بسم الله الرحمن الرحيم
يقول الإمام محمد الأمين الشنقيطي ـ رحمه الله ـ ([1]) :
» اعلم … أنه غلط في هذا خلق لا يحصى كثرة من المتأخرين ، فزعموا أن الظاهر المتبادر السابق إلى الفهم من معنى الاستواء واليد مثلاً : في الآيات القرآنية هو مشابهة صفات الحوادث . وقالوا يجب علينا أن نصرفه عن ظاهره إجماعاً ؛ لأن اعتقاد ظاهره كفر ؛ لأن من شبّه الخالق بالمخلوق فهو كافر ، ولا يخفى على أدنى عاقل أنّ حقيقة معنى هذا القول؛ أنّ الله وصف نفسه في كتابه بما ظاهره المتبادر منه السابق إلى الفهم الكفر بالله والقول فيه بما لا يليق به جل وعلا.
والنبي (صلى الله عليه وسلم) الذي قيل له ( وأنزلنا إليك الذِكر لتبيّن للناس ما نزل إليهم) لم يبين حرفاً واحداً من ذلك مع إجماع من يُعتدّ به من العلماء ، على أنه (صلى الله عليه وسلم) لا يجوز في حقّه تأخير البيان عن وقت الحاجة إليه ، وأحرى في العقائد ولا سيّما ما ظاهره المتبادر منه الكفر والضلال المبين حتى جاء هؤلاء الجهلة من المتأخرين ، فزعموا أنّ الله أطلق على نفسه الوصف بما ظاهره المتبادر منه لا يليق، والنبي (صلى الله عليه وسلم) كتم أن ذلك الظاهر المتبادر كفر وضلال يجب صرف اللفظ عنه ، وكل هذا من تلقاء أنفسهم من غير اعتماد على كتاب أو سنّة ، سبحانك هذا بهتان عظيم !
ولا يخفى أنّ هذا القول من أكبر الضلال ومن أعظم الافتراء على الله جل وعلا، ورسوله (صلى الله عليه وسلم) ، والحق الذي لا يشكّ فيه أدنى عاقل أن كل وصف وصف الله به نفسه ، أو وصفه به رسوله (صلى الله عليه وسلم) ، فظاهره المتبادر منه السابق إلى فهم من في قلبه شيء من الإيمان ، هو التنزيه التام عن مشابهة شيء من صفات الحوادث. فبمجرد إضافة الصفة إليه جل وعلا يتبادر إلى الفهم أنّه لا مناسبة بين تلك الصفة الموصوف بها الخالق، وبين شيء من صفات المخلوقين، وهل ينكر عاقل ، أنّ السابق إلى الفهم المتبادر لكل عاقل : هو منافاة الخالق للمخلوق في ذاته ، وجميع صفاته ، لا والله لا ينكر ذلك إلا مكابر .
والجاهل المفتري الذي يزعم أن ظاهر آيات الصفات ، لا يليق بالله ؛ لأنه كفر وتشبيه ، إنما جرّ إليه ذلك تنجيس قلبه ، بقذر التشبيه بين الخالق والمخلوق ، فأداه شؤم التشبيه إلى نفي صفات الله جل وعلا ، وعدم الإيمان بها ، مع أنه جل وعلا، هو الذي وصف بها نفسه ، فكان هذا الجاهل مشبها أولا ، ومعطلا ثانيا . فارتكب ما لا يليق بالله ابتداءً وانتهاءً ، ولو كان قلبه عارفا بالله كما ينبغي، معظما لله كما ينبغي ، طاهرا من أقذار التشبيه ، لكان المتبادر عنده السابق إلى فهمه : أن وصف الله جل وعلا، بالغ من الكمال ، والجلال ما يقطع أوهام علائق المشابهه بينه وبين صفات المخلوقين ، فيكون قلبه مستعداً للإيمان بصفات الكمال ، والجلال الثابتة لله في القرآن والسنّة الصحيحة ، مع التنزيه التام عن مشابهة صفات الخلق على نحو قوله: ( ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ) « اهـ .
( [1] ) » أضواء البيان « (2/319-320 )
( [1] ) » أضواء البيان « (2/319-320 )
0 comments:
إرسال تعليق