بسم الله
الإمام محيي السنة أبو محمد الحسين بن مسعود البغوي الشافعي (516 هـ)
عد الأشعريان الإمام البغوي من الأشاعرة، بلا تمحيص ولا تحقيق، ولا نقل من كتبه ومؤلفاته كعادتهم. وهي دعوى يكذبها ما سطره الإمام البغوي في كتبه، كتفسيره المسمى بـ"معالم التنزيل"، وكتابه الماتع العظيم "شرح السنة" والذي قرر فيه معتقد أهل السنة والجماعة، حيث عقد فيه فصلاً للرد على الجهمية الذين يتأولون الصفات.
وأنا أنقل بعض كلامه في المعتقد لتتبين لنا حقيقة دعوى أشعريته:
قال في "شرح السنة": (باب: بيان أن الأعمال من الإيمان، وأن الإيمان يزيد وينقص، والرد على المرجئة –ثم ساق الآيات والأحاديث الدالة على ذلك ثم قال: اتفقت الصحابة والتابعون فمن بعدهم من علماء السنة على أن الأعمال من الإيمان ..- ثم قال: وقالوا: إن الإيمان قول وعمل وعقيدة، يزيد بالطاعة، وينقص بالمعصية على ما نطق به القرآن في الزيادة، وجاء الحديث بالنقصان في وصف النساء ... – إلى أن قال: واتفقوا على تفاضل أهل الإيمان في الإيمان وتباينهم في درجاته ..)[1] اهـ.
وهذا يخالف كما هو معلوم معتقد الأشاعرة من أن الإيمان هو التصديق، وأنه لا يزيد ولا ينقص.
وساق أحاديث الأصابع لله عز وجل ثم قال: (والإصبع المذكورة في الحديث صفة من صفات الله عز وجل، وكذلك كل ما جاء به الكتاب أو السنة من هذا القبيل في صفات الله تعالى، كالنفس، والوجه، واليدين، والعين، والرجل، والإتيان، والمجيء، والنزول إلى السماء الدنيا، والاستواء على العرش، والضحك والفرح –ثم ساق الأدلة عليها ثم قال: فهذه ونظائرها صفات لله تعالى، ورد بها السمع، يجب الإيمان بها، وإمرارها على ظاهرها، معرضاً عن التأويل، مجتنباً عن التشبيه، معتقداً أن الباري سبحانه وتعالى لا يشبه شيء من صفاته صفات الخلق، كما لا تشبه ذاته ذوات الخلق، قال الله سبحانه وتعالى: {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير} الشورى11، وعلى هذا مضى سلف الأمة، وعلماء السنة، تلقوها جميعاً بالقبول والتسليم، وتجنبوا فيها عن التمثيل والتأويل، ووكلوا العلم فيها إلى الله عز وجل – ثم ساق آثار السلف)[2] اهـ.
وفي باب الرد على الجهمية: ذكر حديث "إنه لفوق سماواته على عرشه، وإنه عليه لهكذا –وأشار وهب بيده- مثل القبة عليه، وأشار أبو الأزهر أيضاً "إنه ليئط به أطيط الرحل بالراكب" ثم نقل كلام الخطابي وتأويله للحديث والصفة، ثم قال معلقاً: (والواجب فيه وفي أمثاله: الإيمان بما جاء في الحديث، والتسليم، وترك التصرف فيه بالعقل، والله الموفق)[3] اهـ.
فتأمل إثباته لصفات الله تعالى، وأن الواجب إجراؤها على ظاهرها، مع نفي التشبيه عنها، ومنع التأويل فيها، وتقريره أن إثباتها لله لا يستلزم التشبيه، كإثبات الذات.
وتأمل منعه من الخوض فيها بالعقول تأويلاً،و تحريفاً، بعد أن نقل كلام الخطابي.
