بسم الله الرحمن الرحيم
مايكل يونغ* - (الديلي ستار) 26/8/2010
نقلا عن جريدة الغد الأردنية 31/8/2010
ترجمة: عبد الرحمن الحسيني
كان عليك أن تتفق مع صحيفة "الأخبار" اليومية المؤيدة لحزب الله، عندما لاحظت في عددها ليوم الأربعاء الماضي أن باستطاعة المرء أن يفترض "بسذاجة" فقط، أن معركة برج أبي حيدر التي وقعت مساء اليوم السابق كانت نتيجة لخلاف شخصي بين أنصار حزب الله وجمعية المشاريع الإسلامية الخيرية التي تعرف باسم "الأحباش".
ونستطيع، في الغضون، أن نخمن بالضبط ماذا حصل. ومع ذلك، اتفقت معظم منافذ الإعلام على القول بأن التوتر كان يختمر منذ بعض الوقت في تلك الضاحية. فالأحباش مقربون من سورية، كي لا نقول أجهزة الاستخبارات السورية، التي توظف الجماعة منذ وقت طويل كقوة موازية لجماعات المتشددين السنة التي يعتبرها النظام السوري مصدر تهديد، وفي مقدمتها جماعة الإخوان المسلمين.
وفي فترة ما بعد الحرب، استخدم السوريون الأحباش ضد عائلة الحريري -وفي الحقيقة وجهت أصابع الشك لأعضاء من الأحباش بالتورط في اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري، وللحد من سلطة المفتي والمؤسسة الدينية السنية.
إن تأويل ما حدث على أنه صدام سني-شيعي قد يكون مفهوماً، لكنه كان ثمة ما هو أكثر من ذلك في الحقيقة. فربما تكون هنا أول مواجهة مسلحة بين سورية وإيران في لبنان، وبالإنابة، لتقرير من سيهيمن على البلد في المستقبل. وبتحديد أكثر، دخل السوريون، عبر سعيهم لبعث سيطرتهم، في صراع على السلطة مع القوة الوحيدة التي تستطيع مواجهتهم محلياً، حزب الله، الذي تسعى دمشق إلى فرض أولوياتها عليه. ولعله ليس من المفاجئ أن يرفض حزب الله التنازل عن المكاسب السياسية التي راكمها خلال الأعوام الخمسة الاخيرة -وهي مكاسب تقع، فوق كل شيء، في خدمة إيران.
وتقف في قلب المشكلة المحكمة الخاصة بلبنان. حيث من المتوقع صدور قرار عن المحكمة في الأشهر المقبلة -سواء كان يتعلق بالاتهام أو بتحديد المشتبه بهم. وفي الغضون، يشعر حزب الله بأنه سيكون مستهدفا بهذه الخطوة، وقد رفع من وتيرة السخونة الموجهة إلى الحكومة برئاسة سعد الحريري لحمله في الحال على وقف تعاون لبنان مع المحكمة. لكن الحريري رفض ذلك ليستطيع في الأثناء شراء عامل الوقت. ذلك لأن الحريري يعرف أن سورية تنوي استخدام أي قرار للمحكمة كرافعة تستخدم ضد حزب الله، وبالتالي لدفعه نحو الإذعان لمراكز دمشق الرئيسية التي تسيطر عليها في الإدارة العامة، كما وفي الجهازين الأمني والعسكري.
وفي ضوء هذا، فإن سورية تنتظر، مثل الحريري، أن يخرج عن المحكمة شيء ما أولا قبل بدء المفاوضات مع حزب الله، بينما يبدي الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله حرصاً على تجنب مثل هذه المساومة، التي ترمي إلى خلق حالة لا يمكن تحملها على الأرض، بحيث يترك الحريري بلا أي خيار سوى تقويض المحكمة قبل أن تحشر قراراتها التي تخلص إليها الحزب في الزاوية.
ومبدئيا، شعر حزب الله بأن لديه طائفة من الخيارات لترهيب الحريري. فقد ذكر الناطق بلسان الحزب، على نحو تحذيري، فكرة العودة إلى أيار (مايو) 2008 عندما اجتاح حزب الله وحركة أمل بيروت الغربية عسكرياً، وأجبرا حكومة فؤاد السنيورة على إلغاء قرارين كان الحزب قد اعتبرهما يشكلان تهديداً له. وقد أثار مسؤولو حزب الله احتمال إسقاط الحكومة الحالية. ومع ذلك، وخلال قمة عقدت في بيروت قبل عدة أسابيع، وقع الرئيس ميشال سليمان والعاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز والرئيس السوري بشار الأسد على بيان استبعد، من ناحية فعلية، كلا الإجراءين.
