إن الحمد لله, نحمده ونستعينه ونستغفره, ونعوذ بالله من شرور أنفسنا, وسيئات أعمالنا, من يهده الله فلا مضل له, ومن يضلل الله فلا هادي له, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أما بعد:
الاعتقاد قبل الاستدلال أوقع كثير من المخالفين كأهل الكلام في الوقوع في عجائب الأخطاء ولذلك قرر أهل السنة أن المأخذ الصحيح هو " استدل ثم اعتقد ".
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : فكل من احتج بشيء منقول عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فعليه أن يعلم صحته قبل أن يعتقد موجبه و يستدل به، وإذا احتج به على غيره؛ فعليه بيان صحته، و إلا كان قائلاً بلا علم، مستدلاً بلا علم .
منهاج السنة النبوية (7/61)
ونضرب على ذلك مثالا ذهب إليه المتكلمون كالمعتزلة وبعض الأشاعرة وهي مسألة تماثل الأجسام .
فقد قرروا أن " الأجسام كلها متماثلة فلا فرق في الحقيقة بين جسم النار وجسم الماء ولا بين جسم الذهب وجسم الخشب ولا بين المسك والرجيع وإنما تفترق بصفاتها وأعراضها مع تماثلها في الحد والحقيقة" .
شفاء العليل (1|50)
وقد نقل شيخ الإسلام ابن تيمية عن ابن سينا وأمثاله أنهم يقولون : إن النفوس الناطقة متماثلة بحسب الحقيقة وإنما اختلفت باعتبار أبدانها فهي كماء واحد وضعته في آنية مختلفة فاختلف لاختلاف الأوعية .
الرد على المنطقيين (483)
قال الرازي : واعلم أن حاصل هذا الكلام من جانبنا أنا قد دللنا في القسم الأول من هذا الكتاب على أن الأجسام متماثلة في تمام الماهية فلو كان الباري جسما لزم أن يكون مثلا لهذه الأجسام في تمام الماهية وحينئذ فيكون القول بالتشبيه لازما .
بيان تلبيس الجهمية (1|388)
وقال أيضا : الثالث إنا نقيم الدلالة على أن الأجسام متماثلة والأشياء المتماثلة يجب اشتراكها في اللوازم .
بيان تلبيس الجهمية (1|516)
وقال أيضا : الحجة السابعة عشرة قوله تعالى {فلا تجعل لله أندادا} والند المثل ولو كان تعالى جسما لكان مثلا لكل واحد من الأجسام لما سنبين إن شاء الله تعالى أن الأجسام كلها متماثلة فحينئذ يكون الند موجودا على هذا التقدير وذلك على مضادة هذا النص .
بيان تلبيس الجهمية (1|587)
ونقل شيخ الإسلام كذلك عن الآمدي قوله : : اتفقت الأشاعرة وأكثر المعتزلة على أن الجواهر متماثلة متجانسة .
درء التعارض (2|270)
وبناء على هذا القول " الأجسام متماثلة " جرهم ذلك إلى نفي صفات الله تعالى خوفا من التشبيه والتمثيل .
قال شيخ الإسلام : إذا تبين هذا فالنزاع بين مثبتة الجوهر والجسم ونفاته يقع من جهة المعنى في شيئين أحدهما أنهم متنازعون في تماثل الأجسام والجواهر على قولين معروفين
فمن قال بتماثلها قال كل من قال إنه جسم لزمه التمثيل .
درء التعارض (2|250)
وقال : وكذلك أيضا يقولون : إن الصفات لا تقوم إلا بجسم متحيز والأجسام متماثلة فلو قامت به الصفات للزم أن يكون مماثلا لسائر الأجسام وهذا هو التشبيه .
