بسم الله الرحمن الرحيم
افتراءات السقاف على أهل السنة
الإفتراء الأول
نقل السقاف في 46 عن " اجتماع الجيوش الاسلامية " ص ( 212 ) تحت عنوان ( أكرموا البقر ) : وذكر شيخ الاسلام الهروي بإسناده عن عبد الله بن وهب قال " أكرموا البقر فإنها لم ترفع رأسها إلى السماء منذ عبد البجل حياء من الله عزوجل " . ثم قال : " والمقصود أن هذه فطرة الله التي فطر عليها الحيوان حتى أبلد الحيوان الذي نضرب ببلادته المثل وهو البقر ، . اه
وبوب السقاف لذلك بقوله (( فصل المتمسلفون يستدلون لعقيدتهم بطبائع البقر والحمير والدجاج من الامور المضحكة جداً))
ثم قال (ولقد كرمنا بني آدم) * فعقيدة الانسان الموحد الذي يتوجه بوجهه وجسده ويديه إلى جهة الكعبة أحرى من عقيدة البقر والحمير والدجاج التي يعتقدها هذا المتمسلف وبدندن حولها ! ! لا سيما وأن تلك الدواب غير عاقلة ! ! وقد شبه الله تعالى الكافر في البلادة وعدم الفهم بها كما تقدم في مثل قوله تعالى * (أولئك كالانعام بل هم أضل ))
قلت ابن القيم لو يورد هذا للإستدلال كما زعم السقاف المفتري
قال ابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية (1/212) (( فصل
في جواب من يقول: كيف يحتجّ علينا بأقوال الشعراء والجن وحُمر الوحش؟! ولعل قائلاً يقول: كيف يحتج علينا في هذه المسألة بأقوال مَنْ حَكَيْت قوله ممن ليس قوله حجة، فأجلب بها، ثم لم تقنع بذلك حتى حكيت أقوال الشعراء، ثم لم يكفك ذلك حيت جئت بأقوال الجن، ثم لم تقتصر حتى استشهدت بالنمل وحُمر الوحش، فأين الحجة في ذلك كله
وجواب هذا القائل أن نقول: قد علم أن كلام الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم وسائر أنبيائه عليهم السلام والصحابة والتابعين رضي اللّه عنهم ليس عندكم حجة في هذه المسألة، إذ غاية أقوالهم أن تكون ظواهر سمعية، وأدلة لفظية معزولة عن الثقة، متواترها يدفع بالتأويل، وآحادها يقابل بالتكذيب، فنحن لم نحتج عليكم بما حكيناه، وإنما كتبناه لأمور: منها: أن يعلم بعض ما في الوجود وبعلم الحال من هو بها جاهل
ومنها: أن نعلم أن أهل الإثبات أولى بالله سبحانه ورسوله صلى الله عليه وسلم، والصحابة والتابعين، وأئمة الإسلام، وطبقات أهل العلم والدين من الجهمية والمعطلة.
ومنها: أن نعرف الجهمي النافي لمن خالف من طوائف المسلمين، وعلى من شهد بالتشبيه والتمثيل، وعلى من استحلّ بالتكفير وعرض يفترق من الأمة))
هذا كاف لبيان إفك السقاف هداه الله
وبقي أن نقول أن البهائم أسلم عقيدةً من المعطلة كيف لا وهي داخلة في عموم قوله تعالى ((وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَـكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ ))
الإفتراء الثاني
قال السقاف في 49((وأما قولهم بأن الانسان والحيوان يعلم بالفطرة بأن الله في السماء فمغالطة واضحة منهم ! ! وذلك لانهم اخترعوا خرافة زعموها دليلا شرعيا ! ! جديدا ! ! فجعلوا يستدلون به على ما يريدون وهو ما يسمونه ب (الفطرة) ))
قلت الفطرة السليمة لا تناقض العقيدة الصحيحة وإليك الدليل المفحم وهو قوله صلى الله عليه وسلم ((ألا أعلمك كلمات تقولها إذا أويت إلى فراشك فإن مت من ليلتك مت على الفطرة وإن أصبحت أصبحت وقد أصبت خيرا تقول: اللهم أسلمت نفسي إليك ووجهت وجهي إليك وفوضت أمري رغبة ورهبة إليك وألجأت ظهري إليك لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك آمنت بكتابك الذي أنزلت وبنبيك الذي أرسلت.)) رواه البخاري و مسلم فقوله صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم (( مت على الفطرة )) داخل فيه الاعتقاد السليم الموجود في الدعاء وهذا كاف لاخراص السقاف
غير أننا لا نزعم أنها دليلٌ شرعي كما يفتري علينا
غير أن المعطلة يتضايقون من ذكر الفطرة لأنهم ممن انتكست فطرهم لهذا لا تجد أحداً يقول بقولهم إلا إذا درس كتبهم أو جالسهم
وأما إثبات العلو فتجده عند عموم المسلمين بلا تواطؤ بل وعامة مثبتي وجود الله من الأمم
وقال السقاف في ص50 ((وربما لم يفهموا قول النبي (ص) " كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه " على وجهه الصحيح ! ! ومعنى الحديث أن المولود يولد على الخلقة الاصلية السليمة وهي المراد بالفطرة ))
قلت لو كان هذا المعنى صحيحاً لما ذكر لقوله (( فأبواه يهودانه ....)) الحديث معنى إذ ما وجه ذكر العقائد مع الكلام عن الخلقة السليمة ؟!!
ومن أسخف ما قال السقاف قوله في الصفحة نفسها ((ولا يعني هذا أن المولود عندما يولد تولد معه معلومات دينية في مختلف النواحي من العقيدة والفقه والحديث والتفسير وغيرها))
قلت من توسع هذا التوسع ؟!!
وماذا يعني بالعقيدة إن كان يعني وجود الله وأين هو فنعم هذا يعلمه
وقال في ص 51((فلو كان الناس قد خلقوا وفطروا على الايمان والتوحيد ومعلومات العلو التي يقول بها هؤلاء المتمسلفون لما أستطاعوا أن يغيروها ، أي لم يستطع أحد أن يكفر ويخرج من الاسلام لقوله تعالى في الاية نفسها * (لا تبديل لخلق الله) ))
قلت هذا الكلام في غاية السخف فقوله (( لا تبديل لخلق الله ))
بمعنى لا تبديل لسننه الثابتة في الكون وألا يصبح الحق والباطل حقاً
لا أن الناس الذين فطروا على التوحيد لا يستطيعون تركه
ونسأل السقاف هل الناس مفطورون على معرفة وجود الله؟
إن قال لا
قلنا لا حاجة لنا بمخاطبة من هو في مثل عقلك
وإن قال نعم
قلنا فلم يلحد الناس ويكفرون والفطرة لا تتبدل ؟!!
الإفتراء الثالث
قال السقاف في ص107((وقول الدارمي المجسم المسكين " لان الحي القيوم يفعل ما يشاء ويتحرك إذا شاء وينزل ويرتفع إذا شاء ويقبض ويبسط ويقوم ويجلس إذا شاء " ! ! ! فهذه المقولات فضلا عن كونها مبنية على التشبيه والتجسيم فهي مستقاة من لب عقائد الملاحدة والزنادقة الذين يموهون كلامهم بالتظاهر بالمشيئة والاحتجاج بعظيم قدرة الله تعالى ! ! لانهم بنوا هذه المقولات على تصور فاسد قام بأذهانهم ألا وهو أنهم تخيلوا الله تعالى بصورة آدمي يقوم ويجلس ويتحرك بل نزلوا في السفاهة إلى دون ذلك فتصوروا جلوسه كالخيال والفارس على ظهر بعوضة ! ! ولو وصفوا آدميا مخلوقا بذلك لكان ذلك يزري به فكيف بالله تعالى رب العالمين ؟ ! ! ))
قلت :هذا محض كذب ، ثم ألسنا مشبهة عندك فلماذا زعمت أننا نشبه الله سبحانه وتعالى ( عن كفر المشبهة والمعطلة) بالآدمي ولم تختر مخلوقاً آخر ، ولماذا تخصيص الخيال والفارس من بين بني آدم ، ووالله حتى لو كانوا مشبهةً حقاً لكنت كاذباً في تعيينك لمرادهم ، وسأنقل لاحقاً نصوص الدارمي وشيخ الإسلام فقارنها مع ما افتراه هذا الكذاب
ونص الدارمي كما نقله السقاف ((ولو قد شاء لاستقر على ظهر بعوضة ))
فالدارمي يقول (لو) والسقاف يجزم بأنه يعتقد ذلك والدارمي قال هذه الكلمة رداً على من قال أن الله يستحيل أن يكون على العرش لأنه أكبر من العرش فرد الدارمي بما مفاده أن العرش وحملته إنما يستقلون ولا يسقطون بقدرة الله عز وجل
ولو في اللغة تستخدم في الممتنع لامتناع غيره
قال تعالى ((قُل لَّوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذاً لاَّبْتَغَوْاْ إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلاً))
وقال تعالى ((قُلْ إِن كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ ))
فهل يزعم السقاف أن القرآن يجوز أن يكون لله ولد أن يكون له شريك
وهل يرى السقاف أن القدرة التي وضعها الله في العرش والحملة يمتنع أن يضعها في بعوضة
والخلاصة أن لا يوجد سلفي واحد يعتقد أن الله مستقر على بعوضة فلم الإرجاف إذن
بل يمعن السقاف في الكذب فيقول في ص109 (( وقد تبين لنا من الكلام السابق أن أمثال ابن تيمية والدارمي وأمثالهم من المشبهة والمجسمة يطلقون على الله تعالى ما لم يرد في الكتاب والسنة كالحركة والجلوس والاستقرار على ظهر البعوضة ويجوزون إثبات هذه الصفات بل يثبتونها ))
قلت وهذا كذب فهما لم يثبتا استقرار الله عز وجل على البعوضة والدارمي أثبت الجلوس بأدلةٍ معتبرةٍ عنده
الإفتراء الرابع
تقدم معنا قول السقاف في ص109 (( وقد تبين لنا من الكلام السابق أن أمثال ابن تيمية والدارمي وأمثالهم من المشبهة والمجسمة يطلقون على الله تعالى ما لم يرد في الكتاب والسنة كالحركة والجلوس والاستقرار على ظهر البعوضة ويجوزون إثبات هذه الصفات بل يثبتونها ))
قلت هذا مفاده أنه يزعم شيخ الإسلام يثبت الحركة وهذا كذب
حاول تأكيده بنقله في ص109 قول شيخ الإسلام في درء التعارض " (2 / 4) (( وأمثال ذلك وأئمة السنة والحديث على إثبات النوعين وهو الذي ذكره عنهم من نقل مذهبهم كحرب الكرماني وعثمان بن سعيد الدارمي وغيرهما بل صرح هؤلاء بلفظ الحركة وان ذلك هو مذهب أئمة السنة والحديث من المتقدمين والمتأخرين وذكر حرب الكرماني انه قول من لقيه من أئمة السنة كأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وعبد الله بن الزبير الحميدي وسعيد بين منصور وقال عثمان بن سعيد وغيرة أن الحركة من لوازم الحياة فكل حي متحرك وجعلوا نفي هذا من أقوال الجهمية نفاة الصفات الذين اتفق السلف والأئمة على تضليلهم وتبديعهم )) زاعماً أن أهل السنة يثبتون ما لم يرد النص بإثباته ولو أكمل كلام شيخ الإسلام لما كان له ذلك
قال شيخ الإسلام (( وطائفة أخرى من السلفيه كنعيم بن حماد الخزاعي والبخاري صاحب الصحيح وابي بكر بن خزيمة وغيرهم كأبي عمر بن عبد البر وأمثاله يثبتون المعنى الذي يثبته هؤلاء ويسمون ذلك فعلا ونحوه ومن هؤلاء من يمتنع عن إطلاق لفظ الحركة لكونه غير مأثور وأصحاب احمد منهم من يوافق هؤلاء كأبي بكر عبد العزيز وابي عبد الله بن بطة وأمثالهما ))
فشيخ الإسلام نقل الخلاف في هذا اللفظ والحق مع الفريق الثاني
وقد صرح شيخ الإسلام بأن لفظ الحركة مجمل حيث قال كما في مجموع الفتاوى (5/566) (( وَقَبْلَ ذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ يُعْرَفَ أَنَّ لَفْظَ الْحَرَكَةِ وَالِانْتِقَالِ وَالتَّغَيُّرِ وَالتَّحَوُّلِ وَنَحْوِ ذَلِكَ أَلْفَاظٌ مُجْمَلَةٌ))
وقد بين شيخ الإسلام مذهبه في الألفاظ المجملة حيث قال كما في مجموع الفتاوى(17/306) (( وَالْمَقْصُودُ هُنَا : أَنَّ أَئِمَّةَ السُّنَّةِ كَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَغَيْرِهِ كَانُوا إذَا ذَكَرَتْ لَهُمْ أَهْلُ الْبِدَعِ الْأَلْفَاظَ الْمُجْمَلَةَ : كَلَفْظِ الْجِسْمِ وَالْجَوْهَرِ وَالْحَيِّزِ وَنَحْوِهَا لَمْ يُوَافِقُوهُمْ لَا عَلَى إطْلَاقِ الْإِثْبَاتِ " وَلَا عَلَى إطْلَاقِ النَّفْيِ وَأَهْلُ الْبِدَعِ بِالْعَكْسِ ابْتَدَعُوا أَلْفَاظًا وَمَعَانِيَ إمَّا فِي النَّفْيِ وَإِمَّا فِي الْإِثْبَاتِ وَجَعَلُوهَا هِيَ الْأَصْلُ الْمَعْقُولُ الْمُحْكَمُ الَّذِي يَجِبُ اعْتِقَادُهُ وَالْبِنَاءُ عَلَيْهِ ثُمَّ نَظَرُوا فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فَمَا أَمْكَنَهُمْ أَنْ يَتَأَوَّلُوهُ عَلَى قَوْلِهِمْ تَأَوَّلُوهُ وَإِلَّا قَالُوا هَذَا مِنْ الْأَلْفَاظِ الْمُتَشَابِهَةِ الْمُشْكَلَةِ الَّتِي لَا نَدْرِي مَا أُرِيدَ بِهَا . فَجَعَلُوا بِدَعَهُمْ أَصْلًا مُحْكَمًا وَمَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ فَرْعًا لَهُ وَمُشْكِلًا ))
وهذا ينطبق على لفظ الجهة الذي زعم السقاف كذباً أن شيخ الإسلام يثبتها
بل إن نفى شيخ الإسلام عن الإمام أحمد القول بإثبات الحركة في كتابه الإستقامة (1/73) حيث قال (( والمنصوص عن الإمام أحمد إنكار نفي ذلك ولم يثبت عنه إثبات لفظ الحركة))
وأما الجهة التي يزعم السقاف كذباً أن شيخ الإسلام يثبتها
فقد قال شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى (3/43) (( فَيُقَالُ لِمَنْ نَفَى الْجِهَةَ : أَتُرِيدُ بِالْجِهَةِ أَنَّهَا شَيْءٌ مَوْجُودٌ مَخْلُوقٌ ؟ فَاَللَّهُ لَيْسَ دَاخِلًا فِي الْمَخْلُوقَاتِ أَمْ تُرِيدُ بِالْجِهَةِ مَا وَرَاءَ الْعَالَمِ ؟ فَلَا رَيْبَ أَنَّ اللَّهَ فَوْقَ الْعَالَمِ مُبَايِنٌ لِلْمَخْلُوقَاتِ وَكَذَلِكَ يُقَالُ لِمَنْ قَالَ اللَّهُ فِي جِهَةٍ : أَتُرِيدُ بِذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ فَوْقَ الْعَالَمِ ؟ أَوْ تُرِيدُ بِهِ أَنَّ اللَّهَ دَاخِلٌ فِي شَيْءٍ مِنْ الْمَخْلُوقَاتِ ؟ فَإِنْ أَرَدْت الْأَوَّلَ فَهُوَ حَقٌّ وَإِنْ أَرَدْت الثَّانِيَ فَهُوَ بَاطِلٌ))
فانظر كيف جعل كلام كل من المثبت والنافي فيه حق وباطل والإستفصال لمعرفة حكم القائل
ولو كان السقاف يستفيد من هذا النص إثبات شيخ الإسلام للجهة فينبغي أن يستفيد نفيها أيضاً فالشيخ لم يفرق بينهما وهذا ممتنع
الإفتراء الخامس
زعم السقاف في ص95 أن الستة ( وهم البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة ) قد تحاشوا الرواية عن الدارمي عثمان بن سعيد رغم أنه من طبقة شيوخهم
فيقال له اثبت العرش ثم انقش
فدعوى كون الدارمي من طبقة شيوخ الستة فيها نظر ففي النظر إلى تاريخ ميلاده ووفاته نجد أنه ولد عام مائتين(200) ومات في ذي الحجة سنة ثمانين ومائتين(280) كما ذكر ذلك الذهبي في تاريخ الإسلام
أي أنه ولد بعد البخاري بستة سنوات فالبخاري ولد عام أربع وتسعون(194) ومائة وتوفي بعد البخاري بأربع وعشرين عاماً فالبخاري توفي عام ست وخمسون ومائة (256)
فلا أدري كيف استقام للسقاف أن يزعم أن الدارمي من طبقة شيوخ البخاري !!!!!!
