وهذا النص من الإبانة نقله ابن درباس أيضا في رسالته في الذب عن الأشعري وعزاه للإبانة فقد جاء في رسالته :
" ومنهم الإمام الحافظ أبو العباس أحمد بن ثابت الطرقي ، فإنه قال في بيان مسألة الاستواء من تواليفه [من تأليفه]:
ما أخبرنا به الإمام الحافظ أبو العباس أحمد بن ثابت قال: رأيت هؤلاء الجهمية ينتمون في نفي العرش وتأويل الاستواء إلى أبي الحسن الأشعري.
وما هذا بأول باطل ادَّعوه وكذب تعاطوه، فقد قرأت في كتابه المرسوم بـ (الإبانة عن أصول الديانة) أدلة من جملة ما ذكرته في إثبات الاستواء.
وقال في [جملة] ذلك :
ومن دعاء أهل الإسلام جميعًا إذا هم رغبوا إلى الله تعالى في الأمر النازل [هم] يقولون: يا ساكن العرش.
ثم قال: ومن حَلِفِهِمء جميعًا [قولهم:] لا والذي احتجب بسبع سماوات.
هذا آخر ما حكاه، وهو في الإبانة كما ذكره " ا.هـ
فالإمام الطرقي وابن درباس كلاهما يثبتان أن هذا الكلام لأبي الحسن في الإبانة
ونقله الذهبي أيضا عن الطرقي ينسبه للأشعري
فلا يشكك في صحة هذا عن الأشعري إلا معاند
وهو صريح في إثبات المعنى وأن الله بذاته وصفاته فوق عرشه فوق سماواته .
وقال الإمام الأشعري في الإبانة :
" دليل آخر :
قال الله تعالى ( الله نور السماوات والأرض ) من الآية ( 35 / 24 ) فسمى نفسه نورا والنور عند الأمة لا يخلو من أن يكون أحد معنيين :
إما أن يكون نورا يسمع أو نورا يرى .
فمن زعم أن الله يُسمع ولا يرى فقد أخطأ في نفيه رؤية ربه وتكذيبه بكتابه وقول نبيه صلى الله عليه وسلم
وروت العلماء عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أنه قال : ( تفكروا في خلق الله ولا تفكروا في الله عز وجل فإن بين كرسيه إلى السماء ألف عام والله عز وجل فوق ذلك " ا.هـ
تأمل وصفه للنور بأنه شيء يُرى لتعلم حقيقة الإثبات للمعنى
إلى أن قال :
" دليل آخر :
قال الله تعالى : ( يخافون ربهم من فوقهم ) وقال تعالى : ( تعرج الملائكة والروح إليه ) وقال تعالى : ( ثم استوى إلى السماء وهي دخان ) وقال تعالى : ( ثم استوى على العرش الرحمن فاسأل به خبيرا ) وقال تعالى : ( ثم استوى على العرش مالكم من ولي ولا شفيع )
فكل ذلك يدل على أنه تعالى في السماء مستو على عرشه ، والسماء بإجماع الناس ليست الأرض ، فدل على أنه تعالى منفرد بوحدانيته مستو على عرشه استواء منزها عن الحلول والاتحاد " ا.هـ
فاستدلاله بعروج الملائكة على فوقية الله باعتباره معروجا إليه هو نص في إثبات المعنى
وحرصه على دفع ما قد يتوهم من الحلول نص أيضا في إثباته للفوقية الحقيقية وهي فوقية الذات وإلا لم يكن هناك مناسبة لهذا التحرز
فهاتان قرينتان من قرائن قصد المعنى لا يغض الطرف عنها إلا من لا يرغب فهم المراد
وقال الأشعري أيضا :
" والحديث " أنى أراه " لا حجة فيه لأنه عندما سأل سائل النبي صلى الله عليه و سلم عن رؤية الله عز و جل في الدنيا وقال له : هل رأيت ربك ؟
فقال : " نور أنى أراه " ؟ لأن العين لا تدرك في الدنيا الأنوار المخلوقة على حقائقها لأن الإنسان لو حدق ينظر إلى عين الشمس فأدام النظر إلى عينها لذهب أكثر نور بصره فإذا كان الله سبحانه حكم في الدنيا بأن لا تقوم العين بالنظر إلى عين الشمس فأحرى أن لا يثبت البصر للنظر إلى الله تعالى في الدنيا إلا أن يقويه الله تعالى فرؤية الله تعالى في الدنيا قد اختلف فيها .
وقد روي عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم أن الله عز و جل تراه العيون في الآخرة ...
ونحن إنما قصدنا إلى إثبات رؤية الله تعالى في الآخرة على أن هذه الرواية على المعتزلة لا لهم لأنهم ينكرون أن الله نور في الحقيقة
فإذا احتجوا بخبر هم له تاركون وعنه منحرفون كانوا محجوجين "
فتأمل قوله : " نور في الحقيقة "
وقال رحمه الله :
" وقال تعالى حاكيا عن فرعون لعنه الله : ( يا هامان ابن لي صرحا لعلي أبلغ الأسباب أسباب السماوات فأطلع إلى إله موسى وإني لأظنه كاذبا ) من الآيتين ( 36 - 37 / 40 ) كذب موسى عليه السلام في قوله : إن الله سبحانه فوق السماوات " ا.هـ
فانظر إلى إثبات المعنى وهل يقول عاقل إن فرعون أنكر في هذا التحدي الفاشل ما لم يفهمه بنفسه ولا يفهمه .
وقال :
" ورأينا المسلمين جميعا يرفعون أيديهم إذا دعوا نحو السماء لأن الله تعالى مستو على العرش الذي هو فوق السماوات فلولا أن الله عز و جل على العرش لم يرفعوا أيديهم نحو العرش كما لا يحطونها إذا دعوا إلى الأرض " ا.هـ
ثم قال :
" ومما يؤكد أن الله عز و جل مستو على عرشه دون الأشياء كلها ما نقله أهل الرواية عن رسول الله صلى الله عليه و سلم
روى عفان قال : ثنا حماد بن سلمة قال : حدثنا ( 1 / 111 ) عمرو بن دينار عن نافع عن جبير عن أبيه رضي الله عنهم أجمعين أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : ( ينزل ربنا عز و جل كل ليلة إلى السماء الدنيا فيقول : هل من سائل فأعطيه ؟ هل من مستغفر فأغفر له ؟ حتى يطلع الفجر " ا.هـ
كيف يمكن أن يكون للنزول دلالة على ما ذكر لو لم يكن مفهوما عنده بمعناه المعروف ؟!!
ـ الإمام أبو بكر محمد بن الحسين الآجري ت
قال في الشريعة له :
" وقال عز وجل : ( وكان بالمؤمنين رحيماً ، تحيتهم يوم يلقونه سلام وأعد لهم أجراً كريماً ) .
واعلم رحمك الله إن عند أهل اللغة أن اللقاء لا يكون إلا معاينة يراهم الله عز و جل ويرونه ويسلم عليهم ويكلمهم ويكلمونه " ا.هـ
فانظر بم فسر اللقاء ؟
وقال محمد بن الحسين الآجري :
" وقد قال الله عز و جل لنبيه صلى الله عليه وسلم ( لتبين للناس ما نزل إليهم لعلهم يتفكرون ) فكان مما بينه لأمته صلى الله عليه وسلم في هذه الآيات أنه أعلمهم في غير حديث أنكم ترون ربكم عز و جل ورواه عنه جماعة من صحابته رضي الله عنهم وقبلها العلماء عنهم أحسن القبول كما قبلوا عنهم علم الطهارة والصلاة والزكاة والصيام والحج والجهاد وعلم الحلال والحرام "
فجعل هذه الآية شاملة لنصوص الصفات
والناظر في كلامه في كتاب الشريعة يلمس حقيقة الإثبات المنافي للتفويض
ـ علي بن عمر بن محمد بن الحسن الحربي ت
ففي الحجة في بيان المحجة للأصبهاني أن علي بن عمر قال :
" ومن قال العرش ملك أو الكرسي ليس بالكرسي الذي يعرف الناس فهو مبتدع قال الله تعالى : ( وسع كرسيه السماوات والأرض ) والعرش فوق السماء السابعة والله تعالى على العرش قال الله تعالى : ( إليه يصعد الكلم الطيب ) وقال : ( إني متوفيك ورافعك إلي ) وقال : ( تعرج الملائكة والروح إليه ) وقال : ( أأمنتم من في السماء ) وللعرش حملة يحملونه على ما شاء الله من غير تكييف والاستواء معلوم والكيف مجهول ا.هـ
وعلي الحربي هذا قال عنه السبكي الأشعري :
" جميع الناس في عصره أجمعوا مع اختلاف آرائهم وتشعب أنحائهم على حسن معتقد هذا الشيخ وزهده وورعه " ا.هـ
وقوله : " والعرش فوق السماء السابعة والله تعالى على العرش " سياق صريح في إثبات الفوقية بمعناها الحقيقي ثم استدلاله بالآيات الثلاث ( إليه يصعد الكلم الطيب ) و ( إني متوفيك ورافعك إلي ) و ( تعرج الملائكة والروح إليه ) على فوقيته على عرشه لا يستقيم إلا على ضوء إثبات معاني هذه النصوص وإلا فأين ذِكْر فوقيتة على العرش فيها ؟
ثم قوله " الاستواء معلوم " صريح في أنه غير مجهول المعنى ولا مفوَّض
ـ أحمد بن إسحاق بن أيوب الفقيه
قال الإمام البيهقي :
باب قول الله عز و جل : ( أأمنتم من في السماء ) ما جاء في قول الله عز وجل : ( أأمنتم من في السماء ) .
قال أبو عبد الله الحافظ : قال الشيخ أبو بكر أحمد بن إسحاق بن أيوب الفقيه :
" قد تضع العرب ( في ) بموضع ( على ) قال الله عز وجل : ( فسيحوا في الأرض ) وقال : ( لأصلبنكم في جذوع النخل ) ومعناه : على الأرض وعلى النخل ، فكذلك قوله : ( في السماء ) أي على العرش فوق السماء ، كما صحت الأخبار عن النبي صلى الله عليه وسلم " ا.هـ
فتفسيره لقول الله : ( من في السماء ) بقوله : " أي على العرش فوق السماء "
هو إثبات للمعنى بلا خلاف لولا العناد المستحكم لدى المفوضة
ـ الإمام أبو عبد الله محمد بن خفيف
قال في كتابه الذي سماه " اعتقاد التوحيد بإثبات الأسماء والصفات " :
" ونعتقد : أن الله عز وجل له عرش وهو على عرشه فوق سبع سمواته بكل أسمائه وصفاته ; كما قال : ( الرحمن على العرش استوى ) " ا.هـ
نقله من كتابه الإمام ابن القيم في الاجتماع ص ( 277 ) وابن تيمية في الحموية
فتأمل قوله : " بكل أسمائه وصفاته "
ـ الإمام أبو منصور الأزهري
قال في تهذيب اللغة :
" وقال الليث : الحَنَان : الرحمة ، والفعل التحنُّن . قال : والله الحَنَّان المنَّان الرحيم بعباده ومنه قوله تعالى : ( وَحَنَانًا مِّن لَّدُنَّا ) ( مريَم : 13 ) أي رحمة من لدنا .
قلت : والحَنَّان من أسماء الله تعالى ، جاء على فعّال بتشديد النون صحيح . وكان بعض مشيايخنا أنكر التشديد فيه ؛ لأنه ذهب به إلى الحنين ، فاستوحش أن يكون الحنين من صفات الله تعالى ، وإنما معنى الحنّان : الرحيم من الحَنَان وهو الرحمة ...
وقال أبو إسحاق في قوله : ( وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيّاً وَحَنَانًا مِّن لَّدُنَّا وَزَكَواةً وَكَانَ ) أي وآتيناه حناناً . قال : والحَنَان : العطف والرحمة . وأنشد :
فقالت حنان ما أتى بك هاهنا
أذو نسب أم أنت بالحيّ عارف
أي أَمْرُنا حنان أي عطف ورحمة .
وأخبرني المنذريّ عن ثعلب عن ابن الأعرابي أنه أنشده :
ويمنحها بنو شَمَجاى بن جَرْم
مَعِيزهم حنانك ذا الحنان
يقول رحمتك يا رحمان فأغنني عنهم
وقال الفراء في قوله تعالى : و ) وَحَنَانًا مِّن لَّدُنَّا ( الرحمة ، أي وفعلنا ذلك رحمة لأبويك .
قلت : وقولهم : حنانيك معناه : تحنّن عليّ مرة بعد أخرى ، وحناناً بعد حنان ، وأذكِّرك حناناً بعد حنان . ويقال : حَنّ عليه أي عطف عليه ، وحنّ إليه أي نزع إليه .
وقال أبو إسحاق : الحَنّان في صفة الله : ذو الرحمة والتعطّف " ا.هـ
لا حاجة للتعليق فالمعاني المثبتة صريحة ( التحنن والعطف والتعطف )
وقال الأزهري أيضا في تهذيبه :
" وفي حديث أبي رَزِين العُقَيليّ أنه قال للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) أين كان ربنا قبل أن يخلق السماوات والأرض ؟
قال : في عَمَاء ، تحته هَوَاء وفوقه هواء .
قال أبو عبيد : العَمَاء في كلام العرب : السحاب ، قاله الأصمعي وغيره وهو محدود . وقال الحارث بن حِلِّزةَ :
وكأنَّ المنون تَردْى بنا أصْ
حَمَ عُصْم ينجاب عنه العماءُ
يقول : هو في ارتفاعه قد بلغ السحاب ، فالسحاب ينجاب عنه أي ينكشف . قال أبو عبيد : وإنما تأوّلنا هذا الحديث على كلام العرب المعقول عنهم ، ولا ندري كيف كان ذاك العَمَاء . قال : وأمَّا العمى في البصر فمقصور ، وليس هو من هذا الحديث في شيء .
قلت : وقد بلغني عن أبي الهيثم وَلم يعزه لي إليه ثقة أنه قال في تفسير هذا الحديث . ولفظه : إنه كان في عمى مقصور . قال وكلّ أمر لا تدركه القلوب بالعقول فهو عَمًى . قال : والمعنى : أنه كان حيث لا يُدركه عقول بني آدم ، ولا يَبلغ كنههَ وصف .
قلت أنا : والقول عندي ما قاله أبو عُبيد أنه العماء ممدود ، وهو السحاب ولا يُدرى كيف ذلك العَمَاء بصفة تحصُره ولا نعتٍ يَحدّه . ويُقَوِّي هذا القول قول الله جلّ وعزّ : ( هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِّنَ الْغَمَامِ ) ( البَقَرَة : 210 ) فالغمام معروف في كلام العرب ، إلاّ أنا لا ندري كيف الغمام الذي يأتي الله جلّ وعزّ يوم القيامة في ظُلَل منه فنحن نؤمن به ، ولا نكيِّف صفته . وكذلك سائر صفات الله جلّ وعزّ " ا.هـ
فانظر سبحان الله إلى هذا الإثبات للمعنى والتفويض للكيف فهو قد أثبت أن الله سبحانه كان في سحاب قبل خلقه السماوات والأرضين
يريد على سحاب لا شيء فوقه ولا شيء تحته
كما أثبت أن الله يأتي في غمام حقيقي وهو الغمام المخلوق الذي نعرفه ولم يفوض إلا الكيف
وحسبك دليلا على إثباته للمعنى أنه نص على أن الخبرين ( كونه في سحاب ويأتي في غمام ) متقاربا المعنى وذلك عندما قوى خبر العماء ( وهو قبل خلق السماوات ) بخبر الغمام ( وهو في اليوم الآخر )
وقال الأزهري في تهذيبه :
" قال الله تعالى: ( فلمَّا آسفُونَا انتَقمْنَا منهم ) معنى آسفونا: أغضَبونا، وكذلك قوله تعالى: ( إلى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفاً ) والأسيف والأسِفُ: الغضبان ، وقال الأعشى :
أرى رَجُلاً منهمْ أسِيفاً كأَنما ... يَضُمُّ إلى كشَحْيَهْ كَفّا مُخَضّبَا
يقول: كأن يده قُطعت فاختضبت بدمها فيغضب لذلك " ا.هـ
فهل قوله : " معنى آسفونا ... " يراد به التفويض ؟!!!!
وقال في كتاب الزاهر له بعد تعرضه لآية الإسراء :
( قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن ) فلخص تفسيرها ثم تعرض للباطنية ثم قال :
" وكل باطن يدعيه مدع في كتاب الله عز و جل يخالف ظاهر كلام العرب الذي خوطبوا به فهو باطل لانه اذا جاز لهم ان يدعوا فيه باطنا خلاف الظاهر جاز لغيرهم ذلك وهو إبطال للأصل وانما زاغوا عن إنكار القرآن ولاذوا بالباطن الذي تأولوه ليغروا به الغر الجاهل ولئلا ينسبوا الى التعطيل والزندقة " ا.هـ
فهو يرد على باطنية الصفات أيضا وهم كل طوائف التعطيل ، وهذه باطنية أخص
وقال الأزهري :
" لطف : اللَّطيفُ : اسم من أسماء الله العظيم ، ومعناه ، والله أعلم : الرفيق بعباده " ا.هـ
وقال في التهذيب :
" والبَرُّ من صِفات الله : العَطُوف الرَّحيم اللَّطيف الكَريم " ا.هـ
الله أكبر أليس ذكر العطوف تفسيرا هو من صريح المعنى المثبت
وقال في الزاهر له :
" والودود في أسماء الله عز وجل المحب لعباده من قولهم وددت الرجل أوده وُدَّاً ووِداداً ووَداً " ا.هـ
تأمل إثبات المعنى على مقتضى خطاب العرب " من قولهم وددت ..." هذا إثبات للمعنى صريح
وقد نقل الأزهري نفس الكلام في موطن آخر وعزاه لابن الأنباري
ـ الإمام ابن أبي زيد القيرواني
قال ابن أبي زيد :
"وأنه يجيء يومَ القيامة بعد أن لم يكن جائياً، والمَلَك صفاً صفاً لعرض الأمم وحسابها وعقابها وثوابها، فيغفر لمن يشاء ويعذّب من يشاء "
" ومنهم الإمام الحافظ أبو العباس أحمد بن ثابت الطرقي ، فإنه قال في بيان مسألة الاستواء من تواليفه [من تأليفه]:
ما أخبرنا به الإمام الحافظ أبو العباس أحمد بن ثابت قال: رأيت هؤلاء الجهمية ينتمون في نفي العرش وتأويل الاستواء إلى أبي الحسن الأشعري.
وما هذا بأول باطل ادَّعوه وكذب تعاطوه، فقد قرأت في كتابه المرسوم بـ (الإبانة عن أصول الديانة) أدلة من جملة ما ذكرته في إثبات الاستواء.
وقال في [جملة] ذلك :
ومن دعاء أهل الإسلام جميعًا إذا هم رغبوا إلى الله تعالى في الأمر النازل [هم] يقولون: يا ساكن العرش.
ثم قال: ومن حَلِفِهِمء جميعًا [قولهم:] لا والذي احتجب بسبع سماوات.
هذا آخر ما حكاه، وهو في الإبانة كما ذكره " ا.هـ
فالإمام الطرقي وابن درباس كلاهما يثبتان أن هذا الكلام لأبي الحسن في الإبانة
ونقله الذهبي أيضا عن الطرقي ينسبه للأشعري
فلا يشكك في صحة هذا عن الأشعري إلا معاند
وهو صريح في إثبات المعنى وأن الله بذاته وصفاته فوق عرشه فوق سماواته .
وقال الإمام الأشعري في الإبانة :
" دليل آخر :
قال الله تعالى ( الله نور السماوات والأرض ) من الآية ( 35 / 24 ) فسمى نفسه نورا والنور عند الأمة لا يخلو من أن يكون أحد معنيين :
إما أن يكون نورا يسمع أو نورا يرى .
فمن زعم أن الله يُسمع ولا يرى فقد أخطأ في نفيه رؤية ربه وتكذيبه بكتابه وقول نبيه صلى الله عليه وسلم
وروت العلماء عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أنه قال : ( تفكروا في خلق الله ولا تفكروا في الله عز وجل فإن بين كرسيه إلى السماء ألف عام والله عز وجل فوق ذلك " ا.هـ
تأمل وصفه للنور بأنه شيء يُرى لتعلم حقيقة الإثبات للمعنى
إلى أن قال :
" دليل آخر :
قال الله تعالى : ( يخافون ربهم من فوقهم ) وقال تعالى : ( تعرج الملائكة والروح إليه ) وقال تعالى : ( ثم استوى إلى السماء وهي دخان ) وقال تعالى : ( ثم استوى على العرش الرحمن فاسأل به خبيرا ) وقال تعالى : ( ثم استوى على العرش مالكم من ولي ولا شفيع )
فكل ذلك يدل على أنه تعالى في السماء مستو على عرشه ، والسماء بإجماع الناس ليست الأرض ، فدل على أنه تعالى منفرد بوحدانيته مستو على عرشه استواء منزها عن الحلول والاتحاد " ا.هـ
فاستدلاله بعروج الملائكة على فوقية الله باعتباره معروجا إليه هو نص في إثبات المعنى
وحرصه على دفع ما قد يتوهم من الحلول نص أيضا في إثباته للفوقية الحقيقية وهي فوقية الذات وإلا لم يكن هناك مناسبة لهذا التحرز
فهاتان قرينتان من قرائن قصد المعنى لا يغض الطرف عنها إلا من لا يرغب فهم المراد
وقال الأشعري أيضا :
" والحديث " أنى أراه " لا حجة فيه لأنه عندما سأل سائل النبي صلى الله عليه و سلم عن رؤية الله عز و جل في الدنيا وقال له : هل رأيت ربك ؟
فقال : " نور أنى أراه " ؟ لأن العين لا تدرك في الدنيا الأنوار المخلوقة على حقائقها لأن الإنسان لو حدق ينظر إلى عين الشمس فأدام النظر إلى عينها لذهب أكثر نور بصره فإذا كان الله سبحانه حكم في الدنيا بأن لا تقوم العين بالنظر إلى عين الشمس فأحرى أن لا يثبت البصر للنظر إلى الله تعالى في الدنيا إلا أن يقويه الله تعالى فرؤية الله تعالى في الدنيا قد اختلف فيها .
وقد روي عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم أن الله عز و جل تراه العيون في الآخرة ...
ونحن إنما قصدنا إلى إثبات رؤية الله تعالى في الآخرة على أن هذه الرواية على المعتزلة لا لهم لأنهم ينكرون أن الله نور في الحقيقة
فإذا احتجوا بخبر هم له تاركون وعنه منحرفون كانوا محجوجين "
فتأمل قوله : " نور في الحقيقة "
وقال رحمه الله :
" وقال تعالى حاكيا عن فرعون لعنه الله : ( يا هامان ابن لي صرحا لعلي أبلغ الأسباب أسباب السماوات فأطلع إلى إله موسى وإني لأظنه كاذبا ) من الآيتين ( 36 - 37 / 40 ) كذب موسى عليه السلام في قوله : إن الله سبحانه فوق السماوات " ا.هـ
فانظر إلى إثبات المعنى وهل يقول عاقل إن فرعون أنكر في هذا التحدي الفاشل ما لم يفهمه بنفسه ولا يفهمه .
وقال :
" ورأينا المسلمين جميعا يرفعون أيديهم إذا دعوا نحو السماء لأن الله تعالى مستو على العرش الذي هو فوق السماوات فلولا أن الله عز و جل على العرش لم يرفعوا أيديهم نحو العرش كما لا يحطونها إذا دعوا إلى الأرض " ا.هـ
ثم قال :
" ومما يؤكد أن الله عز و جل مستو على عرشه دون الأشياء كلها ما نقله أهل الرواية عن رسول الله صلى الله عليه و سلم
روى عفان قال : ثنا حماد بن سلمة قال : حدثنا ( 1 / 111 ) عمرو بن دينار عن نافع عن جبير عن أبيه رضي الله عنهم أجمعين أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : ( ينزل ربنا عز و جل كل ليلة إلى السماء الدنيا فيقول : هل من سائل فأعطيه ؟ هل من مستغفر فأغفر له ؟ حتى يطلع الفجر " ا.هـ
كيف يمكن أن يكون للنزول دلالة على ما ذكر لو لم يكن مفهوما عنده بمعناه المعروف ؟!!
ـ الإمام أبو بكر محمد بن الحسين الآجري ت
قال في الشريعة له :
" وقال عز وجل : ( وكان بالمؤمنين رحيماً ، تحيتهم يوم يلقونه سلام وأعد لهم أجراً كريماً ) .
واعلم رحمك الله إن عند أهل اللغة أن اللقاء لا يكون إلا معاينة يراهم الله عز و جل ويرونه ويسلم عليهم ويكلمهم ويكلمونه " ا.هـ
فانظر بم فسر اللقاء ؟
وقال محمد بن الحسين الآجري :
" وقد قال الله عز و جل لنبيه صلى الله عليه وسلم ( لتبين للناس ما نزل إليهم لعلهم يتفكرون ) فكان مما بينه لأمته صلى الله عليه وسلم في هذه الآيات أنه أعلمهم في غير حديث أنكم ترون ربكم عز و جل ورواه عنه جماعة من صحابته رضي الله عنهم وقبلها العلماء عنهم أحسن القبول كما قبلوا عنهم علم الطهارة والصلاة والزكاة والصيام والحج والجهاد وعلم الحلال والحرام "
فجعل هذه الآية شاملة لنصوص الصفات
والناظر في كلامه في كتاب الشريعة يلمس حقيقة الإثبات المنافي للتفويض
ـ علي بن عمر بن محمد بن الحسن الحربي ت
ففي الحجة في بيان المحجة للأصبهاني أن علي بن عمر قال :
" ومن قال العرش ملك أو الكرسي ليس بالكرسي الذي يعرف الناس فهو مبتدع قال الله تعالى : ( وسع كرسيه السماوات والأرض ) والعرش فوق السماء السابعة والله تعالى على العرش قال الله تعالى : ( إليه يصعد الكلم الطيب ) وقال : ( إني متوفيك ورافعك إلي ) وقال : ( تعرج الملائكة والروح إليه ) وقال : ( أأمنتم من في السماء ) وللعرش حملة يحملونه على ما شاء الله من غير تكييف والاستواء معلوم والكيف مجهول ا.هـ
وعلي الحربي هذا قال عنه السبكي الأشعري :
" جميع الناس في عصره أجمعوا مع اختلاف آرائهم وتشعب أنحائهم على حسن معتقد هذا الشيخ وزهده وورعه " ا.هـ
وقوله : " والعرش فوق السماء السابعة والله تعالى على العرش " سياق صريح في إثبات الفوقية بمعناها الحقيقي ثم استدلاله بالآيات الثلاث ( إليه يصعد الكلم الطيب ) و ( إني متوفيك ورافعك إلي ) و ( تعرج الملائكة والروح إليه ) على فوقيته على عرشه لا يستقيم إلا على ضوء إثبات معاني هذه النصوص وإلا فأين ذِكْر فوقيتة على العرش فيها ؟
ثم قوله " الاستواء معلوم " صريح في أنه غير مجهول المعنى ولا مفوَّض
ـ أحمد بن إسحاق بن أيوب الفقيه
قال الإمام البيهقي :
باب قول الله عز و جل : ( أأمنتم من في السماء ) ما جاء في قول الله عز وجل : ( أأمنتم من في السماء ) .
قال أبو عبد الله الحافظ : قال الشيخ أبو بكر أحمد بن إسحاق بن أيوب الفقيه :
" قد تضع العرب ( في ) بموضع ( على ) قال الله عز وجل : ( فسيحوا في الأرض ) وقال : ( لأصلبنكم في جذوع النخل ) ومعناه : على الأرض وعلى النخل ، فكذلك قوله : ( في السماء ) أي على العرش فوق السماء ، كما صحت الأخبار عن النبي صلى الله عليه وسلم " ا.هـ
فتفسيره لقول الله : ( من في السماء ) بقوله : " أي على العرش فوق السماء "
هو إثبات للمعنى بلا خلاف لولا العناد المستحكم لدى المفوضة
ـ الإمام أبو عبد الله محمد بن خفيف
قال في كتابه الذي سماه " اعتقاد التوحيد بإثبات الأسماء والصفات " :
" ونعتقد : أن الله عز وجل له عرش وهو على عرشه فوق سبع سمواته بكل أسمائه وصفاته ; كما قال : ( الرحمن على العرش استوى ) " ا.هـ
نقله من كتابه الإمام ابن القيم في الاجتماع ص ( 277 ) وابن تيمية في الحموية
فتأمل قوله : " بكل أسمائه وصفاته "
ـ الإمام أبو منصور الأزهري
قال في تهذيب اللغة :
" وقال الليث : الحَنَان : الرحمة ، والفعل التحنُّن . قال : والله الحَنَّان المنَّان الرحيم بعباده ومنه قوله تعالى : ( وَحَنَانًا مِّن لَّدُنَّا ) ( مريَم : 13 ) أي رحمة من لدنا .
قلت : والحَنَّان من أسماء الله تعالى ، جاء على فعّال بتشديد النون صحيح . وكان بعض مشيايخنا أنكر التشديد فيه ؛ لأنه ذهب به إلى الحنين ، فاستوحش أن يكون الحنين من صفات الله تعالى ، وإنما معنى الحنّان : الرحيم من الحَنَان وهو الرحمة ...
وقال أبو إسحاق في قوله : ( وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيّاً وَحَنَانًا مِّن لَّدُنَّا وَزَكَواةً وَكَانَ ) أي وآتيناه حناناً . قال : والحَنَان : العطف والرحمة . وأنشد :
فقالت حنان ما أتى بك هاهنا
أذو نسب أم أنت بالحيّ عارف
أي أَمْرُنا حنان أي عطف ورحمة .
وأخبرني المنذريّ عن ثعلب عن ابن الأعرابي أنه أنشده :
ويمنحها بنو شَمَجاى بن جَرْم
مَعِيزهم حنانك ذا الحنان
يقول رحمتك يا رحمان فأغنني عنهم
وقال الفراء في قوله تعالى : و ) وَحَنَانًا مِّن لَّدُنَّا ( الرحمة ، أي وفعلنا ذلك رحمة لأبويك .
قلت : وقولهم : حنانيك معناه : تحنّن عليّ مرة بعد أخرى ، وحناناً بعد حنان ، وأذكِّرك حناناً بعد حنان . ويقال : حَنّ عليه أي عطف عليه ، وحنّ إليه أي نزع إليه .
وقال أبو إسحاق : الحَنّان في صفة الله : ذو الرحمة والتعطّف " ا.هـ
لا حاجة للتعليق فالمعاني المثبتة صريحة ( التحنن والعطف والتعطف )
وقال الأزهري أيضا في تهذيبه :
" وفي حديث أبي رَزِين العُقَيليّ أنه قال للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) أين كان ربنا قبل أن يخلق السماوات والأرض ؟
قال : في عَمَاء ، تحته هَوَاء وفوقه هواء .
قال أبو عبيد : العَمَاء في كلام العرب : السحاب ، قاله الأصمعي وغيره وهو محدود . وقال الحارث بن حِلِّزةَ :
وكأنَّ المنون تَردْى بنا أصْ
حَمَ عُصْم ينجاب عنه العماءُ
يقول : هو في ارتفاعه قد بلغ السحاب ، فالسحاب ينجاب عنه أي ينكشف . قال أبو عبيد : وإنما تأوّلنا هذا الحديث على كلام العرب المعقول عنهم ، ولا ندري كيف كان ذاك العَمَاء . قال : وأمَّا العمى في البصر فمقصور ، وليس هو من هذا الحديث في شيء .
قلت : وقد بلغني عن أبي الهيثم وَلم يعزه لي إليه ثقة أنه قال في تفسير هذا الحديث . ولفظه : إنه كان في عمى مقصور . قال وكلّ أمر لا تدركه القلوب بالعقول فهو عَمًى . قال : والمعنى : أنه كان حيث لا يُدركه عقول بني آدم ، ولا يَبلغ كنههَ وصف .
قلت أنا : والقول عندي ما قاله أبو عُبيد أنه العماء ممدود ، وهو السحاب ولا يُدرى كيف ذلك العَمَاء بصفة تحصُره ولا نعتٍ يَحدّه . ويُقَوِّي هذا القول قول الله جلّ وعزّ : ( هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِّنَ الْغَمَامِ ) ( البَقَرَة : 210 ) فالغمام معروف في كلام العرب ، إلاّ أنا لا ندري كيف الغمام الذي يأتي الله جلّ وعزّ يوم القيامة في ظُلَل منه فنحن نؤمن به ، ولا نكيِّف صفته . وكذلك سائر صفات الله جلّ وعزّ " ا.هـ
فانظر سبحان الله إلى هذا الإثبات للمعنى والتفويض للكيف فهو قد أثبت أن الله سبحانه كان في سحاب قبل خلقه السماوات والأرضين
يريد على سحاب لا شيء فوقه ولا شيء تحته
كما أثبت أن الله يأتي في غمام حقيقي وهو الغمام المخلوق الذي نعرفه ولم يفوض إلا الكيف
وحسبك دليلا على إثباته للمعنى أنه نص على أن الخبرين ( كونه في سحاب ويأتي في غمام ) متقاربا المعنى وذلك عندما قوى خبر العماء ( وهو قبل خلق السماوات ) بخبر الغمام ( وهو في اليوم الآخر )
وقال الأزهري في تهذيبه :
" قال الله تعالى: ( فلمَّا آسفُونَا انتَقمْنَا منهم ) معنى آسفونا: أغضَبونا، وكذلك قوله تعالى: ( إلى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفاً ) والأسيف والأسِفُ: الغضبان ، وقال الأعشى :
أرى رَجُلاً منهمْ أسِيفاً كأَنما ... يَضُمُّ إلى كشَحْيَهْ كَفّا مُخَضّبَا
يقول: كأن يده قُطعت فاختضبت بدمها فيغضب لذلك " ا.هـ
فهل قوله : " معنى آسفونا ... " يراد به التفويض ؟!!!!
وقال في كتاب الزاهر له بعد تعرضه لآية الإسراء :
( قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن ) فلخص تفسيرها ثم تعرض للباطنية ثم قال :
" وكل باطن يدعيه مدع في كتاب الله عز و جل يخالف ظاهر كلام العرب الذي خوطبوا به فهو باطل لانه اذا جاز لهم ان يدعوا فيه باطنا خلاف الظاهر جاز لغيرهم ذلك وهو إبطال للأصل وانما زاغوا عن إنكار القرآن ولاذوا بالباطن الذي تأولوه ليغروا به الغر الجاهل ولئلا ينسبوا الى التعطيل والزندقة " ا.هـ
فهو يرد على باطنية الصفات أيضا وهم كل طوائف التعطيل ، وهذه باطنية أخص
وقال الأزهري :
" لطف : اللَّطيفُ : اسم من أسماء الله العظيم ، ومعناه ، والله أعلم : الرفيق بعباده " ا.هـ
وقال في التهذيب :
" والبَرُّ من صِفات الله : العَطُوف الرَّحيم اللَّطيف الكَريم " ا.هـ
الله أكبر أليس ذكر العطوف تفسيرا هو من صريح المعنى المثبت
وقال في الزاهر له :
" والودود في أسماء الله عز وجل المحب لعباده من قولهم وددت الرجل أوده وُدَّاً ووِداداً ووَداً " ا.هـ
تأمل إثبات المعنى على مقتضى خطاب العرب " من قولهم وددت ..." هذا إثبات للمعنى صريح
وقد نقل الأزهري نفس الكلام في موطن آخر وعزاه لابن الأنباري
ـ الإمام ابن أبي زيد القيرواني
قال ابن أبي زيد :
"وأنه يجيء يومَ القيامة بعد أن لم يكن جائياً، والمَلَك صفاً صفاً لعرض الأمم وحسابها وعقابها وثوابها، فيغفر لمن يشاء ويعذّب من يشاء "
قوله : " بعد أن لم يكن جائياً " هو معنى لهذه الصفة تنكره الأشاعرة
ـ وقال العلامة ابن أبي زيد في رسالته :
" وهو العليم الخبير، المدبّر القدير السميع البصير العلي الكبير، وإنه فوق عرشه المجيد بذاته، وهو بكل مكان بعلمه " ا.هـ
هو في المطبوع من رسالته ونقله من رسالته كثير من المالكية .
وقال رحمه الله في مختصر المدونة :
" وأنه تعالى فوق عرشه بذاته فوق سبع سمواته دون أرضه "
نقله من المختصر ابن القيم في اجتماع الجيوش
فقوله : " بذاته " هو إثبات للمعنى صريح
ـ القاضي عبد الوهاب إمام المالكية بالعراق رحمه اللّه تعالى
هو أيضا صرح بأن الله سبحانه استوى على عرشه بذاته
نقله عنه القرطبي في الأسنى شرح الأسماء الحسنى نقلا وأبو بكر الحضرمي في رسالته التي سماها بالإيماء إلى مسألة الاستواء وابن القيم في اجتماع الجيوش ونقله شيخ الإسلام عنه في غير موضع من كتبه ونقله غير واحد من المعاصرين من كتابه
ـ الإمام أبو عمر الطلمنكي المالكي
قال في كتابه في الأصول :
" أجمع المسلمون من أهل السنة على أن اللّه استوى على عرشه بذاته.
وقال في هذا الكتاب أيضاً: أجمع أهل السنة على أنه تعالى استوى على عرشه على الحقيقة لا على المجاز... ثم ساق بسنده عن مالك قوله: اللّه في السماء وعلمه في كل مكان.
