بسم الله
شيخ الإسلام الإمام أبو عثمان إسماعيل بن عبد الرحمن الصابوني (449 هـ)
زعم الأشعريان أن شيخ الإسلام الصابوني أشعري مستندين إلى ما ذكره ابن عساكر في تبيين كذب المفتري حيث قال: (وسمعت الشيخ أبا بكر احمد بن محمد بن إسماعيل بن محمد بن بشار البوشنجي المعروف بالخركردي الفقيه الزاهد يحكي عن بعض شيوخه: أن الإمام أبا عثمان إسماعيل بن عبد الرحمن بن أحمد الصابوني النيسابوري، قال: ما كان يخرج إلى مجلس درسه إلا وبيده كتاب الإبانة لأبي الحسن الأشعري، ويظهر الإعجاب به، ويقول: ماذا الذي يُنكر على من هذا الكتاب شرح مذهبه. فهذا قول الإمام أبي عثمان وهو من أعيان اهل الأثر بخراسان)[1] اهـ.
والاستدلال بمثل هذه الحكاية على أشعريته الصابوني خطأ كبير لأمور:
الأول: أن المخبر بها غير مسمى، فلا يُعرف من هو، فكيف يمكن الاعتماد على مثل هذه الحكاية.
الثاني: أنه أمر غير مستغرب، لأن الإبانة الذي ألفه الأشعري في آخر عمره، قد مشى فيه على طريقة السلف، ورجع عما كان عليه من طريقة ابن كلاب، وهو ما سيأتي تقريره في الفصل الثالث من الباب الخامس.
فلذلك نقول: إن كانت الأشعرية هي على ما عليه الأشعري في الإبانة فحيهلا، وأما إن كانت على ما عليه الأشاعرة المتأخرون فلا وألف لا.
الأمر الثالث: أن الإمام الصابوني قد كتب في بيان المعتقد كتاباً عظيماً أسماه "عقيدة السلف وأصحاب الحديث"، وهو مشهور متداول، فهلا نقل منه الأشعريان ليثبتا أشعريته وموافقته لهما؟!.
فإن كتابه هذا قد أبان فيه المعتقد الصحيح لأهل الحديث أهل السنة والجماعة، وهو الموافق لما في كتاب الإبانة لأبي الحسن الأشعري، فلا عجب بعد ذلك أن يثني الإمام الصابوني على الإبانة.
وأنا أنقل هنا بعض ما ذكره في كتابه حتى تتبين عقيدة الإمام الصابوني:
قال يحكي عقيدة أهل الحديث: (ويثبتون له جل جلاله ما أثبت لنفسه في كتابه، وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسم، ولا يعتقدون تشبيها لصفاته بصفات خلقه، فيقولون: إنه خلق آدم بيده، كما نص سبحانه عليه في قوله- عز من قائل: (يا إبليس ما منعك ان تسجد لما خلقت بيدي) ولا يحرفون الكلام عن مواضعه بحمل اليدين على النعمتين، أو القوتين، تحريف المعتزلة الجهمية، أهلكهم الله، ولا يكيفونهما بكيف أو تشبيههما بأيدي المخلوقين، تشبيه المشبهة، خذلهم الله، وقد أعاذ الله تعالى أهل السنة من التحريف والتكييف، ومن عليهم بالتعريف والتفهيم، حتى سلكوا سبل التوحيد والتنزيه، وتركوا القول بالتعطيل والتشبيه، واتبعوا قول الله عز وجل: {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير} الشورى11.
وكذلك يقولون في جميع الصفات التي نزل بذكرها القرآن، ووردت بها الأخبار الصحاح من السمع والبصر والعين والوجه والعلم والقوة والقدرة، والعزة والعظمة والإرادة، والمشيئة والقول والكلام، والرضا والسخط والحياة، واليقظة والفرح والضحك وغرها من غير تشبيه لشيء من ذلك بصفات المربوبين المخلوقين، بل ينتهون فيها إلى ما قاله الله تعالى، وقاله رسوله صلى الله عليه وآله وسلم من غير زيادة عليه ولا إضافة إليه، ولا تكييف له ولا تشبيه، ولا تحريف ولا تبديل ولا تغيير، ولا إزالة للفظ الخبر عما تعرفه العرب، وتضعه عليه بتأويل منكر، ويجرونه على الظاهر، ويكلون علمه إلى الله تعالى، ويقرون بأن تأويله لا يعلمه إلا الله، كما أخبر الله عن الراسخين في العلم أنهم يقولونه في قوله تعالى: {والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولو الألباب} آل عمران7)[2] اهـ.
فانظر كيف حكى معتقد أهل السنة في الصفات، وأنهم يسلكون فيها الإثبات من غير تشبيه، ولا تحريف وتأويل. وأن هذا هو سبيلهم في جميع الصفات، لا يفرقون بين صفات المعاني، ولا غيرها من الصفات، كالوجه، واليدين، والفرح، والضحك.