وقد ولد الإمام مسلم بعد الدرامي بأربع سنوات عام (204) وليس ذلك بالفرق الزمني الشاسع الذي يجعل الدرامي من طبقة شيوخ مسلم وقد توفي مسلم قبل الدارمي بتسعة عشر عاماً عام ( 261)
وأما أبو داود السجستاني فقد ولد بعد الدارمي بعامين فقط عام (202) وتوفي قبله بخمس سنوات عام (275)
وأما الترمذي فولد بعد الدارمي بتسع سنوات ( 209) وتوفي قبله بعام (279)
وأما ابن ماجة فولد بعد الدارمي بسبع سنوات عام (207) وتوفي قبله بخمس أو سبع سنوات عام (275) أو (273)
فمع هذا التقارب الزمني في المواليد والوفيات يتعذر الزعم بأن الدارمي من شيوخ الستة وخصوصاً البخاري ومسلم وأبو داود
ولم يبق إلا النسائي وهذا يقال فيه أنهما لم يشترط الرواية عن كل الثقات بل لو قال قائل أنه لم يرزق السماع من الدارمي لكان لقوله وجاهة
ولو نظرنا إلى شيوخ الدارمي في كتابه الرد على الجهمية نجدهم من شيوخ الستة مما يؤكد ما قررته من أن الزعم أنه من طبقة شيوخهم زعم باطل إلا في حق النسائي وقد يستقيم في حق الترمذي ولكنه سيكون من صغار شيوخه الذين يتجنب الرواية عنه طلباً لعلو الإسناد ولنضرب على ذلك تسعة أمثلة
الأول القاسم بن محمد ( هو ابن عباد) البغدادي وقد روى عنه ابن ماجة
والثاني سويد بن سعيد الأنباري وقد روى عنه مسلم وابن ماجة
والثالث محمد بن كثير العبدي روى عنه البخاري وأبو داود
و الرابع الحسن بن صباح البزار روى عنه البخاري والترمذي وأبو داود
والخامس سهل بن بكار روى عنه البخاري وأبو داود
والسادس يحيى بن بكير وقد روى عنه البخاري
والسابع علي بن المديني روى عنه البخاري وأبو داود
والثامن أحمد بن منيع روى عنه الجماعة إلا البخاري بواسطة
والتاسع موسى بن إسماعيل روى عنه البخاري وأبو داود
وبقية شيوخه لا يخرجون عن كونهم من شيوخ الستة عدا النسائي أو من طبقتهم ومن المعلوم أن علماء الحديث يتجنبون الرواية عن أقرانهم فيما يجدونه عند شيوخهم طلباً منهم لعلو الإسناد وما يجدونه عند كبار شيوخهم يتنجبون روايته عن صغارهم
انظر تراجم هؤلاء كلهم في تهذيب الكمال وفروعه
وقد قال الخليلي في الإرشاد (3/877) (( أبو عمرو عثمان بن سعيد الدارمي كبير المحل عالم بهذا الشأن يقارن بالبخاري وأبي زرعة وأبي حاتم )) إلى أن قال (( وسمعت أبو عبد الله بن محمد الحافظ يقول كان عثمان بن سعيد ثقة متفقاً عليه ))
قلت كفى بهذه العبارات تزكيةً
الإفتراء السادس
وشنع السقاف على الدارمي بسبب إثباته لصفتي السكوت والجلوس _ في ص95 _ زاعماً أن هذا إثبات بلا دليل فأما السكوت فسيأتي الكلام عليها
وأما صفة الجلوس فأقوى ما روي فيها ما رواه الطبراني في الأوسط ( 2165) حدثنا أحمد بن زهير ( وهو احمد بن يحي بن زهير الثقة الحافظ ) ثنا محمد بن عثمان بن كرامة ( وهو ثقة ) ثنا خالد بن مخلد القطواني ( وهو من رجال الشيخين وسيأتي تفصيل حاله ) قال نا عبد السلام بن حفص ( وهو ثقة )عن أبي عمران الجوني ( وهو ثقة ثبت سماعه من أنس ) عن أنس بن مالك (( عرضت الجمعة على رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء جبرائيل عليه السلام في كفه كالمرآة البيضاء في وسطها كالنكتةالسوداء ، فقال ما هذه يا جبرائيل ؟ قال هذه الجمعة يعرضها عليك ربك عز وجل لتكون لك عيدا ولقومك من بعدك ولكم فيها خير ، تكون أنت الأول وتكون اليهود والنصارى من بعدك و فيها ساعة لا يدعو أحد ربه بخير هو له قسم إلا أعطاه إياه ، أو يتعوذ من شر إلا دفع عنه ما هو أعظم منه ونحن ندعوه في الآخره يوم المزيد وذلك أن ربك اتخذ في الجنة واديا أفيح من مسك أبيض فإذا كان يوم الجمعة نزل من عليين فجلس على كرسيه ، وحف الكرسي بمنابر من ذهب مكللة بالجواهر ،و جاء الصديقون والشهداء فجلسوا عليها ، وجاء أهل الغرف من غرفهم حتى يجلسوا على الكثيب وهو كثيب من مسك أذفر، ثم يتجلى لهم فيقول أنا الذي صدقتكم وعدي ، وأتممت عليكم نعمتي ، وهذا محل كرامتي فسلوني ، فيسألونه الرضا ، فيقول رضاي أحلكم داري وأنالكم كرامتي فسلوني فيشهد عليهم على الرضاثم يفتح لهم ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر إلى مقدار منصرفهم من الجمعة ، وهي زبرجدة خضراء أو ياقوتة حمراء مطردة فيها أنهارها متدلية ، فيها ثمارها فيها أزواجها وخدمها ، فليسوا هم في الجنة بأشوق منهم إلى يوم الجمعة أحوج منهم إلي يوم الجمعة ليزدادوا نظرا إلي ربهم عز وجل وكرامته ، ولذلك دعى يوم المزيد ))
قلت ولا يمكن الطعن في هذا الحديث إلا بالطعن في خالد بن مخلد القطوني وإليك تفصيل حاله
قال عبد الله بن أحمد عن أبيه: ((له أحاديث مناكير ))
قلت هذا النص لا يعني الجرح بالضرورة عند محمود سعيد ممدوح فقد قال في كتابه (تنبيه المسلم إلى تعدي الألباني على صحيح مسلم ) (( أما قول أحمد أحاديثه مناكير فلا تعني تضعيفاً له من أحمد (أي عمر بن حمزة ) ذلك أن المشتغل بالحديث يعلم أن للنكارة معنى التفرد عند أحمد وكثير من المتقدمين ))
قلت ولا يخفى على اللبيب أن قوله (( أحاديثه مناكير )) أخف من قوله (( له أحاديث مناكير ))
وقال أبو حاتم(( يكتب حديثه ))
وقال بن عدي ((لم أجد في حديثه أنكر مما ذكرته ولعلها توهم منه أو حملا على حفظه هو من المكثرين وهو عندي إن شاء الله لا بأس به ))
وقال بن سعد((كان متشيعاً منكر الحديث مفرطاً في التشيع وكتبوا عنه للضرورة ))
قال أبو أحمد(( يكتب حديثه ولا يحتج به))
هؤلاء هم من جرحه أما من عدله فاولهم الشيخان فقد أفادني الشيخ الألفي أنهما احتجا به
وقال الآجري عن أبي داود ((صدوق ولكنه يتشيع ))
وقال عثمان الدارمي عن بن معين(( ما به بأس ))
وقال العجلي ((ثقة فيه قليل تشيع وكان كثير الحديث ))
وقال صالح بن محمد جزرة(( ثقة في الحديث إلا أنه كان متهماً بالغلو ))
وقال بن شاهين في الثقات قال عثمان بن أبي شيبة هو(( ثقة صدوق ))
وذكره بن حبان في الثقات
هذا كله في التهذيب
واحتج به ابن خزيمة في صحيحه ( 2617) حيث ارود له أثراً عن سعيد بن جبير
( كنت مع ابن عباس بعرفات ، فقال : ما لي لا أسمع الناس يلبون ؟ قلت : يخافون من معاوية . فخرج ابن عباس من فسطاطه ، فقال : لبيك اللهم لبيك ، لبيك . . . فإنهم قد تركوا السنة ، من بغض علي ))
وهو من افراد خالد بن مخلد وهذه الفائدة لم ترد في التهذيب وهذا الأثر من الآثار التي يطيب للمبتدعة في منتدى السقاف بها للطعن في معاوية فيلزمهم تصحيح هذا الحديث في إثبات صفة الجلوس كما صححوا هذا الأثر وبالتالي الرد على شيخهم السقاف والحمد لله معز الإسلام بنصره
واحتج به الحاكم في مستدركه حيث اورد له الأثر السابق (1659)
ووثقه الدارقطني في سننه (1980) حيث روى حديث أنس بن مالك قال : أول ما كرهت الحجامة للصائم أن جعفر بن أبي طالب احتجم وهو صائم ، فمر به النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : (( أفطر هذان )) ، ثم رخص النبي صلى الله عليه وسلم بعد في الحجامة للصائم ، وكان أنس يحتجم ، وهو صائم .
ثم قال بعده (( كلهم ثقات ، ولا أعلم له علة ))
قلت ومن هؤلاء الثقات خالد بن مخلد بل إن هذا الحديث من أفراده وتأمل معي كيف أن الدارقطني لم يعل هذا الحديث بتفرد خالد
والآن حان وقت إطلاق الضربة القاضية
قال السقاف في بحثه السيء عن معاوية المنشور في منتدى التنزيه (( ومن تكلم فيه من أئمة المحدثين وأهل العلم والأئمة يشنعون عليه بسلاحهم الإرهابي المعهود فيرمونه بالتشيع والرفض ليخرس ويسقط عند العامة الأغبياء ! وقد شاهدنا هذا ولمسناه ورأيناه بأعيننا ! وهكذا تصبح السنة الصحيحة واتباع الحق والواقع والخضوع لأوامر الله تعالى ورسوله وكشف الحقيقة رفضاً وربما كفراً وزندقة بنظرهم !
ومن أمثلة الأئمة والحفاظ الذين رموهم بالتشيع والغلو :
خالد بن مخلد القطواني وهو من شيوخ البخاري ومسلم وقد رويا له في الصحيح ))
فانظر كيف جعله إماماً حافظاً بل ويفيدنا أن الأئمة يتكلمون فيه لإسقاط السنة الصحيحة فعلى هذا يكون هذا الحديث في إثبات صفة الجلوس على شرط السقاف في الصحة ولا شك
وأرى أن القول الفصل فيه
ما ذكره ابن رجب الحنبلي في شرح العلل ( 2/775 ((ذكر الغلابي في تاريخ
القطواني يؤخذ عنه مشيخه المدينة ، وابن بلال فقط يريد سليمان بن بلال
ويعني بهذا أنه لا يؤخذ عنه إلا حديثه عن أهل المدينة ، وسليمان ابن بلال منهم ، لكنه أفرده بالذكر ((
قلت وعلى هذا يحمل جرح أحمد له على حديثه عن أحمد عن أهل الكوفة
وحديثه في صفة الجلوس من حديثه عن أهل المدينة
وأما الحديث الذي يورده المبتدعة للطعن في معاوية من حديثه عن أهل الكوفة والحمد لله معز الإسلام بنصره
وإذا طبقنا منهج السقاف وأشياخه في تقوية أحاديث التوسل فإننا سنقوي هذا الحديث ولا شك
وإليك البرهان
احتج جماعة من المتصوفة منهم عبد الله الغماري والسقاف ومحمود سعيد ممدوح( انظر رفع المنارة ص148) بالحديث الذي رواه الطبراني سليمان بن أحمد في معجمه الكبير (24/352) حدثنا أحمد بن حماد بن رغبة حدثنا روح بن صلاح أخبرنا سفيان، عن عاصم، عن أنس بن مالك، قال: لما ماتت فاطمة بنت أسد بن هاشم أم علي بن أبي طالب دخل عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلس عند رأسها فقال: "يرحمك الله، فإنك كنت أمي بعد أمي، تجوعين وتشبعينني وتعرين وتكسينني، وتمنعين نفسك طيب الطعام وتطعمينني، تريدين بذلك وجه الله والدار الآخرة. ثم أمر أن تغسل ثلاثاً ثلاثاُ فلما بلغ الماء الذي فيه الكافور سكبه رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده، ثم خلع رسول الله صلى الله عليه وسلم قميصه وألبسها إياه وكفنها فوقه، ثم دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم أسامة بن زيد وأبا أيوب الأنصاري وعمر بن الخطاب وغلاماً أسود يحفرون قبرها، فلما بلغوا اللحد حفره رسول الله صلى الله عليه وسلم فاضطجع فيه، ثم قال: "الحمد لله الذي يحيى ويميت وهو حي لا يموت، اغفر لأمي فاطمة بنت أسد ولقنها حجتها، وأوسع عليها مدخلها بحق نبيك والأنبياء الذين من قبلي فإنك أرحم الراحمين". وكبر عليها أربعاً وأدخلوها اللحد هو والعباس وأبو بكر الصديق))
قلت تفرد بهذا الحديث روح بن صلاح و لم يوثقه إلا الحاكم وابن حبان ( انظر ميزان الإعتدال )
وقال الدارقطني (( ضعيف في الحديث )) ((المؤتلف والمختلف))( 3/1377)
وقال الدارقطني كما في لسان الميزان( 4/5820). : سمعت أبا طالب ، يعني أحمد بن نصر الحافظ يقول : قال لي أخو ميمون ، واسمه أحمد بن ميمون بن زكريا البغدادي : اتفقنا على ألا نكتب بمصر حديث ثلاثة وهم : علي بن الحسن الشامي ، وروح بن صلاح ، وعبد المنعم بن بشير
وقال ابن يونس (( رويت عنه مناكير ))
ابن يونس تلميذه وبلديه
وقال ابن ماكولا (( ضعفوه ))
وقال ابن عدي (( ضعيف )) وقال(( له أحاديث كثيرة في بعضها نكرة))
انظر هذا كله في لسان الميزان
وقال الذهبي (( له مناكير )) كما في ترجمته في تاريخ الإسلام
قلت نستفيد من هذا أمور
الأول أن من جرح روح بن صلاح أكثر ممن عدله بخلاف خالد بن مخلد القطواني
الثاني أن روحاً لم يوثقه إلا المتساهلين بخلاف خالد بن مخلد الذي عدله جماعة من المعتدلين
الثالث أن روحاً له مناكير وهذا الحديث منها ولا شك فقد تفرد به عن سفيان الثوري وهو ثقة ثبت فاضل كثير الأصحاب الثقات الأثبات فتفرد مجروح كروح بهذا الحديث يعد من مناكيره وخصوصاً أن روح مصري وسفيان بينما نجد خالد بن مخلد لم يتفرد عن ثقة ثبت كثير الأصحاب الأثبات في حديثنا الذي نتكلم عنه
الرابع روح بن صلاح لم يخرج له أحد من أصحاب الصحاح بخلاف خالد بن مخلد
ومما يدل على أن السقاف يعاني من انفصام في الشخصية العلمية جعله هلال بن أبي ميمونة (الذي احتج به أصحاب الصحاح ووثقه الدارقطني ومسلمة وابن حبان والحاكم) وروح بن صلاح في مرتبة واحدة وهي مرتبة الصدوق!!!!!