ثم قال في هذا الكتاب :
وأجمع المسلمون من أهل السنة على أن معنى قوله تعالى: " وهُوَ مَعَكُم أيْنَما كُنْتُم " سورة الحديد آية 4. ونحو ذلك من القرآن بأن ذلك علمه، وأن اللّه فوق السموات بذاته مستو على عرشه كيف شاء " ا.هـ
إثبات الاستواء على الحقيقة ونفي المجاز والتنصيص على فوقية الذات كلاهما صريح في تحقيق المعنى وإثباته .
وقال الحافظ في الفتح :
" وَقَالَ أَبُو عُمَر الطَّلَمَنْكِيّ : مِنْ تَمَام الْمَعْرِفَة بِأَسْمَاءِ اللَّه تَعَالَى وَصِفَاته الَّتِي يَسْتَحِقّ بِهَا الدَّاعِي وَالْحَافِظ مَا قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَعْرِفَةُ بِالْأَسْمَاءِ وَالصِّفَات وَمَا تَتَضَمَّن مِنْ الْفَوَائِد وَتَدُلّ عَلَيْهِ مِنْ الْحَقَائِق ، وَمَنْ لَمْ يَعْلَم ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ عَالِمًا لِمَعَانِي الْأَسْمَاء وَلَا مُسْتَفِيدًا بِذِكْرِهَا مَا تَدُلّ عَلَيْهِ مِنْ الْمَعَانِي " ا.هـ
فتأمل تقريره أهمية معرفة الصفات وما تتضمنه وما تدل عليه من الحقائق وإطلاقه هذا على جميع الصفات ، وهذا يبطل مذهب التفويض .
ـ الإمام أبو بكر محمد بن موهب التجيبي الحصار المالكي ت 406 هـ
قال في شرحه للرسالة :
" وأما قوله : إنه فوق عرشه المجيد بذاته ، فإن معنى فوق وعلا عند جميع العرب واحد ، وفي كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وتصديق ذلك قوله تعالى: " ثمَّ اسْتَوَى على العَرْش الرَّحْمنُ "
وقال تعالى: " الرَّحْمنُ عَلى العَرْش اسْتَوَى "
وقال تعالى في وصف خوف الملائكة: " يَخافُونَ ربَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ويفْعَلُونَ ما يُؤمرونَ "
وقال تعالى: " إلَيْهِ يصْعَدُ الكلِمُ الطّيّبُ والعملُ الصَالِحُ يرْفعُهُ " ونحو ذلك كثير.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للأعجمية: أين اللّه؟ فأشارت إلى السماء، ووصف النبي صلى الله عليه وسلم أنه عرج به من الأرض إلى السماء، ثم من سماء إلى سماء إلى سدرة المنتهى، ثم إلى ما فوقها حتى لقد قال: سمعت صريف الأقلام. ولما فرضت الصلوات جعل كلما هبط من مكانه تلقاه موسى عليه السلام في بعض السموات وأمره بسؤال التخفيف عن أمته، فرجع صاعداً مرتفعاً إلى اللّه سبحانه وتعالى يسأله، حتى انتهت إلى خمس صلوات ...
إلى أن قال: وقد تأتي في لغة العرب بمعنى فوق وعلى ذلك قوله تعالى: " فامْشُوا في مَنَاكِبِها " سورة الملك آية 15. يريد فوقها وعليها، وكذلك قوله تعالى: " ولأصلِبَنّكم في جُذوع النخل " سورة طه آية 71. يريد عليها، وقال تعالى: " أأمِنْتم مَنْ في السّماءِ أنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ " سورة الملك آية 16. الآيات، قال أهل التأويل العالمون بلغة العرب: يريد فوقها، وهو قول مالك مما فهمه عن جماعة ممن أدرك من التابعين، مما فهموه عن الصحابة رضي الله عنهم، مما فهموه عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الله في السماء بمعنى فوقها وعليها، فلذلك قال الشيخ أبو محمد: إنه فوق عرشه المجيد بذاته، ثم بيّن أن علوه على عرشه إِنما هو بذاته لأنه بائن عن جميع خلقه بلا كيف، وهو في كل مكان من الأمكنة المخلوقة بعلمه لا بذاته، إذ لا تحويه الأماكن، لأنه أعظم منها، وقد كان ولا مكان، ولم يحل بصفاته عما كان، إذ لا تجري عليه الأحوال، لكن علوه في استوائه على عرشه هو عندنا بخلاف ما كان قبل أن يستوي على العرش لأنه قال: " ثمَّ اسْتَوَى عَلَى العَرْش " وثم أبداً لا يكون إلا لاستئناف فعل يصير بينه وبين ما قبله فسحة إلى أن قال: وقوله: " على العَرْشِ اسْتَوَى " فإنما معناه عند أهل السنة على غير الاستيلاء والقهر والغلبة والملك الذي ظنته المعتزلة، ومن قال بقولهم: إنه بمعنى الاستيلاء.
وبعضهم يقول: إنه على المجاز دون الحقيقة. قال: ويبين سوء تأويلهم في استوائه على عرشه على غير ما تأولوه من الاستيلاء وغيره ما قد علمه أهل العقول أنه لم يزل مستولياً على جميع مخلوقاته بعد اختراعه لها، وكان العرش وغيره في ذلك سواء، فلا معنى لتأويلهم بإفراد العرش بالاستواء الذي هو في تأويلهم الفاسد استيلاء وملك وقهر وغلبة.
قال: وكذلك بيّن أيضاً أنه على الحقيقة بقوله عز وجل: " ومَنْ أصْدَقُ مِنَ اللهِ قيلاً " سورة النساء آية 122. فلما رأى المنصفون إفراد ذكره بالاستواء على عرشه بعد خلق سمواته وأرضه وتخصيصه بصفة الاستواء، علموا أن الاستواء هنا غير الاستيلاء ونحوه، فأقروا بصفة الاستواء على عرشه، وأنه على الحقيقة لا على المجاز لأنه الصادق في قيله، ووقفوا عن تكييف ذلك وتمثيله، إذ ليس كمثله شيء من الأشياء.ا.هـ
انظر اجتماع الجيوش ص 156 وص 187 والعلو 264
هذا السيل من إثبات المعاني لايمكن أن تصمد أمامه شبهات التفويض
ـ الإمام محمد بن أبي زمنين المالكي
قال عن حديث النزول :
" وهذا الحديث بيّن أن الله عز وجل على عرشه في السماء دون والأرض ، وهو أيضا بيّنٌ في كتاب الله ، وفي غير ما حديث عن رسول الله" ا.هـ
فكيف حديث النزول يبين أن الله على العرش في السماء دون الأرض لو كان معناه مفوضا ؟!!
وكيف يكون هذا المعنى بينا في النصوص كما ادعى ابن أبي زمنين لو كانت مفوضة ؟!!
وقال الإمام ابن أبي زمنين :
" ومن قول أهل السنة : أن الله عز وجل خلق العرش واختصه بالعلو والارتفاع فوق جميع ما خلق ، ثم استوى عليه كيف شاء ، كما أخبر عن نفسه " ا.هـ
فأثبت ارتفاع الرب على عرشه وهذا إثبات للمعنى
وذكر الإمام ابن أبي زمنين حديث أبي رزين ( كان الله في عماء ) ثم قال :
" [ العماء ] السحاب الكثيف المطبق فيما ذكر الخليل " ا.هـ
وهذا ينافي التفويض
وقال رحمه الله :
" ومن قول أهل السنة : أن الكرسي بين يدي العرش وأنه موضع القدمين " ا.هـ
لم يرد ذكر الكرسي وأنه موضع القدمين إلا في آثار السلف وهذا من أظهر الأدلة على الإثبات
وقال ابن أبي زمنين :
" ومن قول أهل السنة : أن الله عز وجل [ بائن ] من | خلقه ، محتجب عنهم بالحجب " ا.هـ
وقال رحمه الله :
" ومن قول أهل السنة : أن الله عز وجل ينزل إلى سماء | السماء الدنيا ، ويؤمنون بذلك من غير أن يحدوا فيه حدا ...
وأخبرني وهب [ عن ] ابن ضاح عن زهير بن عباد قال : كل من | أدركت من المشايخ : مالك وسفيان وفضيل بن عياض وعيسى وابن | المبارك ووكيع كانوا يقولون : [ النزول ] حق " ا.هـ
فهو نزول حقيقي عند هذا الإمام ومن نقل عنهم من السلف
وقال ابن أبي زمنين :
" ومن قول أهل السنة : أن الله عز وجل يحاسب عباده | يوم القيامة ويسألهم مشافهة منه إليهم ، وقال عز وجل : ^ ( يوم يجمع | الله الرسل فيقول : ماذا أجبتم ..." ا.هـ
فقوله : " مشافهة " هو منه تناول صريح للمعنى بلا خلاف ويناقض التفويض
ـ الإمام عبيد الله ابن بطة :
قال مخاطبا الجهمية نفاة الفوقية :
" قلنا أما قولكم إنه لا يكون على العرش لأنه أعظم من العرش فقد شاء الله أن يكون على العرش وهو أعظم منه
قال الله تعالى : ( ثم استوى إلى السماء )
وقال : ( وهو الله في السماوات )
ثم قال : ( وفي الأرض يعلم ..) فأخبر أنه في السماء وأنه بعلمه في الأرض ، وقال : ( الرحمن على العرش استوى )
وقال : ( ثم استوى على العرش الرحمن )
وقال : ( إليه يصعد الكلم الطيب )
فهل يكون الصعود إلا إلى ما علا " ا.هـ
تأمل إثبات المعنى
وقال :
" لكنا نقول إن ربنا تعالى في أرفع الأماكن وأعلى عليين قد استوى على عرشه فوق سماواته وعلمه محيط بجميع خلقه يعلم ما نأى كما يعلم ما دنى ويعلم ما بطن كما يعلم ما ظهر كما وصف نفسه تعالى "
وقال ابن بطة في الشرح والإبانة :
" ( بَعْضُ اَلصِّفَاتِ اَلْخَبَرِيَّةِ ) :
ثُمَّ اَلْإِيمَانُ وَالْقَبُولُ وَالتَّصْدِيقُ بِكُلِّ مَا رَوَتْهُ اَلْعُلَمَاءُ وَنَقَلَهُ اَلثِّقَاتُ أَهْلُ اَلْآثَارِ عَنْ رَسُولِ اَللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَيَلْقَاهَا بِالْقَبُولِ وَلَا تُرَدُّ بِالْمَعَارِيضِ وَلَا يُقَالُ لِمَ وَكَيْفَ وَلَا تُحْمَلُ عَلَى اَلْمَعْقُولِ وَلَا تُضْرَبُ لَهَا اَلْمَقَايِيسُ وَلَا يُعْمَلُ لَهَا اَلتَّفَاسِيرُ إِلَّا مَا فَسَّرَهُ رَسُولُ اَللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَوْ رَجُلٌ مِنْ عُلَمَاءِ اَلْأُمَّةِ مِمَّنْ قَوْلُهُ شِفَاءٌ وَحُجَّةٌ مِثْلُ أَحَادِيثِ الصفات وَالرُّؤْيَةِ.
وَمِثْلُ مَا رُوِيَ أَنَّ اَللَّهَ - عز وجل - يَضَعُ اَلسَّمَوَاتِ عَلَى إِصْبُعٍ وَالْأَرَضِينَ عَلَى إِصْبُعٍ .
وَأَنَّ اَللَّهَ - عز وجل - يَضَعُ قَدَمَهُ فِي اَلنَّارِ فَتَقُولُ. قَطْ قَطْ.
وَقُلُوبُ اَلْعِبَادِ بَيْنَ إِصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ اَلرَّحْمَنِ.
وَأَنَّ اَللَّهَ - عز وجل - عَلَى اَلْعَرْشِ.
وَلِلْعَرْشِ أَطِيطٌ كَأَطِيطِ اَلرَّحْلِ اَلْجَدِيدِ .
وَأَنَّ اَللَّهَ - عز وجل - أَخَذَ اَلذُّرِّيَّةَ مِنْ ظَهْرِ آدَمَ بِيَدِهِ اَلْيُمْنَى وَكِلْتَا يَدَيْهِ يَمِينٌ مُبَارَكَةٌ, فَقَالَ هَذِهِ لِهَذِهِ وَلَا أُبَالِي .
وَلَا يُقَبَّحُ اَلْوَجْهُ فَإِنَّ اَللَّهَ خَلَقَ آدَمَ عَلَى صُورَتِهِ.
وَقَالَ اَلنَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - رَأَيْتُ رَبِّي فِي صُورَةِ كَذَا.
قَدْ رَوَى هَذِهِ اَلْأَحَادِيثَ اَلثِّقَاتُ مِنْ اَلصَّحَابَةِ وَالسَّادَاتُ مِنْ اَلْعُلَمَاءِ مِنْ بَعْدِهِمْ مِثْلُ اِبْنِ عُمَرَ وَعَائِشَةَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَجَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اَللَّهِ وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ وَغَيْرِهِمْ.
وَأَنَّ اَللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَنْزِلُ كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى سَمَاءِ اَلدُّنْيَا.
لَا يُقَالُ لِهَذَا كُلِّهِ كَيْفَ وَلَا لِمَ بَلْ تَسْلِيمُهَا لِلْقُدْرَةِ وَإِيمَانًا بِالْغَيْبِ كُلَّمَا عَجَزَتْ اَلْعُقُولُ عَنْ مَعْرِفَتِهِ فَالْعِلْمُ بِهِ وَعَيْنُ اَلْهِدَايَةِ فِيهِ اَلْإِيمَانُ بِهِ وَالتَّسْلِيمُ لَهُ وَتَصْدِيقُ رَسُولِ اَللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِيمَا قَالَهُ هُوَ أَصْلُ اَلْعِلْمِ وَعَيْنُ اَلْهِدَايَةِ لَا تُضْرَبُ لِهَذِهِ اَلْأَحَادِيثِ وَمَا شَاكَلَهَا اَلْمَقَايِيسُ وَلَا تُعَارَضُ بِالْأَمْثَالِ وَالنَّظَائِرِ" ا.هـ
انظر إلى قوله : " إِلَّا مَا فَسَّرَهُ رَسُولُ اَللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَوْ رَجُلٌ مِنْ عُلَمَاءِ اَلْأُمَّةِ مِمَّنْ قَوْلُهُ شِفَاءٌ وَحُجَّةٌ "
وقال ابن بطة العكبري في الإبانة :
" فقيل للحلولية لم أنكرتم أن يكون الله تعالى على العرش
وقال الله تعالى الرحمن على العرش استوى
وقال ثم استوى على العرش الرحمن فسأل به خبيرا فهذا خبر الله أخبر به عن نفسه وأنه على العرش " ا.هـ
وقال ابن بطة :
" ومن ذلك قول النبي عجب ربك من شاب ليس له صبوة أي إن الله محب له راض عنه عظيم قدره عنده "
وقال :
" باب الإيمان بالتعجب
وقالت الجهمية إن الله لا يعجب
ثم قال : والتعجب على وجهين :
أحدهما : المحبة بتعظيم قدر الطاعة والسخط بتعظيم قدر الذنب ومن ذلك قول النبي عجب ربك من شاب ليس له صبوة أي إن الله محب له راض عنه عظيم قدره عنده .
والثاني : التعجب على معنى الاستنكار للشيء وتعالى الله عن ذلك علوا كبيرا لأن المتعجب من الشيء على معنى الاستنكار هو الجاهل به الذي لم يكن يعرفه فلما عرفه ورآه استنكره وعجب منه وجل الله أن يوصف بذلك ا.هـ
والأول في هذا الشرح بمعنى الإعجاب ، وأما الآخر فبمعنى التعجب
وتحقيق المعنى في كلامه ظاهر
ـ الإمام علي بن عمر الدارقطني ت385 هـ
قال رحمه الله :
" حديث الشفاعة في أحمد .. إلى أحمد المصطفى نسنده .
فأما حديث إقعاده .. على العرش فلا نجحده .
أمروا الحديث على وجهه .. و لا تدخلوا فيه ما يفسده .
و لا تنكروا أنه قاعد .. و لا تجحدوا أنه يقعده " ا.هـ
روى هذه الأبيات عنه أبو محمد الدشتي في " إثبات الحد "
144 / 1 - 2 ) كما نقله العلامة الألباني من المخطوط من طريق أبي العز أحمد بن عبيد الله بن كادش : أنشدنا أبو طالب
محمد بن علي الحربي : أنشدنا الإمام أبو الحسن علي بن عمر الدارقطني رحمه الله : ... فذكرها
وراها الذهبي في العلو فقال :
أنبأني أحمد بن سلامة عن يحيى بن يونس أنبأنا ابن كادش أنشدنا أبو طالب العشاري أنشدنا الدارقطني رحمه الله تعالى ...
ومدار هاتين الروايتين على ابن كادش وفيه كلام ولا يصح اتهامه بالوضع فقد ذكر حديثا واحدا واعترف به وتاب
لكن جاءت من غير طريقه فقد ذكر الأبيات القاضي أبو يعلى في إبطال التأويلات و قال :
" وقد أنشد أبوطالب العشاري هذه الأبيات عن الدارقطني ..."
والعشاري الذي عليه مدار هذه الأبيات هو تلميذ الإمام الدارقطني
إمام ثقة مكثر .
قال عنه الخطيب كما في تاريخ بغداد وهو تلميذ العشاري وأعرف به من غيره قال عنه :
" كتبت عنه، وكان ثقةً صالحاً " .
وقال ابن أبي يعلي في طبقات الحنابلة :
" كان العشارى من الزهاد "
وقال السمعاني :
" كان صالحا سديد السيرة مكثرا من الحديث " ا.هـ
ووثقه ابن الجوزي فقال : " وكان ثقة دينا صالحا "
وقال الذهبي : " كان فقيها عالما زاهدا خيّرا مكثرا "
وقال عنه : " الشيخ الجليل، الأمين "
وقال ابن كثير : " وكان ثقة دينا صالحا "
ووثقه الحافظ ابن ناصرالدين الدمشقي
وكذا وثقه السيوطي
وقال ابن العماد عنه : " الصالح ... كان فقيها حنبليا .. وكان خيرا عالما زاهدا "
وترجم له الصفدي وذكر صلاحه عن الخطيب ولم يجرحه
ومن صلاحه أنه كان يُستسقى به في صلاة الاستسقاء
فرجل يُعدّل كل هذا التعديل هو ثقة حجة .
وقد تكلم فيه الإمام الذهبي بمحض الظن وبما لم يسبق به وبما يعارض كلام كل من سبقه فقال كما في الميزان :
" شيخ صدوق معروف، لكن أدخلوا عليه أشياء فحدث بها بسلامة باطن، منها حديث موضوع في فضل ليلة عاشوراء ومنها عقيدة للشافعي " ا.هـ
ثم ذكر الذهبي حديثا آخر كمثال على ما أدخل على العشاري فقال :
" ومنها: قال: حدثنا ابن شاهين، حدثنا أبو بكر بن أبي داود، حدثنا شاذان، حدثنا سعد بن الصلت، حدثنا هارون بن الجهم، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن على، قال: أتى النبي صلى الله عليه وسلم بسبعة فأمر عليا أن يضرب أعناقهم، فهبط جبرائيل فقال: لا تضرب عنق هذا.
قال: لم ؟ قال: لانه حسن الخلق سمح الكف.
قال: يا جبرائيل، أشئ عنك أو عن ربك ؟ قال: بل ربى أمرنى بذلك.
هارون أيضا ليس بمعتمد " ا.هـ
ثم ساق الذهبي حديث فضل عاشوراء الذي ظن أنه أدخل على العشاري
ثم قال : قلت : " ليس بحجة " ا.هـ
وهذا من الذهبي اجتهاد خاطئ ومجرد ظنون لا تستند على أي برهان ولا يوافقه عليه باحث متخصص بعد معرفة ما سأذكره
فأما حديث فضل عاشوراء فقد ذكره الذهبي نفسه في الموضوعات ولم يتهم به العشاري كما في تلخيصه
وقال الإمام ابن ناصر الدين الدمشقي في رسالته اللفظ المكرم في فضل عاشوراء المحرم عن الحديث نفسه :
" قال أبو طالب محمد بن علي العشاري : ثنا أبو بكر أحمد بن منصور النوشري ثنا أحمد بن سلمان الحنبلي ثنا إبراهيم الحربي ثنا شريح بن النعمان ثنا ابن أبي الزناد عن أبيه عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه مرفوعاً : إن الله - عز وجل - افترض على بني إسرائيل صوم يوم في السنة وهو يوم عاشوراء ، وهو اليوم العاشر من المحرم فصوموه ووسعوا على أهليكم فيه وذكر الحديث مطولاً ...
ثم قال الإمام ابن ناصر الدين :
" وهذا حديث موضوع قبح الله من وضعه وافتراه فلقد تبوأ بيتاً في جهنم يصير مأواه .
ولا تحل روايته إلا لهتك حاله وإظهار المتهم من بين رجاله ، ورجال الحديث ثقات إلا النوشري المذكور وهو أحمد بن منصور بن محمد بن حاتم فإني أتهمه به والله تعالى أعلم " ا.هـ
فمع أن النوشري وثقه الخطيب والسمعاني ومع ذلك اتهمه الإمام ابن ناصرالدين به ولم ينزهه من تبعة الوضع باعتبار أنه أدخل عليه وإنما اتهمه به
ولم يتهم الإمام العشاري بل برأه ووثقه ضمن بقية رجال السند
وأيضا السيوطي في اللآلئ ساقه من طريق العشاري ثم قال :
" ورجاله ثقات والظاهر أن بعض المتأخرين وضعه وركبه على هذا الإسناد "
فبرأ الإمام العشاري واتهم به غير رجال السند وفي هذا مبالغة في التبرئة
وفي تنزيه الشريعة لابن عراق بعد نقله لكلام الذهبي من الميزان قال :
" وفي سنده أبو بكر النجاد وقد عمى بأخرة وجوز الخطيب أن يكون أدخل عليه شيء فيحتمل أن يكون هذا مما أدخل عليه والله أعلم "
وهذا أخذه ابن عراق عن ابن حجر فقد قال في اللسان :
" قلت وقد تقدم في ترجمة النجاد أنه عمي بآخره وأن الخطيب جوز ان يكون ادخل عليه شيء وهذا التجويز محتمل في حق العشاري أيضا وهو في حق ابن أبي الزناد بعيد فقد وثقه مالك وعلق له البخاري بالجزم والعلم عند الله تعالى " ا.هـ
فلماذا جعل الحافظ ابن حجر الوضع من جهة العشاري مجرد احتمال ومن باب أنه أدخل عليه لا أنه مقطوع به كاحتمال أن يكون أدخل على النجاد ؟
لماذا هذا التنزيه للعشاري حتى في هذا المقام ؟
مع أن ابن حجر ذكر هذا الاحتمال في حق العشاري تأثرا بالذهبي عند تعليقه على الميزان
هذا دليل على أنه يرى براءته من أي اتهام ويرى أن إدخال شيء عليه ليس أمرا طبيعيا وأنه ثقة معتبر .
بالله عليكم لو كان العشاري متهما أو محل ريب وشك أو هو مظنة إلصاق الموضوعات وإدخالها من جهته هل يجوز مع هذا الشك في غيره كالشك في إدخالها من جهة الإمام النجاد كما احتمل ابن حجر وابن عراق ؟!! ..
أو الشك بل الجزم في إدخالها من جهة أحمد بن منصور النوشري كما جزم الحافظ ابن ناصر الدين
أو الشك في أنه مركب من قبل بعض المتأخرين دون أن يكون للعشاري فيه دخل كما رجح السيوطي
وأيضا لم يلق ابن الجوزي بتبعة الوضع على العشاري مع جزمه بوضع الرواية
فبالله عليكم هل هذا المثال يصلح للطعن به في مرويات رجل كالعشاري وثق كل ذلك التوثيق ؟!
وأما الحديث الآخر السابق عن حسن الخلق الذي ذكره الذهبي على أنه قد يكون أدخل على العشاري فقد أبان الذهبي في نفس المقام أن إدخال هذه الرواية من قبل أحد الوضاعين على العشاري هو مجرد ظن واحتمال من الذهبي وذلك عندما ذكر أن راويه هارون بن الجهم " ليس بمعتمد " مشيرا إلا أن تبعة الوضع قد تناط به
وهذا يمثل تذبذبا من الذهبي في إلقائه التبعة على العشاري وما بمثل هذه التذبذبات ترد توثيقات الأئمة لمثل العشاري الإمام والمحدث المكثر
وقد أورد نفس الرواية الإمام ابن الجوزي في العلل المتناهية من طريق العشاري أبي طالب العشاري قال اخبرنا ابن شاهين قال نا عبد الله بن سليمان قال حدثنا اسحاق بن ابراهيم شاذان قال حدثنا سعد بن الصلت قال نا هارون بن الجهم عن جعفر بن محمد عن ابيه عن علي بن ابي طالب قال :
أُتي رسول الله ( ص ) بسبعة من الاسارى فأمر عليا ان يضرب اعناقهم قال فهبط جبريل فقال يا محمد اضرب اعناق هؤلاء الستة ولا تضرب عنق هذا قال يا جبريل لم قال لانه كان حسن الخلق سمح الكف مطعما للطعام قال يا جبريل اشيء عنك او عن ربك قال ربي امرني بذلك
ثم قال ابن الجوزي :
" هذا حديث لا يصح وسعد وهارون مجهولان "
فنزه بهذا الإعلال الإمامَ العشاري وأبعده عن تبعة دخول الوضع من جهته .
وهارون بن الجهم لا يبعد أن يكون شيعيا فله رواية في كتبهم وهو بالإضافة إلا أنه غير معروف الحال فهو يخالف ويروي المنكرات
ذكره العقيلي في الضفاء وذكر أنه يخالف في حديثه وكذا الذهبي أورده في كتابه : " المغني في الضعفاء "
والناظر في رواياته لا يجد حرجا في اتهامه بهذا الحديث
أما سعد فهو قاض معروف لكنه لم يوثق في الرواية إلا من قبل ابن حبان وذكر أنه " ربما أغرب " لكنه لا يتهم
وعلى كل حال فالعشاري ثقة إمام لا يقارن بهارون ولا بسعد فلا وجه لاحتمال الذهبي
وأما جزء الاعتقاد الذي رواه فهو لم يتفرد به برمته
واعتمد غير واحد من السلف ما هو مثبت في هذه العقيدة كالموفق ابن قدامة في كتاب صفة العلو ص124 أو ذم التأويل , وابن أبي يعلى في الطبقات 1/283 , وابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية ص165 , والذهبي نفسه في السير 10/79
وقرئت على الإمام الحافظ ابن نصر الدمشقي كما نقله أحد الباحثين
وذكر جملة منها
أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الكرجي فِي كِتَابِهِ الَّذِي سَمَّاهُ " الْفُصُولُ فِي الْأُصُولِ عَنْ الْأَئِمَّةِ الْفُحُولِ إلْزَامًا لِذَوِي الْبِدَعِ وَالْفُضُولِ " وَكَانَ مِنْ أَئِمَّةِ الشَّافِعِيَّةِ ...
قَالَ وَذَكَرَ الشَّافِعِيُّ الْمُعْتَقَدَ بِالدَّلَائِلِ فَقَالَ " لِلَّهِ أَسْمَاءٌ وَصَفَاتٌ جَاءَ بِهَا كِتَابُهُ ؛ وَأَخْبَرَ بِهَا نَبِيُّهُ أُمَّتَهُ ؛ لَا يَسَعُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِ اللَّهِ قَامَتْ عَلَيْهِ الْحُجَّةُ رَدُّهَا - إلَى أَنْ قَالَ - نَحْوَ إخْبَارِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ إيَّانَا أَنَّهُ سَمِيعٌ بَصِيرٌ وَأَنَّ لَهُ يَدَيْنِ لِقَوْلِهِ : { بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ } وَأَنَّ لَهُ يَمِينًا بِقَوْلِهِ : { وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ } وَأَنَّ لَهُ وَجْهًا لِقَوْلِهِ : { كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إلَّا وَجْهَهُ } وَقَوْلُهُ : { وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ } وَأَنَّ لَهُ قَدَمًا لِقَوْلِهِ : { حَتَّى يَضَعَ الرَّبُّ فِيهَا قَدَمَهُ } يَعْنِي جَهَنَّمَ . وَأَنَّهُ يَضْحَكُ مِنْ عَبْدِهِ الْمُؤْمِنِ { لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلَّذِي قُتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ : إنَّهُ لَقِيَ اللَّهَ وَهُوَ يَضْحَكُ إلَيْهِ } وَأَنَّهُ يَهْبِطُ كُلَّ لَيْلَةٍ إلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا لِخَبَرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ وَأَنَّهُ لَيْسَ بِأَعْوَرَ { لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذْ ذَكَرَ الدَّجَّالَ فَقَالَ : إنَّهُ أَعْوَرُ وَإِنَّ رَبَّكُمْ لَيْسَ بِأَعْوَرَ } وَأَنَّ الْمُؤْمِنِينَ يَرَوْنَ رَبَّهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِأَبْصَارِهِمْ كَمَا يَرَوْنَ الْقَمَرَ لَيْلَةَ الْبَدْرِ وَأَنَّ لَهُ إصْبَعًا لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَا مِنْ قَلْبٍ إلَّا وَهُوَ بَيْنَ إصْبَعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ } .
قَالَ : " وَسِوَى مَا نَقَلَهُ الشَّافِعِيُّ أَحَادِيثُ جَاءَتْ فِي الصِّحَاحِ وَالْمَسَانِيدِ وَتَلَقَّتْهَا الْأُمَّةُ بِالْقَبُولِ وَالتَّصْدِيقِ
عن مجموع الفتاوى
ونقل طرفا منها مختصرا عن ابن أبي حاتم الإمام ابن القيم في الاجتماع
وطرف منها مقارب جاء من طريق الهكاري
ما أظن صادقا يطلع على كل هذا العرض لكلام الأئمة ثم يجعل من هذه الرواية مصدر طعن على العشاري الذي تتابع الأئمة على توثيقه
وخاصة من تلميذه الآخذ عنه والمعاصر له والأعلم من بين كل من تكلم عن حاله وهو الخطيب
فسامح الله الذهبي لم يتكلم بحجة وله في هذه الناحية أخطاء فهو يشكك في صحة بعض الكتب بنحو هذه الاحتمالات التي لم يسبق إليها ولا يوافقه عليها غيره ولا يقبلها باحث مؤصل منصف
ومن هذا ما ذكره في السير عن كتاب الرد على الجهمية للإمام أحمد فإنه قد عنه :
" ولا كالرد على الجهمية الموضوع على أبي عبد الله (1)، فإن الرجل كان تقيا ورعا لايتفوه بمثل ذلك ، ولعله قاله "
فانظر كيف جزم بوضع الكتاب وفي آخر العبارة نفسها نقض هذا الجزم وقال بإمكانية صحة الكتاب عندما قال : ولعله قاله
ثم في نفس الكتاب ( السير ) نقل عن ابن الجوزي أن أحمد كتب الكتاب وأقره بعدم اعتراضه
بل في كتابه تاريخ الإسلام عند ترجمته للامام احمد بن حنبل نقل طرفا من كتاب الرد على الجهمية معتمدا له ونقَل نقْل المحتج
ومثال آخر : محمد بن علي بن سهل
اتهمه الذهبي بوضع حديث ثم في نفس المقام احتمل أنه أدخل عليه
مع أن في نفس إسناد الحديث الذي اتهمه به رجل متهم بالوضع وآخر متروك وهو أصبغ بينما محمد بن علي بن سهل فيه بعض الضعف وهو
وهو شيخ ابن عدي قال عنه ابن عدي
" وله غير هذا من الحديث ما كتبناه عنه مستقيمة وسألت عنه بمرو فأثنوا عليه خيرا وأرجو أن لا بأس به "
فصنيع الإمام الذهبي لايستقيم في أصول هذا الباب
وفي حق راو آخر نقل الذهبي عن ابن النجار اتهامه بالوضع وبين الحافظ خطأ الذهبي في العبارة وأنه نقل ما نقله دون أن يقف على كلام ابن النجار
وكل هذا بصراحة يوجب عدم اعتبار ما يذكره الذهبي مما لم يسبق إليه في مثل هذه المسائل وخاصة عندما يكون كلامه مخالفا لمن سبقه فضلا عن أنه لم يسبق إليه
وفي الرواية السابقة ذكر الإمام الذهبي بمجرد الظن ما خالف به من
سبقه بما لم يسبق إليه وعليه فالعشاري ثقة إمام بلا إشكال
مع أننا لو سلمنا ببعض ما قاله الذهبي في العشاري من أنه أدخل عليه حديث أو اثنان فهذا لا يمنع من قبول رواياته في الأصل فكم من إمام وُصف ببعض هذا ولم يكن ذلك مانعا من قبول رواياته
فهذا الحافظ ابن أبي عمر العدني صاحب المسند قال أبو حاتم عن زيادة رواها : «وكان بشر بن السري ثبتاً، فليته أن لا يكون أُدخِل على ابن أبي عمر» ومع أنه كان فيه نوع غفلة ومع هذا لم ترد رواياته
وكذا أحمد بن المفضل ، وأحمد بن عبد الرحمن بن وهب وعبد العزيز بن معاوية ، ومحمد بن عبد الله بن المثنى ، وأحمد بن سعيد الهمداني
وأحمد بن محمد بن السندي، وأبو الفوارس بن الصابونى المصرى .
فكيف والعشاري لم يثبت أنه أدخلت من جهته روايات موضوعة
ثم الذين يحاولون استغلال كلام الذهبي الخاطئ ويضعفون بسببه بعض مرويات العشاري العقدية التي تخالف عقائدهم هم قد فتحوا بابا خطيرا على أنفسهم فهو نفسه الإمام العشاري قد روى كتبا علمية كثيرة يعتمدها هذا المخالف نفسه فهو قد روى :
ذكر أسماء التابعين ومن بعدهم للدارقطني ، والترغيب لابن شاهين والإلزامات والتتبع للدارقطني ، وجزء من حدث ونسي للدارقطني والعيدين لابن أبي الدنيا ، والعزاء لابن أبي الدنيا وفضل الصدقة بل جملة كبيرة من كتب ابن أبي الدنيا والعرش لابن أبي شيبة والأحاديث التي خولف فيها مالك ، وجملة من المصنفات الأخرى
فاربعوا على أنفسكم ياقوم وما هكذا تورد الإبل !!
والغريب أن الجزء الذي رواه عن الشافعي في الاعتقاد خصومنا أنفسهم في روايات مماثلة لكلام الشافعي في بعض الكتب الثابتة لا نجدهم يستنكرون الكلام لأنه ثابت واستنكارهم يكشف حقيقتهم فيقولون مخاصمة لنا نحن لا ننكره والمراد منه التفويض بينما هنا والكلام نحوه يصفونه بالتجسيم و يسبون لأجله العشاري ويضللونه
فسبحان الخلاق العليم !!!
ومن كل ما تقدم يتبين لك صحة الأبيات عن الدارقطني وقد عزا القول بمقتضاها للدارقطني الشّهاب الخفاجيّ في حاشيته على «الشّفا»
وقد ذكر قول الدارقطني هذا كثير من المفسّرين عند قوله ـ تعالى ـ : ?عسى أن يبعثك ربّك مقامًا محمودًا?؛ فممّن ذكره في تفسيره: الإمام أبو جعفر ابن جرير الطّبريّ في تفسيره «جامع البيان»، ومنهم: الإمام الشّيخ علي البغداديّ ـ المعروف بالخازن ـ ، ومنهم: الإمام الحافظ جلال الدّين السّيوطيّ في تفسيره «الدّر المنثور في التّفسير بالمأثور»،
ـ الإمام يحيى بن عمار السجزي رحمه اللّه تعالى
قال في رسالته التي في السنة :
" بل نقول هو بذاته على العرش، وعلمه محيط بكل شيء، وسمعه وبصره وقدرته مدركة لكل شيء، وهو معنى قول اللّه تعالى: " وهو معكم " ا.هـ
قال ابن القيم : " ورسالته موجودة مشهورة "
نقله عن يحيى الإمام التيمي في الحجة في بيان المحجة ج2/ص109 وابن القيم في اجتماع الجيوش ص (279)
وهذا إثبات صريح للمعنى
ـ ع الإمام الخطابي
قال البيهقي رحمه الله :
" قال أبو سليمان الخطابي فيما أخبرت عنه : الحنان معناه ذو الرحمة والعطف ، والحنان مخففا الرحمة " ا.هـ
وقال البيهقي شارحا أسماء الله :
" وَمِنْهَا الْجَمِيلُ.
... وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ : الْجَمِيلُ هُوَ الْمُجَمِّلُ الْمُحَسِّنُ ، فَعِيلٌ بِمَعْنَى مُفَعِّلٍ ، وَقَدْ يَكُونُ الْجَمِيلُ مَعْنَاهُ ذُو النُّورِ وَالْبَهْجَةِ ، وَقَدْ رُوِيَ فِي الْحَدِيثِ إِنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ " ا.هـ
مع أن البيهقي حاول أن يؤول عبارة الخطابي بما يوافق مذهبه !!