وكذلك يقول هذا كثير من الصفاتية الذين يثبتون الصفات وينفون علوه على العرش وقيام الأفعال الاختيارية به ونحو ذلك ويقولون : الصفا ت قد تقوم بما ليس بجسم وأما العلو على العالم فلا يصح إلا إذا كان جسما فلو أثبتنا علوه للزم أن يكون جسما وحينئذ فالأجسام متماثلة فيلزم التشبيه ... .
وأصل كلام هؤلاء كلهم على إثبات الصفات مستلزم للتجسيم والأجسام متماثلة .
مجموع الفتاوى (3|71)
لازم هذا القول والرد عليه
قال ابن القيم عن لا زم هذا القول : " فلا فرق في الحقيقة بين جسم النار وجسم الماء ولا بين جسم الذهب وجسم الخشب ولا بين المسك والرجيع وإنما تفترق بصفاتها وأعراضها مع تماثلها في الحد والحقيقة" .
شفاء العليل (1|50)
وقال شيخ الإسلام : ومن العجب أن كلامه وكلام أمثاله يدور في هذا الباب على تماثل الأجسام وقد ذكر النزاع في تماثل الأجسام وأن القائلين بتماثلها من المتكلمين بنوا ذلك على أنها مركبة من الجواهر المنفردة وأن الجواهر متماثلة .
ثم أنه في مسألة تماثل الجواهر ذكر أنه لا دليل على تماثلها فصار أصل كلامهم الذي ترجع إليه هذه الأمور كلاما بلا علم بل بخلاف الحق .
درء التعارض (2|269)
وقال شيخ الإسلام : وحقيقة هذا القول أن الأجسام متماثلة من كل وجه لا تختلف من وجه دون وجه بل الثلج مماثل للنار من كل وجه والتراب مماثل للذهب من كل وجه والخبز مماثل للحديد من كل وجه إذ كانا متماثلين في صفات النفس عندهم .
وهذا القول فيه من مخالفة الحس والعقل ما يستغنى به عن بسط الرد على صاحبه بل أصل دعوى تماثل الأجسام من أفسد الأقوال بل القول في تماثلها واختلافها كالقول في تماثل الأعراض واختلافها فإنها تتماثل تارة وتختلف أخرى وتفريقهم بين الصفات النفسية والمعنوية اللازمة للمعين يشبه تفريق أهل المنطق بين الصفات الذاتية واللازمة للماهية وكلاهما قول فاسد لا حقيقة له بل قول هؤلاء أفسد من قول أهل المنطق .
درء التعارض (2|422)
ثم قال : والاشتراك في بعض صفات الإثبات لا يكون تماثلا وهذا تصريح بأن المختلفين يستويان ويشتركان في بعض الصفات فكيف يمكن أن يقال مع هذا إن المختلفين لا يشتبهان من بعض الوجوه وقد صرح بتساويهما في بعض الأشياء ؟ وغاية هذا أن يقال إنهما لا يختلفان بوجه من الوجوه في الصفات النفسية وإن اشتبها في الصفات المعنوية .
وهذا مع أن اللفظ لا يدل فيعود إلى ما ذكر وقد أخبر الله تعالى في كتابه بنفي تساوي بعض الأجسام وتماثلها كما أخبر بنفي ذلك عن بعض الأعراض فقال الله تعالى : { وما يستوي الأعمى والبصير * ولا الظلمات ولا النور * ولا الظل ولا الحرور * وما يستوي الأحياء ولا الأموات } وقال تعالى { هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون } وقال تعالى { ليسوا سواء } وقال تعالى : { لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة } وقال تعالى { وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم } فنفى أن يكون بعض الأجسام مثلا أو مساويا لغيره .
