بسم الله الرحمن الرحيم
نقض شبهات السقاف حول الإحتجاج بأخبار الآحاد في مسائل العقيدة
الشبهة الأولى
ثم بدأ السقاف في ص27 بالتشغيب على أخبار الآحاد حيث أنها لا تصلح حجة في مسائل الإعتقاد ونقل لتأييد قوله نص الخطيب في الفقيه والمتفقه
قال الحافظ الخطيب البغدادي في " الفقيه والمتفقه " (1 / 132) : " باب القول فيما يرد به خبر الواحد : . . . . وإذا روى الثقة المأمون خبرا متصل الاسناد رد بأمور : أحدها : أن يخالف موجبات العقول فيعلم بطلانه ، لان الشرع إنما يرد بمجوزات العقول وأما بخلاف العقول فلا .
والثاني : أن يخالف نص الكتاب أو السنة المتواترة فيعلم أنه لا أصل له أو منسوخ . والثالث : يخالف الاجماع فيستدل على أنه منسوخ أو لا أصل له . . . والرابع : أن ينفرد الواحد برواية ما يجب على كافة الخلق علمه فيدل ذلك على أنه لا أصل له لانه لا يجوز أن يكون له أصل وينفرد هو بعلمه من بين الخلق العظيم . الخامس : أن ينفرد برواية ما جرت العادة بأن ينقله أهل التواتر فلا يقبل لانه لا يجوز أن ينفرد في مثل هذا بالرواية "
قلت والجواب عن هذا أنه ليس فيه دلالة أن ما يصلح حجة في الأحكام لا يصلح حجة في الإعتقاد كما هو مذهب السقاف بل هو حجة عليه فكل الأمور السابقة تشترك فيها أحاديث الأحكام مع أحاديث العقائد فقوله
((أن يخالف موجبات العقول فيعلم بطلانه ))
تشترك فيه أحاديث الأحكام مع أحاديث الإعتقاد بل وحتى الوقائع التاريخية تشترك في هذا مع أحاديث العقائد
فحديث تعدد حادثة الكسوف في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ردها جماعة من العلماء لمخالفتها للواقع
وقول الخطيب (( موجبات العقول )) يعني البديهيات وليست الأمور التي تختلف فيها العقول فتقبله عقول الأئمة الأكابر كمالك والشافعي ومسلم
ويأتي من يردها لمخالفتها لما في عقل الكوثري
وقوله (( أن يخالف نص الكتاب أو السنة المتواترة ))
قلت هذا يشمل نصوص الأحكام والإعتقادات ثم إنه خارج محل النزاع فنحن نتحدث عن الحديث الصحيح وهذه صفة الحديث الشاذ
وقوله (( يخالف الاجماع فيستدل على أنه منسوخ أو لا أصل له ))
قلت وهذا خاص بالأحكام فالعقائد لا تنسخ
والقول بالنسخ يدل على القبول
ولا يكاد يوجد إجماع إلا وهو يعتمد على نص فبناء عليه تكون هذه صفة الحديث الشاذ وهو خارج محل النزاع
وقوله (( أن ينفرد الواحد برواية ما يجب على كافة الخلق علمه ))
هذا شامل في الأحكام والعقائد وفيه نظر فقد بنى جماعة من الفقهاء القول بالوجود في العديد من مسائل الطهارة والصلاة وغيرها مما ينبغي على مسلم تعلمه بخبر الواحد وهذا مما لا يخالف فيه السقاف
والخطيب البغدادي يعتقد أن هذه الشروط لا تنبق على أحاديث الصفات وإليك الدليل
قال الذهبي في كتاب العرش أخبرنا إسماعيل بن عبد الرحمن ، أنبأنا عبد الله بن أحمد المقدسي سنة سبع عشرة وستمائة، عن المبارك بن علي الصيرفي ، أنبأنا أبو الحسن محمد بن مرزوق الزعفراني ، أنبأنا أبو بكر الخطيب قال: "[أما] الكلام في الصفات، فأما ما روي منها في السنن الصحاح، فمذهب السلف إثباتها وإجراؤها على ظواهرها، ونفي الكيف والتشبيه عنها ، والأصل في هذا أن الكلام في الصفات فرع على الكلام في الذات، ونحتذي في ذلك حذوه ومثاله، وإذا كان معلوماً أن إثبات رب العالمين إنما هو إثبات وجود لا إثبات تحديد وتكييف، فكذلك إثبات صفاته فإنما هو إثبات وجود (ق87/أ) لا إثبات تحديد وتكييف، فإذا قلنا: يد وسمع وبصر، فإنما هو إثبات صفات أثبتها الله لنفسه، ولا نقول إن معنى اليد: القدرة، ولا نقول: إن معنى السمع والبصر: العلم، ولا نقول: إنها جوارح وأدوات الفعل، ونقول: إنما وجب إثباتها لأن التوقيف ورد بها، ووجب نفي التشبيه عنها، لقوله تعالى {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} ، وقوله {وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ }
قلت وإسناده صحيح فشيخ الذهبي
قال عنه محقق كتاب العرش الشيخ محمد بن خليفة التميمي (( إسماعيل بن عبد الرحمن بن عمرو، أبو الفداء المرداوي ثم الصالحي الحنبلي الفراء المعروف بابن المنادي، شيخ صالح، ولد سنة (610هـ) وتوفي سنة (700هـ). معجم شيوخ الذهبي (1/175)،
وشيخه عبد الله بن أحمد قال عنه (( عبد الله بن أحمد بن أبي بكر محمد بن إبراهيم السعدي المقدسي، أبو محمد الصالحي الحنبلي، المحدث، الرحال، مفيد الطلبة، توفي سنة (658هـ) وله أربعون سنة. السير (23/375)، ذيل طبقات الحنابلة (2/268)
وشيخه أبو طالب (( أبو طالب المبارك بن علي الصيرفي، وفي ذيل تاريخ بغداد (15/337، ت1239): "وكان ثقة، توفي في ذي الحجة سنة اثنتين وستين وخمسمائة فجأة".
وشيخه محمد بن مرزوق بن عبد الرزاق بن محمد البغدادي، أبو الحسن الزعفراني، الحلاّب، الشافعي، ولد سنة (442هـ) وكان تاجراً، جوّالاً، فقيهاً، محدثاً، ثبتاً، صالحاً، مات ببغداد سنة (517هـ). السير (19/471)، شذرات الذهب (4/76)
ووجه الدلالة في قول الخطيب (( "[أما] الكلام في الصفات، فأما ما روي منها في السنن الصحاح، فمذهب السلف إثباتها وإجراؤها على ظواهرها))
فلم يفرق بين أخبار الآحاد والمتواتر وهو هنا يصرح بلفظ الإثبات والإجراء على الظاهر مما لا يدع مجالاً لزعم التفويض
وخصوصاً أنه نفى الكيف والتشبيه وهذه التحرزات لا تكون مع إثبات المعنى
ثم قرر أن الكلام في الثفات فرع عن الكلام في الذات
وليس لقائل أن الخطيب يفوض وجود الله !!والعياذ بالله
الشبهة الثانية
وأطلق السقاف القول بظنية أخبار الآحاد في ص26 وبنى على ذلك عدم حجيتها في مسائل الإعتقاد
والجواب عن ذلك
أن أخبار الآحاد تفيد العلم إذا احتفت بها القرائن ومن تلكم القرائن
إجماع الحفاظ على تصحيحها كأحاديث الصحيحين التي لم ينتقدها الأكابر كالدارقطني والغساني
والإجماع حجة قطعية باعتراف السقاف حيث ذكر أن حجية الإجماع قطعية عند كلامه على ظنية أخبار الآحاد
وهذا مذهب الكوثري حيث قال في كتابه نظرة عابرة ص(109) (( فخبر الآحاد الذي تلقته الأمة بالقبول يقطع بصدقه ))
قلت استفدت هذا النص من كتاب موسوعة أهل السنة لعبد الرحمن الدمشقية (529)
والناس تبع للأئمة النقاد في هذا الشأن ( أعني التصحيح والتضعيف )
وقال الإسفراييني كما في النكت على ابن الصلاح (1/377 ) (( أهل الصنعة مجمعون على أن الأخبار التي اشتمل عليها مقطوع بها عن صاحب الشرع ))
قلت يخرج من هذا الإجماع الأحاديث التي انتقدها الدارقطني وغيره من الأئمة النقاد _ يخرج من ذلك المتهوكين من المتأخرين_ ويدخل فيه كل حديث انفق الأئمة على تصحيحه وإن لم يكن في الصحيحين
قال أبو المظفر السمعاني (( إن الخبر إذا صح عن النبي ورواه الأئمة الثقات وأسنده خلفهم عن سلفهم إلى رسول الله وأسنده خلفهم عن سلفهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وتلقته الأمة بالقبول فإنه يوجب العلم ))
راجع موسوعة أهل السنة للدمشقية
ومثال ذلك حديث (( فيأتيهم الجبَّار في صورة غير صورته التي رأوه فيها ))
فقد اتفق الشيخان على تصحيحه وصححه الدارمي ولم يتعرض له شراح الصحيحين بتضعيف بل أولوه والتأويل فرع عن القبول
ومن تناقضات السقاف والكوثري أنهما يضعفان هذا الحديث
القرينة الثانية تعدد الطرق بما يحصل به الإطمئنان لصدق الحديث وإن لم يبلغ درجة التواتر
خصوصاً إن يضعف الحديث معتبر فلو وجدنا حديثاً في اقل طبقة من طبقاته ثلاثة كلهم عدول لجزمنا بعدم وجود الكذب لأنهم عدول
وإذا كانوا ضباطاً لجزمنا بعدم وجود الخطأ فهم ضباط بل حتى لو كان اثنان منهم ضباط والثالث ضعيف الضبط
وهذا أمرٌ معلوم من الحس
ومثال ذلك حديث الكشف عن ساق
فقد روي في الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري
وقد رواه جماعة كعبد الله بن أحمد في السنة والطبراني في الكبير من حديث عبد الله بن مسعود
وأخرجه الدارمي في سننه من حديث أبي هريرة
وأسانيده قوية
فهذا يقطع بثوته عن النبي ولا يلتفت لكونه آحاداً
الشبهة الثالثة
وزعم السقاف في ص27 أن مسائل (أصول) الإعتقاد لا تثبت إلا بالعلم أي أنه لا يكفي فيها الظن الغالب
وأخبار الآحاد دلالتها ظنية ( وقد سبق نقد هذا الإطلاق )
وهذا هو الأصل الثاني الذي بنى عليه السقاف قوله في اخبار الآحاد والجواب عليه من وجهين
الأول أنه لا دليل على التفريق بين مسائل الإعتقاد ومسائل الأحكام من حيث التلقي فإذا قلنا في خبر الواحد لا نأخذ به في مسائل الإعتقاد لأنه يجوز على الواحد الخطأ
جاز للمعتزلي أن يقول لا أستحل أن أحكم في الدماء والأعراض بخبر الواحد لأنه يجوز عليه الخطأ
وسنجيبه بأن الله عز وجل أمرنا بالرجوع إلى الكتاب والسنة عند الإختلاف
قال تعالى (( فإن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُول))
والأخبار المتواترة معظمها محل إجماع فيمتنع أن يأمرنا الله عز وجل بالرجوع إلى ما لا يصلح حجة
وخصوصاً أن لفظ الآية من ألفاظ العموم
بل قد تعهد سبحانه وتعالى بحفظ الدين قال تعالى (( إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ))
ثم إن إجماع الصحابة منعقد على الأخذ بأخبار الآحاد في مسائل الفروع
فقد أخذوا بخبر الواحد في تحول القبلة
الثاني أن الأحكام العملية تتضمن إعتقاداً فالذي يصلي الضحى يصليها معتقداً أن الله يحب هذا العمل وعليه فقس
وبهذا يبطل ذلك التفريق المحدث
الثالث ان الظن الغالب معتبر شرعاً بل وسماه رب العالمين علماً قال تعالى (( فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ ))
قلت والمقصود بالعلم هنا الظن الغالب إذ لا يعلم ما في القلوب إلا الله
فهذا يدل على استواء العلم والظن الغالب في الحكم
وقال تعالى (( ولا تقف ما ليس لك به علم ))
وهذا عام في العقائد والأحكام وما زال الصحابة ومن بعدهم يقفون أخبار الآحاد في الأحكام فدل على أنها علم
وبهذا يتم نسف أصل السقاف الثاني في مسألة أخبار الآحاد
الشبهة الثالثة
وزعم السقاف أن معاذ بن جبل لم يبعث إلى اليمن وحده وإنما كان ضمن جماعة واحتج بما رواه أحمد في مسنده من حديث بريدة (( بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثين إلى اليمن على أحدهما علي بن أبي طالب وعلى الآخر خالد بن الوليد فقال: إذا التقيتم فعلي على الناس وإن افترقتما فكل واحد منكما على جنده قال: فلقينا بني زيد من أهل اليمن فاقتتلنا فظهر المسلمون على المشركين فقتلنا المقاتلة وسبينا الذرية فاصطفى علي امرأة من السبي لنفسه قال بريدة: فكتب معي خالد بن الوليد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يخبره بذلك فلما أتيت النبي صلى الله عليه وسلم دفعت الكتاب فقرئ عليه فرأيت الغضب في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت يا رسول الله هذا مكان العائذ بعثتني مع رجل وأمرتني أن أطيعه ففعلت ما أرسلت به فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تقع في علي فإنه مني وأنا منه وهو وليكم بعدي وإنه مني وأنا منه وهو وليكم بعدي ))
وحسن السقاف سنده
قلت وهذا منها وقد ارتكب السقاف خيانة علمية حين بتر نص الحديث فلم يورد منه إلا قول بريدة ((بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثين إلى اليمن على أحدهما علي بن أبي طالب ))
ولم يكمل الآخر لأنه فيه دليل على أن معاذ لم يكن أميراً على أحد البعثين فما وجه تخصيص النبي صلى الله عليه وسلم له بالوصية وقد كان الولى بها علي أو خالد
فهذا يدل على نكارة المتن أو أن بعث معاذ غير بعث علي وخالد رضي الله عنهم فتفطن السقاف لذلك فبتر الحديث
وخصوصاً أن السقاف قد قرر أن تخصيص النبي صلى الله عليه وسلم لأحد الصحابة بالوصية عند إرساله إنما يكون لأنه أمير الجيش لا لأنه يذهب وحده حيث قال في ص32 (( وأزيد مؤكدا على أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يبعث إلى ناحية من النواحي رجلا واحدا وإنما كان يبعث بعثا - عددا من الصحابة - وإنما كان يسمى الرجل الواحد لانه أمير ذلك البعث بدليل ما رواه الامام أحمد في مسنده (5 / 356) أثناء قصة عن بريدة قال : " بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثين إلى اليمن ، على أحدهما علي بن أبي طالب . . . " وإسناده حسن ))
وقد ثبت في صحيح البخاري أن البعثين كانا لأخذ الخمس لا للدعوة
قال البخاري 4093 حدثني محمد بن بشار: حدثنا روح بن عبادة: حدثنا علي بن سويد بن منجوف، عن عبد الله بن بريدة، عن أبيه رضي الله عنه قال:
بعث النبي صلى الله عليه وسلم عليا إلى خالد ليقبض الخمس، وكنت أبغض عليا، وقد اغتسل، فقلت لخالد: ألا ترى إلى هذا، فلما قدمنا على النبي صلى الله عليه وسلم ذكرت ذلك له، فقال: (يا بريدة أتبغض عليا). فقلت: نعم، قال: (لاتبغضه له في الخمس أكثر من ذلك )
قلت وفي سند رواية أحمد أجلح الكندي وهو متكلم فيه واختار الحافظ ابن حجر كونه صدوقاً
وخالفه هنا من هو أوثق منه
ولهذه الرواية عند البخاري شواهد أوردها البخاري فهذا لا ينافي
ومما يدل دلالة واضحة على أن معاذ بن جبل قد دعا جماعة من أهل اليمن إلى الإسلام عقيدة وفقهاً وحده أنه لم يذكر أحد من أهل السير أنه كانت هناك غزوة لليمن أميرها معاذ بن جبل بل ثبت في الصحيح ما ينفي ذلك
وهو قوله (( لَنْ أَوْ لَا نَسْتَعْمِلُ عَلَى عَمَلِنَا مَنْ أَرَادَهُ وَلَكِنْ اذْهَبْ أَنْتَ يَا أَبَا مُوسَى أَوْ يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ قَيْسٍ إِلَى الْيَمَنِ ثُمَّ اتَّبَعَهُ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ ))
فهذا يدل على أن أبا موسى قد أرسل ابتداءً لوحده ولو كان مرسلاً لقوم مؤمنين يعلمهم أمور دينهم لما قال النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ (( إنك تقدم على قوم من أهل الكتاب فليكن أول ما تدعوهم شهادة أن لا إله إلا الله ))
فهذا يبطل زعم السقاف أنه لو كان النبي يبعث الصحابة فرادى فإنه يبعثهم ليعلموا الناس الذين أسلموا أمور دينهم
وقد قال الحافظ ابن حجر في الفتح (( وكان عمل معاذ النجود وما تعالى من بلاد اليمن، وعمل أبي موسى التهائم وما انخفض منها، فعلى هذا فأمره صلى الله عليه وسلم لهما بأن يتطاوعا ولا يتخالفا محمول على ما إذا اتفقت قضية يحتاج الأمر فيها إلى اجتماعهما ))
قلت فهذا يؤكد أن الذين يدعوهم أبو موسى غير الذين يدعوهم معاذ
ولوسلمنا باتفاقهما في المدعوين فهذا لا ينافي أن خبرهما خبر آحاد فخبر الإثنين من جملة أخبار الآحاد
وقد قدمنا ان بعث خالد بن الوليد وعلي يختلف في الماهية والمضمون عن بعث أبي موسى ومعاذ
الشبهة الرابعة
وزعم السقاف في ص31 أن معاذ بن جبل لو كان قد سافر لليمن وحده لكان مخالفاً لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن سفر الرجل لوحده
وقد أتي السقاف هنا من جهله بالأحكام
فقد ثبت في صحيح البخاري 2835 أن النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ندب النَّاسَ قَالَ صَدَقَةُ أَظُنُّهُ يَوْمَ الْخَنْدَقِ فَانْتَدَبَ الزُّبَيْرُ ثُمَّ نَدَبَ النَّاسَ فَانْتَدَبَ الزُّبَيْرُ ثُمَّ نَدَبَ النَّاسَ فَانْتَدَبَ الزُّبَيْرُ
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ لِكُلِّ نَبِيٍّ حَوَارِيًّا وَإِنَّ حَوَارِيَّ الزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ
قال الحافظ في شرح هذا الحديث (( وفيه جواز سفر الرجل وحده، وأن النهي في السفر وحده إنما هو حيث لا تدعو الحاجة إلى ذلك، وسيأتي مزيد بحث في ذلك في أواخر الجهاد في " باب السير وحده" ))
الشبهة الخامسة
وزعم السقاف في ص31 أن أهل اليمن الذين ذهب إليهم معاذ بن جبل كانوا قد عرفوا أصل التوحيد والعقيدة من الأشعريين حيث قال (( فهؤلاء بعض من كان مع سيدنا معاذ حين بعثه صلى الله عليه وسلم إلى اليمن من المسؤولين ما عدا الآخرين الذين كانوا أيضا بصحبته ، والمترددين من أهل اليمن بين بلادهم والمدينة ممن نقل أصل الدعوة وأصول التوحيد والعقيدة إلى تلك البلاد كالاشعريين الذين منهم أبو موسى الاشعري وأصحابه ))
قلت هذا زعم ساقط فإن النبي قال لمعاذ بن جبل (( إنك تقدم على قوم من أهل الكتاب فليكن ما تدعوهم إليه أن يوحدوا الله ))
فهذا يدل على أنهم لم يتعلموا التوحيد
ولو كانوا قد تم دعوتهم قبل هذه المرة لأشار النبي إلى ذلك
ولو ثبت ذلك لم ينفِ كون خبر معاذ خبر آحادي
أي أنهم سيتعلمون أصول الدين من رجل واحد بعد أن يشهدوا الشهادتين
إذ أن أصول الدين غير محصورة بالشهادتين
ولكن بداية الدعوة تكون للشهادتين فإن أقر المدعو بهما
دعي لبقية أحكام الدين العقدية والعملية إلا إذا كان في اعتقاده ما ينافي التوحيد ابتداءً كاعتقاد أن المسيح ابن الله فإنه يطالب بالتبرؤ من هذه العقيدة مع إقراره بالشهادتين
الشبهة السادسة
واحتج السقاف في ص31 برواية ساقطة على كون معاذ لم يذهب إلى اليمن لوحده وهي ما رواه ابن جرير(2 / 247) في تاريخه عن عبيد بن صخر بن لوذان الأنصاري وكان ممن بعثه النبي صلى الله عليه وسلم مع عمال اليمن سنة عشر بعدما حج حجة التمام : وقد مات باذام ، فلذلك فرق عملها بين شهر بن باذام ، وعامر بن شهر الهمداني ، وعبد الله بن قيس أبي موسى الاشعري ، وخالد بن سعيد بن العاص ، والطاهر بن أبي هالة ، ويعلي بن أمية ، وعمرو بن حزم ، وعلى بلاد حضرموت زياد بن لبيد البياضي وعكاشة بن ثور بن أصغر الغوثي . . ومعاوية بن كندة ، وبعث معاذ بن جبل معلما لأهل البلدين : اليمن وحضرموت "
قلت ذكر الحافظ ابن حجر في الإصابة في ترجمة عبيد بن صخر بن لوذان أن ابن جرير الطبري روى هذا الخبر من طريق سيف بن عمر عن سهل بن يوسف بن سهل عن أبيه عن عبيد بن صخر بن لوذان
قلت سيف بن عمر متهم بالزندقة والوضع
ويوسف بن سهل لم أعرفه وفي سماعه من عبيد بن صخر نظر
وحتى إن ثبت فهو حجة على السقاف فإن فيه أن معاذاً بعث معلماً لأهل اليمن
وحضرموت وهذا يعني أنهم يأخذون منه أصول دينهم وفروعه
فلو مات أحدهم ولم يرَ النبي لكان إسلامه صحيحاً بلا خلاف على ما تلقاه من معاذ
وأما هذا الخبر فهو منكر فالحديث في صحيح البخاري يفيد بعث معاذ وأبي الأشعري فقط
الشبهة السابعة
واحتج السقاف في ص32 على إفادة خبر الآحاد للظن بقصة ذي اليدين المروية في صحيح (فتح 1 / 566) ومسلم (1 / 403 برقم 573) ولفظها عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ ((صَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِحْدَى صَلَاتَيْ الْعَشِيِّ قَالَ مُحَمَّدٌ وَأَكْثَرُ ظَنِّي الْعَصْرَ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ ثُمَّ قَامَ إِلَى خَشَبَةٍ فِي مُقَدَّمِ الْمَسْجِدِ فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهَا وَفِيهِمْ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فَهَابَا أَنْ يُكَلِّمَاهُ وَخَرَجَ سَرَعَانُ النَّاسِ فَقَالُوا أَقَصُرَتْ الصَّلَاةُ وَرَجُلٌ يَدْعُوهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذُو الْيَدَيْنِ فَقَالَ أَنَسِيتَ أَمْ قَصُرَتْ فَقَالَ لَمْ أَنْسَ وَلَمْ تُقْصَرْ قَالَ بَلَى قَدْ نَسِيتَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ ثُمَّ كَبَّرَ فَسَجَدَ مِثْلَ سُجُودِهِ أَوْ أَطْوَلَ ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَكَبَّرَ ثُمَّ وَضَعَ رَأْسَهُ فَكَبَّرَ فَسَجَدَ مِثْلَ سُجُودِهِ أَوْ أَطْوَلَ ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ وَكَبَّرَ ))
ووجه الدلالة أن النبي لم يقبل خبر الواحد إلا عندما انضم إليه جماعة
والجواب
أن الحديث حجة على السقاف وذلك أنه قرر أن أخبار الآحاد التي تفيد الظن تصلح حجة في المسائل العملية فإنها تفيد العمل دون العلم
فلماذا لم يعمل النبي بخبر ذي اليدين ؟!
هذا الإشكال لم يستطع السقاف على جوابه ولو كنت أشعرياً ودهمني معتزلي بهذا الإشكال لما استطعت أن أجيبه
وأما نحن معاشر أهل السنة فمنهجنا متسق وعندنا جواب مقنع على هذا الإشكال
وهو أن النبي لم يرد خبر ذي اليدين لأنه واحد وإنما رده لتعارضه مع ظنه الغالب حيث قال لذي اليدين (( لم تقصر ولم أنسَ )) أي أنه قد استقر في نفسه أنه قد أتم الصلاة
فهنا تعارض خبران فلا بد من الترجيح
والخبر الصحيح الذي هو محل التنازع هو الخبر الصحيح السالم من العلة
أي أنه حتى لو كان له معارض فهو أرجح من معارضه
وهناك قرينة أخرى تشكك في رواية ذي اليدين
ألا وهي سكوت علية القوم كأبي بكر وعمر عن الإنكار
وتقدم ذي اليدين _ وهو دونهما في العلم والفضل _ للإنكار
الشبهة الثامنة
وزعم أن السقاف في صفحة 32 أن البخاري يرى أن من أخبار الآحاد الصحيح ما هو مقبول ومنه ما هو غير ذلك
بحجة أنه أورد خبر ذي اليدين في كتاب أخبار الآحاد من صحيحه والجواب على ذلك من وجوه
الأول أننا قد قدمنا أن خبر ذي اليدين إنما وقع في مسألة عملية والبخاري يعمل بخبر الآحاد في المسائل العملية ولا شك فقد اكتظ صحيحه بأخبار في كتب الأحكام سواءً كان ذلك في باب العبادات أو في باب المعاملات والسقاف يقر بهذا بل هو مذهبه
الثاني أننا قدمنا أن خبر ذي اليدين قد تعارض مع ما استقر في نفس النبي صلى الله عليه وسلم
فلا نسلم أن خبره من أخبار الآحاد التي يعمل بها دون توقف لوهلة للترجيح
ومن المستقر عند المحدثين أن خبر الراوي عند تعارضه مع خبر من هو في مثل حفظه أو أقوى منه فإنه يبحث له عن عاضد فإن لم يوجد حُكِم على حديثه بالإضطراب أو الشذوذ
الثالث أن البخاري قد أثبت صفة الصوت بخبر آحادي كما قدمنا مما يدل على أنه يأخذ بأخبار الآحاد في مسائل الإعتقاد وذلك في كتابه خلق أفعال العباد
الرابع أن البخاري قد احتج بأخبار الآحاد في مسائل الإعتقاد حتى في صحيحه وإليك مثالاً واحداً يكفي المنصف والمتجرد للحق
قال البخاري في كتاب التوحيد من صحيحه
باب: ما يذكر في الذات والنعوت وأسامي الله.
وقال خُبَيب: وذلك في ذات الإله، فذكر الذات باسمه تعالى
حدثنا أبو اليمان: أخبرنا شعيب، عن الزُهري: أخبرني عمرو بن أبي سفيان بن أسيد بن جارية الثقفي، حليف لبني زهرة، وكان من أصحاب أبي هريرة: أن أبا هريرة قال:
بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرة، منهم خُبَيب الأنصاري، فأخبرني عبيد الله بن عياض: أن ابنة الحارث أخبرته: أنهم حين اجتمعوا استعار منها موسى يستحدُّ بها، فلما خرجوا من الحرم ليقتلوه قال خُبَيب الأنصاري:
ولست أبالي حين أقْتَلُ مسلماً * على أي شِقٍّ كان لله مصرعي
وذلك في ذات الإله وإن يشأ * يبارك على أوصال شِلْوٍ ممزَّع
فقتله بن الحارث، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه خبرهم يوم أصيبوا . انتهى
فانظر رحمني الله وإياك كيف بهذا الخبر الآحادي في مسألة من مسائل الإعتقاد ولم يورد حديثاً غيره تحت هذا الباب فتأمل
الشبهة التاسعة
واحتج السقاف في ص32 على ظنية أخبار الآحاد بإنكار السيدة عائشة لحديث (( إن الميت ليعذب ببكاء أهله )) على عمر وابن عمر رضي الله عنهما والجواب على ذلك من وجوه ( انظر صحيح البخاري (فتح 3 / 151 - 152) ومسلم (2 / 638)
الأول أن السقاف قد قرر أن خبر الواحد يؤخذ به في فروع العقيدة _ وهذا منها _ فلماذا لم تأخذ السيدة عائشة بهذا الخبر ؟!!
وإلا فإن السقاف يعتقد أن النبي تعرض عليه أعمال الأمة ويحتج لذلك بخبر آحادي والمسألة عقدية ولكن السقاف يصنفها في _ فروع الإعتقاد_
وكذلك يعتقد أن لله ملائكة سياحين يبلغون النبي عن أمته السلام ويحتج لذلك بخبر آحادي فما منع السيدة عائشة أن تؤمن كما آمن السقاف
لا يكاد السقاف يحتج بشيء في هذا الباب إلا وهو حجة عليه وهذا يدل على ضعفه في علم الأصول وبلادته
ثانياً أن السيدة عائشة حكمت بالوهم على رواية عمر لتعارضها مع ما روته ومع فهمها للقرآن فالرواية كما في الصحيح فلما أصيب عمر، دخل صهيب يبكي، يقول: وا أخاه، وا صاحباه، فقال عمر رضي الله عنه: يا صهيب، أتبكي علي، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه) .
قال ابن عباس رضي الله عنهما: فلما مات عمر رضي الله عنه، ذكرت ذلك لعائشة رضي الله عنها، فقالت: رحم الله عمر، والله ما حدث رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله ليعذب المؤمن ببكاء أهله عليه، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله ليزيد الكافر عذابا ببكاء أهله عليه). وقالت حسبكم القرآن: {ولا تزر وازرة وزر أخرى}.