ولا يعزب عن ذهنك نفي السقاف لوجود دليل صحيح على صفة الجلوس ولم يفرق بين الآحاد والمتواتر
وهناك أحاديث أخرى في صفة الجلوس تنازع أهل السنة في ثبوتها فمن صححها قال بمعناها
الإفتراء السابع
زعم السقاف في ص 95 أن أهل السنة أثبتوا لله السكوت بلا دليل وهذا من جهله بالسنة فقد ثبت عن ابن عباس
فقد قال أبو داود في سننه 3800 حدثنا محمد بن داود بن صبيح، قال: ثنا الفضل بن دكين، قال: حدثنا محمد -يعني: ابن شريك المكي- عن عمرو بن دينار، عن أبي الشعثاء، عن ابن عباس قال:
كان أهل الجاهلية يأكلون أشياء ويتركون أشياء تقذراً، فبعث الله تعالى نبيه -صلى الله عليه وسلم- وأنزل كتابه وأحلَّ حلاله، وحرم حرامه، فما أحل فهو حلال، وما حرَّم فهو حرام، وما سكت عنه فهو عفو، وتلا {قُلْ لاَ أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ} [الأنعام: 145] إلى آخر الآية
قلت هذا سند صحيح وأبو الشعثاء هو جابر بن زيد
فإن قال قائل ما وجه الكمال في هذه الصفة ؟
قلنا سكوت الله عزوجل عما فيه مشقة على عباده من كمال رحمته ورأفته بهم
فإن قال قائل من أثبت هذه الصفة من السلف ؟
قلنا قد قدمنا لك الأثر عن هذا الصحابي في قاعدة السلف الكلية (( أمروها كما جاءت بلا كيف )) وقد أثبت هذه الصفة ابن خزيمة وأبو إسماعيل الهروي كما نقل ذلك شيخ الإسلام في الفتاوى أما المعطله فلا يثبتون سكوتا لأنهم لا يثبتون كلاماً أصلاً والله الموفق
الإفتراء الثامن
زعم السقاف في ص89 أن ابن القيم يثبت لله صفة الجنب وهذا كذب بل وافتئات لا يجرؤ عليه إلا فاجر كحسن السقاف وإليك نص ابن القيم الذي أحال عليه السقاف !!!!!!!! وهو في الصواعق المرسلة
قال ابن القيم في الصواعق المرسلة (1 / 250) (( فعلى تقدير أن الساق والجنب من الصفات فليس من ظاهر القرآن ما يوجب أنه لا يكون له إلا ساق واحدة وجنب واحد فلو دل على ما ذكرت لم يدل على نفي ما زاد على ذلك لا بمنطوقه ولا بمفهومه حتى عند القائلين بمفهوم اللقب لا يدل ذلك على نفي ما عدا المذكور لأنه متى كان للتخصيص بالذكر سبب غير الإختصاص بالحكم لم يكن المفهوم مرادا بالإتفاق وليس المراد بالآيتين إثبات الصفة حتى تخصيص أحد الأمرين باذكر مرادا بل المقصود حكم آخر وهو بيان تفريط العبد في حق الله وبيان سجود العباد إذا كشف عن ساق وهذا حكم قد يختص بالمذكور دون غيره فلا يكون له مفهوم )) انتهى النقل
قلت تأمل معي قوله في أول الكلام (( فعلى تقدير )) وهي بمعنى افرض فالكلام مجرد افتراض فكيف يعده السقاف اعتقادا؟!! وإليك بقية كلام ابن القيم الذي يبين إفك السقاف
ثم قال ابن القيم (( السادس أن يقال من أين في ظاهر القرآن إثبات أن لله جنب واحد هو صفة الله ؟ ومن المعلوم أن هذا لا يثبته أحد من بني آدم وأعظم الناس إثباتا للصفات هم أهل السنة والحديث الذين يثبتون لله الصفات الخبرية ولا يقولون لله إن لله جنبا واحدا ولا ساقا واحدة
قال عثمان بن سعيد الدارمي في نقضه على المريسي وادعى المعارض زورا على قوم أنهم يقولون في تفسير قول الله تعالى (( يا حسرتي على ما فرطت في جنب الله )) إنهم يعنون بذلك الجنب الذي هو العضو وليس ذلك على ما يتوهمونه
قال الدارمي فيقال لهذا المعارض ما أرخص الكذب عندك وأخفه على لسانك فإن كنت صادقا في دعواك فأشربها إلى أحد من بني آدم قاله وإلا فلم تشنع بالكذب على قوم هم أعلم منك بالتفسير وأبصر بتأويل كتاب الله منك ومن إمامك ؟ وإنما تفسيرها عندهم تحسر الكفار على ما فرطوا في الإيمان والفضائل التي تدعوا إلى ذات الله )) انتهى النقل
قلت فإن قال قائل ابن القيم جعل صفة الجنب كصفة الساق !!!!!!
فأقول إنما أثبت ابن القيم صفة الساق بالأحاديث التي تدل عليها كما هو مبين في الصواعق المرسلة أما صفة الجنب المزعومة فلا دليل عليها إلا قوله تعالى (( يا حسرتي على ما فرطت في جنب الله )) وقد نفى ابن القيم دلالته على الصفة تبعا للدارمي وهو الحق
وتأمل معي كلام الدارمي في المريسي فهو منطبق على السقاف أيضا
وقال ابن القيم أيضا في الصواعق ((فهذا إخبار عما تقولـه هذه النفس الموصوفة بما وصفت به ، وعامة هذه النفوس لا تعلم أنَّ لله جنباً ، ولا تقر بذلك ؛ كما هو الموجود منها في الدنيا ؛ فكيف يكون ظاهر القرآن أنَّ الله أخبر عنهم بذلك ، وقد قال عنهم : (يَاحَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللهِ( (الزمر : 56) ، والتفريط فعل أو ترك فعل، وهذا لا يكون قائماً بذات الله ؛ لا في جنب ولا في غيره ، بل يكون منفصلاً عن الله ، وهذا معلوم بالحس والمشاهدة ، وظاهر القرآن يدل على أنَّ قول القائل : (يَاحَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللهِ( ؛ ليس أنه جعل فعله أو تركه في جنب يكون من صفات الله وأبعاضه))
وقال أيضاً (( السابع : أن يقال هب أن القرآن دل ظاهره على إثبات جنب هو صفة فمن أين يدل ظاهره أو باطنه على أنه جنب واحد وشق واحد ومعلوم أن إطلاق مثل هذا لا يدل على أنه شق واحد )) وهذا صريح في بيان إفك الخساف فابن القيم يفترض افتراضاً
الإفتراء التاسع
زعم السقاف أن السلفيين متناقضون لأنهم يقولون للمؤولة لا تعملوا عقولكم في نصوص الصفات ثم يقولون للمفوضة لا يمكن أن يخاطبنا الله عزوجل بما لا نعقل
والحقيقة أنه ليس هنالك تناقض في موقفنا لأننا عندما نقول للمؤولة لا تعملوا عقولكم في نصوص الصفات فإننا نعني بذلك ألا تقيسوه على أنفسكم فتجعلوا نزوله كنزولنا يلزم منه ما يلزم من نزولنا من الحلول والمماسة وغيرها وإذا كان العلماء يفسدون كثير من القياسات بفروقات بسيطة فما بالك بقياس الشاهد على الغائب !!!
وهذا لا يتناقض مع ما نقوله للمفوضة فإن الله عزوجل لم يخاطبنا بقياسه سبحانه وتعالى على أنفسنا بل قرر أحسن تقرير أن الإشتراك باللفظ لا يلزم منه التشبيه فقال تعالى عن نبيه (( بالمؤمنين رؤوف رحيم )) ووصف نفسه سبحانه وتعالى بأنه (( الرؤوف الرحيم ))
الإفتراء العاشر
قال السقاف في ص 87((بل يطلقون عليه سبحانه وتعالى وصف الحد والجهة والحركة والسكوت والاستقرار والجلوس والجسمية وغيرها مع أن هذه الالفاظ لم ترد في الكتاب ولا في السنة الصحيحة ! ! ))
قلت هذا كذب أهل السنة لا يصفون الله عز وجل بالجسمية
والإستقرار فمن معاني الإستواء في اللغة ولا يمنع أحدٌ من العلماء تفسير القرآن بلسان العرب وخصوصاً أن هذا قول جماعة من السلف
وكل ما يتوهمه المعطلة من لوازم فاسدة لا نلتزمها كما لا يلتزمون إعدام الإله بقولهم (( إن الله لا داخل العالم ولا خارجه ))
الإفتراء الحادي عشر
نقل السقاف في ص 102 قول الترمذي في سننه (4 / 692) (( والمذهب في هذا عند أهل العلم من الأئمة مثل سفيان الثوري ومالك بن أنس وابن المبارك وابن عيينة ووكيع وغيرهم أنهم رووا هذه الأشياء ثم قالوا تروى هذه الأحاديث ونؤمن بها ولا يقال كيف وهذا الذي اختاره أهل الحديث أن تروى هذه الأشياء كما جاءت ويؤمن بها ولا تفسر ولا تتوهم ولا يقال كيف وهذا أمر أهل العلم الذي اختاروه وذهبوا إليه)) باتراً أوله و آخره ليوهم التفويض
وأول الكلام الذي بتره السقاف فقوله (( وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم روايات كثيرة مثل هذا ما يذكر فيه أمر الرؤية أن الناس يرون ربهم وذكر القدم وما أشبه هذه الأشياء )) فكلامه يدل على الإثبات إذ لم يفرق بين الرؤية والقدم
وقوله (( ولا يقال كيف )) دليل على إثبات المعنى ومثال ذلك لو قلت لك أفي بيتكم حديقة ؟ فإذا قلتَ لا لم يجز لي أن أسألك عن الكيفية ولم يجز لك نهيي عن ذلك
ولكن لو قلت لي نعم في بيتنا حديقة ولكن لا تسألني عن الكيفية لاستقام كلامك فما لم يثبت أصله لم يحتاج المتكلم إلى نفي العلم بكيفيته أو النهي عن السؤال عن كيفيته
وأما آخر الكلام الذي بتره السقاف (( ومعنى قوله في الحديث فيعرفهم نفسه يعني يتجلى لهم ))
فهذا نص صريح في إثبات صفة التجلي وهي صفة فعليه فأين التفويض ؟!!!
وللترمذي كلام آخر في الصفات صريح في الإثبات
قال الترمذي (9/185) (( وفسر بعض أهل العلم هذا الحديث فقالوا إنما هبط على علم الله وقدرته وسلطانه وعلم الله وقدرته وسلطانه في كل مكان وهو على العرش كما وصف في كتابه ))
وهذا صريح في إثبات العلو الحسي وليس معناه العلو المعنوي لأن الترمذي كان في صدد نفي كون الله في الأرض كما هو ظاهر الحديث المنكر الذي كان الترمذي يتكلم عنه (( لو أنكم دليتم رجلا بحبل إلى الأرض السفلى لهبط على الله ))
وله كلام آخر صريح في إثبات الصفات وهو قوله في سننه (3/50_51) (( وقد قال غير واحد من أهل العلم في هذا الحديث وما يشبه هذا من الروايات من الصفات ونزول الرب تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا قالوا قد تثبت الروايات في هذا ويؤمن بها ولا يتوهم ولا يقال كيف هكذا روي عن مالك وسفيان بن عيينة وعبد الله بن المبارك أنهم قالوا في هذه الأحاديث أمروها بلا كيف وهكذا قول أهل العلم من أهل السنة والجماعة وأما الجهمية فأنكرت هذه الروايات وقالوا هذا تشبيه وقد ذكر الله عز وجل في غير موضع من كتابه اليد والسمع والبصر فتأولت الجهمية هذه الآيات ففسروها على غير ما فسر أهل العلم وقالوا إن الله لم يخلق آدم بيده وقالوا إن معنى اليد هاهنا القوة و قال إسحق بن إبراهيم إنما يكون التشبيه إذا قال يد كيد أو مثل يد أو سمع كسمع أو مثل سمع فإذا قال سمع كسمع أو مثل سمع فهذا التشبيه وأما إذا قال كما قال الله تعالى يد وسمع وبصر ولا يقول كيف ولا يقول مثل سمع ولا كسمع فهذا لا يكون تشبيها وهو كما قال الله تعالى في كتابه (( ليس كمثله شيء وهو السميع البصير )) ))
وهذا كلام صريح في الإثبات لوجوه
الأول عدم تفريقه بين اليد والسمع والبصر بل أثبتها جميعاً
الثاني قوله (( وفسروها على غير ما فسرها أهل العلم )) مما يدل أن لأهل العلم تفسير لهذه الآيات والأحاديث وقد تقدم ذكر الكثير منها ومنها تفسير الترمذي الذي ذكرناه للتو
الثالث نفي السؤال عن الكيفية وقد تقدم شرحه
الرابع إثبات الترمذي لصفة العلو
الخامس نفيه للتوهم وإنما يحصل توهم التشبيه والتجسيم لمن يثبت الصفات أما المعطلة فذلك منتفي في حقهم
وما نقله الترمذي عن إسحاق حق لا مرية فيه فلو كان الإتفاق باللفظ يقتضي الإتفاق في المعنى أو التشابه لكانت يد الجمل كيد الباب ويد النملة كيد الفيل وساق النبات كساق الإنسان والأمثلة على ذلك كثيرة
الإفتراء الثاني عشر
نقل السقاف في ص81 قول شيخ الإسلام في النقض (2 / 184) (( فلو قال قائل بل ذلك جائز فلم تذكر على إبطاله حجة لا سيما وعندك أن النقص على الله لم يعلم امتناعه بالعقل وإنما علمته بالاجماع لا سيما إن احتج بظاهر قوله تعالى يأتيهم الله في ظلل من الغمام وبقوله كان في عماء ما فوقه هواء وما تحته هواء لا سيما وهذا لا ينافي الفوقية والعلو بالقدرة والقهر والتدبير وعندك لا يستحق الله الفوقية إلا بهذا وهذا المعنى ثابت سواء خلق فوقه شيئا آخر أو لم يخلقه فإذا لم يكن هذا مستحيلاً على أصلك لم يصح احتجاجك باستحالته عن المنازع الذي ينازعك في المسألة بل قد يقول لك إذا لم يكن ما يمنع جواز ذلك إلا هذا فعليك أن تقول به لأن هذا ليس بمانع عندك ))
وقال قبله ((ومن الادلة أيضا المؤكدة على أنها منطقة حقيقية وأنهم يتخيلون أن الله تعالى فيها وله تحت وفوق وغير ذلك من الجهات أن ابن تيمية الحراني ! ! في رده على الامام الرازي يقول : إن الامام الرازي لم يستطع أن ينفي أن الله لا يستطيع أن يخلق جسما فوقه
زاعما أن شيخ الإسلام هو القائل وهذا كذب على الشيخ إذ أنه أورد هذا الكلام للإلزام بدليل قوله (( لم يكن هذا مستحيلا على أصلك ))
قلت كلام شيخ الإسلام للإلزام بدليل قوله (( لم يكن هذا مسحيلاً على أصلك )) فهو يلزم الفخر الرازي ليظهر تناقضه
وبدليل قوله في نفس الصفحة (( وأما خلق جسم هناك فلم يذكر على امتناعه حجة إلا أن الخصم لا يقول به والخصم يقول ذلك ممتنع لامتناع أن يكون شيء موجود فوق الله فإن سلمت له هذه العلة كان ذلك جوابا لك وإن لم تسلمها لم يكن مذهبه صحيحا فلا تحتج به وقد تقدم كلامك على إبطال مثل هذه الحجة وهي الالزامات المختلفة المآخذ ))
فالشيخ كما ترى يجري محاكمة بين أهل البدع يبين بها تناقضهم وعدم اتساق أصولهم وهذه كتلك المحاكمة التي أجراها بين الروافض والنواصب ملزما الروافض برد فضائل علي لأنها جاءت من نفس الطريق التي جاءت به فضائل الصديق والفاروق رضي الله عنهما وإلا لما استطاعوا الرد على النواصب الذين يتبعون نفس منهجهم الانتقائي آخذين بفضائل الصديق والفاروق رضي الله عنهما ورادين لفضائل علي بن أبي طالب -رضي الله عنه .