وإذا قيل : إن الأجسام اختلفت بما عرض لها من الأعراض
قيل : من الأعراض ما يكون لازما لنوع الجسم أو للجسم المعين كما يلزم الحيوان أنه حساس متحرك بالإرادة ويلزم الإنسان انه ناطق وكما يلزم الإنسان المعين ما يخصه من إحساسه وقوة تحركه بالإرادة ونطقه وغير ذلك من الأمور المعينة التي لا يشركه في عينها غيره فهذا لا يجوز أن يكون عارضا له إذ هو لازم له
وما يعقل جسم مجرد عن جميع هذه الصفات عرضت له بعد ذلك فإذا كانت الأجسام تختلف بالأعراض وهي لازمة لها كان من لوازمها أن تكون مختلفة .
وتمام هذا أن الأشياء تتماثل وتختلف بذواتها ؛ لا نحتاج أن نقول : تتماثل في ذواتها والذات تختلف بصفاتها .
ولهذا كان الصواب أن الرب سبحانه غير مماثل لخلقه بل هو مخالف لهم بذاته لا نقول : إنه مساو لهم بذاته وإنما خالفهم بصفاته .
درء التعارض (2|424)
وقال : وقد تنازع الناس هل لفظ الشبه والمثل بمعنى واحد أو معنيين على قولين :
أحدهما : أنهما بمعنى واحد وأن ما دل عليه لفظ المثل مطلقا ومقيدا يدل عليه لفظ الشبه وهذا قول طائفة من النظار .
والثاني: أن معناها مختلف عند الإطلاق لغة وشرعا وعقلا وإن كان مع التقيد والقرينة يراد بأحدهما ما يراد بالآخر وهذا قول أكثر الناس , وهذا الاختلاف مبني على مسألة عقلية وهو أنه هل يجوز أن يشبه الشيء الشيء من وجه دون وجه , وللناس في ذلك قولان فمن منع أن يشبهه من وجه دون وجه قال المثل والشبه واحد ومن قال إنه قد يشبه الشيء الشيء من وجه دون وجه فرق بينهما عند الإطلاق وهذا قول جمهور الناس .
فإن العقل يعلم أن الأعراض مثل الألوان تشتبه في كونها ألوانا مع أن السواد ليس مثل البياض وكذلك الأجسام والجواهر عند جمهور العقلاء تشتبه في مسمى الجسم والجوهر وإن كانت حقائقها ليست متماثلة فليست حقيقة الماء مماثلة لحقيقة التراب , ولا حقيقة النبات مماثلة لحقيقة الحيوان , ولا حقيقة النار مماثلة لحقيقة الماء وإن اشتركا في أن كلا منهما جوهر وجسم وقائم بنفسه .
وأيضا فمعلوم في اللغة أنه يقال هذا يشبه هذا وفيه شبه من هذا إذا أشبهه من بعض الوجوه وإن كان مخالفا له في الحقيقة .
الجواب الصحيح (3|455)
وقال : الوجه الرابع أن يقال إذا قيل هذا يشبه هذا من وجه كذا فيجب أن يكون حكمه حكمه من ذلك الوجه لم يجب أن يكون حكمه حكمه من غير ذلك الوجه ؛ فالسواد إذا شارك البياض في كون كل منهما عرضا قائما بغيره لم يجب أن يشاركه من جهة كونه سوادا والجسم القائم بنفسه إذا شارك العرض في كون كل منهما موجودا لم يجب أن يشاركه في خصائص الأعراض وكذلك إذا قلنا إن الأجسام ليست متماثلة وهو أصح القولين فالجسم إذا شارك الجسم في لوازم الجسمية لم يجب أن يشاركه فيما يختص به أحدهما عن الآخر فإذا شاركه في كونه يشار إليه أو في كونه قائما بنفسه أو في قبول الأبعاد الثلاثة أو غير ذلك لم يجب أن يكون التراب مماثلا للنار فيما يختص به ولا التفاح مماثلا للخبز فيما يختص به .
