تحير الكثير من الأكابر في الحكم بإستحالة الكذب عليه سبحانه!!!
للكاتب :فيصل
للكاتب :فيصل
((ما رأيت أحدا ارتدى بالكلام فأفلح ، ولأن يبتلى المرء بكل ذنب نهى الله عنه ما خلا الشرك ، خير له من أن يبتلى بالكلام)) الإمام الشافعي
((ولهذا كان السلف والأئمة يذمون الكلام المبتدع فإن أصحابه يخطئون إما في مسائلهم وإما في دلائلهم فكثيرا ما يثبتون دين المسلمين في الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله على أصول ضعيفة بل فاسدة ويلتزمون لذلك لوازم يخالفون بها السمع الصحيح والعقل الصريح)) ابن تيميه
بيان هذا العنوان يحتاج لمعرفة كثير من المسائل المترابطة والتي فشل الأشاعرة في التلفيق بينها فشلاً ذريعاً وفتحوا باباً-بل أبواباً- بأصولهم الفاسدة لطعن الملحدة وغيرهم عليهم ، وهذا بالطبع لمخالفتها للعقل والنقل ، وبيانه تفصيلاً قد لا يحتمله هذا المقال، لكن على أي حال هذا الإعتراف جاء من القوم أنفسهم كما ستراه بعينيك ، ولو لم أنقله بالنص لما صدق الكثير بهذا فكيف عجز هؤلاء عن تنزيه الله عن ما يعلم كل أحد بفطرته مع العقل الصريح كونه صفة نقص وآفة بل ينزه كل أحد نفسه عنه فكيف بالخالق العظيم!
أما البيان على اختصار: فقد اتفق الأشاعرة على أنه يمتنع الكذب عليه سبحانه ولكن المصيبة أنهم لم يستطيعوا أن يثبتوا ذلك على أصولهم ، وقد ذكروا-إجمالاً- 3 أوجه في بيان الإمتناع أولها كما قال الإيجي: ((أنه نقص والنقص على الله محال وأيضاً يلزم أن نكون أكمل منه في بعض الأوقات)) شرح المواقف8/114
وهذه الإجابة سديدة لكنها لا تتفق مع الأصل الذي قرره قدمائهم في التحسين والتقبيح ولذلك اعترف الإيجي بمناقضة هذه الإجابة لأصل التحسين والتقبيح فقال: ((واعلم أنه لم يظهر لي فرق بين النقص في الفعل وبين القبح العقلي فإن النقص في الأفعال هو القبح العقلي بعينه وإنما تختلف العبارة [يعني أن المعنى واحد])) فعلق الجرجاني قائلاً: ((فأصحابنا المنكرون للقبح العقلي كيف يتمسكون في دفع الكذب عن الكلام اللفظي بلزوم النقص في أفعاله!!؟)) 8/115 وسيأتي قول الجويني أنه: ((لا يمكن التمسك في تنزيه الرب جل جلاله عن الكذب بكونه نقصاً لأن الكذب لا يقبح لعينه!!)).
ثم ذكر الدليل الثاني وهو أن الكذب لو قام به لكان إما قديماً أو حديثاً وكلاهما باطل ثم ضعفه وأقره على ضعفه الجرجاني وأقرهم حسن جلبي الفناري في حاشيته على شرح الجرجاني -مع ذكره ما يصلح وجهاً آخر في الضعف- وضعفه الآمدي في الأبكار2/84 وسماه المسلك العقلي ، ولم يُتفطن لمسألة مهمة وهي التناقض الواضح فيما قرره "بعضهم" هنا في العلاقة بين كلام النفس والعلم مع ما قرروه في مسألة الفرق بين كلام النفس والعلم حين أرادوا اثبات كلام النفس!! ، فقد قالوا هنا: يستحيل أن يكون الخبر النفساني كذبا إذ لا يجوز أن يكون كلام النفس كذباً مع وجود العلم فهذا يقع في حق الجاهل ((فمن كان عالماً بالشيء يستحيل أن لا يقوم بنفسه الإخبار عنه على ما هو به)) كما ينقل عنهم الآمدي في الأبكار2/83 ويقول الجويني في إرشاده: ((التصديق على التحقيق كلام النفس ولا يثبت كلام النفس كذلك إلا مع العلم ، فإنا أوضحنا أن كلام النفس يثبت على حسب الاعتقاد))396 ثم قالوا حين أرادوا إثبات مغايرة الكلام النفسي للعلم أنه "قد يخبر الرجل عما لا يعلمه بل يعلم خلافه!!"، نبه على هذا التناقض-عرضاً- شيخ الإسلام في التسعينية 2/642-644 فإن أردت تفصيله مع مزيد من نقول عنهم فأظفر به هناك فهذه إشارة مختصرة.