وأما قوله: "ووكلوا العلم فيها إلى الله عز وجل" فالمراد به علم حقيقة ما هي عليه، وكنهها، وكيفيتها، وإلا لم يكن لقوله "وإمرارها على ظاهرها" معنى، فإن الإمرار على الظاهر، هو حملها على ما دل عليه لفظها من المعنى المعروف لغة مع نفي التشبيه، وليس المراد بالظاهر: تنزيلها وكونها في القرآن، إذ لا ينكر هذا أحد ولا يمتري فيه.
ويقال أيضاً: لو كان كذلك لم يقل "إمرارها على ظاهرها" إذ يكون ظاهرها مجهولاً غير معلوم، فكيف يأمر بإمراره.
وقال في تفسيره "معالم التنزيل" في قوله تعالى {ثم استوى إلى السماء} البقرة29: ({ ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ } قال ابن عباس وأكثر مفسري السلف: أي ارتفع إلى السماء)[4] اهـ.
وقال في قوله تعالى {هل ينظرون إلا ان يأتيهم الله} البقرة210: (والأولى في هذه الآية وما شاكلها أن يؤمن الإنسان بظاهرها، ويكل علمها إلى الله تعالى، ويعتقد أن الله عز اسمه منزه عن سمات الحدث، على ذلك مضت أئمة السلف وعلماء السنة.)[5] اهـ.
وقال في قوله تعالى {ثم استوى على العرش} الأعراف54: (قال الكلبي ومقاتل: استقر. وقال أبو عبيدة: صعد. وأولت المعتزلة الاستواء بالاستيلاء، وأما أهل السنة فيقولون: الاستواء على العرش صفة لله تعالى، بلا كيف، يجب على الرجل الإيمان به، ويكل العلم فيه إلى الله عز وجل. وسأل رجل مالك بن أنس عن قوله: {الرحمن على العرش استوى} طه5، كيف استوى؟ فأطرق رأسه مليًّا، وعلاه الرحضاء، ثم قال: الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة، وما أظنك إلا ضالا ثم أمر به فأخرج.
وروي عن سفيان الثوري، والأوزاعي، والليث بن سعد، وسفيان بن عيينة، وعبد الله بن المبارك، وغيرهم من علماء السنة في هذه الآيات التي جاءت في الصفات المتشابهة: أمِرّوها كما جاءت بلا كيف..)[6] اهـ.
وقال في قوله تعالى {هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أو يأتي ربك} الأنعام158: ({أو يأتي ربك} بلا كيف، لفصل القضاء بين خلقه في موقف القيامة)[7] اهـ.
وقال في قوله تعالى {بل يداه مبسوطتان} المائدة64: (ويد الله صفة من صفاته كالسمع، والبصر، والوجه، وقال جل ذكره: {لما خلقت بيدي} ص75، وقال النبي r: "كلتا يديه يمين" والله أعلم بصفاته، فعلى العباد فيها الإيمان والتسليم. وقال أئمة السلف من أهل السنة في هذه الصفات: "أمرُّوها كما جاءت بلا كيف")[8] اهـ.
هذا بعض كلامه في تقرير المعتقد، فوازن بينه وبين معتقد الأشاعرة، لترى البون الشاسع بينهما.
-------------------------------------------
[1] شرح السنة (1/33).
[2] المرجع السابق (1/163-171)
[3] المرجع السابق (1/177).
[4] معالم التنزيل (1/59).
[5] المرجع السابق (1/174).
[6] المرجع السابق (2/164-165).
[7] المرجع السابق (2/144).
[8] المرجع السابق (2/50).
المصدر : الباب الرابع : تبرئة أئمة السنة من فرية الانتساب إلى الأشعرية والكلابية
الأشاعرة في ميزان أهل السنة
نقدٌ لكتاب (أهل السنة الأشاعرة شهادة علماء الأمة وأدلتهم)
تأليف فيصل بن قزار الجاسم
الأشاعرة في ميزان أهل السنة
نقدٌ لكتاب (أهل السنة الأشاعرة شهادة علماء الأمة وأدلتهم)
تأليف فيصل بن قزار الجاسم
0 comments:
إرسال تعليق