الصفدية (2|10)
وقال أيضا : وذلك أنهم يقولون إن كل ما هو عالم بعلم وقادر بقدرة وحي بحياة ونحو ذلك فهو من جنس واحد وهو متماثل لأنه متحيز والمتحيزات كلها متماثلة ويقولون كلما هو فوق شيء فانه من جنس واحد متماثل لأنه متحيز والمتحيزات متماثلة ويقولون كلما له سمع وبصر فهو من جنس واحد وهو متماثل لأنه من المتحيزات التي هي متماثلة وهذا قول الجهمية والمعتزلة وغيرهم .
وقد سلك الرازي ذلك في قوله إن الأجسام متماثلة لكن قصده به نفي العلو على العرش ونفي الصفات الخبرية .
وأما المعتزلة ونحوهم من الجهمية الذين ابتدعوا هذا القول أولا مقصودهم به النفي المطلق وكل ذلك بناء على أن جعلوا لله عدلا وسميا وكفوا في كل ما هو موصوف به حتى إن غاليتهم من الملاحدة والجهمية يقولون كلما يقال له حي وعالم وقادر فهو جنس واحد متماثل هؤلاء جعلوا لله عدلا وسميا وكفوا وندا في كل ماله من الأسماء والصفات حتى لزم من ذلك أن يكون كل جسم عدلا لله ومثلا وكفوا حتى البقة والبعوضة وأن يكون كل حي عدلا لله وكفوا وسميا وكل ذلك بناء على أن كلما هو مسمى بهذه الاسم موصوف بهذه الصفات ؛ فإ نه جنس واحد متماثل وهذا من أعظم العدل بالله وجعل الأنداد لله .
بيان تلبيس الجهمية (2|96)
وهذه المسألة تضاف إلى خرافات وعجائب الأشاعرة وما أكثرها
وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية : والخطأ فيما تقوله المتفلسفة في الإلهيات والنبوات والمعاد والشرائع أعظم من خطأ المتكلمين وأما فيما يقولونه في العلوم الطبيعية والرياضية فقد يكون صواب المتفلسفة أكثر من صواب من رد عليهم من أهل الكلام فإن أكثر كلام أهل الكلام في هذه الأمور بلا علم ولا عقل ولا شرع .
الرد على المنطقيين (311)
والحمد لله رب العالمين .
المصدر: هنا
الاعتقاد قبل الاستدلال أوقع كثير من المخالفين كأهل الكلام في الوقوع في عجائب الأخطاء ولذلك قرر أهل السنة أن المأخذ الصحيح هو " استدل ثم اعتقد ".
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : فكل من احتج بشيء منقول عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فعليه أن يعلم صحته قبل أن يعتقد موجبه و يستدل به، وإذا احتج به على غيره؛ فعليه بيان صحته، و إلا كان قائلاً بلا علم، مستدلاً بلا علم .
منهاج السنة النبوية (7/61)
ونضرب على ذلك مثالا ذهب إليه المتكلمون كالمعتزلة وبعض الأشاعرة وهي مسألة تماثل الأجسام .
فقد قرروا أن " الأجسام كلها متماثلة فلا فرق في الحقيقة بين جسم النار وجسم الماء ولا بين جسم الذهب وجسم الخشب ولا بين المسك والرجيع وإنما تفترق بصفاتها وأعراضها مع تماثلها في الحد والحقيقة" .
شفاء العليل (1|50)
وقد نقل شيخ الإسلام ابن تيمية عن ابن سينا وأمثاله أنهم يقولون : إن النفوس الناطقة متماثلة بحسب الحقيقة وإنما اختلفت باعتبار أبدانها فهي كماء واحد وضعته في آنية مختلفة فاختلف لاختلاف الأوعية .
الرد على المنطقيين (483)
قال الرازي : واعلم أن حاصل هذا الكلام من جانبنا أنا قد دللنا في القسم الأول من هذا الكتاب على أن الأجسام متماثلة في تمام الماهية فلو كان الباري جسما لزم أن يكون مثلا لهذه الأجسام في تمام الماهية وحينئذ فيكون القول بالتشبيه لازما .