بالله ألم يقل النبي عن الله : " جميل " في مقام الجواب عمن سأل عن الحسن والجمال المعروف ؟ ألا يكون لوصفه بهذا في سياق كهذا أي معنى ؟
وهل فهم الصحابي جواب النبي ؟
وإذا علمت أن الجهمية الذين كانوا يعذبون الإمام أحمد كانوا ينكرون صفة الجمال كما سأبينه في فرصة لاحقة تبين لك أن إثبات الجمال وتحقيق معناه بالبهجة والنور هو من الإثبات الصريح للمعنى
وإن كان الخطابي صاحب اضطراب في الصفات لكني ذكرت كلامه من باب الاعتراف وهكذا من أذكرهم ممن يحسبون على الأشاعرة أذكر كلامهم من باب اعترافهم
ـ ع الإمام الثعلبي
قال الإمام الثعلبي في تفسيره المسمى بالكشف والبيان :
" وتعلقت الجهمية والمعتزلة بهذه الآية ، استدلوا منها على إن الله بكل مكان ، قالوا : لمّا قال ( وَهُوَ مَعَهُمْ ) ثبت إنه بكل مكان لأنه قد اثبت كونه معهم وقال لهم حق قوله وهو معهم إنه يعلم ما يقولون ولا يخفى عليه فعلهم لأنه العالم بما يظهره الخلق وبما يستره ، وليس في قوله وهو معهم ما يوجب إنه بكل مكان لأنه قال ( أأمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الأرْضَ ) ولم يرد قوله إنه في السماء يَعني غير الذات لأن القول : أنّ زيداً في موضع كذا من غير أن يعتد بذكر فعل أو شيء من الأشياء لايكون إلاّ بالذات ، وقال تعالى ( إليه يصعد الكلم الطيب ) وقال : ) يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ( فأخبر أنه ( يرفع ) الأشياء من السماء ولا يجوز أن يكون معهم بذاته ثم يدبر الأمر من السماء وإليه يصعد الكلم الطيب " ا.هـ
ولم يثبت الثعلبي في مواطن أخرى من كتابه على هذا القول ، لكن هذا الكلام منه يمثل اعترافا مهما باعتباره متأثرا بالأشاعرة .
ـ الإمام أبو نصر الوائلي السجزي ت 444 هـ
قال رحمه الله في كتابه الإبانة :
" وأئمتنا كالثوري. ومالك. وابن عيينة. وحماد بن زيد. والفضيل وأحمد. وإسحاق متفقون على أن اللّه فوق العرش بذاته، وأن علمه بكل مكان " ا.هـ
وقوله : بذاته كافٍ في إثبات المراد
وعن كتابه الإبانة نقله الذهبي في العلو 248 ، وابن القيم في اجتماع الجيوش .
ـ الإمام الحافظ أبو عمرو ابن عبد البر رحمه الله ت 463 هـ
قال في كتابه التمهيد بعد ذكره لحديث الجارية :
" معاني هذا الحديث واضحة يستغنى عن الكلام فيها ، وأما قوله : " أين الله ؟ فقالت في السماء " فعلى هذا أهل الحق لقول الله عز و جل : ( آمنتم من في السماء ) ولقوله : ( إليه يصعد الكلم الطيب ) ولقوله : ( تعرج الملائكة والروح إليه ) ومثل هذا في القرآن كثير قد أتينا عليه في باب ابن شهاب في حديث النزول .
وفيه رد على المعتزلة وبيان لتأويل قول الله عز و جل : ( الرحمان على العرش استوى ) ولم يزل المسلمون في كل زمان إذا دهمهم أمر وكربهم غم يرفعون وجوههم وأيديهم إلى السماء رغبة إلى الله عز و جل في الكف عنهم " ا.هـ
وبنحوه في الاستذكار
وقال ابن عبد البر في الاستذكار عن حديث النزول :
" وفي هذا الحديث دليل على أن الله عز و جل في السماء على العرش من فوق سبع سماوات وعلمه في كل مكان كما قالت الجماعة أهل السنة أهل الفقه والأثر
وحجتهم ظواهر القرآن في قوله ( الرحمن على العرش استوى )
كما قال ( لتستوا على ظهوره )
وقوله ( واستوت على الجودى ) و ( استويت أنت ومن معك على الفلك )
قال الله عز و جل ( ثم استوى على العرش ما لكم من دونه من ولي ) وقال ( ثم استوى إلى السماء وهي دخان )
( فأوردتهم ماء بفيفاء قفره ... وقد حلق النجم اليماني فاستوى )
وقال عز و جل ( ءأمنتم من في السماء ) على السماء
كما قال ( في جذوع النخل ) أي عليها
وقال ( يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه )
وقال ( ذى المعارج ) والعروج الصعود
وهذه الآيات كلها واضحات في إبطال قول المعتزلة وقد أوضحنا فساد ما ادعوه من المجاز فيها في التمهيد وذكرنا الحجة عليهم بما حضرنا من الأثر من وجوه النظر هناك بباب فيه كتاب مفرد والحمد لله .
ومحال أن يكون من قال عن الله ما هو في كتابه منصوص مشبها إذا لم يكيف شيئا وأقر أنه ليس كمثله شيء
ومن الحجة فيما ذهبت إليه الجماعة أن الموحدين من العرب والعجم إذا كربهم أمر أو دهمهم غمر أو نزلت بهم شدة رفعوا أيديهم إلى السماء يستغيثون ربهم ليكشف ما نزل بهم ولا يشيرون بشيء من ذلك إلى الأرض
ولولا أن موسى ( عليه السلام ) قال لهم إلهي في السماء ما قال فرعون ( يهمن بن لى صرحا لعلى أبلغ الأسبب أسبب السموت فأطلع إلى إله موسى ) " ا.هـ
وقال ابن عبد البر عن التجلي وهو صفة لله :
" وفي قول الله عز و جل : ( فلما تجلى ربه للجبل ) دلالة واضحة أنه لم يكن قبل ذلك متجليا للجبل وفي ذلك ما يفسر معنى حديث التنزيل ومن أراد أن يقف على أقاويل العلماء في قوله عز و جل فلما تجلى ربه للجبل فلينظر في تفسير بقي بن مخلد ومحمد بن جرير وليقف على ما ذكرا من ذاك ففيما ذكرا منه كفاية وبالله العصمة والتوفيق " ا.هـ
وقال في التمهيد :
" وأما احتجاجهم لو كان في مكان لأشبه المخلوقات لأن ما أحاطت به الأمكنة واحتوته مخلوق !!
فشيء لا يلزم ولا معنى له لأنه عز و جل ليس كمثله شيء من خلقه ولا يقاس بشيء من بريته لا يدرك بقياس ولا يقاس بالناس لا إله إلا هو كان قبل كل شيء ثم خلق الأمكنة والسموات والأرض وما بينهما وهو الباقي بعد كل شيء وخالق كل شيء لا شريك له وقد قال المسلمون وكل ذي عقل أنه لا يعقل كائن لا في مكان منا وما ليس في مكان فهو عدم " ا.هـ
ثم قال :
" فإن قيل : فهل يجوز عندك أن ينتقل من لا مكان في الأزل إلى مكان قيل له أما الإنتقال وتغير الحال فلا سبيل إلى إطلاق ذلك عليه لأن كونه في الأزل لا يوجب مكانا وكذلك نقله لا يوجب مكانا وليس في ذلك كالخلق لأن كون ما كونه يوجب مكانا من الخلق ونقلته توجب مكانا ويصير منتقلا من مكان إلى مكان والله عز و جل ليس كذلك لأنه في الأزل غير كائن في مكان وكذلك نقلته لا توجب مكانا وهذا ما لا تقدر العقول على دفعه ولكنا نقول استوى من لا مكان إلى مكان ولا نقول انتقل وإن كان المعنى في ذلك واحدا ألا ترى أنا نقول له العرش ولا نقول له سرير ومعناهما واحد ونقول هو الحكيم ولا نقول هو العاقل ونقول خليل إبراهيم ولا نقول صديق إبراهيم وإن كان المعنى في ذلك كله واحدا لا نسميه ولا نصفه ولا نطلق عليه إلا ما سمى به نفسه على ما تقدم ذكرنا له من وصفه لنفسه لا شريك له ولا ندفع ما وصف به نفسه لأنه دفع للقرآن " ا.هـ
ـ الإمام الحافظ أبو عبد الله محمد بن إسحاق بن مندة
قال في كتاب الرد على الجهمية :
" ذكر ما يستدل به من كلام النبي صلى الله عليه و سلم على أن الله جل وعز خلق آدم عليه السلام بيدين حقيقة " ا.هـ
وإثبات اليدين على الحقيقة يضاد التفويض
وقال رحمه الله في الرد على الجهمية :
" ومعنى وجه الله عز و جل ها هنا على وجهين :
أحدهما وجه حقيقة والآخر بمعنى الثواب .
فأما الذي هو بمعنى الوجه في الحقيقة ما جاء عن النبي صلى الله عليه و سلم في حديث أبي موسى وصهيب وغيرهم مما ذكروا فيه الوجه وسؤال النبي صلى الله عليه و سلم بوجهه جل وعز واستعاذته بوجه الله وسؤاله النظر إلى وجهه جل وعز وقوله صلى الله عليه و سلم لا يسأل بوجه الله وقوله أضاءت السماوات بنور وجه الله وإذا رضي عز و جل عن قوم أقبل عليهم بوجهه جل وعز وكذلك قول الله جل وعز إلى ربها ناظرة القيامة وقول الأئمة بمعنى إلى الوجه حقيقة الذي وعد الله جل وعز ورسوله الأولياء وبشر به المؤمنين بأن ينظروا إلى وجه ربهم عز و جل
واما الذي هو بمعنى الثواب فكقول الله عز و جل إنما نطعمكم لوجه الله الإنسان وقوله جل وعز ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه الأنعام وما أشبه ذلك في القرآن وقول النبي صلى الله عليه و سلم ما قائل يلتمس وجه الله وما أشبه ذلك مما جاء عن النبي صلى الله عليه و سلم فهو على معنى الثواب " ا.هـ
فالوجه من الصفات الخبرية وقد أثبته الإمام على الحقيقة
وقال ابن مندة في التوحيد :
" ومن أسمائه الرحيم قال أهل التأويل معناه : البالغ في الرحمة أرحم الراحمين ، الرفيق الرقيق " ا.هـ
شرح الرحمة بالرفق والرقة هو من إثبات المعنى وسواء أصاب ابن مندة في تعبيره عن معنى الرحمة أم لا فهو بما ذكره قد بين أنه يثبت معاني الصفات الخبرية ولا يفوضها لأن الرحمة من الصفات الخبرية
وقال :
" معنى الودود : [ ذو ] الحب الشديد لأوليائه " ا.هـ
فهذا إثبات صريح للمعنى .
الإمام أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد بن عمر بن شاقلا البزار ت 369 هـ
قال الإمام أبو إسحاق ابن شاقلا البزار في مناظرته مع أحد الأشاعرة والتي حكاها بنفسه فقال فيها :
" ثم قلت له :
هذه الأحاديث [ يعني أحاديث الصفات التي تؤولها الأشاعرة ] تلقاها العلماء بالقبول ، فليس لأحد أن يمنعها ولا يتأولها ولا يسقطها ، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لو كان لها معنى عنده غير ظاهرها لبينه ولكان الصحابة حين سمعوا ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم سألوه عن معنى غير ظاهرها ، فلما سكتوا وجب علينا أن نسكت حيث سكتوا ونقبل طوعاً ما قبلوا.
فقال لي : أنتم المشبهة !!
فقلت : حاشا لله ، المشبه الذي يقول : وجه كوجهي ويد كيدي فأما نحن فنقول : له وجه كما أثبت لنفسه وجها وله يد كما أثبت لنفسه يداً وليس كمثله شئ وهو السميع البصير ومن قال هذا فقد سلم " ا.هـ
فكلامه صريح بأن لها معنى مثبت وهو ظاهرها ، وتفسيره لمفهوم التشبيه موضح لمراده أيضا .
وباقي مناظرته دالة على هذا بوضوح
نقلها ابن أبي يعلى في طبقات الحنابلة قال :
" قرأت بخط الوالد السعيد قال: نقلت من خط أبي بكر بن [ شكا أو شكاثا ] قال: أخبرنا أبو إسحاق بن شاقلا قراءة عليه قال : ... " ا.هـ
ـ الإمام أبو نعيم الأصبهاني -صاحب "الحلية"- ت 430 هـ
قال أبو نعيم في عقيدته :
" وإن اللّه استوى على عرشه بلا كيف ولا تشبيه ولا تأويل، فالإستواء معقول، والكيف مجهول، وأنه سبحانه بائن من خلقه وخلقه بائنون منه بلا حلول ولا ممازجة ولا اختلاط ولا ملاصقة، لأنه البائن الفرد من الخلق، والواحد الغني عن الخلق " ا.هـ
من رسالته في العقيدة نقله الذهبي في العلو له ص243 وكذا نقله غيره .
لو أراد علو المرتبة لما احتاج أن يقول من غير تكييف ولا أن يقول بائن من خلقه ولا أن يقول دون أرضه وخلقه فمراده ظاهر وواضح
وقوله عن الاستواء " معقول " دل على أنه أراد أن معناه معروف غير مجهول
ـ الإمام القاضي أبو يعلى
وقد فسر القاضي حديث إن الله جميل يحب الجمال فقال :
" غير ممتنع وصفه بالجمال ، وإن ذلك صفة راجعة إلى الذات ، لأن الجمال في معنى الحسن ، قال : وقد تقدم قوله : رأيت ربي في أحسن صورة " ا.هـ
فانظر إلى هذا الإثبات فقد بين معنى الجمال وأنه الحسْن وأثبت أنه ذاتي وكل هذا تنفيه الأشاعرة ، بل عند الأشاعرة ومن وافقهم هو من التشبيه
وعن حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن الله يدني عبده المؤمن فيضع عليه كنفه ويقول أتعرف ذنب كذا " .
قال القاضي أبو يعلى : " يدنيه من ذاته "
وقال عن المقام المحمود :
" يقعد نبيه على عرشه بمعنى يدنيه من ذاته ويقربه منها "
نقلهما ابن الجوزي في دفع شبه التشبيه
وله كلام في الإثبات معروف والرجل عنده اضطراب
ـ الإمام أبو عمرو عثمان بن أبي الحسن بن الحسين السهروردي الشافعي
وهو من أقران البيهقي وأبي عثمان الصابوني وطبقتهما قال في كتاب له في أصول الدين :
" وَدعاني إلى جمع هذا المختصر في اعتقاد السنة على مذهب الشافعي وأصحاب الحديث، إذ هم أمراء العلم، وأئمة الإسلام قول النبي صلى الله عليه وسلم تكون البدع في آخر الزمان محنة، فإذا كان كذلك فمن كان عنده علم فليظهره، فإن: كاتم العلم يومئذ ككاتم ما أنزل الله على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم "
ثم ساق الكلام في الصفات إلى أن قال:
" فصل :
من صفاته تبارك وتعالى فوقيته واستواؤه على عرشه بذاته، كما وصف نفسه في كتابه، وعلى لسان رسوله لله صلى الله عليه وسلم بلا كيف.
ودليله قوله تعالى: " الرَّحْمنُ عَلى العَرْش اسْتَوَى " سورة طه " ا.هـ
وساق آيات العلو
نقله من كتابه ابن القيم في الاجتماع
ـ الإمام الكبير أبو إسماعيل عبد الله بن محمد الأنصاري الهروي ت 485 هـ
قال في كتاب الصفات له :
" باب إثبات إستواء الله على عرشه فوق السماء السابعة بائنا من خلقه من الكتاب والسنة ...
فساق حجته من الآيات والحديث ثم قال :
" وفي أخبار شتى أن الله في السماء السابعة على العرش بنفسه وهو ينظر كيف تعملون " ا.هـ
وهو صاحب كتاب منازل السائرين، والفاروق. وذم الكلام. وغيره صرّح في كتابه بلفظ الذات في العلو، وأنه استوى بذاته على عرشه قال : ولم تزل أئمة السلف تصرح بذلك .
وقال الهروي في الأربعين :
" باب إثبات الجهات لله عز و جل :
... عمرو بن دينار قال أخبرني عمرو بن أوس أنه سمع عبدالله بن عمرو رضي الله عنه يقول
قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ان المقسطين على منابر من نور عن يمين الرحمن عز و جل وكلتا يديه يمين
وقال في كتابه المنازل :
" الدرجة الثانية :
إجراء الخبر على ظاهره وهو أن تبقى أعلام توحيد العامة الخبرية على ظواهرها ولا يتحمل البحث عنها تعسفا ولا يتكلف لها تأويلا ولا يتجاوز ظواهرها تمثيلا ولا يدعي عليها إدراكا أو توهما " ا.هـ
ع ـ الحسين بن أحمد الأشعري المتكلم صاحب الجامع الكبير، والصغير في أصول الدين .
قال في جامعه الصغير :
" فإن قيل: ما الدليل على أن اللّه تعالى على العرش بذاته؟ قلنا: قوله تعالى: " ثمّ اسْتَوى على العَرْش الرّحمن " سورة الفرقان " ا.هـ
نقله ابن القيم في الاجتماع ص (303)
ـ إمام الشافعية في وقته سعد بن علي الزنجاني
صرّح بفوقية بالذات وهو إمام في السنة له قصيدة معروفة أولها :
تمَسّكْ بحبْل اللَّهِ واتَّبِع الأثَرَ ... ودَعْ عَنكَ رأياً لا يلائمه خبَر
وقال في شرح هذه القصيدة:
" والصواب عند أهل الحق أن الله تعالى خلق السموات والأرض، وكان عرشه على الماء مخلوقاً قبل خلق السموات والأرض، ثم استوى على العرش بعد خلق السموات والأرض على ما ورد به النص، ونطق به القرآن، وليس معنى استوائه أنه مَلَكه واستولى عليه، لأنه كان مستولياً عليه قبل ذلك، ... ولكنه مستو بذاته على عرشه بلا كيف كما أخبر عن نفسه.
وقد أجمع المسلمون على أن الله هو العلي الأعلى، ونطق بذلك القرآن بقوله تعالى: " سبِّح اسْمَ ربِّك الأعلى " سورة الأعلى آية 1. وأن لله علو الغلبة، والعلو الأعلى من سائر وجوه العلو، لأن العلو صفة مدح عند كل عاقل، فثبت بذلك أن للّه علو الذات، وعلو الصفات، وعلو القهر والغلبة " ا.هـ
نقله الإمام التيمي في كتابه الحجة وتقدم عزوه
ــ الإمام إسماعيل بن محمد التيمي الأصبهاني 537 هـ
قال رحمه الله وقد سئل عن صفات الرب فقال :
" مذهب مالك والثوري والأوزاعي والشافعي وحماد ابن سلمة وحماد بن زيد وأحمد ويحيى بن سعيد القطان وعبد الرحمن بن مهدي وإسحاق بن راهويه أن صفات الله التي وصف بها نفسه ووصفه بها رسوله من السمع والبصر والوجه واليدين وسائر أوصافه إنما هي على ظاهرها المعروف المشهور من غير كيف يتوهم فيها ولا تشبيه ولا تأويل قال ابن عيينة كل شيء وصف الله به نفسه فقراءته تفسيره
قال الأصبهاني : أي هو هو على ظاهره لا يجوز صرفه إلى المجاز بنوع من التأويل " ا.هـ
وذكر التيمي الأصبهاني حديث جابر ( كفاحا ) ثم قال كما في كتابه الحجة في بيان المحجة :
" قال أهل اللغة : كفاحاً ، أي مواجهة ليس بين وبينه الحجاب
فكلمه كفاحاً ، فقال له عبدي تمن علي ، فقال : تردني إلى الدنيا فأقاتل في سبيلك فأقتل مرة أخرى ، فقال : إني قضيت أنهم إليها لا يرجعون ' . قال أهل اللغة : كفاحاً أي مقابلة . قال صاحب الغربيين : كفاحاً أي مواجهة ، ليس بينه الحجاب . الحجة
وقال الإمام التيمي الأصبهاني في كتابه الحجة ج2/ص117 :
" وعند المسلمين أن لله عز وجل علو الغلبة والعلو من سائر وجوه العلو لأن العلو صفة مدح فثبت أن لله تعالى علو الذات وعلو الصفات وعلو القهر والغلبة " ا.هـ
فهذا منه صريح في إثبات علو الذات
وكان يثبت النزول لله على أنه نزول بذاته
قال ابن رجب في ترجمة أبي القاسم عبد الرحمن بن مندة مدافعا عنه :
" وهذا ليس بقادح- إن صح- فإن الأنصاري والتيمي وأَمثالهما يقدحون بأدنى شيء ينكرونه من مواضع النزاع، كما هجر التيميُّ عبدَ الجليل الحافظَ كُوتاه على قوله: "ينزل بالذات" وهو في الحقيقة يُوافقه على اعتقاده، لكن أنكر إطلاقَ اللفظ لعدم الأثر به " ا.هـ
ذيل طبقات الحنابلة
وقال الحافظ ابن رجب في الفتح عن طائفة من أهل الحديث المثبتين لنزول الله :
" وهؤلاء ؛ منهم من يقول : ينزل بذاته ، كابن حامد من أصحابنا .
وقد كان الحافظ إسماعيل من التميمي الأصبهاني الشافعي يقول بذلك ، وجرى بينه وبين طائفة من أهل الحديث بسببه فتنة وخصام .
قال الحافظ أبو موسى المديني : كان من اعتقاد الإمام إسماعيل أن نزول الله تعالى بالذات ، وهو مشهور من مذهبه ؛ لكنه تكلم في حديث نعيم بن حماد الذي رواه بإسناده في النزول بالذات . قالَ : وهو إسناد مدخول ، وفيه مقال ، وفي بعض رواته مطعن ، ولا تقع بمثله الحجة ، فلا يجوز نسبة قوله إلى رسول الله "
وقال الإمام إسماعيل عن حديث يضع عليه كنفه :
" لم أر أحداً فسَّرَه ؛ إلا إن كان معناه : يستره من الخلق ، وقيل في رواية : يستره بيده. وكنفا الإنسان : ناحيتاه ، ومن الطائر : جناحاه "
نقله أبو موسى المديني في " المجموع المغيث " (3/78)
ـ عبد الجليل كوتاه
وقد سبق أنه كان يقول بنزول الذات
ـ الإمام عبد القادر الجيلاني
قال في الغنية له :
" وهو بجهة العلو مستو على العرش، محتو على الملك، محيط علمه بالأشياء، {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} ، {يُدَبِّرُ الأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ} ، ولا يجوز وصفه بأنه في كل مكان، بل يقال إنه في السماء على العرش كما قال {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} ...وينبغي إطلاق صفة الاستواء من غير تأويل ... وأنه استواء الذات على العرش، وكونه سبحانه وتعالى على العرش مذكور في كل كتاب أنزل على كل نبي أرسل بلا كيف" ا.هـ
الغنية له ص 54 ـ 57 طبعة الحلبي ونقله عن الجيلاني جمع من أهل العلم
فهو قد عبر بالجهة وبين الاستواء بالذات وهذا إثبات صريح المعنى
قال عبد القادر الجيلاني في كتابه تحفة المتقين وسبيل العارفين :
" باب اختلاف المذاهب في صفات اللّه عز وجل، وفي ذكر اختلاف الناس في الوقف عند قوله: " وما يعْلمُ تأويلُه إلاَّ اللَّهُ " سورة آل عمران آية 7.
قال : واللّه تعالى بذاته على العرش علمه محيط بكل مكان، والوقف عند أهل الحق على قوله: " إلا الله " . وقد روي ذلك عن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا الوقف حسن لمن اعتقد أن الله بذاته على العرش، ويعلم ما في السموات والأرض.
إلى أن قال: ووقف جماعة من منكري استواء الرب عز وجل على قوله: " الرَّحْمنُ على العرش " سورة طه آية5 . وابتدأوا بقوله: " استوى له ما في السموات وما في الأرض " يريدون بذلك نفي الاستواء الذي وصف به نفسه، وهذا خطأ منهم، لأن الله تعالى استوى على العرش بذاته " ا.هـ
نقله ابن القيم وغيره
ـ سيبويه عمر بن قنبر
قال سيبويه :
" ومن أدل الدليل على الفرق بين الكلام والقول إجماع الناس على أن يقولوا: القرآن كلام الله، ولا يقال: القرآن قول الله، وذلك أن هذا موضع ضيق متحجر، لا يمكن تحريفه، ولا يسوغ تبديل شيء من حروفه ، فعبر لذلك عنه بالكلام الذي لا يكون إلا أصواتاً تامة مفيدة،
ا.هـ
نقله عن سيبويه جماعة من اللغويين في معاجمهم .
وهذا إثبات للصوت من معنى النصوص لا منطوقها .
- ع الإمام المفسر القرطبي :
قال في تفسيره :
" وَقَدْ كَانَ السَّلَف الْأَوَّل رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ لَا يَقُولُونَ بِنَفْيِ الْجِهَة وَلَا يَنْطِقُونَ بِذَلِكَ , بَلْ نَطَقُوا هُمْ وَالْكَافَّة بِإِثْبَاتِهَا لِلَّهِ تَعَالَى كَمَا نَطَقَ كِتَابه وَأَخْبَرَتْ رُسُله . وَلَمْ يُنْكِر أَحَد مِنْ السَّلَف الصَّالِح أَنَّهُ اِسْتَوَى عَلَى عَرْشه حَقِيقَة . وَخُصَّ الْعَرْش بِذَلِكَ لِأَنَّهُ أَعْظَم مَخْلُوقَاته , وَإِنَّمَا جَهِلُوا كَيْفِيَّة الِاسْتِوَاء فَإِنَّهُ لَا تُعْلَم حَقِيقَته . قَالَ مَالِك رَحِمَهُ اللَّه : الِاسْتِوَاء مَعْلُوم - يَعْنِي فِي اللُّغَة - وَالْكَيْفَ مَجْهُول , وَالسُّؤَال عَنْ هَذَا بِدْعَة . وَكَذَا قَالَتْ أُمّ سَلَمَة رَضِيَ اللَّه عَنْهَا.
وقال القرطبي في كتابه الأسنى شرح
" وأظهر هذه الأقوال -وإن كنت لا أقول به ولا أختاره- (!!!!) ما تظاهرت به الآي والأخبار إن الله سبحانه على عرشه كما أخبر في كتابه وعلى لسان نبيه بلا كيف بائن من جميع خلقه هذا جملة مذهب السلف الصالح فيما نقل عنهم الثقات حسب ماتقدم " ا.هـ
ونقله عنه العلامة مرعي الحنبلي وتعجب من اعترافه وعدم أخذه به
وقال القرطبي :
" ثم قال (فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا وخر موسى صعقا) وتجلى معناه ظاهر، من قولك: جلوت العروس أي أبرزتها.
وجلوت السيف أبرزته من الصدإ، جلاء فيهما.
وتجلى الشي انكشف.
وقيل: تجلى أمره وقدرته، قاله قطرب وغيره " ا.هـ
فانظر إلى إثباته صفة التجلي وهي صفة خبرية ولا يثبتها بمعناها الحقيقي عامة الأشاعرة وممن نص على تأويلها الباقلاني ويزعمون أنه يلزم منها التجسيم
فهنا القرطبي أثبتها بالصريح " وتجلى معناه ظاهر، من قولك: جلوت العروس أي أبرزتها ، وجلوت السيف أبرزته من الصدإ، جلاء فيهما ، وتجلى الشي انكشف "
هل هذا تفويض ؟!!
وفي تفسير القرطبي :
" وقال جمهور المفسرين : الحنان الشفقة والرحمة والمحبة، وهو فعل من أفعال النفس "
ـ العلامة أبو الحسن محمد بن عبد الملك الكرجي الشافعي
قال في عقيدته الشهيرة أولها :
محاسن جسمي بدلت بالمعائب ... وشيب فَوْدي شوب وصل الحبائب
وأفضل زاد للمعاد عقيدة ... على منهج في الصدق والصبر لاجب عقيدة أصحاب الحديث فقد سمت ... بأرباب دين الله أسنى المراتب
عقائدهم أن الإله بذاته ... على عرشه مع علمه بالغوائب
وأن استواء الرب يعقل كونه ... ويجهل فيه الكيف جهل الشهارب
وهذه القصيدة طويلة أزيد من مائتي بيت
وكان ناظمها الكرجي من كبار الفقهاء الشافعية مات سنة إثنين وثلاثين وخمسمائة
وعلى هذه القصيدة مكتوب بخط العلامة تقي الدين ابن الصلاح :
" هذه عقيدة أهل السنة وأصحاب الحديث " ا.هـ
وتُسمى عروس القصائد وشموس العقائد
قال ابن السمعاني :
"وله قصيدة بائية في السنة شرح فيها اعتقاده واعتقاد السلف تزيد على مائتي بيت قرأتها عليه في داره بالكرج " ا.هـ
ونقلها من خط ابن الصلاح الإمام الذهبي وشيخ الإسلام ابن تيمية وفيها البيت الذي هو محل الشاهد والقصيدة مشهورة
والإمام ابن الصلاح ثقة كبير وحافظ معروف .
ـ الامام الحافظ، أبو أحمد، محمد بن علي بن محمد القصاب الغازي المجاهد ت بعد سنة 360 هـ
قال رحمه الله في كتاب السنة له :
" كل صفة وصف الله بها نفسه، أو وصفه بها رسوله، فليست صفة مجاز، ولو كانت صفة مجاز لتحتم تأويلها، ولقيل: معنى البصر كذا، ومعنى السمع كذا، ولفسرت بغير السابق إلى الافهام، فلما كان مذهب السلف إقرارها بلا تأويل، علم أنها غير محمولة على المجاز، وإنما هي حق بين " ا.هـ
فالسابق للأفهام هو المراد في الصفات وهو حقيقتها لا مجازها
نقله الذهبي في السير ثم قال ناقلا ثناء الإمام أبي الحسن الكرجي :
وفي الكرج الغراء أوحد عصره * أبو أحمد [ القصاب ] غير مغالب تصانيفه تبدي فنون علومه * فلست ترى علما له غير شارب
ـ الإمام أبو موسى المديني
قال المديني في " المجموع المغيث " (2/400) :
" وفي حديث أبيٍّ في ذكر موسى حين سئل : أي الناس أعلم؟ قال : أنا " فعتب الله عليه " العتبُ : أدنى الغضب " ا.هـ .
وهذا منه رحمه الله إثباتٌ لهذه الصفة بمعناها ، وهو أدنى الغضب .
ـ الإمام الموفق ابن قدامة المقدسي
قال رحمه الله في معرض رده على ابن عقيل :
" فصل
وأما قوله في مسألة القرآن فالكلام فيها في فصلين أحدهما في الصوت الذي بدأ بإنكاره
فنقول ثبت أن موسى سمع كلام الله تبارك وتعالى منه بغير واسطة
فإنه لو سمعه من شجرة أو حجر أو ملك لكان بنو إسرائيل أفضل منه في ذلك لأنهم سمعوه من موسى نبي الله وهو أفضل من الشجرة والحجر
فلم سمي موسى إذا كليم الرحمن ولم قال الله تعالى يا موسى إني اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي وقال تعالى فلما أتاها نودي يا موسى إني أنا ربك ولا يقول له هذا إلا الله تعالى
وإذا ثبت هذا فالصوت ما سمع وما يتأتى سماعه
وقد جاء ذكر الصوت مصرحا به في الأخبار الواردة
قال عبد الله بن الإمام أحمد قلت لأبي يا أبه إن الجهمية يزعمون أن الله تعالى لا يتكلم بصوت ؟ فقال : كذبوا إنما يدورون على التعطيل
ثم قال : حدثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربي عن سليمان بن مهران الأعمش عن أبي الضحى عن مسروق عن عبد الله رضي الله عنه قال إذا تكلم الله بالوحي سمع صوته أهل السماء
قال السجزي : وما في رواة هذا الحديث إلا إمام مقبول وقد روي مرفوعا إلى رسول الله
وفي حديث عبد الله بن أنيس رضي الله عنه أن الله تعالى يناديهم يوم القيامه بصوت يسمعه من بعد كما يسمعه من قرب أنا الملك أنا الديان وهو حديث مشهور ا.هـ
ثم قال :
" ثم نقول بل الصوت هو ما يتأتى سماعه ، وهذا هو الحد الصحيح الذي يشهد له العرف ، فإن الصوت أبدا يوصف بالسماع
فتعلق السماع بالصوت كتعلق الرؤية بالمرئيات ثم ثبت بالخبر الصحيح إضافة الصوت إلى الله تبارك وتعالى
والنبي أعلم بالله تبارك وتعالى وأصدق من المتكلمين الذين لا علم لهم ولا دين ولا دينا ولا آخرة ، وإنما هم شر الخليقة الغالب عليهم الزندقة ، وقد ألقى الله تعالى مقتهم في قلوب عباده وبغضهم إليهم
ثم لو ثبت أن الصوت في المشاهدات يكون من اصطكاك الأجرام فلم يكون كذلك في صفات الله سبحانه وتعالى " ا.هـ
فانظر إلى هذا الإمام وقد أثبت الصوت بمعناه المعروف كما هو صريح قوله :
" ثم نقول بل الصوت هو ما يتأتى سماعه ، وهذا هو الحد الصحيح الذي يشهد له العرف "
فجعل للصوت المثبت حدا معروفا ويريد معنى معينا ، لا الحد الذي هو بمعنى الكيف
وهذا ما لا يصدر من مفوض
ولابن قدامة ورع في هذا الباب ونظرة يظن من لمسها عنه أنها تدل على تفويض
وفي مراجعة لاحقة سأفصل في موقفه بعض التفصيل فقد ضاق بي الوقت وأنا الآن على سفر
ـ حسّان السنّة في وقته الإمام يحيى بن يوسف الصرصري الأنصاري ت656 هـ
قال عنه ابن القيم :
" المتفق على قبوله، والذي سار شعره مسيرة الشمس في الآفاق، واتفق على قبوله الخاصُّ والعامُّ أيّ اتفاق، ولم يزل ينشد في المجامع العظام ولا ينكر عليه أحد من أهل الإسلام "
قال يحيى بن يوسف الأنصاري الصرصري ت656 هـ
" ومذهبُه في الاستواء كمالكٍ ... وكالسلف الأبرار أهل التفضلِ
ومستوياً بالذات من فوق عرشه ولا تقل استولى، فمَن قال يبطلِ
فذلك زنديقٌ يقابل قسوة لذي خطْلٍ راوي لعيب معطلِ
نقله ابن القيم في اجتماع الجيوش ص (316)
ـ العلامة ابن قيم الجوزية
قال ابن القيم في المدارج :
" فصل قال صاحب المنازل :
الدرجة الثانية : إجراء الخبر على ظاهره وهو أن تبقى أعلام توحيد العامة الخبرية على ظواهرها ولا يتحمل البحث عنها تعسفا ولا يتكلف لها تأويلا ولا يتجاوز ظواهرها...
قال العلامة ابن القيم :
يشير الشيخ رحمه الله وقدس روحه بذلك إلى أن حفظ حرمة نصوص الأسماء والصفات بإجراء أخبارها على ظواهرها وهو اعتقاد مفهومها المتبادر إلى أذهان العامة ولا يعني بالعامة الجهال بل عامة الأمة كما قال مالك رحمه الله وقد سئل عن قوله تعالى الرحمن على العرش استوى طه : 5 كيف استوى
فأطرق مالك حتى علاه الرحضاء ثم قال : الاستواء معلوم والكيف غير معقول والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة
ففرق بين المعنى المعلوم من هذه اللفظة وبين الكيف الذي لا يعقله البشر وهذا الجواب من مالك رضي الله عنه شاف عام في جميع مسائل الصفات
فمن سأل عن قوله : إنني معكما أسمع وأرى طه : 46 كيف يسمع ويرى أجيب بهذا الجواب بعينه فقيل له : السمع والبصر معلوم والكيف غير معقول
وكذلك من سأل عن العلم والحياة والقدرة والإرادة والنزول والغضب والرضى والرحمة والضحك وغير ذلك فمعانيها كلها مفهومة وأما كيفيتها : فغير معقولة إذ تعقل الكيفية فرع العلم بكيفية الذات وكنهها فإذا كان ذلك غير معقول للبشر فكيف يعقل لهم كيفية الصفات
والعصمة النافعة في هذا الباب : أن يوصف الله بما وصف به نفسه وبما وصفه به رسوله من غير تحريف ولا تعطيل ومن غير تكييف ولا تمثيل بل تثبت له الأسماء والصفات وتنفى عنه مشابهة المخلوقات فيكون إثباتك منزها عن التشبيه ونفيك منزها عن التعطيل فمن نفى حقيقة الاستواء فهو معطل ومن شبهه باستواء المخلوق على المخلوق فهو ممثل ومن قال : استواء ليس كمثله شيء فهو الموحد المنزه
وهكذا الكلام في السمع والبصر والحياة والإرادة والقدرة واليد والوجه والرضى والغضب والنزول والضحك وسائر ما وصف الله به نفسه " ا.هـ
ـ الإمام ابن أبي العز الحنفي
قال في شرحه للطحاوية :
" ... التصريح بنزوله كل ليلة إلى سماء الدنيا، والنزول المعقول عند جميع الأمم إنما يكون من علو إلى سفل " ا.هـ
وقال في شرحه للطحاوية أيضا :
" ومن سمع أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم وكلام السلف، وجد منه في إثبات الفوقية ما لا ينحصر ...