قلت فالسيدة عائشة أنكرت على عمر تنزيله لهذا الحديث على نفسه لعلمها بزيادة تفيد تقييد ذلك بالكافر والحكم للزيادة
والخلاصة أن الحديث خارج محل النزاع إذ اننا لا نخالف في أن خبر الآحاد المطلق إذا روي ما يقيده لم يجز العمل به على إطلاقه
ولو فرضنا أن رواية عائشة تتعارض مع رواية عمر فالحديث أيضاً خارج محل النزاع
فنحن إنما نتكلم عن الحديث الصحيح السالم من الشذوذ والعلة
وهذا معلول بالمخالفة
وقد روى البخاري من حديث عائشة أنها قالت إنما مر رسول الله صلى الله عليه وسلم على يهودية يبكي عليها أهلها، فقال: (إنهم يبكون عليها، وإنها لتعذب في قبره).
قلت يبدو لي أنها أخذت التوجيه السابق من هذا الحديث
ونقض السقاف غزل نفسه بنفسه حين احتج بانكار السيدة عائشة لخبر بول النبي قائماً لأنها لم تره يفعل ذلك قط
والسؤال هنا هذه مسألة عملية فلماذا لم تأخذ السيدة بخبر الواحد
أجاب السقاف بأن ذلك مخالف لليقيني عندها
فيقال هذا خارج محل النزاع فحتى أحاديث الفضائل والسير ترد إذا ورد ما يخالفها
واحتج أيضاً بإنكارها رضي الله عنها لرؤية النبي لربه في المعراج
وبحثي في هذه المسألة أفادني العديد من الفوائد
الأولى أن الإمام أحمد يأخذ بأخبار الآحاد في مسائل العقيدة
قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري (3 / 151 - 152) (( وممن أثبت الرؤية لنبينا صلى الله عليه وسلم الإمام أحمد فروى الخلال في " كتاب السنة " عن المروزي قلت لأحمد إنهم يقولون إن عائشة قالت " من زعم أن محمدا رأى ربه فقد أعظم على الله الفرية " فبأي شيء يدفع قولها؟ قال: بقول النبي صلى الله عليه وسلم رأيت ربي، قول النبي صلى الله عليه وسلم أكبر من قولها ))
الثانية أن الحافظ ابن حجر قد نفى التعارض بين ما ورد عن ابن عباس وما ورد عن عائشة (( وعلى هذا فيمكن الجمع بين إثبات ابن عباس ونفي عائشة بأن يحمل نفيها على رؤية البصر وإثباته على رؤية القلب ))
قلت وتقييد ابن عباس للرؤية بالقلب موجود في صحيح مسلم والسيدة عائشة إنما أنكرت الرواية المطلقة التي تنافي الآية عندها
وقد قدمنا مراراً وتكراراً أن الحديث المخالف لحديث أقوى منه فهو شاذ وهو خارج محل النزاع
ولكن ينبغي الجمع بين النصوص ما استطعنا إلى ذلك سبيلاً
قال الإمام مسلم حدثني زهير بن حرب. حدثنا إسماعيل بن إبراهيم عن داود، عن الشعبي، عن مسروق؛ قال:
كنت متكئا عند عائشة. فقالت: يا أبا عائشة! ثلاث من تكلم بواحدة منهن فقد أعظم على الله الفرية. قلت: ما هن؟ قالت: من زعم أن محمدا صلى الله عليه وسلم رأى ربه فقد أعظم على الله الفرية. قال وكنت متكئا فجلست. فقلت: يا أم المؤمنين! أنظريني ولا تعجليني. ألم يقل الله عز وجل: {ولقد رآه بالأفق المبين} [81/التكوير/ الآية-23] {ولقد رآه نزلة أخرى} [53/النجم/ الآية-13] فقالت: أنا أول هذه الأمة سأل عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال: "إنما هو جبريل. لم أره على صورته التي خلق عليها غير هاتين المرتين
قلت فالسبب في إنكار السيدة عائشة لتفسير ابن عباس سماعها لما يخالفه عن النبي
فالحديث خارج محل النزاع
وتابع السقاف الحافظ ابن حجر في قوله وروى ابن خزيمة بإسناد قوي عن أنس قال " رأى محمد ربه"
قلت وليس كذلك فالسند ضعيف فإن فيه عبد الرحمن بن عثمان البكراوي وهو ضعيف بل ذكر ابن عدي أن له غرائب عن شعبة وهذا من أحاديثه عن شعبة
والعجيب أن الحافظ ابن حجر قد حكم عليه بالضعف في التقريب
الشبهة العاشرة
قال السقاف في صفحة 36 (( أنكرت السيدة عائشة على أبي هريرة في حديث آخر أيضا : روى ابو داود الطيالسي في مسنده (ص 199) بسند صحيح على شرط مسلم عن علقمة قال كنا عند عائشة فدخل عليها أبو هريرة فقالت يا أبا هريرة أنت الذي تحدث أن امرأة عذبت في هرة لها ربطتها لم تطعمها ولم تسقها فقال أبو هريرة سمعته من النبي صلى الله عليه وسلم فقالت عائشة : أتدري ما كانت المرأة ؟ ! قال : لا ، قالت : إن المرأة مع ما فعلت كانت كافرة ، إن المؤمن أكرم على الله من أن يعذبه في هرة ، فإذا حدثت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فانظر كيف تحدث . وفي هذا الانكار بيان صريح بأن خبر الواحد يحتمل الخطأ فكيف يبنى عليه أصل الدين ؟))
قلت لي على كلامه مآخذ
الأول أن سند أبي داود الطيالسي ليس على شرط مسلم فإن فيه صالح بن رستم لم يرو له مسلم إلا تعليقاً كما ذكر ذلك الألباني في تحذير الساجد
وقال محمود سعيد ممدوح الصوفي المحترق صديق السقاف في كتابه التعريف ( 5/12)
(( وأبو عامر الخزاز هو صالح بن رستم الزني البصري وهو مختلف فيه ، وقد استشهد به البخاري ومسلم في صحيحيهما وهو حسن الحديث ))
قلت مفهوم هذا أنهما لم يحتجا به
استفدت النقلين السابقين من كتاب (( براءة الذمة بنصرة السنة )) لعمرو عبد المنعم سليم صفحة 184 وصفحة 189
الثاني أنه ليس بصحيح بل حده الأقصى الحسن فقط لأن صالح بن رستم ضعفه جمع
قال عباس عن بن معين ضعيف
وقال إسحاق بن منصور عن يحيى لا شيء
قلت هذا جرح شديد
وقال الأثرم عن أحمد صالح الحديث
وقال العجلي جائز الحديث
قال بن أبي حاتم عن أبيه شيخ يكتب حديثه ولا يحتج به
ووثقه أبو داود السجستاني وأبو داود الطيالسي وابن حبان و أبو بكر البزار ومحمد بن وضاح
وقال الدارقطني ليس بالقوي
وقال بن عدي عزيز الحديث وقال روى عنه يحيى القطان مع شدة استقصائه وهو عندي لا بأس به ولم أر حديثا منكرا جدا
قلت هذا لا ينفي وجود حديث منكر
وقال أبو أحمد الحاكم ليس بالقوي عندهم
وقال الحافظ في التقريب (( صدوق كثير الخطأ ))
واختار الذهبي في ميزان الإعتدال قول الإمام أحمد فيه
قلت فإذا عرفت هذا عرفت أن تصحيح السقاف لحديثه وهذا يعني إطلاق القول بتوثيقه تساهل مفرط فيه
وليت أن السقاف يثبت على قدم
فتارة نجده يتساهل بشكل مفرط وأخرى نجده يتعنت
فقد حكم في كتابه تنقيح الفهوم العالية على هلال بن أبي ميونة بأنه صدوق على الرغم من أنه لم يضعفه أحد واحتج به أصحاب الصحاح ومالك في الموطأ ووثقه جمع وقال أبو حاتم (( شيخ ))
وقال النسائي (( لا بأس به )) فإذا كانت التعديلات المنخفضة من المتشددين كالنسائي وأبو حاتم
تستحق أن تنزل من مرتبة الراوي المحتج به في الصحاح _ وهذا ما لا يقول به محدث على حد علمي_ فالجروح من باب أولى
فهل يستقيم حكمه على صالح بن رستم مع حكمه على هلال _ راوي حديث الجارية _ أم أنه التطفيف؟!!
الثالث لمَ لم تأخذ السيدة عائشة بخبر أبي هريرة في صاحبة الهرة على الرغم من أنه ليس في أصول الإعتقاد وقد أصل السقاف أن خبر الآحاد يؤخذ في الفضائل والأحكام وفروع الإعتقاد
وهكذا يسير السقاف متعثراً في احتجاجاته فلا يحتج بخبر هو حجة علينا وإنما يحتج بما هو حجة عليه إذا لم يأخذ بتوجيهنا
الرابع أن أبا هريرة لم يخطيء وإنما تفردت عنه السيدة عائشة بزيادة
وقد قلنا أن الحكم للزيادة في جميع الأخبار
الخامس على فرض وجود التعارض فإحدى الروايتين شاذة لمخالفتها للرواية الأقوى والشاذ خارج محل النزاع فالنزاع حول الحديث الصحيح السالم من الشذوذ والعلة
الشبهة الحادية عشر
قال السقاف في صفحة 37 (( قال الحافظ الذهبي في " تذكرة الحفاظ " (1 / 2) : " وكان - أبو بكر - أول من احتاط في قبول الاخبار ، فروى ابن شهاب عن قبيصة بن ذويب أن الجدة جاءت إلى أبي بكر تلتمس أن تورث فقال : ما أجد لك في كتاب الله شيئا وما علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر لك شيئا ، ثم سأل الناس فقام المغيرة فقال : حضرت رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطيها السدس ، فقال له : هل معك أحد ؟ ! فشهد محمد بن مسلمة بمثل ذلك فأنفذه أبو بكر رضي الله عنه ))
ثم خرج الحديث بقوله (( رواه أحمد في المسند (4 / 225) وابن الجارود في المنتقى (959) وعبد الرزاق))
قلت الجواب عليه من وجوه
الأول أنه كان ينبغي على الصديق الأخذ برواية الواحد _ على مذهب السقاف _ لأن المسألة ليست من مسائل أصول الإعتقاد
الثاني أن الرواية مرسلة فقد نص الحافظ ابن حجر في التهذيب أن رواية قبيصة عن الصديق مرسلة
الثالث أنه ثبت عن عمر بن الخطاب أخذه الآحاد في مسائل الأموال
قال الشافعي في الرسالة أخبرنا سفيان عن الزهري عن سعيد بن المسيب: أن عمر بن الخطاب كان يقول: الدية للعاقلة، ولا ترث المرأة من دية زوجها شيئاً. حتى أخبره الضّحّاك بن سفيان أن رسول الله كتب إليه: أن يُوَرِّث امرأة أَشْيَمَ الضِّبَابيِّ من ديته، فرجع إليه عمر
قلت سنده صحيح والحديث رواه رواه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه
وقال الترمذي (( هذا حديث حسن صحيح ))
قلت واحتج به الشافعي في الأم والرسالة
فهل عمر بن الخطاب غير محتاط ؟!
الشبهة الثالثة عشر
وقال السقاف في صفحة 36 _37 (( وأنكرت السيدة عائشة أيضا على أبي هريرة رضي الله عنه في حديث آخر : روى أبو داود الطيالسي (ص 215) عن مكحول قيل لعائشة إن أبا هريرة يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الشؤم في ثلاث في الدار والمرأة والفرس " فقالت عائشة : لم يحفظ أبو هريرة لانه دخل ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول قاتل الله اليهود يقولون إن الشؤم في ثلاث في الدار والمرأة والفرس سمع آخر الحديث ولم يسمع أوله . قلت : مكحول لم يسمع من السيدة عائشة كما في " الفتح " (6 / 61) إلا أن لهذا الاثر أو الحديث متابع قال الحافظ هناك : روى أحمد وابن خزيمة والحاكم من طريق قتادة عن أبي حسان : أن رجلين من بني عامر دخلا على عائشة فقالا : إن أبا هريرة قال : إن رسول
الله صلى الله عليه وسلم قال : " الطيرة في الفرس والمرأة والدار " فغضبت غضبا شديدا وقالت : ما قاله ! وإنما قال : " إن أهل الجاهلية كانوا يتطيرون من ذلك " انتهى النقل
قلت والجواب عليه من وجوه
الأول لو صحت الرواية لكانت خارج محل النزاع لأن السيدة عائشة قد حفظت زيادة لم يحفظها أبو هريرة وربما لم يسمعها فعليه يكون الحكم للزيادة وقد قدمنا أن هذا عام في العقائد والأحكام والفضائل ولا يلزم من أخذ الزيادة طرح الرواية المزيد عليها وإنما تؤخذ مع الزيادة
الثاني أن مذهب السقاف الأخذ بأخبار الآحاد في مسائل فروع الإعتقاد _ على تصنيفه _ فلماذا لم تأخذ السيدة عائشة بما رواه أبو هريرة
فإن قال لم تأخذ لأنها روت ما يخالفه _ وهذا ظاهر الرواية _ قلنا فعليه تكون رواية أبي هريرة شاذة والخلاف حول خبر الآحاد الصحيح فهذا خارج محل النواع
الشبهة الرابعة عشر
قال السقاف (( خبر الواحد يفيد الظن دون العلم عند سيدنا عمر رضي الله عنه أيضا : قال الحافظ الذهبي في ترجمة سيدنا عمر رضى الله عنه في تذكرة الحفاظ (1 / 6) ما نصه : " وهو الذي سن للمحدثين التثبت في النقل وربما كان يتوقف في خبر الواحد إذا ارتاب ، فروى الجريري عن أبي نضرة عن أبي سعيد أن أبا موسى سلم على عمر من وراء الباب ثلاث مرات فلم يؤذن له فرجع فأرسل عمر في أثره فقال : لم رجعت ؟ ! قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إذا سلم أحدكم ثلاثا فلم يجب فليرجع " . قال : لتأتيني على ذلك ببينة أو لافعلن بك ، فجاءنا أبو موسى منتقعا لونه ونحن جلوس ، فقلنا : ما شأنك ؟ فأخبرنا وقال : فهل سمع أحد منكم ؟ فقلنا : نعم كلنا سمعه فأرسلوا معه رجلا منهم حتى أتى عمر فاخبره حب عمر أن يتأكد عنده خبر أبي موسى بقول صاحب آخر ، ففي هذا دليل على أن الخبر إذا رواه ثقتان كان أقوى وأرجح مما انفرد به واحد ، وفي ذلك حض على تكثير طرق الحديث لكي يرتقي عن درجة الظن إلى رجة العلم ، إذ الواحد يجوز عليه النسيان والوهم ولا يكاد يجوز ذلك على ثقتين لم يخالفهما أحد " اه* كلام الحافظ الذهبي . فالحافظ الذهبي أيضا ممن يقول أن خبر الواحد يفيد الظن وأن الخبر كلما إزداد رواته ارتقى إلى درجة العلم أكثر وقرب منها . 8) خبر الواحد ينبغي التثبت منه ولو كان راويه صحابياً ))
قلت الجواب عليه من وجوه
الأول أن حديث أبي موسى الأشعري في الفضائل والفضائل يجوز فيها العمل بالظن الغالب إتفاقاً بل زعم الإتفاق على جواز العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال وهو دون الظن الغالب ولشيخ السقاف عبد الله الغماري رسالة في إثبات حجية الحديث الضعيف في فضائل الأعمال
فلماذا لم يأخذ عمر بخبر أبي موسى ؟
لا بد من قرينة وإلا لكان الحديثص حجة على السقاف وشيخه الغماري
الثاني هو أن عمر قد قبل خبر الإثنين وهو غير متواتر فيبقي خبره خارج محل النزاع بل حجة لنا
الثالث أنه ثبت عن عمر أخذه بخبر الواحد في مسائل الأموال وهي أخطر من الفضائل اتفاقاً وينبغي الإحتياط فيها أكثر من الفضائل
قال الشافعي في الرسالة أخبرنا سفيان عن الزهري عن سعيد بن المسيب: أن عمر بن الخطاب كان يقول: الدية للعاقلة، ولا ترث المرأة من دية زوجها شيئاً. حتى أخبره الضّحّاك بن سفيان أن رسول الله كتب إليه: أن يُوَرِّث امرأة أَشْيَمَ الضِّبَابيِّ من ديته، فرجع إليه عمر
قلت سنده صحيح والحديث رواه رواه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه
وقال الترمذي (( هذا حديث حسن صحيح ))
قلت واحتج به الشافعي في الأم والرسالة
الرابع أن عمر إنما أنكر ذلك من الأشعري لأنه لم يسمعه من النبي مع كثرة جلوسه معه وورود المناسبة لذكره
فهذه هي القرينة
الخامس أن الذهبي قد قرر أن خبر الإثنين الثقات لا يكاد يجوز عليهم الخطأ _ إن لم يخالفا_ وهذا يعني أن خبرهما يفيد العلم
والذهبي يرى حجية أخبار الآحاد في مسائل الإعتقاد ولا أدل ذلك
من كتاب العلو
وكتاب العرش
وكتاب الأربعين في صفات رب العالمين
وكتاب إثبات صفة اليد
وغيرها من كتبه وهي مليئة بالإحتجاج بأخبار الآحاد
الشبهة الخامسة عشر
قال السقاف في صفحة 39 (( ويفيد الظن عند الامام علي رضي الله عنه : روى الامام أحمد في المسند (1 / 10) بإسناد صحيح عن أسماء بن الحكم الفزاري قال : سمعت عليا قال : كنت إذا سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثا نفعني الله به بما شاء أن ينفعني منه ، وإذا حدثني غيري عنه استحلفته ، فإذا حلف لي صدقته ، وحدئني أبو بكر وصدق أبو بكر قال : قال رسول الله : " ما من عبد مؤمن يذنب ذنبا فيتوضأ فيحسن الطهور ثم يصلي ركعتين فيستغفر الله تعالى إلا غفر الله له " ثم تلا : (والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون) الآيات آل عمران : 136 . أقول : لو كان خبر الواحد يفيد العلم ولا يفيد الظن لاكتفى سيدنا علي عليه السلام ورضي الله عنه بسماع خبر الواحد ولما استحلفه لانه باستحلافه يؤكد خبره ))
قلت الجواب عليه من وجوه
الأول أن نقول إلزاماً للسقاف لو كان خبر الآحاد حجة في الأحكام والفضائل لما استحلف علياً من يحدثه فالحديث حجة على السقاف لا له
الثاني أن علياً لم يفرق بين الأحكام والعقائد مما يدل على أن التعامل معهما واحد كما هو مذهبنا
فالحديث حجة لنا أيضاً وخصوصاً أن المثال الذي ذكره علي في فضائل الأعمال التي يرى الغماري أن الحديث الضعيف حجة فيها
الثالث أن هذا الفعل خاص بعلي ولم يرد عن أحد من السلف أنهم كانوا يستحلفون مما يدل على حجية خبر الواحد عندهم دون استحلاف وقد قدمنا أن أبا هريرة قد أخذ بخبر عائشة وأن عمر أخذ بخبر الضحاك بن سفيان
الرابع أن الحلف لا يجعل خبر الواحد يصبح خبر اثنين فهو خبر واحد بحلف أو غير حلف وخبر علي يدل على أن الرواي لو أقسم على سماعه لخبر في العقيدة وكان وحده وجب أخذه وهذا لم يقل به أحد ممن يرد أخبار الآحاد في العقيدة
الخامس أن ذكر الإستحلاف في الحديث قد تفرد به أسماء بن الحكم وقد تفرد بتوثيقه العجلي واستنكر البخاري والعقيلي ذكر الإستحلاف في الحديث وهذا مما يوهن أمره
قال الحافظ ابن حجر في التهذيب في ترجمة أسماء هذا (( وقال البخاري لم يرو عنه إلا هذا الحديث وحديث آخر لم يتابع عليه وقد روى أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم الله عليه وآله وسلم بعضهم عن بعص ولم يحلف بعضهم بعضاً ))
ثم ذكر أن المزي قد تعقب البخاري بذكر متابعات لأسماء بن الحكم
وأجاب الحافظ ابت حجر عن هذه المتابعات بقوله (( قلت والمتابعات التي ذكرها لا تشد هذا الحديث شيئاً لأنها ضعيفة جداً ))
وقال أيضاً (( وتبع العقيلي البخاري في إنكار الاستحلاف فقال قد سمع علي من عمر فلم يستحلفه))
وقال أيضاً (( قلت وجاءت عنه رواية عن المقداد وأخرى عن عمار ورواية عن فاطمة الزهراء رضي الله عنهم وليس في شيء من طرقه أنه استحلفهم وقال ابن حبان في الثقات يخطىء وأخرج له هذا الحديث في صحيحه وهذا عجيب لأنه إذا حكم بأنه يخطىء وجزم البخاري بأنه لم يرو غير حديثين يخرج من كلاهما أن أحد الحديثين خطأ ويلزم من تصحيحه أحدهما انحصار الخطأ في الثاني ))
قلت هذا يقضي بضعف السند لا صحته فالإستحلاف هو زيادة موصوف بالخطأ على من هو أوثق منه فعليه تكون زيادته من أخطائه
وأفاد الشيخ عمرو عبد المنعم في كتابه (( دفاعاً عن السلفية )) أن العقيلي ، فنقل في (( الضعفاء )) ( 1 / 107 ) كلام شيخه السابق _ البخاري _ ، ثم قال : (( وحدثني عبدالله بن الحسن ، وعن علي بن المديني ، قال : قد روى عثمان بن المغيرة أحاديث منكرة من حديث ابي عوانة))
كذا في الضعفاء ، والصواب : ( من حديث علي بن ربيعة ) كما في (( التهذيب ))
قلت هذا يقتضي ضعف رواية ابن المغيرة عن علي بن ربيعة وهذا الحديث من أحاديثه
لذا فإن تصحيح السقاف للسند تساهل مفرط ولو حسنه فقط لالتمسنا له العذر
الشبهة السادسة عشر
قال السقاف في صفحة 40(( قال سيدنا الامام الشافعي رحمة الله عليه ورضوانه : " الاصل القرآن والسنة وقياس عليهما ، والاجماع أكبر من الحديث المنفرد " اه* رواه عنه : أبو نعيم في " الحلية " (9 / 105) وأبو حاتم في " آداب الشافعي " (231 و 233) والحافظ البيهقي في " مناقب الشافعي " (2 / 30)) انتهى النقل
قلت وهو صحيح
والجواب على احتجاج السقاف به من وجوه
الأول أن معارضة خبر الواحد للإجماع تجعله شاذاً لأن حجية الإجماع مستمدة من آيات صريحة وأحاديث صحيحة
فالمسألة في جوهرها تعارض بين الأدلة يقتضي الترجيح وقد قدمنا مراراً أن الشاذ خارج محل النزاع
الثاني أن السقاف قد بتر بقية نص الشافعي لأنه يخالف طريقته حيث أن الشافعي قال (( والحديث على ظاهره وإذا احتمل الحديث معاني فما أشبه ظاهره ))
قلت ما رأي السقاف أن نطبق هذا على أحاديث الصفات !!
الثالث أن هذا مما تتفق فيه أحاديث العقيدة والأحكام والفضائل
وقد قدمنا المطالبة بالدليل على التفريق بين أحاديث العقائد والأحكام من حيث القبول والرد
خصوصاً أن أحاديث الأحكام تتضمن عقيدة
وأن الظن الغالب أن قد سماه رب العالمين علماً وقد قال سبحانه (( ولا تقف ما ليس لك به علم ))
مما يدل على أن الظن الغالب علم وإلا لما قفاه السلف كما قدمنا والآية عامة في العقائد والأحكام بل و في الفضائل أيضاً
الرابع أن الشافعي قد عقد باباً في الرسالة لإثبات حجية خبر الواحد
قال الشافعي (( فقال لي قائل: احْدُدْ لي أقلَّ ما تقوم به الحجة على أهل العلم، حتى يَثْبَتَ عليهم خبرُ الخاصَّة.
فقلت: خبرُ الواحد عن الواحد حتى يُنْتَهَى به إلى النبي أو مَنْ انتهى به إليه دونه
ولا تقوم الحجة بخبر الخاصة حتى يَجْمَعَ أُموراً:
-منها أن يكون مَنْ حدَّثَ به ثِقَةً في دينه، معروفاً بالصِّدق في حديثه، عاقِلاَ لِمَا يُحَدِّثُ به، عالمِاً بما يُحيل مَعَانِيَ الحديث مِنَ اللفظ، وأن يكون ممن يُؤَدِّي الحديث بحروفه كما سَمِعَ، لا يحدث به على المعنى، لأنه إذا حدَّث على المعنى وهو غيرُ عالمٍ بما يُحِيلُ به معناه: لم يَدْرِ لَعَلَّهُ يُحِيل الحَلاَلَ إلى الحرام، وإذا أدَّاه بحروفه فلم يَبْقَ وجهٌ يُخاف فيه إحالتُهُ الحديثَ، حافظاً إن حدَّث به مِنْ حِفْظِه، حافظاً لكتابه إن حدَّث مِنْ كتابه. إذا شَرِكَ أهلَ الحفظ في حديث وافَقَ حديثَهم، بَرِيًّا مِنْ أنْ يكونَ مُدَلِّساً، يُحَدِّثُ عَن من لقي ما لم يسمعْ منه، ويحدِّثَ عن النبي ما يحدث الثقات خلافَه عن النبي.
ويكونُ هكذا مَنْ فوقَه ممَّن حدَّثه، حتى يُنْتَهَى بالحديث مَوْصُولاً إلى النبي أو إلى مَنْ انْتُهِيَ به إليه دونه، لأنَّ كلَّ واحد منهم مثْبِتٌ لمن حدَّثه، ومثبت على من حدَّث عنه، فلا يُسْتَغْنَى في كل واحد منهم عمَّا وصفْتُ ))
قلت فهذا خبر الواحد المحتج به عند الشافعي
ولاحظ أن الشافعي لم يفرق بين أحاديث العقيدة وأحاديث الأحكام
وقال الشافعي أيضاً ((فإن قال قائل: اذكر الحجة في تثبيت خبر الواحد بنصِّ خبر أو دلالةٍ فيه أو إجماعٍ.
فقلت له أخبرنا سفيان عن عبد الملك بن عمير عن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود عن أبيه أن النبي قال: "نضَّر الله عبداً سمع مقالتي فحفظها ووعاها وأداها، فرُبَّ حاملِ فقهٍ غيرِ فقيه ورُبَّ حامل فقه إلى من هو أفقه منه. ثلاثٌ لا يَُغِلُّ عليهن قلبُ مسلم: إخلاصُ العمل لله، والنصيحةُ للمسلمين، ولزوم، جماعتهم، فإنّ دعوتهم تحيط من روائهم" فلما نَدَب رسول الله إلى استماع مقالته وحفظِها وأدائها امرأً يؤديها، والامْرُءُ واحدٌ: دلَّ على أنه لا يأمر أن يُؤدَّى عنه إلا ما تقوم به الحجة على من أدى إليه؛ لأنه إنما يُؤدَّى عنه حلال وحرام يُجتَنَب، وحدٌّ يُقام، ومالٌ يؤخذ ويعطى، ونصيحة في دينٍ ودنيا.
ودل على أنه قد َححمل الفقهَ غيرُ فقيه،يكون له حافظاً، ولا يكون فيه فقيهاً ))
قلت هذا استدلال رائق والحديث عام في العقائد والأحكام
والحمد لله معز الإسلام بنصره
الشبهة السادسة عشر
وقال السقاف في صفحة 40(( قال الحافظ ابن عبد البر في " التمهيد " (1 / 7) : " واختلف أصحابنا وغيرهم في خبر الواحد العدل هل يوجب العلم والعمل جميعا ، أم يوجب العمل دون العلم ؟ والذي عليه كثر أهل العلم منهم - أي المالكية - أنه يوجب العمل دون العلم ، وهو قول الشافعي وجمهور أهل الفقه والنظر ولا يوجب العلم عندهم إلا ما شهد به على الله وقطع العذر بمجيئه قطعا ولا خلاف فيه . وقال قوم من أهل الاثر وبعض أهل النظر إنه يوجب العلم الظاهر والعمل جميعا ، منهم الحسين الكرابيسي وغيره ، وذكر ابن خوازمنداد أن هذا القول يخرج على مذهب مالك ، قال أبو عمر - ابن عبد البر - : الذي نقول به إنه يوجب العمل دون العلم كشهادة الشاهدين والاربعة سواء وعلى ذلك أكثر أهل الفقه والاثر " انتهى كلامه
قلت لم ينتهي كلام ابن عبد البر ولكن السقاف بتره
وإليك بقية كلام ابن عبد البر لتعلم أي فاسق هو السقاف
(( وكلهم يدين بخبر الواحد العدل في الاعتقادات، ويعادي ويوالي عليها، ويجعلها شرعا ودينا في معتقده، على ذلك جماعة أهل السنة، ولهم في الأحكام ما ذكرنا. وبالله توفيقنا ))
هذه بقية كلام ابن عبد البر التي بترها السقاف
والسقاف مع ضعفه في العلم ضعيف الديانة فاسق
ولتجلية موقف ابن عبد البر حول أخبار الآحاد أنقل هذا النص
قال ابن عبد البر في التمهيد(1: 8): "ليس في الاعتقاد كله في أسماء الله وصفاته إلا ما جاء منصوصا في كتاب الله أو صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو أجمعت عليه الأمة. وما جاء في أخبار الآحاد في ذلك كله يسلم له ولا ينظر فيه"
ولشدة حنق السقاف على أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ يخالف البديهيات حيث أنه يقول في صفحة 39 (( فكيف بسند فيه خمسة رجال مثلا ، ليس جميعهم صحابة : ؟ ! ألا يفيد ذلك الظن ))
قلت بل يفيد العلم فلو كان فيهم اثنين عدول ضباط والبقية عدول فقط لأفاد العلم لأن اتفاقهم على الكذب مستحيل لأنهم عدول
واتفاقهم على الوهم مستحيل لأنهم ضباط اعتضدوا بخفيفي ضبط
وقد قدمنا نص الذهبي الذي نقله السقاف نفسه في أنه إذا اتفاق اثنين من الثقات على رواية فإنه يقرب من المستحيل وقوع وهم
الشبهة السابعة عشر
قال السقاف في صفحة 41 - 42 (( روى البخاري (فتح 6 / 612) ومسلم (2917) وأحمد في المسند (2 / 301) حديث : " يهلك أمتي هذا الحي من قريش قالوا ما تأمرنا يا رسول الله ؟ قال : لو أن الناس اعتزلوهم " .