بيان تلبيس الجهمية (1|388)
وقال أيضا : الثالث إنا نقيم الدلالة على أن الأجسام متماثلة والأشياء المتماثلة يجب اشتراكها في اللوازم .
بيان تلبيس الجهمية (1|516)
وقال أيضا : الحجة السابعة عشرة قوله تعالى {فلا تجعل لله أندادا} والند المثل ولو كان تعالى جسما لكان مثلا لكل واحد من الأجسام لما سنبين إن شاء الله تعالى أن الأجسام كلها متماثلة فحينئذ يكون الند موجودا على هذا التقدير وذلك على مضادة هذا النص .
بيان تلبيس الجهمية (1|587)
ونقل شيخ الإسلام كذلك عن الآمدي قوله : : اتفقت الأشاعرة وأكثر المعتزلة على أن الجواهر متماثلة متجانسة .
درء التعارض (2|270)
وبناء على هذا القول " الأجسام متماثلة " جرهم ذلك إلى نفي صفات الله تعالى خوفا من التشبيه والتمثيل .
قال شيخ الإسلام : إذا تبين هذا فالنزاع بين مثبتة الجوهر والجسم ونفاته يقع من جهة المعنى في شيئين أحدهما أنهم متنازعون في تماثل الأجسام والجواهر على قولين معروفين
فمن قال بتماثلها قال كل من قال إنه جسم لزمه التمثيل .
درء التعارض (2|250)
وقال : وكذلك أيضا يقولون : إن الصفات لا تقوم إلا بجسم متحيز والأجسام متماثلة فلو قامت به الصفات للزم أن يكون مماثلا لسائر الأجسام وهذا هو التشبيه .
وكذلك يقول هذا كثير من الصفاتية الذين يثبتون الصفات وينفون علوه على العرش وقيام الأفعال الاختيارية به ونحو ذلك ويقولون : الصفا ت قد تقوم بما ليس بجسم وأما العلو على العالم فلا يصح إلا إذا كان جسما فلو أثبتنا علوه للزم أن يكون جسما وحينئذ فالأجسام متماثلة فيلزم التشبيه ... .
وأصل كلام هؤلاء كلهم على إثبات الصفات مستلزم للتجسيم والأجسام متماثلة .
مجموع الفتاوى (3|71)
لازم هذا القول والرد عليه
قال ابن القيم عن لا زم هذا القول : " فلا فرق في الحقيقة بين جسم النار وجسم الماء ولا بين جسم الذهب وجسم الخشب ولا بين المسك والرجيع وإنما تفترق بصفاتها وأعراضها مع تماثلها في الحد والحقيقة" .
شفاء العليل (1|50)
وقال شيخ الإسلام : ومن العجب أن كلامه وكلام أمثاله يدور في هذا الباب على تماثل الأجسام وقد ذكر النزاع في تماثل الأجسام وأن القائلين بتماثلها من المتكلمين بنوا ذلك على أنها مركبة من الجواهر المنفردة وأن الجواهر متماثلة .
ثم أنه في مسألة تماثل الجواهر ذكر أنه لا دليل على تماثلها فصار أصل كلامهم الذي ترجع إليه هذه الأمور كلاما بلا علم بل بخلاف الحق .
درء التعارض (2|269)
وقال شيخ الإسلام : وحقيقة هذا القول أن الأجسام متماثلة من كل وجه لا تختلف من وجه دون وجه بل الثلج مماثل للنار من كل وجه والتراب مماثل للذهب من كل وجه والخبز مماثل للحديد من كل وجه إذ كانا متماثلين في صفات النفس عندهم .
وهذا القول فيه من مخالفة الحس والعقل ما يستغنى به عن بسط الرد على صاحبه بل أصل دعوى تماثل الأجسام من أفسد الأقوال بل القول في تماثلها واختلافها كالقول في تماثل الأعراض واختلافها فإنها تتماثل تارة وتختلف أخرى وتفريقهم بين الصفات النفسية والمعنوية اللازمة للمعين يشبه تفريق أهل المنطق بين الصفات الذاتية واللازمة للماهية وكلاهما قول فاسد لا حقيقة له بل قول هؤلاء أفسد من قول أهل المنطق .