وقد ثرب السقاف على شيخ الإسلام خوضه في هذه المسائل التي لم يتكلم بها الصحابة رضوان الله عليهم فأقول جواباً على هذا الهراء :
أن خوضَ شيخ الإسلام في هذه المسائل من قبيل إلزام المتكلمين بقواعدهم وهذا منهجٌ متفقٌ على صحته بين أهل العلم ومن هذا احتجاجهم على النصارى بآيات الإنجيل لإثبات عبودية عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام وليس لمدعٍ أن يدعِ أنَّ علماء المسلمين يؤمنون بالإنجيل ( المحرف ) لاحتجاجهم بآياته!!
الإفتراء الثالث عشر
زعم السقاف أن السلف كانوا يفوضون معاني الصفات وقد تقدم نقض هذا بالبرهان الدامغ وأضيف هنا أن قول مالك وغيره من السلف في نصوص الصفات(( أمروها كما جاءت بلا كيف )) دليل على الإثبات لوجهين أولها أنه لا يقال (( بلا كيف )) إلا بعد الإثبات إذ ما لا يثبت أصلا لا يحتاج الى نفي الكيف عنه أو نفي العلم بكيفيته
والثاني أن الإمام مالك ثبت عنه إثبات العلو فهذا دليل على أنه كان يعني الإثبات
وما يهمني هنا تبرئة الإمام أحمد من تهمة التفويض التي ألصقها به السقاف محتجاً بقوله في أحاديث الصفات (( نمرها كما جاءت بلا كيف ولا معنى )) أو كما قال رحمه
وهذا الأثر لا يثبت عن الإمام أحمد لتفرد إسحاق بن حنبل به عنه وقد قال الحافظ الذهبي – رحمه الله – في السير (13/51) : (( له مسائل كثيرة عن أحمد ، ويتفرد ، ويغرب )) . ونقل العليمى في (( المنهج الأحمد )) (1/245) عن أبي بكر الخلال قوله : (( قد جاء حنبل عن أحمد بمسائل أجاد فيها الرواية ، وأغرب بشيء يسير ، وإذا نظرت في مسائله شبهتها في حسنها وإشباعها وجودتها بمسائل الأثرم ))
ونقل الحافظ ابن رجب في فتح الباري (9/279) عن ابن حامد قوله : رأيت بعض أصحابنا حكى عن أبي عبدالله الإتيان ، أنه قال : تأتي قدرته ، قال : وهذا على حدَّ التوهم من قائله ، وخطأ في إضافته إليه
قلت وقد تفرد حنبل بن إسحاق بالرواية المشار إليها وقد أنكرها إسحاق بن شاقلا أيضاً كمل نقل شيخ الإسلام في الفتاوى فهذه الرواية مردودة لتفرد إسحاق بن حنبل بها
وعلى فرض صحتها فإن المعنى المنفي هو المعنى الذي يتوهمه الجهمية بدليل أن السائل سأله عن أحاديث الرؤية أيضاً
وقد ثبت عن الإمام أحمد ثبوتاً يقرب التواتر إثباته للرؤية
قال الخلال في السنة أخبرني موسى بن محمد الوراق قال عبيد الله بن أحمد الحلبي سمعت أبا عبد الله وحدثني بحديث جرير بن عبد الله في الرؤية فلما فرغ قال على الجهمية لعنة الله
وفي (( مسائل إسحاق بن إبراهيم النيسابوري )) (2/152/1850) قال : (( سمعت أبا عبدالله يقول : من لم يؤمن بالرؤية فهو جهمي ، والجهمي كافر ))
وقد ثبتت عن الإمام أحمد آثار عديدة تدل على أنه كان من مثبتة الصفات
أذكر منها ما جاء في رواية الميموني للمسائل ( 27 ) (( من زعم أن يديه نعمتاه فكيف يصنع بقوله : { خلقت بيدي } مشددة )) وما جاء في رواية أبي طالب للمسائل (( قلب العبد بين أصبعين ، وخلق أدم بيده ، وكل ما جاء الحديث مثل هذا قلنا به ))
عن يوسف بن موسى البغدادي أنه قيل لأبي عبدالله أحمد بن حنبل : الله عز وجل فوق السماء السابعة على عرشه بائن من خلقه ، وقدرته وعمله في كل مكان ؟ قال : نعم على العرش ، وعلمه لا يخلو منه مكان
قلت رواه الخلال كما أفاد بذلك الذهبي في العلو ( ص130) وابن القيم في اجتماع الجيوش ( ص200) وإسناده قوي
وقد روى النجاد في (( الرد على من يقول القرآن مخلوق )) ( ق : 87 / ب ) (( مسفاد من كتاب دفاعاً عن السلفية )) عن عبد الله بن أحمد قوله سألت أبي – رحمة الله – عن قوم يقولون : لما كلم الله عز وجل موسى لم يتكلم بصوت ، فقال أبي : ، بلى ، إن ربك عز وجل تكلم بصوت ، هذه الأحاديث نرويها كما جاءت ))
وهذ الأثر يدل على أن معنى قول السلف (( أمروها كما جاءت )) هو أثبتوها كما جاءت
وقال الخلال في السنة 991 أخبرني محمد بن علي ثنا أبو بكر الأثرم إنه قال لأبي عبد الله في الحديث الذي يروى (( اعتقها فإنها مؤمنة )) قال ليس كل أحد يقول فيه إنها مؤمنة يقولن اعتقها قال ومالك سمعه من هذا الشيخ هلال بن علي لا يقول فإنها مؤمنة قال وقد قال بعضهم (( فإنها مؤمنة )) فهي حين تقر بذلك فحكمها حكم المؤمنة ))
وفي هذا الأثر فوائد
الأولى أن الإمام أحمد يأخذ بأخبار الآحاد في العقيدة فلم ينكر على المرجئة احتجاجهم بهذا الخبر الآحادي بل وجهه توجيها ينقض شبهتهم
الثانية تصحيح الإمام أحمد لحديث الجارية وذلك لأنه تأوله والتأويل فرع عن القبول
الثالثة اعتماده لرواية الإمام مالك وهي بلفظ(( أين الله )) كمافي الموطأ ورواها عنه الشافعي في كتاب الأم بلفظ ((أين الله)) ورواها النسائي في الكبرى من طريق قتيبة بن سعيد عن مالك والحارث بن مسكين قراءة عليه عن ابن القاسم عن الإمام مالك به
ومن الآثار الثابتة عن أحمد في إثبات الصفات
ومنها ما نقله القاضي أبو يعلى في إبطال التأويلات ورقة 85 من المخطوط ( مستفاد من تحقيق بيان تلبيس الجهمية ) (( وقد قال أحمد في رواية أبي طالب وقول الله عز وجل (( هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة )) (( وجاء ربك والملك صفاً صفاً )) فمن قال أن الله لا يرى فقد كفر ))
قلت فاحتج على إثبات الرؤية بإثبات المجيء وهذا يدل على نكارة رواية تأويل المجيء عن أحمد فهذه أقوى
لذا أنكر رواية التأويل على حنبل وغلطوه جماعة من الحنابلة كما ذكر ذلك شيخ الإسلام في الإستقامة (1/74)
الإفتراء الرابع عشر
نقل السقاف في ص79 عن شيخ الإسلام قوله في درء التعارض (2 / 29) (( والله تعالى له حد لا يعلمه احد غيره ولا يجوز لأحد ))
وزعم أن شيخ الإسلام نقل هذا عن الدارمي مكفراً من خالفه !!
وياليت شعري لماذا لم ينقل قول الإمام أحمد الذي نقله شيخ الإسلام في نفس الكتاب (2/30) وهو قوله ((نؤمن بأن الله على العرش بلا حد ولا صفة يبلغها واصف أو يحدها أحد)) على أنه مذهب شيخ الإسلام
أم لماذا لم ينقل ما نقله شيخ الإسلام عن السجزي في نقض التأسيس (1/466) وهو قوله ((وليس من قولنا إن الله فوق العرش تحديد له وإنما التحديد يقع للمحدثات فمن العرش إلى ما تحت الثرى محدود والله سبحانه وتعالى فوق ذلك بحيث لا مكان ولا حد لاتفاقنا أن الله تعالى كان ولا مكان ثم خلق المكان وهو كما كان قبل خلق المكان قال وإنما يقول بالتحديد من يزعم أنه سبحانه وتعالى على مكان وقد علم أن الأمكنة محدودة فإن كان فيها بزعمهم كان محدودا وعندنا أنه مباين للأمكنة ومن حلها وفوق كل محدث فلا تحديد لذاته في قولنا)) ولم يعلق عليه بشيء سوى قوله هذا لفظه لماذا لم ينقله السقاف على أنه مذهب شيخ الإسلام أم إنها الإنتقائية والحقد الذي في قلب السقاف المسود
وغاية ما في كلام شيخ الإسلام عن مسألة الحد في درء التعارض نفي التعارض بين قولي أحمد بن حنبل
وشيخ الإسلام لا يثبت صفة لله تسمى الحد بدليل قوله في نقض التأسيس (1/442) (( إنّ الكلام الذي ذكره إنما يتوجه لو قالوا: إن له صفةً هي الحدُّ ، كما توهمه هذا الرادُّ عليهم ، وهذا لم يقله أحدٌ ، ولا يقوله عاقل ، فإن هذا الكلام لا حقيقة له ، إذ ليس في الصفات التي يوصف بها شيء من الموصوفات كما وُصِفَ باليد والعلم ِ صفةٌ معينة يقال لها : الحدُّ ))
ووجه شيخ الإسلام كلام ابن المبارك في إثبات الحد على أنه رد على الجهمية الذين لا يثبتون التمايز بين الله تعالى وخلقه فقال في النقض (1/442) (( ولما كان الجهمية يقولون مامضمونه : إن الخالقَ لا يتميّز عن الخلقِ ، فيجحدون صفاته التي يتميّز بها ، ويجحدونَ صفاتِه التي يتميّز بها ، ويجحدون قدره حتى يقول المعتزلة غذا عرفوا أنه حي عالم قدير : فقد عرفنا حقيقته وماهيته ، ويقولون : إنه لا يباين غيره ، بل إما أن يصفوه بصفة المعدوم ، فيقولوا: لاداخل العالم ولا خارجه ولا كذا ولا كذا ، أو يجعلوه حالا في المخلوقات أو وجودِ المخلوقات ، فبيّن ابن المبارك أنّ الرب سبحانه وتعالى على عرشه مباين لخلقه ، منفصلٌ عنه ، وذكر الحدّ لأن الجهمية كانوا يقولون : ليس له حدٌّ ، وما لا حدّ له لا يباينُ المخلوقاتِ ، ولا يكون فوق العالم ، لأن ذلك مستلزم للحدِّ ، فلما سألوا أمير المؤمنين عبدالله بن المبارك : بماذا نعرفه ؟ قال : بأنه فوق سماواته ، على عرشه ، بائن من خلقه ، فذكروا لازم ذلك الذي تنفيه الجهمية ، وبنفيهم له ينفون ملزومه الذي هو موجود فوق العرشِ – سبحانه – مباينته للمخلوقات ، فقالوا له بحدٍّ ؟ قال: بحدّ.))ولهذا لم يتكلم شيخ الإسلام عن مسألة الحد في كتبه التقريرية كالعقيدة الواسطية ولاميته في العقيدة
وقد قال شيخ الإسلام (1/397) (( إن كثيراً من أئمة السنة والحديث أو أكثرهم يقولون إنه فوق سمواته على عرشه بائن من خلقه بحد))
قلت وقوله (( كثيرا )) ينفي وجود إجماع
أما قوله في نفس الكتاب وهو النقض (3/163) (( المحفوظ عن السلف والأئمة إثبات حد لله في نفسه، وقد بينوا مع ذلك أن العباد لا يحدونه ولا يدركونه، ولهذا لم يتناف كلامهم في ذلك كما يظنه بعض الناس، فإنهم نفوا أن يَحُد أحدٌ الله))
فقوله (( السلف )) الألف واللام فيها للعهد لا للعموم لما تقدم وإطلاق لفظ الحد عند من أطلقه من باب الإخبار لا من باب الصفات وقد تقدم نفي كون الحد صفة لرب العالمين عن شيخ الإسلام
وهذه الألفاظ أطلقها بعض السلف لتقرير ما أثبته الله لنفسه ولم يبتدعوا ألفاظامعارضين بها ما أثبته الشارع لنفسه كقولهم عن رب العالمين ليس بجهة ولا متحيز ويريدون بذلك نفي العلو
والمقصود أن السلف استخدموا لفظة الحد لما ظهر الجهمية الذين ينكرون التباين بين الخالق والمخلوق
فلو قال الجهمي تقيةً (( الله على العرش )) لم يكن ناقضاً لاعتقاده فالله على العرش وتحته بحسب اعتقادهم لذا استخدم السلف لفظة (( بائن من خلقه )) و(( الحد )) لفضح الجهمية
وإلا فهم لا يثبتون صفةً زائدة على العلو الثابت في النصوص بهذه الألفاظ
الإفتراء الخامس عشر
زعم السقاف في ص95 أن البخاري قد أول الضحك بالرحمة
ثم أحال على مقدمته لدفع شبه التشبيه
وفيها قول البيهقي روى الفربري عن الإمام محمد بن إسماعيل البخاري (( معنى الضحك في الحديث الرحمة ))
قلت هذا منقطع بين البيهقي والفربري
وقد تقدم أن الصحابي الجليل عبد الله بن عمرو بن العاص أثبت لله صفة الضحك فلو ثبت الـتأويل عن البخاري لم يكن حجة علينا
وتأويل الضحك بالرحمة تأويل باللازم و لازم الشيء غيره وهذا أمر أوضح من أن يشرح
ومن الأحاديث التي لا يمكن معها تأويل الضحك بالرحمة
ما رواه أحمد 16232 رواه ابن ماجة 181 منطريق حماد بن سلمة أَنْبَأَنَا حماد بْنُ سلمة، عَنْ يعَلِيّ بْنُ عطاء، عَنْ وَكِيْع، عَنْ وَكِيْع بْنُ حدس، عَنْ عمه أَبِي رزين؛ قَالَ:
قَالَ رَسُول اللَّه صَلى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلمْ: (ضحك ربنا من قنوط عباده وقرب غيره) قَالَ، قلت: يا رَسُول اللَّه! أَوْ يضحك ربنا؟ قَالَ (نعم) قلت: لن نعدم من رب يضحك خيراً.
هذا حديث حسن وقد تقدم الكلام على هذا الإسناد وننبه هنا على أمر وهو أن حماد بن سلمة لم يختلط وإما تغير وبينهما فرق والتغير لا يطعن في صحة روايته وفيه إثبات أبي رزين لصفة الضحك إذ يستحيل أن يسأل أويرحم ربنا ؟!!
ولم يتفرد يزيد بن هارون بل تابعه هدبة بن خالد عند الطبراني في الكبير حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ثنا هدبة بن خالد ثنا حماد بن سلمة فذكره
وممن أثبت لله صفة الضحك من السلف معمر بن راشد حيث قال في جامعه باب من يضحك الله إليه
وهو أعلى طبقة من البخاري كما لا يخفى
ومن الأحاديث الصحيحة الثابتة في إثبات صفة الضحك لرب العالمين ما رواه الإمام مالك في الموطأ عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة رضي الله عنه:
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (يضحك الله إلى رجلين، يقتل أحدهما الآخر، يدخلان الجنة: يقاتل هذا في سبيل الله فيقتل، ثم يتوب الله على القاتل، فيستشهد).