ثم ذكر الإيجي الدليل الثالث وهو عمدته وهو الدليل السمعي وهو إخبار الرسل عليهم السلام بكونه سبحانه صادقاً في كلامه كله وهذا متواتر عنهم عليهم الصلاة والسلام ، ثم ذكر اعتراضاً ملخصه أن هذا دور ظاهر لأن صحة السمع متوقفة على صدق الرسول صلى الله عليه وسلم وصدق الرسول صلى الله عليه وسلم متوقف على إستحالة الكذب عليه سبحانه -يعني في كونه يصدق الكذاب في دعواه أنه نبيه- فلو جاز الكذب عليه لأمكن أن يكون كاذباً –تعالى سبحانه- في تصديقه له بالمعجزات وبما جاء به من سمع!!! ، ثم أجاب باعتماده على تقرير ضعيف جداً عندهم وهي أن دلالة المعجزة على التصديق فعلية وهي معلومة بالضرورة بحسب العادة !! وهو مسلك الضرورة كما يسمى ومعروف تمثيلهم لتصور مثل هذا بالملك في محفل كبير وقد قام بين يديه من ادعى دعوى إلخ
ودعوى الضرورة في إفادة المعجزة للعلم هنا صحيحة لكن إذا مُنعت أصولهم أولاً!! فهذا مسلك ينقض أصلهم في التعليل ، والمثال عليهم لا لهم فإن أردت التفصيل فأظفر به في الجواب الصحيح 6/393-408 وأنظر أيضاً النبوات 1/480-483 و535-536و551 وبعدها و2/806 وبعدها وتجد هناك بيان حال مسلكهم الآخر في بيان دلالة المعجزة وهو مسلك القدرة وتعجيز الرب.
فالجواب الأول مع تضعيفهم له يتناقض مع أصل التحسين والتقبيح والثاني مع تضعيفهم لدلالته أيضا فهو في أحد أوجهه يتناقض مع ما قرروه في مسألة كلام النفس! و الجواب الثالث يناقض أصلهم في التعليل ولهذا سترى بعضاً من كلامهم و حيرتهم في نصنا الذي سيرد بعد قليل وفيه على سبيل المثال "الحكم بأن الكذب نقص إن كان عقلياً كان قولاً بحسن الأشياء وقبحها عقلاً ، وإن كان سمعياً لزم الدور!!" ومن عرف تناقضهم في الاستدلال يعرف أن الآفة في فساد أقوالهم لا في جهة صحة ما يراد أن يستدل عليه من الحق والله المستعان وعليه التكلان.
والعجب من صنيع الفخر الرازي في المحصل ص185-186 حين قرر نفي الكذب بحقه تعالى ذكر اعتراض على دليله فقال:
((لا يقال: هب أن ما ذكرته يدل على أن ذلك الخبر القديم صدق ، لكنه لا يدل على كون هذه الألفاظ صدقاً ، لأنا نقول للمعتزلة: هذا أيضاً لازم عليكم ، لأنكم جوزتم الحذف والإضمار لحكمة لا نطلع عليها ، وتجويز ذلك يرفع الوثوق عن هذه الظواهر!)) ثم انتهى الحديث عن هذه المسألة!!