ولو لم يتصف سبحانه بفوقية الذات ، مع أنه قائم بنفسه غير مخالط للعالم ، لكان متصفا بضد ذلك ، لأن القابل للشيء لا يخلو منه أو من ضده ، وضد الفوقية السفول ، وهو مذموم على الإطلاق ، لأنه مستقر إبليس وأتباعه وجنوده "
وقال :
" التصريح بالفوقية مقرونا بأداة"من"المعينة للفوقية بالذات، كقوله تعالى: {يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ} "
وقال الإمام ابن أبي العز :
" فله سبحانه وتعالى فوقية القهر ، وفوقية القدر ، وفوقية الذات ومن أثبت البعض ونفى البعض فقد تنقص ، وعلوه تعالى مطلق من كل الوجوه " ا.هـ
ـ العلامة قاسم بن عيسى بْنُ نَاجِي المالكي
قال عن قول ابن أبي زيد بفوقية الذات :
" لَيْسَ هَذَا مِنْ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ إطْلَاقِ السَّلَفِ الصَّالِحِ وَالصَّدْرِ الْأَوَّلِ "
كما في الفواكه الدواني شرح رسالة ابن أبي زيد القيرواني
ـ وقال الإمام يحيى بن أبي الخير العمراني الشافعي من علماء القرن السادس في كتابه الانتصار في الرد على المعتزلة القدرية الأشرار ج2/ص607 :
" - فصل
قد ذكرنا في أول الكتاب أن عند أصحاب الحديث والسنة أن الله سبحانه بذاته بائن عن خلقه على العرش استوى " ا.هـ
ـ العلامة الحافظ عبد الرحمن بن أحمد المعروف بابن رجب ت
قال في كتابه فتح الباري :
" وقد دل القرآن على ما دل عليه هذا الحديث في مواضع ، كقوله : ( هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِّنَ الغَمَامِ وَالْمَلائِكَةُ ( [ البقرة : 210 ] . وقال : ( هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن تَأْتِيَهُمُ المَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ ( [ الأنعام :
158 ] ، وقال : ( وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفاًّ صَفاًّ (ولم يتأول الصحابة ولا التابعون شيئاً من ذلك ، ولا أخرجوه عن مدلوله ، بل روي عنهم [ ما ] يدل على تقريره والإيمان به وامراره كما جاء " ا.هـ
تأمل قوله : " ولا أخرجوه عن مدلوله " فلهذا النصوص مدلول نثبته ، ثم بين أن الذي روي عن السلف يدل على تقرير هذا المدلول وهل المدلول إلا المعنى ذاته
إلى أن قال :
" وزعموا أن ظاهر ما يدل عليه الكتاب والسنة تشبيه وتجسيم وضلال ، واشتقوا من ذلك لمن آمن بما أنزل الله على رسوله اسماء ما أنزل الله بها من سلطان ، بل هي افتراء على الله ، ينفرون بها عن الإيمان بالله ورسوله .
وزعموا أن ما ورد في الكتاب والسنة من ذلك - مع كثرته وأنتشاره - من باب التوسع والتجوز ، وأنه يحمل على مجازات اللغة المستبعدة ، وهذا من أعظم أبواب القدح في الشريعة المحكمة المطهرة ، وهو من جنس حمل الباطنية نصوص الإخبار عن الغيوب كالمعاد والجنةوالنار على التوسع والمجاز دون الحقيقة ، وحملهم نصوص الامروالنهي على مثل ذلك ، وهذا كله مروق عن دين الإسلام .
ولم ينه علماء السلف الصالح وأئمة الإسلام كالشافعي وأحمد وغيرهما عن الكلام وحذروا عنه ، إلا خوفاً من الوقوع في مثل ذلك ، ولو علم هؤلاء الأئمة أن حمل النصوص على ظاهرها كفر لوجب عليهم تبيين ذلك وتحذير الأمة منه ؛ فإن ذلك من تمام نصيحة المسلمين ، فكيف كان ينصحون الأمة فيما يتعلق بالاحكام العملية ويدعون نصيحتمهم فيما يتعلق بأصول الاعتقادات ، هذا من أبطل الباطل " ا.هـ
فبين أن الظاهر الذي تدل عليه النصوص هو الذي نثبته ولا نؤوله وأن النصوص في هذا الباب على الحقيقة دون المجاز ونفى بشدة إلغاء هذه الظواهر بل اعتبره من أعظم أبواب القدح في الدين وكل هذا منطوق كلامه
فهل من الصدق في شيء بعد هذا أن يأتي أحد فيزعم أن ابن رجب لا يثبت المعاني الظاهرة ؟!!
وقال رحمه الله :
" وقد صح عن ابن عباس أنه أنكر على من أستنكر شيئاً من هذه النصوص ، وزعم أن الله منزه عما تدل عليه :
فروى عبد الرزاق في ( ( كتابه ) ) عن معمر ، عن ابن طاوس ، عن أبيه ، قال : سمعت رجلاً يحدث ابن عباس بحديث أبي هريرة : ( ( تحاجت الجنة والنار ) ) ، وفيه :
( ( فلا تمتلي حتى يضع رجله ) ) - أو قال : ( ( قدمه - فيها ) ) .
قال : فقام رجل فانتفض ، فقال ابن عباس : ما فرق هؤلاء ، يجدون رقة عند محكمة ، ويهلكون عند متشابهه .
وخَّرجه إسحاق بن راهويه في ( ( مسنده ) ) عن عبد الرزاق ."
تأمل إنكاره على من يزعم أن الله منزه عما تدل عليه النصوص من المعاني ، فهو يدعو إلى إثبات المعاني التي تدل عليها هذه النصوص وهذا مناقض للتفويض
وقال أيضا في الفتح :
" ومن جملة صفات الله التي نؤمن بها ، وتمر كما جاءت عندهم : قوله تعالى :
( وَجَاءَ رَبُّكَ والْمَلَكُ صَفاًّ صَفاًّ ) [الفجر :22] ونحو ذلك مما دل على إتيانه ومجيئه يوم القيامة .
وقد نص على ذلك أحمد وإسحاق وغيرهما .
وعندهما : أن ذلك من أفعال الله الاختيارية التي يفعلها بمشيئته واختياره . وكذلك قاله الفضيل بن عياض وغيره من مشايخ الصوفية أهل المعرفة .
وقد ذكر حرب الكرماني أنه أدرك على هذا القول كل من أخذ عنه العلم في البلدان ، سمى منهم : أحمد وإسحاق والحميدي وسعيد بن منصور .
وكذلك ذكره أبو الحسن الأشعري في كتابه المسمى بـ - الإبانة - ، وهو من أجل كتبه ، وعليه يعتمد العلماء وينقلون منه " ا.هـ
فإثباته المجيء والإتيان على أنه من أفعال الله التي تحصل بالمشيئة والاختيار هو من إثبات الصفة بمعناها
الإمام أبو الفداء إسماعيل ابن كثير صاحب التفسير
قال رحمه الله عن كتابات المأمون التي يستحث فيها القضاة على امتحان الناس بالقول بخلق القرآن :
" ومضمونها الاحتجاج على أن القرآن محدث وكل محدث مخلوق، وهذا احتجاج لا يوافقه عليه كثير من المتكلمين فضلا عن المحدثين، فإن القائلين بأن الله تعالى تقوم به الافعال الاختيارية لا يقولون بأن فعله تعالى القائم بذاته المقدسة مخلوق، بل لم يكن مخلوقا، بل يقولون هو محدث وليس بمخلوق ، بل هو كلام الله القائم بذاته المقدسة، وما كان قائما بذاته لا يكون مخلوقا، وقد قال الله تعالى (ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث) وقال تعالى (ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم) فالأمر بالسجود صدر منه بعد خلق آدم، فالكلام القائم بالذات ليس مخلوقا، وهذا له موضع آخر .
وقد صنف البخاري كتابا في هذا المعنى سماه خلق أفعال العباد " ا.هـ
تأمل هذا المعنى الذي أثبته الإمام ابن كثير وانتصر له وتأمل قوله : " فالأمر بالسجود صدر منه بعد خلق آدم " وكذا الاستدلالات القرآنية الأخرى منه رحمه الله
وهذا المعنى من إثبات كون أفعاله تعالى هي منه غير مخلوقة وأنها قائمة به خلافا للأشاعرة الذي يحكمون على أفعال الله بأنها مخلوقة على أنها هي نفسها مفعولاته تعالى الله عما يقولون وما أدري كيف عقلوا أن الفعل هو المفعول ؟!!
وهذا المعنى الذي أثبته ابن كثير من كون هذه الأفعال القائمة بذاته إنما تحصل باختياره ومشيئته فليست كلها قديمة وهي صفات له
كل هذا هو تحقيق لمعاني الصفات الفعلية وهذا تنكره عامة الأشاعرة وهو مناقض للتفويض .
وقال الإمام ابن كثير في تفسيره :
" ( وَجَاءَ رَبُّكَ ) يعني: لفصل القضاء بين خلقه، وذلك بعد ما يستشفعون إليه بسيد ولد آدم على الإطلاق محمد صلى الله عليه وسلم، بعدما يسألون أولي العزم من الرسل واحدًا بعد واحد، فكلهم يقول: لست بصاحب ذاكم، حتى تنتهي النوبة إلى محمد صلى الله عليه وسلم فيقول: "أنا لها، أنا لها". فيذهب فيشفع عند الله في أن يأتي لفصل القضاء فيشفعه الله في ذلك، وهي أول الشفاعات، وهي المقام المحمود كما تقدم بيانه في سورة "سبحان" فيجيء الرب تعالى لفصل القضاء كما يشاء، والملائكة يجيئون بين يديه صفوفا صفوفا " ا.هـ
وقال في تفسيره :
" وأما قوله تعالى: { ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ } فللناس في هذا المقام مقالات كثيرة جدا، ليس هذا موضع بسطها، وإنما يُسلك في هذا المقام مذهب السلف الصالح: مالك، والأوزاعي، والثوري، والليث بن سعد، والشافعي، وأحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه وغيرهم، من أئمة المسلمين قديما وحديثا، وهو إمرارها كما جاءت من غير تكييف ولا تشبيه ولا تعطيل. والظاهر المتبادر إلى أذهان المشبهين منفي عن الله، فإن الله لا يشبهه شيء من خلقه، و { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ } [ الشورى:11 ] بل الأمر كما قال الأئمة -منهم نُعَيْم بن حماد الخزاعي شيخ البخاري -: "من شبه الله بخلقه فقد كفر، ومن جحد ما وصف الله به نفسه فقد كفر". وليس فيما وصف الله به نفسه ولا رسوله تشبيه، فمن أثبت لله تعالى ما وردت به الآيات الصريحة والأخبار الصحيحة، على الوجه الذي يليق بجلال الله تعالى، ونفى عن الله تعالى النقائص، فقد سلك سبيل الهدى " ا.هـ
فقوله : " والظاهر المتبادر إلى أذهان المشبهين منفي عن الله " صريح في أن الظاهر المتبادر إلى أذهان غير المشبهين من أئمة السلف والسنة هو مثبت لله وهذا إثبات صريح لمعاني الصفات .
ومن باب أولى الظاهر المتبادر إلى أذهان الكل كحال أكثر النصوص مما يعترف به حتى المعطلة بأنه ظاهر متبادر ثم يزعمون أنه منفي ، فهو عند الإمام ابن كثير مثبت ومراد
فلما علق الإمام ابن كثير إثبات المتبادر إلى الذهن من الصفة وهو المعنى الظاهر لها لما علقه بحال الناظر ولم يبطله من أصله دل على أن المعنى المتبادر في حقيقة الأمر هو ثابت عنده وإنما المنفي هو ما يلصقه المشبه بالنص .
وخصومنا بحمد الله يعترفون بأن ما ينفونه تأويلا أو تفويضا ونثبته نحن دونهم هو المتبادر إلى أذهان الجميع لكنهم يزعمون خلافا لابن كثير أنه تشبيه مطلقا
ومما يجلي لك موقف الإمام ابن كثير في الصفات موقفه من أهل الإثبات المشهورين به الذين يثبتون الصفات بمعانيها والذين تنفر منهم الأشاعرة ويصفهم بعضهم بالتشبيه والتجسيم كالإمام ابن أبي عاصم صاحب كتاب السنة
فقد قال في ترجمة ابن أبي عاصم :
" أبو بكر بن أبي عاصم صاحب السنة والمصنفات وهو: أحمد بن عمرو بن أبي عاصم الضحاك ابن النبيل، له مصنفات في الحديث كثيرة، منها كتاب السنة في أحاديث الصفات على طريق السلف " ا.هـ
وقال ابن كثير عن الإمام ابن بطة الذي يصفه الأشاعرة بأقذع الأوصاف :
" أحد علماء الحنابلة وله التصانيف الكثيرة الحافلة في فنون من العلوم ... وأثنى عليه غير واحد من الأئمة وكان ممن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر وقد رأى بعضهم رسول الله فقال يا رسول الله ( ص ) قد اختلفت علي المذاهب فقال عليك بابي عبدالله بن بطة ... "
ثم ذكر ملخص ما أجاب به ابن الجوزي عن الطعون التي وجهت لابن بطة .
وانظر أيضا ترجمته لأبي يعلى الذي يتهمه عامة الأشاعرة بالتجسيم وترجمته للإمام الدارمي بل قال عن كتابه الذي يصفه الأشاعرة بالتجسيم قال :
" وعثمان بن سعيد الدارمي مصنف الرد على بشر المريسي فيما ابتدعه من التأويل لمذهب الجهمية وقد ذكرناه في طبقات الشافعية "
فاعتبر الأقوال والتأويلات الذي نقضها الدارمي تمثل مذهب الجهمية وجلها تأويلات الأشاعرة .
ويكفي أنه عندما ترجم لوفاة شيخه ابن تيمية وجنازته استدل بعبارة الإمام أحمد : " قولوا لأهل البدع بيننا وبينكم الجنائز "
فجعل جنازة ابن تيمية امتحانا لخصوم السنة
ثم ذكر تفاصيل جنازته فقال :
" فصرخ صارخ وصاح صائح هكذا تكون جنائز أئمة السنة فتباكى الناس وضجوا عند سماع هذا الصارخ " ا.هـ
بل كان يعرض مناظرات ابن تيمية مع خصومه من الأشاعرة مظهرا انحيازه إلى صف ابن تيمية ومن هذا قوله :
" وبحثوا في "الحموية" وناقشوه في أماكن منها ، فأجاب عنها بما أسكتهم بعد كلام كثير " .
ويقول عن مناظرة شيخ الإسلام لهم في الواسطية:
" وقرئت عقيدة الشيخ تقي الدين "الواسطية" ..وحضر الشيخ صفي الدين الهندي ، وتكلم مع الشيخ تقي الدين كلاماً كثيرا ، لكن ساقيته لاطمت بحرا "
وقوله عن أحد المجالس التي عقدت لشيخ الإسلام لإخراجه من البلد وامتنع ابن تيمية من حضورها فقال ابن كثير في ذلك :
" فصمم [ ابن تيمية ] على عدم الحضور، ولم يلتفت إليهم ولم يعدهم شيئا، فطال عليهم المجلس فتفرقوا وانصرفوا غير مأجورين " ا.هـ
تأمل نفي الأجر عنهم فهو أمر خطير لا يكون إلا مع اعتقاده بطلان ما هم عليه مما خاصموه فيه
وغيرها من العبارات
ـ الإمام شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي
قال في كتابه العلو :
" قلت : المتأخرون من أهل النظر قالوا مقالة مولدة ما علمت أحدا سبقهم بها قالوا هذه الصفات تمر كما جاءت ولا تأول مع إعتقاد أن ظاهرها
غير مراد فتفرع من هذا أن الظاهر يعني به أمران أحدهما أنه لا تأويل لها غير دلالة الخطاب كما قال السلف الإستواء معلوم
وكما قال سفيان وغيره قراءتها تفسيرها
يعني أنها بينة واضحة في اللغة لا يبتغى بها مضائق التأويل والتحريف
وهذا هو مذهب السلف مع إتفاقهم أيضا أنها لا تشبه صفات البشر بوجه إذ الباري لا مثل له لا في ذاته ولا في صفاته
الثاني أن ظاهرها هو الذي يتشكل في الخيال من الصفة كما يتشكل في الذهن من وصف البشر فهذا غير مراد " ا.هـ
وقال في سير أعلام النبلاء :
" قَدْ صَارَ الظَّاهِرُ اليَوْم ظَاهِرَيْنِ :
أَحَدُهُمَا حقّ، وَالثَّانِي بَاطِل، فَالحَقّ أَنْ يَقُوْلَ : إِنَّهُ سمِيْع بَصِيْر، مُرِيْدٌ متكلّم، حَيٌّ عَلِيْم، كُلّ شَيْء هَالك إِلاَّ وَجهَهُ، خلق آدَمَ بِيَدِهِ، وَكلَّم مُوْسَى تَكليماً، وَاتَّخَذَ إِبْرَاهِيْمَ خَلِيْلاً، وَأَمثَال ذَلِكَ، فَنُمِرُّه عَلَى مَا جَاءَ، وَنَفهَمُ مِنْهُ دلاَلَةَ الخِطَابِ كَمَا يَليق بِهِ تَعَالَى، وَلاَ نَقُوْلُ : لَهُ تَأْويلٌ يُخَالِفُ ذَلِكَ.
وَالظَّاهِرُ الآخر وَهُوَ البَاطِل، وَالضَّلاَل : أَنْ تَعتَقِدَ قيَاس الغَائِب عَلَى الشَّاهد، وَتُمَثِّلَ البَارِئ بِخلقه، تَعَالَى الله عَنْ ذَلِكَ، بَلْ صفَاتُهُ كَذَاته، فَلاَ عِدْلَ لَهُ، وَلاَ ضِدَّ لَهُ، وَلاَ نَظيرَ لَهُ، وَلاَ مِثْل لَهُ، وَلاَ شبيهَ لَهُ، وَلَيْسَ كَمثله شَيْء، لاَ فِي ذَاته، وَلاَ فِي صفَاته، وَهَذَا أَمرٌ يَسْتَوِي فِيْهِ الفَقِيْهُ وَالعَامِيُّ-وَاللهُ أَعْلَمُ " ا.هـ
وقال مقررا أن كيفية الصفات تجهل ولا تُنفى والمعنى المنفي هو المعنى اللازم فقال في العلو له :
" وهو قول أهل السنة قاطبة ، أن كيفيةالاستواءلا نعقلها بل نجهلها ، وأن استواءه معلوم ، كما أخبر فيكتابه ، وأنه كما يليق به ، لا نتعمق ولا نتحذلق ، لا نخوض في لوازم ذلك نفياً ولاإثباتاً ، بل نسكت ونقف ، كما وقف السلف ، ونعلم أنه لو كان له تأويل ، لبادر إلىبيانه الصحابة والتابعون ، ولما وسعهم إقراره وإمراره ، والسكوت عنه ، ونعلم يقيناًمع ذلك أن الله جل جلاله ، لا مثل له في صفاته ، ولا في استوائه ، ولا في نزوله ،سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون علواً كبيراً " ا.هـ
ـ الإمام أبو الحسين محمد بن أحمد بن عبدالرحمن الملطي الشافعي
قال الملطي الشافعي رحمه الله :
" ومما يدل على أن الله تبارك وتعالى ينزل كيف يشاء إذا شاء ، صعودُه إلى السماء واستواؤُه على العرش ، فزعمت الجهمية وقالت من يخلفه إذا نزل ؟؟
قيل لهم : فمن خلفه في الأرض حين صعد ؟!
علمه بما في الأرض كعلمه بما في السماء ، وعلمه بما في السماء كعلمه بما في الأرض سواء لا يختلف
ومما يدل على ذلك قوله عز و جل : ( هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أو يأتي ربك أو يأتي بعض آيات ربك يوم يأتي بعض آيات ربك ) وقوله : ( وعرضوا على ربك صفا لقد جئتمونا كما خلقناكم أول مرة بل زعمتم ألن نجعل لكم موعدا ) وقوله : ( ويوم يعرض الذين كفروا على النار ) وقوله : ( وجاء ربك والملك صفا صفا )
إلى أن قال :
" وإنما تحيرت الجهمية وضلت عقولهم حين قالوا إن الله لا يخلو منه شيء ، ولا يزول عن موضعه ، فأسرع إلى الجهال قولهم وكذلك ربنا جل وعز ولكن ليس بمنزلة الخلق في نزوله وليس أحد من الخلق يصير عن مكانه وموضع كان فيه إلى مكان غيره إلا وهو زائل عن موضعه ومكانه الأول لنفسه وعلمه لجهله بما يحدث بعده على مكانه وموضعه الأول وإن الله تبارك وتعالى لما استوى من الأرض إلى السماء أو نزل من سماء إلى سماء أو إلى الأرض لا يعزب عن علمه شيء في السموات ولا في الأرض ، علمه بما فيهن بعد الاستواء وبعد النزول كعلمه بهن قبل ذلك لم ينقص الاستواء في النزول من علمه ولا زاد تركه في علمه فمن كان هذا حاله فليس بزائل عن خلقه ولا خلقه بخال من علمه تبارك الله رب العالمين " ا.هـ
ـ الإمام محمد بن عبد الوهاب
قال في كتابه " المسائل التي خالف النبي ص أهل الجاهلية " :
" وخصوم السلفيين يرمونهم بهذا الاسم [ يعني الحشوية ], تنفيرا للناس عن اتباعهم والأخذ بأقوالهم, حيث يقولون في المتشابه: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ}.
وقد أخطأت استهم الحفرة , فالسلف لا يقولون بورود ما لا معنى له لا في الكتاب ولا في السنة, بل يقولون في الاستواء مثلا: الاستواء غير مجهول والكيف غير معقول والإقرار به إيمان, والجحود به كفر"2
وقد أطال الكلام في هذه المسألة شيخ الإسلام ابن تيمية في كثير من كتبه ، ولخص ذلك في كتابه " جواب أهل الإيمان في التفاضل بين آيات القرآن " ا.هـ
هذا من الشيخ قاطع للنزاع فهو قد أنكر بمنطوق كلامه مذهب المفوضة ونزه السلف عن طريقتهم واعتبرهم خصوم مذهب السلف فكيف ينسب له التفويض وهل الذي عزاه لشيخ الإسلام في كثير من كتبه هو التفويض ؟!!
وفي معرض رده على أحدهم يقول في رسائله :
" وقوله في الكتاب ومذهب أهل السنة إثبات من غير تعطيل ولا تجسيم ولا كيف ولا أين إلى آخره وهذا من أبين الأدلة على أنه لم يفهم عقيدة الحنابلة ولم يميز بينها وبين عقيدة المبتدعة وذلك أن إنكار الأين من عقائد أهل الباطل وأهل السنة يثبتونه اتباعاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم كما في الصحيح أنه قال للجارية أين الله ؟ فزعم هذا الرجل أن إثباتها مذهب المبتدعة وأن إنكارها مذهب أهل السنة ...
وقوله أيضاً ويثبتون ما أثبته الرسول صلى الله عليه وسلم من السمع والبصر والحياة والقدرة والإرادة والعلم والكلام إلى آخره، وهذا أيضاً من أعجب جهله وذلك أن هذا مذهب طائفه من المبتدعة يثبتون الصفات السبع وينفون ما عداها ولو كان في كتاب الله ويؤولونه. وأما أهل السنة فكل ما جاء عن الله ورسوله أثبتوه وذلك صفات كثيرة " ا.هـ
حتى قال الشيخ محمد رشيد رضا مدافعا عنه ضد بعض خصومه مبينا مجانبته للتفويض :
" إن ما ذكره من العقائد التي زعم أن ابن تيمية وابن عبد الوهاب وأمثالهم أباحوا بها حمى التوحيد، وهتكوا ستوره بإثباتهم لله تعالى صفة العلو والاستواء على العرش.. إلخ، وإنما أثبتوا بها كسائر أهل السنة ما أثبته الله تعالى في كتابه المعصوم وفي سنة خاتم أنبيائه المعصوم المبيّنة له.
فهم يثبتون تلك النصوص بمعانيها الحقيقية بدون تأويل، ولكن مع إثبات التنزيه فهم متبعون في ذلك لسلف الأمة الصالح غير مبتدعين له، وإنما ابتدع التأويل الجهمية والمعتزلة وأتباعهم من الروافض بشبهة تنزيه الله تعالى عن التجسيم والتشبيه.
وأما شبهة المبتدعة المتأولين فهي تنزيه الله تعالى عن مشابهة خلقه التي يعبرون عنها في تأويل بعض الصفات بالتجسيم والتحيز وغيرهما من لوازم الأجسام، فبهذه الشبهة عطلوا أكثر صفات الله حتى صارت عندهم في حكم العدم.والسلف الصالح أعلم منهم بمعاني النصوص، وبما يجب الإيمان به، وأشد منهم تنزيها للرب - إلى أن قال-: والقاعدة في ذلك أن تنزيه الله تعالى عن مشابهة خلقه قد ثبت بدليل العقل والنصوص القطعية من النقل كقوله تعالى: { ليس كمثله شيء } وأن السلف يجمعون بين الأمرين: تنزيه الرب سبحانه ووصفه بما وصف به نفسه من الرحمة والمحبة والرضا والغضب وغير ذلك، وعدم التحكم في التفرقة بين هذه الصفات وصفات العلم والإرادة والقدرة والسمع والبصر والكلام " ا.هـ
وكان الإمام محمد بن عبد الوهاب يلهج بمجانبة الأشاعرة والتحذير منهم ، وكتبه مليئة بهذا ، ولو كان مفوضا لاستثنى طريقتهم في التفويض فدل على أنه ينكر عامة مذهبهم وهو صريح عباراته
ومن إثباته الحقيقي للصفات حتى اتهمه بالتجسيم جماعة من خصومه لا يحصون تجد ذكرهم في كتاب " دعاوى المناوئين لدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب "
فانظر إلى ظلم المخالفين لمذهب السلف بعضهم يتهمه بالتجسيم والآخر ينسب له التفويض تشويشا ومشاكسة وكلا الفريقين بعيد كل البعد في هذا عن مراقبة الله والإعداد ليوم الحساب ( وسيعلم الذين ظلموا ) أو شوشوا وشغبوا ( أي منقلب ينقلبون )
الإمام محمد بن أحمد السفاريني الحنبلي ت
قال رحمه الله في كتابه لوامع الأنوار البهية :
" ومذهب السلف من الفرقة الناجية بين التعطيل وبين التمثيل ، فلا يمثلون صفات الله - تعالى - بصفات خلقه ، كما لا يمثلون ذاته بذوات خلقه ، ولا ينفون ما وصف به نفسه ، أو وصفه به رسوله ، فيعطلون أسماءه الحسنى وصفاته العلى ، ويحرفون الكلم عن مواضعه ، ويلحدون في أسماء الله - تعالى - وآياته ، وليس في العقل الصريح ، ولا في النقل الصحيح ما يوجب مخالفة الطريقة السلفية أصلا ، فالنبي المعصوم - صلوات الله عليه وسلامه - مع كمال علمه ، وقدرته وإرادته ، وشدة حرصه على هداية أمته ، وبلاغ نصحه وشفقته عليهم أرشدهم إلى هذا السبيل ، وكذا الصحابة والتابعون لهم بإحسان ، فالسلف في إثبات الصفات كالذات على الاستقامة .
وأما المنحرفون عن طريقهم ، فثلاث طوائف : أهل التخييل ، وأهل التأويل ، وأهل التجهيل ...
( وأهل التأويل ) هم الذين يقولون : إن النصوص الواردة في الصفات ، لم يقصد بها الرسول أن يعتقد الناس الباطل ، ولكن قصد بها معاني ، ولم يبين لهم ذلك ، ولا دلهم عليها ، ولكن أراد أن ينظروا ، فيعرفوا الحق بعقولهم ، ثم يجتهدوا في صرف تلك النصوص عن مدلولها ، ومقصوده امتحانهم وتكليفهم وإتعاب أذهانهم وعقولهم في أن يصرفوه عن مدلوله ومقتضاه ، ويعرفوا الحق في غيره وسواه . وهذا قول المتكلمة والجهمية والمعتزلة ، ومن نحا منحاهم . ولا يخفى ما في ضمن كلام هؤلاء من قصد الإضلال ، وعدم النصح ، ومناقضة ما جاء به النبي - صلى الله عليه وسلم - وما وصفه الله به من الرأفة والرحمة ، وقد تظاهر هؤلاء بنصر السنة ، وهم في الحقيقة لا للإسلام نصروا ، ولا للفلاسفة كسروا ، بل فتحوا لأهل الإلحاد الباب ، وسلطوا القرامطة الباطنية من ذوي الفساد على الإلحاد في السنة والكتاب .
( وأهل التجهيل ) هم الذين يقولون : إن الرسول لم يعرف معاني ما أنزل عليه من آيات الصفات ، ولا جبريل يعرف معاني الآيات ، ولا السابقون الأولون عرفوا ذلك ، وكذلك قولهم في أحاديث الصفات ، وأن الرسول تكلم بكلام لا يعرف معناه ، وهذا قول كثير من المنتسبين إلى السنة واتباع السلف ، فيقولون في آيات الصفات وأحاديثها : لا يعلم معرفتها إلا الله ، ويستدلون بقوله - تعالى : ( { وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ } ) ، ويقولون : تجرى على ظاهرها ، وظاهرها مراد مع قولهم : إن لها تأويلا بهذا المعنى لا يعلمه إلا الله " ا.هـ
فجعل الإمام السفاريني بنص كلامه المفوضة من أهل التجهيل ونص على أنهم منحرفون عن طريق السلف مشاركون في هذا الانحراف للفلاسفة والمعتزلة ومن سار على طريقهم
ومن كلامه الدال على مجانبته للمفوضة في كتابه اللوامع قوله :
" ( قد استوى ) على عرشه من فوق سبع سماواته استواء يليق بذاته ( كما ورد ) في الآيات القرآنية والأحاديث النبوية والنصوص السلفية ، مما لا يحصى ويتعذر أن يستقصى ، فهذا كتاب الله من أوله إلى آخره ، وسنة رسول الله من أولها إلى آخرها ثم عامة كلام الصحابة - رضي الله عنهم - والتابعين لهم بإحسان - رحمهم الله تعالى - ثم كلام سائر أئمة الدين ممن تلوى على كلامهم الخناصر ، ولا ينازع فيه إلا كل معاند ومكابر بأن الله تعالى مستو على عرشه بائن من خلقه " ا.هـ
فصرح هنا بمعنى الاستواء وأنه استواء الذات
ثم أطال في إثبات العلو بكلام شيخ الاسلام وأعقبه السفاريني نفسه بقوله :
" وهذا كلام متين لا مخلص لأحد عنه "
وقرر من خلال أقوال العلماء عبارة استواء الذات وعبارة الجهة
انظر (1/196 ـ 197)
حتى قال (1/198 ـ 199)
" إذا علمت هذا فاعلم أن كثيرا من الناس يظنون أن القائل بالجهة أو الاستواء هو من المجسمة ، لأنهم يتوهمون أن من لازم ذلك التجسيم ، وهذا وهم فاسد ، وظن كاذب ، وحدس حائد "
ونقل مقرا :
" وإذا ثبت أن موسى - عليه السلام - إنما سمع من الله - عز وجل - لم يجز أن يكون الكلام الذي سمعه إلا صوتا وحرفا ، فإنه لو كان معنى في النفس وفكرة ورؤية ، لم يكن ذلك تكليما لموسى ولا هو شيء يسمع ، والفكر لا يسمى مناداة ، فإن قالوا : نحن لا نسميه صوتا مع كونه مسموعا ، قلنا : هذا مخالفة في اللفظ مع الموافقة في المعنى ، فإنه لا يعنى بالصوت إلا ما كان مسموعا ثم إن لفظ الصوت قد صحت به الأخبار "
وقال :
" والحاصل أن مذهب الحنابلة كسائر السلف أن الله - تعالى - يتكلم بحرف وصوت
وقال :
" واحتج بها البخاري وغيره من أئمة الحديث على أن الحق - جل شأنه - يتكلم بحرف وصوت ، وقد صححوا هذا الأصل واعتقدوه ، واعتمدوا على ذلك منزهين الله - تعالى - عما لا يليق بجلاله من شبهات الحدوث وسمات النقص ، كما قالوا في سائر الصفات ، فإذا رأينا أحدا من الناس مما لا يقدر عشر معشار هؤلاء يقول : لم يصح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - حديث واحد أنه تكلم بحرف وصوت ، ورأيت هؤلاء الأئمة قد دونوا هذه الأخبار وعملوا بها ، ودانوا الله - سبحانه وتعالى - بها ، وصرحوا بأن الله - تعالى - تكلم بحرف وصوت لا يشبهان صوت مخلوق ولا حرفه بوجه ألبتة ، معتمدين على ما صح عندهم عن صاحب الشريعة المعصوم في أقواله وأفعاله ، الذي لا ينطق عن الهوى ، إن هو إلا وحي يوحى ، مع اعتقادهم الجازم الذي لا يعتريه شك ولا وهم ولا خيال - نفي التشبيه والتمثيل ، والتحريف والتعطيل ، بل يقولون في صفة الكلام كما يقولون في سائر الصفات ، إثبات بلا تمثيل ، وتنزيه بلا تعطيل ، كما عليه سلف الأمة وفحول الأئمة ، فهو حق اليقين بلا محال ، وهل بعد الحق إلا الضلال " .
وقال السفاريني -رحمه الله-:
" وقد أكثر العلماء من التصنيف، وأجلبوا بخيلهم ورَجِلِهم من التأليف، في ثبوت العلوّ والاستواء ونبّهوا على ذلك بالآيات والحديث وما حوى، فمنهم الراوي الأخبارَ بالأسانيد، ومنهم الحاذفُ لها وأتى بكلِّ لفظٍ مفيدٍ، ومنهم المُطَوِّل المُسهِب، ومنهم المُختصِر والمتوسِّط والمهذِّب، فمن ذلك (( مسألة العلوّ )) لشيخ الإسلام ابن تيمية، و(( العلوّ )) للإمام الموفق صاحب التصانيف السنيّة، و(( الجيوش الإسلاميّة )) للإمام المحقق ابن قيِّم الجوزية، و(( كتاب العرش )) للحافظ شمس الدين الذهبي صاحب الأنفاس العليّة، وما لا أُحصي عدّهم إلاّ بكُلْفة، والله تعالى الموفِّق " ا.هـ
بل الإمام السفاريني في كتابه لوامع الأنوار البهية لايكاد يقرر صفة من الصفات إلا من خلال كلام ابن تيمية حتى أنه نقل عنه في أكثر من مائة وثمانين موطنا (180) في كتابه الذي لم يجاوز أربعمائة وسبعين صفحة ولا أقول ورقة (470)
فهل يقال إنه مفوض مع كل هذا
الإمام العلامة محمد بن علي الشوكاني ت هـ
قال الإمام الشوكاني في رسالته " التحف " وهو كتيب خاص بمسائل الصفات :
" ومن جملة الصفات التي أمرها السلف على ظاهرها وأجروها على ما جاء به القرآن والسنة من دون تكلف ولا تأويل صفة الاستواء التي ذكرها السائل يقولون نحن نثبت ما أثبته الله لنفسه من استوائه على عرشه على هيئة لا يعلمها إلا هو وكيفية لا يدري بها سواه ولا نكلف أنفسنا غير هذا فليس كمثله شيء لا في ذاته ولا في صفاته ولا تحيط عباده به علما وهكذا يقولون في مسألة الجهة التي ذكرها السائل وأشار إلى بعض ما فيه دليل عليها والأدلة في ذلك طويلة كثيرة في الكتاب والسنة وقد جمع أهل العلم منها لا سيما أهل الحديث مباحث طولوها بذكر آيات قرآنية وأحاديث صحيحة وقد وقفت من ذلك على مؤلف بسيط في مجلد جمعه مؤرخ الإسلام الحافظ الذهبي رحمه الله استوفى فيه كل ما فيه دلالة على الجهة من كتاب أو سنة أو قول صاحب مذهب والمسألة أوضح من أن تلتبس على عارف وأبين من أن يحتاج فيها إلى التطويل " ا.هـ
فماذا بعد هذا الإثبات الصريح
وقال أيضا :
" والحق هو ما عرفناك من مذهب السلف الصالح فالاستواء على العرش والكون في تلك الجهة قد صرح به القرآن الكريم في مواطن يكثر حصرها ويطول نشرها وكذلك صرح به رسول الله صلى الله عليه و سلم في غير حديث بل هذا مما يجده كل فرد من أفراد الناس في نفسه وتحسه في فطرته وتجذبه إليه طبيعته كما نراه في كل من استغاث بالله سبحانه وتعالى والتجأ إليه ووجه أدعيته إلى جنابه الرفيع وعزه المنيع فإنه يشير عند ذلك بكفه أو يرمي إلى السماء بطرفه " ا.هـ
ــ ع العلامة محمد أنور شاه ابن معظم شاه الكشميري
قال رحمه الله :
" ودل ماروينا على رغم أنف من قال بأن أبا حنيفة جهمي عياذاً بالله ، فإن أبا حنيفة قائل بما قال السلف الصالحون ، فالحاصل أن نزول الباري إلى سماء الدنيا نزول حقيقة يحمل على ظاهره ويفوض تفصيله وتكييفه إلى الباري عز برهانه ، وهو مذهب الأئمة الأربعة والسلف الصالحين " ا.هـ
ـــ ماذا نسمي هذا ؟ هل هو تأويل ؟ أم تفويض ؟ وإن لم يكن فما هو وماذا نسميه ؟!
هذا اعتراف من هذا العالم الماتريدي الحنفي بما كان عليه أبو حنيفة والسلف من إثبات الصفات الخبرية كالنزول إثباتا حقيقيا والاقتصار في التفويض على تفويض المعنى التفصيلي الذي هو نوع من التكييف أما أصل المعنى وهو حقيقة الصفة فهو مثبت
وقال الكشميري :
"
وأما تفويض السلف فيحتمل المعنيين :
أحدهما : تفويض الأمر إلى الله وعدم الإنكار على من تأول كيف ما تأول بسبب إقرارهم بعدم العلم .