قال عبد الله بن الامام أحمد هناك في المسند عقب هذا الحديث مباشرة : " قال أبي في مرضه الذي مات فيه اضرب على هذا الحديث فإنه خلاف الاحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم يعني قوله : " اسمعوا وأطيعوا واصبروا " . قلت : الاحاديث التي فيها " اسمعوا واطيعوا واصبروا " أفادت عند الامام أحمد القطع أو ما قارب العلم ، وحديث " لو أن الناس اعتزلوهم " ظني عارض الثابت فأسقطه الامام أحمد )) انتهى كلامه
قلت وهذا خارج محل النزاع فالشاذ _ وهو الحديث المخالف للحديث الأصح منه _ ليس من أخبار الآحاد الصحيحة
وخلافنا حول أخبار الآحاد الصحيحة
وهذا الترجيح سيفعله أحمد في حديثين متخالفين في الأحكام _ فلا اختصاص لأحاديث الإعتقاد _
وهذه المسألة _ الخروج على الولاة _ لا أدري أين سيصنفها السقاف
ولكنها قطعاً ليست في أصول الإعتقاد وقد قدمنا أن أحمد قد أخذ بأخبار الآحاد في مسألة صفة الصوت ومسألة رؤية النبي صلى الله عليه وسلم في المعراج وكلاهما من مسائل الإعتقاد
مما يدل حجية أخبار الآحاد _ الصحيحة _ عنده في مسائل الإعتقاد
وقد نقض السقاف غزله بقوله مباشرة بعد هذا الكلام (( ولو أفاد العلم أو غلب على ظنه أنه صح لاوله كما أول حديث مسلم : " تأتي البقرة وآل عمران كأنهما غمامتان " فقال : " إنما هو الثواب " كما تقدم في نقل تأويلاته ولم يأمر بالضرب عليه ))
قلت هذا الخبر الذي ذكره السقاف آحادي فلماذا تأوله أحمد _ على زعم السقاف _ ولم يضرب عليه
لأنه خبر آحادي
وتأمل معي قول السقاف (( أو غلب على ظنه ))
هذه قاصمة الظهر له لأن الأحاديث الصحيحة التي لم تحتف بها القرائن تفيد الظن الغالب
فإذا كان الظن الغالب حجة في الإعتقاد عند أحمد
فمذهب السقاف غير مذهب أحمد
وهذا هو المطلوب إثباته في هذا المقام
وانظر رحمني وإياك كيف جوز السقاف أن يفيد هذا الخبر الآحادي العلم عند أحمد
مما من شأنه أن ينسف كل من بناه لتأييد زعمه في أن أخبار الآحاد كلها تفيد الظن
ومن المضحكات المبكيات قول السقاف في صفحة 42 (( أحاديث الصحيحين لا تفيد إلا الظن عند أحمد ويمكن الضرب على بعضها إذا تبين فيها خلل كما فعل هو في مسنده المتواتر عنه ))
قلت المسند الموجود بين أيدينا لم يتواتر عن أحمد بل تفرد بروايته ابنه عبد الله عنه
الشبهة الثامنة عشر
وقال السقاف في ص43 (( قال الامام الحافظ النووي في " شرح مسلم " (1 / 131) : " وأما خبر الواحد فهو ما لم يوجد فيه شروط المتواتر سواء كان الراوي له واحدا أو أكثر ، واختلف في حكمه فالذي عليه جماهير المسلمين من الصحابة والتابعين فمن بعدهم من المحدثين والفقهاء وأصحاب الاصول أن خبر الواحد الثقة حجة من حجج الشرع يلزم العمل بها ويفيد الظن ولا يفيد العلم ))
قلت يقابل ما ذكره النووي الإجماع الذي نقله الإسفراييني كما في النكت على ابن الصلاح (1/377) (( أهل الصنعة مجمعون على أن الأخبار التي اشتمل عليها مقطوع بها عن صاحب الشرع ))
وقال أبو المظفر السمعاني (( إن الخبر إذا صح عن النبي ورواه الأئمة الثقات وأسنده خلفهم عن سلفهم إلى رسول الله وأسنده خلفهم عن سلفهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وتلقته الأمة بالقبول فإنه يوجب العلم ))
ومما يدل على أن السلف لم يكونوا يفرقون بين خبر آحادي ومتواتر في مسائل الإعتقاد
ما نقله وقال الوليد بن مسلم : "سألت الأوزاعي ، ومالك بن أنس ، وسفيان الثوري ، والليث بن سعد ، عن هذه الأحاديث التي فيها الصفة؟ فقالوا: أمروها كما جاءت بلا كيف"
قال محمد بن خليفة التميمي في تحقيقه على كتاب العرش (( أخرجه أبو بكر الخلال في السنة (1/259، برقم313). وأخرجه الآجري في الشريعة (3/1146، رقم720). وأخرجه الدارقطني في الصفات (ص44، برقم67). وأخرجه ابن بطة في الإبانة (تتمة كتاب الرد على الجهمية)، (3/241-242، برقم183). وأخرجه ابن مندة في التوحيد (3/307، برقم894). وأخرجه اللالكائي في السنة (930). والصابوني في عقيدة السلف (ص70، برقم90). وأورده أبو يعلى في إبطال التأويلات (1/47، برقم16). وأخرجه البيهقي في الأسماء والصفات (2/377)، وفي الإعتقاد (ص118)، وسننه (3/2). وابن عبد البر في التمهيد (7/149، 158). وأورده الذهبي في العلو (ص104، و105)، بسنده من طريق الدارقطني، وأورده في سير أعلام النبلاء (8/105)، وأورده في الأربعين في صفات رب العالمين (ص82، برقم82). وقال قبله: "صح عن الوليد"، وعلق بعده بقوله: "قلت: مالك في وقته إمام أهل المدينة، والثوري إمام أهل الكوفة، والأوزاعي إمام أهل دمشق، والليث إمام أهل مصر، وهم من كبار أتباع التابعين". وأورده السيوطي في الأمر بالإتباع والنهي عن الإبتداع (ص206، برقم326 ))
ووجه الدلالة أنهم لم يفرقوا بين أخبار الآحاد و الأخبار المتواترة في التعامل
قال الذهبي في كتاب العرش وهو يتحدث عن خبر مجاهد في المقام المحمود (( وممن أفتى المروزي بأن الخبر يسلم كما جاء و لا يعارض: أبو داود صاحب السنن ، وعبد الله بن الإمام أحمد ، وإبراهيم الحربي ، ويحيى بن أبي طالب وأبو جعفر الدقيقي ، ومحمد بن إسماعيل السلمي الترمذي ، وعباس بن محمد الدوري ، ومحمد بن بشر بن شريك بن عبد الله النخعي ))
قلت كل هؤلاء أخذوا بخبر آحادي في مسالة إعتقادية
فإما أنهم يعتقدون أن الظن كافي في مسائل الإعتقاد
أو أنهم يرون أنها تفيد العلم
وعلى الحالتين هم يخالفون السقاف
ولم يذكر أن أحداً من أهل السنة اعترض على الخبر بأنه آحادي
ولنقف وقفة مع قول النووي (( واختلف في حكمه فالذي عليه جماهير المسلمين من الصحابة والتابعين فمن بعدهم من المحدثين والفقهاء وأصحاب الاصول أن خبر الواحد الثقة حجة من حجج الشرع يلزم العمل بها ويفيد الظن ))
أين قال الصحابة أن خبر الآحاد يفيد الظن ويلزم العمل دون العلم ؟!!
وكل الأدلة التي احتج بها القوم في تزوير مذهب الصحابة في المسألة ليست بحجة كما فصلناه سابقاً
بل لو أردنا أن نسلك مسلكم في الإستلال باطراد ودون تحكم لعاد بنا الأمر إلى مذهب المعتزلة _ المنقوض بالكتاب والسنة وآثار الصحابة
والنووي نفسه نقض هذا حيث قال قال في شرحه على صحيح مسلم عند شرحه لحديث بعث معاذ إلى اليمن (1/197) (( وفي هذا الحديث: قبول خبر الواحد ووجوب العمل به.
وفيه: أنَّ الوتر ليس بواجب، لأنَّ بعث معاذ إلى اليمن كان قبل وفاة النَّبيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- بقليل بعد الأمر بالوتر والعمل به.
وفيه: أنَّ السُّنَّة أنَّ الكفار يدعون إلى التَّوحيد قبل القتال ))
فانظر كيف جعل حديث معاذ دليل على وجوب العمل بخبر الواحد
مع إقراره أن معاذاً كان يدعو كفاراً _ أي أنه سيعلمهم أصول الدين كما سيعلمهم فروعه _
وها هو ابن عباس يأخذ بخبر آحادي في مسألة غيبية _ وإن شئت قل اعتقادية _
وهي أن موسى صاحب الخضر هو عينه موسى بني إسرائيل
روى البخاري ومسلم في صحيحهما عن سعيد بن جبير أنه قلت لابن عباس: إن نوفا البكالي يزعم أن موسى ليس بموسى بني إسرائيل، إنما هو موسى آخر؟ فقال: كذب عدو الله، حدثنا أبي بن كعب، عن النبي صلى الله عليه وسلم وذكر الحديث وفيه قول الخضر لموسى موسى بني إسرائيل؟ قال موسى: نعم
وهذا ثابت البناني وهو من أفاضل التابعين يجزم بنسبة الحديث للنبي صلى الله عليه وسلم بخبر أنس فقط
قال أحمد حدثنا أبو المثنى معاذ بن معاذ العنبري قال حدثنا حماد بن سلمة حدثنا ثابت البناني عن أنس بن مالك:
-عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى فلما تجلى ربه للجبل قال قال هكذا يعني أنه أخرج طرف الخنصر قال أبى أرانا معاذ قال فقال له حميد الطويل ما تريد إلى هذا يا أبا محمد قال فضرب صدره ضربة شديدة وقال من أنت يا حميد وما أنت يا حميد يحدثني به أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم فتقول أنت ما تريد إليه ))
فانظر كيف أخذ الأثر عن أنس واستحل بموجبه الإشارة الحسية الدالة على حقيقة الصفة على وجه يليق بالله ولا يشبه الخلق
ومثله ما رواه أبو داود 4728 حدثنا عليّ بن نصر، ومحمد بن يونس النسائي، المعنى قالا: أخبرنا عبد الله بن يزيد المقرئ، ثنا حرملة -يعني: ابن عمران- حدثني أبو يونس سليم بن جبير مولى أبي هريرة قال:
سمعت أبا هريرة يقرأ هذه الآية: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} إلى قوله تعالى: {سَمِيعاً بَصِيراً} [النساء: 58].
قال: رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يضع إبهامه على أذنه والتي تليها على عينه.
قال أبو هريرة: رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقرؤها ويضع إصبعيه.
قال ابن يونس: قال المقري: يعني: إن الله سميعٌ بصير -يعني: أن للّه سمعاً وبصراً-.
قال أبو داود: وهذا ردّ على الجهمية
قلت واحتجاج أبو داود به يدل على تصحيحه له
فانظر كيف احتج به أبو داود على الجهمية وهو خبر آحادي
فأين هم هؤلاء الجمهور المزعوم الذين يرون أن أخبار الآحاد تفيد الظن وتفيد العمل دون العلم ؟!
هذه هي عادة المتكلمين ومن يتابعهم يختارون المذاهب الشاذة ثم يلصقونها بالسلف
علماً بأن احتجاج السلف بهذه الأخبار في العقيدة لا يدل بالضرورة على القول بأن أخبار الآحاد تفيد العلم لأنهم قد يرون أنها تفيد الظن الغالب وتصلح في العقيدة
ولكن احتجاجهم لا يدل بالضرورة أيضاً على أنهم يقولون بظنيتها
الشبهة الثامنة عشر
قال السقاف في صفحة 43 _44 (( الحافظ ابن حجر العسقلاني يرى أيضا أن حديث الآحاد يفيد الظن ولا يفيد العلم وكذلك علي القاري في شرح النخبة : قال الحافظ ابن حجر الشافعي في شرح نخبة الفكر وعلي القاري الحنفي في شرحه عليها ص (37) ما نصه وما بين الاقواس وبالاسود الواضح كلام الحافظ ابن حجر : ((وفيها أي في الآحاد) أي في جملتها خاصة . . . (المقبول وهو ما يوجب العمل به عند الجمهور) احتراز عن المعتزلة فإنهم أنكروا وجوب العمل بالآحاد بدليل ما نقل عنهم من استدلال بخبر الواحد (وفيها) أي أحاديث الآحاد (المردود وهو الذي لم يرجح صدق المخبر به لتوقف الاستدلال بها على البحث عن أحوال رواتها دون الاول) أي القسم الاول وهو المتواتر (فكله) ضميره راجع إلى المتواتر (مقبول) أي قبولا قطعيا لا ظنيا (لافادته) أي الخبر المتواتر (القطع بصدق مخبره بخلاف غيره من أخبار الآحاد)) اه* من شرح القاري على شرح النخبة لابن حجر ، وانظر نزهة النظر شرح النخبة للحافظ أيضا ص (25 – 26) ))
قلت هذا كلام السقاف نقلته بحروفه ليعلم العقلاء أي مدلس هذا الرجل فالحافظ ابن حجر يرى أن خبر الآحاد إذا احتفت به القرائن أفاد العلم النظري
قال الحافظ في النزهة ((وقد يَقعُ فيها ؛ أي: في أَخْبارِ الآحادِ المُنْقَسِمَة إِلى مَشْهورٍ وعَزيزٍ وغَريبٍ ؛ مَا يُفيدُ العِلْمَ النَّظريَّ بالقَرائِنِ ؛ عَلى المُختارِ ؛ خِلافاً لِمَنْ أَبى ذلك .
والخِلافُ في التَّحْقيقِ لَفْظيٌّ ؛ لأنَّ مَنْ جَوَّزَ إِطلاقَ العِلْمِ قَيَّدَهُ بِكونِهِ نَظَريّاً ، وهُو الحاصِلُ عن الاسْتِدلالِ ، ومَنْ أَبى الإِطلاقَ ؛ خَصَّ لَفْظ العِلْمِ بالمُتواتِرِ ، وما عَداهُ عِنْدَهُ كُلُّهُ ظَنِّيٌّ ، لكنَّهُ لا يَنْفِي أَنَّ ما احْتفَّ بالقرائِنِ أَرْجَحُ ممَّا خَلا عَنها .
والخَبَرُ المُحْتَفُّ بالقَرائِن أنواعٌ :
•مِنْها مَا أَخْرَجَهُ الشَّيْخانِ في صَحيحَيْهِما ممَّا لَمْ يَبْلُغْ حَدَّ المتواتِرِ ، فإِنَّهُ احْتُفَّتْ بِهِ قرائِنُ ؛ منها :
جَلالتُهُما في هذا الشَّأْنِ .
وتَقَدُّمُهُما في تَمْييزِ الصَّحيحِ على غيرِهما .
وتَلَقِّي العُلماءِ كِتابَيْهِما بالقَبُولِ ، وهذا التَّلقِّي وحدَهُ أَقوى في إِفادةِ العلمِ مِن مُجَرَّدِ كَثْرَةِ الطُّرُقِ القاصرةِ عَنِ التَّواتُرِ .
إِلاَّ أَنَّ هذا مُخْتَصٌّ بِمَا لَمْ يَنْقُدْهُ أَحدٌ مِنَ الحُفَّاظِ مِمَّا في الكِتابينِ ، وبِما لَمْ يَقَعِ التَّجاذُبُ بينَ مَدْلولَيْهِ مِمَّا وَقَعَ في الكِتابينِ ، حيثُ لا تَرْجيحَ لاستِحالَةِ أَنْ يُفيدَ المُتناقِضانِ العِلْمَ بصِدْقِهِما من غيرِ ترجيحٍ لأحدِهِما على الآخرِ .
وما عَدا ذلك ؛ فالإِجماعُ حاصِلٌ على تَسْليمِ صِحَّتِهِ .
فإِنْ قِيلَ : إِنَّما اتَّفَقوا على وُجوبِ العَمَلِ بِهِ لا عَلى صِحَّتِهِ ؛ مَنَعْنَاهُ .
وسَنَدُ المَنْعِ أَنَّهُمْ مُتَّفِقونَ عَلى وُجوبِ العَمَلِ بِكُلِّ مَا صَحَّ ولوْ لَمْ يُخْرِجْهُ الشَّيْخانِ ، فلمْ يَبْقَ للصَّحيحينِ في هذا مَزيَّةٌ ، والإِجماعُ حاصِلٌ على أَنَّ لهُما مَزِيَّةً فيما يَرْجِعُ إِلى نَفْسِ الصِّحَّةِ .
ومِمَّن صَرَّحَ بإِفادَةِ مَا خَرَّجَهُ الشَّيْخانِ العِلْمَ النَّظَرِيَّ : الأسْتاذُ أَبو إِسْحاقَ الإِسْفَرايِينِيُّ ، ومِن أَئِمَّةِ الحَديثِ أَبو عبدِ اللهِ الحُمَيْدِيُّ ، وأَبو الفَضْلِ بنُ طاهِرٍ وغيرُهُما .
ويُحْتَمَلُ أَنْ يُقالَ : المَزِيَّةُ المَذْكُورَةُ كَوْنُ أَحادِيثِهِما أَصَحَّ الصَّحيحِ .
•ومِنها : (( المَشْهورُ )) إِذا كانَتْ لهُ طُرُقٌ مُتبايِنَةٌ سالِمَةٌ مِنْ ضَعْفِ الرُّواةِ ، والعِلَلِ .
وممَّن صَرَّحَ بإِفادَتِهِ العِلْمَ النَّظَرِيَّ الأسْتاذُ أَبو مَنْصورٍ البَغْدادِيُّ ، والأسْتاذُ أَبو بَكْرِ بنُ فُورَكٍ وغيرُهُما .
•ومِنها : (( المُسَلْسَلُ بالأئمَّةِ الحُفَّاظِ المُتْقِنينَ ، حيثُ لا يكونُ غَريباً ؛ كالحَديثِ الَّذي يَرْويهِ أَحمَدُ بنُ حَنْبَلٍ مَثلاً ويُشارِكُهُ فيهِ غَيْرُهُ عَنِ الشَّافِعِيِّ ، ويُشارِكُهُ فيهِ غيرُهُ عنْ مالِكِ بنِ أَنسٍ ؛ فإِنَّهُ يُفيدُ العِلْمَ عندَ سَامِعِهِ بالاستِدْلالِ مِن جِهَةِ جَلالَةِ رُواتِهِ ، وأَنَّ فيهِمْ مِنَ الصِّفاتِ اللاَّئِقَةِ المُوجِبَةِ للقَبولِ مَا يقومُ مَقامَ العَدَدِ الكَثيرِ مِنْ غَيْرِهِم .
ولا يَتَشَكَّكُ مَنْ لَهُ أَدْنَى مُمارَسَةٍ بالعِلْمِ وأَخْبارِ النَّاسِ أَنَّ مالِكاً مَثلاً لو شافَهَهُ بخَبَرٍ أَنَّهُ صادِقٌ فيهِ ، فإِذا انْضافَ إِليهِ مَنْ هُو في تِلْكَ الدَّرَجَةِ ؛ ازْدَادَ قُوَّةً ، وبَعُدَ عَمَّا يُخْشَى عليهِ مِنَ السَّهْوِ .
وهذهِ الأنْواعُ الَّتي ذكَرْناها لا يَحْصُلُ العلمُ بصِدْقِ الخَبرِ منها إِلاَّ للعالِمِ بالحَديثِ ، المُتَبَحِّرِ فيهِ ، العارِفِ بأَحوالِ الرُّواةِ ، المُطَّلِعِ عَلى العِلَلِ
وكَوْنُ غيرِهِ لا يَحْصُلُ لهُ العِلْمُ بصِدْقِ ذلك لِقُصورِهِ عن الأوْصافِ المَذكورَةِ لا يَنْفي حُصولَ العِلْمِ للمُتَبَحِّرِ المَذْكورِ ، واللهُ أَعلمُ .
ومُحَصّلُ الأنْواعِ الثَّلاَثَةِ الَّتي ذَكَرْناها :
أنَّ الأوَّلَ : يَخْتَصُّ بالصَّحيحينِ .
والثاني : بِما لَهُ طُرُقٌ مُتَعَدِّدَةٌ .
والثَّالِثُ : بِما رواهُ الأئمَّةُ .
ويمكِنُ اجْتماعُ الثَّلاثةِ في حَديثٍ واحِدٍ ، فلا يَبْعُدُ حينئذٍ القَطْعُ بصِدْقِهِ ، واللهُ أَعْلمُ ))
هذا كلام الحافظ في النزهة التي اطلع عليها السقاف ولا شك فهو يعزو إليها
نعوذ بالله من قلة الحياء وقلة الدين
الشبهة التاسعة عشر
قال السقاف في صفحة 44-45 (( اعتراف ابن تيمية الحراني في " منهاج سنته " ان خبر الآحاد لا يبنى عليه أصل الاعتقاد : لقد اعترف الشيخ ! ! الحراني ! ! في " منهاج سنته " (2 / 133) بذلك فقال : " الثاني : أن هذا من أخبار الآحاد فكيف يثبت به أصل الدين الذي لا يصح الايمان إلا به ؟ ))
قلت هذا من البراهين الواضحة على بلادة السقاف _ أو هواه وقد يجتمعان - فهو لا يفرق بين ما قيل على سبيل الإلزام وما قيل على سبيل التقرير
فابن تيمية إنما يلزم الرافضي بما ذهب إليه من ان أخبار الآحاد لا تصلح في العقيدة وإلا فابن تيمية مذهبه معروف في أخبار الآحاد واقرأ إن شئت الفتوى الحموية أو العقيدة الواسطية ومناظرته عليها وسترى إحتجاجه بأخبار الآحاد في مسائل العقيدة
وإليك نص كلام ابن تيمية كاملاً
قال شيخ الإسلام (( وقوله روى ان الجوزي بإسناده إلى ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج في اخر الزمان رجل من ولدي إسمه كاسمي وكنيته كنيتب يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا فذلك هو المهدي
فيقال الجواب من وجوه
أحدها أنكم لا تحتجون بأحاديث أهل السنة فمثل هذا الحديث لا يفيدكم فائدة وإن قلتم هو حجة على أهل السنة فنذكر كلامهم فيه
الثاني إن هذا من أخبار الاحاد فكيف يثبت به أصل الدين الذي لا يصح الإيمان إلا به ))
ثم إن ابن تيمية لا يقر التقسيم المحدث لمسائل الإعتقاد إلى أصول إعتقاد وفروع اعتقاد
فهذا التقسيم لم أرَ أحداً يقسمه قبل السقاف وهو تقسيم ساقط فيه خرق للإجماع
والسبب في هذا التقسيم أن السقاف يعتقد بعض العقائد التي لم تأتِ إلا بطريق الآحاد كعقيدة أن النبي صلى الله عليه وسلم تعرض عليه أعمال أمته
وأن ملائكة سياحين يبلغونه عن أمته السلام
فقسم هذا التقسيم ليسلم من التناقض وأنى له
وقد نقل السقاف قول الامام الاستاذ أبو منصور عبد القاهر البغدادي المتوفى (429) في كتابه " أصول الدين " ص (12) ما نصه : " وأخبار الآحاد متى صح اسنادها وكانت متونها غير مستحيلة في العقل كانت موجبة للعمل بها دون العلم " محتجاً به وهو حجة عليه
إذ أنه قرر أن أخبار الآحاد تفيد العمل دون العلم
والمسائل الإعتقادية الفرعية -على تقسيم السقاف_ علمية صرفة
فهي تجتمع مع المسائل الإعتقادية الأصلية في العلة التي من أجلها نزل السقاف كلام العلماء في تقسيم أخبار الآحاد على أخبار أصول الإعتقاد
الشبهة التاسعة عشر
قال السقاف في حاشية صفحة 45 (( واما ما يستدل به بعض المبتدئين والسطحيين في التفكير الذين لا غور لهم في فهم أدلة الشرع
على حجية خبر الواحد في العقائد بقوله تعالى (وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل
فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون) فلا
علاقة لها بموضوعنا هذا . وذلك لان هذه الطائفة مؤمنة بنص الآية وقد حصل لديها وللفرقة
التي نفرت منها الايمان بأصول الدين والعقائد قبل ذلك . والمطلوب منها هو التفقه في دقائق
الشرع ليعرفوا فرقتهم بالاحكام التفصيلية التي لا يشترط فيها التواتر بل يكفي فيها خبر
الواحد ، فإذا علم ذلك فلا ضير في اعتبار الطائفة واحدا أو أكثر ، على أننا لا نسلم البتة بأن
الطائفة هي واحد ، وقوله في الآية (لينذروا) دليل واضح على أنهم جماعة ))
قلت لو كان السقاف جاهلاً فقط لهان الأمر
ولكنه مع جهله بليد أو صاحب هوى
ومع هذا كله طويل اللسان وكذاب فاسق
وأما الجواب على توجيهه الركيك
فهو أننا نسلم أنالفرقة مؤمنة كما دل عليه ظاهر الآية
ولكن هل الصحابة الذين نزلت فيهم الآية تعلموا جميع العقائد في الأسماء والصفات والقدر والإيمان والغيبيات دفعةً واحدة ؟
قطعاً لا
إذاً فالعقائد التي تتعلمها الطائفة المؤمنة داخلة في عموم الآية
ثم إن هذه الفرقة عندها علم بالأحكام فالآية في أحكام الجهاد والجهاد فرض بعد العديد من الأحكام ومع معرفتهم هذه فهم محتاجون إلى معرفة الأحكام الجديدة
فكما أن الأحكام ليست حكماً واحداً
فالعقائد أيضاً ليست عقيدة واحدة
فإن قال السقاف هذه هي فروع الإعتقاد لا الأصول
قلنا هذا تقسيم حادث لم تأتِ عليه بدليلٍ من كتاب أو سنة
بل لم تأتِ بسلفٍ لك من العلماء المعتبرين
وأما قوله أن (( وقوله في الآية (لينذروا) دليل واضح على أنهم جماعة ))
قلنا وهل كل جماعة تفيد التواتر ؟
قطعاً لا لأن العزيز والمشهور والمشهور المسفيض يعد من أخبار الآحاد مع كونه من رواية جماعة
وجاء في لسان العرب في مادة طوف (( قال مجاهد: الطائفةُ الرجل الواحد إلى الأَلف، وقيل: الرجل الواحد فما فوقه، وروي عنه أَيضاً أَنه قال: أَقَلُّه رجل، وقال عطاء: أَقله رجلان ))
قلت الآية عامة في حجية خبر الطائفة فتشمل حتى الإثنين
وفي توجيه السقاف للآية السابقة تحكم واضح
إذ أنه حصر الإيمان في مسائل العقيدة
حيث اعتبر وصفه تعالى للفرقة المذكورة بالإيمان دليل على إيمانهم بأصول الدين
وهذا مسلم ولكن الإيمان قول وعمل واعتقاد
فالأعمال داخلة في مسمى الإيمان
قال تعالى في صلاة المؤمنين إلى بيت المقدس (( وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ ))
فعليه يكون وصفهم بالإيمان يدل على عملهم بالأحكام _ والآية عامة في جميع المؤمنين قوي الإيمان وضعيف الإيمان _
فإذا أصر السقاف على أنهم لا يحتاجون إلى تعلم أصول الدين
لزمه أيضاً أن يقول أنهم لا يحتاجون إلى تعلم الأحكام العملية
أو أن يقر بأن العقائد متعددة كما أن الأحكام متعددة
وبالتالي يلزمه القول بأن تعلمهم لبعض العقائد لا يعني أنهم مستغنون عن تعلم بقيتها كما هو الحال في الأحكام
ومما يدل على أن الآية عامة في العقائد والأحكام بأن قوله تعالى (( ليتفقهوا في الدين))
والدين يشمل العقائد والأحكام
الشبهة العشرون
قال السقاف في صفحة 55 (( وقد أطال الحافظ ابن حجر في " النكت على ابن الصلاح " محاولا إثبات ذلك ، ولكنه لم يقنع ولم يأت هنالك بجديد أو دليل يبت ويقطع في المسألة والادلة التي سقناها تنفي ذلك ، ثم رجع واستثنى الاحاديث المنتقدة ولا طائل وراء ذلك وكلامه في باقي كتبه المحررة يفيد خلاف ذلك))
قلت الجواب عليه من وجوه
الأول فليأتنا السقاف بواحد من هذه الكتب المحررة وقد قدمنا كلام في النزهة واحتجاج البخاري بخبر آحادي في مسألة عقدية وقد أقره الحافظ في الفتح فتأمل
الثاني حجة الحافظ على إفادة أخبار الآحاد في الصحيحين اليقين أنها قد انعقد الإجماع عليها واجتماع الأمة المعصومة من الخطأ على أن الراوي لم يخطيء ولم يهم يجعلنا نجزم بصحة حديثه _ وأشك في أن السقاف فهم هذه الحجة _ واستثنى الحافظ الأحاديث التي انتقدها الأئمة الحفاظ لعدم انطباق هذه العلة عليها
واعلم أن جميع الأحاديث التي أوردها السقاف لتعقب الحافظ كلها مما استثناه الحافظ !!!