هكذا بكل بساطة وبكل برود يكون الجواب! : وأنتم يلزمكم أيضاً أنه يكذب! والسلام !. ينظر تعليق صاحب منزلة القرآن بين السلف ومخالفيهم على هذا النص 2/1086.
والآن مع النص المقصود وهو من المسامرة لابن أبي شريف المقدسي الشافعي شرح المسايرة لابن الهمام، وكلام ابن الهمام صاحب المسايرة بين قوسين ( ) وكلام المقدسي بعده وما بين [ ] من المحقق في الحاشية:
قالا في سياق كلامهم عن مسألة التحسين والتقبيح ص58 وبعدها من الطبعة القديمة(ط1347 هـ) أو ص176 وبعدها ط العصرية:
..(وكثيراً ما يذهل(1) أكابر الأشاعرة عن محل النزاع في مسألتي التحسين والتقبيح العقليين لكثرة ما يشعرون في النفس أن لا حكم للعقل بحسن ولا قبح) .. (حتى تحير كثير منهم) أي: من كبار الأشاعرة (في الحكم باستحالة الكذب عليه) تعالى (لأنه نقص)...
وقوله: (حتى قال بعضهم) غاية لقوله: (حتى تحير كثير منهم) ، أي: فأدى تحير الكثير من أكابر الأشاعرة إلى أن قال بعضهم (ونعوذ بالله مما قال ، لا يتم استحالة النقص عليه) تعالى (إلا على رأي المعتزلة القائلين بالقبح العقلي!!![شرح المقاصد4/159] و) حتى (قال إمام الحرمين: "لا يمكن التمسك في تنزيه الرب جل جلاله عن الكذب بكونه نقصاً لأن الكذب لا يقبح لعينه!!![الإرشاد ص279] ، و) حتى (قال صاحب التلخيص[كتاب للشهرستاني] : "الحكم بأن الكذب نقص إن كان عقلياً كان قولاً بحسن الأشياء وقبحها عقلاً ، وإن كان سمعياً لزم الدور!!" ، وقال صاحب "المواقف" : "لم يظهر لي فرق بين النقص العقلي والقبح العقلي بل هو هو بعينه") كذا هو فيما وقفت عليه من نسخ المتن ، وهو نقل عن المواقف بالمعنى ، وعبارة المواقف: "لم يظهر لي فرق بين النقص في الفعل والقبح العقلي ، فإن النقص في الأفعال هو القبح العقلي"[المواقف ص296] ا.هـ المقصود من المتن مع الشرح.
========
(1) دعوى أن المسألة مجرد ذهول عن محل الخلاف يلزمه أن هؤلاء على وفاق مع من قسم المسألة إلى ثلاث أقسام وأن محل الخلاف هو الثالث لا الأول ، وهذه دعوى غير مبرهنة ولا صحيحة بل عامة المتقدمين وبعض المتأخرين -كما قرأت للرازي "في أحد أقواله " وهو في النهاية - ليست المسألة عندهم ذهول بل نفس كلامهم فيه تقرير واضح وصريح وفصيح -أنظر مثلاً كلام الجويني السابق ويوجد غيره كثير- ومن ادعى خلاف هذا فعليه بالدليل من كلامهم وبعضهم مضطرب لا يثبت على قدم كالإيجي بخلاف من فصل تفصيلاً قريباً من تفصيل أهل السنة ولم يتناقض ، أما الذهول فكثيراً ما يقع ممن يقول بأقوال تخالف ما غرز بالفطرة فقد يقول -عن ذهول-قولاً يوافق ما تنادي به فطرته فليتفطن .
المصدر: الجامع في المقالات والردود والفوائد....
المصدر: الجامع في المقالات والردود والفوائد....
0 comments:
إرسال تعليق