر من قبول عند الناس.
ومن الأمثلة على ذلك كتاب فقه السنة للشيخ "سيد سابق" وهو شيخ أزهري لا يكاد يتداول إلا بين أيدي أبناء الصحوة الإسلامية
وفتوى الشيخ "نصر فريد واصل" في حرمة التدخين لم يطبعها على نفقته إلا أبناء الصحوة الإسلامية.
وعندما وافق بعض علماء الأزهر المجتمع الدولي في تحريم ختان الإناث هرعت الدعوة إلى نشر فتوى الشيخ "جاد الحق" -رحمه الله-.
ونشرت جماعة "أنصار السنة" فتاوى علماء الأزهر في حرمة اتخاذ القبور مساجد.
والكتاب المعتمد لدى الدعوة في معرفة البدع كتاب كان مقررا على "الأزهر" وهو كتاب "الإبداع في مضار الابتداع" للشيخ "على محفوظ".
والأمثلة لا تحصى كثرة...
ولكن خصوم الدين هم بطبيعة الحال خصوم لـ "لأزهر" ولـ "الصحوة الإسلامية" معا؛ ومن ثم فهم لا يفتئون يحرضون "الأزهر" على الصحوة حتى ينشغل الفريقان عنهم، وهذا من المكر العظيم وربما زعم بعض العلمانيين أنه يريد أن يرد الشباب المتطرف إلى الدين الوسطي الأزهري. بينما هم يهزؤون ممن لا يوافقهم من شيوخ الأزهر. وكم سخروا من الشيخ "الشعراوي" لأنه عندهم يهدد "الوحدة الوطنية"؟ وكم أساؤوا الأدب مع الشيخ "عطية صقر" والشيخ "جاد الحق" -رحمها الله تعالى-؟
ومع ذلك ربما استجابت بعض الأصوات في "الأزهر" لهذا التحريض فأعلنت حربا لا هوادة فيها على السلفية وكأن السلفية هي العدو رقم واحد.
ونحن نرحب بكل من ينصحنا سواء أنصح برفق أو بشدة طالما كان يريد أن يردنا إلى الكتاب والسنة بفهم سلف الأمة, وإلا رددناه نحن إلى ذلك؛ فالحق أحق أن يتبع, وما لم يكن دينا عند من قال الله لهم (فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا) (البقرة:137)، لم يكن اليوم دينا.
بيد أنه يزعجنا أن ينشغل "الأزهر" بكل إمكاناته عن مواجهة أخطار عظيمة بالأمة، لا سيما أن عوام المسلمين قد أوكلوا مهمة الدفاع عن الإسلام لـ "الأزهر".
وهذه قائمة بخصوم فكريين للأشاعرة والسلفيين على حد سواء وهم في غاية الخطورة على دين الأمة:
أولا: جماعات التنصير:
بعث الله رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله، وليعلن فساد جميع الأديان الموجودة على ظهر الأرض في زمانه وبعد زمانه -صلى الله عليه وسلم- قال تعالى: (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) (التوبة:33)، (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ) (آل عمران:19)، (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) (آل عمران:85)، (لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ) (البينة:1(، (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ)(المائدة:73 )،(لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ) (المائدة:17).
وبيَّن أن الكفر برسول واحد كالكفر بجميع المرسلين إذ قال: (كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ) (الشعراء:105)، ولم يرسل إليهم غير نوح -عليه السلام-، وهذا في حق خاتمهم محمد -صلى الله عليه وسلم- أغلظ وآكد.
وبيَّن وجوب دعوة كل هؤلاء إلى الإسلام بالحكمة والموعظة الحسنة فقال: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) (النحل:125)، وقام علماء الأشاعرة بهذا الدور عبر تاريخهم ومن جهودهم في ذلك:
- الكلام على النصارى مما يحتج به عليهم من سائر الكتب التي يعترفون بها لـ "أبي الحسن الأشعري".
- كلام على النصارى لـ"القاضي أبي بكر الباقلاني" -ت.403هـ - في كتاب التمهيد.
- مناظرة في الرد على النصارى ل "فخر الدين محمد بن عمر الرازي" -ت606هـ -.
- الإعلام بما في دين النصارى من الفساد والأوهام لـ "أبي العباس أحمد بن عمر القرطبي" -ت656هـ -.
- كما قام الشيخ الإمام "محمد أبو زهرة" بمناقشتهم في كتاب "محاضرات في النصرانية".
- كما قام الشيخ "الشعراوي" بالرد عليهم في تفسيره مرئيًا ومكتوبًا.