وهي حديث خلق التربة يوم السبت وهو صحيح مسلم وقد انتقده البخاري وابن المديني
انظر هذا كله في صفحة 50 -51 من مقدمة السقاف
وحديث فضائل أبي سفيان في صحيح مسلم وقد انتقده ابن حزم وابن الجوزي والذهبي كما ذكر السقاف نفسه
في صفحة 52 -53
والحديث الثالث حديث أنس في القراءة في صحيح البخاري وقد قال السقاف في صحة 54 أن جميع الحفاظ قد مثلوا للحديث المعلول في كتب المصطلح بحديث أنس هذا ف
و حديث (( من مات وعليه صوم ، صام عنه وليه )) الذي استنكره أحمد كما ذكر السقاف في صفحة 54
فقد جعل السقاف هذا كله حجةً على ابن حجر حيث قال في صفحة 55 (( وأما المسألة الثانية وهي : أن الحديث الصحيح سواء كان في الصحيحين أو في غيرهما لا يفيد إلا الظن . فجميع ما قدمناه ودللنا عليه مع الامثلة العملية الواقعية يثبت ذلك بلا شك ، وما ذهب إليه بعضهم من أن أحاديث الصحيحين تفيد العلم قول ضعيف لا يؤيده الواقع البتة ، وقد أطال الحافظ ابن حجر في " النكت على ابن الصلاح " محاولا إثبات ذلك ، ولكنه لم يقنع ولم يأت هنالك بجديد أو دليل يبت ويقطع في المسألة والادلة التي سقناها تنفي ذلك ، ثم رجع واستثنى الاحاديث المنتقدة ولا طائل وراء ذلك ))
فانظر رحمني وإياك إلى هذا البليد كيف يحتج على ابطال القاعدة التي ذكرها الحافظ بإيرادات ما استثناه الحافظ من هذه القاعدة وهذا من أعجب ما وقفت عليه من الإستدلالات
وإليك كلام الحافظ ابن حجر في النكت
قال الحافظ (( وقال النووي : خالف ابن الصلاح المحققون والأكثرون . فقالوا : يفيد الظن ما لم يتواتر ، وقال في شرح مسلم : لا يلزم من إجماع الأمة على العمل بما فيهما إجماعهم على أنه مقطوع بأنه من كلام النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ .
[ رد الحافظ على النووي وابن عبد السلام : ]
أقول : أقر شيخنا هذا من كلام النووي ، وفيه نظر وذلك أن ابن الصلاح لم يقل : إن الأمة أجمعت على العمل ( بما فيهما ) ، وكيف يسوغ له أن يطلق ذلك والأمة لم تجمع على العمل بما فيهما لا من حيث الجملة ولا من حيث التفضيل ، لأن فيهما أحاديث ترك العمل بما دلت عليه لوجود معارض من ناسخ أو مخصص .
وإنما نقل ابن الصلاح أن الأمة أجمعت على تلقيهما بالقبول من حيث الصحة ويؤيد ذلك أنه قال في شرح مسلم ـ ما صورته :
(( ما اتفقا عليه مقطوع بصدقه لتلقي الأمة له بالقبول وذلك يفيد العلم النظري وهو في إفادة العلم كالمتواتر إلا أن المتواتر يفيد العلم الضروري وتلقي الأمة بالقبول يفيد العلم النظري )) .
ثم حكى عن إمام الحرمين مقالته المشهورة أنه لو اختلف إنسان بطلاق امرأته أن ما في (( كتاب البخاري ومسلم )) مما حكا بصحته من قول النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ لما ألزمته الطلاق ولا حنثته لإجماع علماء المسلمين على صحتهما .
فهذا يؤيد ما قلنا أنه ما أراد أنهم اتفقوا على العمل وإنما اتفقوا على الصحة . وحينئذ فلا بد لاتفاقهم من مزية ، لأن اتفاقهم على تلقي خبر غير ما في الصحيحين بالقبول ، ولو كان سنده ضعيفاً يوجب العمل بمدلوله . فاتفاقهم على تلقي ما صح سنده ماذا يفيد ؟
فأما متى قلنا يوجب العمل فقط لزم تساوي الضعيف والصحيح فلا بد للصحيح من مزية . وقد وجدت فيما حكاه إمام الحرمين في البرهان عن الأستاذ أبو بكر محمد بن الحسن بن فورك ما يصرح بهذا التفضيل الذي أشرت إليه فإنه قال في الخبر الذي تلقته الأمة بالقبول مقطوع بصحته .
ثم فصل ذلك فقال : إن اتفقوا على العمل به لم يقطع بصدقه وحمل الأمر على اعتقادهم وجوب العمل بخبر الواحد .
وإن تلقوه بالقبول قولاً وفعلاً حكم بصدقه قطعاً . وحكى أبو نصر القشيري عن القاضي أبي بكر الباقلاني أنه بيم في (( كتاب التقريب )) أن الأمة إذا اجتمعت أو أجمع أقوام لا يجوز عليهم التواطؤ على الكذب من غير أن يظهر منهم ذلك التواطؤ على أن الخبر صدق ـ كان ذلك دليلاً على الصدق . قال أبو نصر وحكى إمام الحرمين عن القاضي أن تلقي الأمة لا يقتضي القطع بالصدق .
ولعل هذا فيما أذا تلقته بالقبول ، ولكن يحصل على تصديق الخبر فهذا وجه الجمع بين كلامي القاضي . وجزم القاضي أبو نصر عبد الوهاب المالكي في (( كتاب الملخص )) بالصحة فيما إذا تلقوه بالقبول . قال : وإنما اختلفوا فيما إذا أجمعت على العمل بخبر المخبر هل يدل ذلك على صحته أم لا ؟ على قولين :
قال : وكذلك إذا عمل بموجبه أكثر الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ وأنكروا على من عدل عنه فهل
يدل على صحته وقيام الحجة به ؟
ذهب الجمهور إلى أنه لا يكون صحيحاً بذلك . وذهب عيسى بن أبان إلى أنه يدل على صحته ، انتهى .
فقول الشيخ محي الدين النووي : (( خالف ابن الصلاح المحققون والأكثرون )) . غير متجه . بل تعقبه شيخنا شيخ الإسلام في محاسن الاصطلاح فقال : (( هذا ممنوع فقد نقل المتأخرين عن جمع من الشافعية والحنفية والمالكية والحنابلة أنهم يقطعون بصحة الحديث الذي تلقته الأمة بالقبول )) .قلت : وكأنه عني بهذا تقي الدين ابن تيمية فإني رأيت فيما حكاه عنه بعض ثقات أصحابه ما ملخصه : الخبر إذا تلقته الأمة بالقبول تصديقاً له وعملاً بموجبه أفاد العلم عند جماهير العلماء من السلف والخلف وهو الذي ذكره جمهور المصنفين في أصول الفقه كشمس الأئمة السرخسي وغيره من الحنفية والقاضي عبد الوهاب وأمثاله من المالكية .
والشيخ أبي حامد الاسفرائيني والقاضي أبي الطيب الطبري والشيخ أبي إسحاق الشيرازي وسليم الرازي وأمثالهم من الشافعية . وأبي عبد الله ابن حامد والقاضي أبي يعلى وأبي الخطاب وغيرهم من الحنبلية وهو قول أكثر أهل الكلام من الأشاعرة وغيرهم كأبي إسحاق الاسفرائيني وأبي بكر بن فورك وأبو منصور التميمي وابن السمعاني وأبي هاشم الجبائي وأبي عبد الله البصري قال : وهو مذهب أهل الحديث قاطبة وهو معنى ما ذكره ابن الصلاح في مدخله إلى علوم الحديث ـ فذكر ذلك استنباطاً وافق فيه هؤلاء الأئمة وخالفه في ذلك من ظن أن الجمهور على خلاف قوله لكونه لم يقف إلا على تصانيف من خالف في ذلك كالقاضي أبي بكر الباقلاني والغزالي وابن عقيل وغيرهم ، لأن هؤلاء يقولون إنه لا يفيد العل مطلقاً وعمدتهم أن خبر الواحد لا يفيد العلم بمجرده . والأمة إذا عملت بموجبه فلوجوب العمل بالظن عليهم وأنه لا يمكن جزم الأمة بصدقه في الباطن ، لأن هذا جزم بلا علم .
والجواب : إن إجماع الأمور معصوم عن الخطأ في الباطن .. وإجماعهم على تصديق الخبر كإجماعهم على وجوب العمل به والواحد منهم وإن جاز عليه أن يصدق في نفس الأمر من هو كاذب أو غالط فمجموعهم معصوم عن هذا الواحد من أهل التواتر يجوز عليه بمجرده الكذب والخطأ ومع انضمامه إلى أهل التواتر ينتفي الكذب والخطأ عن مجموعهم ولا فرق . ( انتهى كلامه )
وأصرح من رأيت كلامه في ذلك ممن نقل الشيخ تقي الدين عنه ذلك فيما نحن بصدده ـ الأستاذ أبو إسحاق الاسفرائيني فإنه قال : (( أهل الصنعة مجمعون على أن الأخبار التي اشتمل عليها الصحيحان مقطوع بها عن صاحب الشرع وإن حصل الخلاف في بعضها فذلك خلاف في طرقها ورواتها)) .
كأنه يشير بذلك إلى ما نقده بعض الحفاظ . وقد احترز ابن الصلاح عنه . وأما قول الشيخ محي
الدين : (( لا يفيد العلم إلا إن تواتر )) فمنقوض بأشياء :
1- أحدها : الخبر المحتف بالقرائن يفيد العلم النظري وممن صرح به إمام الحرمين والغزالي ، والسيف الآمدي وابن الحاجب ومن تبعهم .
2- ثانيها : الخبر المستفيض الوارد من وجوه كثيرة لا مطعن فيها يفيد العلم النظري للمتبحر في هذا الشأن . وممن ذهب إلى هذا الإسناد أبو إسحاق الاسفرائيني والأستاذ أبو منصور التميمي والأستاذ أبو بكر بن فورك .
وقال الأيباري ـ شارح البرهان ـ بعد أن حكى عن إمام الحرمين أنه ضعف هذه المقالة : (( بأن العرف وإطراد الاعتبار لا يقتضي الصدق قطعاً بل فصاراه غلبة الظن لغلبة الإسناد )) . أراد أن النظر في أحوال المخبرين من أهل الثقة والتجربة يحصل ذلك ومال إليه الغزالي . وإذا قلنا أنه يفيد العلم فهو نظري لا ضروري وبالغ أبو منصور التميمي في الرد على من أبى ذلك فقال : المستفيض وهو الحديث الذي له طرق كثيرة صحيحة لكنه لم يبلغ مبلغ التواتر ، يوجب العلم المكتسب ولا عبرة بمخالفة أهل الأهواء في ذلك .
3- ثالثها : ما قدمنا نقله عن الأئمة في الخبر إذا تلقته الأمة بالقبول . ولا شك أن إجماع الأمة على القول بصحة الخبر أقوى من إفادة العلم من القرائن المحتفة ومن مجرد كثرة الطرق .
ثم بعد تقرير ذلك كله جميعاً لم يقل ابن الصلاح ولا من تقدمه أن هذه الأشياء تفيد العلم القطعي كما يفيده الخبر المتواتر لأن المتواتر يفيد العمل الضروري الذي لا يقبل التشكيك وما عداه مما ذكر يفيد العلم النظري الذي يقبل التشكيك . ولهذا تختلف إفادة العلم عن الأحاديث التي عللت في الصحيحين ـ والله أعلم . وبعد تقرير هذا فقول ابن الصلاح (( والعلم اليقيني النظري حاصل به )) لو اقتصر على قوله العلم النظري لكان أليق بهذا المقام .
أما اليقيني فمنعناه القطعي ، فلذلك أنكر عليه من أنكر ، لأن المقطوع به لا يمكن الترجيح بين آحاده وإنما يقع الترجيح في مفهوماته . ونحن نجد علماء هذا الشأن قديماً وحديثاً يرجحون بعض أحاديث الكتابين على بعض بوجوه من الترجيحات النقلية فلو كان الجميع مقطوعاً به ( ما بقي للترجيح مسلك وقد سلم ابن الصلاح هذا القدر فيما مضى ) لما رجح بين صحيحي البخاري ومسلم ، فالصواب الاقتصار في هذه المواضع على أنه يفيد العلم النظري كما قررناه ـ والله أعلم ))
قلت هذا كلام الحافظ وقد بين فيه أن جمهور الأشاعرة على مذهبه في المسألة
وقد تعقب كلام النووي الذي احتج به السقاف
والنووي قد أخطأ في نقل مذاهب العلماء وتعقبه الحافظ
والسقاف قد وقف على التعقب ومع ذلك أصر على إقرار كلام النووي في نقل مذاهب العلماء ولا حول ولا قوة إلا بالله
الشبهة الحادية والعشرون
قال السقاف في صفحة 54 -55 (( وهذا حديث سيدنا أنس في البسملة الذي في " صحيح مسلم " والذي فيه : " صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان فكانوا يفتتحون القراءة بالحمد لله رب العالمين ، لا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم أو القراءة ولا آخرها " حديث معلول ، لان جملة : " لا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم أول القراءة ولا آخرها " ليست من حديث أنس رضي الله عنه ولا من كلامه ، وقد مثل جميع الحفاظ للحديث المعلول في كتب المصطلح بحديث أنس هذا ، لا سيما وقد ثبت في صحيح البخاري أن سيدنا أنسا سئل عن قراءة النبي صلى الله عليه وسلم فقال :
" كانت مدا يمد ببسم الله وَيَمُدُّ بِالرَّحْمَنِ وَيَمُدُّ بِالرَّحِيمِ ))
قلت الجواب عليه من وجوه
الأول ان هذا الحديث معلول _ عند السقاف _ والنزاع في أخبار الآحاد الصحيحة ومن شروط الصحيح السلامة من العلة
واعلم رحمك الله أن الأصل في حديث الثقة الصحة
فإن هذا هو مدلول قول المحدثين عنه (( ثقة ))
فإنهم لم يقولوا هذا إلا بعد سبرٍ لمروياته
واخراج حديث من أحاديثه عن هذا الأصل يحتاج إلى قرينة تؤكد أنه لم يحفظ هذا الحديث وهذه القرينة تسمى العلة
إذا فهمت هذا علمت مدى فساد استلال السقاف بهذا الخبر المعلول عنده على وجوب رد الخبر الصحيح السالم من العلة في مسائل الإعتقاد _ أي أنه لا توجد قرينة تدل على أن الراوي لم يحفظ فيبقى الحديث على الأصل _
وهذا استلال باطل للفرق الواضح بين الحالتين
بل إنه يجعل رد الأئمة للحديث المعلول الذي قامت قرينة على أن الراوي لم يحفظه
دليلاً على رد الأحاديث التي انضمت إليها قرينة تدل على أن الراوي قد حفظ الحديث كالإتفاق على تصحيح حديثه أو كونه من أثبت الناس في شيخه أو كونه قد توبع على حديثه
وهذا إن دل فإنما يدل على عدم تأهل السقاف للخوض في المسائل العلمية
الثاني هذا الخبر في الأحكام والسقاف يفرق بين الأحكام والعقائد
الثالث أن الحافظ ابن حجر قج نازع في إعلال هذا الخبر
وإليك نص كلامه في النكت على ابن الصلاح
قال (( وكيف يحكم على رواية عدم الجهر بالشذوذ وفي رواتها عن قتادة مثل شعبة ؟
قال أحمد في مسنده ثنا وكيع . ثنا شعبة عن قتادة عن أنس بلفظ : فكانوا (( لا يجهرون بـ ( بسم الله الرحمن الرحيم ) )).
وكذا أخرجه مسلم وابن خزيمة في صحيحه من طريق غندر ، عن شعبة ورواه ابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما من طريق سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة ولفظه : (( إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يجهر بـ ( بسم الله الرحمن الرحيم ) )) . ولا أبو بكر ولا عمر ولا عثمان رضي الله عنهم .
وقا لابن حبان في صحيحه : ثنا الصوفي وغيره . ثنا علي بن الجعد . ثنا شعبة وشيبان ، عن قتادة : سمعت أنس بن مالك يقول : (( صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر رضي الله عنهما وعثمان رضي الله عنه فلم أسمع أحداً منهم يجهر بـ ( بسم الله الرحمن الرحيم ) . ورواهن الدار قطني ، عن البغوي عن علي بن الجهد بهذا .
وبوب عليه ابن حبان في صحيحه (( باب الخبر المدحض )) قول من زعم أن هذا الخبر لم يسمعه قتادة من أنس رضي الله عنه . وكذا رواه جماعة من أصحاب قتادة عنه ورواه آخرون عنه بلفظ الافتتاح ، ورواه عن شعبة جماعة حفاظ أصحابه هكذا ورواه آخرون عنه بلفظ الافتتاح ، فيظهر أن قتادة كان يرويه على الوجهين وكذلك شعبة ومن أدل دليل على ذلك أن يونس بن حبيب رواه في مسند أبي داود الطيالسي عنه عن شعبة بلفظ الافتتاح . ورواه محمد بن المثنى ويحيى بن أبي طالب عنه بلفظ عدم الجهر فالله أعلم ))
ثم ذكر شواهداً لخبر أنس وله كلام طويل في الدفاع هذا الحديث من أراده فيراجعه هناك
رابعاً أن الحديث الذي أورده لمعارضة خبر أنس قد جمع الحافظ ابن حجر بينه وبين الحديث المذكور
قال الحفظ في الفتح (9/710 ) من طبعة دار الريان (( تنبيه : استدل بعضهم بهذا الحديث على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم في الصلاة، ورام بذلك معارضة حديث أنس أيضا المخرج في صحيح مسلم أنه صلى الله عليه وسلم كان لا يقرؤها في الصلاة، وفي الاستدلال لذلك بحديث الباب نظر، وقد أوضحته فيما كتبته من النكت على علوم الحديث لابن الصلاح، وحاصله أنه لا يلزم من وصفه بأنه كان إذا قرأ البسملة يمد فيها أن يكون قرأ البسملة في أول الفاتحة في كل ركعة، ولأنه إنما ورد بصورة المثال فلا تتعين البسملة، والعلم عند الله تعالى))
الشبهة الثانية والعشرون
قال السقاف في صفحة 50 -51 (( أحاديث حكم عليها بعض الحفاظ بالصحة بالنظر لاسانيدها وهي معلولة أو شاذة متنا : 1 - روى مسلم في صحيحه 2149 برقم 2789) عن أبي هريرة مرفوعا :
" خلق الله عزوجل التربة يوم السبت ، وخلق فيها الجبال يوم الاحد ، وخلق الشجر يوم الاثنين ، وخلق المكروه يوم الثلاثاء ، وخلق النور يوم الاربعاء ، وبث فيها الدواب يوم الخميس وخلق آدم عليه السلام بعد العصر من يوم الجمعة في آخر الخلق في آخر ساعة من ساعات الجمعة فيما بين العصر إلى الليل " . ففي هذا الحديث إثبات أن الله خلق السموات والارض في سبعة أيام ، وهذا مخالف للقرآن وذلك لان الله تعالى أخبر أنه خلق السموات والارض في ستة أيام ، قال الله تعالى : (إن ربكم الله الذي خلق السموات والارض في ستة أيام) الاعراف : 53 . فإن قال قائل : هذا الحديث لا يعارض الآية السابقة ، وإنما يفصل كيفية تطور الارض وما خلق فيها وحدها ، وأن ذلك كان في سبعة أيام وهي غير الايام الستة المذكورة في الآية أو نحو هذا الكلام كما صرح به متناقض ! ! عصرنا . قلنا في جوابه : لا ، ليس كذلك وكلامك باطل من وجوه عديدة أذكر لك ثلاثة منها : الاول : أن سيدنا آدم المذكور في الحديث لم يخلق على الارض إنما خلقه الله في الجنة ثم أهبط بعد مدة إلى الارض ، فهذا الحديث لا يتكلم إذن بما حصل على الارض خاصة ، ثم قوله فيه : (وخلق النور يوم الاربعاء) ليس خاصا أيضا بالارض لان النور الموجود على الارض بشكل عام مصدره من الشمس التي هي في السماء ، فهذا الحديث فيه ذكر ما في الارض وما في السماء . وكذلك قوله المكروه في الحديث لا يفهم معناه ! ! والمكروه يعم أشياء
كثيرة ، والمعروف أن المكروه أو الشر يخلقه الله عزوجل في وقته الذي يحصل فيه ، وهذا الحديث فيه هذه الجمل الركيكة التي تدل على أن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ما نطق به . الثاني : أن القران يرد ذلك أيضا بصراحة قال تعالى : (قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الارض في يومين وتجعلون له أندادا ذلك رب العالمين * وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام سواء للسائلين) فصلت : 9 - 10 . فهذا صريح في أن الله خلق الارض في يومين وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام ومجموع ذلك ستة أيام ، فأين الايام السبعة من ذلك ؟ ! الثالث : أن بعض أئمة المحدثين الذين أدركوا هذا الشذوذ في متن الحديث طعنوا فيه . قال ابن كثير في تفسيره (1 / 99 طبعة الشعب) : " هذا الحديث من غرائب صحيح مسلم ، وقد تكلم عليه ابن المديني والبخاري وغير واحد من الحفاظ وجعلوه من كلام كعب الاحبار ، وأن أبا هريرة إنما سمعه من كلام كعب الاحبار ، وقد اشتبه على بعض الرواة فجعله مرفوعا " . قلت : وقد ذكر ذلك البخاري في كتابه " التاريخ الكبير " وغيره ، حتى أن الشيخ ! ! الحراني ! ! نقل طعن الحفاظ فيه في " فتاواه " (1) (17 / 236) ))
قلت الجواب عليه من وجوه
الأول أن هذا الحديث معلول عند ابن المديني والبخاري فهو خارج محل النزاع إذ أننا نتحدث عن حجية الأحاديث الآحادية الصحيحة في مسائل الإعتقاد فيقال فيه ما قيل في سابقه
الثاني هذا الخبر محل خلاف بين الحفاظ فلا يصلح لتعقب من قال أن أحاديث الصحيحين المجمع عليها تفيد القطع _ وهذا هو حال معظم أحاديث الصحيحين _
الثالث أن اعتراض السقاف على توجيه الألباني بأن آدم خلق في الجنة مردود
لأن توجيه الألباني مبني على كون هذه الأيام السبعة غير الأيام الستة التي خلقت فيها السماوات والأرض ولا يمتنع أن يكون آدم خلق بعد خلق السماوات والأرض سواءً كان خلقه في الأرض أو الجنة وكون الحديث لا يتكلم عما حصل في الأرض خاصة لا ينفي أصل التوجيه الذي ذكره الشيخ لأنه لا يمتنع أن يكون الحديث يتحدث عن أحداث حصلت في السماوات والأرض بعد خلقهما
الرابع أن اعتراضه على الشيخ بأن الشمس في السماء يقال فيه مثل ما قيل في خلق آدم من عدم امتناع تأخر خلقها عن خلق السماوات والأرض
الخامس اعتراضه على لفظ المكروه غير متجه فقد يكون اللفظ قد خرج مخرج اطلاق العام وإرادة الخاص فيكون المقصود به الشيطان
السادس اعتراضه بذكر تقدير الأقوات يجاب عليه بأن معنى الأقوات أي الأرزاق كما ورد ذلك عن بعض السلف وهذا لا يعارض ظاهر الحديث وأما ذكر الجبال في الآية فقد يكون خرج مخرج الصفة للأرض لا على وجه ترتيب الأحداث
أما إعلال ابن المديني للحديث فهو قوله _كما ذكر القرطبي في التفسير _(( وما أرى إسماعيل بن أمية أخذ هذا الأمر إلا من إبراهيم بن أبي يحيى ))
هذا الإعلال كما ترى لا علاقة له بالمتن بل هو متعلق بالسند إذا فهمت هذا عرفت أن قول السقاف (( أن بعض أئمة المحدثين الذين أدركوا هذا الشذوذ في متن الحديث طعنوا فيه )) محض تخرص
وقد خالف الإمام مسلم الإمام ابن المديني وحكم على الحديث بالإتصال وكذلك فعل ابن خزيمة إذ أنه أخرج الحديث في صحيحه برقم 1636
وكذلك فعل تلميذه ابن حبان والحديث عنده برقم 6267
وقد صحح هذا الحديث شيخ السقاف عبدالله الغماري في الكنز الثمين وهو أول من حرر مسألة الشذوذ في المتن عند السقاف كما في صفحة 49 من مقدمته
و إعلال البخاري للحديث لفظه (( وقال بعضهم عن أبي هريرة عن كعب وهو أصح ))
قلت وهذا الإعلال متعلق بالسند دون المتن وهذا يبين لنا كذب السقاف في زعمه أن بعض كبار المحدثين _ ويعني ابن المديني والبخاري _ قد أدركوا شذوذ المتن
و البعض الذين رووا الحديث عن أبي هريرة عن كعب لم أقف عليهم ولم أجد من وقفهم عليهم لهذا لا تثريب على من تابع مسلماً وابن خزيمة وابن حبان في تصحيحهم للحديث
ولا تثريب على من تابع ابن المديني والبخاري في إعلالهم للحديث
هذا والله الموفق
الشبهة الثالثة والعشرون
قال السقاف في صفحة 54 (( وقد استنكر الامام أحمد أيضا حديث " من مات وعليه صوم ، صام عنه وليه " وهو في الصحيحين انظر " سير أعلام النبلاء " (6 / 10) ))
قلت الجواب عليه أن هذا خبر في الأحكام فإذا كنا سنرد الأخبار في الأحكام لاحتمال وهم الراوي عاد بنا الأمر إلى مذهب المعتزلة الذي تقدم نقضه
وقد قدمنا أنه لا فرق بين العقائد والأحكام في مسألة قبول الأخبار والرد وأن التفريق بدعة حادثة
قال الذهبي في ترجمة عبيد الله بن أبي جعفر (( وقد قال أحمد بن حنبل مرة: ليس بالقوي واستنكر له حديثاً ثابتاً في الصحيحين في: "من مات وعليه صوم صام عنه وليه))
قلت هذا ما عزى إليه السقاف ويظهر جلياً أن سبب استنكار أحمد هو تضعيفه للراوي _ والجمهور على تويثقه وهو المختار _
فهل يقاس على هذا الراوي الذي ضعفه أحمد الراوي المتفق على توثيقه
وهل يقاس عليه الحديث المتفق على تصحيحيه
أو الحديث التي احتفت به قرينة تعدد الطرق فكان مشهوراً مستفيضاً
قطعاً لا للفرق الواضح بين الحالات
إذاً لماذا يحتج السقاف بهذا الخبر الخارج عن محل النزاع على إسقاط الأخبار الصحيحة في مسائل الإعتقاد
ومثل هذا يقال في حديث فضائل أبي سفيان عند مسلم ولفظه عن ابن عباس قال : كان المسلمون لا ينظرون إلى أبى سفيان ولا يقاعدونه ، فقال للنبي صلى الله عليه وسلم : يا نبي الله ! ثلاث أعطينهن ؟ قال " نعم " . قال : عندي أحسن العرب وأجمله أم حبيبة بنت أبي سفيان ، أزوجكها ؟ قال : " نعم " . قال : ومعاوية تجعله كاتبا بين يديك ؟ قال : " نعم " (1) . قال : وتؤمرني حتى أقاتل الكفار كما كنت أقاتل المسلمين ؟ قال : " نعم " . قال أبو زميل ؟ ولولا أنه طلب ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم ما أعطاه ذلك ، لانه لم يكن يسأل شيئا إلا قال : " نعم "
فقد استنكر العلماء قول أبي سفيان (( عندي أحسن العرب وأجمله أم حبيبة بنت أبي سفيان )) لاتفاق أهل السير على أن النبي صلى الله عليه وسلم قد تزوج أم حبيبة قبل إسلام أبي سفيان رضي الله عنهما
قال ابن الجوزي كما نقل السقاف في صفحة 53((هو وهم من بعض الرواة لا شك فيه ولا تردد ، وقد اتهموا به عكرمة بن عمار راوي الحديث ))
أي اتهموه بالوهم فهو المتفرد بهذا الحديث فيقال للسقاف في هذا مثل له في الحديث السابق
هل يقاس على هذا الراوي المتفق على توثيقه
وهل يقاس عليه الحديث المتفق على تصحيحيه
أو الحديث التي احتفت به قرينة تعدد الطرق فكان مشهوراً مستفيضاً
قطعاً لا للفرق الواضح بين الحالات
إذاً لماذا يحتج السقاف بهذا الخبر الخارج عن محل النزاع على إسقاط الأخبار الصحيحة في مسائل الإعتقاد _ والحديث المذكور في الفضائل _
واعلم رحمك أن أحاديث الصفات لا تعارض آيات التنزيه
فقوله تعالى (( ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ))
فيه نفي التشبيه المسبوق بالكاف وهذا واضح من قوله (كمثله )
وأما التشبيه الذي اخترعه المعطلة وهو التشبيه عن الناتج عن الإتفاق باللفظ فالآية ترده فقد أسمى نفسه بالسميع البصير ونعت الإنسان بالسميع البصير وليس السمع كالسمع ولا البصر كالبصر
من هنا تعرف مدى عمق فقه السلف في قولهم (( إنما التشبيه أن تقول سمع كسمعي وبصر كبصري ويد كيدي ))
نقض شبهات السقاف حول الإحتجاج بأخبار الآحاد في مسائل العقيدة
الشبهة الأولى
ثم بدأ السقاف في ص27 بالتشغيب على أخبار الآحاد حيث أنها لا تصلح حجة في مسائل الإعتقاد ونقل لتأييد قوله نص الخطيب في الفقيه والمتفقه
قال الحافظ الخطيب البغدادي في " الفقيه والمتفقه " (1 / 132) : " باب القول فيما يرد به خبر الواحد : . . . . وإذا روى الثقة المأمون خبرا متصل الاسناد رد بأمور : أحدها : أن يخالف موجبات العقول فيعلم بطلانه ، لان الشرع إنما يرد بمجوزات العقول وأما بخلاف العقول فلا .
