بسم الله
[ التهويل بادعاء أن تضليل الأشعرية يستلزم تضليل الأمة ]
وأما ما يمارسه بعض الناس من تهويلٍ يريد به إسكات أهل الحق عن رد الباطل وإنكاره، فتراه يقول: إن الحكم على الأشعرية بالضلال يستلزم تضليل الأمة وتسفيه علمائها الذين سلكوا هذه الطريقة عبر كثير من القرون، وما إلى ذلك من التهويلات. فهذا مردود عليه من وجوه:
أولها: أن هذا الإلزام إن صح، فإنما يتوجه ابتداءاً على السلف والأئمة قبل أن يتوجه علينا، لأنهم أول من أنكر على من تأول الصفات، بل واشتد نكيرهم وتغليظهم في ذلك، حتى عدّوا كل من تأول صفة لله وصرفها عن ظاهرها من الجهمية، وقد مر معنا في ثنايا هذا الكتاب كثيرٌ من كلامهم، ومنها وصف الإمام أحمد لمن أنكر الحرف والصوت لله بالتجهم، وكذلك من تأول صفة الضحك لله، وغيرها كثير.
فكيف نُلام على ما نحن متبعون فيه، ولا يلام غيرنا على ما هم مبتدعون فيه؟!!
الوجه الثاني: أن الحكم على الأوصاف بالبدعة والضلالة لا يستلزم الحكم على الأشخاص، فقد يقع العبد في معصية، أو بدعة ونحو ذلك، ولا يكون في نفس الأمر عاصياً، ولا مبتدعاً، وذلك إما لوجود مانع من إكراه وشبهة ونحو ذلك، أو لفقد شرط كعلم ونحوه.
قال تعالى: {وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا} الإسراء15.
وقال عمرو بن العاص t سمعت رسول الله r يقول: (إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران، وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر)[1].
فمن اجتهد في الوصول إلى الحق، وبذل وسعه متجرداً لله تعالى، مؤثراً للحق على غيره، فلم يُصب، فهو مأجور على اجتهاده في طلب الحق.
ولكنّ هذا لا يعني السكوت على خطئه، وترك الإنكار عليه. فالإنكار على المنكر واجب لعموم قوله تعالى: {كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر} آل عمران110.
وقول النبي r: (من رأى منكم منكراً، فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان)[2].
والمنكر: هو كل ما خالف الكتاب والسنة وهدي السلف. ومنه: تسليط سهام التأويل على صفات الله تعالى التي بيّنها لعباده، وأوضحها في كتابه، وسنة نبيه r.
وليس مسلك التأويل في صفات الله تعالى من المسائل الاجتهادية التي يسوغ فيها الخلاف، ولا يتوجه فيها الإنكار، إذ أنه مخالفٌ لإجماع الصحابة والسلف، الذين لم يصح عنهم حرف واحد في التأويل. وفي مقابله صحت آلاف النصوص التي تنهى عنه، وتحذر منه ومن أهله.
وبهذا يتبين أن الواجب على أهل العلم بيان الواجب في صفات الله تعالى، والأمر باتباع نهج الصحابة والسلف الكرام، والنهي عن كل ما خالف ذلك، والإنكار على فاعله مهما كانت منزلته ومكانته، مع أنه قد يكون في نفس الأمر مجتهداً لم يتبين له الحق، فيكون عذراً له عند الله، بل مأجوراً عليه.
---------------------------------------
[1] رواه البخاري (6/2676) ومسلم (1716).
[2] رواه مسلم (49).
المصدر : الفصل الخامس: إبطال دعوى الأشاعرة أنهم أكثر الأمة
الأشاعرة في ميزان أهل السنة
نقدٌ لكتاب (أهل السنة الأشاعرة شهادة علماء الأمة وأدلتهم)
تأليف فيصل بن قزار الجاسم
0 comments:
إرسال تعليق