ثانيهما : تفويض التفصيل والتكييف إلى الله تعالى والإنكار على من تأول برأيه وعقله ومرادهم هو الاحتمال الثاني لا الأول " ا.هـ
ـــ العلامة ناصر بن عبد الرحمن السعدي
قال في تفسيره عن صفة النور :
" النور الحسي والمعنوي وذلك أنه تعالى بذاته نور، وحجابه نور الذي لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه وبه استنار العرش والكرسي والشمس والقمر، وبه استنارت الجنة وكذلك المعنوي يرجع إلى الله، فكتابه نور، وشرعه نور، والإيمان والمعرفة في قلوب رسله وعباده المؤمنين نور، فلولا نوره تعالى لتراكمت الظلمات؛ ولهذا كل محل يفقد نوره فَثَمَّ الظلمة والحصر " ا.هـ
وقال :
" لفظ "استوى" في القرآن على ثلاثة أوجه: إن عدي بـ "على" كان معناه العلو والارتفاع، { ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ } "
وقال :
"العلي الأعلى" وهو الذي له العلو المطلق من جميع الوجوه، علو الذات، وعلو القدر والصفات، وعلو القهر. فهو الذي على العرش استوى، وعلى الملك احتوى " ا.هـ
وقال :
{ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ } العلي في ذاته، فهو عال على جميع المخلوقات وفي قدره، فهو كامل الصفات، وفي قهره لجميع المخلوقات، الكبير في ذاته، وفي أسمائه، وفي صفاته، الذي من عظمته وكبريائه، أن الأرض قبضته يوم القيامة، والسماوات مطويات بيمينه، ومن كبريائه، أن كرسيه وسع السماوات والأرض
ذكر قوله تعالى ( إذ قال الله يا عيسى إني متوفيك ورافعك إلي ومطهرك من الذين كفروا ) ثم قال :
" وفي هذه الآية دليل على علو الله تعالى واستوائه على عرشه حقيقة، كما دلت على ذلك النصوص القرآنية والأحاديث النبوية التي تلقاها أهل السنة بالقبول والإيمان والتسليم "
وقال :
وينزل الباري [تبارك] تعالى: { فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ } ليفصل بين عباده بالقضاء العدل.
فتوضع الموازين، وتنشر الدواوين، وتبيض وجوه أهل السعادة وتسود وجوه أهل الشقاوة، ويتميز أهل الخير من أهل الشر، وكل يجازى بعمله، فهنالك يعض الظالم على يديه إذا علم حقيقة ما هو عليه.
وهذه الآية وما أشبهها دليل لمذهب أهل السنة والجماعة، المثبتين للصفات الاختيارية، كالاستواء، والنزول، والمجيء، ونحو ذلك من الصفات التي أخبر بها تعالى، عن نفسه، أو أخبر بها عنه رسوله صلى الله عليه وسلم، فيثبتونها على وجه يليق بجلال الله وعظمته، من غير تشبيه ولا تحريف، خلافا للمعطلة على اختلاف أنواعهم، من الجهمية، والمعتزلة، والأشعرية ونحوهم، ممن ينفي هذه الصفات، ويتأول لأجلها الآيات بتأويلات ما أنزل الله عليها من سلطان، بل حقيقتها القدح في بيان الله وبيان رسوله، والزعم بأن كلامهم هو الذي تحصل به الهداية في هذا الباب، فهؤلاء ليس معهم دليل نقلي، بل ولا دليل عقلي، أما النقلي فقد اعترفوا أن النصوص الواردة في الكتاب والسنة، ظاهرها بل صريحها، دال على مذهب أهل السنة والجماعة، وأنها تحتاج لدلالتها على مذهبهم الباطل، أن تخرج عن ظاهرها ويزاد فيها وينقص، وهذا كما ترى لا يرتضيه من في قلبه مثقال ذرة من إيمان.
وقال :
{ وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الأيْمَنِ } أي: الأيمن من موسى في وقت.مسيره، أو الأيمن: أي: الأبرك من اليمن والبركة. ويدل على هذا المعنى قوله تعالى: { أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا } { وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا } والفرق بين النداء والنجاء، أن النداء هو الصوت الرفيع، والنجاء ما دون ذلك، وفي هذه إثبات الكلام لله تعالى وأنواعه، من النداء، والنجاء، كما هو مذهب أهل السنة والجماعة، خلافا لمن أنكر ذلك، من الجهمية، والمعتزلة، ومن نحا نحوهم .
وقد ذكرت كلام الشيخ محمد بن عبد الوهاب والشيخ السعدي لوجود أحد المشوشين ممن زعم أنهما يفوضان وإلا فإنني قد كسلت عن ذكر كثير من أهل العلم المعروفين بالإثبات
فصل في الكيف في الصفات وبيان مذهب السلف فيه
من المسائل المتممة لمبحث التفويض والمهمة في تحقيق التصور السليم والتام لهذا الباب هو مسألة الكيف في الصفات
وقبل بيان المراد من هذا الفصل أبين باختصار تعريف التكييف والفرق بينه وبين التمثيل والتشبيه :
فالتكييف وصف دقيق أو مفصل أو تام للصفة
والتشبيه وصف للموصوف بصفة الغير إجمالا
والتمثيل وصف للموصوف بصفة الغير تفصيلا
فكل ممثل مكيف مشبه وكل مشبه مكيف وليس كل مكيف ممثل
فلم يختلف أهل السنة قاطبة وكذا ( من جهة نظرية ) المعطلة الجهمية ومن سار على خطاهم لم يختلفوا في أن تكييف صفات الله أمر محرم لا يجوز الولوج فيه فضلا عن الخوض
لكن ليس المهم هو الاتفاق لفظيا ونظريا على غرار الشعارات ثم الاختلاف في حقيقة الأمر ومخالفة النصوص تسترا وراء ذلك الشعار
وإنما المهم هو فهم التكييف فهما صحيحا ثم موافقة النصوص وما كان عليه السلف في ذلك .
فبالنظر إلى النصوص الشرعية وما كان عليه سلفنا الصالح وجدنا التالي بما لا مجال للشك فيه :
أ ـ أن هناك كيفا منفيا عن الله مطلقا وهو تكييف الصفات بكيفية صفات الخلق ، مصداقا لقوله تعالى : ( ولا يحيطون به علما ) .
ب ـ وهناك كيف منفي من جهة علمنا به وهو غير منفي في أصله وهو المتعلق بكنه الصفات وحقائقها .
فالأول تكييف وهذا كيف .
ج ـ ووجدنا باستقراء كلام السلف أن الكيفية ليست هي إثبات معاني الصفات الظاهرة فأصل معنى الصفة شيء والكيفية التي تتعلق بمعانيها التفصيلية شيء آخر .
ففرق بين المعنى الظاهر وبين الكيف أي ( بين المعنى المجمل والمعنى المفصل )
فالمعنى الظاهر للصفة والمجمل هو غير المعنى المفصل الذي يشترك في كثير من صوره مع الكيف
وإليك هذا المثال الواضح الذي جاء فيه الكيف معبَّرا عنه بلفظ المعنى والمراد منه في المثال باتفاق المعنى التفصيلي :
روى الإمام الأصبهاني قوام السنة بسنده في كتابه الحجة حديث الرؤية : "إنكم تنظرون إلى ربكم كما تنظرون إلى القمر ليلة البدر "
وفيه :
" فقال رجل في مجلس يزيد بن هارون الواسطي: يا أبا خالد ، ما معنى هذا الحديث ؟
فغضب وحرد وقال: ما أشبهك بصبيغ وأحوجك إلى مثل ما فعل به ، ويلك ، من يدري كيف هذا ؟ " ا.هـ
وكون المسؤول عنه وهو الرؤية وأنه معلوم المعنى فهذا باتفاقنا وأكثر مخالفينا وهو يبين بجلاء أن المراد بالمعنى المنفي هو المعنى التفصيلي الذي هو ولوج في الكيفية
وإلا فلا أحد منهم يقول بأن الرؤية لا يُعلم معناها ، بل هم يصرحون بأنها رؤية العباد لربهم بأبصارهم حقيقة وأن التشبيه في الحديث برؤية القمر هو تشبيه الرؤية بالرؤية لا المرئي بالمرئي
فهناك فرق بين أصل معنى الصفة وبين كيفيتها
وحتى تتضح الصورة ونحسم الإشكال نسأل المخالف سؤالا صريحا وواضحا :
أنت تزعم أنك تثبت لله صفة السمع والبصر والقدرة ونحوها مما تسمونه الصفات العقلية وتثبتون معانيها وتحتجون بهذا على أنكم مجانبون للجهمية والمعتزلة الذين يؤولونها
فيا ترى بإثباتك لها هل أنت مكيف لها أم تفرق بين إثباتك لمعاني هذه الصفات وبين تكييفها ؟!!
لا يخلو جوابك من أحد أمرين :
ـ إما أن تعترف بأن هناك فرقا بين إثبات المعنى وإثبات الكيف فلا يكون من أثبت المعنى قد كيّف وبهذا يسقط اعتراضك من أصله
ـ وإما أن تصر على دعوى أنه لا فرق ومن أثبت المعنى فقد كيّف وعلى هذا فأنت قد كيفت السمع والبصر والقدرة ..
وعليه فما جاز لك في هذه الصفات جاز لنا في غيرها ولا نوافقك على أنه تكييف فسمه أنت ما شئت
ثم إن كان عندك إثبات صفة السمع بمعنى الإدراك الحقيقي لنفس الأصوات إن كان هذا تكييفا فماذا نسمي إثبات المعاني التفصيلية للسمع القائمة على إثبات كيفيات لحصوله
أليس هذا هو التكييف ؟ أم أننا سنجمع بين المتفرقات ونسمي الجميع تكييفا ؟!!
لعل هذا الخلط ناشئ عن الخلط السابق
وما سبق بيانه مني سأدلل عليه بأقوال لأئمة السلف ومن سار على نهجهم من أئمة أهل السنة الموثوق بهم
أما الفقرة الأولى فهي محل اتفاق ولا خلاف فيها كمبدإ وإنما الخلاف في التطبيق وهو ما سنبينه في الفقرة (ج)
ومع هذا سأكتفي ببعض عبارات الأئمة لجلاء تلك الفقرة أعني (أ)
قال الإمام اللالكائي في كتابه شرح الاعتقاد :
" وسئل محمد بن جعفر عن قول الله تعالى الرحمن على العرش استوى قال من زعم أن الله استوى على العرش استواء مخلوق على مخلوق فقد كفر ومن اعتقد أن الله استوى على العرش استواء خالق على مخلوق فهو مؤمن
والذي يكفي في هذا أن يقول إن الله استوى على العرش من غير تكييف " ا.هـ
وقال الإمام الدارمي في نقضه :
" فكما نحن لا نكيف هذه الصفات لا نكذب بها كتكذيبكم ولا نفسرها كباطل تفسيركم " ا.هـ
وقال الإمام الأشعري :
" وندين الله عز و جل بأنه يقلب القلوب بين أصبعين من أصابعه وأنه سبحانه يضع السماوات على أصبع والأرضين على ( 1 / 27 ) أصبع كما جاءت الرواية عن رسول الله صلى الله عليه و سلم من غير تكييف " ا.هـ
وقال الإمام إسماعيل الأصبهاني في " الحجة " له :
" ولا نكيف صفات الله عز وجل ، ولا نفسرها تفسير أهل التكييف و التشبيه ، و لا نضرب لها الأمثال ، بل نتلقاها بحسن القبول تصديقاً " ا.هـ
فلا يجوز التكييف مطلقا وليس لأحد أن يكيف أي صفة لا خبرية ولا عقلية لأنه قائم على القياس في حق من لا نظير له ولا شبيه
وهذا يمثل أصلا كليا في هذا الباب لا ينخرم
لكن نفي التكييف من قِبَلنا لا يلزم منه نفي الكيف في حقيقة الصفة وعليه فما سيأتي عن أئمة السلف والسنة من اعتقاد وجود كيف للصفات في حقائقها وكنهها لكن لا نعلمه لا يعارض نفي التكييف
لأن ترك التكييف سببه عدم العلم بالكيف لا انعدام الكيف
قال الإمام ابن أبي زمنين المالكي :
" فهذه صفات ربنا التي وصف بها نفسه في كتابه ، | ووصفه بها نبيه ، وليس في شيء منها تحديد ولا تشبيه ولا تقدير | فسبحان من ليس كمثله شيء وهو السميع البصير . لم تره العيون فتحده | كيف هو كينونيته ، لكن رأته القلوب في حقائق الإيمان به . "
فالسبب في عدم التكييف هو عدم العلم به برؤية أو نحوها لا لأنه لا كيف له أصلا
وروى الأثرم في السنة وأبو عبد الله بن بطة في الإبانة وأبو عمرو الطلمنكي وغيرهم بإسناد صحيح عن عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة الماجشون أنه قال :
" فإنه لا يعلم كيف هو إلا هو . وكيف يُعرف قدر من لم يبدأ ومن لا يموت ولا يبلى ؟ وكيف يكون لصفة شيء منه حد أو منتهى - يعرفه عارف أو يحد قدره واصف ؟ - على أنه الحق المبين لا حق أحق منه ولا شيء أبين منه " ا.هـ
فهنا بين أن له كيفا ولكنه غير معلوم لدينا
قال العقيلي في " الضعفاء " والخلال في " السُّنَّة " كلاهما :
أخبرنا جعفر بن محمد الفريابي، حدثنا أحمد بن محمد المقدمي ، حدثنا سليمان بن حرب، قال: سأل بشر بن السري حماد بن زيد، فقال: يا أبا إسماعيل، الحديث الذي جاء: (( ينزل الله إلى السماء الدنيا )) يتحول من مكان إلى مكان؟
فسكت حماد، ثم قال: (( هو في مكانه، يقرب من خلقه كيف شاء )
وهذا إسناد صحيح
ورواه ابن بطة في كتاب [ الإبانة ] فقال : حدثني أبو القاسم حفص بن عمر الأردبيلي، حدثنا أبو حاتم الرازي , حدثنا سليمان بن حرب، قال : سأل بشر بن السري ...فذكره بمثله
قال الإمام أحمد بن حنبل :
يضحك الله تعالى ولا يعلم كيف ذلك إلا بتصديق الرسول وتثبيت القرآن "
رواه الخلال والأصبهاني التيمي في الحجة وابن بطة
أثبت أن الكيف لا يعلم لا أنه منعدم
وقال الخلال في كتاب السنة :
أخبرني عبيد اللّه بن حنبل، أخبرني أبي حنبل ابن أبي إسحق قال: قال عمي يعني أحمد بن حنبل :
نحن نؤمن أن الله تعالى على العرش استوى كيف شاء وكما يشاء، بلا حد ولا صفة يبلغها واصفون، أو يحدها أحد، وصفات الله له ومنه، وهو كما وصف نفسه لا تدركه الأبصار بحد ولا غاية، وهو يدرك الأبصار، وهو عالم الغيب والشهادة وعلام الغيوب.
فالكيف ثابت في نفس الصفة ولكننا نجهله وهو في الصفات الفعلية الاختيارية راجع للمشيئة .
وقال أبو بكر الخلال في كتاب السنة ( أخبرني يوسف بن موسى أن أبا عبد الله - يعني أحمد بن حنبل - قيل له : أهل الجنة ينظرون إلى ربهم عز و جل ويكلمونه ويكلمهم ؟ قال : نعم ينظر وينظرون إليه ويكلمهم ويكلمونه كيف شاء وإذا شاء )
قال : ( وأخبرني عبد الله بن حنبل قال : أخبرني أبي حنبل بن إسحاق قال : قال عمي : نحن نؤمن بأن الله على العرش كيف شاء وكما شاء بلا حد ولا صفة يبلغها واصف أو يحده أحد فصفات الله له ومنه وهو كما وصف نفسه .
قلت لأبي عبد الله : ( الله عز و جل يكلم عبد ه يوم القيامة ؟ قال : نعم فمن يقضي بين الخلائق إلا الله عز و جل ؟ يكلم عبده ويسأله الله متكلم لم يزل الله يأمر بما يشاء ويحكم وليس به عدل ولا مثل كيف شاء وأنى شاء )
وقال الصابوني :
حدثنا أبو يعقوب إسحاق بن إبراهيم العدل، حدثنا محبوب بن عبد الرحمن القاضي، حدثني أبو بكر بن أحمد بن محبوب، حدثنا أحمد بن حمويه حدثنا أبو عبد الرحمن العباسي، حدثنا محمد بن سلام، سألت عبدالله بن المبارك عن نزول ليلة النصف من شعبان، فقال عبدالله: يا ضعيف ليلة النصف! ينزل في كل ليلة، فقال الرجل يا أبا عبدالله! كيف ينزل؟ أليس يخلو ذلك المكان منه؟ فقال عبدالله: ينزل كيف يشاء " ا.هـ
هناك كيفية لنزوله لا يعلمها إلا هو تعالى .
وقال الشيخ الإمام أبو بكر أحمد بن هارون الخلال في كتاب "السنة" حدثنا أبو بكر الأثرم حدثنا إبراهيم بن الحارث -يعني العبادي- حدثنا الليث بن يحيى قال سمعت إبراهيم بن الأشعث قال أبو بكر -هو صاحب الفضيل- قال: سمعت الفضيل بن عياض يقول: ليس لنا أن نتوهم في الله كيف هو، لأن الله تعالى وصف نفسه فأبلغ فقال: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ. اللَّهُ الصَّمَدُ. لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ.وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ} فلا صفة أبلغ مما وصف به نفسه، وكل هذا النزول والضحك، وهذه المباهاة، وهذا الاطلاع كما يشاء أن ينزل، وكما يشاء أن يباهي، وكما يشاء أن يضحك، وكما يشاء أن يطلع، فليس لنا أن نتوهم كيف وكيف، فإذا قال الجهمي: أنا أكفر برب يزول عن مكانه فقل: بل أؤمن برب يفعل ما يشاء " ا.هـ
ونقل هذا عن الفضيل جماعة منهم البخاري في كتابه خلق أفعال العباد.
فأثبت للنزول والضحك والمباهاة كيفيات لكن نحن لا نعلمها ولا ينبغي لنا أن نتوهمها
ـ وقال العلامة ابن أبي زيد في رسالته :
" وهو العليم الخبير، المدبّر القدير السميع البصير العلي الكبير، وإنه فوق عرشه المجيد بذاته، وهو بكل مكان بعلمه " ا.هـ
هو في المطبوع من رسالته ونقله من رسالته كثير من المالكية .
وقال رحمه الله في مختصر المدونة :
" وأنه تعالى فوق عرشه بذاته فوق سبع سمواته دون أرضه "
نقله من المختصر ابن القيم في اجتماع الجيوش
فقوله : " بذاته " هو إثبات للمعنى صريح
ـ القاضي عبد الوهاب إمام المالكية بالعراق رحمه اللّه تعالى
هو أيضا صرح بأن الله سبحانه استوى على عرشه بذاته
نقله عنه القرطبي في الأسنى شرح الأسماء الحسنى نقلا وأبو بكر الحضرمي في رسالته التي سماها بالإيماء إلى مسألة الاستواء وابن القيم في اجتماع الجيوش ونقله شيخ الإسلام عنه في غير موضع من كتبه ونقله غير واحد من المعاصرين من كتابه
ـ الإمام أبو عمر الطلمنكي المالكي
قال في كتابه في الأصول :
" أجمع المسلمون من أهل السنة على أن اللّه استوى على عرشه بذاته.
وقال في هذا الكتاب أيضاً: أجمع أهل السنة على أنه تعالى استوى على عرشه على الحقيقة لا على المجاز... ثم ساق بسنده عن مالك قوله: اللّه في السماء وعلمه في كل مكان.
ثم قال في هذا الكتاب :
وأجمع المسلمون من أهل السنة على أن معنى قوله تعالى: " وهُوَ مَعَكُم أيْنَما كُنْتُم " سورة الحديد آية 4. ونحو ذلك من القرآن بأن ذلك علمه، وأن اللّه فوق السموات بذاته مستو على عرشه كيف شاء " ا.هـ
إثبات الاستواء على الحقيقة ونفي المجاز والتنصيص على فوقية الذات كلاهما صريح في تحقيق المعنى وإثباته .
وقال الحافظ في الفتح :
" وَقَالَ أَبُو عُمَر الطَّلَمَنْكِيّ : مِنْ تَمَام الْمَعْرِفَة بِأَسْمَاءِ اللَّه تَعَالَى وَصِفَاته الَّتِي يَسْتَحِقّ بِهَا الدَّاعِي وَالْحَافِظ مَا قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَعْرِفَةُ بِالْأَسْمَاءِ وَالصِّفَات وَمَا تَتَضَمَّن مِنْ الْفَوَائِد وَتَدُلّ عَلَيْهِ مِنْ الْحَقَائِق ، وَمَنْ لَمْ يَعْلَم ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ عَالِمًا لِمَعَانِي الْأَسْمَاء وَلَا مُسْتَفِيدًا بِذِكْرِهَا مَا تَدُلّ عَلَيْهِ مِنْ الْمَعَانِي " ا.هـ
فتأمل تقريره أهمية معرفة الصفات وما تتضمنه وما تدل عليه من الحقائق وإطلاقه هذا على جميع الصفات ، وهذا يبطل مذهب التفويض .
ـ الإمام أبو بكر محمد بن موهب التجيبي الحصار المالكي ت 406 هـ
قال في شرحه للرسالة :
" وأما قوله : إنه فوق عرشه المجيد بذاته ، فإن معنى فوق وعلا عند جميع العرب واحد ، وفي كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وتصديق ذلك قوله تعالى: " ثمَّ اسْتَوَى على العَرْش الرَّحْمنُ "
وقال تعالى: " الرَّحْمنُ عَلى العَرْش اسْتَوَى "
وقال تعالى في وصف خوف الملائكة: " يَخافُونَ ربَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ويفْعَلُونَ ما يُؤمرونَ "
وقال تعالى: " إلَيْهِ يصْعَدُ الكلِمُ الطّيّبُ والعملُ الصَالِحُ يرْفعُهُ " ونحو ذلك كثير.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للأعجمية: أين اللّه؟ فأشارت إلى السماء، ووصف النبي صلى الله عليه وسلم أنه عرج به من الأرض إلى السماء، ثم من سماء إلى سماء إلى سدرة المنتهى، ثم إلى ما فوقها حتى لقد قال: سمعت صريف الأقلام. ولما فرضت الصلوات جعل كلما هبط من مكانه تلقاه موسى عليه السلام في بعض السموات وأمره بسؤال التخفيف عن أمته، فرجع صاعداً مرتفعاً إلى اللّه سبحانه وتعالى يسأله، حتى انتهت إلى خمس صلوات ...
إلى أن قال: وقد تأتي في لغة العرب بمعنى فوق وعلى ذلك قوله تعالى: " فامْشُوا في مَنَاكِبِها " سورة الملك آية 15. يريد فوقها وعليها، وكذلك قوله تعالى: " ولأصلِبَنّكم في جُذوع النخل " سورة طه آية 71. يريد عليها، وقال تعالى: " أأمِنْتم مَنْ في السّماءِ أنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ " سورة الملك آية 16. الآيات، قال أهل التأويل العالمون بلغة العرب: يريد فوقها، وهو قول مالك مما فهمه عن جماعة ممن أدرك من التابعين، مما فهموه عن الصحابة رضي الله عنهم، مما فهموه عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الله في السماء بمعنى فوقها وعليها، فلذلك قال الشيخ أبو محمد: إنه فوق عرشه المجيد بذاته، ثم بيّن أن علوه على عرشه إِنما هو بذاته لأنه بائن عن جميع خلقه بلا كيف، وهو في كل مكان من الأمكنة المخلوقة بعلمه لا بذاته، إذ لا تحويه الأماكن، لأنه أعظم منها، وقد كان ولا مكان، ولم يحل بصفاته عما كان، إذ لا تجري عليه الأحوال، لكن علوه في استوائه على عرشه هو عندنا بخلاف ما كان قبل أن يستوي على العرش لأنه قال: " ثمَّ اسْتَوَى عَلَى العَرْش " وثم أبداً لا يكون إلا لاستئناف فعل يصير بينه وبين ما قبله فسحة إلى أن قال: وقوله: " على العَرْشِ اسْتَوَى " فإنما معناه عند أهل السنة على غير الاستيلاء والقهر والغلبة والملك الذي ظنته المعتزلة، ومن قال بقولهم: إنه بمعنى الاستيلاء.
وبعضهم يقول: إنه على المجاز دون الحقيقة. قال: ويبين سوء تأويلهم في استوائه على عرشه على غير ما تأولوه من الاستيلاء وغيره ما قد علمه أهل العقول أنه لم يزل مستولياً على جميع مخلوقاته بعد اختراعه لها، وكان العرش وغيره في ذلك سواء، فلا معنى لتأويلهم بإفراد العرش بالاستواء الذي هو في تأويلهم الفاسد استيلاء وملك وقهر وغلبة.
قال: وكذلك بيّن أيضاً أنه على الحقيقة بقوله عز وجل: " ومَنْ أصْدَقُ مِنَ اللهِ قيلاً " سورة النساء آية 122. فلما رأى المنصفون إفراد ذكره بالاستواء على عرشه بعد خلق سمواته وأرضه وتخصيصه بصفة الاستواء، علموا أن الاستواء هنا غير الاستيلاء ونحوه، فأقروا بصفة الاستواء على عرشه، وأنه على الحقيقة لا على المجاز لأنه الصادق في قيله، ووقفوا عن تكييف ذلك وتمثيله، إذ ليس كمثله شيء من الأشياء.ا.هـ
انظر اجتماع الجيوش ص 156 وص 187 والعلو 264
هذا السيل من إثبات المعاني لايمكن أن تصمد أمامه شبهات التفويض
ـ الإمام محمد بن أبي زمنين المالكي
قال عن حديث النزول :
" وهذا الحديث بيّن أن الله عز وجل على عرشه في السماء دون والأرض ، وهو أيضا بيّنٌ في كتاب الله ، وفي غير ما حديث عن رسول الله" ا.هـ
فكيف حديث النزول يبين أن الله على العرش في السماء دون الأرض لو كان معناه مفوضا ؟!!
وكيف يكون هذا المعنى بينا في النصوص كما ادعى ابن أبي زمنين لو كانت مفوضة ؟!!
وقال الإمام ابن أبي زمنين :
" ومن قول أهل السنة : أن الله عز وجل خلق العرش واختصه بالعلو والارتفاع فوق جميع ما خلق ، ثم استوى عليه كيف شاء ، كما أخبر عن نفسه " ا.هـ
فأثبت ارتفاع الرب على عرشه وهذا إثبات للمعنى
وذكر الإمام ابن أبي زمنين حديث أبي رزين ( كان الله في عماء ) ثم قال :
" [ العماء ] السحاب الكثيف المطبق فيما ذكر الخليل " ا.هـ
وهذا ينافي التفويض
وقال رحمه الله :
" ومن قول أهل السنة : أن الكرسي بين يدي العرش وأنه موضع القدمين " ا.هـ
لم يرد ذكر الكرسي وأنه موضع القدمين إلا في آثار السلف وهذا من أظهر الأدلة على الإثبات
وقال ابن أبي زمنين :
" ومن قول أهل السنة : أن الله عز وجل [ بائن ] من | خلقه ، محتجب عنهم بالحجب " ا.هـ
وقال رحمه الله :
" ومن قول أهل السنة : أن الله عز وجل ينزل إلى سماء | السماء الدنيا ، ويؤمنون بذلك من غير أن يحدوا فيه حدا ...
وأخبرني وهب [ عن ] ابن ضاح عن زهير بن عباد قال : كل من | أدركت من المشايخ : مالك وسفيان وفضيل بن عياض وعيسى وابن | المبارك ووكيع كانوا يقولون : [ النزول ] حق " ا.هـ
فهو نزول حقيقي عند هذا الإمام ومن نقل عنهم من السلف
وقال ابن أبي زمنين :
" ومن قول أهل السنة : أن الله عز وجل يحاسب عباده | يوم القيامة ويسألهم مشافهة منه إليهم ، وقال عز وجل : ^ ( يوم يجمع | الله الرسل فيقول : ماذا أجبتم ..." ا.هـ
فقوله : " مشافهة " هو منه تناول صريح للمعنى بلا خلاف ويناقض التفويض
ـ الإمام عبيد الله ابن بطة :
قال مخاطبا الجهمية نفاة الفوقية :
" قلنا أما قولكم إنه لا يكون على العرش لأنه أعظم من العرش فقد شاء الله أن يكون على العرش وهو أعظم منه
قال الله تعالى : ( ثم استوى إلى السماء )
وقال : ( وهو الله في السماوات )
ثم قال : ( وفي الأرض يعلم ..) فأخبر أنه في السماء وأنه بعلمه في الأرض ، وقال : ( الرحمن على العرش استوى )
وقال : ( ثم استوى على العرش الرحمن )
وقال : ( إليه يصعد الكلم الطيب )
فهل يكون الصعود إلا إلى ما علا " ا.هـ
تأمل إثبات المعنى
وقال :
" لكنا نقول إن ربنا تعالى في أرفع الأماكن وأعلى عليين قد استوى على عرشه فوق سماواته وعلمه محيط بجميع خلقه يعلم ما نأى كما يعلم ما دنى ويعلم ما بطن كما يعلم ما ظهر كما وصف نفسه تعالى "
وقال ابن بطة في الشرح والإبانة :
" ( بَعْضُ اَلصِّفَاتِ اَلْخَبَرِيَّةِ ) :
ثُمَّ اَلْإِيمَانُ وَالْقَبُولُ وَالتَّصْدِيقُ بِكُلِّ مَا رَوَتْهُ اَلْعُلَمَاءُ وَنَقَلَهُ اَلثِّقَاتُ أَهْلُ اَلْآثَارِ عَنْ رَسُولِ اَللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَيَلْقَاهَا بِالْقَبُولِ وَلَا تُرَدُّ بِالْمَعَارِيضِ وَلَا يُقَالُ لِمَ وَكَيْفَ وَلَا تُحْمَلُ عَلَى اَلْمَعْقُولِ وَلَا تُضْرَبُ لَهَا اَلْمَقَايِيسُ وَلَا يُعْمَلُ لَهَا اَلتَّفَاسِيرُ إِلَّا مَا فَسَّرَهُ رَسُولُ اَللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَوْ رَجُلٌ مِنْ عُلَمَاءِ اَلْأُمَّةِ مِمَّنْ قَوْلُهُ شِفَاءٌ وَحُجَّةٌ مِثْلُ أَحَادِيثِ الصفات وَالرُّؤْيَةِ.
وَمِثْلُ مَا رُوِيَ أَنَّ اَللَّهَ - عز وجل - يَضَعُ اَلسَّمَوَاتِ عَلَى إِصْبُعٍ وَالْأَرَضِينَ عَلَى إِصْبُعٍ .
وَأَنَّ اَللَّهَ - عز وجل - يَضَعُ قَدَمَهُ فِي اَلنَّارِ فَتَقُولُ. قَطْ قَطْ.
وَقُلُوبُ اَلْعِبَادِ بَيْنَ إِصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ اَلرَّحْمَنِ.
وَأَنَّ اَللَّهَ - عز وجل - عَلَى اَلْعَرْشِ.
وَلِلْعَرْشِ أَطِيطٌ كَأَطِيطِ اَلرَّحْلِ اَلْجَدِيدِ .
وَأَنَّ اَللَّهَ - عز وجل - أَخَذَ اَلذُّرِّيَّةَ مِنْ ظَهْرِ آدَمَ بِيَدِهِ اَلْيُمْنَى وَكِلْتَا يَدَيْهِ يَمِينٌ مُبَارَكَةٌ, فَقَالَ هَذِهِ لِهَذِهِ وَلَا أُبَالِي .
وَلَا يُقَبَّحُ اَلْوَجْهُ فَإِنَّ اَللَّهَ خَلَقَ آدَمَ عَلَى صُورَتِهِ.
وَقَالَ اَلنَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - رَأَيْتُ رَبِّي فِي صُورَةِ كَذَا.
قَدْ رَوَى هَذِهِ اَلْأَحَادِيثَ اَلثِّقَاتُ مِنْ اَلصَّحَابَةِ وَالسَّادَاتُ مِنْ اَلْعُلَمَاءِ مِنْ بَعْدِهِمْ مِثْلُ اِبْنِ عُمَرَ وَعَائِشَةَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَجَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اَللَّهِ وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ وَغَيْرِهِمْ.
وَأَنَّ اَللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَنْزِلُ كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى سَمَاءِ اَلدُّنْيَا.
لَا يُقَالُ لِهَذَا كُلِّهِ كَيْفَ وَلَا لِمَ بَلْ تَسْلِيمُهَا لِلْقُدْرَةِ وَإِيمَانًا بِالْغَيْبِ كُلَّمَا عَجَزَتْ اَلْعُقُولُ عَنْ مَعْرِفَتِهِ فَالْعِلْمُ بِهِ وَعَيْنُ اَلْهِدَايَةِ فِيهِ اَلْإِيمَانُ بِهِ وَالتَّسْلِيمُ لَهُ وَتَصْدِيقُ رَسُولِ اَللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِيمَا قَالَهُ هُوَ أَصْلُ اَلْعِلْمِ وَعَيْنُ اَلْهِدَايَةِ لَا تُضْرَبُ لِهَذِهِ اَلْأَحَادِيثِ وَمَا شَاكَلَهَا اَلْمَقَايِيسُ وَلَا تُعَارَضُ بِالْأَمْثَالِ وَالنَّظَائِرِ" ا.هـ
انظر إلى قوله : " إِلَّا مَا فَسَّرَهُ رَسُولُ اَللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَوْ رَجُلٌ مِنْ عُلَمَاءِ اَلْأُمَّةِ مِمَّنْ قَوْلُهُ شِفَاءٌ وَحُجَّةٌ "
وقال ابن بطة العكبري في الإبانة :
" فقيل للحلولية لم أنكرتم أن يكون الله تعالى على العرش
وقال الله تعالى الرحمن على العرش استوى
وقال ثم استوى على العرش الرحمن فسأل به خبيرا فهذا خبر الله أخبر به عن نفسه وأنه على العرش " ا.هـ
وقال ابن بطة :
" ومن ذلك قول النبي عجب ربك من شاب ليس له صبوة أي إن الله محب له راض عنه عظيم قدره عنده "
وقال :
" باب الإيمان بالتعجب
وقالت الجهمية إن الله لا يعجب
ثم قال : والتعجب على وجهين :
أحدهما : المحبة بتعظيم قدر الطاعة والسخط بتعظيم قدر الذنب ومن ذلك قول النبي عجب ربك من شاب ليس له صبوة أي إن الله محب له راض عنه عظيم قدره عنده .
والثاني : التعجب على معنى الاستنكار للشيء وتعالى الله عن ذلك علوا كبيرا لأن المتعجب من الشيء على معنى الاستنكار هو الجاهل به الذي لم يكن يعرفه فلما عرفه ورآه استنكره وعجب منه وجل الله أن يوصف بذلك ا.هـ
والأول في هذا الشرح بمعنى الإعجاب ، وأما الآخر فبمعنى التعجب
وتحقيق المعنى في كلامه ظاهر
ـ الإمام علي بن عمر الدارقطني ت385 هـ
قال رحمه الله :
" حديث الشفاعة في أحمد .. إلى أحمد المصطفى نسنده .
فأما حديث إقعاده .. على العرش فلا نجحده .
أمروا الحديث على وجهه .. و لا تدخلوا فيه ما يفسده .
و لا تنكروا أنه قاعد .. و لا تجحدوا أنه يقعده " ا.هـ
روى هذه الأبيات عنه أبو محمد الدشتي في " إثبات الحد "
144 / 1 - 2 ) كما نقله العلامة الألباني من المخطوط من طريق أبي العز أحمد بن عبيد الله بن كادش : أنشدنا أبو طالب
محمد بن علي الحربي : أنشدنا الإمام أبو الحسن علي بن عمر الدارقطني رحمه الله : ... فذكرها
وراها الذهبي في العلو فقال :
أنبأني أحمد بن سلامة عن يحيى بن يونس أنبأنا ابن كادش أنشدنا أبو طالب العشاري أنشدنا الدارقطني رحمه الله تعالى ...
ومدار هاتين الروايتين على ابن كادش وفيه كلام ولا يصح اتهامه بالوضع فقد ذكر حديثا واحدا واعترف به وتاب
لكن جاءت من غير طريقه فقد ذكر الأبيات القاضي أبو يعلى في إبطال التأويلات و قال :
" وقد أنشد أبوطالب العشاري هذه الأبيات عن الدارقطني ..."
والعشاري الذي عليه مدار هذه الأبيات هو تلميذ الإمام الدارقطني
إمام ثقة مكثر .
قال عنه الخطيب كما في تاريخ بغداد وهو تلميذ العشاري وأعرف به من غيره قال عنه :
" كتبت عنه، وكان ثقةً صالحاً " .
وقال ابن أبي يعلي في طبقات الحنابلة :
" كان العشارى من الزهاد "
وقال السمعاني :
" كان صالحا سديد السيرة مكثرا من الحديث " ا.هـ
ووثقه ابن الجوزي فقال : " وكان ثقة دينا صالحا "
وقال الذهبي : " كان فقيها عالما زاهدا خيّرا مكثرا "
وقال عنه : " الشيخ الجليل، الأمين "
وقال ابن كثير : " وكان ثقة دينا صالحا "
ووثقه الحافظ ابن ناصرالدين الدمشقي
وكذا وثقه السيوطي
وقال ابن العماد عنه : " الصالح ... كان فقيها حنبليا .. وكان خيرا عالما زاهدا "
وترجم له الصفدي وذكر صلاحه عن الخطيب ولم يجرحه
ومن صلاحه أنه كان يُستسقى به في صلاة الاستسقاء
فرجل يُعدّل كل هذا التعديل هو ثقة حجة .