درء التعارض (2|422)
ثم قال : والاشتراك في بعض صفات الإثبات لا يكون تماثلا وهذا تصريح بأن المختلفين يستويان ويشتركان في بعض الصفات فكيف يمكن أن يقال مع هذا إن المختلفين لا يشتبهان من بعض الوجوه وقد صرح بتساويهما في بعض الأشياء ؟ وغاية هذا أن يقال إنهما لا يختلفان بوجه من الوجوه في الصفات النفسية وإن اشتبها في الصفات المعنوية .
وهذا مع أن اللفظ لا يدل فيعود إلى ما ذكر وقد أخبر الله تعالى في كتابه بنفي تساوي بعض الأجسام وتماثلها كما أخبر بنفي ذلك عن بعض الأعراض فقال الله تعالى : { وما يستوي الأعمى والبصير * ولا الظلمات ولا النور * ولا الظل ولا الحرور * وما يستوي الأحياء ولا الأموات } وقال تعالى { هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون } وقال تعالى { ليسوا سواء } وقال تعالى : { لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة } وقال تعالى { وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم } فنفى أن يكون بعض الأجسام مثلا أو مساويا لغيره .
وإذا قيل : إن الأجسام اختلفت بما عرض لها من الأعراض
قيل : من الأعراض ما يكون لازما لنوع الجسم أو للجسم المعين كما يلزم الحيوان أنه حساس متحرك بالإرادة ويلزم الإنسان انه ناطق وكما يلزم الإنسان المعين ما يخصه من إحساسه وقوة تحركه بالإرادة ونطقه وغير ذلك من الأمور المعينة التي لا يشركه في عينها غيره فهذا لا يجوز أن يكون عارضا له إذ هو لازم له
وما يعقل جسم مجرد عن جميع هذه الصفات عرضت له بعد ذلك فإذا كانت الأجسام تختلف بالأعراض وهي لازمة لها كان من لوازمها أن تكون مختلفة .
وتمام هذا أن الأشياء تتماثل وتختلف بذواتها ؛ لا نحتاج أن نقول : تتماثل في ذواتها والذات تختلف بصفاتها .
ولهذا كان الصواب أن الرب سبحانه غير مماثل لخلقه بل هو مخالف لهم بذاته لا نقول : إنه مساو لهم بذاته وإنما خالفهم بصفاته .
درء التعارض (2|424)
وقال : وقد تنازع الناس هل لفظ الشبه والمثل بمعنى واحد أو معنيين على قولين :
أحدهما : أنهما بمعنى واحد وأن ما دل عليه لفظ المثل مطلقا ومقيدا يدل عليه لفظ الشبه وهذا قول طائفة من النظار .
والثاني: أن معناها مختلف عند الإطلاق لغة وشرعا وعقلا وإن كان مع التقيد والقرينة يراد بأحدهما ما يراد بالآخر وهذا قول أكثر الناس , وهذا الاختلاف مبني على مسألة عقلية وهو أنه هل يجوز أن يشبه الشيء الشيء من وجه دون وجه , وللناس في ذلك قولان فمن منع أن يشبهه من وجه دون وجه قال المثل والشبه واحد ومن قال إنه قد يشبه الشيء الشيء من وجه دون وجه فرق بينهما عند الإطلاق وهذا قول جمهور الناس .
فإن العقل يعلم أن الأعراض مثل الألوان تشتبه في كونها ألوانا مع أن السواد ليس مثل البياض وكذلك الأجسام والجواهر عند جمهور العقلاء تشتبه في مسمى الجسم والجوهر وإن كانت حقائقها ليست متماثلة فليست حقيقة الماء مماثلة لحقيقة التراب , ولا حقيقة النبات مماثلة لحقيقة الحيوان , ولا حقيقة النار مماثلة لحقيقة الماء وإن اشتركا في أن كلا منهما جوهر وجسم وقائم بنفسه .