ومن طريقه البخاري 2671 ومسلم 1890 في صحيحهما وغيرهما كثير
وقدم تشبث السقاف بما رواه النسائي 3165 عن محمد بن منصور حدثنا سفيان عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
-إن الله عز وجل يعجب من رجلين يقتل أحدهما صاحبه وقال مرة أخرى ليضحك من رجلين يقتل أحدهما ثم يدخلان الجنة)) للطعن في هذه الرواية وليس في رواية النسائي كما ترى نفي للضحك وقد حذف السقاف الجزء المتعلق بالضحك _ وذلك في تعليقه على دفع شبه التشبيه وهذه من تدليساته الكثيرة فهو ( مدالس موالس )
فهي محض زيادة تردد فيها الراوي والجازم مقدم على المتردد
وشيخ النسائي وإن كان ثقة إلا أنه قد انفرد التردد
فقد روى هذا الخبر الإمام أحمد 7322 عن سفيان عن أبي الزناد به
وكذا رواه الحميدي في المسند برقم 1071 عن سفيان به
وقال مسلم في صحيحه حدثنا محمد بن أبي عمر المكي حدثنا سفيان عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة
: أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال ( يضحك الله إلى رجلين يقتل أحدهما الآخر كلاهما يدخل الجنة ) فقالوا كيف ؟ يا رسول الله قال ( يقاتل هذا في سبيل الله عز و جل فيستشهد ثم يتوب الله على القاتل فيسلم فيقاتل في سبيل الله عز و جل فيستشهد )
( 1890 ) - وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وزهير بن حرب وأبو كريب قالوا حدثنا وكيع عن سفيان عن أبي الزناد بهذا الإسناد مثله
129 - ( 1890 ) حدثنا محمد بن رافع حدثنا عبدالرزاق أخبرنا معمر عن همام بن منبه قال هذا ما حدثنا أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه و سلم فذكر أحاديث منها
وبهذا يبطل إرجاف السقاف
واعلم رحمني الله وإياك أن حمل الضحك في هذا الحديث على الرحمة متعذر وذلك لأن الرحمة سبب في دخول الجنة أما الضحك في هذا الحديث فهو حاصل لدخولهما الجنة فهو نتيجة وليس سبباً في ذلك وفرق بين السبب والنتيجة
تنبيه
ومما يبطل هذا التأويل ما قررناه آنفاً من أن الرحمة لازم الضحك ولازم الشيء غيره
الإفتراء السادس عشر
قال السقاف في ص 110 ((ونقول لهم مجيبين : ما لم يرد في الكتاب ولا في السنة لا يصح وصف الله تعالى به فمن قال مثلا : هل يقال بأن الله يشبه الفأر ؟ ! فيقول له المتمسلف : هذا اللفظ لا ينبغي إثباته ولا نفيه .
ونقول له : * ( سبحان ربك رب العزة عما يصفون * بل يجب نفيه ويكفر مثبته ويكفي في نفيه قوله سبحانه * ( ليس كمثله شئ )ونقول لهم مجيبين : ما لم يرد في الكتاب ولا في السنة لا يصح وصف الله تعالى به ) * فقول من قال إثباته بدعة ونفيه بدعة هو في الحقيقة باطل وبدعة !! ))
قلت كذبت يا حسن فنحن نرى أن هذه العبارة كفر وننكرها ونؤمن أن نقيضها هو الصواب
ولكن لو قال قائل كما دعا السقاف (( الله عز وجل لا يشبه الفأر )) لم يكن ذلك مدحاً فلو قلت لملك وأنت تمدحه (( أنت لا تشبه الفأر ولا الكلب ولا القطة )) لأضحك العقلاء عليه وأغضب ذلك الملك منه فما بالك برب العالمين
أما قوله تعالى (( ليس كمثله شئ وهو السميع البصير )) ففيه الجمع بين نفي النقص وإثبات الكمال أما مجرد نفي النقص فلا يعد كمالاً كأن تقول (( الجدار لا يظلم )) فهذا ليس فيه إثبات العدل له
الوجه الثاني من وجوه نكارة هذه العبارة أن تخصيص بعض الأفراد بالذكر موهم لعدم وجود العموم
ومعناه أنك لو قلت في ملك (( أنت لا تشبه الفأر )) قد يفهم السامع أنه يشبه حيواناً آخر لهذا فقد جاء نفي المثليه والشبه عاماً في النصوص
الوجه الثالث أن هذا المثال حجة على المعطلة فلو قائل في قولكم في ملك من الملوك (( لا يشبه الفأر )) تشبيه له بالفيل فهو أيضاً لا يشبه الفأر ومن هذا نعرف أن الطريقة السلفية في نفي النقص وإثبات كمال ضده هي أسلم وأعلم وأحكم من طريقة المعطلة البدعية والتي لا تسلم من الإعتراضات
الإفتراء السابع عشر
زعم السقاف في ص 110 أن الذهبي قد رجع في كتابه ( سير أعلام النبلاء ) عن عقيدة شيخه ابن تيمية وعاد إلى عقيدة الإسلام الحقة ( التعطيل )
وغاية ما عند السقاف احتجاجه بما قاله الذهبي في ترجمة الإمام مالك في السير (8/105) (( فقولنا في ذلك وبابه الإقرار والإمرار وتفويض معناه إلى قائله الصادق المعصوم ))
والجواب أن الذهبي إنما فوض الكيف بدليل تصريحه في جمع من التراجم التي تلت هذه الترجمة بالإثبات وإليك بعضاً من هذه الكلمات النيرات
قال علي بن الحسن بن شقيق يقول: قلت لابن المبارك: كيف تعرف ربنا عز وجل؟ قال: في السماء على العرش، ولا نقول كما قالت الجهمية: هو معنا ههنا
فعلق الذهبي (8/402) (( قلت: الجهمية يقولون: إن الباري تعالى في كل مكان والسلف يقولون: إن علم الباري في كل مكان ويحتجون بقوله تعالى: "وهو معكم أينما كنتم" الحديد: 4 يعني: بالعلم ويقولون: إنه على عرشه استوى كما نطق به القرآن والسنة ))
قلت انظر كيف أقر عبارة ابن المبارك المصرحة بالإثبات بل وثنى عليها بشرح مذهب السلف في المسألة
ونقل في (11/370) قول حرب الكرماني قلت لإسحاق "ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم" المجادلة: 7، كيف تقول فيه؟ قال حيثما كنت فهو أقرب إليك من حبل الوريد وهو بائن من خلقه وأبين شيء في ذلك قوله "الرحمن على العرش استوى" وأقره
وقال في ترجمة الدارمي (13/325) (( ومن كلام عثمان رحمه الله في كتاب النقض له: اتفقت الكلمة من المسلمين أن الله تعالى فوق عرشه فوق سماواته))
فعلق عليه بقوله
قلت: أوضح شيء في هذا الباب قوله عز وجل:" الرحمن على العرش استوى"- فليمر كما جاء كما هو معلوم من مذهب السلف وينهى الشخص عن المراقبة والجدال وتأويلات المعتزلة" ربنا آمنا بما أنزلت واتبعنا الرسول"-
فانظر كيف أقر هذا الإجماع واحتج له بالآية الكريمة
وقال الذهبي في ترجمة الطبري (14/279) ((أخبرنا أحمد بن هبة الله: أخبرنا زين الأمناء الحسن بن محمد أخبرنا أبو القاسم الأسدي أخبرنا أبو القاسم بن أبي العلاء أخبرنا عبد الرحمن بن أبي نصر التميمي أخبرنا أبو سعيد الدينوري مستملي ابن جرير أخبرنا أبو جعفر محمد بن جرير الطبري بعقيدته فمن ذلك وحسب امرئ أن يعلم أن ربه هو الذي على العرش استوى فمن تجاوز ذلك فقد خاب وخسر
وهذا تفسير هذا الإمام مشحون في آيات الصفات بأقوال السلف على الإثبات لها لا على النفي والتأويل وأنها لا تشبه صفات المخلوقين أبداً ))
قلت ما تحته خط من كلام الذهبي وهو من أصرح ألفاظه في الإثبات بل ونسبة ذلك الإثبات للسلف
وأكتفي بهذا القدر وعلى فرض أن الذهبي فوض فقد رجع إلى عقيدة الإسلام الحقة ( الإثبات )
الإفتراء الأول
نقل السقاف في 46 عن " اجتماع الجيوش الاسلامية " ص ( 212 ) تحت عنوان ( أكرموا البقر ) : وذكر شيخ الاسلام الهروي بإسناده عن عبد الله بن وهب قال " أكرموا البقر فإنها لم ترفع رأسها إلى السماء منذ عبد البجل حياء من الله عزوجل " . ثم قال : " والمقصود أن هذه فطرة الله التي فطر عليها الحيوان حتى أبلد الحيوان الذي نضرب ببلادته المثل وهو البقر ، . اه
وبوب السقاف لذلك بقوله (( فصل المتمسلفون يستدلون لعقيدتهم بطبائع البقر والحمير والدجاج من الامور المضحكة جداً))
ثم قال (ولقد كرمنا بني آدم) * فعقيدة الانسان الموحد الذي يتوجه بوجهه وجسده ويديه إلى جهة الكعبة أحرى من عقيدة البقر والحمير والدجاج التي يعتقدها هذا المتمسلف وبدندن حولها ! ! لا سيما وأن تلك الدواب غير عاقلة ! ! وقد شبه الله تعالى الكافر في البلادة وعدم الفهم بها كما تقدم في مثل قوله تعالى * (أولئك كالانعام بل هم أضل ))
قلت ابن القيم لو يورد هذا للإستدلال كما زعم السقاف المفتري
قال ابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية (1/212) (( فصل
في جواب من يقول: كيف يحتجّ علينا بأقوال الشعراء والجن وحُمر الوحش؟! ولعل قائلاً يقول: كيف يحتج علينا في هذه المسألة بأقوال مَنْ حَكَيْت قوله ممن ليس قوله حجة، فأجلب بها، ثم لم تقنع بذلك حتى حكيت أقوال الشعراء، ثم لم يكفك ذلك حيت جئت بأقوال الجن، ثم لم تقتصر حتى استشهدت بالنمل وحُمر الوحش، فأين الحجة في ذلك كله
وجواب هذا القائل أن نقول: قد علم أن كلام الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم وسائر أنبيائه عليهم السلام والصحابة والتابعين رضي اللّه عنهم ليس عندكم حجة في هذه المسألة، إذ غاية أقوالهم أن تكون ظواهر سمعية، وأدلة لفظية معزولة عن الثقة، متواترها يدفع بالتأويل، وآحادها يقابل بالتكذيب، فنحن لم نحتج عليكم بما حكيناه، وإنما كتبناه لأمور: منها: أن يعلم بعض ما في الوجود وبعلم الحال من هو بها جاهل
ومنها: أن نعلم أن أهل الإثبات أولى بالله سبحانه ورسوله صلى الله عليه وسلم، والصحابة والتابعين، وأئمة الإسلام، وطبقات أهل العلم والدين من الجهمية والمعطلة.
ومنها: أن نعرف الجهمي النافي لمن خالف من طوائف المسلمين، وعلى من شهد بالتشبيه والتمثيل، وعلى من استحلّ بالتكفير وعرض يفترق من الأمة))
هذا كاف لبيان إفك السقاف هداه الله
وبقي أن نقول أن البهائم أسلم عقيدةً من المعطلة كيف لا وهي داخلة في عموم قوله تعالى ((وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَـكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ ))
الإفتراء الثاني
قال السقاف في 49((وأما قولهم بأن الانسان والحيوان يعلم بالفطرة بأن الله في السماء فمغالطة واضحة منهم ! ! وذلك لانهم اخترعوا خرافة زعموها دليلا شرعيا ! ! جديدا ! ! فجعلوا يستدلون به على ما يريدون وهو ما يسمونه ب (الفطرة) ))
قلت الفطرة السليمة لا تناقض العقيدة الصحيحة وإليك الدليل المفحم وهو قوله صلى الله عليه وسلم ((ألا أعلمك كلمات تقولها إذا أويت إلى فراشك فإن مت من ليلتك مت على الفطرة وإن أصبحت أصبحت وقد أصبت خيرا تقول: اللهم أسلمت نفسي إليك ووجهت وجهي إليك وفوضت أمري رغبة ورهبة إليك وألجأت ظهري إليك لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك آمنت بكتابك الذي أنزلت وبنبيك الذي أرسلت.)) رواه البخاري و مسلم فقوله صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم (( مت على الفطرة )) داخل فيه الاعتقاد السليم الموجود في الدعاء وهذا كاف لاخراص السقاف
غير أننا لا نزعم أنها دليلٌ شرعي كما يفتري علينا
غير أن المعطلة يتضايقون من ذكر الفطرة لأنهم ممن انتكست فطرهم لهذا لا تجد أحداً يقول بقولهم إلا إذا درس كتبهم أو جالسهم
وأما إثبات العلو فتجده عند عموم المسلمين بلا تواطؤ بل وعامة مثبتي وجود الله من الأمم
وقال السقاف في ص50 ((وربما لم يفهموا قول النبي (ص) " كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه " على وجهه الصحيح ! ! ومعنى الحديث أن المولود يولد على الخلقة الاصلية السليمة وهي المراد بالفطرة ))
قلت لو كان هذا المعنى صحيحاً لما ذكر لقوله (( فأبواه يهودانه ....)) الحديث معنى إذ ما وجه ذكر العقائد مع الكلام عن الخلقة السليمة ؟!!
ومن أسخف ما قال السقاف قوله في الصفحة نفسها ((ولا يعني هذا أن المولود عندما يولد تولد معه معلومات دينية في مختلف النواحي من العقيدة والفقه والحديث والتفسير وغيرها))
قلت من توسع هذا التوسع ؟!!
وماذا يعني بالعقيدة إن كان يعني وجود الله وأين هو فنعم هذا يعلمه
وقال في ص 51((فلو كان الناس قد خلقوا وفطروا على الايمان والتوحيد ومعلومات العلو التي يقول بها هؤلاء المتمسلفون لما أستطاعوا أن يغيروها ، أي لم يستطع أحد أن يكفر ويخرج من الاسلام لقوله تعالى في الاية نفسها * (لا تبديل لخلق الله) ))
قلت هذا الكلام في غاية السخف فقوله (( لا تبديل لخلق الله ))
بمعنى لا تبديل لسننه الثابتة في الكون وألا يصبح الحق والباطل حقاً
لا أن الناس الذين فطروا على التوحيد لا يستطيعون تركه
ونسأل السقاف هل الناس مفطورون على معرفة وجود الله؟
إن قال لا
قلنا لا حاجة لنا بمخاطبة من هو في مثل عقلك
وإن قال نعم
قلنا فلم يلحد الناس ويكفرون والفطرة لا تتبدل ؟!!