والثاني : أن يخالف نص الكتاب أو السنة المتواترة فيعلم أنه لا أصل له أو منسوخ . والثالث : يخالف الاجماع فيستدل على أنه منسوخ أو لا أصل له . . . والرابع : أن ينفرد الواحد برواية ما يجب على كافة الخلق علمه فيدل ذلك على أنه لا أصل له لانه لا يجوز أن يكون له أصل وينفرد هو بعلمه من بين الخلق العظيم . الخامس : أن ينفرد برواية ما جرت العادة بأن ينقله أهل التواتر فلا يقبل لانه لا يجوز أن ينفرد في مثل هذا بالرواية "
قلت والجواب عن هذا أنه ليس فيه دلالة أن ما يصلح حجة في الأحكام لا يصلح حجة في الإعتقاد كما هو مذهب السقاف بل هو حجة عليه فكل الأمور السابقة تشترك فيها أحاديث الأحكام مع أحاديث العقائد فقوله
((أن يخالف موجبات العقول فيعلم بطلانه ))
تشترك فيه أحاديث الأحكام مع أحاديث الإعتقاد بل وحتى الوقائع التاريخية تشترك في هذا مع أحاديث العقائد
فحديث تعدد حادثة الكسوف في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ردها جماعة من العلماء لمخالفتها للواقع
وقول الخطيب (( موجبات العقول )) يعني البديهيات وليست الأمور التي تختلف فيها العقول فتقبله عقول الأئمة الأكابر كمالك والشافعي ومسلم
ويأتي من يردها لمخالفتها لما في عقل الكوثري
وقوله (( أن يخالف نص الكتاب أو السنة المتواترة ))
قلت هذا يشمل نصوص الأحكام والإعتقادات ثم إنه خارج محل النزاع فنحن نتحدث عن الحديث الصحيح وهذه صفة الحديث الشاذ
وقوله (( يخالف الاجماع فيستدل على أنه منسوخ أو لا أصل له ))
قلت وهذا خاص بالأحكام فالعقائد لا تنسخ
والقول بالنسخ يدل على القبول
ولا يكاد يوجد إجماع إلا وهو يعتمد على نص فبناء عليه تكون هذه صفة الحديث الشاذ وهو خارج محل النزاع
وقوله (( أن ينفرد الواحد برواية ما يجب على كافة الخلق علمه ))
هذا شامل في الأحكام والعقائد وفيه نظر فقد بنى جماعة من الفقهاء القول بالوجود في العديد من مسائل الطهارة والصلاة وغيرها مما ينبغي على مسلم تعلمه بخبر الواحد وهذا مما لا يخالف فيه السقاف
والخطيب البغدادي يعتقد أن هذه الشروط لا تنبق على أحاديث الصفات وإليك الدليل
قال الذهبي في كتاب العرش أخبرنا إسماعيل بن عبد الرحمن ، أنبأنا عبد الله بن أحمد المقدسي سنة سبع عشرة وستمائة، عن المبارك بن علي الصيرفي ، أنبأنا أبو الحسن محمد بن مرزوق الزعفراني ، أنبأنا أبو بكر الخطيب قال: "[أما] الكلام في الصفات، فأما ما روي منها في السنن الصحاح، فمذهب السلف إثباتها وإجراؤها على ظواهرها، ونفي الكيف والتشبيه عنها ، والأصل في هذا أن الكلام في الصفات فرع على الكلام في الذات، ونحتذي في ذلك حذوه ومثاله، وإذا كان معلوماً أن إثبات رب العالمين إنما هو إثبات وجود لا إثبات تحديد وتكييف، فكذلك إثبات صفاته فإنما هو إثبات وجود (ق87/أ) لا إثبات تحديد وتكييف، فإذا قلنا: يد وسمع وبصر، فإنما هو إثبات صفات أثبتها الله لنفسه، ولا نقول إن معنى اليد: القدرة، ولا نقول: إن معنى السمع والبصر: العلم، ولا نقول: إنها جوارح وأدوات الفعل، ونقول: إنما وجب إثباتها لأن التوقيف ورد بها، ووجب نفي التشبيه عنها، لقوله تعالى {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} ، وقوله {وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ }
قلت وإسناده صحيح فشيخ الذهبي
قال عنه محقق كتاب العرش الشيخ محمد بن خليفة التميمي (( إسماعيل بن عبد الرحمن بن عمرو، أبو الفداء المرداوي ثم الصالحي الحنبلي الفراء المعروف بابن المنادي، شيخ صالح، ولد سنة (610هـ) وتوفي سنة (700هـ). معجم شيوخ الذهبي (1/175)،
وشيخه عبد الله بن أحمد قال عنه (( عبد الله بن أحمد بن أبي بكر محمد بن إبراهيم السعدي المقدسي، أبو محمد الصالحي الحنبلي، المحدث، الرحال، مفيد الطلبة، توفي سنة (658هـ) وله أربعون سنة. السير (23/375)، ذيل طبقات الحنابلة (2/268)
وشيخه أبو طالب (( أبو طالب المبارك بن علي الصيرفي، وفي ذيل تاريخ بغداد (15/337، ت1239): "وكان ثقة، توفي في ذي الحجة سنة اثنتين وستين وخمسمائة فجأة".
وشيخه محمد بن مرزوق بن عبد الرزاق بن محمد البغدادي، أبو الحسن الزعفراني، الحلاّب، الشافعي، ولد سنة (442هـ) وكان تاجراً، جوّالاً، فقيهاً، محدثاً، ثبتاً، صالحاً، مات ببغداد سنة (517هـ). السير (19/471)، شذرات الذهب (4/76)
ووجه الدلالة في قول الخطيب (( "[أما] الكلام في الصفات، فأما ما روي منها في السنن الصحاح، فمذهب السلف إثباتها وإجراؤها على ظواهرها))
فلم يفرق بين أخبار الآحاد والمتواتر وهو هنا يصرح بلفظ الإثبات والإجراء على الظاهر مما لا يدع مجالاً لزعم التفويض
وخصوصاً أنه نفى الكيف والتشبيه وهذه التحرزات لا تكون مع إثبات المعنى
ثم قرر أن الكلام في الثفات فرع عن الكلام في الذات
وليس لقائل أن الخطيب يفوض وجود الله !!والعياذ بالله
الشبهة الثانية
وأطلق السقاف القول بظنية أخبار الآحاد في ص26 وبنى على ذلك عدم حجيتها في مسائل الإعتقاد
والجواب عن ذلك
أن أخبار الآحاد تفيد العلم إذا احتفت بها القرائن ومن تلكم القرائن
إجماع الحفاظ على تصحيحها كأحاديث الصحيحين التي لم ينتقدها الأكابر كالدارقطني والغساني
والإجماع حجة قطعية باعتراف السقاف حيث ذكر أن حجية الإجماع قطعية عند كلامه على ظنية أخبار الآحاد
وهذا مذهب الكوثري حيث قال في كتابه نظرة عابرة ص(109) (( فخبر الآحاد الذي تلقته الأمة بالقبول يقطع بصدقه ))
قلت استفدت هذا النص من كتاب موسوعة أهل السنة لعبد الرحمن الدمشقية (529)
والناس تبع للأئمة النقاد في هذا الشأن ( أعني التصحيح والتضعيف )
وقال الإسفراييني كما في النكت على ابن الصلاح (1/377 ) (( أهل الصنعة مجمعون على أن الأخبار التي اشتمل عليها مقطوع بها عن صاحب الشرع ))
قلت يخرج من هذا الإجماع الأحاديث التي انتقدها الدارقطني وغيره من الأئمة النقاد _ يخرج من ذلك المتهوكين من المتأخرين_ ويدخل فيه كل حديث انفق الأئمة على تصحيحه وإن لم يكن في الصحيحين
قال أبو المظفر السمعاني (( إن الخبر إذا صح عن النبي ورواه الأئمة الثقات وأسنده خلفهم عن سلفهم إلى رسول الله وأسنده خلفهم عن سلفهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وتلقته الأمة بالقبول فإنه يوجب العلم ))
راجع موسوعة أهل السنة للدمشقية
ومثال ذلك حديث (( فيأتيهم الجبَّار في صورة غير صورته التي رأوه فيها ))
فقد اتفق الشيخان على تصحيحه وصححه الدارمي ولم يتعرض له شراح الصحيحين بتضعيف بل أولوه والتأويل فرع عن القبول
ومن تناقضات السقاف والكوثري أنهما يضعفان هذا الحديث
القرينة الثانية تعدد الطرق بما يحصل به الإطمئنان لصدق الحديث وإن لم يبلغ درجة التواتر
خصوصاً إن يضعف الحديث معتبر فلو وجدنا حديثاً في اقل طبقة من طبقاته ثلاثة كلهم عدول لجزمنا بعدم وجود الكذب لأنهم عدول
وإذا كانوا ضباطاً لجزمنا بعدم وجود الخطأ فهم ضباط بل حتى لو كان اثنان منهم ضباط والثالث ضعيف الضبط
وهذا أمرٌ معلوم من الحس
ومثال ذلك حديث الكشف عن ساق
فقد روي في الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري
وقد رواه جماعة كعبد الله بن أحمد في السنة والطبراني في الكبير من حديث عبد الله بن مسعود
وأخرجه الدارمي في سننه من حديث أبي هريرة
وأسانيده قوية
فهذا يقطع بثوته عن النبي ولا يلتفت لكونه آحاداً
الشبهة الثالثة
وزعم السقاف في ص27 أن مسائل (أصول) الإعتقاد لا تثبت إلا بالعلم أي أنه لا يكفي فيها الظن الغالب
وأخبار الآحاد دلالتها ظنية ( وقد سبق نقد هذا الإطلاق )
وهذا هو الأصل الثاني الذي بنى عليه السقاف قوله في اخبار الآحاد والجواب عليه من وجهين
الأول أنه لا دليل على التفريق بين مسائل الإعتقاد ومسائل الأحكام من حيث التلقي فإذا قلنا في خبر الواحد لا نأخذ به في مسائل الإعتقاد لأنه يجوز على الواحد الخطأ
جاز للمعتزلي أن يقول لا أستحل أن أحكم في الدماء والأعراض بخبر الواحد لأنه يجوز عليه الخطأ
وسنجيبه بأن الله عز وجل أمرنا بالرجوع إلى الكتاب والسنة عند الإختلاف
قال تعالى (( فإن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُول))
والأخبار المتواترة معظمها محل إجماع فيمتنع أن يأمرنا الله عز وجل بالرجوع إلى ما لا يصلح حجة
وخصوصاً أن لفظ الآية من ألفاظ العموم
بل قد تعهد سبحانه وتعالى بحفظ الدين قال تعالى (( إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ))
ثم إن إجماع الصحابة منعقد على الأخذ بأخبار الآحاد في مسائل الفروع
فقد أخذوا بخبر الواحد في تحول القبلة
الثاني أن الأحكام العملية تتضمن إعتقاداً فالذي يصلي الضحى يصليها معتقداً أن الله يحب هذا العمل وعليه فقس
وبهذا يبطل ذلك التفريق المحدث
الثالث ان الظن الغالب معتبر شرعاً بل وسماه رب العالمين علماً قال تعالى (( فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ ))
قلت والمقصود بالعلم هنا الظن الغالب إذ لا يعلم ما في القلوب إلا الله
فهذا يدل على استواء العلم والظن الغالب في الحكم
وقال تعالى (( ولا تقف ما ليس لك به علم ))
وهذا عام في العقائد والأحكام وما زال الصحابة ومن بعدهم يقفون أخبار الآحاد في الأحكام فدل على أنها علم
وبهذا يتم نسف أصل السقاف الثاني في مسألة أخبار الآحاد
الشبهة الثالثة
وزعم السقاف أن معاذ بن جبل لم يبعث إلى اليمن وحده وإنما كان ضمن جماعة واحتج بما رواه أحمد في مسنده من حديث بريدة (( بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثين إلى اليمن على أحدهما علي بن أبي طالب وعلى الآخر خالد بن الوليد فقال: إذا التقيتم فعلي على الناس وإن افترقتما فكل واحد منكما على جنده قال: فلقينا بني زيد من أهل اليمن فاقتتلنا فظهر المسلمون على المشركين فقتلنا المقاتلة وسبينا الذرية فاصطفى علي امرأة من السبي لنفسه قال بريدة: فكتب معي خالد بن الوليد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يخبره بذلك فلما أتيت النبي صلى الله عليه وسلم دفعت الكتاب فقرئ عليه فرأيت الغضب في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت يا رسول الله هذا مكان العائذ بعثتني مع رجل وأمرتني أن أطيعه ففعلت ما أرسلت به فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تقع في علي فإنه مني وأنا منه وهو وليكم بعدي وإنه مني وأنا منه وهو وليكم بعدي ))
وحسن السقاف سنده
قلت وهذا منها وقد ارتكب السقاف خيانة علمية حين بتر نص الحديث فلم يورد منه إلا قول بريدة ((بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثين إلى اليمن على أحدهما علي بن أبي طالب ))
ولم يكمل الآخر لأنه فيه دليل على أن معاذ لم يكن أميراً على أحد البعثين فما وجه تخصيص النبي صلى الله عليه وسلم له بالوصية وقد كان الولى بها علي أو خالد
فهذا يدل على نكارة المتن أو أن بعث معاذ غير بعث علي وخالد رضي الله عنهم فتفطن السقاف لذلك فبتر الحديث
وخصوصاً أن السقاف قد قرر أن تخصيص النبي صلى الله عليه وسلم لأحد الصحابة بالوصية عند إرساله إنما يكون لأنه أمير الجيش لا لأنه يذهب وحده حيث قال في ص32 (( وأزيد مؤكدا على أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يبعث إلى ناحية من النواحي رجلا واحدا وإنما كان يبعث بعثا - عددا من الصحابة - وإنما كان يسمى الرجل الواحد لانه أمير ذلك البعث بدليل ما رواه الامام أحمد في مسنده (5 / 356) أثناء قصة عن بريدة قال : " بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثين إلى اليمن ، على أحدهما علي بن أبي طالب . . . " وإسناده حسن ))
وقد ثبت في صحيح البخاري أن البعثين كانا لأخذ الخمس لا للدعوة
قال البخاري 4093 حدثني محمد بن بشار: حدثنا روح بن عبادة: حدثنا علي بن سويد بن منجوف، عن عبد الله بن بريدة، عن أبيه رضي الله عنه قال:
بعث النبي صلى الله عليه وسلم عليا إلى خالد ليقبض الخمس، وكنت أبغض عليا، وقد اغتسل، فقلت لخالد: ألا ترى إلى هذا، فلما قدمنا على النبي صلى الله عليه وسلم ذكرت ذلك له، فقال: (يا بريدة أتبغض عليا). فقلت: نعم، قال: (لاتبغضه له في الخمس أكثر من ذلك )
قلت وفي سند رواية أحمد أجلح الكندي وهو متكلم فيه واختار الحافظ ابن حجر كونه صدوقاً
وخالفه هنا من هو أوثق منه
ولهذه الرواية عند البخاري شواهد أوردها البخاري فهذا لا ينافي
ومما يدل دلالة واضحة على أن معاذ بن جبل قد دعا جماعة من أهل اليمن إلى الإسلام عقيدة وفقهاً وحده أنه لم يذكر أحد من أهل السير أنه كانت هناك غزوة لليمن أميرها معاذ بن جبل بل ثبت في الصحيح ما ينفي ذلك
وهو قوله (( لَنْ أَوْ لَا نَسْتَعْمِلُ عَلَى عَمَلِنَا مَنْ أَرَادَهُ وَلَكِنْ اذْهَبْ أَنْتَ يَا أَبَا مُوسَى أَوْ يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ قَيْسٍ إِلَى الْيَمَنِ ثُمَّ اتَّبَعَهُ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ ))
فهذا يدل على أن أبا موسى قد أرسل ابتداءً لوحده ولو كان مرسلاً لقوم مؤمنين يعلمهم أمور دينهم لما قال النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ (( إنك تقدم على قوم من أهل الكتاب فليكن أول ما تدعوهم شهادة أن لا إله إلا الله ))
فهذا يبطل زعم السقاف أنه لو كان النبي يبعث الصحابة فرادى فإنه يبعثهم ليعلموا الناس الذين أسلموا أمور دينهم
وقد قال الحافظ ابن حجر في الفتح (( وكان عمل معاذ النجود وما تعالى من بلاد اليمن، وعمل أبي موسى التهائم وما انخفض منها، فعلى هذا فأمره صلى الله عليه وسلم لهما بأن يتطاوعا ولا يتخالفا محمول على ما إذا اتفقت قضية يحتاج الأمر فيها إلى اجتماعهما ))
قلت فهذا يؤكد أن الذين يدعوهم أبو موسى غير الذين يدعوهم معاذ
ولوسلمنا باتفاقهما في المدعوين فهذا لا ينافي أن خبرهما خبر آحاد فخبر الإثنين من جملة أخبار الآحاد
وقد قدمنا ان بعث خالد بن الوليد وعلي يختلف في الماهية والمضمون عن بعث أبي موسى ومعاذ
الشبهة الرابعة
وزعم السقاف في ص31 أن معاذ بن جبل لو كان قد سافر لليمن وحده لكان مخالفاً لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن سفر الرجل لوحده
وقد أتي السقاف هنا من جهله بالأحكام
فقد ثبت في صحيح البخاري 2835 أن النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ندب النَّاسَ قَالَ صَدَقَةُ أَظُنُّهُ يَوْمَ الْخَنْدَقِ فَانْتَدَبَ الزُّبَيْرُ ثُمَّ نَدَبَ النَّاسَ فَانْتَدَبَ الزُّبَيْرُ ثُمَّ نَدَبَ النَّاسَ فَانْتَدَبَ الزُّبَيْرُ
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ لِكُلِّ نَبِيٍّ حَوَارِيًّا وَإِنَّ حَوَارِيَّ الزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ
قال الحافظ في شرح هذا الحديث (( وفيه جواز سفر الرجل وحده، وأن النهي في السفر وحده إنما هو حيث لا تدعو الحاجة إلى ذلك، وسيأتي مزيد بحث في ذلك في أواخر الجهاد في " باب السير وحده" ))
الشبهة الخامسة
وزعم السقاف في ص31 أن أهل اليمن الذين ذهب إليهم معاذ بن جبل كانوا قد عرفوا أصل التوحيد والعقيدة من الأشعريين حيث قال (( فهؤلاء بعض من كان مع سيدنا معاذ حين بعثه صلى الله عليه وسلم إلى اليمن من المسؤولين ما عدا الآخرين الذين كانوا أيضا بصحبته ، والمترددين من أهل اليمن بين بلادهم والمدينة ممن نقل أصل الدعوة وأصول التوحيد والعقيدة إلى تلك البلاد كالاشعريين الذين منهم أبو موسى الاشعري وأصحابه ))
قلت هذا زعم ساقط فإن النبي قال لمعاذ بن جبل (( إنك تقدم على قوم من أهل الكتاب فليكن ما تدعوهم إليه أن يوحدوا الله ))
فهذا يدل على أنهم لم يتعلموا التوحيد
ولو كانوا قد تم دعوتهم قبل هذه المرة لأشار النبي إلى ذلك
ولو ثبت ذلك لم ينفِ كون خبر معاذ خبر آحادي
أي أنهم سيتعلمون أصول الدين من رجل واحد بعد أن يشهدوا الشهادتين
إذ أن أصول الدين غير محصورة بالشهادتين
ولكن بداية الدعوة تكون للشهادتين فإن أقر المدعو بهما
دعي لبقية أحكام الدين العقدية والعملية إلا إذا كان في اعتقاده ما ينافي التوحيد ابتداءً كاعتقاد أن المسيح ابن الله فإنه يطالب بالتبرؤ من هذه العقيدة مع إقراره بالشهادتين
الشبهة السادسة
واحتج السقاف في ص31 برواية ساقطة على كون معاذ لم يذهب إلى اليمن لوحده وهي ما رواه ابن جرير(2 / 247) في تاريخه عن عبيد بن صخر بن لوذان الأنصاري وكان ممن بعثه النبي صلى الله عليه وسلم مع عمال اليمن سنة عشر بعدما حج حجة التمام : وقد مات باذام ، فلذلك فرق عملها بين شهر بن باذام ، وعامر بن شهر الهمداني ، وعبد الله بن قيس أبي موسى الاشعري ، وخالد بن سعيد بن العاص ، والطاهر بن أبي هالة ، ويعلي بن أمية ، وعمرو بن حزم ، وعلى بلاد حضرموت زياد بن لبيد البياضي وعكاشة بن ثور بن أصغر الغوثي . . ومعاوية بن كندة ، وبعث معاذ بن جبل معلما لأهل البلدين : اليمن وحضرموت "
قلت ذكر الحافظ ابن حجر في الإصابة في ترجمة عبيد بن صخر بن لوذان أن ابن جرير الطبري روى هذا الخبر من طريق سيف بن عمر عن سهل بن يوسف بن سهل عن أبيه عن عبيد بن صخر بن لوذان
قلت سيف بن عمر متهم بالزندقة والوضع
ويوسف بن سهل لم أعرفه وفي سماعه من عبيد بن صخر نظر
وحتى إن ثبت فهو حجة على السقاف فإن فيه أن معاذاً بعث معلماً لأهل اليمن
وحضرموت وهذا يعني أنهم يأخذون منه أصول دينهم وفروعه
فلو مات أحدهم ولم يرَ النبي لكان إسلامه صحيحاً بلا خلاف على ما تلقاه من معاذ
وأما هذا الخبر فهو منكر فالحديث في صحيح البخاري يفيد بعث معاذ وأبي الأشعري فقط
الشبهة السابعة
واحتج السقاف في ص32 على إفادة خبر الآحاد للظن بقصة ذي اليدين المروية في صحيح (فتح 1 / 566) ومسلم (1 / 403 برقم 573) ولفظها عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ ((صَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِحْدَى صَلَاتَيْ الْعَشِيِّ قَالَ مُحَمَّدٌ وَأَكْثَرُ ظَنِّي الْعَصْرَ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ ثُمَّ قَامَ إِلَى خَشَبَةٍ فِي مُقَدَّمِ الْمَسْجِدِ فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهَا وَفِيهِمْ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فَهَابَا أَنْ يُكَلِّمَاهُ وَخَرَجَ سَرَعَانُ النَّاسِ فَقَالُوا أَقَصُرَتْ الصَّلَاةُ وَرَجُلٌ يَدْعُوهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذُو الْيَدَيْنِ فَقَالَ أَنَسِيتَ أَمْ قَصُرَتْ فَقَالَ لَمْ أَنْسَ وَلَمْ تُقْصَرْ قَالَ بَلَى قَدْ نَسِيتَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ ثُمَّ كَبَّرَ فَسَجَدَ مِثْلَ سُجُودِهِ أَوْ أَطْوَلَ ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَكَبَّرَ ثُمَّ وَضَعَ رَأْسَهُ فَكَبَّرَ فَسَجَدَ مِثْلَ سُجُودِهِ أَوْ أَطْوَلَ ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ وَكَبَّرَ ))
ووجه الدلالة أن النبي لم يقبل خبر الواحد إلا عندما انضم إليه جماعة
والجواب
أن الحديث حجة على السقاف وذلك أنه قرر أن أخبار الآحاد التي تفيد الظن تصلح حجة في المسائل العملية فإنها تفيد العمل دون العلم
فلماذا لم يعمل النبي بخبر ذي اليدين ؟!
هذا الإشكال لم يستطع السقاف على جوابه ولو كنت أشعرياً ودهمني معتزلي بهذا الإشكال لما استطعت أن أجيبه
وأما نحن معاشر أهل السنة فمنهجنا متسق وعندنا جواب مقنع على هذا الإشكال
وهو أن النبي لم يرد خبر ذي اليدين لأنه واحد وإنما رده لتعارضه مع ظنه الغالب حيث قال لذي اليدين (( لم تقصر ولم أنسَ )) أي أنه قد استقر في نفسه أنه قد أتم الصلاة
فهنا تعارض خبران فلا بد من الترجيح
والخبر الصحيح الذي هو محل التنازع هو الخبر الصحيح السالم من العلة
أي أنه حتى لو كان له معارض فهو أرجح من معارضه
وهناك قرينة أخرى تشكك في رواية ذي اليدين
ألا وهي سكوت علية القوم كأبي بكر وعمر عن الإنكار
وتقدم ذي اليدين _ وهو دونهما في العلم والفضل _ للإنكار
الشبهة الثامنة
وزعم أن السقاف في صفحة 32 أن البخاري يرى أن من أخبار الآحاد الصحيح ما هو مقبول ومنه ما هو غير ذلك
بحجة أنه أورد خبر ذي اليدين في كتاب أخبار الآحاد من صحيحه والجواب على ذلك من وجوه
الأول أننا قد قدمنا أن خبر ذي اليدين إنما وقع في مسألة عملية والبخاري يعمل بخبر الآحاد في المسائل العملية ولا شك فقد اكتظ صحيحه بأخبار في كتب الأحكام سواءً كان ذلك في باب العبادات أو في باب المعاملات والسقاف يقر بهذا بل هو مذهبه
الثاني أننا قدمنا أن خبر ذي اليدين قد تعارض مع ما استقر في نفس النبي صلى الله عليه وسلم
فلا نسلم أن خبره من أخبار الآحاد التي يعمل بها دون توقف لوهلة للترجيح
ومن المستقر عند المحدثين أن خبر الراوي عند تعارضه مع خبر من هو في مثل حفظه أو أقوى منه فإنه يبحث له عن عاضد فإن لم يوجد حُكِم على حديثه بالإضطراب أو الشذوذ
الثالث أن البخاري قد أثبت صفة الصوت بخبر آحادي كما قدمنا مما يدل على أنه يأخذ بأخبار الآحاد في مسائل الإعتقاد وذلك في كتابه خلق أفعال العباد
الرابع أن البخاري قد احتج بأخبار الآحاد في مسائل الإعتقاد حتى في صحيحه وإليك مثالاً واحداً يكفي المنصف والمتجرد للحق
قال البخاري في كتاب التوحيد من صحيحه
باب: ما يذكر في الذات والنعوت وأسامي الله.
وقال خُبَيب: وذلك في ذات الإله، فذكر الذات باسمه تعالى
حدثنا أبو اليمان: أخبرنا شعيب، عن الزُهري: أخبرني عمرو بن أبي سفيان بن أسيد بن جارية الثقفي، حليف لبني زهرة، وكان من أصحاب أبي هريرة: أن أبا هريرة قال:
بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرة، منهم خُبَيب الأنصاري، فأخبرني عبيد الله بن عياض: أن ابنة الحارث أخبرته: أنهم حين اجتمعوا استعار منها موسى يستحدُّ بها، فلما خرجوا من الحرم ليقتلوه قال خُبَيب الأنصاري:
ولست أبالي حين أقْتَلُ مسلماً * على أي شِقٍّ كان لله مصرعي
وذلك في ذات الإله وإن يشأ * يبارك على أوصال شِلْوٍ ممزَّع
فقتله بن الحارث، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه خبرهم يوم أصيبوا . انتهى
فانظر رحمني الله وإياك كيف بهذا الخبر الآحادي في مسألة من مسائل الإعتقاد ولم يورد حديثاً غيره تحت هذا الباب فتأمل
الشبهة التاسعة
واحتج السقاف في ص32 على ظنية أخبار الآحاد بإنكار السيدة عائشة لحديث (( إن الميت ليعذب ببكاء أهله )) على عمر وابن عمر رضي الله عنهما والجواب على ذلك من وجوه ( انظر صحيح البخاري (فتح 3 / 151 - 152) ومسلم (2 / 638)
الأول أن السقاف قد قرر أن خبر الواحد يؤخذ به في فروع العقيدة _ وهذا منها _ فلماذا لم تأخذ السيدة عائشة بهذا الخبر ؟!!
وإلا فإن السقاف يعتقد أن النبي تعرض عليه أعمال الأمة ويحتج لذلك بخبر آحادي والمسألة عقدية ولكن السقاف يصنفها في _ فروع الإعتقاد_
وكذلك يعتقد أن لله ملائكة سياحين يبلغون النبي عن أمته السلام ويحتج لذلك بخبر آحادي فما منع السيدة عائشة أن تؤمن كما آمن السقاف
لا يكاد السقاف يحتج بشيء في هذا الباب إلا وهو حجة عليه وهذا يدل على ضعفه في علم الأصول وبلادته
ثانياً أن السيدة عائشة حكمت بالوهم على رواية عمر لتعارضها مع ما روته ومع فهمها للقرآن فالرواية كما في الصحيح فلما أصيب عمر، دخل صهيب يبكي، يقول: وا أخاه، وا صاحباه، فقال عمر رضي الله عنه: يا صهيب، أتبكي علي، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه) .
قال ابن عباس رضي الله عنهما: فلما مات عمر رضي الله عنه، ذكرت ذلك لعائشة رضي الله عنها، فقالت: رحم الله عمر، والله ما حدث رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله ليعذب المؤمن ببكاء أهله عليه، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله ليزيد الكافر عذابا ببكاء أهله عليه). وقالت حسبكم القرآن: {ولا تزر وازرة وزر أخرى}.