وقد تكلم فيه الإمام الذهبي بمحض الظن وبما لم يسبق به وبما يعارض كلام كل من سبقه فقال كما في الميزان :
" شيخ صدوق معروف، لكن أدخلوا عليه أشياء فحدث بها بسلامة باطن، منها حديث موضوع في فضل ليلة عاشوراء ومنها عقيدة للشافعي " ا.هـ
ثم ذكر الذهبي حديثا آخر كمثال على ما أدخل على العشاري فقال :
" ومنها: قال: حدثنا ابن شاهين، حدثنا أبو بكر بن أبي داود، حدثنا شاذان، حدثنا سعد بن الصلت، حدثنا هارون بن الجهم، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن على، قال: أتى النبي صلى الله عليه وسلم بسبعة فأمر عليا أن يضرب أعناقهم، فهبط جبرائيل فقال: لا تضرب عنق هذا.
قال: لم ؟ قال: لانه حسن الخلق سمح الكف.
قال: يا جبرائيل، أشئ عنك أو عن ربك ؟ قال: بل ربى أمرنى بذلك.
هارون أيضا ليس بمعتمد " ا.هـ
ثم ساق الذهبي حديث فضل عاشوراء الذي ظن أنه أدخل على العشاري
ثم قال : قلت : " ليس بحجة " ا.هـ
وهذا من الذهبي اجتهاد خاطئ ومجرد ظنون لا تستند على أي برهان ولا يوافقه عليه باحث متخصص بعد معرفة ما سأذكره
فأما حديث فضل عاشوراء فقد ذكره الذهبي نفسه في الموضوعات ولم يتهم به العشاري كما في تلخيصه
وقال الإمام ابن ناصر الدين الدمشقي في رسالته اللفظ المكرم في فضل عاشوراء المحرم عن الحديث نفسه :
" قال أبو طالب محمد بن علي العشاري : ثنا أبو بكر أحمد بن منصور النوشري ثنا أحمد بن سلمان الحنبلي ثنا إبراهيم الحربي ثنا شريح بن النعمان ثنا ابن أبي الزناد عن أبيه عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه مرفوعاً : إن الله - عز وجل - افترض على بني إسرائيل صوم يوم في السنة وهو يوم عاشوراء ، وهو اليوم العاشر من المحرم فصوموه ووسعوا على أهليكم فيه وذكر الحديث مطولاً ...
ثم قال الإمام ابن ناصر الدين :
" وهذا حديث موضوع قبح الله من وضعه وافتراه فلقد تبوأ بيتاً في جهنم يصير مأواه .
ولا تحل روايته إلا لهتك حاله وإظهار المتهم من بين رجاله ، ورجال الحديث ثقات إلا النوشري المذكور وهو أحمد بن منصور بن محمد بن حاتم فإني أتهمه به والله تعالى أعلم " ا.هـ
فمع أن النوشري وثقه الخطيب والسمعاني ومع ذلك اتهمه الإمام ابن ناصرالدين به ولم ينزهه من تبعة الوضع باعتبار أنه أدخل عليه وإنما اتهمه به
ولم يتهم الإمام العشاري بل برأه ووثقه ضمن بقية رجال السند
وأيضا السيوطي في اللآلئ ساقه من طريق العشاري ثم قال :
" ورجاله ثقات والظاهر أن بعض المتأخرين وضعه وركبه على هذا الإسناد "
فبرأ الإمام العشاري واتهم به غير رجال السند وفي هذا مبالغة في التبرئة
وفي تنزيه الشريعة لابن عراق بعد نقله لكلام الذهبي من الميزان قال :
" وفي سنده أبو بكر النجاد وقد عمى بأخرة وجوز الخطيب أن يكون أدخل عليه شيء فيحتمل أن يكون هذا مما أدخل عليه والله أعلم "
وهذا أخذه ابن عراق عن ابن حجر فقد قال في اللسان :
" قلت وقد تقدم في ترجمة النجاد أنه عمي بآخره وأن الخطيب جوز ان يكون ادخل عليه شيء وهذا التجويز محتمل في حق العشاري أيضا وهو في حق ابن أبي الزناد بعيد فقد وثقه مالك وعلق له البخاري بالجزم والعلم عند الله تعالى " ا.هـ
فلماذا جعل الحافظ ابن حجر الوضع من جهة العشاري مجرد احتمال ومن باب أنه أدخل عليه لا أنه مقطوع به كاحتمال أن يكون أدخل على النجاد ؟
لماذا هذا التنزيه للعشاري حتى في هذا المقام ؟
مع أن ابن حجر ذكر هذا الاحتمال في حق العشاري تأثرا بالذهبي عند تعليقه على الميزان
هذا دليل على أنه يرى براءته من أي اتهام ويرى أن إدخال شيء عليه ليس أمرا طبيعيا وأنه ثقة معتبر .
بالله عليكم لو كان العشاري متهما أو محل ريب وشك أو هو مظنة إلصاق الموضوعات وإدخالها من جهته هل يجوز مع هذا الشك في غيره كالشك في إدخالها من جهة الإمام النجاد كما احتمل ابن حجر وابن عراق ؟!! ..
أو الشك بل الجزم في إدخالها من جهة أحمد بن منصور النوشري كما جزم الحافظ ابن ناصر الدين
أو الشك في أنه مركب من قبل بعض المتأخرين دون أن يكون للعشاري فيه دخل كما رجح السيوطي
وأيضا لم يلق ابن الجوزي بتبعة الوضع على العشاري مع جزمه بوضع الرواية
فبالله عليكم هل هذا المثال يصلح للطعن به في مرويات رجل كالعشاري وثق كل ذلك التوثيق ؟!
وأما الحديث الآخر السابق عن حسن الخلق الذي ذكره الذهبي على أنه قد يكون أدخل على العشاري فقد أبان الذهبي في نفس المقام أن إدخال هذه الرواية من قبل أحد الوضاعين على العشاري هو مجرد ظن واحتمال من الذهبي وذلك عندما ذكر أن راويه هارون بن الجهم " ليس بمعتمد " مشيرا إلا أن تبعة الوضع قد تناط به
وهذا يمثل تذبذبا من الذهبي في إلقائه التبعة على العشاري وما بمثل هذه التذبذبات ترد توثيقات الأئمة لمثل العشاري الإمام والمحدث المكثر
وقد أورد نفس الرواية الإمام ابن الجوزي في العلل المتناهية من طريق العشاري أبي طالب العشاري قال اخبرنا ابن شاهين قال نا عبد الله بن سليمان قال حدثنا اسحاق بن ابراهيم شاذان قال حدثنا سعد بن الصلت قال نا هارون بن الجهم عن جعفر بن محمد عن ابيه عن علي بن ابي طالب قال :
أُتي رسول الله ( ص ) بسبعة من الاسارى فأمر عليا ان يضرب اعناقهم قال فهبط جبريل فقال يا محمد اضرب اعناق هؤلاء الستة ولا تضرب عنق هذا قال يا جبريل لم قال لانه كان حسن الخلق سمح الكف مطعما للطعام قال يا جبريل اشيء عنك او عن ربك قال ربي امرني بذلك
ثم قال ابن الجوزي :
" هذا حديث لا يصح وسعد وهارون مجهولان "
فنزه بهذا الإعلال الإمامَ العشاري وأبعده عن تبعة دخول الوضع من جهته .
وهارون بن الجهم لا يبعد أن يكون شيعيا فله رواية في كتبهم وهو بالإضافة إلا أنه غير معروف الحال فهو يخالف ويروي المنكرات
ذكره العقيلي في الضفاء وذكر أنه يخالف في حديثه وكذا الذهبي أورده في كتابه : " المغني في الضعفاء "
والناظر في رواياته لا يجد حرجا في اتهامه بهذا الحديث
أما سعد فهو قاض معروف لكنه لم يوثق في الرواية إلا من قبل ابن حبان وذكر أنه " ربما أغرب " لكنه لا يتهم
وعلى كل حال فالعشاري ثقة إمام لا يقارن بهارون ولا بسعد فلا وجه لاحتمال الذهبي
وأما جزء الاعتقاد الذي رواه فهو لم يتفرد به برمته
واعتمد غير واحد من السلف ما هو مثبت في هذه العقيدة كالموفق ابن قدامة في كتاب صفة العلو ص124 أو ذم التأويل , وابن أبي يعلى في الطبقات 1/283 , وابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية ص165 , والذهبي نفسه في السير 10/79
وقرئت على الإمام الحافظ ابن نصر الدمشقي كما نقله أحد الباحثين
وذكر جملة منها
أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الكرجي فِي كِتَابِهِ الَّذِي سَمَّاهُ " الْفُصُولُ فِي الْأُصُولِ عَنْ الْأَئِمَّةِ الْفُحُولِ إلْزَامًا لِذَوِي الْبِدَعِ وَالْفُضُولِ " وَكَانَ مِنْ أَئِمَّةِ الشَّافِعِيَّةِ ...
قَالَ وَذَكَرَ الشَّافِعِيُّ الْمُعْتَقَدَ بِالدَّلَائِلِ فَقَالَ " لِلَّهِ أَسْمَاءٌ وَصَفَاتٌ جَاءَ بِهَا كِتَابُهُ ؛ وَأَخْبَرَ بِهَا نَبِيُّهُ أُمَّتَهُ ؛ لَا يَسَعُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِ اللَّهِ قَامَتْ عَلَيْهِ الْحُجَّةُ رَدُّهَا - إلَى أَنْ قَالَ - نَحْوَ إخْبَارِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ إيَّانَا أَنَّهُ سَمِيعٌ بَصِيرٌ وَأَنَّ لَهُ يَدَيْنِ لِقَوْلِهِ : { بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ } وَأَنَّ لَهُ يَمِينًا بِقَوْلِهِ : { وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ } وَأَنَّ لَهُ وَجْهًا لِقَوْلِهِ : { كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إلَّا وَجْهَهُ } وَقَوْلُهُ : { وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ } وَأَنَّ لَهُ قَدَمًا لِقَوْلِهِ : { حَتَّى يَضَعَ الرَّبُّ فِيهَا قَدَمَهُ } يَعْنِي جَهَنَّمَ . وَأَنَّهُ يَضْحَكُ مِنْ عَبْدِهِ الْمُؤْمِنِ { لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلَّذِي قُتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ : إنَّهُ لَقِيَ اللَّهَ وَهُوَ يَضْحَكُ إلَيْهِ } وَأَنَّهُ يَهْبِطُ كُلَّ لَيْلَةٍ إلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا لِخَبَرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ وَأَنَّهُ لَيْسَ بِأَعْوَرَ { لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذْ ذَكَرَ الدَّجَّالَ فَقَالَ : إنَّهُ أَعْوَرُ وَإِنَّ رَبَّكُمْ لَيْسَ بِأَعْوَرَ } وَأَنَّ الْمُؤْمِنِينَ يَرَوْنَ رَبَّهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِأَبْصَارِهِمْ كَمَا يَرَوْنَ الْقَمَرَ لَيْلَةَ الْبَدْرِ وَأَنَّ لَهُ إصْبَعًا لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَا مِنْ قَلْبٍ إلَّا وَهُوَ بَيْنَ إصْبَعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ } .
قَالَ : " وَسِوَى مَا نَقَلَهُ الشَّافِعِيُّ أَحَادِيثُ جَاءَتْ فِي الصِّحَاحِ وَالْمَسَانِيدِ وَتَلَقَّتْهَا الْأُمَّةُ بِالْقَبُولِ وَالتَّصْدِيقِ
عن مجموع الفتاوى
ونقل طرفا منها مختصرا عن ابن أبي حاتم الإمام ابن القيم في الاجتماع
وطرف منها مقارب جاء من طريق الهكاري
ما أظن صادقا يطلع على كل هذا العرض لكلام الأئمة ثم يجعل من هذه الرواية مصدر طعن على العشاري الذي تتابع الأئمة على توثيقه
وخاصة من تلميذه الآخذ عنه والمعاصر له والأعلم من بين كل من تكلم عن حاله وهو الخطيب
فسامح الله الذهبي لم يتكلم بحجة وله في هذه الناحية أخطاء فهو يشكك في صحة بعض الكتب بنحو هذه الاحتمالات التي لم يسبق إليها ولا يوافقه عليها غيره ولا يقبلها باحث مؤصل منصف
ومن هذا ما ذكره في السير عن كتاب الرد على الجهمية للإمام أحمد فإنه قد عنه :
" ولا كالرد على الجهمية الموضوع على أبي عبد الله (1)، فإن الرجل كان تقيا ورعا لايتفوه بمثل ذلك ، ولعله قاله "
فانظر كيف جزم بوضع الكتاب وفي آخر العبارة نفسها نقض هذا الجزم وقال بإمكانية صحة الكتاب عندما قال : ولعله قاله
ثم في نفس الكتاب ( السير ) نقل عن ابن الجوزي أن أحمد كتب الكتاب وأقره بعدم اعتراضه
بل في كتابه تاريخ الإسلام عند ترجمته للامام احمد بن حنبل نقل طرفا من كتاب الرد على الجهمية معتمدا له ونقَل نقْل المحتج
ومثال آخر : محمد بن علي بن سهل
اتهمه الذهبي بوضع حديث ثم في نفس المقام احتمل أنه أدخل عليه
مع أن في نفس إسناد الحديث الذي اتهمه به رجل متهم بالوضع وآخر متروك وهو أصبغ بينما محمد بن علي بن سهل فيه بعض الضعف وهو
وهو شيخ ابن عدي قال عنه ابن عدي
" وله غير هذا من الحديث ما كتبناه عنه مستقيمة وسألت عنه بمرو فأثنوا عليه خيرا وأرجو أن لا بأس به "
فصنيع الإمام الذهبي لايستقيم في أصول هذا الباب
وفي حق راو آخر نقل الذهبي عن ابن النجار اتهامه بالوضع وبين الحافظ خطأ الذهبي في العبارة وأنه نقل ما نقله دون أن يقف على كلام ابن النجار
وكل هذا بصراحة يوجب عدم اعتبار ما يذكره الذهبي مما لم يسبق إليه في مثل هذه المسائل وخاصة عندما يكون كلامه مخالفا لمن سبقه فضلا عن أنه لم يسبق إليه
وفي الرواية السابقة ذكر الإمام الذهبي بمجرد الظن ما خالف به من
سبقه بما لم يسبق إليه وعليه فالعشاري ثقة إمام بلا إشكال
مع أننا لو سلمنا ببعض ما قاله الذهبي في العشاري من أنه أدخل عليه حديث أو اثنان فهذا لا يمنع من قبول رواياته في الأصل فكم من إمام وُصف ببعض هذا ولم يكن ذلك مانعا من قبول رواياته
فهذا الحافظ ابن أبي عمر العدني صاحب المسند قال أبو حاتم عن زيادة رواها : «وكان بشر بن السري ثبتاً، فليته أن لا يكون أُدخِل على ابن أبي عمر» ومع أنه كان فيه نوع غفلة ومع هذا لم ترد رواياته
وكذا أحمد بن المفضل ، وأحمد بن عبد الرحمن بن وهب وعبد العزيز بن معاوية ، ومحمد بن عبد الله بن المثنى ، وأحمد بن سعيد الهمداني
وأحمد بن محمد بن السندي، وأبو الفوارس بن الصابونى المصرى .
فكيف والعشاري لم يثبت أنه أدخلت من جهته روايات موضوعة
ثم الذين يحاولون استغلال كلام الذهبي الخاطئ ويضعفون بسببه بعض مرويات العشاري العقدية التي تخالف عقائدهم هم قد فتحوا بابا خطيرا على أنفسهم فهو نفسه الإمام العشاري قد روى كتبا علمية كثيرة يعتمدها هذا المخالف نفسه فهو قد روى :
ذكر أسماء التابعين ومن بعدهم للدارقطني ، والترغيب لابن شاهين والإلزامات والتتبع للدارقطني ، وجزء من حدث ونسي للدارقطني والعيدين لابن أبي الدنيا ، والعزاء لابن أبي الدنيا وفضل الصدقة بل جملة كبيرة من كتب ابن أبي الدنيا والعرش لابن أبي شيبة والأحاديث التي خولف فيها مالك ، وجملة من المصنفات الأخرى
فاربعوا على أنفسكم ياقوم وما هكذا تورد الإبل !!
والغريب أن الجزء الذي رواه عن الشافعي في الاعتقاد خصومنا أنفسهم في روايات مماثلة لكلام الشافعي في بعض الكتب الثابتة لا نجدهم يستنكرون الكلام لأنه ثابت واستنكارهم يكشف حقيقتهم فيقولون مخاصمة لنا نحن لا ننكره والمراد منه التفويض بينما هنا والكلام نحوه يصفونه بالتجسيم و يسبون لأجله العشاري ويضللونه
فسبحان الخلاق العليم !!!
ومن كل ما تقدم يتبين لك صحة الأبيات عن الدارقطني وقد عزا القول بمقتضاها للدارقطني الشّهاب الخفاجيّ في حاشيته على «الشّفا»
وقد ذكر قول الدارقطني هذا كثير من المفسّرين عند قوله ـ تعالى ـ : ?عسى أن يبعثك ربّك مقامًا محمودًا?؛ فممّن ذكره في تفسيره: الإمام أبو جعفر ابن جرير الطّبريّ في تفسيره «جامع البيان»، ومنهم: الإمام الشّيخ علي البغداديّ ـ المعروف بالخازن ـ ، ومنهم: الإمام الحافظ جلال الدّين السّيوطيّ في تفسيره «الدّر المنثور في التّفسير بالمأثور»،
ـ الإمام يحيى بن عمار السجزي رحمه اللّه تعالى
قال في رسالته التي في السنة :
" بل نقول هو بذاته على العرش، وعلمه محيط بكل شيء، وسمعه وبصره وقدرته مدركة لكل شيء، وهو معنى قول اللّه تعالى: " وهو معكم " ا.هـ
قال ابن القيم : " ورسالته موجودة مشهورة "
نقله عن يحيى الإمام التيمي في الحجة في بيان المحجة ج2/ص109 وابن القيم في اجتماع الجيوش ص (279)
وهذا إثبات صريح للمعنى
ـ ع الإمام الخطابي
قال البيهقي رحمه الله :
" قال أبو سليمان الخطابي فيما أخبرت عنه : الحنان معناه ذو الرحمة والعطف ، والحنان مخففا الرحمة " ا.هـ
وقال البيهقي شارحا أسماء الله :
" وَمِنْهَا الْجَمِيلُ.
... وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ : الْجَمِيلُ هُوَ الْمُجَمِّلُ الْمُحَسِّنُ ، فَعِيلٌ بِمَعْنَى مُفَعِّلٍ ، وَقَدْ يَكُونُ الْجَمِيلُ مَعْنَاهُ ذُو النُّورِ وَالْبَهْجَةِ ، وَقَدْ رُوِيَ فِي الْحَدِيثِ إِنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ " ا.هـ
مع أن البيهقي حاول أن يؤول عبارة الخطابي بما يوافق مذهبه !!
بالله ألم يقل النبي عن الله : " جميل " في مقام الجواب عمن سأل عن الحسن والجمال المعروف ؟ ألا يكون لوصفه بهذا في سياق كهذا أي معنى ؟
وهل فهم الصحابي جواب النبي ؟
وإذا علمت أن الجهمية الذين كانوا يعذبون الإمام أحمد كانوا ينكرون صفة الجمال كما سأبينه في فرصة لاحقة تبين لك أن إثبات الجمال وتحقيق معناه بالبهجة والنور هو من الإثبات الصريح للمعنى
وإن كان الخطابي صاحب اضطراب في الصفات لكني ذكرت كلامه من باب الاعتراف وهكذا من أذكرهم ممن يحسبون على الأشاعرة أذكر كلامهم من باب اعترافهم
ـ ع الإمام الثعلبي
قال الإمام الثعلبي في تفسيره المسمى بالكشف والبيان :
" وتعلقت الجهمية والمعتزلة بهذه الآية ، استدلوا منها على إن الله بكل مكان ، قالوا : لمّا قال ( وَهُوَ مَعَهُمْ ) ثبت إنه بكل مكان لأنه قد اثبت كونه معهم وقال لهم حق قوله وهو معهم إنه يعلم ما يقولون ولا يخفى عليه فعلهم لأنه العالم بما يظهره الخلق وبما يستره ، وليس في قوله وهو معهم ما يوجب إنه بكل مكان لأنه قال ( أأمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الأرْضَ ) ولم يرد قوله إنه في السماء يَعني غير الذات لأن القول : أنّ زيداً في موضع كذا من غير أن يعتد بذكر فعل أو شيء من الأشياء لايكون إلاّ بالذات ، وقال تعالى ( إليه يصعد الكلم الطيب ) وقال : ) يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ( فأخبر أنه ( يرفع ) الأشياء من السماء ولا يجوز أن يكون معهم بذاته ثم يدبر الأمر من السماء وإليه يصعد الكلم الطيب " ا.هـ
ولم يثبت الثعلبي في مواطن أخرى من كتابه على هذا القول ، لكن هذا الكلام منه يمثل اعترافا مهما باعتباره متأثرا بالأشاعرة .
ـ الإمام أبو نصر الوائلي السجزي ت 444 هـ
قال رحمه الله في كتابه الإبانة :
" وأئمتنا كالثوري. ومالك. وابن عيينة. وحماد بن زيد. والفضيل وأحمد. وإسحاق متفقون على أن اللّه فوق العرش بذاته، وأن علمه بكل مكان " ا.هـ
وقوله : بذاته كافٍ في إثبات المراد
وعن كتابه الإبانة نقله الذهبي في العلو 248 ، وابن القيم في اجتماع الجيوش .
ـ الإمام الحافظ أبو عمرو ابن عبد البر رحمه الله ت 463 هـ
قال في كتابه التمهيد بعد ذكره لحديث الجارية :
" معاني هذا الحديث واضحة يستغنى عن الكلام فيها ، وأما قوله : " أين الله ؟ فقالت في السماء " فعلى هذا أهل الحق لقول الله عز و جل : ( آمنتم من في السماء ) ولقوله : ( إليه يصعد الكلم الطيب ) ولقوله : ( تعرج الملائكة والروح إليه ) ومثل هذا في القرآن كثير قد أتينا عليه في باب ابن شهاب في حديث النزول .
وفيه رد على المعتزلة وبيان لتأويل قول الله عز و جل : ( الرحمان على العرش استوى ) ولم يزل المسلمون في كل زمان إذا دهمهم أمر وكربهم غم يرفعون وجوههم وأيديهم إلى السماء رغبة إلى الله عز و جل في الكف عنهم " ا.هـ
وبنحوه في الاستذكار
وقال ابن عبد البر في الاستذكار عن حديث النزول :
" وفي هذا الحديث دليل على أن الله عز و جل في السماء على العرش من فوق سبع سماوات وعلمه في كل مكان كما قالت الجماعة أهل السنة أهل الفقه والأثر
وحجتهم ظواهر القرآن في قوله ( الرحمن على العرش استوى )
كما قال ( لتستوا على ظهوره )
وقوله ( واستوت على الجودى ) و ( استويت أنت ومن معك على الفلك )
قال الله عز و جل ( ثم استوى على العرش ما لكم من دونه من ولي ) وقال ( ثم استوى إلى السماء وهي دخان )
( فأوردتهم ماء بفيفاء قفره ... وقد حلق النجم اليماني فاستوى )
وقال عز و جل ( ءأمنتم من في السماء ) على السماء
كما قال ( في جذوع النخل ) أي عليها
وقال ( يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه )
وقال ( ذى المعارج ) والعروج الصعود
وهذه الآيات كلها واضحات في إبطال قول المعتزلة وقد أوضحنا فساد ما ادعوه من المجاز فيها في التمهيد وذكرنا الحجة عليهم بما حضرنا من الأثر من وجوه النظر هناك بباب فيه كتاب مفرد والحمد لله .
ومحال أن يكون من قال عن الله ما هو في كتابه منصوص مشبها إذا لم يكيف شيئا وأقر أنه ليس كمثله شيء
ومن الحجة فيما ذهبت إليه الجماعة أن الموحدين من العرب والعجم إذا كربهم أمر أو دهمهم غمر أو نزلت بهم شدة رفعوا أيديهم إلى السماء يستغيثون ربهم ليكشف ما نزل بهم ولا يشيرون بشيء من ذلك إلى الأرض
ولولا أن موسى ( عليه السلام ) قال لهم إلهي في السماء ما قال فرعون ( يهمن بن لى صرحا لعلى أبلغ الأسبب أسبب السموت فأطلع إلى إله موسى ) " ا.هـ
وقال ابن عبد البر عن التجلي وهو صفة لله :
" وفي قول الله عز و جل : ( فلما تجلى ربه للجبل ) دلالة واضحة أنه لم يكن قبل ذلك متجليا للجبل وفي ذلك ما يفسر معنى حديث التنزيل ومن أراد أن يقف على أقاويل العلماء في قوله عز و جل فلما تجلى ربه للجبل فلينظر في تفسير بقي بن مخلد ومحمد بن جرير وليقف على ما ذكرا من ذاك ففيما ذكرا منه كفاية وبالله العصمة والتوفيق " ا.هـ
وقال في التمهيد :
" وأما احتجاجهم لو كان في مكان لأشبه المخلوقات لأن ما أحاطت به الأمكنة واحتوته مخلوق !!
فشيء لا يلزم ولا معنى له لأنه عز و جل ليس كمثله شيء من خلقه ولا يقاس بشيء من بريته لا يدرك بقياس ولا يقاس بالناس لا إله إلا هو كان قبل كل شيء ثم خلق الأمكنة والسموات والأرض وما بينهما وهو الباقي بعد كل شيء وخالق كل شيء لا شريك له وقد قال المسلمون وكل ذي عقل أنه لا يعقل كائن لا في مكان منا وما ليس في مكان فهو عدم " ا.هـ
ثم قال :
" فإن قيل : فهل يجوز عندك أن ينتقل من لا مكان في الأزل إلى مكان قيل له أما الإنتقال وتغير الحال فلا سبيل إلى إطلاق ذلك عليه لأن كونه في الأزل لا يوجب مكانا وكذلك نقله لا يوجب مكانا وليس في ذلك كالخلق لأن كون ما كونه يوجب مكانا من الخلق ونقلته توجب مكانا ويصير منتقلا من مكان إلى مكان والله عز و جل ليس كذلك لأنه في الأزل غير كائن في مكان وكذلك نقلته لا توجب مكانا وهذا ما لا تقدر العقول على دفعه ولكنا نقول استوى من لا مكان إلى مكان ولا نقول انتقل وإن كان المعنى في ذلك واحدا ألا ترى أنا نقول له العرش ولا نقول له سرير ومعناهما واحد ونقول هو الحكيم ولا نقول هو العاقل ونقول خليل إبراهيم ولا نقول صديق إبراهيم وإن كان المعنى في ذلك كله واحدا لا نسميه ولا نصفه ولا نطلق عليه إلا ما سمى به نفسه على ما تقدم ذكرنا له من وصفه لنفسه لا شريك له ولا ندفع ما وصف به نفسه لأنه دفع للقرآن " ا.هـ
ـ الإمام الحافظ أبو عبد الله محمد بن إسحاق بن مندة
قال في كتاب الرد على الجهمية :
" ذكر ما يستدل به من كلام النبي صلى الله عليه و سلم على أن الله جل وعز خلق آدم عليه السلام بيدين حقيقة " ا.هـ
وإثبات اليدين على الحقيقة يضاد التفويض
وقال رحمه الله في الرد على الجهمية :
" ومعنى وجه الله عز و جل ها هنا على وجهين :
أحدهما وجه حقيقة والآخر بمعنى الثواب .
فأما الذي هو بمعنى الوجه في الحقيقة ما جاء عن النبي صلى الله عليه و سلم في حديث أبي موسى وصهيب وغيرهم مما ذكروا فيه الوجه وسؤال النبي صلى الله عليه و سلم بوجهه جل وعز واستعاذته بوجه الله وسؤاله النظر إلى وجهه جل وعز وقوله صلى الله عليه و سلم لا يسأل بوجه الله وقوله أضاءت السماوات بنور وجه الله وإذا رضي عز و جل عن قوم أقبل عليهم بوجهه جل وعز وكذلك قول الله جل وعز إلى ربها ناظرة القيامة وقول الأئمة بمعنى إلى الوجه حقيقة الذي وعد الله جل وعز ورسوله الأولياء وبشر به المؤمنين بأن ينظروا إلى وجه ربهم عز و جل
واما الذي هو بمعنى الثواب فكقول الله عز و جل إنما نطعمكم لوجه الله الإنسان وقوله جل وعز ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه الأنعام وما أشبه ذلك في القرآن وقول النبي صلى الله عليه و سلم ما قائل يلتمس وجه الله وما أشبه ذلك مما جاء عن النبي صلى الله عليه و سلم فهو على معنى الثواب " ا.هـ
فالوجه من الصفات الخبرية وقد أثبته الإمام على الحقيقة
وقال ابن مندة في التوحيد :
" ومن أسمائه الرحيم قال أهل التأويل معناه : البالغ في الرحمة أرحم الراحمين ، الرفيق الرقيق " ا.هـ
شرح الرحمة بالرفق والرقة هو من إثبات المعنى وسواء أصاب ابن مندة في تعبيره عن معنى الرحمة أم لا فهو بما ذكره قد بين أنه يثبت معاني الصفات الخبرية ولا يفوضها لأن الرحمة من الصفات الخبرية
وقال :
" معنى الودود : [ ذو ] الحب الشديد لأوليائه " ا.هـ
فهذا إثبات صريح للمعنى .
الإمام أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد بن عمر بن شاقلا البزار ت 369 هـ
قال الإمام أبو إسحاق ابن شاقلا البزار في مناظرته مع أحد الأشاعرة والتي حكاها بنفسه فقال فيها :
" ثم قلت له :
هذه الأحاديث [ يعني أحاديث الصفات التي تؤولها الأشاعرة ] تلقاها العلماء بالقبول ، فليس لأحد أن يمنعها ولا يتأولها ولا يسقطها ، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لو كان لها معنى عنده غير ظاهرها لبينه ولكان الصحابة حين سمعوا ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم سألوه عن معنى غير ظاهرها ، فلما سكتوا وجب علينا أن نسكت حيث سكتوا ونقبل طوعاً ما قبلوا.
فقال لي : أنتم المشبهة !!
فقلت : حاشا لله ، المشبه الذي يقول : وجه كوجهي ويد كيدي فأما نحن فنقول : له وجه كما أثبت لنفسه وجها وله يد كما أثبت لنفسه يداً وليس كمثله شئ وهو السميع البصير ومن قال هذا فقد سلم " ا.هـ
فكلامه صريح بأن لها معنى مثبت وهو ظاهرها ، وتفسيره لمفهوم التشبيه موضح لمراده أيضا .
وباقي مناظرته دالة على هذا بوضوح
نقلها ابن أبي يعلى في طبقات الحنابلة قال :
" قرأت بخط الوالد السعيد قال: نقلت من خط أبي بكر بن [ شكا أو شكاثا ] قال: أخبرنا أبو إسحاق بن شاقلا قراءة عليه قال : ... " ا.هـ
ـ الإمام أبو نعيم الأصبهاني -صاحب "الحلية"- ت 430 هـ
قال أبو نعيم في عقيدته :
" وإن اللّه استوى على عرشه بلا كيف ولا تشبيه ولا تأويل، فالإستواء معقول، والكيف مجهول، وأنه سبحانه بائن من خلقه وخلقه بائنون منه بلا حلول ولا ممازجة ولا اختلاط ولا ملاصقة، لأنه البائن الفرد من الخلق، والواحد الغني عن الخلق " ا.هـ
من رسالته في العقيدة نقله الذهبي في العلو له ص243 وكذا نقله غيره .
لو أراد علو المرتبة لما احتاج أن يقول من غير تكييف ولا أن يقول بائن من خلقه ولا أن يقول دون أرضه وخلقه فمراده ظاهر وواضح
وقوله عن الاستواء " معقول " دل على أنه أراد أن معناه معروف غير مجهول
ـ الإمام القاضي أبو يعلى
وقد فسر القاضي حديث إن الله جميل يحب الجمال فقال :
" غير ممتنع وصفه بالجمال ، وإن ذلك صفة راجعة إلى الذات ، لأن الجمال في معنى الحسن ، قال : وقد تقدم قوله : رأيت ربي في أحسن صورة " ا.هـ
فانظر إلى هذا الإثبات فقد بين معنى الجمال وأنه الحسْن وأثبت أنه ذاتي وكل هذا تنفيه الأشاعرة ، بل عند الأشاعرة ومن وافقهم هو من التشبيه
وعن حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن الله يدني عبده المؤمن فيضع عليه كنفه ويقول أتعرف ذنب كذا " .
قال القاضي أبو يعلى : " يدنيه من ذاته "
وقال عن المقام المحمود :
" يقعد نبيه على عرشه بمعنى يدنيه من ذاته ويقربه منها "
نقلهما ابن الجوزي في دفع شبه التشبيه
وله كلام في الإثبات معروف والرجل عنده اضطراب
ـ الإمام أبو عمرو عثمان بن أبي الحسن بن الحسين السهروردي الشافعي
وهو من أقران البيهقي وأبي عثمان الصابوني وطبقتهما قال في كتاب له في أصول الدين :
" وَدعاني إلى جمع هذا المختصر في اعتقاد السنة على مذهب الشافعي وأصحاب الحديث، إذ هم أمراء العلم، وأئمة الإسلام قول النبي صلى الله عليه وسلم تكون البدع في آخر الزمان محنة، فإذا كان كذلك فمن كان عنده علم فليظهره، فإن: كاتم العلم يومئذ ككاتم ما أنزل الله على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم "
ثم ساق الكلام في الصفات إلى أن قال:
" فصل :
من صفاته تبارك وتعالى فوقيته واستواؤه على عرشه بذاته، كما وصف نفسه في كتابه، وعلى لسان رسوله لله صلى الله عليه وسلم بلا كيف.
ودليله قوله تعالى: " الرَّحْمنُ عَلى العَرْش اسْتَوَى " سورة طه " ا.هـ
وساق آيات العلو
نقله من كتابه ابن القيم في الاجتماع
ـ الإمام الكبير أبو إسماعيل عبد الله بن محمد الأنصاري الهروي ت 485 هـ
قال في كتاب الصفات له :
" باب إثبات إستواء الله على عرشه فوق السماء السابعة بائنا من خلقه من الكتاب والسنة ...
فساق حجته من الآيات والحديث ثم قال :
" وفي أخبار شتى أن الله في السماء السابعة على العرش بنفسه وهو ينظر كيف تعملون " ا.هـ
وهو صاحب كتاب منازل السائرين، والفاروق. وذم الكلام. وغيره صرّح في كتابه بلفظ الذات في العلو، وأنه استوى بذاته على عرشه قال : ولم تزل أئمة السلف تصرح بذلك .
وقال الهروي في الأربعين :
" باب إثبات الجهات لله عز و جل :
... عمرو بن دينار قال أخبرني عمرو بن أوس أنه سمع عبدالله بن عمرو رضي الله عنه يقول
قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ان المقسطين على منابر من نور عن يمين الرحمن عز و جل وكلتا يديه يمين
وقال في كتابه المنازل :
" الدرجة الثانية :
إجراء الخبر على ظاهره وهو أن تبقى أعلام توحيد العامة الخبرية على ظواهرها ولا يتحمل البحث عنها تعسفا ولا يتكلف لها تأويلا ولا يتجاوز ظواهرها تمثيلا ولا يدعي عليها إدراكا أو توهما " ا.هـ
ع ـ الحسين بن أحمد الأشعري المتكلم صاحب الجامع الكبير، والصغير في أصول الدين .
قال في جامعه الصغير :
" فإن قيل: ما الدليل على أن اللّه تعالى على العرش بذاته؟ قلنا: قوله تعالى: " ثمّ اسْتَوى على العَرْش الرّحمن " سورة الفرقان " ا.هـ
نقله ابن القيم في الاجتماع ص (303)
ـ إمام الشافعية في وقته سعد بن علي الزنجاني
صرّح بفوقية بالذات وهو إمام في السنة له قصيدة معروفة أولها :
تمَسّكْ بحبْل اللَّهِ واتَّبِع الأثَرَ ... ودَعْ عَنكَ رأياً لا يلائمه خبَر
وقال في شرح هذه القصيدة:
" والصواب عند أهل الحق أن الله تعالى خلق السموات والأرض، وكان عرشه على الماء مخلوقاً قبل خلق السموات والأرض، ثم استوى على العرش بعد خلق السموات والأرض على ما ورد به النص، ونطق به القرآن، وليس معنى استوائه أنه مَلَكه واستولى عليه، لأنه كان مستولياً عليه قبل ذلك، ... ولكنه مستو بذاته على عرشه بلا كيف كما أخبر عن نفسه.
