بسم الله
ادعى المتكلم ابن الأهدل اليمني الأشعري إن الشيخ عبد القادر الجيلاني كان أشعري المعتقد حنبلي الفروع [1] ، مسايرا للمؤرخ اليافعي المكي الصوفي (ت 768ه ) الذي روى إن الشيخ الجيلاني غيّر اعتقاده في آخر عمره ، مدعيا إن الشيخ نجم الدين الأصفهاني أخبره إن الجيلاني لما (( بلغه إن الفقيه الإمام البارع المشكور تقي الدين بن دقيق العيد المشهور تعجّب من شذوذ الشيخ عبد القادر المذكور ، في اعتقاده عن موافقة الجمهور العارفين،و العلماء المحققين في مسألة الجهة المعروفة )) غيرّ-أي الجيلاني- عقيدته في الجهة و المكان ، في آخر عمره[2] .ثم أضاف اليافعي أنه لا يشك في الشيخ نجم الدين-الذي أخبره بذلك- لأنه من ذوي الكشف و النور ، و يسكن في العراق ، فهو قريب من موطن الشيخ الجيلاني [3] .
و أقول-ردا عليه- : إن ما ادعاه اليافعي باطل لا يصح لعدة و جوه ، أولها إن الشيخ عبد القادر أثبت الصفات الإلهية ، كالعلو ، و الجهة ، و الاستواء على العرش ، في كتابه الغنية و لم يؤوّلها ، و رد فيه على الأشاعرة في مسألة النزول و الصوت و الحرف ، و ذمهم و وصفهم بالابتداع [4] .
و الثاني هو إن اليافعي انفرد بهذا الخبر عن غيره من المؤرخين ، فأنني لم أعثر عليه في كتب التراجم و التواريخ ، و الطبقات التي اطلعت عليها . لذا فمن المستبعد جدا أن يغيّر الجيلاني اعتقاده الحنبلي ، و لا يشتهر ذلك عنه بين الحنابلة و الطوائف الإسلامية الأخرى ، و بين خصومه الحنابلة الذين يبحثون عن أي شيء للطعن فيه [5] .
و الثالث إن خبره يحمل في ذاته الدليل القاطع على بطلانه ، لأن فيه إن الشيخ عبد القادر غيّر اعتقاده ، عندما بلغه ما قاله عنه الشيخ تقي الدين بن دقيق العيد . فكيف يبلغه ذلك و هذا الأخير قد ولد في سنة 625ه ، و توفي في سنة 702ه ، و والده مجد الدين قد ولد في عام 581ه ، و توفي في عام 667ه [6] ، و الشيخ الجيلاني توفي في سنة 561ه ، فبينه و بين الابن أربع و ستين سنة ، و بينه و بين الأب عشرين سنة ؟ أليس هذا دليل قاطع على بطلان خبر اليافعي ؟
و الرابع هو إن اليافعي كان متعصبا للأشعرية ، و يذم كبار علماء الحنابلة [7]، لذا يبدو أنه عزّ عليه أن يكون أحد أقطاب الصوفية حنبليا أصولا و فروعا، و لا يكون أشعريا ، لذلك روي خبر تغيير الجيلاني لاعتقاده في آخر عمره و هو يعلم ما بينه و بين ابن دقيق العيد من زمن طويل ، و لم يُبال بذلك .
-----------------------------------
[1] ابن الأهدل : المصدر السابق ص : 83 .
[2] اليافعهي : المصدر السابق ج 3 ص : 362 ، 363 .
[3] نفسه ج 3 ص : 362 .
[4] عبد القادر الجيلاني : الغنية لطالبي طريق الحق ج 1 ص : 71 ، 72 ، 74 ، 78 .
[5] منهم عبد الرحمن ابن الجوزي الذي كان خصما للجيلاني .
[6] الأدفوي كمال الدين: الطالع السعيد ، الدار المصرية للتأليف ، 1966 ، ص : 432 ، 575 .و ابن العماد الحنبلي : المصدر السابق ج 5 ص : 324 ، 325 ، ج 6 ص : 5 .
[7] المناوي : الكواكب الدرية ، ط1 ، بيروت ، دار صادر، 1999 ، ج 3 ص : 36 .
المصدر: الأزمة العقيدية بين الأشاعرة و أهل الحديث - خلال القرنين : 5-6 الهجريين - مظاهرها ، آثارها ، أسبابها ، و الحلول المقترحة لها / خالد علال ص 46-47
0 comments:
إرسال تعليق