- وفي هذا الزمان اجترأ المنصرون ووزعوا كتابا بعنوان "مستعدون للمجاوبة" على المسلمين تولى "مجمع البحوث الإسلامية" في "الأزهر" تكليف أحد أعضائه وهو الدكتور "محمد عمارة" بالرد عليه، وكتب حوله كتابه "تقرير علمي "إن الوظيفة الأساسية لأي مؤسسة تريد أن تتولى الدفاع عن عقيدة ما أن تتولى الدفاع عنها ضد العقائد التي تخالفها جملة وتفصيلا قبل أن تخوض في الخلافات الداخلية داخل الدين الواحد.
والكنيسة الأرثوذكسية على الرغم من أنها تكفر شقيقتيها الكاثوليكية والبروتوستانية -بدليل عدم اعتدادهم بالزواج الذي يتم على أيديهم وعدم حضور بطريرك في أي طقس ديني عند الطوائف الأخرى- فإنهم يجعلون حماية عقيدتهم بل وشريعتهم -مع تسليمهم أنها شريعة محدودة- مطلبا يمكن أن تلتقي عليه الطوائف الثلاث كما يفعلون الآن في محاولة وضع قانون موحد للطوائف الثلاث في الأحوال الشخصية حتى لا يحكم على الزوجين النصرانيين بالشريعة الإسلامية في حالة اختلاف الملة كما هو معمول به الآن.
وأما أن يفتى البعض بأنه لا يلزم المسلم أن يدعو إلى الإسلام ويسأل الآخر عن النصارى؛ فيزعم أنهم مؤمنون لأنهم يؤمنون بالله واليوم الآخر ويغفل كل ما ذكرنا من آيات في كفرهم ويغفل قوله تعالى-: (وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلا وَهُمْ مُشْرِكُونَ) (يوسف:106)، فثمة أجزاء من إيمان متى ضاعت لم تنفع الأجزاء الأخرى منه كمن توقف قلبه قبل دماغه أو دماغه قبل قلبه.
وكأن هذا القائل لا يعرف قوله تعالى عن المشركين (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ) (الزخرف:87)، والعجيب أنك لو سألت أيا منهم عن حكم المسلم الذي ينكر نبوة عيسى -عليه السلام- لأجابك على الفور بأنه كافر وهذا حق لا ريب ولكن لماذا لا يصرحون وبنفس القوة بأن من يكفر بمحمد -صلى الله عليه وسلم- فهو كافر في الدنيا والآخرة؟
وإنه الدور الأهم لهذه المؤسسات هو بيان عقائد الإسلام لأهل الملل الأخرى.
وحتى من الناحية السياسية كادت مصر أن تكون هي الزعيمة الحقيقة للقارة الإفريقية، لما كانت مصر تقترن في حس الأفارقة بدعاة الأزهر الذين يذهبون لهداية الناس إلى الإسلام وثنيين ونصارى وغيرهم. وأما الآن فغاية البعثات الأزهرية هي رعاية المسلمين هناك، هذا إذا ذهبوا إلى هناك. بينما الكنائس ترسل البعثات التبشيرية، والشيعة يرسلون بعثاتهم، واليهود يسيطرون.
حتى صارت الدول الإفريقية تهددنا بقطع المياه عنا فأضعنا ديننا و دينانا.
وإذا كان القائمون على أمر "الأزهر" يعترفون الآن بالتقصير والغياب عن الساحة ويريدون الآن العودة إليها فليكن الهدف الأول هو نشر الإسلام والدفاع عنه ورد شبهات خصومه جملة وتفصيلا.
ثانيا: العلمانية:
العلمانية هي فصل الدين عن الحياة ومن ثم فهي في خصومة مع كل الأديان من حيث المبدأ, وعلى الرغم من أن دين النصارى يحتوى في داخله على نصوص تجعله عالمانيا أو على الأقل قابلا للعلمنة فإن الصراع بين الفريقين لم ينته بعد وعلى الرغم من أن العلمانية حسمت الجولة في بلاد الغرب وأخضعت الدين النصراني لها فإن رجال الدين هناك ما زالوا يناوشن من بعيد.
وعندما وفدت العلمانية إلينا عن طريق بعض رجال الأزهر تولى "الأزهر" نفي خبثه عن نفسه بنفسه.
فتعقب كتاب "الشعر الجاهلي" لـ "طه حسين" وسحب درجة العالمية من "على عبد الرازق" مؤلف كتاب "الإسلام وأصول الحكم" الذي طعن فيه في شرعية الخلافة الإسلامية.