وقد أجمع المسلمون على أن الله هو العلي الأعلى، ونطق بذلك القرآن بقوله تعالى: " سبِّح اسْمَ ربِّك الأعلى " سورة الأعلى آية 1. وأن لله علو الغلبة، والعلو الأعلى من سائر وجوه العلو، لأن العلو صفة مدح عند كل عاقل، فثبت بذلك أن للّه علو الذات، وعلو الصفات، وعلو القهر والغلبة " ا.هـ
نقله الإمام التيمي في كتابه الحجة وتقدم عزوه
ــ الإمام إسماعيل بن محمد التيمي الأصبهاني 537 هـ
قال رحمه الله وقد سئل عن صفات الرب فقال :
" مذهب مالك والثوري والأوزاعي والشافعي وحماد ابن سلمة وحماد بن زيد وأحمد ويحيى بن سعيد القطان وعبد الرحمن بن مهدي وإسحاق بن راهويه أن صفات الله التي وصف بها نفسه ووصفه بها رسوله من السمع والبصر والوجه واليدين وسائر أوصافه إنما هي على ظاهرها المعروف المشهور من غير كيف يتوهم فيها ولا تشبيه ولا تأويل قال ابن عيينة كل شيء وصف الله به نفسه فقراءته تفسيره
قال الأصبهاني : أي هو هو على ظاهره لا يجوز صرفه إلى المجاز بنوع من التأويل " ا.هـ
وذكر التيمي الأصبهاني حديث جابر ( كفاحا ) ثم قال كما في كتابه الحجة في بيان المحجة :
" قال أهل اللغة : كفاحاً ، أي مواجهة ليس بين وبينه الحجاب
فكلمه كفاحاً ، فقال له عبدي تمن علي ، فقال : تردني إلى الدنيا فأقاتل في سبيلك فأقتل مرة أخرى ، فقال : إني قضيت أنهم إليها لا يرجعون ' . قال أهل اللغة : كفاحاً أي مقابلة . قال صاحب الغربيين : كفاحاً أي مواجهة ، ليس بينه الحجاب . الحجة
وقال الإمام التيمي الأصبهاني في كتابه الحجة ج2/ص117 :
" وعند المسلمين أن لله عز وجل علو الغلبة والعلو من سائر وجوه العلو لأن العلو صفة مدح فثبت أن لله تعالى علو الذات وعلو الصفات وعلو القهر والغلبة " ا.هـ
فهذا منه صريح في إثبات علو الذات
وكان يثبت النزول لله على أنه نزول بذاته
قال ابن رجب في ترجمة أبي القاسم عبد الرحمن بن مندة مدافعا عنه :
" وهذا ليس بقادح- إن صح- فإن الأنصاري والتيمي وأَمثالهما يقدحون بأدنى شيء ينكرونه من مواضع النزاع، كما هجر التيميُّ عبدَ الجليل الحافظَ كُوتاه على قوله: "ينزل بالذات" وهو في الحقيقة يُوافقه على اعتقاده، لكن أنكر إطلاقَ اللفظ لعدم الأثر به " ا.هـ
ذيل طبقات الحنابلة
وقال الحافظ ابن رجب في الفتح عن طائفة من أهل الحديث المثبتين لنزول الله :
" وهؤلاء ؛ منهم من يقول : ينزل بذاته ، كابن حامد من أصحابنا .
وقد كان الحافظ إسماعيل من التميمي الأصبهاني الشافعي يقول بذلك ، وجرى بينه وبين طائفة من أهل الحديث بسببه فتنة وخصام .
قال الحافظ أبو موسى المديني : كان من اعتقاد الإمام إسماعيل أن نزول الله تعالى بالذات ، وهو مشهور من مذهبه ؛ لكنه تكلم في حديث نعيم بن حماد الذي رواه بإسناده في النزول بالذات . قالَ : وهو إسناد مدخول ، وفيه مقال ، وفي بعض رواته مطعن ، ولا تقع بمثله الحجة ، فلا يجوز نسبة قوله إلى رسول الله "
وقال الإمام إسماعيل عن حديث يضع عليه كنفه :
" لم أر أحداً فسَّرَه ؛ إلا إن كان معناه : يستره من الخلق ، وقيل في رواية : يستره بيده. وكنفا الإنسان : ناحيتاه ، ومن الطائر : جناحاه "
نقله أبو موسى المديني في " المجموع المغيث " (3/78)
ـ عبد الجليل كوتاه
وقد سبق أنه كان يقول بنزول الذات
ـ الإمام عبد القادر الجيلاني
قال في الغنية له :
" وهو بجهة العلو مستو على العرش، محتو على الملك، محيط علمه بالأشياء، {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} ، {يُدَبِّرُ الأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ} ، ولا يجوز وصفه بأنه في كل مكان، بل يقال إنه في السماء على العرش كما قال {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} ...وينبغي إطلاق صفة الاستواء من غير تأويل ... وأنه استواء الذات على العرش، وكونه سبحانه وتعالى على العرش مذكور في كل كتاب أنزل على كل نبي أرسل بلا كيف" ا.هـ
الغنية له ص 54 ـ 57 طبعة الحلبي ونقله عن الجيلاني جمع من أهل العلم
فهو قد عبر بالجهة وبين الاستواء بالذات وهذا إثبات صريح المعنى
قال عبد القادر الجيلاني في كتابه تحفة المتقين وسبيل العارفين :
" باب اختلاف المذاهب في صفات اللّه عز وجل، وفي ذكر اختلاف الناس في الوقف عند قوله: " وما يعْلمُ تأويلُه إلاَّ اللَّهُ " سورة آل عمران آية 7.
قال : واللّه تعالى بذاته على العرش علمه محيط بكل مكان، والوقف عند أهل الحق على قوله: " إلا الله " . وقد روي ذلك عن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا الوقف حسن لمن اعتقد أن الله بذاته على العرش، ويعلم ما في السموات والأرض.
إلى أن قال: ووقف جماعة من منكري استواء الرب عز وجل على قوله: " الرَّحْمنُ على العرش " سورة طه آية5 . وابتدأوا بقوله: " استوى له ما في السموات وما في الأرض " يريدون بذلك نفي الاستواء الذي وصف به نفسه، وهذا خطأ منهم، لأن الله تعالى استوى على العرش بذاته " ا.هـ
نقله ابن القيم وغيره
ـ سيبويه عمر بن قنبر
قال سيبويه :
" ومن أدل الدليل على الفرق بين الكلام والقول إجماع الناس على أن يقولوا: القرآن كلام الله، ولا يقال: القرآن قول الله، وذلك أن هذا موضع ضيق متحجر، لا يمكن تحريفه، ولا يسوغ تبديل شيء من حروفه ، فعبر لذلك عنه بالكلام الذي لا يكون إلا أصواتاً تامة مفيدة،
ا.هـ
نقله عن سيبويه جماعة من اللغويين في معاجمهم .
وهذا إثبات للصوت من معنى النصوص لا منطوقها .
- ع الإمام المفسر القرطبي :
قال في تفسيره :
" وَقَدْ كَانَ السَّلَف الْأَوَّل رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ لَا يَقُولُونَ بِنَفْيِ الْجِهَة وَلَا يَنْطِقُونَ بِذَلِكَ , بَلْ نَطَقُوا هُمْ وَالْكَافَّة بِإِثْبَاتِهَا لِلَّهِ تَعَالَى كَمَا نَطَقَ كِتَابه وَأَخْبَرَتْ رُسُله . وَلَمْ يُنْكِر أَحَد مِنْ السَّلَف الصَّالِح أَنَّهُ اِسْتَوَى عَلَى عَرْشه حَقِيقَة . وَخُصَّ الْعَرْش بِذَلِكَ لِأَنَّهُ أَعْظَم مَخْلُوقَاته , وَإِنَّمَا جَهِلُوا كَيْفِيَّة الِاسْتِوَاء فَإِنَّهُ لَا تُعْلَم حَقِيقَته . قَالَ مَالِك رَحِمَهُ اللَّه : الِاسْتِوَاء مَعْلُوم - يَعْنِي فِي اللُّغَة - وَالْكَيْفَ مَجْهُول , وَالسُّؤَال عَنْ هَذَا بِدْعَة . وَكَذَا قَالَتْ أُمّ سَلَمَة رَضِيَ اللَّه عَنْهَا.
وقال القرطبي في كتابه الأسنى شرح
" وأظهر هذه الأقوال -وإن كنت لا أقول به ولا أختاره- (!!!!) ما تظاهرت به الآي والأخبار إن الله سبحانه على عرشه كما أخبر في كتابه وعلى لسان نبيه بلا كيف بائن من جميع خلقه هذا جملة مذهب السلف الصالح فيما نقل عنهم الثقات حسب ماتقدم " ا.هـ
ونقله عنه العلامة مرعي الحنبلي وتعجب من اعترافه وعدم أخذه به
وقال القرطبي :
" ثم قال (فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا وخر موسى صعقا) وتجلى معناه ظاهر، من قولك: جلوت العروس أي أبرزتها.
وجلوت السيف أبرزته من الصدإ، جلاء فيهما.
وتجلى الشي انكشف.
وقيل: تجلى أمره وقدرته، قاله قطرب وغيره " ا.هـ
فانظر إلى إثباته صفة التجلي وهي صفة خبرية ولا يثبتها بمعناها الحقيقي عامة الأشاعرة وممن نص على تأويلها الباقلاني ويزعمون أنه يلزم منها التجسيم
فهنا القرطبي أثبتها بالصريح " وتجلى معناه ظاهر، من قولك: جلوت العروس أي أبرزتها ، وجلوت السيف أبرزته من الصدإ، جلاء فيهما ، وتجلى الشي انكشف "
هل هذا تفويض ؟!!
وفي تفسير القرطبي :
" وقال جمهور المفسرين : الحنان الشفقة والرحمة والمحبة، وهو فعل من أفعال النفس "
ـ العلامة أبو الحسن محمد بن عبد الملك الكرجي الشافعي
قال في عقيدته الشهيرة أولها :
محاسن جسمي بدلت بالمعائب ... وشيب فَوْدي شوب وصل الحبائب
وأفضل زاد للمعاد عقيدة ... على منهج في الصدق والصبر لاجب عقيدة أصحاب الحديث فقد سمت ... بأرباب دين الله أسنى المراتب
عقائدهم أن الإله بذاته ... على عرشه مع علمه بالغوائب
وأن استواء الرب يعقل كونه ... ويجهل فيه الكيف جهل الشهارب
وهذه القصيدة طويلة أزيد من مائتي بيت
وكان ناظمها الكرجي من كبار الفقهاء الشافعية مات سنة إثنين وثلاثين وخمسمائة
وعلى هذه القصيدة مكتوب بخط العلامة تقي الدين ابن الصلاح :
" هذه عقيدة أهل السنة وأصحاب الحديث " ا.هـ
وتُسمى عروس القصائد وشموس العقائد
قال ابن السمعاني :
"وله قصيدة بائية في السنة شرح فيها اعتقاده واعتقاد السلف تزيد على مائتي بيت قرأتها عليه في داره بالكرج " ا.هـ
ونقلها من خط ابن الصلاح الإمام الذهبي وشيخ الإسلام ابن تيمية وفيها البيت الذي هو محل الشاهد والقصيدة مشهورة
والإمام ابن الصلاح ثقة كبير وحافظ معروف .
ـ الامام الحافظ، أبو أحمد، محمد بن علي بن محمد القصاب الغازي المجاهد ت بعد سنة 360 هـ
قال رحمه الله في كتاب السنة له :
" كل صفة وصف الله بها نفسه، أو وصفه بها رسوله، فليست صفة مجاز، ولو كانت صفة مجاز لتحتم تأويلها، ولقيل: معنى البصر كذا، ومعنى السمع كذا، ولفسرت بغير السابق إلى الافهام، فلما كان مذهب السلف إقرارها بلا تأويل، علم أنها غير محمولة على المجاز، وإنما هي حق بين " ا.هـ
فالسابق للأفهام هو المراد في الصفات وهو حقيقتها لا مجازها
نقله الذهبي في السير ثم قال ناقلا ثناء الإمام أبي الحسن الكرجي :
وفي الكرج الغراء أوحد عصره * أبو أحمد [ القصاب ] غير مغالب تصانيفه تبدي فنون علومه * فلست ترى علما له غير شارب
ـ الإمام أبو موسى المديني
قال المديني في " المجموع المغيث " (2/400) :
" وفي حديث أبيٍّ في ذكر موسى حين سئل : أي الناس أعلم؟ قال : أنا " فعتب الله عليه " العتبُ : أدنى الغضب " ا.هـ .
وهذا منه رحمه الله إثباتٌ لهذه الصفة بمعناها ، وهو أدنى الغضب .
ـ الإمام الموفق ابن قدامة المقدسي
قال رحمه الله في معرض رده على ابن عقيل :
" فصل
وأما قوله في مسألة القرآن فالكلام فيها في فصلين أحدهما في الصوت الذي بدأ بإنكاره
فنقول ثبت أن موسى سمع كلام الله تبارك وتعالى منه بغير واسطة
فإنه لو سمعه من شجرة أو حجر أو ملك لكان بنو إسرائيل أفضل منه في ذلك لأنهم سمعوه من موسى نبي الله وهو أفضل من الشجرة والحجر
فلم سمي موسى إذا كليم الرحمن ولم قال الله تعالى يا موسى إني اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي وقال تعالى فلما أتاها نودي يا موسى إني أنا ربك ولا يقول له هذا إلا الله تعالى
وإذا ثبت هذا فالصوت ما سمع وما يتأتى سماعه
وقد جاء ذكر الصوت مصرحا به في الأخبار الواردة
قال عبد الله بن الإمام أحمد قلت لأبي يا أبه إن الجهمية يزعمون أن الله تعالى لا يتكلم بصوت ؟ فقال : كذبوا إنما يدورون على التعطيل
ثم قال : حدثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربي عن سليمان بن مهران الأعمش عن أبي الضحى عن مسروق عن عبد الله رضي الله عنه قال إذا تكلم الله بالوحي سمع صوته أهل السماء
قال السجزي : وما في رواة هذا الحديث إلا إمام مقبول وقد روي مرفوعا إلى رسول الله
وفي حديث عبد الله بن أنيس رضي الله عنه أن الله تعالى يناديهم يوم القيامه بصوت يسمعه من بعد كما يسمعه من قرب أنا الملك أنا الديان وهو حديث مشهور ا.هـ
ثم قال :
" ثم نقول بل الصوت هو ما يتأتى سماعه ، وهذا هو الحد الصحيح الذي يشهد له العرف ، فإن الصوت أبدا يوصف بالسماع
فتعلق السماع بالصوت كتعلق الرؤية بالمرئيات ثم ثبت بالخبر الصحيح إضافة الصوت إلى الله تبارك وتعالى
والنبي أعلم بالله تبارك وتعالى وأصدق من المتكلمين الذين لا علم لهم ولا دين ولا دينا ولا آخرة ، وإنما هم شر الخليقة الغالب عليهم الزندقة ، وقد ألقى الله تعالى مقتهم في قلوب عباده وبغضهم إليهم
ثم لو ثبت أن الصوت في المشاهدات يكون من اصطكاك الأجرام فلم يكون كذلك في صفات الله سبحانه وتعالى " ا.هـ
فانظر إلى هذا الإمام وقد أثبت الصوت بمعناه المعروف كما هو صريح قوله :
" ثم نقول بل الصوت هو ما يتأتى سماعه ، وهذا هو الحد الصحيح الذي يشهد له العرف "
فجعل للصوت المثبت حدا معروفا ويريد معنى معينا ، لا الحد الذي هو بمعنى الكيف
وهذا ما لا يصدر من مفوض
ولابن قدامة ورع في هذا الباب ونظرة يظن من لمسها عنه أنها تدل على تفويض
وفي مراجعة لاحقة سأفصل في موقفه بعض التفصيل فقد ضاق بي الوقت وأنا الآن على سفر
ـ حسّان السنّة في وقته الإمام يحيى بن يوسف الصرصري الأنصاري ت656 هـ
قال عنه ابن القيم :
" المتفق على قبوله، والذي سار شعره مسيرة الشمس في الآفاق، واتفق على قبوله الخاصُّ والعامُّ أيّ اتفاق، ولم يزل ينشد في المجامع العظام ولا ينكر عليه أحد من أهل الإسلام "
قال يحيى بن يوسف الأنصاري الصرصري ت656 هـ
" ومذهبُه في الاستواء كمالكٍ ... وكالسلف الأبرار أهل التفضلِ
ومستوياً بالذات من فوق عرشه ولا تقل استولى، فمَن قال يبطلِ
فذلك زنديقٌ يقابل قسوة لذي خطْلٍ راوي لعيب معطلِ
نقله ابن القيم في اجتماع الجيوش ص (316)
ـ العلامة ابن قيم الجوزية
قال ابن القيم في المدارج :
" فصل قال صاحب المنازل :
الدرجة الثانية : إجراء الخبر على ظاهره وهو أن تبقى أعلام توحيد العامة الخبرية على ظواهرها ولا يتحمل البحث عنها تعسفا ولا يتكلف لها تأويلا ولا يتجاوز ظواهرها...
قال العلامة ابن القيم :
يشير الشيخ رحمه الله وقدس روحه بذلك إلى أن حفظ حرمة نصوص الأسماء والصفات بإجراء أخبارها على ظواهرها وهو اعتقاد مفهومها المتبادر إلى أذهان العامة ولا يعني بالعامة الجهال بل عامة الأمة كما قال مالك رحمه الله وقد سئل عن قوله تعالى الرحمن على العرش استوى طه : 5 كيف استوى
فأطرق مالك حتى علاه الرحضاء ثم قال : الاستواء معلوم والكيف غير معقول والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة
ففرق بين المعنى المعلوم من هذه اللفظة وبين الكيف الذي لا يعقله البشر وهذا الجواب من مالك رضي الله عنه شاف عام في جميع مسائل الصفات
فمن سأل عن قوله : إنني معكما أسمع وأرى طه : 46 كيف يسمع ويرى أجيب بهذا الجواب بعينه فقيل له : السمع والبصر معلوم والكيف غير معقول
وكذلك من سأل عن العلم والحياة والقدرة والإرادة والنزول والغضب والرضى والرحمة والضحك وغير ذلك فمعانيها كلها مفهومة وأما كيفيتها : فغير معقولة إذ تعقل الكيفية فرع العلم بكيفية الذات وكنهها فإذا كان ذلك غير معقول للبشر فكيف يعقل لهم كيفية الصفات
والعصمة النافعة في هذا الباب : أن يوصف الله بما وصف به نفسه وبما وصفه به رسوله من غير تحريف ولا تعطيل ومن غير تكييف ولا تمثيل بل تثبت له الأسماء والصفات وتنفى عنه مشابهة المخلوقات فيكون إثباتك منزها عن التشبيه ونفيك منزها عن التعطيل فمن نفى حقيقة الاستواء فهو معطل ومن شبهه باستواء المخلوق على المخلوق فهو ممثل ومن قال : استواء ليس كمثله شيء فهو الموحد المنزه
وهكذا الكلام في السمع والبصر والحياة والإرادة والقدرة واليد والوجه والرضى والغضب والنزول والضحك وسائر ما وصف الله به نفسه " ا.هـ
ـ الإمام ابن أبي العز الحنفي
قال في شرحه للطحاوية :
" ... التصريح بنزوله كل ليلة إلى سماء الدنيا، والنزول المعقول عند جميع الأمم إنما يكون من علو إلى سفل " ا.هـ
وقال في شرحه للطحاوية أيضا :
" ومن سمع أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم وكلام السلف، وجد منه في إثبات الفوقية ما لا ينحصر ...
ولو لم يتصف سبحانه بفوقية الذات ، مع أنه قائم بنفسه غير مخالط للعالم ، لكان متصفا بضد ذلك ، لأن القابل للشيء لا يخلو منه أو من ضده ، وضد الفوقية السفول ، وهو مذموم على الإطلاق ، لأنه مستقر إبليس وأتباعه وجنوده "
وقال :
" التصريح بالفوقية مقرونا بأداة"من"المعينة للفوقية بالذات، كقوله تعالى: {يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ} "
وقال الإمام ابن أبي العز :
" فله سبحانه وتعالى فوقية القهر ، وفوقية القدر ، وفوقية الذات ومن أثبت البعض ونفى البعض فقد تنقص ، وعلوه تعالى مطلق من كل الوجوه " ا.هـ
ـ العلامة قاسم بن عيسى بْنُ نَاجِي المالكي
قال عن قول ابن أبي زيد بفوقية الذات :
" لَيْسَ هَذَا مِنْ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ إطْلَاقِ السَّلَفِ الصَّالِحِ وَالصَّدْرِ الْأَوَّلِ "
كما في الفواكه الدواني شرح رسالة ابن أبي زيد القيرواني
ـ وقال الإمام يحيى بن أبي الخير العمراني الشافعي من علماء القرن السادس في كتابه الانتصار في الرد على المعتزلة القدرية الأشرار ج2/ص607 :
" - فصل
قد ذكرنا في أول الكتاب أن عند أصحاب الحديث والسنة أن الله سبحانه بذاته بائن عن خلقه على العرش استوى " ا.هـ
ـ العلامة الحافظ عبد الرحمن بن أحمد المعروف بابن رجب ت
قال في كتابه فتح الباري :
" وقد دل القرآن على ما دل عليه هذا الحديث في مواضع ، كقوله : ( هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِّنَ الغَمَامِ وَالْمَلائِكَةُ ( [ البقرة : 210 ] . وقال : ( هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن تَأْتِيَهُمُ المَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ ( [ الأنعام :
158 ] ، وقال : ( وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفاًّ صَفاًّ (ولم يتأول الصحابة ولا التابعون شيئاً من ذلك ، ولا أخرجوه عن مدلوله ، بل روي عنهم [ ما ] يدل على تقريره والإيمان به وامراره كما جاء " ا.هـ
تأمل قوله : " ولا أخرجوه عن مدلوله " فلهذا النصوص مدلول نثبته ، ثم بين أن الذي روي عن السلف يدل على تقرير هذا المدلول وهل المدلول إلا المعنى ذاته
إلى أن قال :
" وزعموا أن ظاهر ما يدل عليه الكتاب والسنة تشبيه وتجسيم وضلال ، واشتقوا من ذلك لمن آمن بما أنزل الله على رسوله اسماء ما أنزل الله بها من سلطان ، بل هي افتراء على الله ، ينفرون بها عن الإيمان بالله ورسوله .
وزعموا أن ما ورد في الكتاب والسنة من ذلك - مع كثرته وأنتشاره - من باب التوسع والتجوز ، وأنه يحمل على مجازات اللغة المستبعدة ، وهذا من أعظم أبواب القدح في الشريعة المحكمة المطهرة ، وهو من جنس حمل الباطنية نصوص الإخبار عن الغيوب كالمعاد والجنةوالنار على التوسع والمجاز دون الحقيقة ، وحملهم نصوص الامروالنهي على مثل ذلك ، وهذا كله مروق عن دين الإسلام .
ولم ينه علماء السلف الصالح وأئمة الإسلام كالشافعي وأحمد وغيرهما عن الكلام وحذروا عنه ، إلا خوفاً من الوقوع في مثل ذلك ، ولو علم هؤلاء الأئمة أن حمل النصوص على ظاهرها كفر لوجب عليهم تبيين ذلك وتحذير الأمة منه ؛ فإن ذلك من تمام نصيحة المسلمين ، فكيف كان ينصحون الأمة فيما يتعلق بالاحكام العملية ويدعون نصيحتمهم فيما يتعلق بأصول الاعتقادات ، هذا من أبطل الباطل " ا.هـ
فبين أن الظاهر الذي تدل عليه النصوص هو الذي نثبته ولا نؤوله وأن النصوص في هذا الباب على الحقيقة دون المجاز ونفى بشدة إلغاء هذه الظواهر بل اعتبره من أعظم أبواب القدح في الدين وكل هذا منطوق كلامه
فهل من الصدق في شيء بعد هذا أن يأتي أحد فيزعم أن ابن رجب لا يثبت المعاني الظاهرة ؟!!
وقال رحمه الله :
" وقد صح عن ابن عباس أنه أنكر على من أستنكر شيئاً من هذه النصوص ، وزعم أن الله منزه عما تدل عليه :
فروى عبد الرزاق في ( ( كتابه ) ) عن معمر ، عن ابن طاوس ، عن أبيه ، قال : سمعت رجلاً يحدث ابن عباس بحديث أبي هريرة : ( ( تحاجت الجنة والنار ) ) ، وفيه :
( ( فلا تمتلي حتى يضع رجله ) ) - أو قال : ( ( قدمه - فيها ) ) .
قال : فقام رجل فانتفض ، فقال ابن عباس : ما فرق هؤلاء ، يجدون رقة عند محكمة ، ويهلكون عند متشابهه .
وخَّرجه إسحاق بن راهويه في ( ( مسنده ) ) عن عبد الرزاق ."
تأمل إنكاره على من يزعم أن الله منزه عما تدل عليه النصوص من المعاني ، فهو يدعو إلى إثبات المعاني التي تدل عليها هذه النصوص وهذا مناقض للتفويض
وقال أيضا في الفتح :
" ومن جملة صفات الله التي نؤمن بها ، وتمر كما جاءت عندهم : قوله تعالى :
( وَجَاءَ رَبُّكَ والْمَلَكُ صَفاًّ صَفاًّ ) [الفجر :22] ونحو ذلك مما دل على إتيانه ومجيئه يوم القيامة .
وقد نص على ذلك أحمد وإسحاق وغيرهما .
وعندهما : أن ذلك من أفعال الله الاختيارية التي يفعلها بمشيئته واختياره . وكذلك قاله الفضيل بن عياض وغيره من مشايخ الصوفية أهل المعرفة .
وقد ذكر حرب الكرماني أنه أدرك على هذا القول كل من أخذ عنه العلم في البلدان ، سمى منهم : أحمد وإسحاق والحميدي وسعيد بن منصور .
وكذلك ذكره أبو الحسن الأشعري في كتابه المسمى بـ - الإبانة - ، وهو من أجل كتبه ، وعليه يعتمد العلماء وينقلون منه " ا.هـ
فإثباته المجيء والإتيان على أنه من أفعال الله التي تحصل بالمشيئة والاختيار هو من إثبات الصفة بمعناها
الإمام أبو الفداء إسماعيل ابن كثير صاحب التفسير
قال رحمه الله عن كتابات المأمون التي يستحث فيها القضاة على امتحان الناس بالقول بخلق القرآن :
" ومضمونها الاحتجاج على أن القرآن محدث وكل محدث مخلوق، وهذا احتجاج لا يوافقه عليه كثير من المتكلمين فضلا عن المحدثين، فإن القائلين بأن الله تعالى تقوم به الافعال الاختيارية لا يقولون بأن فعله تعالى القائم بذاته المقدسة مخلوق، بل لم يكن مخلوقا، بل يقولون هو محدث وليس بمخلوق ، بل هو كلام الله القائم بذاته المقدسة، وما كان قائما بذاته لا يكون مخلوقا، وقد قال الله تعالى (ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث) وقال تعالى (ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم) فالأمر بالسجود صدر منه بعد خلق آدم، فالكلام القائم بالذات ليس مخلوقا، وهذا له موضع آخر .
وقد صنف البخاري كتابا في هذا المعنى سماه خلق أفعال العباد " ا.هـ
تأمل هذا المعنى الذي أثبته الإمام ابن كثير وانتصر له وتأمل قوله : " فالأمر بالسجود صدر منه بعد خلق آدم " وكذا الاستدلالات القرآنية الأخرى منه رحمه الله
وهذا المعنى من إثبات كون أفعاله تعالى هي منه غير مخلوقة وأنها قائمة به خلافا للأشاعرة الذي يحكمون على أفعال الله بأنها مخلوقة على أنها هي نفسها مفعولاته تعالى الله عما يقولون وما أدري كيف عقلوا أن الفعل هو المفعول ؟!!
وهذا المعنى الذي أثبته ابن كثير من كون هذه الأفعال القائمة بذاته إنما تحصل باختياره ومشيئته فليست كلها قديمة وهي صفات له
كل هذا هو تحقيق لمعاني الصفات الفعلية وهذا تنكره عامة الأشاعرة وهو مناقض للتفويض .
وقال الإمام ابن كثير في تفسيره :
" ( وَجَاءَ رَبُّكَ ) يعني: لفصل القضاء بين خلقه، وذلك بعد ما يستشفعون إليه بسيد ولد آدم على الإطلاق محمد صلى الله عليه وسلم، بعدما يسألون أولي العزم من الرسل واحدًا بعد واحد، فكلهم يقول: لست بصاحب ذاكم، حتى تنتهي النوبة إلى محمد صلى الله عليه وسلم فيقول: "أنا لها، أنا لها". فيذهب فيشفع عند الله في أن يأتي لفصل القضاء فيشفعه الله في ذلك، وهي أول الشفاعات، وهي المقام المحمود كما تقدم بيانه في سورة "سبحان" فيجيء الرب تعالى لفصل القضاء كما يشاء، والملائكة يجيئون بين يديه صفوفا صفوفا " ا.هـ
وقال في تفسيره :
" وأما قوله تعالى: { ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ } فللناس في هذا المقام مقالات كثيرة جدا، ليس هذا موضع بسطها، وإنما يُسلك في هذا المقام مذهب السلف الصالح: مالك، والأوزاعي، والثوري، والليث بن سعد، والشافعي، وأحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه وغيرهم، من أئمة المسلمين قديما وحديثا، وهو إمرارها كما جاءت من غير تكييف ولا تشبيه ولا تعطيل. والظاهر المتبادر إلى أذهان المشبهين منفي عن الله، فإن الله لا يشبهه شيء من خلقه، و { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ } [ الشورى:11 ] بل الأمر كما قال الأئمة -منهم نُعَيْم بن حماد الخزاعي شيخ البخاري -: "من شبه الله بخلقه فقد كفر، ومن جحد ما وصف الله به نفسه فقد كفر". وليس فيما وصف الله به نفسه ولا رسوله تشبيه، فمن أثبت لله تعالى ما وردت به الآيات الصريحة والأخبار الصحيحة، على الوجه الذي يليق بجلال الله تعالى، ونفى عن الله تعالى النقائص، فقد سلك سبيل الهدى " ا.هـ
فقوله : " والظاهر المتبادر إلى أذهان المشبهين منفي عن الله " صريح في أن الظاهر المتبادر إلى أذهان غير المشبهين من أئمة السلف والسنة هو مثبت لله وهذا إثبات صريح لمعاني الصفات .
ومن باب أولى الظاهر المتبادر إلى أذهان الكل كحال أكثر النصوص مما يعترف به حتى المعطلة بأنه ظاهر متبادر ثم يزعمون أنه منفي ، فهو عند الإمام ابن كثير مثبت ومراد
فلما علق الإمام ابن كثير إثبات المتبادر إلى الذهن من الصفة وهو المعنى الظاهر لها لما علقه بحال الناظر ولم يبطله من أصله دل على أن المعنى المتبادر في حقيقة الأمر هو ثابت عنده وإنما المنفي هو ما يلصقه المشبه بالنص .
وخصومنا بحمد الله يعترفون بأن ما ينفونه تأويلا أو تفويضا ونثبته نحن دونهم هو المتبادر إلى أذهان الجميع لكنهم يزعمون خلافا لابن كثير أنه تشبيه مطلقا
ومما يجلي لك موقف الإمام ابن كثير في الصفات موقفه من أهل الإثبات المشهورين به الذين يثبتون الصفات بمعانيها والذين تنفر منهم الأشاعرة ويصفهم بعضهم بالتشبيه والتجسيم كالإمام ابن أبي عاصم صاحب كتاب السنة
فقد قال في ترجمة ابن أبي عاصم :
" أبو بكر بن أبي عاصم صاحب السنة والمصنفات وهو: أحمد بن عمرو بن أبي عاصم الضحاك ابن النبيل، له مصنفات في الحديث كثيرة، منها كتاب السنة في أحاديث الصفات على طريق السلف " ا.هـ
وقال ابن كثير عن الإمام ابن بطة الذي يصفه الأشاعرة بأقذع الأوصاف :
" أحد علماء الحنابلة وله التصانيف الكثيرة الحافلة في فنون من العلوم ... وأثنى عليه غير واحد من الأئمة وكان ممن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر وقد رأى بعضهم رسول الله فقال يا رسول الله ( ص ) قد اختلفت علي المذاهب فقال عليك بابي عبدالله بن بطة ... "
ثم ذكر ملخص ما أجاب به ابن الجوزي عن الطعون التي وجهت لابن بطة .
وانظر أيضا ترجمته لأبي يعلى الذي يتهمه عامة الأشاعرة بالتجسيم وترجمته للإمام الدارمي بل قال عن كتابه الذي يصفه الأشاعرة بالتجسيم قال :
" وعثمان بن سعيد الدارمي مصنف الرد على بشر المريسي فيما ابتدعه من التأويل لمذهب الجهمية وقد ذكرناه في طبقات الشافعية "
فاعتبر الأقوال والتأويلات الذي نقضها الدارمي تمثل مذهب الجهمية وجلها تأويلات الأشاعرة .
ويكفي أنه عندما ترجم لوفاة شيخه ابن تيمية وجنازته استدل بعبارة الإمام أحمد : " قولوا لأهل البدع بيننا وبينكم الجنائز "
فجعل جنازة ابن تيمية امتحانا لخصوم السنة
ثم ذكر تفاصيل جنازته فقال :
" فصرخ صارخ وصاح صائح هكذا تكون جنائز أئمة السنة فتباكى الناس وضجوا عند سماع هذا الصارخ " ا.هـ
بل كان يعرض مناظرات ابن تيمية مع خصومه من الأشاعرة مظهرا انحيازه إلى صف ابن تيمية ومن هذا قوله :
" وبحثوا في "الحموية" وناقشوه في أماكن منها ، فأجاب عنها بما أسكتهم بعد كلام كثير " .
ويقول عن مناظرة شيخ الإسلام لهم في الواسطية:
" وقرئت عقيدة الشيخ تقي الدين "الواسطية" ..وحضر الشيخ صفي الدين الهندي ، وتكلم مع الشيخ تقي الدين كلاماً كثيرا ، لكن ساقيته لاطمت بحرا "
وقوله عن أحد المجالس التي عقدت لشيخ الإسلام لإخراجه من البلد وامتنع ابن تيمية من حضورها فقال ابن كثير في ذلك :
" فصمم [ ابن تيمية ] على عدم الحضور، ولم يلتفت إليهم ولم يعدهم شيئا، فطال عليهم المجلس فتفرقوا وانصرفوا غير مأجورين " ا.هـ
تأمل نفي الأجر عنهم فهو أمر خطير لا يكون إلا مع اعتقاده بطلان ما هم عليه مما خاصموه فيه
وغيرها من العبارات
ـ الإمام شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي
قال في كتابه العلو :
" قلت : المتأخرون من أهل النظر قالوا مقالة مولدة ما علمت أحدا سبقهم بها قالوا هذه الصفات تمر كما جاءت ولا تأول مع إعتقاد أن ظاهرها
غير مراد فتفرع من هذا أن الظاهر يعني به أمران أحدهما أنه لا تأويل لها غير دلالة الخطاب كما قال السلف الإستواء معلوم
وكما قال سفيان وغيره قراءتها تفسيرها
يعني أنها بينة واضحة في اللغة لا يبتغى بها مضائق التأويل والتحريف
وهذا هو مذهب السلف مع إتفاقهم أيضا أنها لا تشبه صفات البشر بوجه إذ الباري لا مثل له لا في ذاته ولا في صفاته
الثاني أن ظاهرها هو الذي يتشكل في الخيال من الصفة كما يتشكل في الذهن من وصف البشر فهذا غير مراد " ا.هـ
وقال في سير أعلام النبلاء :
" قَدْ صَارَ الظَّاهِرُ اليَوْم ظَاهِرَيْنِ :
أَحَدُهُمَا حقّ، وَالثَّانِي بَاطِل، فَالحَقّ أَنْ يَقُوْلَ : إِنَّهُ سمِيْع بَصِيْر، مُرِيْدٌ متكلّم، حَيٌّ عَلِيْم، كُلّ شَيْء هَالك إِلاَّ وَجهَهُ، خلق آدَمَ بِيَدِهِ، وَكلَّم مُوْسَى تَكليماً، وَاتَّخَذَ إِبْرَاهِيْمَ خَلِيْلاً، وَأَمثَال ذَلِكَ، فَنُمِرُّه عَلَى مَا جَاءَ، وَنَفهَمُ مِنْهُ دلاَلَةَ الخِطَابِ كَمَا يَليق بِهِ تَعَالَى، وَلاَ نَقُوْلُ : لَهُ تَأْويلٌ يُخَالِفُ ذَلِكَ.
وَالظَّاهِرُ الآخر وَهُوَ البَاطِل، وَالضَّلاَل : أَنْ تَعتَقِدَ قيَاس الغَائِب عَلَى الشَّاهد، وَتُمَثِّلَ البَارِئ بِخلقه، تَعَالَى الله عَنْ ذَلِكَ، بَلْ صفَاتُهُ كَذَاته، فَلاَ عِدْلَ لَهُ، وَلاَ ضِدَّ لَهُ، وَلاَ نَظيرَ لَهُ، وَلاَ مِثْل لَهُ، وَلاَ شبيهَ لَهُ، وَلَيْسَ كَمثله شَيْء، لاَ فِي ذَاته، وَلاَ فِي صفَاته، وَهَذَا أَمرٌ يَسْتَوِي فِيْهِ الفَقِيْهُ وَالعَامِيُّ-وَاللهُ أَعْلَمُ " ا.هـ
وقال مقررا أن كيفية الصفات تجهل ولا تُنفى والمعنى المنفي هو المعنى اللازم فقال في العلو له :
" وهو قول أهل السنة قاطبة ، أن كيفيةالاستواءلا نعقلها بل نجهلها ، وأن استواءه معلوم ، كما أخبر فيكتابه ، وأنه كما يليق به ، لا نتعمق ولا نتحذلق ، لا نخوض في لوازم ذلك نفياً ولاإثباتاً ، بل نسكت ونقف ، كما وقف السلف ، ونعلم أنه لو كان له تأويل ، لبادر إلىبيانه الصحابة والتابعون ، ولما وسعهم إقراره وإمراره ، والسكوت عنه ، ونعلم يقيناًمع ذلك أن الله جل جلاله ، لا مثل له في صفاته ، ولا في استوائه ، ولا في نزوله ،سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون علواً كبيراً " ا.هـ
ـ الإمام أبو الحسين محمد بن أحمد بن عبدالرحمن الملطي الشافعي
قال الملطي الشافعي رحمه الله :
" ومما يدل على أن الله تبارك وتعالى ينزل كيف يشاء إذا شاء ، صعودُه إلى السماء واستواؤُه على العرش ، فزعمت الجهمية وقالت من يخلفه إذا نزل ؟؟
قيل لهم : فمن خلفه في الأرض حين صعد ؟!