قلت فالسيدة عائشة أنكرت على عمر تنزيله لهذا الحديث على نفسه لعلمها بزيادة تفيد تقييد ذلك بالكافر والحكم للزيادة
والخلاصة أن الحديث خارج محل النزاع إذ اننا لا نخالف في أن خبر الآحاد المطلق إذا روي ما يقيده لم يجز العمل به على إطلاقه
ولو فرضنا أن رواية عائشة تتعارض مع رواية عمر فالحديث أيضاً خارج محل النزاع
فنحن إنما نتكلم عن الحديث الصحيح السالم من الشذوذ والعلة
وهذا معلول بالمخالفة
وقد روى البخاري من حديث عائشة أنها قالت إنما مر رسول الله صلى الله عليه وسلم على يهودية يبكي عليها أهلها، فقال: (إنهم يبكون عليها، وإنها لتعذب في قبره).
قلت يبدو لي أنها أخذت التوجيه السابق من هذا الحديث
ونقض السقاف غزل نفسه بنفسه حين احتج بانكار السيدة عائشة لخبر بول النبي قائماً لأنها لم تره يفعل ذلك قط
والسؤال هنا هذه مسألة عملية فلماذا لم تأخذ السيدة بخبر الواحد
أجاب السقاف بأن ذلك مخالف لليقيني عندها
فيقال هذا خارج محل النزاع فحتى أحاديث الفضائل والسير ترد إذا ورد ما يخالفها
واحتج أيضاً بإنكارها رضي الله عنها لرؤية النبي لربه في المعراج
وبحثي في هذه المسألة أفادني العديد من الفوائد
الأولى أن الإمام أحمد يأخذ بأخبار الآحاد في مسائل العقيدة
قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري (3 / 151 - 152) (( وممن أثبت الرؤية لنبينا صلى الله عليه وسلم الإمام أحمد فروى الخلال في " كتاب السنة " عن المروزي قلت لأحمد إنهم يقولون إن عائشة قالت " من زعم أن محمدا رأى ربه فقد أعظم على الله الفرية " فبأي شيء يدفع قولها؟ قال: بقول النبي صلى الله عليه وسلم رأيت ربي، قول النبي صلى الله عليه وسلم أكبر من قولها ))
الثانية أن الحافظ ابن حجر قد نفى التعارض بين ما ورد عن ابن عباس وما ورد عن عائشة (( وعلى هذا فيمكن الجمع بين إثبات ابن عباس ونفي عائشة بأن يحمل نفيها على رؤية البصر وإثباته على رؤية القلب ))
قلت وتقييد ابن عباس للرؤية بالقلب موجود في صحيح مسلم والسيدة عائشة إنما أنكرت الرواية المطلقة التي تنافي الآية عندها
وقد قدمنا مراراً وتكراراً أن الحديث المخالف لحديث أقوى منه فهو شاذ وهو خارج محل النزاع
ولكن ينبغي الجمع بين النصوص ما استطعنا إلى ذلك سبيلاً
قال الإمام مسلم حدثني زهير بن حرب. حدثنا إسماعيل بن إبراهيم عن داود، عن الشعبي، عن مسروق؛ قال:
كنت متكئا عند عائشة. فقالت: يا أبا عائشة! ثلاث من تكلم بواحدة منهن فقد أعظم على الله الفرية. قلت: ما هن؟ قالت: من زعم أن محمدا صلى الله عليه وسلم رأى ربه فقد أعظم على الله الفرية. قال وكنت متكئا فجلست. فقلت: يا أم المؤمنين! أنظريني ولا تعجليني. ألم يقل الله عز وجل: {ولقد رآه بالأفق المبين} [81/التكوير/ الآية-23] {ولقد رآه نزلة أخرى} [53/النجم/ الآية-13] فقالت: أنا أول هذه الأمة سأل عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال: "إنما هو جبريل. لم أره على صورته التي خلق عليها غير هاتين المرتين
قلت فالسبب في إنكار السيدة عائشة لتفسير ابن عباس سماعها لما يخالفه عن النبي
فالحديث خارج محل النزاع
وتابع السقاف الحافظ ابن حجر في قوله وروى ابن خزيمة بإسناد قوي عن أنس قال " رأى محمد ربه"
قلت وليس كذلك فالسند ضعيف فإن فيه عبد الرحمن بن عثمان البكراوي وهو ضعيف بل ذكر ابن عدي أن له غرائب عن شعبة وهذا من أحاديثه عن شعبة
والعجيب أن الحافظ ابن حجر قد حكم عليه بالضعف في التقريب
الشبهة العاشرة
قال السقاف في صفحة 36 (( أنكرت السيدة عائشة على أبي هريرة في حديث آخر أيضا : روى ابو داود الطيالسي في مسنده (ص 199) بسند صحيح على شرط مسلم عن علقمة قال كنا عند عائشة فدخل عليها أبو هريرة فقالت يا أبا هريرة أنت الذي تحدث أن امرأة عذبت في هرة لها ربطتها لم تطعمها ولم تسقها فقال أبو هريرة سمعته من النبي صلى الله عليه وسلم فقالت عائشة : أتدري ما كانت المرأة ؟ ! قال : لا ، قالت : إن المرأة مع ما فعلت كانت كافرة ، إن المؤمن أكرم على الله من أن يعذبه في هرة ، فإذا حدثت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فانظر كيف تحدث . وفي هذا الانكار بيان صريح بأن خبر الواحد يحتمل الخطأ فكيف يبنى عليه أصل الدين ؟))
قلت لي على كلامه مآخذ
الأول أن سند أبي داود الطيالسي ليس على شرط مسلم فإن فيه صالح بن رستم لم يرو له مسلم إلا تعليقاً كما ذكر ذلك الألباني في تحذير الساجد
وقال محمود سعيد ممدوح الصوفي المحترق صديق السقاف في كتابه التعريف ( 5/12)
(( وأبو عامر الخزاز هو صالح بن رستم الزني البصري وهو مختلف فيه ، وقد استشهد به البخاري ومسلم في صحيحيهما وهو حسن الحديث ))
قلت مفهوم هذا أنهما لم يحتجا به
استفدت النقلين السابقين من كتاب (( براءة الذمة بنصرة السنة )) لعمرو عبد المنعم سليم صفحة 184 وصفحة 189
الثاني أنه ليس بصحيح بل حده الأقصى الحسن فقط لأن صالح بن رستم ضعفه جمع
قال عباس عن بن معين ضعيف
وقال إسحاق بن منصور عن يحيى لا شيء
قلت هذا جرح شديد
وقال الأثرم عن أحمد صالح الحديث
وقال العجلي جائز الحديث
قال بن أبي حاتم عن أبيه شيخ يكتب حديثه ولا يحتج به
ووثقه أبو داود السجستاني وأبو داود الطيالسي وابن حبان و أبو بكر البزار ومحمد بن وضاح
وقال الدارقطني ليس بالقوي
وقال بن عدي عزيز الحديث وقال روى عنه يحيى القطان مع شدة استقصائه وهو عندي لا بأس به ولم أر حديثا منكرا جدا
قلت هذا لا ينفي وجود حديث منكر
وقال أبو أحمد الحاكم ليس بالقوي عندهم
وقال الحافظ في التقريب (( صدوق كثير الخطأ ))
واختار الذهبي في ميزان الإعتدال قول الإمام أحمد فيه
قلت فإذا عرفت هذا عرفت أن تصحيح السقاف لحديثه وهذا يعني إطلاق القول بتوثيقه تساهل مفرط فيه
وليت أن السقاف يثبت على قدم
فتارة نجده يتساهل بشكل مفرط وأخرى نجده يتعنت
فقد حكم في كتابه تنقيح الفهوم العالية على هلال بن أبي ميونة بأنه صدوق على الرغم من أنه لم يضعفه أحد واحتج به أصحاب الصحاح ومالك في الموطأ ووثقه جمع وقال أبو حاتم (( شيخ ))
وقال النسائي (( لا بأس به )) فإذا كانت التعديلات المنخفضة من المتشددين كالنسائي وأبو حاتم
تستحق أن تنزل من مرتبة الراوي المحتج به في الصحاح _ وهذا ما لا يقول به محدث على حد علمي_ فالجروح من باب أولى
فهل يستقيم حكمه على صالح بن رستم مع حكمه على هلال _ راوي حديث الجارية _ أم أنه التطفيف؟!!
الثالث لمَ لم تأخذ السيدة عائشة بخبر أبي هريرة في صاحبة الهرة على الرغم من أنه ليس في أصول الإعتقاد وقد أصل السقاف أن خبر الآحاد يؤخذ في الفضائل والأحكام وفروع الإعتقاد
وهكذا يسير السقاف متعثراً في احتجاجاته فلا يحتج بخبر هو حجة علينا وإنما يحتج بما هو حجة عليه إذا لم يأخذ بتوجيهنا
الرابع أن أبا هريرة لم يخطيء وإنما تفردت عنه السيدة عائشة بزيادة
وقد قلنا أن الحكم للزيادة في جميع الأخبار
الخامس على فرض وجود التعارض فإحدى الروايتين شاذة لمخالفتها للرواية الأقوى والشاذ خارج محل النزاع فالنزاع حول الحديث الصحيح السالم من الشذوذ والعلة
الشبهة الحادية عشر
قال السقاف في صفحة 37 (( قال الحافظ الذهبي في " تذكرة الحفاظ " (1 / 2) : " وكان - أبو بكر - أول من احتاط في قبول الاخبار ، فروى ابن شهاب عن قبيصة بن ذويب أن الجدة جاءت إلى أبي بكر تلتمس أن تورث فقال : ما أجد لك في كتاب الله شيئا وما علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر لك شيئا ، ثم سأل الناس فقام المغيرة فقال : حضرت رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطيها السدس ، فقال له : هل معك أحد ؟ ! فشهد محمد بن مسلمة بمثل ذلك فأنفذه أبو بكر رضي الله عنه ))
ثم خرج الحديث بقوله (( رواه أحمد في المسند (4 / 225) وابن الجارود في المنتقى (959) وعبد الرزاق))
قلت الجواب عليه من وجوه
الأول أنه كان ينبغي على الصديق الأخذ برواية الواحد _ على مذهب السقاف _ لأن المسألة ليست من مسائل أصول الإعتقاد
الثاني أن الرواية مرسلة فقد نص الحافظ ابن حجر في التهذيب أن رواية قبيصة عن الصديق مرسلة
الثالث أنه ثبت عن عمر بن الخطاب أخذه الآحاد في مسائل الأموال
قال الشافعي في الرسالة أخبرنا سفيان عن الزهري عن سعيد بن المسيب: أن عمر بن الخطاب كان يقول: الدية للعاقلة، ولا ترث المرأة من دية زوجها شيئاً. حتى أخبره الضّحّاك بن سفيان أن رسول الله كتب إليه: أن يُوَرِّث امرأة أَشْيَمَ الضِّبَابيِّ من ديته، فرجع إليه عمر
قلت سنده صحيح والحديث رواه رواه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه
وقال الترمذي (( هذا حديث حسن صحيح ))
قلت واحتج به الشافعي في الأم والرسالة
فهل عمر بن الخطاب غير محتاط ؟!
الشبهة الثالثة عشر
وقال السقاف في صفحة 36 _37 (( وأنكرت السيدة عائشة أيضا على أبي هريرة رضي الله عنه في حديث آخر : روى أبو داود الطيالسي (ص 215) عن مكحول قيل لعائشة إن أبا هريرة يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الشؤم في ثلاث في الدار والمرأة والفرس " فقالت عائشة : لم يحفظ أبو هريرة لانه دخل ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول قاتل الله اليهود يقولون إن الشؤم في ثلاث في الدار والمرأة والفرس سمع آخر الحديث ولم يسمع أوله . قلت : مكحول لم يسمع من السيدة عائشة كما في " الفتح " (6 / 61) إلا أن لهذا الاثر أو الحديث متابع قال الحافظ هناك : روى أحمد وابن خزيمة والحاكم من طريق قتادة عن أبي حسان : أن رجلين من بني عامر دخلا على عائشة فقالا : إن أبا هريرة قال : إن رسول
الله صلى الله عليه وسلم قال : " الطيرة في الفرس والمرأة والدار " فغضبت غضبا شديدا وقالت : ما قاله ! وإنما قال : " إن أهل الجاهلية كانوا يتطيرون من ذلك " انتهى النقل
قلت والجواب عليه من وجوه
الأول لو صحت الرواية لكانت خارج محل النزاع لأن السيدة عائشة قد حفظت زيادة لم يحفظها أبو هريرة وربما لم يسمعها فعليه يكون الحكم للزيادة وقد قدمنا أن هذا عام في العقائد والأحكام والفضائل ولا يلزم من أخذ الزيادة طرح الرواية المزيد عليها وإنما تؤخذ مع الزيادة
الثاني أن مذهب السقاف الأخذ بأخبار الآحاد في مسائل فروع الإعتقاد _ على تصنيفه _ فلماذا لم تأخذ السيدة عائشة بما رواه أبو هريرة
فإن قال لم تأخذ لأنها روت ما يخالفه _ وهذا ظاهر الرواية _ قلنا فعليه تكون رواية أبي هريرة شاذة والخلاف حول خبر الآحاد الصحيح فهذا خارج محل النواع
الشبهة الرابعة عشر
قال السقاف (( خبر الواحد يفيد الظن دون العلم عند سيدنا عمر رضي الله عنه أيضا : قال الحافظ الذهبي في ترجمة سيدنا عمر رضى الله عنه في تذكرة الحفاظ (1 / 6) ما نصه : " وهو الذي سن للمحدثين التثبت في النقل وربما كان يتوقف في خبر الواحد إذا ارتاب ، فروى الجريري عن أبي نضرة عن أبي سعيد أن أبا موسى سلم على عمر من وراء الباب ثلاث مرات فلم يؤذن له فرجع فأرسل عمر في أثره فقال : لم رجعت ؟ ! قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إذا سلم أحدكم ثلاثا فلم يجب فليرجع " . قال : لتأتيني على ذلك ببينة أو لافعلن بك ، فجاءنا أبو موسى منتقعا لونه ونحن جلوس ، فقلنا : ما شأنك ؟ فأخبرنا وقال : فهل سمع أحد منكم ؟ فقلنا : نعم كلنا سمعه فأرسلوا معه رجلا منهم حتى أتى عمر فاخبره حب عمر أن يتأكد عنده خبر أبي موسى بقول صاحب آخر ، ففي هذا دليل على أن الخبر إذا رواه ثقتان كان أقوى وأرجح مما انفرد به واحد ، وفي ذلك حض على تكثير طرق الحديث لكي يرتقي عن درجة الظن إلى رجة العلم ، إذ الواحد يجوز عليه النسيان والوهم ولا يكاد يجوز ذلك على ثقتين لم يخالفهما أحد " اه* كلام الحافظ الذهبي . فالحافظ الذهبي أيضا ممن يقول أن خبر الواحد يفيد الظن وأن الخبر كلما إزداد رواته ارتقى إلى درجة العلم أكثر وقرب منها . 8) خبر الواحد ينبغي التثبت منه ولو كان راويه صحابياً ))
قلت الجواب عليه من وجوه
الأول أن حديث أبي موسى الأشعري في الفضائل والفضائل يجوز فيها العمل بالظن الغالب إتفاقاً بل زعم الإتفاق على جواز العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال وهو دون الظن الغالب ولشيخ السقاف عبد الله الغماري رسالة في إثبات حجية الحديث الضعيف في فضائل الأعمال
فلماذا لم يأخذ عمر بخبر أبي موسى ؟
لا بد من قرينة وإلا لكان الحديثص حجة على السقاف وشيخه الغماري
الثاني هو أن عمر قد قبل خبر الإثنين وهو غير متواتر فيبقي خبره خارج محل النزاع بل حجة لنا
الثالث أنه ثبت عن عمر أخذه بخبر الواحد في مسائل الأموال وهي أخطر من الفضائل اتفاقاً وينبغي الإحتياط فيها أكثر من الفضائل
قال الشافعي في الرسالة أخبرنا سفيان عن الزهري عن سعيد بن المسيب: أن عمر بن الخطاب كان يقول: الدية للعاقلة، ولا ترث المرأة من دية زوجها شيئاً. حتى أخبره الضّحّاك بن سفيان أن رسول الله كتب إليه: أن يُوَرِّث امرأة أَشْيَمَ الضِّبَابيِّ من ديته، فرجع إليه عمر
قلت سنده صحيح والحديث رواه رواه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه
وقال الترمذي (( هذا حديث حسن صحيح ))
قلت واحتج به الشافعي في الأم والرسالة
الرابع أن عمر إنما أنكر ذلك من الأشعري لأنه لم يسمعه من النبي مع كثرة جلوسه معه وورود المناسبة لذكره
فهذه هي القرينة
الخامس أن الذهبي قد قرر أن خبر الإثنين الثقات لا يكاد يجوز عليهم الخطأ _ إن لم يخالفا_ وهذا يعني أن خبرهما يفيد العلم
والذهبي يرى حجية أخبار الآحاد في مسائل الإعتقاد ولا أدل ذلك
من كتاب العلو
وكتاب العرش
وكتاب الأربعين في صفات رب العالمين
وكتاب إثبات صفة اليد
وغيرها من كتبه وهي مليئة بالإحتجاج بأخبار الآحاد
الشبهة الخامسة عشر
قال السقاف في صفحة 39 (( ويفيد الظن عند الامام علي رضي الله عنه : روى الامام أحمد في المسند (1 / 10) بإسناد صحيح عن أسماء بن الحكم الفزاري قال : سمعت عليا قال : كنت إذا سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثا نفعني الله به بما شاء أن ينفعني منه ، وإذا حدثني غيري عنه استحلفته ، فإذا حلف لي صدقته ، وحدئني أبو بكر وصدق أبو بكر قال : قال رسول الله : " ما من عبد مؤمن يذنب ذنبا فيتوضأ فيحسن الطهور ثم يصلي ركعتين فيستغفر الله تعالى إلا غفر الله له " ثم تلا : (والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون) الآيات آل عمران : 136 . أقول : لو كان خبر الواحد يفيد العلم ولا يفيد الظن لاكتفى سيدنا علي عليه السلام ورضي الله عنه بسماع خبر الواحد ولما استحلفه لانه باستحلافه يؤكد خبره ))
قلت الجواب عليه من وجوه
الأول أن نقول إلزاماً للسقاف لو كان خبر الآحاد حجة في الأحكام والفضائل لما استحلف علياً من يحدثه فالحديث حجة على السقاف لا له
الثاني أن علياً لم يفرق بين الأحكام والعقائد مما يدل على أن التعامل معهما واحد كما هو مذهبنا
فالحديث حجة لنا أيضاً وخصوصاً أن المثال الذي ذكره علي في فضائل الأعمال التي يرى الغماري أن الحديث الضعيف حجة فيها
الثالث أن هذا الفعل خاص بعلي ولم يرد عن أحد من السلف أنهم كانوا يستحلفون مما يدل على حجية خبر الواحد عندهم دون استحلاف وقد قدمنا أن أبا هريرة قد أخذ بخبر عائشة وأن عمر أخذ بخبر الضحاك بن سفيان
الرابع أن الحلف لا يجعل خبر الواحد يصبح خبر اثنين فهو خبر واحد بحلف أو غير حلف وخبر علي يدل على أن الرواي لو أقسم على سماعه لخبر في العقيدة وكان وحده وجب أخذه وهذا لم يقل به أحد ممن يرد أخبار الآحاد في العقيدة
الخامس أن ذكر الإستحلاف في الحديث قد تفرد به أسماء بن الحكم وقد تفرد بتوثيقه العجلي واستنكر البخاري والعقيلي ذكر الإستحلاف في الحديث وهذا مما يوهن أمره
قال الحافظ ابن حجر في التهذيب في ترجمة أسماء هذا (( وقال البخاري لم يرو عنه إلا هذا الحديث وحديث آخر لم يتابع عليه وقد روى أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم الله عليه وآله وسلم بعضهم عن بعص ولم يحلف بعضهم بعضاً ))
ثم ذكر أن المزي قد تعقب البخاري بذكر متابعات لأسماء بن الحكم
وأجاب الحافظ ابت حجر عن هذه المتابعات بقوله (( قلت والمتابعات التي ذكرها لا تشد هذا الحديث شيئاً لأنها ضعيفة جداً ))
وقال أيضاً (( وتبع العقيلي البخاري في إنكار الاستحلاف فقال قد سمع علي من عمر فلم يستحلفه))
وقال أيضاً (( قلت وجاءت عنه رواية عن المقداد وأخرى عن عمار ورواية عن فاطمة الزهراء رضي الله عنهم وليس في شيء من طرقه أنه استحلفهم وقال ابن حبان في الثقات يخطىء وأخرج له هذا الحديث في صحيحه وهذا عجيب لأنه إذا حكم بأنه يخطىء وجزم البخاري بأنه لم يرو غير حديثين يخرج من كلاهما أن أحد الحديثين خطأ ويلزم من تصحيحه أحدهما انحصار الخطأ في الثاني ))
قلت هذا يقضي بضعف السند لا صحته فالإستحلاف هو زيادة موصوف بالخطأ على من هو أوثق منه فعليه تكون زيادته من أخطائه
وأفاد الشيخ عمرو عبد المنعم في كتابه (( دفاعاً عن السلفية )) أن العقيلي ، فنقل في (( الضعفاء )) ( 1 / 107 ) كلام شيخه السابق _ البخاري _ ، ثم قال : (( وحدثني عبدالله بن الحسن ، وعن علي بن المديني ، قال : قد روى عثمان بن المغيرة أحاديث منكرة من حديث ابي عوانة))
كذا في الضعفاء ، والصواب : ( من حديث علي بن ربيعة ) كما في (( التهذيب ))
قلت هذا يقتضي ضعف رواية ابن المغيرة عن علي بن ربيعة وهذا الحديث من أحاديثه
لذا فإن تصحيح السقاف للسند تساهل مفرط ولو حسنه فقط لالتمسنا له العذر
الشبهة السادسة عشر
قال السقاف في صفحة 40(( قال سيدنا الامام الشافعي رحمة الله عليه ورضوانه : " الاصل القرآن والسنة وقياس عليهما ، والاجماع أكبر من الحديث المنفرد " اه* رواه عنه : أبو نعيم في " الحلية " (9 / 105) وأبو حاتم في " آداب الشافعي " (231 و 233) والحافظ البيهقي في " مناقب الشافعي " (2 / 30)) انتهى النقل
قلت وهو صحيح
والجواب على احتجاج السقاف به من وجوه
الأول أن معارضة خبر الواحد للإجماع تجعله شاذاً لأن حجية الإجماع مستمدة من آيات صريحة وأحاديث صحيحة
فالمسألة في جوهرها تعارض بين الأدلة يقتضي الترجيح وقد قدمنا مراراً أن الشاذ خارج محل النزاع
الثاني أن السقاف قد بتر بقية نص الشافعي لأنه يخالف طريقته حيث أن الشافعي قال (( والحديث على ظاهره وإذا احتمل الحديث معاني فما أشبه ظاهره ))
قلت ما رأي السقاف أن نطبق هذا على أحاديث الصفات !!
الثالث أن هذا مما تتفق فيه أحاديث العقيدة والأحكام والفضائل
وقد قدمنا المطالبة بالدليل على التفريق بين أحاديث العقائد والأحكام من حيث القبول والرد
خصوصاً أن أحاديث الأحكام تتضمن عقيدة
وأن الظن الغالب أن قد سماه رب العالمين علماً وقد قال سبحانه (( ولا تقف ما ليس لك به علم ))
مما يدل على أن الظن الغالب علم وإلا لما قفاه السلف كما قدمنا والآية عامة في العقائد والأحكام بل و في الفضائل أيضاً
الرابع أن الشافعي قد عقد باباً في الرسالة لإثبات حجية خبر الواحد
قال الشافعي (( فقال لي قائل: احْدُدْ لي أقلَّ ما تقوم به الحجة على أهل العلم، حتى يَثْبَتَ عليهم خبرُ الخاصَّة.
فقلت: خبرُ الواحد عن الواحد حتى يُنْتَهَى به إلى النبي أو مَنْ انتهى به إليه دونه
ولا تقوم الحجة بخبر الخاصة حتى يَجْمَعَ أُموراً:
-منها أن يكون مَنْ حدَّثَ به ثِقَةً في دينه، معروفاً بالصِّدق في حديثه، عاقِلاَ لِمَا يُحَدِّثُ به، عالمِاً بما يُحيل مَعَانِيَ الحديث مِنَ اللفظ، وأن يكون ممن يُؤَدِّي الحديث بحروفه كما سَمِعَ، لا يحدث به على المعنى، لأنه إذا حدَّث على المعنى وهو غيرُ عالمٍ بما يُحِيلُ به معناه: لم يَدْرِ لَعَلَّهُ يُحِيل الحَلاَلَ إلى الحرام، وإذا أدَّاه بحروفه فلم يَبْقَ وجهٌ يُخاف فيه إحالتُهُ الحديثَ، حافظاً إن حدَّث به مِنْ حِفْظِه، حافظاً لكتابه إن حدَّث مِنْ كتابه. إذا شَرِكَ أهلَ الحفظ في حديث وافَقَ حديثَهم، بَرِيًّا مِنْ أنْ يكونَ مُدَلِّساً، يُحَدِّثُ عَن من لقي ما لم يسمعْ منه، ويحدِّثَ عن النبي ما يحدث الثقات خلافَه عن النبي.
ويكونُ هكذا مَنْ فوقَه ممَّن حدَّثه، حتى يُنْتَهَى بالحديث مَوْصُولاً إلى النبي أو إلى مَنْ انْتُهِيَ به إليه دونه، لأنَّ كلَّ واحد منهم مثْبِتٌ لمن حدَّثه، ومثبت على من حدَّث عنه، فلا يُسْتَغْنَى في كل واحد منهم عمَّا وصفْتُ ))
قلت فهذا خبر الواحد المحتج به عند الشافعي
ولاحظ أن الشافعي لم يفرق بين أحاديث العقيدة وأحاديث الأحكام
وقال الشافعي أيضاً ((فإن قال قائل: اذكر الحجة في تثبيت خبر الواحد بنصِّ خبر أو دلالةٍ فيه أو إجماعٍ.
فقلت له أخبرنا سفيان عن عبد الملك بن عمير عن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود عن أبيه أن النبي قال: "نضَّر الله عبداً سمع مقالتي فحفظها ووعاها وأداها، فرُبَّ حاملِ فقهٍ غيرِ فقيه ورُبَّ حامل فقه إلى من هو أفقه منه. ثلاثٌ لا يَُغِلُّ عليهن قلبُ مسلم: إخلاصُ العمل لله، والنصيحةُ للمسلمين، ولزوم، جماعتهم، فإنّ دعوتهم تحيط من روائهم" فلما نَدَب رسول الله إلى استماع مقالته وحفظِها وأدائها امرأً يؤديها، والامْرُءُ واحدٌ: دلَّ على أنه لا يأمر أن يُؤدَّى عنه إلا ما تقوم به الحجة على من أدى إليه؛ لأنه إنما يُؤدَّى عنه حلال وحرام يُجتَنَب، وحدٌّ يُقام، ومالٌ يؤخذ ويعطى، ونصيحة في دينٍ ودنيا.
ودل على أنه قد َححمل الفقهَ غيرُ فقيه،يكون له حافظاً، ولا يكون فيه فقيهاً ))
قلت هذا استدلال رائق والحديث عام في العقائد والأحكام
والحمد لله معز الإسلام بنصره
الشبهة السادسة عشر
وقال السقاف في صفحة 40(( قال الحافظ ابن عبد البر في " التمهيد " (1 / 7) : " واختلف أصحابنا وغيرهم في خبر الواحد العدل هل يوجب العلم والعمل جميعا ، أم يوجب العمل دون العلم ؟ والذي عليه كثر أهل العلم منهم - أي المالكية - أنه يوجب العمل دون العلم ، وهو قول الشافعي وجمهور أهل الفقه والنظر ولا يوجب العلم عندهم إلا ما شهد به على الله وقطع العذر بمجيئه قطعا ولا خلاف فيه . وقال قوم من أهل الاثر وبعض أهل النظر إنه يوجب العلم الظاهر والعمل جميعا ، منهم الحسين الكرابيسي وغيره ، وذكر ابن خوازمنداد أن هذا القول يخرج على مذهب مالك ، قال أبو عمر - ابن عبد البر - : الذي نقول به إنه يوجب العمل دون العلم كشهادة الشاهدين والاربعة سواء وعلى ذلك أكثر أهل الفقه والاثر " انتهى كلامه
قلت لم ينتهي كلام ابن عبد البر ولكن السقاف بتره
وإليك بقية كلام ابن عبد البر لتعلم أي فاسق هو السقاف
(( وكلهم يدين بخبر الواحد العدل في الاعتقادات، ويعادي ويوالي عليها، ويجعلها شرعا ودينا في معتقده، على ذلك جماعة أهل السنة، ولهم في الأحكام ما ذكرنا. وبالله توفيقنا ))
هذه بقية كلام ابن عبد البر التي بترها السقاف
والسقاف مع ضعفه في العلم ضعيف الديانة فاسق
ولتجلية موقف ابن عبد البر حول أخبار الآحاد أنقل هذا النص
قال ابن عبد البر في التمهيد(1: 8): "ليس في الاعتقاد كله في أسماء الله وصفاته إلا ما جاء منصوصا في كتاب الله أو صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو أجمعت عليه الأمة. وما جاء في أخبار الآحاد في ذلك كله يسلم له ولا ينظر فيه"
ولشدة حنق السقاف على أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ يخالف البديهيات حيث أنه يقول في صفحة 39 (( فكيف بسند فيه خمسة رجال مثلا ، ليس جميعهم صحابة : ؟ ! ألا يفيد ذلك الظن ))
قلت بل يفيد العلم فلو كان فيهم اثنين عدول ضباط والبقية عدول فقط لأفاد العلم لأن اتفاقهم على الكذب مستحيل لأنهم عدول
واتفاقهم على الوهم مستحيل لأنهم ضباط اعتضدوا بخفيفي ضبط
وقد قدمنا نص الذهبي الذي نقله السقاف نفسه في أنه إذا اتفاق اثنين من الثقات على رواية فإنه يقرب من المستحيل وقوع وهم
الشبهة السابعة عشر
قال السقاف في صفحة 41 - 42 (( روى البخاري (فتح 6 / 612) ومسلم (2917) وأحمد في المسند (2 / 301) حديث : " يهلك أمتي هذا الحي من قريش قالوا ما تأمرنا يا رسول الله ؟ قال : لو أن الناس اعتزلوهم " .