وتبعا لذلك، يمكن القول بأن قتال حزب الله ضد الأحباش، حتى على الرغم من عدم تحديد الحادث الذي أشعل ذلك القتال مسبقاً، كان بمثابة رسالة موجهة إلى دمشق مؤداها أن حزب الله لن ينحني بسهولة. وقد تم ذلك في ليلة ألقى فيها نصرالله كلمة دعا فيها عمليا إلى صبغ لبنان بالصبغة الإيرانية. ولم يكن لحزب الله أي مصلحة في مهاجمة تيار حركة المستقبل الذي يتزعمه الحريري؛ نظرا لأن من شأن ذلك أن يتجاوز الخطوط الحمراء كافة، وأن يفضي إلى اندلاع عداء سني شيعي رئيسي. لكن حزب الله كان قادراً، من خلال مطاردة الأحباش، على إرسال تحذير عقلاني إلى الحريري، كما وإرسال تحذير أكثر دلالة إلى دمشق.
لدى تبادلهم أطراف الحديث، أشار بعض المراقبين إلى أن ما حدث كان بمثابة تحذير سوري لحزب الله. لكن ثمة بعض المشاكل التي تكتنف هذه النظرية، ليس أقلها أن الوقت يصب في مصلحة سورية عندما يتعلق الأمر بالمحكمة، وأن سورية قد كسبت القليل من خلال استفزاز الحزب. وفي الاتجاهين، كان حزب الله والأحباش مسلحين ومستعدين لبعضهما بعضا.
على أن ما سيكون مثيراً للاهتمام والمتابعة في الأسابيع المقبلة، هو ما سيحدث على هوامش الصراع السوري الإيراني حول لبنان. وعلى رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري، الذي يكن الولاء لسورية، أن يبدي حذراً فائقاً إزاء كيفية إدارة علاقته مع حزب الله. وحمل إشارة بهذا المعنى البيان الذي أصدرته حركة أمل خلال حادث برج أبي حيدر، الذي قالت فيه إنها غير منخرطة في القتال، على الرغم من أن بعض رجالها قاتلوا في المعركة إلى جانب مقاتلي حزب الله.
يعد وليد جنبلاط سياسياً آخر يجب عليه أن يتعامل مع الندية القائمة بين حزب الله وسورية بحذر كبير جداً. ويلاحظ أنه دأب مؤخراً على رفع صوته مطالباً بأن يتم التخلي عن فكرة المحكمة. وذلك يعود إلى أن من شأنها مفاقمة حدة التوترات بين دمشق وحزب الله، وحيث يعيش جنبلاط وجماعته وسط هذه التوترات. وكان الزعيم الدرزي هدفاً لحالات إدانة متكررة من جانب صحيفة الأخبار مؤخراً، فيما يعود بشكل مبدئي إلى أن حزب الله ينظر إليه بوصفه ضعيفاً بشكل خاص (وهو كذلك بالفعل)، ويريد دمجه في الخط.
هل كانت مناوشات برج أبي حيدر هي الأولى في سلسلة من أحداث مشابهة ستتكرر؟ من الصعب الجزم بذلك، لكنه لا يوجد حتى الآن ما يشير إلى أن السوريين وحزب الله، على وشك الوصول إلى حل وسط من خلال ضبط طموحاتهما. وإن ما يقسم بين سورية وإيران هي القوة التي لا تميل حالياً إلى قبول المشاركة فيها. وحتى لو تجنب حزب الله وسورية وقوع حوادث مثل تلك يوم الثلاثاء الماضي، فستكون ثمة تفجرات عنف أو مشاحنات سياسية مع اقتراب المحكمة من اتخاذ إجراء ما.
لعل مما ينطوي على مؤشرات بشكل خاص، هو المدى الذي يشعر معه حزب الله بثقته بنفسه وبإمكانية أن يستطيع بز سورية في لبنان. ولم تكن دمشق أبداً جيدة في زج نفسها في وسط اللبنانيين من دون وجود جيشها وأجهزتها الاستخباراتية من حولها لتنفيذ إملاءاتها. ومما ينطوي على المفارقة أن حزب الله قد أصبح السد المنيع المقاوم لعودة سورية إلى لبنان، لأنه يريد المحافظة على لبنان لإيران. ويا لها من خيارات مخيفة تلك التي تركت لنا نحن اللبنانيين.