وأيضا فمعلوم في اللغة أنه يقال هذا يشبه هذا وفيه شبه من هذا إذا أشبهه من بعض الوجوه وإن كان مخالفا له في الحقيقة .
الجواب الصحيح (3|455)
وقال : الوجه الرابع أن يقال إذا قيل هذا يشبه هذا من وجه كذا فيجب أن يكون حكمه حكمه من ذلك الوجه لم يجب أن يكون حكمه حكمه من غير ذلك الوجه ؛ فالسواد إذا شارك البياض في كون كل منهما عرضا قائما بغيره لم يجب أن يشاركه من جهة كونه سوادا والجسم القائم بنفسه إذا شارك العرض في كون كل منهما موجودا لم يجب أن يشاركه في خصائص الأعراض وكذلك إذا قلنا إن الأجسام ليست متماثلة وهو أصح القولين فالجسم إذا شارك الجسم في لوازم الجسمية لم يجب أن يشاركه فيما يختص به أحدهما عن الآخر فإذا شاركه في كونه يشار إليه أو في كونه قائما بنفسه أو في قبول الأبعاد الثلاثة أو غير ذلك لم يجب أن يكون التراب مماثلا للنار فيما يختص به ولا التفاح مماثلا للخبز فيما يختص به .
الصفدية (2|10)
وقال أيضا : وذلك أنهم يقولون إن كل ما هو عالم بعلم وقادر بقدرة وحي بحياة ونحو ذلك فهو من جنس واحد وهو متماثل لأنه متحيز والمتحيزات كلها متماثلة ويقولون كلما هو فوق شيء فانه من جنس واحد متماثل لأنه متحيز والمتحيزات متماثلة ويقولون كلما له سمع وبصر فهو من جنس واحد وهو متماثل لأنه من المتحيزات التي هي متماثلة وهذا قول الجهمية والمعتزلة وغيرهم .
وقد سلك الرازي ذلك في قوله إن الأجسام متماثلة لكن قصده به نفي العلو على العرش ونفي الصفات الخبرية .
وأما المعتزلة ونحوهم من الجهمية الذين ابتدعوا هذا القول أولا مقصودهم به النفي المطلق وكل ذلك بناء على أن جعلوا لله عدلا وسميا وكفوا في كل ما هو موصوف به حتى إن غاليتهم من الملاحدة والجهمية يقولون كلما يقال له حي وعالم وقادر فهو جنس واحد متماثل هؤلاء جعلوا لله عدلا وسميا وكفوا وندا في كل ماله من الأسماء والصفات حتى لزم من ذلك أن يكون كل جسم عدلا لله ومثلا وكفوا حتى البقة والبعوضة وأن يكون كل حي عدلا لله وكفوا وسميا وكل ذلك بناء على أن كلما هو مسمى بهذه الاسم موصوف بهذه الصفات ؛ فإ نه جنس واحد متماثل وهذا من أعظم العدل بالله وجعل الأنداد لله .
بيان تلبيس الجهمية (2|96)
وهذه المسألة تضاف إلى خرافات وعجائب الأشاعرة وما أكثرها
وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية : والخطأ فيما تقوله المتفلسفة في الإلهيات والنبوات والمعاد والشرائع أعظم من خطأ المتكلمين وأما فيما يقولونه في العلوم الطبيعية والرياضية فقد يكون صواب المتفلسفة أكثر من صواب من رد عليهم من أهل الكلام فإن أكثر كلام أهل الكلام في هذه الأمور بلا علم ولا عقل ولا شرع .
الرد على المنطقيين (311)
والحمد لله رب العالمين .
المصدر: هنا
0 comments:
إرسال تعليق