قال عبد الله بن الامام أحمد هناك في المسند عقب هذا الحديث مباشرة : " قال أبي في مرضه الذي مات فيه اضرب على هذا الحديث فإنه خلاف الاحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم يعني قوله : " اسمعوا وأطيعوا واصبروا " . قلت : الاحاديث التي فيها " اسمعوا واطيعوا واصبروا " أفادت عند الامام أحمد القطع أو ما قارب العلم ، وحديث " لو أن الناس اعتزلوهم " ظني عارض الثابت فأسقطه الامام أحمد )) انتهى كلامه
قلت وهذا خارج محل النزاع فالشاذ _ وهو الحديث المخالف للحديث الأصح منه _ ليس من أخبار الآحاد الصحيحة
وخلافنا حول أخبار الآحاد الصحيحة
وهذا الترجيح سيفعله أحمد في حديثين متخالفين في الأحكام _ فلا اختصاص لأحاديث الإعتقاد _
وهذه المسألة _ الخروج على الولاة _ لا أدري أين سيصنفها السقاف
ولكنها قطعاً ليست في أصول الإعتقاد وقد قدمنا أن أحمد قد أخذ بأخبار الآحاد في مسألة صفة الصوت ومسألة رؤية النبي صلى الله عليه وسلم في المعراج وكلاهما من مسائل الإعتقاد
مما يدل حجية أخبار الآحاد _ الصحيحة _ عنده في مسائل الإعتقاد
وقد نقض السقاف غزله بقوله مباشرة بعد هذا الكلام (( ولو أفاد العلم أو غلب على ظنه أنه صح لاوله كما أول حديث مسلم : " تأتي البقرة وآل عمران كأنهما غمامتان " فقال : " إنما هو الثواب " كما تقدم في نقل تأويلاته ولم يأمر بالضرب عليه ))
قلت هذا الخبر الذي ذكره السقاف آحادي فلماذا تأوله أحمد _ على زعم السقاف _ ولم يضرب عليه
لأنه خبر آحادي
وتأمل معي قول السقاف (( أو غلب على ظنه ))
هذه قاصمة الظهر له لأن الأحاديث الصحيحة التي لم تحتف بها القرائن تفيد الظن الغالب
فإذا كان الظن الغالب حجة في الإعتقاد عند أحمد
فمذهب السقاف غير مذهب أحمد
وهذا هو المطلوب إثباته في هذا المقام
وانظر رحمني وإياك كيف جوز السقاف أن يفيد هذا الخبر الآحادي العلم عند أحمد
مما من شأنه أن ينسف كل من بناه لتأييد زعمه في أن أخبار الآحاد كلها تفيد الظن
ومن المضحكات المبكيات قول السقاف في صفحة 42 (( أحاديث الصحيحين لا تفيد إلا الظن عند أحمد ويمكن الضرب على بعضها إذا تبين فيها خلل كما فعل هو في مسنده المتواتر عنه ))
قلت المسند الموجود بين أيدينا لم يتواتر عن أحمد بل تفرد بروايته ابنه عبد الله عنه
الشبهة الثامنة عشر
وقال السقاف في ص43 (( قال الامام الحافظ النووي في " شرح مسلم " (1 / 131) : " وأما خبر الواحد فهو ما لم يوجد فيه شروط المتواتر سواء كان الراوي له واحدا أو أكثر ، واختلف في حكمه فالذي عليه جماهير المسلمين من الصحابة والتابعين فمن بعدهم من المحدثين والفقهاء وأصحاب الاصول أن خبر الواحد الثقة حجة من حجج الشرع يلزم العمل بها ويفيد الظن ولا يفيد العلم ))
قلت يقابل ما ذكره النووي الإجماع الذي نقله الإسفراييني كما في النكت على ابن الصلاح (1/377) (( أهل الصنعة مجمعون على أن الأخبار التي اشتمل عليها مقطوع بها عن صاحب الشرع ))
وقال أبو المظفر السمعاني (( إن الخبر إذا صح عن النبي ورواه الأئمة الثقات وأسنده خلفهم عن سلفهم إلى رسول الله وأسنده خلفهم عن سلفهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وتلقته الأمة بالقبول فإنه يوجب العلم ))
ومما يدل على أن السلف لم يكونوا يفرقون بين خبر آحادي ومتواتر في مسائل الإعتقاد
ما نقله وقال الوليد بن مسلم : "سألت الأوزاعي ، ومالك بن أنس ، وسفيان الثوري ، والليث بن سعد ، عن هذه الأحاديث التي فيها الصفة؟ فقالوا: أمروها كما جاءت بلا كيف"
قال محمد بن خليفة التميمي في تحقيقه على كتاب العرش (( أخرجه أبو بكر الخلال في السنة (1/259، برقم313). وأخرجه الآجري في الشريعة (3/1146، رقم720). وأخرجه الدارقطني في الصفات (ص44، برقم67). وأخرجه ابن بطة في الإبانة (تتمة كتاب الرد على الجهمية)، (3/241-242، برقم183). وأخرجه ابن مندة في التوحيد (3/307، برقم894). وأخرجه اللالكائي في السنة (930). والصابوني في عقيدة السلف (ص70، برقم90). وأورده أبو يعلى في إبطال التأويلات (1/47، برقم16). وأخرجه البيهقي في الأسماء والصفات (2/377)، وفي الإعتقاد (ص118)، وسننه (3/2). وابن عبد البر في التمهيد (7/149، 158). وأورده الذهبي في العلو (ص104، و105)، بسنده من طريق الدارقطني، وأورده في سير أعلام النبلاء (8/105)، وأورده في الأربعين في صفات رب العالمين (ص82، برقم82). وقال قبله: "صح عن الوليد"، وعلق بعده بقوله: "قلت: مالك في وقته إمام أهل المدينة، والثوري إمام أهل الكوفة، والأوزاعي إمام أهل دمشق، والليث إمام أهل مصر، وهم من كبار أتباع التابعين". وأورده السيوطي في الأمر بالإتباع والنهي عن الإبتداع (ص206، برقم326 ))
ووجه الدلالة أنهم لم يفرقوا بين أخبار الآحاد و الأخبار المتواترة في التعامل
قال الذهبي في كتاب العرش وهو يتحدث عن خبر مجاهد في المقام المحمود (( وممن أفتى المروزي بأن الخبر يسلم كما جاء و لا يعارض: أبو داود صاحب السنن ، وعبد الله بن الإمام أحمد ، وإبراهيم الحربي ، ويحيى بن أبي طالب وأبو جعفر الدقيقي ، ومحمد بن إسماعيل السلمي الترمذي ، وعباس بن محمد الدوري ، ومحمد بن بشر بن شريك بن عبد الله النخعي ))
قلت كل هؤلاء أخذوا بخبر آحادي في مسالة إعتقادية
فإما أنهم يعتقدون أن الظن كافي في مسائل الإعتقاد
أو أنهم يرون أنها تفيد العلم
وعلى الحالتين هم يخالفون السقاف
ولم يذكر أن أحداً من أهل السنة اعترض على الخبر بأنه آحادي
ولنقف وقفة مع قول النووي (( واختلف في حكمه فالذي عليه جماهير المسلمين من الصحابة والتابعين فمن بعدهم من المحدثين والفقهاء وأصحاب الاصول أن خبر الواحد الثقة حجة من حجج الشرع يلزم العمل بها ويفيد الظن ))
أين قال الصحابة أن خبر الآحاد يفيد الظن ويلزم العمل دون العلم ؟!!
وكل الأدلة التي احتج بها القوم في تزوير مذهب الصحابة في المسألة ليست بحجة كما فصلناه سابقاً
بل لو أردنا أن نسلك مسلكم في الإستلال باطراد ودون تحكم لعاد بنا الأمر إلى مذهب المعتزلة _ المنقوض بالكتاب والسنة وآثار الصحابة
والنووي نفسه نقض هذا حيث قال قال في شرحه على صحيح مسلم عند شرحه لحديث بعث معاذ إلى اليمن (1/197) (( وفي هذا الحديث: قبول خبر الواحد ووجوب العمل به.
وفيه: أنَّ الوتر ليس بواجب، لأنَّ بعث معاذ إلى اليمن كان قبل وفاة النَّبيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- بقليل بعد الأمر بالوتر والعمل به.
وفيه: أنَّ السُّنَّة أنَّ الكفار يدعون إلى التَّوحيد قبل القتال ))
فانظر كيف جعل حديث معاذ دليل على وجوب العمل بخبر الواحد
مع إقراره أن معاذاً كان يدعو كفاراً _ أي أنه سيعلمهم أصول الدين كما سيعلمهم فروعه _
وها هو ابن عباس يأخذ بخبر آحادي في مسألة غيبية _ وإن شئت قل اعتقادية _
وهي أن موسى صاحب الخضر هو عينه موسى بني إسرائيل
روى البخاري ومسلم في صحيحهما عن سعيد بن جبير أنه قلت لابن عباس: إن نوفا البكالي يزعم أن موسى ليس بموسى بني إسرائيل، إنما هو موسى آخر؟ فقال: كذب عدو الله، حدثنا أبي بن كعب، عن النبي صلى الله عليه وسلم وذكر الحديث وفيه قول الخضر لموسى موسى بني إسرائيل؟ قال موسى: نعم
وهذا ثابت البناني وهو من أفاضل التابعين يجزم بنسبة الحديث للنبي صلى الله عليه وسلم بخبر أنس فقط
قال أحمد حدثنا أبو المثنى معاذ بن معاذ العنبري قال حدثنا حماد بن سلمة حدثنا ثابت البناني عن أنس بن مالك:
-عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى فلما تجلى ربه للجبل قال قال هكذا يعني أنه أخرج طرف الخنصر قال أبى أرانا معاذ قال فقال له حميد الطويل ما تريد إلى هذا يا أبا محمد قال فضرب صدره ضربة شديدة وقال من أنت يا حميد وما أنت يا حميد يحدثني به أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم فتقول أنت ما تريد إليه ))
فانظر كيف أخذ الأثر عن أنس واستحل بموجبه الإشارة الحسية الدالة على حقيقة الصفة على وجه يليق بالله ولا يشبه الخلق
ومثله ما رواه أبو داود 4728 حدثنا عليّ بن نصر، ومحمد بن يونس النسائي، المعنى قالا: أخبرنا عبد الله بن يزيد المقرئ، ثنا حرملة -يعني: ابن عمران- حدثني أبو يونس سليم بن جبير مولى أبي هريرة قال:
سمعت أبا هريرة يقرأ هذه الآية: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} إلى قوله تعالى: {سَمِيعاً بَصِيراً} [النساء: 58].
قال: رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يضع إبهامه على أذنه والتي تليها على عينه.
قال أبو هريرة: رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقرؤها ويضع إصبعيه.
قال ابن يونس: قال المقري: يعني: إن الله سميعٌ بصير -يعني: أن للّه سمعاً وبصراً-.
قال أبو داود: وهذا ردّ على الجهمية
قلت واحتجاج أبو داود به يدل على تصحيحه له
فانظر كيف احتج به أبو داود على الجهمية وهو خبر آحادي
فأين هم هؤلاء الجمهور المزعوم الذين يرون أن أخبار الآحاد تفيد الظن وتفيد العمل دون العلم ؟!
هذه هي عادة المتكلمين ومن يتابعهم يختارون المذاهب الشاذة ثم يلصقونها بالسلف
علماً بأن احتجاج السلف بهذه الأخبار في العقيدة لا يدل بالضرورة على القول بأن أخبار الآحاد تفيد العلم لأنهم قد يرون أنها تفيد الظن الغالب وتصلح في العقيدة
ولكن احتجاجهم لا يدل بالضرورة أيضاً على أنهم يقولون بظنيتها
الشبهة الثامنة عشر
قال السقاف في صفحة 43 _44 (( الحافظ ابن حجر العسقلاني يرى أيضا أن حديث الآحاد يفيد الظن ولا يفيد العلم وكذلك علي القاري في شرح النخبة : قال الحافظ ابن حجر الشافعي في شرح نخبة الفكر وعلي القاري الحنفي في شرحه عليها ص (37) ما نصه وما بين الاقواس وبالاسود الواضح كلام الحافظ ابن حجر : ((وفيها أي في الآحاد) أي في جملتها خاصة . . . (المقبول وهو ما يوجب العمل به عند الجمهور) احتراز عن المعتزلة فإنهم أنكروا وجوب العمل بالآحاد بدليل ما نقل عنهم من استدلال بخبر الواحد (وفيها) أي أحاديث الآحاد (المردود وهو الذي لم يرجح صدق المخبر به لتوقف الاستدلال بها على البحث عن أحوال رواتها دون الاول) أي القسم الاول وهو المتواتر (فكله) ضميره راجع إلى المتواتر (مقبول) أي قبولا قطعيا لا ظنيا (لافادته) أي الخبر المتواتر (القطع بصدق مخبره بخلاف غيره من أخبار الآحاد)) اه* من شرح القاري على شرح النخبة لابن حجر ، وانظر نزهة النظر شرح النخبة للحافظ أيضا ص (25 – 26) ))
قلت هذا كلام السقاف نقلته بحروفه ليعلم العقلاء أي مدلس هذا الرجل فالحافظ ابن حجر يرى أن خبر الآحاد إذا احتفت به القرائن أفاد العلم النظري
قال الحافظ في النزهة ((وقد يَقعُ فيها ؛ أي: في أَخْبارِ الآحادِ المُنْقَسِمَة إِلى مَشْهورٍ وعَزيزٍ وغَريبٍ ؛ مَا يُفيدُ العِلْمَ النَّظريَّ بالقَرائِنِ ؛ عَلى المُختارِ ؛ خِلافاً لِمَنْ أَبى ذلك .
والخِلافُ في التَّحْقيقِ لَفْظيٌّ ؛ لأنَّ مَنْ جَوَّزَ إِطلاقَ العِلْمِ قَيَّدَهُ بِكونِهِ نَظَريّاً ، وهُو الحاصِلُ عن الاسْتِدلالِ ، ومَنْ أَبى الإِطلاقَ ؛ خَصَّ لَفْظ العِلْمِ بالمُتواتِرِ ، وما عَداهُ عِنْدَهُ كُلُّهُ ظَنِّيٌّ ، لكنَّهُ لا يَنْفِي أَنَّ ما احْتفَّ بالقرائِنِ أَرْجَحُ ممَّا خَلا عَنها .
والخَبَرُ المُحْتَفُّ بالقَرائِن أنواعٌ :
•مِنْها مَا أَخْرَجَهُ الشَّيْخانِ في صَحيحَيْهِما ممَّا لَمْ يَبْلُغْ حَدَّ المتواتِرِ ، فإِنَّهُ احْتُفَّتْ بِهِ قرائِنُ ؛ منها :
جَلالتُهُما في هذا الشَّأْنِ .
وتَقَدُّمُهُما في تَمْييزِ الصَّحيحِ على غيرِهما .
وتَلَقِّي العُلماءِ كِتابَيْهِما بالقَبُولِ ، وهذا التَّلقِّي وحدَهُ أَقوى في إِفادةِ العلمِ مِن مُجَرَّدِ كَثْرَةِ الطُّرُقِ القاصرةِ عَنِ التَّواتُرِ .
إِلاَّ أَنَّ هذا مُخْتَصٌّ بِمَا لَمْ يَنْقُدْهُ أَحدٌ مِنَ الحُفَّاظِ مِمَّا في الكِتابينِ ، وبِما لَمْ يَقَعِ التَّجاذُبُ بينَ مَدْلولَيْهِ مِمَّا وَقَعَ في الكِتابينِ ، حيثُ لا تَرْجيحَ لاستِحالَةِ أَنْ يُفيدَ المُتناقِضانِ العِلْمَ بصِدْقِهِما من غيرِ ترجيحٍ لأحدِهِما على الآخرِ .
وما عَدا ذلك ؛ فالإِجماعُ حاصِلٌ على تَسْليمِ صِحَّتِهِ .
فإِنْ قِيلَ : إِنَّما اتَّفَقوا على وُجوبِ العَمَلِ بِهِ لا عَلى صِحَّتِهِ ؛ مَنَعْنَاهُ .
وسَنَدُ المَنْعِ أَنَّهُمْ مُتَّفِقونَ عَلى وُجوبِ العَمَلِ بِكُلِّ مَا صَحَّ ولوْ لَمْ يُخْرِجْهُ الشَّيْخانِ ، فلمْ يَبْقَ للصَّحيحينِ في هذا مَزيَّةٌ ، والإِجماعُ حاصِلٌ على أَنَّ لهُما مَزِيَّةً فيما يَرْجِعُ إِلى نَفْسِ الصِّحَّةِ .
ومِمَّن صَرَّحَ بإِفادَةِ مَا خَرَّجَهُ الشَّيْخانِ العِلْمَ النَّظَرِيَّ : الأسْتاذُ أَبو إِسْحاقَ الإِسْفَرايِينِيُّ ، ومِن أَئِمَّةِ الحَديثِ أَبو عبدِ اللهِ الحُمَيْدِيُّ ، وأَبو الفَضْلِ بنُ طاهِرٍ وغيرُهُما .
ويُحْتَمَلُ أَنْ يُقالَ : المَزِيَّةُ المَذْكُورَةُ كَوْنُ أَحادِيثِهِما أَصَحَّ الصَّحيحِ .
•ومِنها : (( المَشْهورُ )) إِذا كانَتْ لهُ طُرُقٌ مُتبايِنَةٌ سالِمَةٌ مِنْ ضَعْفِ الرُّواةِ ، والعِلَلِ .
وممَّن صَرَّحَ بإِفادَتِهِ العِلْمَ النَّظَرِيَّ الأسْتاذُ أَبو مَنْصورٍ البَغْدادِيُّ ، والأسْتاذُ أَبو بَكْرِ بنُ فُورَكٍ وغيرُهُما .
•ومِنها : (( المُسَلْسَلُ بالأئمَّةِ الحُفَّاظِ المُتْقِنينَ ، حيثُ لا يكونُ غَريباً ؛ كالحَديثِ الَّذي يَرْويهِ أَحمَدُ بنُ حَنْبَلٍ مَثلاً ويُشارِكُهُ فيهِ غَيْرُهُ عَنِ الشَّافِعِيِّ ، ويُشارِكُهُ فيهِ غيرُهُ عنْ مالِكِ بنِ أَنسٍ ؛ فإِنَّهُ يُفيدُ العِلْمَ عندَ سَامِعِهِ بالاستِدْلالِ مِن جِهَةِ جَلالَةِ رُواتِهِ ، وأَنَّ فيهِمْ مِنَ الصِّفاتِ اللاَّئِقَةِ المُوجِبَةِ للقَبولِ مَا يقومُ مَقامَ العَدَدِ الكَثيرِ مِنْ غَيْرِهِم .
ولا يَتَشَكَّكُ مَنْ لَهُ أَدْنَى مُمارَسَةٍ بالعِلْمِ وأَخْبارِ النَّاسِ أَنَّ مالِكاً مَثلاً لو شافَهَهُ بخَبَرٍ أَنَّهُ صادِقٌ فيهِ ، فإِذا انْضافَ إِليهِ مَنْ هُو في تِلْكَ الدَّرَجَةِ ؛ ازْدَادَ قُوَّةً ، وبَعُدَ عَمَّا يُخْشَى عليهِ مِنَ السَّهْوِ .
وهذهِ الأنْواعُ الَّتي ذكَرْناها لا يَحْصُلُ العلمُ بصِدْقِ الخَبرِ منها إِلاَّ للعالِمِ بالحَديثِ ، المُتَبَحِّرِ فيهِ ، العارِفِ بأَحوالِ الرُّواةِ ، المُطَّلِعِ عَلى العِلَلِ
وكَوْنُ غيرِهِ لا يَحْصُلُ لهُ العِلْمُ بصِدْقِ ذلك لِقُصورِهِ عن الأوْصافِ المَذكورَةِ لا يَنْفي حُصولَ العِلْمِ للمُتَبَحِّرِ المَذْكورِ ، واللهُ أَعلمُ .
ومُحَصّلُ الأنْواعِ الثَّلاَثَةِ الَّتي ذَكَرْناها :
أنَّ الأوَّلَ : يَخْتَصُّ بالصَّحيحينِ .
والثاني : بِما لَهُ طُرُقٌ مُتَعَدِّدَةٌ .
والثَّالِثُ : بِما رواهُ الأئمَّةُ .
ويمكِنُ اجْتماعُ الثَّلاثةِ في حَديثٍ واحِدٍ ، فلا يَبْعُدُ حينئذٍ القَطْعُ بصِدْقِهِ ، واللهُ أَعْلمُ ))
هذا كلام الحافظ في النزهة التي اطلع عليها السقاف ولا شك فهو يعزو إليها
نعوذ بالله من قلة الحياء وقلة الدين
الشبهة التاسعة عشر
قال السقاف في صفحة 44-45 (( اعتراف ابن تيمية الحراني في " منهاج سنته " ان خبر الآحاد لا يبنى عليه أصل الاعتقاد : لقد اعترف الشيخ ! ! الحراني ! ! في " منهاج سنته " (2 / 133) بذلك فقال : " الثاني : أن هذا من أخبار الآحاد فكيف يثبت به أصل الدين الذي لا يصح الايمان إلا به ؟ ))
قلت هذا من البراهين الواضحة على بلادة السقاف _ أو هواه وقد يجتمعان - فهو لا يفرق بين ما قيل على سبيل الإلزام وما قيل على سبيل التقرير
فابن تيمية إنما يلزم الرافضي بما ذهب إليه من ان أخبار الآحاد لا تصلح في العقيدة وإلا فابن تيمية مذهبه معروف في أخبار الآحاد واقرأ إن شئت الفتوى الحموية أو العقيدة الواسطية ومناظرته عليها وسترى إحتجاجه بأخبار الآحاد في مسائل العقيدة
وإليك نص كلام ابن تيمية كاملاً
قال شيخ الإسلام (( وقوله روى ان الجوزي بإسناده إلى ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج في اخر الزمان رجل من ولدي إسمه كاسمي وكنيته كنيتب يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا فذلك هو المهدي
فيقال الجواب من وجوه
أحدها أنكم لا تحتجون بأحاديث أهل السنة فمثل هذا الحديث لا يفيدكم فائدة وإن قلتم هو حجة على أهل السنة فنذكر كلامهم فيه
الثاني إن هذا من أخبار الاحاد فكيف يثبت به أصل الدين الذي لا يصح الإيمان إلا به ))
ثم إن ابن تيمية لا يقر التقسيم المحدث لمسائل الإعتقاد إلى أصول إعتقاد وفروع اعتقاد
فهذا التقسيم لم أرَ أحداً يقسمه قبل السقاف وهو تقسيم ساقط فيه خرق للإجماع
والسبب في هذا التقسيم أن السقاف يعتقد بعض العقائد التي لم تأتِ إلا بطريق الآحاد كعقيدة أن النبي صلى الله عليه وسلم تعرض عليه أعمال أمته
وأن ملائكة سياحين يبلغونه عن أمته السلام
فقسم هذا التقسيم ليسلم من التناقض وأنى له
وقد نقل السقاف قول الامام الاستاذ أبو منصور عبد القاهر البغدادي المتوفى (429) في كتابه " أصول الدين " ص (12) ما نصه : " وأخبار الآحاد متى صح اسنادها وكانت متونها غير مستحيلة في العقل كانت موجبة للعمل بها دون العلم " محتجاً به وهو حجة عليه
إذ أنه قرر أن أخبار الآحاد تفيد العمل دون العلم
والمسائل الإعتقادية الفرعية -على تقسيم السقاف_ علمية صرفة
فهي تجتمع مع المسائل الإعتقادية الأصلية في العلة التي من أجلها نزل السقاف كلام العلماء في تقسيم أخبار الآحاد على أخبار أصول الإعتقاد
الشبهة التاسعة عشر
قال السقاف في حاشية صفحة 45 (( واما ما يستدل به بعض المبتدئين والسطحيين في التفكير الذين لا غور لهم في فهم أدلة الشرع
على حجية خبر الواحد في العقائد بقوله تعالى (وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل
فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون) فلا
علاقة لها بموضوعنا هذا . وذلك لان هذه الطائفة مؤمنة بنص الآية وقد حصل لديها وللفرقة
التي نفرت منها الايمان بأصول الدين والعقائد قبل ذلك . والمطلوب منها هو التفقه في دقائق
الشرع ليعرفوا فرقتهم بالاحكام التفصيلية التي لا يشترط فيها التواتر بل يكفي فيها خبر
الواحد ، فإذا علم ذلك فلا ضير في اعتبار الطائفة واحدا أو أكثر ، على أننا لا نسلم البتة بأن
الطائفة هي واحد ، وقوله في الآية (لينذروا) دليل واضح على أنهم جماعة ))
قلت لو كان السقاف جاهلاً فقط لهان الأمر
ولكنه مع جهله بليد أو صاحب هوى
ومع هذا كله طويل اللسان وكذاب فاسق
وأما الجواب على توجيهه الركيك
فهو أننا نسلم أنالفرقة مؤمنة كما دل عليه ظاهر الآية
ولكن هل الصحابة الذين نزلت فيهم الآية تعلموا جميع العقائد في الأسماء والصفات والقدر والإيمان والغيبيات دفعةً واحدة ؟
قطعاً لا
إذاً فالعقائد التي تتعلمها الطائفة المؤمنة داخلة في عموم الآية
ثم إن هذه الفرقة عندها علم بالأحكام فالآية في أحكام الجهاد والجهاد فرض بعد العديد من الأحكام ومع معرفتهم هذه فهم محتاجون إلى معرفة الأحكام الجديدة
فكما أن الأحكام ليست حكماً واحداً
فالعقائد أيضاً ليست عقيدة واحدة
فإن قال السقاف هذه هي فروع الإعتقاد لا الأصول
قلنا هذا تقسيم حادث لم تأتِ عليه بدليلٍ من كتاب أو سنة
بل لم تأتِ بسلفٍ لك من العلماء المعتبرين
وأما قوله أن (( وقوله في الآية (لينذروا) دليل واضح على أنهم جماعة ))
قلنا وهل كل جماعة تفيد التواتر ؟
قطعاً لا لأن العزيز والمشهور والمشهور المسفيض يعد من أخبار الآحاد مع كونه من رواية جماعة
وجاء في لسان العرب في مادة طوف (( قال مجاهد: الطائفةُ الرجل الواحد إلى الأَلف، وقيل: الرجل الواحد فما فوقه، وروي عنه أَيضاً أَنه قال: أَقَلُّه رجل، وقال عطاء: أَقله رجلان ))
قلت الآية عامة في حجية خبر الطائفة فتشمل حتى الإثنين
وفي توجيه السقاف للآية السابقة تحكم واضح
إذ أنه حصر الإيمان في مسائل العقيدة
حيث اعتبر وصفه تعالى للفرقة المذكورة بالإيمان دليل على إيمانهم بأصول الدين
وهذا مسلم ولكن الإيمان قول وعمل واعتقاد
فالأعمال داخلة في مسمى الإيمان
قال تعالى في صلاة المؤمنين إلى بيت المقدس (( وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ ))
فعليه يكون وصفهم بالإيمان يدل على عملهم بالأحكام _ والآية عامة في جميع المؤمنين قوي الإيمان وضعيف الإيمان _
فإذا أصر السقاف على أنهم لا يحتاجون إلى تعلم أصول الدين
لزمه أيضاً أن يقول أنهم لا يحتاجون إلى تعلم الأحكام العملية
أو أن يقر بأن العقائد متعددة كما أن الأحكام متعددة
وبالتالي يلزمه القول بأن تعلمهم لبعض العقائد لا يعني أنهم مستغنون عن تعلم بقيتها كما هو الحال في الأحكام
ومما يدل على أن الآية عامة في العقائد والأحكام بأن قوله تعالى (( ليتفقهوا في الدين))
والدين يشمل العقائد والأحكام
الشبهة العشرون
قال السقاف في صفحة 55 (( وقد أطال الحافظ ابن حجر في " النكت على ابن الصلاح " محاولا إثبات ذلك ، ولكنه لم يقنع ولم يأت هنالك بجديد أو دليل يبت ويقطع في المسألة والادلة التي سقناها تنفي ذلك ، ثم رجع واستثنى الاحاديث المنتقدة ولا طائل وراء ذلك وكلامه في باقي كتبه المحررة يفيد خلاف ذلك))
قلت الجواب عليه من وجوه
الأول فليأتنا السقاف بواحد من هذه الكتب المحررة وقد قدمنا كلام في النزهة واحتجاج البخاري بخبر آحادي في مسألة عقدية وقد أقره الحافظ في الفتح فتأمل
الثاني حجة الحافظ على إفادة أخبار الآحاد في الصحيحين اليقين أنها قد انعقد الإجماع عليها واجتماع الأمة المعصومة من الخطأ على أن الراوي لم يخطيء ولم يهم يجعلنا نجزم بصحة حديثه _ وأشك في أن السقاف فهم هذه الحجة _ واستثنى الحافظ الأحاديث التي انتقدها الأئمة الحفاظ لعدم انطباق هذه العلة عليها
واعلم أن جميع الأحاديث التي أوردها السقاف لتعقب الحافظ كلها مما استثناه الحافظ !!!