اشتباك برج أبي حيدر.. هل كان معركة بالإنابة؟
مايكل يونغ* - (الديلي ستار) 26/8/2010
نقلا عن جريدة الغد الأردنية 31/8/2010
ترجمة: عبد الرحمن الحسيني
كان عليك أن تتفق مع صحيفة "الأخبار" اليومية المؤيدة لحزب الله، عندما لاحظت في عددها ليوم الأربعاء الماضي أن باستطاعة المرء أن يفترض "بسذاجة" فقط، أن معركة برج أبي حيدر التي وقعت مساء اليوم السابق كانت نتيجة لخلاف شخصي بين أنصار حزب الله وجمعية المشاريع الإسلامية الخيرية التي تعرف باسم "الأحباش".
ونستطيع، في الغضون، أن نخمن بالضبط ماذا حصل. ومع ذلك، اتفقت معظم منافذ الإعلام على القول بأن التوتر كان يختمر منذ بعض الوقت في تلك الضاحية. فالأحباش مقربون من سورية، كي لا نقول أجهزة الاستخبارات السورية، التي توظف الجماعة منذ وقت طويل كقوة موازية لجماعات المتشددين السنة التي يعتبرها النظام السوري مصدر تهديد، وفي مقدمتها جماعة الإخوان المسلمين.
وفي فترة ما بعد الحرب، استخدم السوريون الأحباش ضد عائلة الحريري -وفي الحقيقة وجهت أصابع الشك لأعضاء من الأحباش بالتورط في اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري، وللحد من سلطة المفتي والمؤسسة الدينية السنية.
إن تأويل ما حدث على أنه صدام سني-شيعي قد يكون مفهوماً، لكنه كان ثمة ما هو أكثر من ذلك في الحقيقة. فربما تكون هنا أول مواجهة مسلحة بين سورية وإيران في لبنان، وبالإنابة، لتقرير من سيهيمن على البلد في المستقبل. وبتحديد أكثر، دخل السوريون، عبر سعيهم لبعث سيطرتهم، في صراع على السلطة مع القوة الوحيدة التي تستطيع مواجهتهم محلياً، حزب الله، الذي تسعى دمشق إلى فرض أولوياتها عليه. ولعله ليس من المفاجئ أن يرفض حزب الله التنازل عن المكاسب السياسية التي راكمها خلال الأعوام الخمسة الاخيرة -وهي مكاسب تقع، فوق كل شيء، في خدمة إيران.
وتقف في قلب المشكلة المحكمة الخاصة بلبنان. حيث من المتوقع صدور قرار عن المحكمة في الأشهر المقبلة -سواء كان يتعلق بالاتهام أو بتحديد المشتبه بهم. وفي الغضون، يشعر حزب الله بأنه سيكون مستهدفا بهذه الخطوة، وقد رفع من وتيرة السخونة الموجهة إلى الحكومة برئاسة سعد الحريري لحمله في الحال على وقف تعاون لبنان مع المحكمة. لكن الحريري رفض ذلك ليستطيع في الأثناء شراء عامل الوقت. ذلك لأن الحريري يعرف أن سورية تنوي استخدام أي قرار للمحكمة كرافعة تستخدم ضد حزب الله، وبالتالي لدفعه نحو الإذعان لمراكز دمشق الرئيسية التي تسيطر عليها في الإدارة العامة، كما وفي الجهازين الأمني والعسكري.
وفي ضوء هذا، فإن سورية تنتظر، مثل الحريري، أن يخرج عن المحكمة شيء ما أولا قبل بدء المفاوضات مع حزب الله، بينما يبدي الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله حرصاً على تجنب مثل هذه المساومة، التي ترمي إلى خلق حالة لا يمكن تحملها على الأرض، بحيث يترك الحريري بلا أي خيار سوى تقويض المحكمة قبل أن تحشر قراراتها التي تخلص إليها الحزب في الزاوية.
ومبدئيا، شعر حزب الله بأن لديه طائفة من الخيارات لترهيب الحريري. فقد ذكر الناطق بلسان الحزب، على نحو تحذيري، فكرة العودة إلى أيار (مايو) 2008 عندما اجتاح حزب الله وحركة أمل بيروت الغربية عسكرياً، وأجبرا حكومة فؤاد السنيورة على إلغاء قرارين كان الحزب قد اعتبرهما يشكلان تهديداً له. وقد أثار مسؤولو حزب الله احتمال إسقاط الحكومة الحالية. ومع ذلك، وخلال قمة عقدت في بيروت قبل عدة أسابيع، وقع الرئيس ميشال سليمان والعاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز والرئيس السوري بشار الأسد على بيان استبعد، من ناحية فعلية، كلا الإجراءين.