الإفتراء الثالث
قال السقاف في ص107((وقول الدارمي المجسم المسكين " لان الحي القيوم يفعل ما يشاء ويتحرك إذا شاء وينزل ويرتفع إذا شاء ويقبض ويبسط ويقوم ويجلس إذا شاء " ! ! ! فهذه المقولات فضلا عن كونها مبنية على التشبيه والتجسيم فهي مستقاة من لب عقائد الملاحدة والزنادقة الذين يموهون كلامهم بالتظاهر بالمشيئة والاحتجاج بعظيم قدرة الله تعالى ! ! لانهم بنوا هذه المقولات على تصور فاسد قام بأذهانهم ألا وهو أنهم تخيلوا الله تعالى بصورة آدمي يقوم ويجلس ويتحرك بل نزلوا في السفاهة إلى دون ذلك فتصوروا جلوسه كالخيال والفارس على ظهر بعوضة ! ! ولو وصفوا آدميا مخلوقا بذلك لكان ذلك يزري به فكيف بالله تعالى رب العالمين ؟ ! ! ))
قلت :هذا محض كذب ، ثم ألسنا مشبهة عندك فلماذا زعمت أننا نشبه الله سبحانه وتعالى ( عن كفر المشبهة والمعطلة) بالآدمي ولم تختر مخلوقاً آخر ، ولماذا تخصيص الخيال والفارس من بين بني آدم ، ووالله حتى لو كانوا مشبهةً حقاً لكنت كاذباً في تعيينك لمرادهم ، وسأنقل لاحقاً نصوص الدارمي وشيخ الإسلام فقارنها مع ما افتراه هذا الكذاب
ونص الدارمي كما نقله السقاف ((ولو قد شاء لاستقر على ظهر بعوضة ))
فالدارمي يقول (لو) والسقاف يجزم بأنه يعتقد ذلك والدارمي قال هذه الكلمة رداً على من قال أن الله يستحيل أن يكون على العرش لأنه أكبر من العرش فرد الدارمي بما مفاده أن العرش وحملته إنما يستقلون ولا يسقطون بقدرة الله عز وجل
ولو في اللغة تستخدم في الممتنع لامتناع غيره
قال تعالى ((قُل لَّوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذاً لاَّبْتَغَوْاْ إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلاً))
وقال تعالى ((قُلْ إِن كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ ))
فهل يزعم السقاف أن القرآن يجوز أن يكون لله ولد أن يكون له شريك
وهل يرى السقاف أن القدرة التي وضعها الله في العرش والحملة يمتنع أن يضعها في بعوضة
والخلاصة أن لا يوجد سلفي واحد يعتقد أن الله مستقر على بعوضة فلم الإرجاف إذن
بل يمعن السقاف في الكذب فيقول في ص109 (( وقد تبين لنا من الكلام السابق أن أمثال ابن تيمية والدارمي وأمثالهم من المشبهة والمجسمة يطلقون على الله تعالى ما لم يرد في الكتاب والسنة كالحركة والجلوس والاستقرار على ظهر البعوضة ويجوزون إثبات هذه الصفات بل يثبتونها ))
قلت وهذا كذب فهما لم يثبتا استقرار الله عز وجل على البعوضة والدارمي أثبت الجلوس بأدلةٍ معتبرةٍ عنده
الإفتراء الرابع
تقدم معنا قول السقاف في ص109 (( وقد تبين لنا من الكلام السابق أن أمثال ابن تيمية والدارمي وأمثالهم من المشبهة والمجسمة يطلقون على الله تعالى ما لم يرد في الكتاب والسنة كالحركة والجلوس والاستقرار على ظهر البعوضة ويجوزون إثبات هذه الصفات بل يثبتونها ))
قلت هذا مفاده أنه يزعم شيخ الإسلام يثبت الحركة وهذا كذب
حاول تأكيده بنقله في ص109 قول شيخ الإسلام في درء التعارض " (2 / 4) (( وأمثال ذلك وأئمة السنة والحديث على إثبات النوعين وهو الذي ذكره عنهم من نقل مذهبهم كحرب الكرماني وعثمان بن سعيد الدارمي وغيرهما بل صرح هؤلاء بلفظ الحركة وان ذلك هو مذهب أئمة السنة والحديث من المتقدمين والمتأخرين وذكر حرب الكرماني انه قول من لقيه من أئمة السنة كأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وعبد الله بن الزبير الحميدي وسعيد بين منصور وقال عثمان بن سعيد وغيرة أن الحركة من لوازم الحياة فكل حي متحرك وجعلوا نفي هذا من أقوال الجهمية نفاة الصفات الذين اتفق السلف والأئمة على تضليلهم وتبديعهم )) زاعماً أن أهل السنة يثبتون ما لم يرد النص بإثباته ولو أكمل كلام شيخ الإسلام لما كان له ذلك
قال شيخ الإسلام (( وطائفة أخرى من السلفيه كنعيم بن حماد الخزاعي والبخاري صاحب الصحيح وابي بكر بن خزيمة وغيرهم كأبي عمر بن عبد البر وأمثاله يثبتون المعنى الذي يثبته هؤلاء ويسمون ذلك فعلا ونحوه ومن هؤلاء من يمتنع عن إطلاق لفظ الحركة لكونه غير مأثور وأصحاب احمد منهم من يوافق هؤلاء كأبي بكر عبد العزيز وابي عبد الله بن بطة وأمثالهما ))
فشيخ الإسلام نقل الخلاف في هذا اللفظ والحق مع الفريق الثاني
وقد صرح شيخ الإسلام بأن لفظ الحركة مجمل حيث قال كما في مجموع الفتاوى (5/566) (( وَقَبْلَ ذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ يُعْرَفَ أَنَّ لَفْظَ الْحَرَكَةِ وَالِانْتِقَالِ وَالتَّغَيُّرِ وَالتَّحَوُّلِ وَنَحْوِ ذَلِكَ أَلْفَاظٌ مُجْمَلَةٌ))
وقد بين شيخ الإسلام مذهبه في الألفاظ المجملة حيث قال كما في مجموع الفتاوى(17/306) (( وَالْمَقْصُودُ هُنَا : أَنَّ أَئِمَّةَ السُّنَّةِ كَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَغَيْرِهِ كَانُوا إذَا ذَكَرَتْ لَهُمْ أَهْلُ الْبِدَعِ الْأَلْفَاظَ الْمُجْمَلَةَ : كَلَفْظِ الْجِسْمِ وَالْجَوْهَرِ وَالْحَيِّزِ وَنَحْوِهَا لَمْ يُوَافِقُوهُمْ لَا عَلَى إطْلَاقِ الْإِثْبَاتِ " وَلَا عَلَى إطْلَاقِ النَّفْيِ وَأَهْلُ الْبِدَعِ بِالْعَكْسِ ابْتَدَعُوا أَلْفَاظًا وَمَعَانِيَ إمَّا فِي النَّفْيِ وَإِمَّا فِي الْإِثْبَاتِ وَجَعَلُوهَا هِيَ الْأَصْلُ الْمَعْقُولُ الْمُحْكَمُ الَّذِي يَجِبُ اعْتِقَادُهُ وَالْبِنَاءُ عَلَيْهِ ثُمَّ نَظَرُوا فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فَمَا أَمْكَنَهُمْ أَنْ يَتَأَوَّلُوهُ عَلَى قَوْلِهِمْ تَأَوَّلُوهُ وَإِلَّا قَالُوا هَذَا مِنْ الْأَلْفَاظِ الْمُتَشَابِهَةِ الْمُشْكَلَةِ الَّتِي لَا نَدْرِي مَا أُرِيدَ بِهَا . فَجَعَلُوا بِدَعَهُمْ أَصْلًا مُحْكَمًا وَمَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ فَرْعًا لَهُ وَمُشْكِلًا ))
وهذا ينطبق على لفظ الجهة الذي زعم السقاف كذباً أن شيخ الإسلام يثبتها
بل إن نفى شيخ الإسلام عن الإمام أحمد القول بإثبات الحركة في كتابه الإستقامة (1/73) حيث قال (( والمنصوص عن الإمام أحمد إنكار نفي ذلك ولم يثبت عنه إثبات لفظ الحركة))
وأما الجهة التي يزعم السقاف كذباً أن شيخ الإسلام يثبتها
فقد قال شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى (3/43) (( فَيُقَالُ لِمَنْ نَفَى الْجِهَةَ : أَتُرِيدُ بِالْجِهَةِ أَنَّهَا شَيْءٌ مَوْجُودٌ مَخْلُوقٌ ؟ فَاَللَّهُ لَيْسَ دَاخِلًا فِي الْمَخْلُوقَاتِ أَمْ تُرِيدُ بِالْجِهَةِ مَا وَرَاءَ الْعَالَمِ ؟ فَلَا رَيْبَ أَنَّ اللَّهَ فَوْقَ الْعَالَمِ مُبَايِنٌ لِلْمَخْلُوقَاتِ وَكَذَلِكَ يُقَالُ لِمَنْ قَالَ اللَّهُ فِي جِهَةٍ : أَتُرِيدُ بِذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ فَوْقَ الْعَالَمِ ؟ أَوْ تُرِيدُ بِهِ أَنَّ اللَّهَ دَاخِلٌ فِي شَيْءٍ مِنْ الْمَخْلُوقَاتِ ؟ فَإِنْ أَرَدْت الْأَوَّلَ فَهُوَ حَقٌّ وَإِنْ أَرَدْت الثَّانِيَ فَهُوَ بَاطِلٌ))
فانظر كيف جعل كلام كل من المثبت والنافي فيه حق وباطل والإستفصال لمعرفة حكم القائل
ولو كان السقاف يستفيد من هذا النص إثبات شيخ الإسلام للجهة فينبغي أن يستفيد نفيها أيضاً فالشيخ لم يفرق بينهما وهذا ممتنع
الإفتراء الخامس
زعم السقاف في ص95 أن الستة ( وهم البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة ) قد تحاشوا الرواية عن الدارمي عثمان بن سعيد رغم أنه من طبقة شيوخهم
فيقال له اثبت العرش ثم انقش
فدعوى كون الدارمي من طبقة شيوخ الستة فيها نظر ففي النظر إلى تاريخ ميلاده ووفاته نجد أنه ولد عام مائتين(200) ومات في ذي الحجة سنة ثمانين ومائتين(280) كما ذكر ذلك الذهبي في تاريخ الإسلام
أي أنه ولد بعد البخاري بستة سنوات فالبخاري ولد عام أربع وتسعون(194) ومائة وتوفي بعد البخاري بأربع وعشرين عاماً فالبخاري توفي عام ست وخمسون ومائة (256)
فلا أدري كيف استقام للسقاف أن يزعم أن الدارمي من طبقة شيوخ البخاري !!!!!!
وقد ولد الإمام مسلم بعد الدرامي بأربع سنوات عام (204) وليس ذلك بالفرق الزمني الشاسع الذي يجعل الدرامي من طبقة شيوخ مسلم وقد توفي مسلم قبل الدارمي بتسعة عشر عاماً عام ( 261)
وأما أبو داود السجستاني فقد ولد بعد الدارمي بعامين فقط عام (202) وتوفي قبله بخمس سنوات عام (275)
وأما الترمذي فولد بعد الدارمي بتسع سنوات ( 209) وتوفي قبله بعام (279)
وأما ابن ماجة فولد بعد الدارمي بسبع سنوات عام (207) وتوفي قبله بخمس أو سبع سنوات عام (275) أو (273)
فمع هذا التقارب الزمني في المواليد والوفيات يتعذر الزعم بأن الدارمي من شيوخ الستة وخصوصاً البخاري ومسلم وأبو داود
ولم يبق إلا النسائي وهذا يقال فيه أنهما لم يشترط الرواية عن كل الثقات بل لو قال قائل أنه لم يرزق السماع من الدارمي لكان لقوله وجاهة
ولو نظرنا إلى شيوخ الدارمي في كتابه الرد على الجهمية نجدهم من شيوخ الستة مما يؤكد ما قررته من أن الزعم أنه من طبقة شيوخهم زعم باطل إلا في حق النسائي وقد يستقيم في حق الترمذي ولكنه سيكون من صغار شيوخه الذين يتجنب الرواية عنه طلباً لعلو الإسناد ولنضرب على ذلك تسعة أمثلة
الأول القاسم بن محمد ( هو ابن عباد) البغدادي وقد روى عنه ابن ماجة
والثاني سويد بن سعيد الأنباري وقد روى عنه مسلم وابن ماجة
والثالث محمد بن كثير العبدي روى عنه البخاري وأبو داود
و الرابع الحسن بن صباح البزار روى عنه البخاري والترمذي وأبو داود
والخامس سهل بن بكار روى عنه البخاري وأبو داود
والسادس يحيى بن بكير وقد روى عنه البخاري
والسابع علي بن المديني روى عنه البخاري وأبو داود
والثامن أحمد بن منيع روى عنه الجماعة إلا البخاري بواسطة
والتاسع موسى بن إسماعيل روى عنه البخاري وأبو داود
وبقية شيوخه لا يخرجون عن كونهم من شيوخ الستة عدا النسائي أو من طبقتهم ومن المعلوم أن علماء الحديث يتجنبون الرواية عن أقرانهم فيما يجدونه عند شيوخهم طلباً منهم لعلو الإسناد وما يجدونه عند كبار شيوخهم يتنجبون روايته عن صغارهم
انظر تراجم هؤلاء كلهم في تهذيب الكمال وفروعه
وقد قال الخليلي في الإرشاد (3/877) (( أبو عمرو عثمان بن سعيد الدارمي كبير المحل عالم بهذا الشأن يقارن بالبخاري وأبي زرعة وأبي حاتم )) إلى أن قال (( وسمعت أبو عبد الله بن محمد الحافظ يقول كان عثمان بن سعيد ثقة متفقاً عليه ))
قلت كفى بهذه العبارات تزكيةً
الإفتراء السادس
وشنع السقاف على الدارمي بسبب إثباته لصفتي السكوت والجلوس _ في ص95 _ زاعماً أن هذا إثبات بلا دليل فأما السكوت فسيأتي الكلام عليها
وأما صفة الجلوس فأقوى ما روي فيها ما رواه الطبراني في الأوسط ( 2165) حدثنا أحمد بن زهير ( وهو احمد بن يحي بن زهير الثقة الحافظ ) ثنا محمد بن عثمان بن كرامة ( وهو ثقة ) ثنا خالد بن مخلد القطواني ( وهو من رجال الشيخين وسيأتي تفصيل حاله ) قال نا عبد السلام بن حفص ( وهو ثقة )عن أبي عمران الجوني ( وهو ثقة ثبت سماعه من أنس ) عن أنس بن مالك (( عرضت الجمعة على رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء جبرائيل عليه السلام في كفه كالمرآة البيضاء في وسطها كالنكتةالسوداء ، فقال ما هذه يا جبرائيل ؟ قال هذه الجمعة يعرضها عليك ربك عز وجل لتكون لك عيدا ولقومك من بعدك ولكم فيها خير ، تكون أنت الأول وتكون اليهود والنصارى من بعدك و فيها ساعة لا يدعو أحد ربه بخير هو له قسم إلا أعطاه إياه ، أو يتعوذ من شر إلا دفع عنه ما هو أعظم منه ونحن ندعوه في الآخره يوم المزيد وذلك أن ربك اتخذ في الجنة واديا أفيح من مسك أبيض فإذا كان يوم الجمعة نزل من عليين فجلس على كرسيه ، وحف الكرسي بمنابر من ذهب مكللة بالجواهر ،و جاء الصديقون والشهداء فجلسوا عليها ، وجاء أهل الغرف من غرفهم حتى يجلسوا على الكثيب وهو كثيب من مسك أذفر، ثم يتجلى لهم فيقول أنا الذي صدقتكم وعدي ، وأتممت عليكم نعمتي ، وهذا محل كرامتي فسلوني ، فيسألونه الرضا ، فيقول رضاي أحلكم داري وأنالكم كرامتي فسلوني فيشهد عليهم على الرضاثم يفتح لهم ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر إلى مقدار منصرفهم من الجمعة ، وهي زبرجدة خضراء أو ياقوتة حمراء مطردة فيها أنهارها متدلية ، فيها ثمارها فيها أزواجها وخدمها ، فليسوا هم في الجنة بأشوق منهم إلى يوم الجمعة أحوج منهم إلي يوم الجمعة ليزدادوا نظرا إلي ربهم عز وجل وكرامته ، ولذلك دعى يوم المزيد ))
قلت ولا يمكن الطعن في هذا الحديث إلا بالطعن في خالد بن مخلد القطوني وإليك تفصيل حاله
قال عبد الله بن أحمد عن أبيه: ((له أحاديث مناكير ))
قلت هذا النص لا يعني الجرح بالضرورة عند محمود سعيد ممدوح فقد قال في كتابه (تنبيه المسلم إلى تعدي الألباني على صحيح مسلم ) (( أما قول أحمد أحاديثه مناكير فلا تعني تضعيفاً له من أحمد (أي عمر بن حمزة ) ذلك أن المشتغل بالحديث يعلم أن للنكارة معنى التفرد عند أحمد وكثير من المتقدمين ))
قلت ولا يخفى على اللبيب أن قوله (( أحاديثه مناكير )) أخف من قوله (( له أحاديث مناكير ))
وقال أبو حاتم(( يكتب حديثه ))
وقال بن عدي ((لم أجد في حديثه أنكر مما ذكرته ولعلها توهم منه أو حملا على حفظه هو من المكثرين وهو عندي إن شاء الله لا بأس به ))
وقال بن سعد((كان متشيعاً منكر الحديث مفرطاً في التشيع وكتبوا عنه للضرورة ))
قال أبو أحمد(( يكتب حديثه ولا يحتج به))
هؤلاء هم من جرحه أما من عدله فاولهم الشيخان فقد أفادني الشيخ الألفي أنهما احتجا به
وقال الآجري عن أبي داود ((صدوق ولكنه يتشيع ))
وقال عثمان الدارمي عن بن معين(( ما به بأس ))
وقال العجلي ((ثقة فيه قليل تشيع وكان كثير الحديث ))
وقال صالح بن محمد جزرة(( ثقة في الحديث إلا أنه كان متهماً بالغلو ))
وقال بن شاهين في الثقات قال عثمان بن أبي شيبة هو(( ثقة صدوق ))
وذكره بن حبان في الثقات
هذا كله في التهذيب
واحتج به ابن خزيمة في صحيحه ( 2617) حيث ارود له أثراً عن سعيد بن جبير
( كنت مع ابن عباس بعرفات ، فقال : ما لي لا أسمع الناس يلبون ؟ قلت : يخافون من معاوية . فخرج ابن عباس من فسطاطه ، فقال : لبيك اللهم لبيك ، لبيك . . . فإنهم قد تركوا السنة ، من بغض علي ))
وهو من افراد خالد بن مخلد وهذه الفائدة لم ترد في التهذيب وهذا الأثر من الآثار التي يطيب للمبتدعة في منتدى السقاف بها للطعن في معاوية فيلزمهم تصحيح هذا الحديث في إثبات صفة الجلوس كما صححوا هذا الأثر وبالتالي الرد على شيخهم السقاف والحمد لله معز الإسلام بنصره
واحتج به الحاكم في مستدركه حيث اورد له الأثر السابق (1659)
ووثقه الدارقطني في سننه (1980) حيث روى حديث أنس بن مالك قال : أول ما كرهت الحجامة للصائم أن جعفر بن أبي طالب احتجم وهو صائم ، فمر به النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : (( أفطر هذان )) ، ثم رخص النبي صلى الله عليه وسلم بعد في الحجامة للصائم ، وكان أنس يحتجم ، وهو صائم .