وهي حديث خلق التربة يوم السبت وهو صحيح مسلم وقد انتقده البخاري وابن المديني
انظر هذا كله في صفحة 50 -51 من مقدمة السقاف
وحديث فضائل أبي سفيان في صحيح مسلم وقد انتقده ابن حزم وابن الجوزي والذهبي كما ذكر السقاف نفسه
في صفحة 52 -53
والحديث الثالث حديث أنس في القراءة في صحيح البخاري وقد قال السقاف في صحة 54 أن جميع الحفاظ قد مثلوا للحديث المعلول في كتب المصطلح بحديث أنس هذا ف
و حديث (( من مات وعليه صوم ، صام عنه وليه )) الذي استنكره أحمد كما ذكر السقاف في صفحة 54
فقد جعل السقاف هذا كله حجةً على ابن حجر حيث قال في صفحة 55 (( وأما المسألة الثانية وهي : أن الحديث الصحيح سواء كان في الصحيحين أو في غيرهما لا يفيد إلا الظن . فجميع ما قدمناه ودللنا عليه مع الامثلة العملية الواقعية يثبت ذلك بلا شك ، وما ذهب إليه بعضهم من أن أحاديث الصحيحين تفيد العلم قول ضعيف لا يؤيده الواقع البتة ، وقد أطال الحافظ ابن حجر في " النكت على ابن الصلاح " محاولا إثبات ذلك ، ولكنه لم يقنع ولم يأت هنالك بجديد أو دليل يبت ويقطع في المسألة والادلة التي سقناها تنفي ذلك ، ثم رجع واستثنى الاحاديث المنتقدة ولا طائل وراء ذلك ))
فانظر رحمني وإياك إلى هذا البليد كيف يحتج على ابطال القاعدة التي ذكرها الحافظ بإيرادات ما استثناه الحافظ من هذه القاعدة وهذا من أعجب ما وقفت عليه من الإستدلالات
وإليك كلام الحافظ ابن حجر في النكت
قال الحافظ (( وقال النووي : خالف ابن الصلاح المحققون والأكثرون . فقالوا : يفيد الظن ما لم يتواتر ، وقال في شرح مسلم : لا يلزم من إجماع الأمة على العمل بما فيهما إجماعهم على أنه مقطوع بأنه من كلام النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ .
[ رد الحافظ على النووي وابن عبد السلام : ]
أقول : أقر شيخنا هذا من كلام النووي ، وفيه نظر وذلك أن ابن الصلاح لم يقل : إن الأمة أجمعت على العمل ( بما فيهما ) ، وكيف يسوغ له أن يطلق ذلك والأمة لم تجمع على العمل بما فيهما لا من حيث الجملة ولا من حيث التفضيل ، لأن فيهما أحاديث ترك العمل بما دلت عليه لوجود معارض من ناسخ أو مخصص .
وإنما نقل ابن الصلاح أن الأمة أجمعت على تلقيهما بالقبول من حيث الصحة ويؤيد ذلك أنه قال في شرح مسلم ـ ما صورته :
(( ما اتفقا عليه مقطوع بصدقه لتلقي الأمة له بالقبول وذلك يفيد العلم النظري وهو في إفادة العلم كالمتواتر إلا أن المتواتر يفيد العلم الضروري وتلقي الأمة بالقبول يفيد العلم النظري )) .
ثم حكى عن إمام الحرمين مقالته المشهورة أنه لو اختلف إنسان بطلاق امرأته أن ما في (( كتاب البخاري ومسلم )) مما حكا بصحته من قول النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ لما ألزمته الطلاق ولا حنثته لإجماع علماء المسلمين على صحتهما .
فهذا يؤيد ما قلنا أنه ما أراد أنهم اتفقوا على العمل وإنما اتفقوا على الصحة . وحينئذ فلا بد لاتفاقهم من مزية ، لأن اتفاقهم على تلقي خبر غير ما في الصحيحين بالقبول ، ولو كان سنده ضعيفاً يوجب العمل بمدلوله . فاتفاقهم على تلقي ما صح سنده ماذا يفيد ؟
فأما متى قلنا يوجب العمل فقط لزم تساوي الضعيف والصحيح فلا بد للصحيح من مزية . وقد وجدت فيما حكاه إمام الحرمين في البرهان عن الأستاذ أبو بكر محمد بن الحسن بن فورك ما يصرح بهذا التفضيل الذي أشرت إليه فإنه قال في الخبر الذي تلقته الأمة بالقبول مقطوع بصحته .
ثم فصل ذلك فقال : إن اتفقوا على العمل به لم يقطع بصدقه وحمل الأمر على اعتقادهم وجوب العمل بخبر الواحد .
وإن تلقوه بالقبول قولاً وفعلاً حكم بصدقه قطعاً . وحكى أبو نصر القشيري عن القاضي أبي بكر الباقلاني أنه بيم في (( كتاب التقريب )) أن الأمة إذا اجتمعت أو أجمع أقوام لا يجوز عليهم التواطؤ على الكذب من غير أن يظهر منهم ذلك التواطؤ على أن الخبر صدق ـ كان ذلك دليلاً على الصدق . قال أبو نصر وحكى إمام الحرمين عن القاضي أن تلقي الأمة لا يقتضي القطع بالصدق .
ولعل هذا فيما أذا تلقته بالقبول ، ولكن يحصل على تصديق الخبر فهذا وجه الجمع بين كلامي القاضي . وجزم القاضي أبو نصر عبد الوهاب المالكي في (( كتاب الملخص )) بالصحة فيما إذا تلقوه بالقبول . قال : وإنما اختلفوا فيما إذا أجمعت على العمل بخبر المخبر هل يدل ذلك على صحته أم لا ؟ على قولين :
قال : وكذلك إذا عمل بموجبه أكثر الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ وأنكروا على من عدل عنه فهل
يدل على صحته وقيام الحجة به ؟
ذهب الجمهور إلى أنه لا يكون صحيحاً بذلك . وذهب عيسى بن أبان إلى أنه يدل على صحته ، انتهى .
فقول الشيخ محي الدين النووي : (( خالف ابن الصلاح المحققون والأكثرون )) . غير متجه . بل تعقبه شيخنا شيخ الإسلام في محاسن الاصطلاح فقال : (( هذا ممنوع فقد نقل المتأخرين عن جمع من الشافعية والحنفية والمالكية والحنابلة أنهم يقطعون بصحة الحديث الذي تلقته الأمة بالقبول )) .قلت : وكأنه عني بهذا تقي الدين ابن تيمية فإني رأيت فيما حكاه عنه بعض ثقات أصحابه ما ملخصه : الخبر إذا تلقته الأمة بالقبول تصديقاً له وعملاً بموجبه أفاد العلم عند جماهير العلماء من السلف والخلف وهو الذي ذكره جمهور المصنفين في أصول الفقه كشمس الأئمة السرخسي وغيره من الحنفية والقاضي عبد الوهاب وأمثاله من المالكية .
والشيخ أبي حامد الاسفرائيني والقاضي أبي الطيب الطبري والشيخ أبي إسحاق الشيرازي وسليم الرازي وأمثالهم من الشافعية . وأبي عبد الله ابن حامد والقاضي أبي يعلى وأبي الخطاب وغيرهم من الحنبلية وهو قول أكثر أهل الكلام من الأشاعرة وغيرهم كأبي إسحاق الاسفرائيني وأبي بكر بن فورك وأبو منصور التميمي وابن السمعاني وأبي هاشم الجبائي وأبي عبد الله البصري قال : وهو مذهب أهل الحديث قاطبة وهو معنى ما ذكره ابن الصلاح في مدخله إلى علوم الحديث ـ فذكر ذلك استنباطاً وافق فيه هؤلاء الأئمة وخالفه في ذلك من ظن أن الجمهور على خلاف قوله لكونه لم يقف إلا على تصانيف من خالف في ذلك كالقاضي أبي بكر الباقلاني والغزالي وابن عقيل وغيرهم ، لأن هؤلاء يقولون إنه لا يفيد العل مطلقاً وعمدتهم أن خبر الواحد لا يفيد العلم بمجرده . والأمة إذا عملت بموجبه فلوجوب العمل بالظن عليهم وأنه لا يمكن جزم الأمة بصدقه في الباطن ، لأن هذا جزم بلا علم .
والجواب : إن إجماع الأمور معصوم عن الخطأ في الباطن .. وإجماعهم على تصديق الخبر كإجماعهم على وجوب العمل به والواحد منهم وإن جاز عليه أن يصدق في نفس الأمر من هو كاذب أو غالط فمجموعهم معصوم عن هذا الواحد من أهل التواتر يجوز عليه بمجرده الكذب والخطأ ومع انضمامه إلى أهل التواتر ينتفي الكذب والخطأ عن مجموعهم ولا فرق . ( انتهى كلامه )
وأصرح من رأيت كلامه في ذلك ممن نقل الشيخ تقي الدين عنه ذلك فيما نحن بصدده ـ الأستاذ أبو إسحاق الاسفرائيني فإنه قال : (( أهل الصنعة مجمعون على أن الأخبار التي اشتمل عليها الصحيحان مقطوع بها عن صاحب الشرع وإن حصل الخلاف في بعضها فذلك خلاف في طرقها ورواتها)) .
كأنه يشير بذلك إلى ما نقده بعض الحفاظ . وقد احترز ابن الصلاح عنه . وأما قول الشيخ محي
الدين : (( لا يفيد العلم إلا إن تواتر )) فمنقوض بأشياء :
1- أحدها : الخبر المحتف بالقرائن يفيد العلم النظري وممن صرح به إمام الحرمين والغزالي ، والسيف الآمدي وابن الحاجب ومن تبعهم .
2- ثانيها : الخبر المستفيض الوارد من وجوه كثيرة لا مطعن فيها يفيد العلم النظري للمتبحر في هذا الشأن . وممن ذهب إلى هذا الإسناد أبو إسحاق الاسفرائيني والأستاذ أبو منصور التميمي والأستاذ أبو بكر بن فورك .
وقال الأيباري ـ شارح البرهان ـ بعد أن حكى عن إمام الحرمين أنه ضعف هذه المقالة : (( بأن العرف وإطراد الاعتبار لا يقتضي الصدق قطعاً بل فصاراه غلبة الظن لغلبة الإسناد )) . أراد أن النظر في أحوال المخبرين من أهل الثقة والتجربة يحصل ذلك ومال إليه الغزالي . وإذا قلنا أنه يفيد العلم فهو نظري لا ضروري وبالغ أبو منصور التميمي في الرد على من أبى ذلك فقال : المستفيض وهو الحديث الذي له طرق كثيرة صحيحة لكنه لم يبلغ مبلغ التواتر ، يوجب العلم المكتسب ولا عبرة بمخالفة أهل الأهواء في ذلك .
3- ثالثها : ما قدمنا نقله عن الأئمة في الخبر إذا تلقته الأمة بالقبول . ولا شك أن إجماع الأمة على القول بصحة الخبر أقوى من إفادة العلم من القرائن المحتفة ومن مجرد كثرة الطرق .
ثم بعد تقرير ذلك كله جميعاً لم يقل ابن الصلاح ولا من تقدمه أن هذه الأشياء تفيد العلم القطعي كما يفيده الخبر المتواتر لأن المتواتر يفيد العمل الضروري الذي لا يقبل التشكيك وما عداه مما ذكر يفيد العلم النظري الذي يقبل التشكيك . ولهذا تختلف إفادة العلم عن الأحاديث التي عللت في الصحيحين ـ والله أعلم . وبعد تقرير هذا فقول ابن الصلاح (( والعلم اليقيني النظري حاصل به )) لو اقتصر على قوله العلم النظري لكان أليق بهذا المقام .
أما اليقيني فمنعناه القطعي ، فلذلك أنكر عليه من أنكر ، لأن المقطوع به لا يمكن الترجيح بين آحاده وإنما يقع الترجيح في مفهوماته . ونحن نجد علماء هذا الشأن قديماً وحديثاً يرجحون بعض أحاديث الكتابين على بعض بوجوه من الترجيحات النقلية فلو كان الجميع مقطوعاً به ( ما بقي للترجيح مسلك وقد سلم ابن الصلاح هذا القدر فيما مضى ) لما رجح بين صحيحي البخاري ومسلم ، فالصواب الاقتصار في هذه المواضع على أنه يفيد العلم النظري كما قررناه ـ والله أعلم ))
قلت هذا كلام الحافظ وقد بين فيه أن جمهور الأشاعرة على مذهبه في المسألة
وقد تعقب كلام النووي الذي احتج به السقاف
والنووي قد أخطأ في نقل مذاهب العلماء وتعقبه الحافظ
والسقاف قد وقف على التعقب ومع ذلك أصر على إقرار كلام النووي في نقل مذاهب العلماء ولا حول ولا قوة إلا بالله
الشبهة الحادية والعشرون
قال السقاف في صفحة 54 -55 (( وهذا حديث سيدنا أنس في البسملة الذي في " صحيح مسلم " والذي فيه : " صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان فكانوا يفتتحون القراءة بالحمد لله رب العالمين ، لا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم أو القراءة ولا آخرها " حديث معلول ، لان جملة : " لا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم أول القراءة ولا آخرها " ليست من حديث أنس رضي الله عنه ولا من كلامه ، وقد مثل جميع الحفاظ للحديث المعلول في كتب المصطلح بحديث أنس هذا ، لا سيما وقد ثبت في صحيح البخاري أن سيدنا أنسا سئل عن قراءة النبي صلى الله عليه وسلم فقال :
" كانت مدا يمد ببسم الله وَيَمُدُّ بِالرَّحْمَنِ وَيَمُدُّ بِالرَّحِيمِ ))
قلت الجواب عليه من وجوه
الأول ان هذا الحديث معلول _ عند السقاف _ والنزاع في أخبار الآحاد الصحيحة ومن شروط الصحيح السلامة من العلة
واعلم رحمك الله أن الأصل في حديث الثقة الصحة
فإن هذا هو مدلول قول المحدثين عنه (( ثقة ))
فإنهم لم يقولوا هذا إلا بعد سبرٍ لمروياته
واخراج حديث من أحاديثه عن هذا الأصل يحتاج إلى قرينة تؤكد أنه لم يحفظ هذا الحديث وهذه القرينة تسمى العلة
إذا فهمت هذا علمت مدى فساد استلال السقاف بهذا الخبر المعلول عنده على وجوب رد الخبر الصحيح السالم من العلة في مسائل الإعتقاد _ أي أنه لا توجد قرينة تدل على أن الراوي لم يحفظ فيبقى الحديث على الأصل _
وهذا استلال باطل للفرق الواضح بين الحالتين
بل إنه يجعل رد الأئمة للحديث المعلول الذي قامت قرينة على أن الراوي لم يحفظه
دليلاً على رد الأحاديث التي انضمت إليها قرينة تدل على أن الراوي قد حفظ الحديث كالإتفاق على تصحيح حديثه أو كونه من أثبت الناس في شيخه أو كونه قد توبع على حديثه
وهذا إن دل فإنما يدل على عدم تأهل السقاف للخوض في المسائل العلمية
الثاني هذا الخبر في الأحكام والسقاف يفرق بين الأحكام والعقائد
الثالث أن الحافظ ابن حجر قج نازع في إعلال هذا الخبر
وإليك نص كلامه في النكت على ابن الصلاح
قال (( وكيف يحكم على رواية عدم الجهر بالشذوذ وفي رواتها عن قتادة مثل شعبة ؟
قال أحمد في مسنده ثنا وكيع . ثنا شعبة عن قتادة عن أنس بلفظ : فكانوا (( لا يجهرون بـ ( بسم الله الرحمن الرحيم ) )).
وكذا أخرجه مسلم وابن خزيمة في صحيحه من طريق غندر ، عن شعبة ورواه ابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما من طريق سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة ولفظه : (( إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يجهر بـ ( بسم الله الرحمن الرحيم ) )) . ولا أبو بكر ولا عمر ولا عثمان رضي الله عنهم .
وقا لابن حبان في صحيحه : ثنا الصوفي وغيره . ثنا علي بن الجعد . ثنا شعبة وشيبان ، عن قتادة : سمعت أنس بن مالك يقول : (( صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر رضي الله عنهما وعثمان رضي الله عنه فلم أسمع أحداً منهم يجهر بـ ( بسم الله الرحمن الرحيم ) . ورواهن الدار قطني ، عن البغوي عن علي بن الجهد بهذا .
وبوب عليه ابن حبان في صحيحه (( باب الخبر المدحض )) قول من زعم أن هذا الخبر لم يسمعه قتادة من أنس رضي الله عنه . وكذا رواه جماعة من أصحاب قتادة عنه ورواه آخرون عنه بلفظ الافتتاح ، ورواه عن شعبة جماعة حفاظ أصحابه هكذا ورواه آخرون عنه بلفظ الافتتاح ، فيظهر أن قتادة كان يرويه على الوجهين وكذلك شعبة ومن أدل دليل على ذلك أن يونس بن حبيب رواه في مسند أبي داود الطيالسي عنه عن شعبة بلفظ الافتتاح . ورواه محمد بن المثنى ويحيى بن أبي طالب عنه بلفظ عدم الجهر فالله أعلم ))
ثم ذكر شواهداً لخبر أنس وله كلام طويل في الدفاع هذا الحديث من أراده فيراجعه هناك
رابعاً أن الحديث الذي أورده لمعارضة خبر أنس قد جمع الحافظ ابن حجر بينه وبين الحديث المذكور
قال الحفظ في الفتح (9/710 ) من طبعة دار الريان (( تنبيه : استدل بعضهم بهذا الحديث على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم في الصلاة، ورام بذلك معارضة حديث أنس أيضا المخرج في صحيح مسلم أنه صلى الله عليه وسلم كان لا يقرؤها في الصلاة، وفي الاستدلال لذلك بحديث الباب نظر، وقد أوضحته فيما كتبته من النكت على علوم الحديث لابن الصلاح، وحاصله أنه لا يلزم من وصفه بأنه كان إذا قرأ البسملة يمد فيها أن يكون قرأ البسملة في أول الفاتحة في كل ركعة، ولأنه إنما ورد بصورة المثال فلا تتعين البسملة، والعلم عند الله تعالى))
الشبهة الثانية والعشرون
قال السقاف في صفحة 50 -51 (( أحاديث حكم عليها بعض الحفاظ بالصحة بالنظر لاسانيدها وهي معلولة أو شاذة متنا : 1 - روى مسلم في صحيحه 2149 برقم 2789) عن أبي هريرة مرفوعا :
" خلق الله عزوجل التربة يوم السبت ، وخلق فيها الجبال يوم الاحد ، وخلق الشجر يوم الاثنين ، وخلق المكروه يوم الثلاثاء ، وخلق النور يوم الاربعاء ، وبث فيها الدواب يوم الخميس وخلق آدم عليه السلام بعد العصر من يوم الجمعة في آخر الخلق في آخر ساعة من ساعات الجمعة فيما بين العصر إلى الليل " . ففي هذا الحديث إثبات أن الله خلق السموات والارض في سبعة أيام ، وهذا مخالف للقرآن وذلك لان الله تعالى أخبر أنه خلق السموات والارض في ستة أيام ، قال الله تعالى : (إن ربكم الله الذي خلق السموات والارض في ستة أيام) الاعراف : 53 . فإن قال قائل : هذا الحديث لا يعارض الآية السابقة ، وإنما يفصل كيفية تطور الارض وما خلق فيها وحدها ، وأن ذلك كان في سبعة أيام وهي غير الايام الستة المذكورة في الآية أو نحو هذا الكلام كما صرح به متناقض ! ! عصرنا . قلنا في جوابه : لا ، ليس كذلك وكلامك باطل من وجوه عديدة أذكر لك ثلاثة منها : الاول : أن سيدنا آدم المذكور في الحديث لم يخلق على الارض إنما خلقه الله في الجنة ثم أهبط بعد مدة إلى الارض ، فهذا الحديث لا يتكلم إذن بما حصل على الارض خاصة ، ثم قوله فيه : (وخلق النور يوم الاربعاء) ليس خاصا أيضا بالارض لان النور الموجود على الارض بشكل عام مصدره من الشمس التي هي في السماء ، فهذا الحديث فيه ذكر ما في الارض وما في السماء . وكذلك قوله المكروه في الحديث لا يفهم معناه ! ! والمكروه يعم أشياء
كثيرة ، والمعروف أن المكروه أو الشر يخلقه الله عزوجل في وقته الذي يحصل فيه ، وهذا الحديث فيه هذه الجمل الركيكة التي تدل على أن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ما نطق به . الثاني : أن القران يرد ذلك أيضا بصراحة قال تعالى : (قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الارض في يومين وتجعلون له أندادا ذلك رب العالمين * وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام سواء للسائلين) فصلت : 9 - 10 . فهذا صريح في أن الله خلق الارض في يومين وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام ومجموع ذلك ستة أيام ، فأين الايام السبعة من ذلك ؟ ! الثالث : أن بعض أئمة المحدثين الذين أدركوا هذا الشذوذ في متن الحديث طعنوا فيه . قال ابن كثير في تفسيره (1 / 99 طبعة الشعب) : " هذا الحديث من غرائب صحيح مسلم ، وقد تكلم عليه ابن المديني والبخاري وغير واحد من الحفاظ وجعلوه من كلام كعب الاحبار ، وأن أبا هريرة إنما سمعه من كلام كعب الاحبار ، وقد اشتبه على بعض الرواة فجعله مرفوعا " . قلت : وقد ذكر ذلك البخاري في كتابه " التاريخ الكبير " وغيره ، حتى أن الشيخ ! ! الحراني ! ! نقل طعن الحفاظ فيه في " فتاواه " (1) (17 / 236) ))
قلت الجواب عليه من وجوه
الأول أن هذا الحديث معلول عند ابن المديني والبخاري فهو خارج محل النزاع إذ أننا نتحدث عن حجية الأحاديث الآحادية الصحيحة في مسائل الإعتقاد فيقال فيه ما قيل في سابقه
الثاني هذا الخبر محل خلاف بين الحفاظ فلا يصلح لتعقب من قال أن أحاديث الصحيحين المجمع عليها تفيد القطع _ وهذا هو حال معظم أحاديث الصحيحين _
الثالث أن اعتراض السقاف على توجيه الألباني بأن آدم خلق في الجنة مردود
لأن توجيه الألباني مبني على كون هذه الأيام السبعة غير الأيام الستة التي خلقت فيها السماوات والأرض ولا يمتنع أن يكون آدم خلق بعد خلق السماوات والأرض سواءً كان خلقه في الأرض أو الجنة وكون الحديث لا يتكلم عما حصل في الأرض خاصة لا ينفي أصل التوجيه الذي ذكره الشيخ لأنه لا يمتنع أن يكون الحديث يتحدث عن أحداث حصلت في السماوات والأرض بعد خلقهما
الرابع أن اعتراضه على الشيخ بأن الشمس في السماء يقال فيه مثل ما قيل في خلق آدم من عدم امتناع تأخر خلقها عن خلق السماوات والأرض
الخامس اعتراضه على لفظ المكروه غير متجه فقد يكون اللفظ قد خرج مخرج اطلاق العام وإرادة الخاص فيكون المقصود به الشيطان
السادس اعتراضه بذكر تقدير الأقوات يجاب عليه بأن معنى الأقوات أي الأرزاق كما ورد ذلك عن بعض السلف وهذا لا يعارض ظاهر الحديث وأما ذكر الجبال في الآية فقد يكون خرج مخرج الصفة للأرض لا على وجه ترتيب الأحداث
أما إعلال ابن المديني للحديث فهو قوله _كما ذكر القرطبي في التفسير _(( وما أرى إسماعيل بن أمية أخذ هذا الأمر إلا من إبراهيم بن أبي يحيى ))
هذا الإعلال كما ترى لا علاقة له بالمتن بل هو متعلق بالسند إذا فهمت هذا عرفت أن قول السقاف (( أن بعض أئمة المحدثين الذين أدركوا هذا الشذوذ في متن الحديث طعنوا فيه )) محض تخرص
وقد خالف الإمام مسلم الإمام ابن المديني وحكم على الحديث بالإتصال وكذلك فعل ابن خزيمة إذ أنه أخرج الحديث في صحيحه برقم 1636
وكذلك فعل تلميذه ابن حبان والحديث عنده برقم 6267
وقد صحح هذا الحديث شيخ السقاف عبدالله الغماري في الكنز الثمين وهو أول من حرر مسألة الشذوذ في المتن عند السقاف كما في صفحة 49 من مقدمته
و إعلال البخاري للحديث لفظه (( وقال بعضهم عن أبي هريرة عن كعب وهو أصح ))
قلت وهذا الإعلال متعلق بالسند دون المتن وهذا يبين لنا كذب السقاف في زعمه أن بعض كبار المحدثين _ ويعني ابن المديني والبخاري _ قد أدركوا شذوذ المتن
و البعض الذين رووا الحديث عن أبي هريرة عن كعب لم أقف عليهم ولم أجد من وقفهم عليهم لهذا لا تثريب على من تابع مسلماً وابن خزيمة وابن حبان في تصحيحهم للحديث
ولا تثريب على من تابع ابن المديني والبخاري في إعلالهم للحديث
هذا والله الموفق
الشبهة الثالثة والعشرون
قال السقاف في صفحة 54 (( وقد استنكر الامام أحمد أيضا حديث " من مات وعليه صوم ، صام عنه وليه " وهو في الصحيحين انظر " سير أعلام النبلاء " (6 / 10) ))
قلت الجواب عليه أن هذا خبر في الأحكام فإذا كنا سنرد الأخبار في الأحكام لاحتمال وهم الراوي عاد بنا الأمر إلى مذهب المعتزلة الذي تقدم نقضه
وقد قدمنا أنه لا فرق بين العقائد والأحكام في مسألة قبول الأخبار والرد وأن التفريق بدعة حادثة
قال الذهبي في ترجمة عبيد الله بن أبي جعفر (( وقد قال أحمد بن حنبل مرة: ليس بالقوي واستنكر له حديثاً ثابتاً في الصحيحين في: "من مات وعليه صوم صام عنه وليه))
قلت هذا ما عزى إليه السقاف ويظهر جلياً أن سبب استنكار أحمد هو تضعيفه للراوي _ والجمهور على تويثقه وهو المختار _
فهل يقاس على هذا الراوي الذي ضعفه أحمد الراوي المتفق على توثيقه
وهل يقاس عليه الحديث المتفق على تصحيحيه
أو الحديث التي احتفت به قرينة تعدد الطرق فكان مشهوراً مستفيضاً
قطعاً لا للفرق الواضح بين الحالات
إذاً لماذا يحتج السقاف بهذا الخبر الخارج عن محل النزاع على إسقاط الأخبار الصحيحة في مسائل الإعتقاد
ومثل هذا يقال في حديث فضائل أبي سفيان عند مسلم ولفظه عن ابن عباس قال : كان المسلمون لا ينظرون إلى أبى سفيان ولا يقاعدونه ، فقال للنبي صلى الله عليه وسلم : يا نبي الله ! ثلاث أعطينهن ؟ قال " نعم " . قال : عندي أحسن العرب وأجمله أم حبيبة بنت أبي سفيان ، أزوجكها ؟ قال : " نعم " . قال : ومعاوية تجعله كاتبا بين يديك ؟ قال : " نعم " (1) . قال : وتؤمرني حتى أقاتل الكفار كما كنت أقاتل المسلمين ؟ قال : " نعم " . قال أبو زميل ؟ ولولا أنه طلب ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم ما أعطاه ذلك ، لانه لم يكن يسأل شيئا إلا قال : " نعم "
فقد استنكر العلماء قول أبي سفيان (( عندي أحسن العرب وأجمله أم حبيبة بنت أبي سفيان )) لاتفاق أهل السير على أن النبي صلى الله عليه وسلم قد تزوج أم حبيبة قبل إسلام أبي سفيان رضي الله عنهما
قال ابن الجوزي كما نقل السقاف في صفحة 53((هو وهم من بعض الرواة لا شك فيه ولا تردد ، وقد اتهموا به عكرمة بن عمار راوي الحديث ))
أي اتهموه بالوهم فهو المتفرد بهذا الحديث فيقال للسقاف في هذا مثل له في الحديث السابق
هل يقاس على هذا الراوي المتفق على توثيقه
وهل يقاس عليه الحديث المتفق على تصحيحيه
أو الحديث التي احتفت به قرينة تعدد الطرق فكان مشهوراً مستفيضاً
قطعاً لا للفرق الواضح بين الحالات
إذاً لماذا يحتج السقاف بهذا الخبر الخارج عن محل النزاع على إسقاط الأخبار الصحيحة في مسائل الإعتقاد _ والحديث المذكور في الفضائل _
واعلم رحمك أن أحاديث الصفات لا تعارض آيات التنزيه
فقوله تعالى (( ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ))
فيه نفي التشبيه المسبوق بالكاف وهذا واضح من قوله (كمثله )
وأما التشبيه الذي اخترعه المعطلة وهو التشبيه عن الناتج عن الإتفاق باللفظ فالآية ترده فقد أسمى نفسه بالسميع البصير ونعت الإنسان بالسميع البصير وليس السمع كالسمع ولا البصر كالبصر
من هنا تعرف مدى عمق فقه السلف في قولهم (( إنما التشبيه أن تقول سمع كسمعي وبصر كبصري ويد كيدي ))
0 comments:
إرسال تعليق