وقد سبق أن بينت أن قوله: "ويكلون علمه إلى الله تعالى، ويقرون بأن تأويله لا يعلمه إلا الله" يريد به حقيقة ما عليه الصفة، وكيفيتها، بدليل إثباته لها على ظاهرها، ومنعه من التعرض لها بتأويل وغيره، فلو كان اللفظ غير مفهوم، لم يكن إمراره على ظاهره معنى، كيف وقد بين وجوب إمراره بلا تشبيه، ولا تكييف، ونقل إجماع الأمة على علو الله تعالى واستواءه على عرشه بمعنى العلو.
فقال في الاستواء والعلو: (ويعتقد أهل الحديث ويشهدون أن الله سبحانه وتعالى فوق سبع سموات على عرشه كما نطق به كتابه .... وعلماء الأمة وأعيان الأئمة من السلف رحمهم الله لم يختلفوا في أن الله على عرشه، وعرشه فوق سماواته ...) إلى أن قال: (وسمعت الحاكم أبا عبد الله في كتابه (التاريخ) الذي جمعه لأهل نيسابور، وفي كتابه (معرفة الحديث) اللذين جمعهما ولم يسبق إلى مثلهما يقول: سمعت أبا جعفر محمد بن صالح بن هانئ يقول: سمعت أبا بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة يقول: من لم يقل بأن الله عز وجل على عرشه، فوق سبع سمواته، فهو كافر بربه، حلال الدم، يستتاب فإن تاب وإلا ضربت عنقه، وألقي على بعض المزابل حتى لا يتأذى المسلمون ولا المعاهدون بنتن رائحة جيفته، وكان ماله فيئا لا يرثه أحد من المسلمين، إذ المسلم لا يرث الكافر، كما قال الني صلى الله عليه وسلم " لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم " رواه البخاري ......) -ثم ذكر حديث الجارية "أين الله؟" ثم قال: (فحكم رسول الله r بإسلامها وإيمانها لما أقرت بأن ربها في السماء، وعرفت ربها بصفة العلو والفوقية)[3] اهـ.
وقال (ص48): (والفرق بين أهل السنة وبين أهل البدعة أنهم إذا سمعوا خبراً في صفات الرب ردوه أصلاً، ولم يقبلوه أو يسلموا للظاهر، ثم تأولوه بتأويل يقصدون به رفع الخبر من أصله، وإعمال حيل عقولهم وآرائهم فيه، ويعلمون حقاً يقيناً أن ما قاله رسول الله r فعلى ما قاله ..) اهـ.
وقال في إثبات النزول لله تعالى (ص50) : (ويثبت أصحاب الحديث نزول الرب سبحانه وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا، من غير تشبيه له بنزول المخلوقين، ولا تمثيل ولا تكييف بل يثبتون ما أثبته رسول الله صلى الله عليه وسلم، وينتهون فيه إليه، ويمرون الخبر الصحيح الوارد بذكره على ظاهره، ويكلون علمه إلى الله...) اهـ.
وقال في إثبات الرؤية: (ويشهد أهل السنة أن المؤمنين يرون ربهم تبارك وتعالى بأبصارهم، وينظرون إليه على ما ورد به الخبر الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله: " إنكم ترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر" والتشبيه وقع للرؤية بالرؤية، لا للمرئي..)[4] اهـ.
وقال في الإيمان: (ومن مذهب أهل الحديث: أن الإيمان قول وعمل ومعرفة، يزيد بالطاعة، وينقص بالمعصية.)[5] اهـ.
وقال في علامات أهل البدع: (وعلامات البدع على أهلها بادية ظاهرة، وأظهر آياتهم وعلاماتهم شدة معاداتهم لحملة أخبار النبي r، واحتقارهم لهم وتسميتهم إياهم حشوية وجهلة وظاهرية)[6] اهـ.
فهذه بعض تقريراته في المعتقد، والتي تدل على اتباعه لمذهب السلف فيها، واجتنابه مذهب الخلف كالأشعرية وغيرهم.
وقد نقل الصابوني كثيراً عن إمام الأئمة ابن خزيمة في أبواب الاعتقاد، ومعلوم مخالفة ابن خزيمة للكلابية والأشعرية، والتحذير منهم.
فهل يا ترى بعد هذا يصح نسبة هذا الإمام للأشعرية؟!!
أم هل يرتضي الأشعريان عقيدته هذه؟!!
------------------------------------------------
[1] تبيين كذب المفتري (ص363).
[2] عقيدة السلف وأهل الحديث (ص36-39).
[3] المرجع السابق (ص44-47).
[4] المرجع السابق (ص76).
[5] المرجع السابق (ص78).
[6] المرجعه السابق (ص109).
المصدر : الباب الرابع : تبرئة أئمة السنة من فرية الانتساب إلى الأشعرية والكلابية
الأشاعرة في ميزان أهل السنة
نقدٌ لكتاب (أهل السنة الأشاعرة شهادة علماء الأمة وأدلتهم)
تأليف فيصل بن قزار الجاسم
الأشاعرة في ميزان أهل السنة
نقدٌ لكتاب (أهل السنة الأشاعرة شهادة علماء الأمة وأدلتهم)
تأليف فيصل بن قزار الجاسم
0 comments:
إرسال تعليق