علمه بما في الأرض كعلمه بما في السماء ، وعلمه بما في السماء كعلمه بما في الأرض سواء لا يختلف
ومما يدل على ذلك قوله عز و جل : ( هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أو يأتي ربك أو يأتي بعض آيات ربك يوم يأتي بعض آيات ربك ) وقوله : ( وعرضوا على ربك صفا لقد جئتمونا كما خلقناكم أول مرة بل زعمتم ألن نجعل لكم موعدا ) وقوله : ( ويوم يعرض الذين كفروا على النار ) وقوله : ( وجاء ربك والملك صفا صفا )
إلى أن قال :
" وإنما تحيرت الجهمية وضلت عقولهم حين قالوا إن الله لا يخلو منه شيء ، ولا يزول عن موضعه ، فأسرع إلى الجهال قولهم وكذلك ربنا جل وعز ولكن ليس بمنزلة الخلق في نزوله وليس أحد من الخلق يصير عن مكانه وموضع كان فيه إلى مكان غيره إلا وهو زائل عن موضعه ومكانه الأول لنفسه وعلمه لجهله بما يحدث بعده على مكانه وموضعه الأول وإن الله تبارك وتعالى لما استوى من الأرض إلى السماء أو نزل من سماء إلى سماء أو إلى الأرض لا يعزب عن علمه شيء في السموات ولا في الأرض ، علمه بما فيهن بعد الاستواء وبعد النزول كعلمه بهن قبل ذلك لم ينقص الاستواء في النزول من علمه ولا زاد تركه في علمه فمن كان هذا حاله فليس بزائل عن خلقه ولا خلقه بخال من علمه تبارك الله رب العالمين " ا.هـ
ـ الإمام محمد بن عبد الوهاب
قال في كتابه " المسائل التي خالف النبي ص أهل الجاهلية " :
" وخصوم السلفيين يرمونهم بهذا الاسم [ يعني الحشوية ], تنفيرا للناس عن اتباعهم والأخذ بأقوالهم, حيث يقولون في المتشابه: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ}.
وقد أخطأت استهم الحفرة , فالسلف لا يقولون بورود ما لا معنى له لا في الكتاب ولا في السنة, بل يقولون في الاستواء مثلا: الاستواء غير مجهول والكيف غير معقول والإقرار به إيمان, والجحود به كفر"2
وقد أطال الكلام في هذه المسألة شيخ الإسلام ابن تيمية في كثير من كتبه ، ولخص ذلك في كتابه " جواب أهل الإيمان في التفاضل بين آيات القرآن " ا.هـ
هذا من الشيخ قاطع للنزاع فهو قد أنكر بمنطوق كلامه مذهب المفوضة ونزه السلف عن طريقتهم واعتبرهم خصوم مذهب السلف فكيف ينسب له التفويض وهل الذي عزاه لشيخ الإسلام في كثير من كتبه هو التفويض ؟!!
وفي معرض رده على أحدهم يقول في رسائله :
" وقوله في الكتاب ومذهب أهل السنة إثبات من غير تعطيل ولا تجسيم ولا كيف ولا أين إلى آخره وهذا من أبين الأدلة على أنه لم يفهم عقيدة الحنابلة ولم يميز بينها وبين عقيدة المبتدعة وذلك أن إنكار الأين من عقائد أهل الباطل وأهل السنة يثبتونه اتباعاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم كما في الصحيح أنه قال للجارية أين الله ؟ فزعم هذا الرجل أن إثباتها مذهب المبتدعة وأن إنكارها مذهب أهل السنة ...
وقوله أيضاً ويثبتون ما أثبته الرسول صلى الله عليه وسلم من السمع والبصر والحياة والقدرة والإرادة والعلم والكلام إلى آخره، وهذا أيضاً من أعجب جهله وذلك أن هذا مذهب طائفه من المبتدعة يثبتون الصفات السبع وينفون ما عداها ولو كان في كتاب الله ويؤولونه. وأما أهل السنة فكل ما جاء عن الله ورسوله أثبتوه وذلك صفات كثيرة " ا.هـ
حتى قال الشيخ محمد رشيد رضا مدافعا عنه ضد بعض خصومه مبينا مجانبته للتفويض :
" إن ما ذكره من العقائد التي زعم أن ابن تيمية وابن عبد الوهاب وأمثالهم أباحوا بها حمى التوحيد، وهتكوا ستوره بإثباتهم لله تعالى صفة العلو والاستواء على العرش.. إلخ، وإنما أثبتوا بها كسائر أهل السنة ما أثبته الله تعالى في كتابه المعصوم وفي سنة خاتم أنبيائه المعصوم المبيّنة له.
فهم يثبتون تلك النصوص بمعانيها الحقيقية بدون تأويل، ولكن مع إثبات التنزيه فهم متبعون في ذلك لسلف الأمة الصالح غير مبتدعين له، وإنما ابتدع التأويل الجهمية والمعتزلة وأتباعهم من الروافض بشبهة تنزيه الله تعالى عن التجسيم والتشبيه.
وأما شبهة المبتدعة المتأولين فهي تنزيه الله تعالى عن مشابهة خلقه التي يعبرون عنها في تأويل بعض الصفات بالتجسيم والتحيز وغيرهما من لوازم الأجسام، فبهذه الشبهة عطلوا أكثر صفات الله حتى صارت عندهم في حكم العدم.والسلف الصالح أعلم منهم بمعاني النصوص، وبما يجب الإيمان به، وأشد منهم تنزيها للرب - إلى أن قال-: والقاعدة في ذلك أن تنزيه الله تعالى عن مشابهة خلقه قد ثبت بدليل العقل والنصوص القطعية من النقل كقوله تعالى: { ليس كمثله شيء } وأن السلف يجمعون بين الأمرين: تنزيه الرب سبحانه ووصفه بما وصف به نفسه من الرحمة والمحبة والرضا والغضب وغير ذلك، وعدم التحكم في التفرقة بين هذه الصفات وصفات العلم والإرادة والقدرة والسمع والبصر والكلام " ا.هـ
وكان الإمام محمد بن عبد الوهاب يلهج بمجانبة الأشاعرة والتحذير منهم ، وكتبه مليئة بهذا ، ولو كان مفوضا لاستثنى طريقتهم في التفويض فدل على أنه ينكر عامة مذهبهم وهو صريح عباراته
ومن إثباته الحقيقي للصفات حتى اتهمه بالتجسيم جماعة من خصومه لا يحصون تجد ذكرهم في كتاب " دعاوى المناوئين لدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب "
فانظر إلى ظلم المخالفين لمذهب السلف بعضهم يتهمه بالتجسيم والآخر ينسب له التفويض تشويشا ومشاكسة وكلا الفريقين بعيد كل البعد في هذا عن مراقبة الله والإعداد ليوم الحساب ( وسيعلم الذين ظلموا ) أو شوشوا وشغبوا ( أي منقلب ينقلبون )
الإمام محمد بن أحمد السفاريني الحنبلي ت
قال رحمه الله في كتابه لوامع الأنوار البهية :
" ومذهب السلف من الفرقة الناجية بين التعطيل وبين التمثيل ، فلا يمثلون صفات الله - تعالى - بصفات خلقه ، كما لا يمثلون ذاته بذوات خلقه ، ولا ينفون ما وصف به نفسه ، أو وصفه به رسوله ، فيعطلون أسماءه الحسنى وصفاته العلى ، ويحرفون الكلم عن مواضعه ، ويلحدون في أسماء الله - تعالى - وآياته ، وليس في العقل الصريح ، ولا في النقل الصحيح ما يوجب مخالفة الطريقة السلفية أصلا ، فالنبي المعصوم - صلوات الله عليه وسلامه - مع كمال علمه ، وقدرته وإرادته ، وشدة حرصه على هداية أمته ، وبلاغ نصحه وشفقته عليهم أرشدهم إلى هذا السبيل ، وكذا الصحابة والتابعون لهم بإحسان ، فالسلف في إثبات الصفات كالذات على الاستقامة .
وأما المنحرفون عن طريقهم ، فثلاث طوائف : أهل التخييل ، وأهل التأويل ، وأهل التجهيل ...
( وأهل التأويل ) هم الذين يقولون : إن النصوص الواردة في الصفات ، لم يقصد بها الرسول أن يعتقد الناس الباطل ، ولكن قصد بها معاني ، ولم يبين لهم ذلك ، ولا دلهم عليها ، ولكن أراد أن ينظروا ، فيعرفوا الحق بعقولهم ، ثم يجتهدوا في صرف تلك النصوص عن مدلولها ، ومقصوده امتحانهم وتكليفهم وإتعاب أذهانهم وعقولهم في أن يصرفوه عن مدلوله ومقتضاه ، ويعرفوا الحق في غيره وسواه . وهذا قول المتكلمة والجهمية والمعتزلة ، ومن نحا منحاهم . ولا يخفى ما في ضمن كلام هؤلاء من قصد الإضلال ، وعدم النصح ، ومناقضة ما جاء به النبي - صلى الله عليه وسلم - وما وصفه الله به من الرأفة والرحمة ، وقد تظاهر هؤلاء بنصر السنة ، وهم في الحقيقة لا للإسلام نصروا ، ولا للفلاسفة كسروا ، بل فتحوا لأهل الإلحاد الباب ، وسلطوا القرامطة الباطنية من ذوي الفساد على الإلحاد في السنة والكتاب .
( وأهل التجهيل ) هم الذين يقولون : إن الرسول لم يعرف معاني ما أنزل عليه من آيات الصفات ، ولا جبريل يعرف معاني الآيات ، ولا السابقون الأولون عرفوا ذلك ، وكذلك قولهم في أحاديث الصفات ، وأن الرسول تكلم بكلام لا يعرف معناه ، وهذا قول كثير من المنتسبين إلى السنة واتباع السلف ، فيقولون في آيات الصفات وأحاديثها : لا يعلم معرفتها إلا الله ، ويستدلون بقوله - تعالى : ( { وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ } ) ، ويقولون : تجرى على ظاهرها ، وظاهرها مراد مع قولهم : إن لها تأويلا بهذا المعنى لا يعلمه إلا الله " ا.هـ
فجعل الإمام السفاريني بنص كلامه المفوضة من أهل التجهيل ونص على أنهم منحرفون عن طريق السلف مشاركون في هذا الانحراف للفلاسفة والمعتزلة ومن سار على طريقهم
ومن كلامه الدال على مجانبته للمفوضة في كتابه اللوامع قوله :
" ( قد استوى ) على عرشه من فوق سبع سماواته استواء يليق بذاته ( كما ورد ) في الآيات القرآنية والأحاديث النبوية والنصوص السلفية ، مما لا يحصى ويتعذر أن يستقصى ، فهذا كتاب الله من أوله إلى آخره ، وسنة رسول الله من أولها إلى آخرها ثم عامة كلام الصحابة - رضي الله عنهم - والتابعين لهم بإحسان - رحمهم الله تعالى - ثم كلام سائر أئمة الدين ممن تلوى على كلامهم الخناصر ، ولا ينازع فيه إلا كل معاند ومكابر بأن الله تعالى مستو على عرشه بائن من خلقه " ا.هـ
فصرح هنا بمعنى الاستواء وأنه استواء الذات
ثم أطال في إثبات العلو بكلام شيخ الاسلام وأعقبه السفاريني نفسه بقوله :
" وهذا كلام متين لا مخلص لأحد عنه "
وقرر من خلال أقوال العلماء عبارة استواء الذات وعبارة الجهة
انظر (1/196 ـ 197)
حتى قال (1/198 ـ 199)
" إذا علمت هذا فاعلم أن كثيرا من الناس يظنون أن القائل بالجهة أو الاستواء هو من المجسمة ، لأنهم يتوهمون أن من لازم ذلك التجسيم ، وهذا وهم فاسد ، وظن كاذب ، وحدس حائد "
ونقل مقرا :
" وإذا ثبت أن موسى - عليه السلام - إنما سمع من الله - عز وجل - لم يجز أن يكون الكلام الذي سمعه إلا صوتا وحرفا ، فإنه لو كان معنى في النفس وفكرة ورؤية ، لم يكن ذلك تكليما لموسى ولا هو شيء يسمع ، والفكر لا يسمى مناداة ، فإن قالوا : نحن لا نسميه صوتا مع كونه مسموعا ، قلنا : هذا مخالفة في اللفظ مع الموافقة في المعنى ، فإنه لا يعنى بالصوت إلا ما كان مسموعا ثم إن لفظ الصوت قد صحت به الأخبار "
وقال :
" والحاصل أن مذهب الحنابلة كسائر السلف أن الله - تعالى - يتكلم بحرف وصوت
وقال :
" واحتج بها البخاري وغيره من أئمة الحديث على أن الحق - جل شأنه - يتكلم بحرف وصوت ، وقد صححوا هذا الأصل واعتقدوه ، واعتمدوا على ذلك منزهين الله - تعالى - عما لا يليق بجلاله من شبهات الحدوث وسمات النقص ، كما قالوا في سائر الصفات ، فإذا رأينا أحدا من الناس مما لا يقدر عشر معشار هؤلاء يقول : لم يصح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - حديث واحد أنه تكلم بحرف وصوت ، ورأيت هؤلاء الأئمة قد دونوا هذه الأخبار وعملوا بها ، ودانوا الله - سبحانه وتعالى - بها ، وصرحوا بأن الله - تعالى - تكلم بحرف وصوت لا يشبهان صوت مخلوق ولا حرفه بوجه ألبتة ، معتمدين على ما صح عندهم عن صاحب الشريعة المعصوم في أقواله وأفعاله ، الذي لا ينطق عن الهوى ، إن هو إلا وحي يوحى ، مع اعتقادهم الجازم الذي لا يعتريه شك ولا وهم ولا خيال - نفي التشبيه والتمثيل ، والتحريف والتعطيل ، بل يقولون في صفة الكلام كما يقولون في سائر الصفات ، إثبات بلا تمثيل ، وتنزيه بلا تعطيل ، كما عليه سلف الأمة وفحول الأئمة ، فهو حق اليقين بلا محال ، وهل بعد الحق إلا الضلال " .
وقال السفاريني -رحمه الله-:
" وقد أكثر العلماء من التصنيف، وأجلبوا بخيلهم ورَجِلِهم من التأليف، في ثبوت العلوّ والاستواء ونبّهوا على ذلك بالآيات والحديث وما حوى، فمنهم الراوي الأخبارَ بالأسانيد، ومنهم الحاذفُ لها وأتى بكلِّ لفظٍ مفيدٍ، ومنهم المُطَوِّل المُسهِب، ومنهم المُختصِر والمتوسِّط والمهذِّب، فمن ذلك (( مسألة العلوّ )) لشيخ الإسلام ابن تيمية، و(( العلوّ )) للإمام الموفق صاحب التصانيف السنيّة، و(( الجيوش الإسلاميّة )) للإمام المحقق ابن قيِّم الجوزية، و(( كتاب العرش )) للحافظ شمس الدين الذهبي صاحب الأنفاس العليّة، وما لا أُحصي عدّهم إلاّ بكُلْفة، والله تعالى الموفِّق " ا.هـ
بل الإمام السفاريني في كتابه لوامع الأنوار البهية لايكاد يقرر صفة من الصفات إلا من خلال كلام ابن تيمية حتى أنه نقل عنه في أكثر من مائة وثمانين موطنا (180) في كتابه الذي لم يجاوز أربعمائة وسبعين صفحة ولا أقول ورقة (470)
فهل يقال إنه مفوض مع كل هذا
الإمام العلامة محمد بن علي الشوكاني ت هـ
قال الإمام الشوكاني في رسالته " التحف " وهو كتيب خاص بمسائل الصفات :
" ومن جملة الصفات التي أمرها السلف على ظاهرها وأجروها على ما جاء به القرآن والسنة من دون تكلف ولا تأويل صفة الاستواء التي ذكرها السائل يقولون نحن نثبت ما أثبته الله لنفسه من استوائه على عرشه على هيئة لا يعلمها إلا هو وكيفية لا يدري بها سواه ولا نكلف أنفسنا غير هذا فليس كمثله شيء لا في ذاته ولا في صفاته ولا تحيط عباده به علما وهكذا يقولون في مسألة الجهة التي ذكرها السائل وأشار إلى بعض ما فيه دليل عليها والأدلة في ذلك طويلة كثيرة في الكتاب والسنة وقد جمع أهل العلم منها لا سيما أهل الحديث مباحث طولوها بذكر آيات قرآنية وأحاديث صحيحة وقد وقفت من ذلك على مؤلف بسيط في مجلد جمعه مؤرخ الإسلام الحافظ الذهبي رحمه الله استوفى فيه كل ما فيه دلالة على الجهة من كتاب أو سنة أو قول صاحب مذهب والمسألة أوضح من أن تلتبس على عارف وأبين من أن يحتاج فيها إلى التطويل " ا.هـ
فماذا بعد هذا الإثبات الصريح
وقال أيضا :
" والحق هو ما عرفناك من مذهب السلف الصالح فالاستواء على العرش والكون في تلك الجهة قد صرح به القرآن الكريم في مواطن يكثر حصرها ويطول نشرها وكذلك صرح به رسول الله صلى الله عليه و سلم في غير حديث بل هذا مما يجده كل فرد من أفراد الناس في نفسه وتحسه في فطرته وتجذبه إليه طبيعته كما نراه في كل من استغاث بالله سبحانه وتعالى والتجأ إليه ووجه أدعيته إلى جنابه الرفيع وعزه المنيع فإنه يشير عند ذلك بكفه أو يرمي إلى السماء بطرفه " ا.هـ
ــ ع العلامة محمد أنور شاه ابن معظم شاه الكشميري
قال رحمه الله :
" ودل ماروينا على رغم أنف من قال بأن أبا حنيفة جهمي عياذاً بالله ، فإن أبا حنيفة قائل بما قال السلف الصالحون ، فالحاصل أن نزول الباري إلى سماء الدنيا نزول حقيقة يحمل على ظاهره ويفوض تفصيله وتكييفه إلى الباري عز برهانه ، وهو مذهب الأئمة الأربعة والسلف الصالحين " ا.هـ
ـــ ماذا نسمي هذا ؟ هل هو تأويل ؟ أم تفويض ؟ وإن لم يكن فما هو وماذا نسميه ؟!
هذا اعتراف من هذا العالم الماتريدي الحنفي بما كان عليه أبو حنيفة والسلف من إثبات الصفات الخبرية كالنزول إثباتا حقيقيا والاقتصار في التفويض على تفويض المعنى التفصيلي الذي هو نوع من التكييف أما أصل المعنى وهو حقيقة الصفة فهو مثبت
وقال الكشميري :
"
وأما تفويض السلف فيحتمل المعنيين :
أحدهما : تفويض الأمر إلى الله وعدم الإنكار على من تأول كيف ما تأول بسبب إقرارهم بعدم العلم .
ثانيهما : تفويض التفصيل والتكييف إلى الله تعالى والإنكار على من تأول برأيه وعقله ومرادهم هو الاحتمال الثاني لا الأول " ا.هـ
ـــ العلامة ناصر بن عبد الرحمن السعدي
قال في تفسيره عن صفة النور :
" النور الحسي والمعنوي وذلك أنه تعالى بذاته نور، وحجابه نور الذي لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه وبه استنار العرش والكرسي والشمس والقمر، وبه استنارت الجنة وكذلك المعنوي يرجع إلى الله، فكتابه نور، وشرعه نور، والإيمان والمعرفة في قلوب رسله وعباده المؤمنين نور، فلولا نوره تعالى لتراكمت الظلمات؛ ولهذا كل محل يفقد نوره فَثَمَّ الظلمة والحصر " ا.هـ
وقال :
" لفظ "استوى" في القرآن على ثلاثة أوجه: إن عدي بـ "على" كان معناه العلو والارتفاع، { ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ } "
وقال :
"العلي الأعلى" وهو الذي له العلو المطلق من جميع الوجوه، علو الذات، وعلو القدر والصفات، وعلو القهر. فهو الذي على العرش استوى، وعلى الملك احتوى " ا.هـ
وقال :
{ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ } العلي في ذاته، فهو عال على جميع المخلوقات وفي قدره، فهو كامل الصفات، وفي قهره لجميع المخلوقات، الكبير في ذاته، وفي أسمائه، وفي صفاته، الذي من عظمته وكبريائه، أن الأرض قبضته يوم القيامة، والسماوات مطويات بيمينه، ومن كبريائه، أن كرسيه وسع السماوات والأرض
ذكر قوله تعالى ( إذ قال الله يا عيسى إني متوفيك ورافعك إلي ومطهرك من الذين كفروا ) ثم قال :
" وفي هذه الآية دليل على علو الله تعالى واستوائه على عرشه حقيقة، كما دلت على ذلك النصوص القرآنية والأحاديث النبوية التي تلقاها أهل السنة بالقبول والإيمان والتسليم "
وقال :
وينزل الباري [تبارك] تعالى: { فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ } ليفصل بين عباده بالقضاء العدل.
فتوضع الموازين، وتنشر الدواوين، وتبيض وجوه أهل السعادة وتسود وجوه أهل الشقاوة، ويتميز أهل الخير من أهل الشر، وكل يجازى بعمله، فهنالك يعض الظالم على يديه إذا علم حقيقة ما هو عليه.
وهذه الآية وما أشبهها دليل لمذهب أهل السنة والجماعة، المثبتين للصفات الاختيارية، كالاستواء، والنزول، والمجيء، ونحو ذلك من الصفات التي أخبر بها تعالى، عن نفسه، أو أخبر بها عنه رسوله صلى الله عليه وسلم، فيثبتونها على وجه يليق بجلال الله وعظمته، من غير تشبيه ولا تحريف، خلافا للمعطلة على اختلاف أنواعهم، من الجهمية، والمعتزلة، والأشعرية ونحوهم، ممن ينفي هذه الصفات، ويتأول لأجلها الآيات بتأويلات ما أنزل الله عليها من سلطان، بل حقيقتها القدح في بيان الله وبيان رسوله، والزعم بأن كلامهم هو الذي تحصل به الهداية في هذا الباب، فهؤلاء ليس معهم دليل نقلي، بل ولا دليل عقلي، أما النقلي فقد اعترفوا أن النصوص الواردة في الكتاب والسنة، ظاهرها بل صريحها، دال على مذهب أهل السنة والجماعة، وأنها تحتاج لدلالتها على مذهبهم الباطل، أن تخرج عن ظاهرها ويزاد فيها وينقص، وهذا كما ترى لا يرتضيه من في قلبه مثقال ذرة من إيمان.
وقال :
{ وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الأيْمَنِ } أي: الأيمن من موسى في وقت.مسيره، أو الأيمن: أي: الأبرك من اليمن والبركة. ويدل على هذا المعنى قوله تعالى: { أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا } { وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا } والفرق بين النداء والنجاء، أن النداء هو الصوت الرفيع، والنجاء ما دون ذلك، وفي هذه إثبات الكلام لله تعالى وأنواعه، من النداء، والنجاء، كما هو مذهب أهل السنة والجماعة، خلافا لمن أنكر ذلك، من الجهمية، والمعتزلة، ومن نحا نحوهم .
وقد ذكرت كلام الشيخ محمد بن عبد الوهاب والشيخ السعدي لوجود أحد المشوشين ممن زعم أنهما يفوضان وإلا فإنني قد كسلت عن ذكر كثير من أهل العلم المعروفين بالإثبات
فصل في الكيف في الصفات وبيان مذهب السلف فيه
من المسائل المتممة لمبحث التفويض والمهمة في تحقيق التصور السليم والتام لهذا الباب هو مسألة الكيف في الصفات
وقبل بيان المراد من هذا الفصل أبين باختصار تعريف التكييف والفرق بينه وبين التمثيل والتشبيه :
فالتكييف وصف دقيق أو مفصل أو تام للصفة
والتشبيه وصف للموصوف بصفة الغير إجمالا
والتمثيل وصف للموصوف بصفة الغير تفصيلا
فكل ممثل مكيف مشبه وكل مشبه مكيف وليس كل مكيف ممثل
فلم يختلف أهل السنة قاطبة وكذا ( من جهة نظرية ) المعطلة الجهمية ومن سار على خطاهم لم يختلفوا في أن تكييف صفات الله أمر محرم لا يجوز الولوج فيه فضلا عن الخوض
لكن ليس المهم هو الاتفاق لفظيا ونظريا على غرار الشعارات ثم الاختلاف في حقيقة الأمر ومخالفة النصوص تسترا وراء ذلك الشعار
وإنما المهم هو فهم التكييف فهما صحيحا ثم موافقة النصوص وما كان عليه السلف في ذلك .
فبالنظر إلى النصوص الشرعية وما كان عليه سلفنا الصالح وجدنا التالي بما لا مجال للشك فيه :
أ ـ أن هناك كيفا منفيا عن الله مطلقا وهو تكييف الصفات بكيفية صفات الخلق ، مصداقا لقوله تعالى : ( ولا يحيطون به علما ) .
ب ـ وهناك كيف منفي من جهة علمنا به وهو غير منفي في أصله وهو المتعلق بكنه الصفات وحقائقها .
فالأول تكييف وهذا كيف .
ج ـ ووجدنا باستقراء كلام السلف أن الكيفية ليست هي إثبات معاني الصفات الظاهرة فأصل معنى الصفة شيء والكيفية التي تتعلق بمعانيها التفصيلية شيء آخر .
ففرق بين المعنى الظاهر وبين الكيف أي ( بين المعنى المجمل والمعنى المفصل )
فالمعنى الظاهر للصفة والمجمل هو غير المعنى المفصل الذي يشترك في كثير من صوره مع الكيف
وإليك هذا المثال الواضح الذي جاء فيه الكيف معبَّرا عنه بلفظ المعنى والمراد منه في المثال باتفاق المعنى التفصيلي :
روى الإمام الأصبهاني قوام السنة بسنده في كتابه الحجة حديث الرؤية : "إنكم تنظرون إلى ربكم كما تنظرون إلى القمر ليلة البدر "
وفيه :
" فقال رجل في مجلس يزيد بن هارون الواسطي: يا أبا خالد ، ما معنى هذا الحديث ؟
فغضب وحرد وقال: ما أشبهك بصبيغ وأحوجك إلى مثل ما فعل به ، ويلك ، من يدري كيف هذا ؟ " ا.هـ
وكون المسؤول عنه وهو الرؤية وأنه معلوم المعنى فهذا باتفاقنا وأكثر مخالفينا وهو يبين بجلاء أن المراد بالمعنى المنفي هو المعنى التفصيلي الذي هو ولوج في الكيفية
وإلا فلا أحد منهم يقول بأن الرؤية لا يُعلم معناها ، بل هم يصرحون بأنها رؤية العباد لربهم بأبصارهم حقيقة وأن التشبيه في الحديث برؤية القمر هو تشبيه الرؤية بالرؤية لا المرئي بالمرئي
فهناك فرق بين أصل معنى الصفة وبين كيفيتها
وحتى تتضح الصورة ونحسم الإشكال نسأل المخالف سؤالا صريحا وواضحا :
أنت تزعم أنك تثبت لله صفة السمع والبصر والقدرة ونحوها مما تسمونه الصفات العقلية وتثبتون معانيها وتحتجون بهذا على أنكم مجانبون للجهمية والمعتزلة الذين يؤولونها
فيا ترى بإثباتك لها هل أنت مكيف لها أم تفرق بين إثباتك لمعاني هذه الصفات وبين تكييفها ؟!!
لا يخلو جوابك من أحد أمرين :
ـ إما أن تعترف بأن هناك فرقا بين إثبات المعنى وإثبات الكيف فلا يكون من أثبت المعنى قد كيّف وبهذا يسقط اعتراضك من أصله
ـ وإما أن تصر على دعوى أنه لا فرق ومن أثبت المعنى فقد كيّف وعلى هذا فأنت قد كيفت السمع والبصر والقدرة ..
وعليه فما جاز لك في هذه الصفات جاز لنا في غيرها ولا نوافقك على أنه تكييف فسمه أنت ما شئت
ثم إن كان عندك إثبات صفة السمع بمعنى الإدراك الحقيقي لنفس الأصوات إن كان هذا تكييفا فماذا نسمي إثبات المعاني التفصيلية للسمع القائمة على إثبات كيفيات لحصوله
أليس هذا هو التكييف ؟ أم أننا سنجمع بين المتفرقات ونسمي الجميع تكييفا ؟!!
لعل هذا الخلط ناشئ عن الخلط السابق
وما سبق بيانه مني سأدلل عليه بأقوال لأئمة السلف ومن سار على نهجهم من أئمة أهل السنة الموثوق بهم
أما الفقرة الأولى فهي محل اتفاق ولا خلاف فيها كمبدإ وإنما الخلاف في التطبيق وهو ما سنبينه في الفقرة (ج)
ومع هذا سأكتفي ببعض عبارات الأئمة لجلاء تلك الفقرة أعني (أ)
قال الإمام اللالكائي في كتابه شرح الاعتقاد :
" وسئل محمد بن جعفر عن قول الله تعالى الرحمن على العرش استوى قال من زعم أن الله استوى على العرش استواء مخلوق على مخلوق فقد كفر ومن اعتقد أن الله استوى على العرش استواء خالق على مخلوق فهو مؤمن
والذي يكفي في هذا أن يقول إن الله استوى على العرش من غير تكييف " ا.هـ
وقال الإمام الدارمي في نقضه :
" فكما نحن لا نكيف هذه الصفات لا نكذب بها كتكذيبكم ولا نفسرها كباطل تفسيركم " ا.هـ
وقال الإمام الأشعري :
" وندين الله عز و جل بأنه يقلب القلوب بين أصبعين من أصابعه وأنه سبحانه يضع السماوات على أصبع والأرضين على ( 1 / 27 ) أصبع كما جاءت الرواية عن رسول الله صلى الله عليه و سلم من غير تكييف " ا.هـ
وقال الإمام إسماعيل الأصبهاني في " الحجة " له :
" ولا نكيف صفات الله عز وجل ، ولا نفسرها تفسير أهل التكييف و التشبيه ، و لا نضرب لها الأمثال ، بل نتلقاها بحسن القبول تصديقاً " ا.هـ
فلا يجوز التكييف مطلقا وليس لأحد أن يكيف أي صفة لا خبرية ولا عقلية لأنه قائم على القياس في حق من لا نظير له ولا شبيه
وهذا يمثل أصلا كليا في هذا الباب لا ينخرم
لكن نفي التكييف من قِبَلنا لا يلزم منه نفي الكيف في حقيقة الصفة وعليه فما سيأتي عن أئمة السلف والسنة من اعتقاد وجود كيف للصفات في حقائقها وكنهها لكن لا نعلمه لا يعارض نفي التكييف
لأن ترك التكييف سببه عدم العلم بالكيف لا انعدام الكيف
قال الإمام ابن أبي زمنين المالكي :
" فهذه صفات ربنا التي وصف بها نفسه في كتابه ، | ووصفه بها نبيه ، وليس في شيء منها تحديد ولا تشبيه ولا تقدير | فسبحان من ليس كمثله شيء وهو السميع البصير . لم تره العيون فتحده | كيف هو كينونيته ، لكن رأته القلوب في حقائق الإيمان به . "
فالسبب في عدم التكييف هو عدم العلم به برؤية أو نحوها لا لأنه لا كيف له أصلا
وروى الأثرم في السنة وأبو عبد الله بن بطة في الإبانة وأبو عمرو الطلمنكي وغيرهم بإسناد صحيح عن عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة الماجشون أنه قال :
" فإنه لا يعلم كيف هو إلا هو . وكيف يُعرف قدر من لم يبدأ ومن لا يموت ولا يبلى ؟ وكيف يكون لصفة شيء منه حد أو منتهى - يعرفه عارف أو يحد قدره واصف ؟ - على أنه الحق المبين لا حق أحق منه ولا شيء أبين منه " ا.هـ
فهنا بين أن له كيفا ولكنه غير معلوم لدينا
قال العقيلي في " الضعفاء " والخلال في " السُّنَّة " كلاهما :
أخبرنا جعفر بن محمد الفريابي، حدثنا أحمد بن محمد المقدمي ، حدثنا سليمان بن حرب، قال: سأل بشر بن السري حماد بن زيد، فقال: يا أبا إسماعيل، الحديث الذي جاء: (( ينزل الله إلى السماء الدنيا )) يتحول من مكان إلى مكان؟
فسكت حماد، ثم قال: (( هو في مكانه، يقرب من خلقه كيف شاء )
وهذا إسناد صحيح
ورواه ابن بطة في كتاب [ الإبانة ] فقال : حدثني أبو القاسم حفص بن عمر الأردبيلي، حدثنا أبو حاتم الرازي , حدثنا سليمان بن حرب، قال : سأل بشر بن السري ...فذكره بمثله
قال الإمام أحمد بن حنبل :
يضحك الله تعالى ولا يعلم كيف ذلك إلا بتصديق الرسول وتثبيت القرآن "
رواه الخلال والأصبهاني التيمي في الحجة وابن بطة
أثبت أن الكيف لا يعلم لا أنه منعدم
وقال الخلال في كتاب السنة :
أخبرني عبيد اللّه بن حنبل، أخبرني أبي حنبل ابن أبي إسحق قال: قال عمي يعني أحمد بن حنبل :
نحن نؤمن أن الله تعالى على العرش استوى كيف شاء وكما يشاء، بلا حد ولا صفة يبلغها واصفون، أو يحدها أحد، وصفات الله له ومنه، وهو كما وصف نفسه لا تدركه الأبصار بحد ولا غاية، وهو يدرك الأبصار، وهو عالم الغيب والشهادة وعلام الغيوب.
فالكيف ثابت في نفس الصفة ولكننا نجهله وهو في الصفات الفعلية الاختيارية راجع للمشيئة .
وقال أبو بكر الخلال في كتاب السنة ( أخبرني يوسف بن موسى أن أبا عبد الله - يعني أحمد بن حنبل - قيل له : أهل الجنة ينظرون إلى ربهم عز و جل ويكلمونه ويكلمهم ؟ قال : نعم ينظر وينظرون إليه ويكلمهم ويكلمونه كيف شاء وإذا شاء )
قال : ( وأخبرني عبد الله بن حنبل قال : أخبرني أبي حنبل بن إسحاق قال : قال عمي : نحن نؤمن بأن الله على العرش كيف شاء وكما شاء بلا حد ولا صفة يبلغها واصف أو يحده أحد فصفات الله له ومنه وهو كما وصف نفسه .
قلت لأبي عبد الله : ( الله عز و جل يكلم عبد ه يوم القيامة ؟ قال : نعم فمن يقضي بين الخلائق إلا الله عز و جل ؟ يكلم عبده ويسأله الله متكلم لم يزل الله يأمر بما يشاء ويحكم وليس به عدل ولا مثل كيف شاء وأنى شاء )
وقال الصابوني :
حدثنا أبو يعقوب إسحاق بن إبراهيم العدل، حدثنا محبوب بن عبد الرحمن القاضي، حدثني أبو بكر بن أحمد بن محبوب، حدثنا أحمد بن حمويه حدثنا أبو عبد الرحمن العباسي، حدثنا محمد بن سلام، سألت عبدالله بن المبارك عن نزول ليلة النصف من شعبان، فقال عبدالله: يا ضعيف ليلة النصف! ينزل في كل ليلة، فقال الرجل يا أبا عبدالله! كيف ينزل؟ أليس يخلو ذلك المكان منه؟ فقال عبدالله: ينزل كيف يشاء " ا.هـ
هناك كيفية لنزوله لا يعلمها إلا هو تعالى .
وقال الشيخ الإمام أبو بكر أحمد بن هارون الخلال في كتاب "السنة" حدثنا أبو بكر الأثرم حدثنا إبراهيم بن الحارث -يعني العبادي- حدثنا الليث بن يحيى قال سمعت إبراهيم بن الأشعث قال أبو بكر -هو صاحب الفضيل- قال: سمعت الفضيل بن عياض يقول: ليس لنا أن نتوهم في الله كيف هو، لأن الله تعالى وصف نفسه فأبلغ فقال: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ. اللَّهُ الصَّمَدُ. لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ.وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ} فلا صفة أبلغ مما وصف به نفسه، وكل هذا النزول والضحك، وهذه المباهاة، وهذا الاطلاع كما يشاء أن ينزل، وكما يشاء أن يباهي، وكما يشاء أن يضحك، وكما يشاء أن يطلع، فليس لنا أن نتوهم كيف وكيف، فإذا قال الجهمي: أنا أكفر برب يزول عن مكانه فقل: بل أؤمن برب يفعل ما يشاء " ا.هـ
ونقل هذا عن الفضيل جماعة منهم البخاري في كتابه خلق أفعال العباد.
فأثبت للنزول والضحك والمباهاة كيفيات لكن نحن لا نعلمها ولا ينبغي لنا أن نتوهمها
---
0 comments:
إرسال تعليق