وما زال "الأزهر" يتناول عبر "مجلة الأزهر" والكتيبات الملحقة بها مطاردة هذا الفكر.
ومن غير المعقول إذا أراد الأزهر أن ينهض أن يهادن فريقا؛ قال فيهم النبي -صلى الله عليه وسلم-:(دعاة على أبوب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها) (متفق عليه).
ومن غير المعقول أن يحرض هؤلاء المنبتون عن الدين "الأزهر" ضد السلفية بدعوى أن السلفية حنبلية والأزهر أشاعرة والجميع يتفق على أن الحنبلية إن صح التعبير كانت أحد روافد فكر الأشعري.
ثالثًا: الفلاسفة والصوفية الفلسفية:
إذا ما ذكرنا أطياف الناس بين العقل والنقل فسنجد أن على طرفي النقيض الفلاسفة والسلفية.
إذ أن الفلسفة منهج عقلي محض وإن انتسب من انتسب منهم إلى الإسلام.
والسلفية منهج نقلى ولكنه مضمون أنه موافق للعقل لأنه من عند الله.
وبين الفريقين الفلاسفة- المعتزلة- الأشاعرة- السلفية.
ومن ثم فقد كانت القضية في حس كبار الأشاعرة كـ "الغزالي" أن الخصومة مع الفلسفة هي قضية إيمان وكفر بينما الحرب بين "الأشعري" الإمام والمعتزلة أشهر من أن تذكر مع أن "الأشعري" و"الجويني" و"الغزالي" عادوا جميعا إلى السلفية ومن لا يعترف بذلك لا بد وأن يقر أن مواجهتهم للفلسفة والاعتزال استغرقت منهم وقتا وجهدا أكثر بكثير من مواجهةالسلفية.
والصوفية الفسلفية جمعت بين الباطنية وبين الفلسفة وهذان الفريقان اللذان بالغ "الغزالي" في نقدهما وفي تكفيرهما في "تهافت الفلاسفة" وفي "فضائح الباطنية".
رابعا: الشيعة:
يتفق السلفيون والأشاعرة في العقيدة في الصحابة والإمامة ويتفقون في تبديع الشيعة حتى قسم المؤرخون العالم الإسلامي إلى معسكرين أساسين المعسكر الأول يضم السلفية والأشاعرة وسموهم بأهل السنة -رغم أن السلفية والأشاعرة يتنازعون هذا الاسم فيما بعد فيما بينهم-، والمعسكر الآخر هم الشيعة.
ومن أكثر الكتب الذائعة بين أيدي السلفيين في العقيدة في الصحابة "العواصم من القواصم" وهو كتاب على العقيدة الأشعرية ولذلك لما أراد العالم السلفي "محب الدين الخطيب" نشره للاستفادة منه في الدفاع عن الصحابة اكتفى بفصل العقيدة في الصحابة وعرف بهذا الاسم "العواصم من القواصم في تحقيق مواقف الصحابة بعد وفاة النبي -صلى الله عليه وسلم-".
خامسًا: الصوفية القبورية:
وهم أشبه بالطابور الخامس للشيعة وبدع القبور وإن تسربت لكثير من الأشاعرة بعد "الغزالي" -رحمه الله تعالى- أو بصورة أدق بعد "السبكي" فان المنهج العقلاني -الأثري للأشعري- يأبى القبول بهذا المنهج الذوقي البدعي المخالف للعقل والعاري من المستند الأثري اللهم إلا الأحاديث المكذوبة من الشيعة وغيرهم.
كما أن موقف شيوخ الأزهر بعد تطهير مصر من الشيعة إلى وقت قريب جدا وموقف الكثير منهم إلى الآن ما زال رافضا لهذه الخرافات.
خلاصة الأمر أننا نريد أن نكون عونا لـ "الأزهر" على ما اتفقنا عليه ناصحين له في العودة إلى منهج السلف الذي عاد إليه "الأشعري" و"الجويني" و"الغزالي" وغيرهم من أساطين المنهج الأشعري.
فإن أبوا إلا الدفاع عن المنهج الأشعري فلا ينبغي أبدا أن يشغلنا أو يشغلهم ذلك عن الخصوم المشتركين وما أكثرهم ومن خالف ذلك من الفريقين فقد خالف أصول مذهبه الذي ينتمي إليه.
نسأل الله أن يوفقنا للعمل بكتابه وسنة رسوله على هدى صحابة رسوله -صلى الله عليه وسلم- ورضي الله عنهم.
5 comments:
إرسال تعليق