ثم قال بعده (( كلهم ثقات ، ولا أعلم له علة ))
قلت ومن هؤلاء الثقات خالد بن مخلد بل إن هذا الحديث من أفراده وتأمل معي كيف أن الدارقطني لم يعل هذا الحديث بتفرد خالد
والآن حان وقت إطلاق الضربة القاضية
قال السقاف في بحثه السيء عن معاوية المنشور في منتدى التنزيه (( ومن تكلم فيه من أئمة المحدثين وأهل العلم والأئمة يشنعون عليه بسلاحهم الإرهابي المعهود فيرمونه بالتشيع والرفض ليخرس ويسقط عند العامة الأغبياء ! وقد شاهدنا هذا ولمسناه ورأيناه بأعيننا ! وهكذا تصبح السنة الصحيحة واتباع الحق والواقع والخضوع لأوامر الله تعالى ورسوله وكشف الحقيقة رفضاً وربما كفراً وزندقة بنظرهم !
ومن أمثلة الأئمة والحفاظ الذين رموهم بالتشيع والغلو :
خالد بن مخلد القطواني وهو من شيوخ البخاري ومسلم وقد رويا له في الصحيح ))
فانظر كيف جعله إماماً حافظاً بل ويفيدنا أن الأئمة يتكلمون فيه لإسقاط السنة الصحيحة فعلى هذا يكون هذا الحديث في إثبات صفة الجلوس على شرط السقاف في الصحة ولا شك
وأرى أن القول الفصل فيه
ما ذكره ابن رجب الحنبلي في شرح العلل ( 2/775 ((ذكر الغلابي في تاريخ
القطواني يؤخذ عنه مشيخه المدينة ، وابن بلال فقط يريد سليمان بن بلال
ويعني بهذا أنه لا يؤخذ عنه إلا حديثه عن أهل المدينة ، وسليمان ابن بلال منهم ، لكنه أفرده بالذكر ((
قلت وعلى هذا يحمل جرح أحمد له على حديثه عن أحمد عن أهل الكوفة
وحديثه في صفة الجلوس من حديثه عن أهل المدينة
وأما الحديث الذي يورده المبتدعة للطعن في معاوية من حديثه عن أهل الكوفة والحمد لله معز الإسلام بنصره
وإذا طبقنا منهج السقاف وأشياخه في تقوية أحاديث التوسل فإننا سنقوي هذا الحديث ولا شك
وإليك البرهان
احتج جماعة من المتصوفة منهم عبد الله الغماري والسقاف ومحمود سعيد ممدوح( انظر رفع المنارة ص148) بالحديث الذي رواه الطبراني سليمان بن أحمد في معجمه الكبير (24/352) حدثنا أحمد بن حماد بن رغبة حدثنا روح بن صلاح أخبرنا سفيان، عن عاصم، عن أنس بن مالك، قال: لما ماتت فاطمة بنت أسد بن هاشم أم علي بن أبي طالب دخل عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلس عند رأسها فقال: "يرحمك الله، فإنك كنت أمي بعد أمي، تجوعين وتشبعينني وتعرين وتكسينني، وتمنعين نفسك طيب الطعام وتطعمينني، تريدين بذلك وجه الله والدار الآخرة. ثم أمر أن تغسل ثلاثاً ثلاثاُ فلما بلغ الماء الذي فيه الكافور سكبه رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده، ثم خلع رسول الله صلى الله عليه وسلم قميصه وألبسها إياه وكفنها فوقه، ثم دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم أسامة بن زيد وأبا أيوب الأنصاري وعمر بن الخطاب وغلاماً أسود يحفرون قبرها، فلما بلغوا اللحد حفره رسول الله صلى الله عليه وسلم فاضطجع فيه، ثم قال: "الحمد لله الذي يحيى ويميت وهو حي لا يموت، اغفر لأمي فاطمة بنت أسد ولقنها حجتها، وأوسع عليها مدخلها بحق نبيك والأنبياء الذين من قبلي فإنك أرحم الراحمين". وكبر عليها أربعاً وأدخلوها اللحد هو والعباس وأبو بكر الصديق))
قلت تفرد بهذا الحديث روح بن صلاح و لم يوثقه إلا الحاكم وابن حبان ( انظر ميزان الإعتدال )
وقال الدارقطني (( ضعيف في الحديث )) ((المؤتلف والمختلف))( 3/1377)
وقال الدارقطني كما في لسان الميزان( 4/5820). : سمعت أبا طالب ، يعني أحمد بن نصر الحافظ يقول : قال لي أخو ميمون ، واسمه أحمد بن ميمون بن زكريا البغدادي : اتفقنا على ألا نكتب بمصر حديث ثلاثة وهم : علي بن الحسن الشامي ، وروح بن صلاح ، وعبد المنعم بن بشير
وقال ابن يونس (( رويت عنه مناكير ))
ابن يونس تلميذه وبلديه
وقال ابن ماكولا (( ضعفوه ))
وقال ابن عدي (( ضعيف )) وقال(( له أحاديث كثيرة في بعضها نكرة))
انظر هذا كله في لسان الميزان
وقال الذهبي (( له مناكير )) كما في ترجمته في تاريخ الإسلام
قلت نستفيد من هذا أمور
الأول أن من جرح روح بن صلاح أكثر ممن عدله بخلاف خالد بن مخلد القطواني
الثاني أن روحاً لم يوثقه إلا المتساهلين بخلاف خالد بن مخلد الذي عدله جماعة من المعتدلين
الثالث أن روحاً له مناكير وهذا الحديث منها ولا شك فقد تفرد به عن سفيان الثوري وهو ثقة ثبت فاضل كثير الأصحاب الثقات الأثبات فتفرد مجروح كروح بهذا الحديث يعد من مناكيره وخصوصاً أن روح مصري وسفيان بينما نجد خالد بن مخلد لم يتفرد عن ثقة ثبت كثير الأصحاب الأثبات في حديثنا الذي نتكلم عنه
الرابع روح بن صلاح لم يخرج له أحد من أصحاب الصحاح بخلاف خالد بن مخلد
ومما يدل على أن السقاف يعاني من انفصام في الشخصية العلمية جعله هلال بن أبي ميمونة (الذي احتج به أصحاب الصحاح ووثقه الدارقطني ومسلمة وابن حبان والحاكم) وروح بن صلاح في مرتبة واحدة وهي مرتبة الصدوق!!!!!
ولا يعزب عن ذهنك نفي السقاف لوجود دليل صحيح على صفة الجلوس ولم يفرق بين الآحاد والمتواتر
وهناك أحاديث أخرى في صفة الجلوس تنازع أهل السنة في ثبوتها فمن صححها قال بمعناها
الإفتراء السابع
زعم السقاف في ص 95 أن أهل السنة أثبتوا لله السكوت بلا دليل وهذا من جهله بالسنة فقد ثبت عن ابن عباس
فقد قال أبو داود في سننه 3800 حدثنا محمد بن داود بن صبيح، قال: ثنا الفضل بن دكين، قال: حدثنا محمد -يعني: ابن شريك المكي- عن عمرو بن دينار، عن أبي الشعثاء، عن ابن عباس قال:
كان أهل الجاهلية يأكلون أشياء ويتركون أشياء تقذراً، فبعث الله تعالى نبيه -صلى الله عليه وسلم- وأنزل كتابه وأحلَّ حلاله، وحرم حرامه، فما أحل فهو حلال، وما حرَّم فهو حرام، وما سكت عنه فهو عفو، وتلا {قُلْ لاَ أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ} [الأنعام: 145] إلى آخر الآية
قلت هذا سند صحيح وأبو الشعثاء هو جابر بن زيد
فإن قال قائل ما وجه الكمال في هذه الصفة ؟
قلنا سكوت الله عزوجل عما فيه مشقة على عباده من كمال رحمته ورأفته بهم
فإن قال قائل من أثبت هذه الصفة من السلف ؟
قلنا قد قدمنا لك الأثر عن هذا الصحابي في قاعدة السلف الكلية (( أمروها كما جاءت بلا كيف )) وقد أثبت هذه الصفة ابن خزيمة وأبو إسماعيل الهروي كما نقل ذلك شيخ الإسلام في الفتاوى أما المعطله فلا يثبتون سكوتا لأنهم لا يثبتون كلاماً أصلاً والله الموفق
الإفتراء الثامن
زعم السقاف في ص89 أن ابن القيم يثبت لله صفة الجنب وهذا كذب بل وافتئات لا يجرؤ عليه إلا فاجر كحسن السقاف وإليك نص ابن القيم الذي أحال عليه السقاف !!!!!!!! وهو في الصواعق المرسلة
قال ابن القيم في الصواعق المرسلة (1 / 250) (( فعلى تقدير أن الساق والجنب من الصفات فليس من ظاهر القرآن ما يوجب أنه لا يكون له إلا ساق واحدة وجنب واحد فلو دل على ما ذكرت لم يدل على نفي ما زاد على ذلك لا بمنطوقه ولا بمفهومه حتى عند القائلين بمفهوم اللقب لا يدل ذلك على نفي ما عدا المذكور لأنه متى كان للتخصيص بالذكر سبب غير الإختصاص بالحكم لم يكن المفهوم مرادا بالإتفاق وليس المراد بالآيتين إثبات الصفة حتى تخصيص أحد الأمرين باذكر مرادا بل المقصود حكم آخر وهو بيان تفريط العبد في حق الله وبيان سجود العباد إذا كشف عن ساق وهذا حكم قد يختص بالمذكور دون غيره فلا يكون له مفهوم )) انتهى النقل
قلت تأمل معي قوله في أول الكلام (( فعلى تقدير )) وهي بمعنى افرض فالكلام مجرد افتراض فكيف يعده السقاف اعتقادا؟!! وإليك بقية كلام ابن القيم الذي يبين إفك السقاف
ثم قال ابن القيم (( السادس أن يقال من أين في ظاهر القرآن إثبات أن لله جنب واحد هو صفة الله ؟ ومن المعلوم أن هذا لا يثبته أحد من بني آدم وأعظم الناس إثباتا للصفات هم أهل السنة والحديث الذين يثبتون لله الصفات الخبرية ولا يقولون لله إن لله جنبا واحدا ولا ساقا واحدة
قال عثمان بن سعيد الدارمي في نقضه على المريسي وادعى المعارض زورا على قوم أنهم يقولون في تفسير قول الله تعالى (( يا حسرتي على ما فرطت في جنب الله )) إنهم يعنون بذلك الجنب الذي هو العضو وليس ذلك على ما يتوهمونه
قال الدارمي فيقال لهذا المعارض ما أرخص الكذب عندك وأخفه على لسانك فإن كنت صادقا في دعواك فأشربها إلى أحد من بني آدم قاله وإلا فلم تشنع بالكذب على قوم هم أعلم منك بالتفسير وأبصر بتأويل كتاب الله منك ومن إمامك ؟ وإنما تفسيرها عندهم تحسر الكفار على ما فرطوا في الإيمان والفضائل التي تدعوا إلى ذات الله )) انتهى النقل
قلت فإن قال قائل ابن القيم جعل صفة الجنب كصفة الساق !!!!!!
فأقول إنما أثبت ابن القيم صفة الساق بالأحاديث التي تدل عليها كما هو مبين في الصواعق المرسلة أما صفة الجنب المزعومة فلا دليل عليها إلا قوله تعالى (( يا حسرتي على ما فرطت في جنب الله )) وقد نفى ابن القيم دلالته على الصفة تبعا للدارمي وهو الحق
وتأمل معي كلام الدارمي في المريسي فهو منطبق على السقاف أيضا
وقال ابن القيم أيضا في الصواعق ((فهذا إخبار عما تقولـه هذه النفس الموصوفة بما وصفت به ، وعامة هذه النفوس لا تعلم أنَّ لله جنباً ، ولا تقر بذلك ؛ كما هو الموجود منها في الدنيا ؛ فكيف يكون ظاهر القرآن أنَّ الله أخبر عنهم بذلك ، وقد قال عنهم : (يَاحَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللهِ( (الزمر : 56) ، والتفريط فعل أو ترك فعل، وهذا لا يكون قائماً بذات الله ؛ لا في جنب ولا في غيره ، بل يكون منفصلاً عن الله ، وهذا معلوم بالحس والمشاهدة ، وظاهر القرآن يدل على أنَّ قول القائل : (يَاحَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللهِ( ؛ ليس أنه جعل فعله أو تركه في جنب يكون من صفات الله وأبعاضه))
وقال أيضاً (( السابع : أن يقال هب أن القرآن دل ظاهره على إثبات جنب هو صفة فمن أين يدل ظاهره أو باطنه على أنه جنب واحد وشق واحد ومعلوم أن إطلاق مثل هذا لا يدل على أنه شق واحد )) وهذا صريح في بيان إفك الخساف فابن القيم يفترض افتراضاً
الإفتراء التاسع
زعم السقاف أن السلفيين متناقضون لأنهم يقولون للمؤولة لا تعملوا عقولكم في نصوص الصفات ثم يقولون للمفوضة لا يمكن أن يخاطبنا الله عزوجل بما لا نعقل
والحقيقة أنه ليس هنالك تناقض في موقفنا لأننا عندما نقول للمؤولة لا تعملوا عقولكم في نصوص الصفات فإننا نعني بذلك ألا تقيسوه على أنفسكم فتجعلوا نزوله كنزولنا يلزم منه ما يلزم من نزولنا من الحلول والمماسة وغيرها وإذا كان العلماء يفسدون كثير من القياسات بفروقات بسيطة فما بالك بقياس الشاهد على الغائب !!!