وتبعا لذلك، يمكن القول بأن قتال حزب الله ضد الأحباش، حتى على الرغم من عدم تحديد الحادث الذي أشعل ذلك القتال مسبقاً، كان بمثابة رسالة موجهة إلى دمشق مؤداها أن حزب الله لن ينحني بسهولة. وقد تم ذلك في ليلة ألقى فيها نصرالله كلمة دعا فيها عمليا إلى صبغ لبنان بالصبغة الإيرانية. ولم يكن لحزب الله أي مصلحة في مهاجمة تيار حركة المستقبل الذي يتزعمه الحريري؛ نظرا لأن من شأن ذلك أن يتجاوز الخطوط الحمراء كافة، وأن يفضي إلى اندلاع عداء سني شيعي رئيسي. لكن حزب الله كان قادراً، من خلال مطاردة الأحباش، على إرسال تحذير عقلاني إلى الحريري، كما وإرسال تحذير أكثر دلالة إلى دمشق.
لدى تبادلهم أطراف الحديث، أشار بعض المراقبين إلى أن ما حدث كان بمثابة تحذير سوري لحزب الله. لكن ثمة بعض المشاكل التي تكتنف هذه النظرية، ليس أقلها أن الوقت يصب في مصلحة سورية عندما يتعلق الأمر بالمحكمة، وأن سورية قد كسبت القليل من خلال استفزاز الحزب. وفي الاتجاهين، كان حزب الله والأحباش مسلحين ومستعدين لبعضهما بعضا.
على أن ما سيكون مثيراً للاهتمام والمتابعة في الأسابيع المقبلة، هو ما سيحدث على هوامش الصراع السوري الإيراني حول لبنان. وعلى رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري، الذي يكن الولاء لسورية، أن يبدي حذراً فائقاً إزاء كيفية إدارة علاقته مع حزب الله. وحمل إشارة بهذا المعنى البيان الذي أصدرته حركة أمل خلال حادث برج أبي حيدر، الذي قالت فيه إنها غير منخرطة في القتال، على الرغم من أن بعض رجالها قاتلوا في المعركة إلى جانب مقاتلي حزب الله.
يعد وليد جنبلاط سياسياً آخر يجب عليه أن يتعامل مع الندية القائمة بين حزب الله وسورية بحذر كبير جداً. ويلاحظ أنه دأب مؤخراً على رفع صوته مطالباً بأن يتم التخلي عن فكرة المحكمة. وذلك يعود إلى أن من شأنها مفاقمة حدة التوترات بين دمشق وحزب الله، وحيث يعيش جنبلاط وجماعته وسط هذه التوترات. وكان الزعيم الدرزي هدفاً لحالات إدانة متكررة من جانب صحيفة الأخبار مؤخراً، فيما يعود بشكل مبدئي إلى أن حزب الله ينظر إليه بوصفه ضعيفاً بشكل خاص (وهو كذلك بالفعل)، ويريد دمجه في الخط.
هل كانت مناوشات برج أبي حيدر هي الأولى في سلسلة من أحداث مشابهة ستتكرر؟ من الصعب الجزم بذلك، لكنه لا يوجد حتى الآن ما يشير إلى أن السوريين وحزب الله، على وشك الوصول إلى حل وسط من خلال ضبط طموحاتهما. وإن ما يقسم بين سورية وإيران هي القوة التي لا تميل حالياً إلى قبول المشاركة فيها. وحتى لو تجنب حزب الله وسورية وقوع حوادث مثل تلك يوم الثلاثاء الماضي، فستكون ثمة تفجرات عنف أو مشاحنات سياسية مع اقتراب المحكمة من اتخاذ إجراء ما.
لعل مما ينطوي على مؤشرات بشكل خاص، هو المدى الذي يشعر معه حزب الله بثقته بنفسه وبإمكانية أن يستطيع بز سورية في لبنان. ولم تكن دمشق أبداً جيدة في زج نفسها في وسط اللبنانيين من دون وجود جيشها وأجهزتها الاستخباراتية من حولها لتنفيذ إملاءاتها. ومما ينطوي على المفارقة أن حزب الله قد أصبح السد المنيع المقاوم لعودة سورية إلى لبنان، لأنه يريد المحافظة على لبنان لإيران. ويا لها من خيارات مخيفة تلك التي تركت لنا نحن اللبنانيين.
المصدر : الراصد نت
0 comments:
إرسال تعليق