وهذا لا يتناقض مع ما نقوله للمفوضة فإن الله عزوجل لم يخاطبنا بقياسه سبحانه وتعالى على أنفسنا بل قرر أحسن تقرير أن الإشتراك باللفظ لا يلزم منه التشبيه فقال تعالى عن نبيه (( بالمؤمنين رؤوف رحيم )) ووصف نفسه سبحانه وتعالى بأنه (( الرؤوف الرحيم ))
الإفتراء العاشر
قال السقاف في ص 87((بل يطلقون عليه سبحانه وتعالى وصف الحد والجهة والحركة والسكوت والاستقرار والجلوس والجسمية وغيرها مع أن هذه الالفاظ لم ترد في الكتاب ولا في السنة الصحيحة ! ! ))
قلت هذا كذب أهل السنة لا يصفون الله عز وجل بالجسمية
والإستقرار فمن معاني الإستواء في اللغة ولا يمنع أحدٌ من العلماء تفسير القرآن بلسان العرب وخصوصاً أن هذا قول جماعة من السلف
وكل ما يتوهمه المعطلة من لوازم فاسدة لا نلتزمها كما لا يلتزمون إعدام الإله بقولهم (( إن الله لا داخل العالم ولا خارجه ))
الإفتراء الحادي عشر
نقل السقاف في ص 102 قول الترمذي في سننه (4 / 692) (( والمذهب في هذا عند أهل العلم من الأئمة مثل سفيان الثوري ومالك بن أنس وابن المبارك وابن عيينة ووكيع وغيرهم أنهم رووا هذه الأشياء ثم قالوا تروى هذه الأحاديث ونؤمن بها ولا يقال كيف وهذا الذي اختاره أهل الحديث أن تروى هذه الأشياء كما جاءت ويؤمن بها ولا تفسر ولا تتوهم ولا يقال كيف وهذا أمر أهل العلم الذي اختاروه وذهبوا إليه)) باتراً أوله و آخره ليوهم التفويض
وأول الكلام الذي بتره السقاف فقوله (( وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم روايات كثيرة مثل هذا ما يذكر فيه أمر الرؤية أن الناس يرون ربهم وذكر القدم وما أشبه هذه الأشياء )) فكلامه يدل على الإثبات إذ لم يفرق بين الرؤية والقدم
وقوله (( ولا يقال كيف )) دليل على إثبات المعنى ومثال ذلك لو قلت لك أفي بيتكم حديقة ؟ فإذا قلتَ لا لم يجز لي أن أسألك عن الكيفية ولم يجز لك نهيي عن ذلك
ولكن لو قلت لي نعم في بيتنا حديقة ولكن لا تسألني عن الكيفية لاستقام كلامك فما لم يثبت أصله لم يحتاج المتكلم إلى نفي العلم بكيفيته أو النهي عن السؤال عن كيفيته
وأما آخر الكلام الذي بتره السقاف (( ومعنى قوله في الحديث فيعرفهم نفسه يعني يتجلى لهم ))
فهذا نص صريح في إثبات صفة التجلي وهي صفة فعليه فأين التفويض ؟!!!
وللترمذي كلام آخر في الصفات صريح في الإثبات
قال الترمذي (9/185) (( وفسر بعض أهل العلم هذا الحديث فقالوا إنما هبط على علم الله وقدرته وسلطانه وعلم الله وقدرته وسلطانه في كل مكان وهو على العرش كما وصف في كتابه ))
وهذا صريح في إثبات العلو الحسي وليس معناه العلو المعنوي لأن الترمذي كان في صدد نفي كون الله في الأرض كما هو ظاهر الحديث المنكر الذي كان الترمذي يتكلم عنه (( لو أنكم دليتم رجلا بحبل إلى الأرض السفلى لهبط على الله ))
وله كلام آخر صريح في إثبات الصفات وهو قوله في سننه (3/50_51) (( وقد قال غير واحد من أهل العلم في هذا الحديث وما يشبه هذا من الروايات من الصفات ونزول الرب تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا قالوا قد تثبت الروايات في هذا ويؤمن بها ولا يتوهم ولا يقال كيف هكذا روي عن مالك وسفيان بن عيينة وعبد الله بن المبارك أنهم قالوا في هذه الأحاديث أمروها بلا كيف وهكذا قول أهل العلم من أهل السنة والجماعة وأما الجهمية فأنكرت هذه الروايات وقالوا هذا تشبيه وقد ذكر الله عز وجل في غير موضع من كتابه اليد والسمع والبصر فتأولت الجهمية هذه الآيات ففسروها على غير ما فسر أهل العلم وقالوا إن الله لم يخلق آدم بيده وقالوا إن معنى اليد هاهنا القوة و قال إسحق بن إبراهيم إنما يكون التشبيه إذا قال يد كيد أو مثل يد أو سمع كسمع أو مثل سمع فإذا قال سمع كسمع أو مثل سمع فهذا التشبيه وأما إذا قال كما قال الله تعالى يد وسمع وبصر ولا يقول كيف ولا يقول مثل سمع ولا كسمع فهذا لا يكون تشبيها وهو كما قال الله تعالى في كتابه (( ليس كمثله شيء وهو السميع البصير )) ))
وهذا كلام صريح في الإثبات لوجوه
الأول عدم تفريقه بين اليد والسمع والبصر بل أثبتها جميعاً
الثاني قوله (( وفسروها على غير ما فسرها أهل العلم )) مما يدل أن لأهل العلم تفسير لهذه الآيات والأحاديث وقد تقدم ذكر الكثير منها ومنها تفسير الترمذي الذي ذكرناه للتو
الثالث نفي السؤال عن الكيفية وقد تقدم شرحه
الرابع إثبات الترمذي لصفة العلو
الخامس نفيه للتوهم وإنما يحصل توهم التشبيه والتجسيم لمن يثبت الصفات أما المعطلة فذلك منتفي في حقهم
وما نقله الترمذي عن إسحاق حق لا مرية فيه فلو كان الإتفاق باللفظ يقتضي الإتفاق في المعنى أو التشابه لكانت يد الجمل كيد الباب ويد النملة كيد الفيل وساق النبات كساق الإنسان والأمثلة على ذلك كثيرة
الإفتراء الثاني عشر
نقل السقاف في ص81 قول شيخ الإسلام في النقض (2 / 184) (( فلو قال قائل بل ذلك جائز فلم تذكر على إبطاله حجة لا سيما وعندك أن النقص على الله لم يعلم امتناعه بالعقل وإنما علمته بالاجماع لا سيما إن احتج بظاهر قوله تعالى يأتيهم الله في ظلل من الغمام وبقوله كان في عماء ما فوقه هواء وما تحته هواء لا سيما وهذا لا ينافي الفوقية والعلو بالقدرة والقهر والتدبير وعندك لا يستحق الله الفوقية إلا بهذا وهذا المعنى ثابت سواء خلق فوقه شيئا آخر أو لم يخلقه فإذا لم يكن هذا مستحيلاً على أصلك لم يصح احتجاجك باستحالته عن المنازع الذي ينازعك في المسألة بل قد يقول لك إذا لم يكن ما يمنع جواز ذلك إلا هذا فعليك أن تقول به لأن هذا ليس بمانع عندك ))
وقال قبله ((ومن الادلة أيضا المؤكدة على أنها منطقة حقيقية وأنهم يتخيلون أن الله تعالى فيها وله تحت وفوق وغير ذلك من الجهات أن ابن تيمية الحراني ! ! في رده على الامام الرازي يقول : إن الامام الرازي لم يستطع أن ينفي أن الله لا يستطيع أن يخلق جسما فوقه
زاعما أن شيخ الإسلام هو القائل وهذا كذب على الشيخ إذ أنه أورد هذا الكلام للإلزام بدليل قوله (( لم يكن هذا مستحيلا على أصلك ))
قلت كلام شيخ الإسلام للإلزام بدليل قوله (( لم يكن هذا مسحيلاً على أصلك )) فهو يلزم الفخر الرازي ليظهر تناقضه
وبدليل قوله في نفس الصفحة (( وأما خلق جسم هناك فلم يذكر على امتناعه حجة إلا أن الخصم لا يقول به والخصم يقول ذلك ممتنع لامتناع أن يكون شيء موجود فوق الله فإن سلمت له هذه العلة كان ذلك جوابا لك وإن لم تسلمها لم يكن مذهبه صحيحا فلا تحتج به وقد تقدم كلامك على إبطال مثل هذه الحجة وهي الالزامات المختلفة المآخذ ))
فالشيخ كما ترى يجري محاكمة بين أهل البدع يبين بها تناقضهم وعدم اتساق أصولهم وهذه كتلك المحاكمة التي أجراها بين الروافض والنواصب ملزما الروافض برد فضائل علي لأنها جاءت من نفس الطريق التي جاءت به فضائل الصديق والفاروق رضي الله عنهما وإلا لما استطاعوا الرد على النواصب الذين يتبعون نفس منهجهم الانتقائي آخذين بفضائل الصديق والفاروق رضي الله عنهما ورادين لفضائل علي بن أبي طالب -رضي الله عنه .
وقد ثرب السقاف على شيخ الإسلام خوضه في هذه المسائل التي لم يتكلم بها الصحابة رضوان الله عليهم فأقول جواباً على هذا الهراء :
أن خوضَ شيخ الإسلام في هذه المسائل من قبيل إلزام المتكلمين بقواعدهم وهذا منهجٌ متفقٌ على صحته بين أهل العلم ومن هذا احتجاجهم على النصارى بآيات الإنجيل لإثبات عبودية عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام وليس لمدعٍ أن يدعِ أنَّ علماء المسلمين يؤمنون بالإنجيل ( المحرف ) لاحتجاجهم بآياته!!
الإفتراء الثالث عشر
زعم السقاف أن السلف كانوا يفوضون معاني الصفات وقد تقدم نقض هذا بالبرهان الدامغ وأضيف هنا أن قول مالك وغيره من السلف في نصوص الصفات(( أمروها كما جاءت بلا كيف )) دليل على الإثبات لوجهين أولها أنه لا يقال (( بلا كيف )) إلا بعد الإثبات إذ ما لا يثبت أصلا لا يحتاج الى نفي الكيف عنه أو نفي العلم بكيفيته
والثاني أن الإمام مالك ثبت عنه إثبات العلو فهذا دليل على أنه كان يعني الإثبات
وما يهمني هنا تبرئة الإمام أحمد من تهمة التفويض التي ألصقها به السقاف محتجاً بقوله في أحاديث الصفات (( نمرها كما جاءت بلا كيف ولا معنى )) أو كما قال رحمه
وهذا الأثر لا يثبت عن الإمام أحمد لتفرد إسحاق بن حنبل به عنه وقد قال الحافظ الذهبي – رحمه الله – في السير (13/51) : (( له مسائل كثيرة عن أحمد ، ويتفرد ، ويغرب )) . ونقل العليمى في (( المنهج الأحمد )) (1/245) عن أبي بكر الخلال قوله : (( قد جاء حنبل عن أحمد بمسائل أجاد فيها الرواية ، وأغرب بشيء يسير ، وإذا نظرت في مسائله شبهتها في حسنها وإشباعها وجودتها بمسائل الأثرم ))
ونقل الحافظ ابن رجب في فتح الباري (9/279) عن ابن حامد قوله : رأيت بعض أصحابنا حكى عن أبي عبدالله الإتيان ، أنه قال : تأتي قدرته ، قال : وهذا على حدَّ التوهم من قائله ، وخطأ في إضافته إليه
قلت وقد تفرد حنبل بن إسحاق بالرواية المشار إليها وقد أنكرها إسحاق بن شاقلا أيضاً كمل نقل شيخ الإسلام في الفتاوى فهذه الرواية مردودة لتفرد إسحاق بن حنبل بها
وعلى فرض صحتها فإن المعنى المنفي هو المعنى الذي يتوهمه الجهمية بدليل أن السائل سأله عن أحاديث الرؤية أيضاً
وقد ثبت عن الإمام أحمد ثبوتاً يقرب التواتر إثباته للرؤية
قال الخلال في السنة أخبرني موسى بن محمد الوراق قال عبيد الله بن أحمد الحلبي سمعت أبا عبد الله وحدثني بحديث جرير بن عبد الله في الرؤية فلما فرغ قال على الجهمية لعنة الله
وفي (( مسائل إسحاق بن إبراهيم النيسابوري )) (2/152/1850) قال : (( سمعت أبا عبدالله يقول : من لم يؤمن بالرؤية فهو جهمي ، والجهمي كافر ))
وقد ثبتت عن الإمام أحمد آثار عديدة تدل على أنه كان من مثبتة الصفات
أذكر منها ما جاء في رواية الميموني للمسائل ( 27 ) (( من زعم أن يديه نعمتاه فكيف يصنع بقوله : { خلقت بيدي } مشددة )) وما جاء في رواية أبي طالب للمسائل (( قلب العبد بين أصبعين ، وخلق أدم بيده ، وكل ما جاء الحديث مثل هذا قلنا به ))
عن يوسف بن موسى البغدادي أنه قيل لأبي عبدالله أحمد بن حنبل : الله عز وجل فوق السماء السابعة على عرشه بائن من خلقه ، وقدرته وعمله في كل مكان ؟ قال : نعم على العرش ، وعلمه لا يخلو منه مكان
قلت رواه الخلال كما أفاد بذلك الذهبي في العلو ( ص130) وابن القيم في اجتماع الجيوش ( ص200) وإسناده قوي
وقد روى النجاد في (( الرد على من يقول القرآن مخلوق )) ( ق : 87 / ب ) (( مسفاد من كتاب دفاعاً عن السلفية )) عن عبد الله بن أحمد قوله سألت أبي – رحمة الله – عن قوم يقولون : لما كلم الله عز وجل موسى لم يتكلم بصوت ، فقال أبي : ، بلى ، إن ربك عز وجل تكلم بصوت ، هذه الأحاديث نرويها كما جاءت ))
وهذ الأثر يدل على أن معنى قول السلف (( أمروها كما جاءت )) هو أثبتوها كما جاءت
وقال الخلال في السنة 991 أخبرني محمد بن علي ثنا أبو بكر الأثرم إنه قال لأبي عبد الله في الحديث الذي يروى (( اعتقها فإنها مؤمنة )) قال ليس كل أحد يقول فيه إنها مؤمنة يقولن اعتقها قال ومالك سمعه من هذا الشيخ هلال بن علي لا يقول فإنها مؤمنة قال وقد قال بعضهم (( فإنها مؤمنة )) فهي حين تقر بذلك فحكمها حكم المؤمنة ))
وفي هذا الأثر فوائد
الأولى أن الإمام أحمد يأخذ بأخبار الآحاد في العقيدة فلم ينكر على المرجئة احتجاجهم بهذا الخبر الآحادي بل وجهه توجيها ينقض شبهتهم
الثانية تصحيح الإمام أحمد لحديث الجارية وذلك لأنه تأوله والتأويل فرع عن القبول
الثالثة اعتماده لرواية الإمام مالك وهي بلفظ(( أين الله )) كمافي الموطأ ورواها عنه الشافعي في كتاب الأم بلفظ ((أين الله)) ورواها النسائي في الكبرى من طريق قتيبة بن سعيد عن مالك والحارث بن مسكين قراءة عليه عن ابن القاسم عن الإمام مالك به
ومن الآثار الثابتة عن أحمد في إثبات الصفات
ومنها ما نقله القاضي أبو يعلى في إبطال التأويلات ورقة 85 من المخطوط ( مستفاد من تحقيق بيان تلبيس الجهمية ) (( وقد قال أحمد في رواية أبي طالب وقول الله عز وجل (( هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة )) (( وجاء ربك والملك صفاً صفاً )) فمن قال أن الله لا يرى فقد كفر ))
قلت فاحتج على إثبات الرؤية بإثبات المجيء وهذا يدل على نكارة رواية تأويل المجيء عن أحمد فهذه أقوى
لذا أنكر رواية التأويل على حنبل وغلطوه جماعة من الحنابلة كما ذكر ذلك شيخ الإسلام في الإستقامة (1/74)
الإفتراء الرابع عشر
نقل السقاف في ص79 عن شيخ الإسلام قوله في درء التعارض (2 / 29) (( والله تعالى له حد لا يعلمه احد غيره ولا يجوز لأحد ))
وزعم أن شيخ الإسلام نقل هذا عن الدارمي مكفراً من خالفه !!
وياليت شعري لماذا لم ينقل قول الإمام أحمد الذي نقله شيخ الإسلام في نفس الكتاب (2/30) وهو قوله ((نؤمن بأن الله على العرش بلا حد ولا صفة يبلغها واصف أو يحدها أحد)) على أنه مذهب شيخ الإسلام
أم لماذا لم ينقل ما نقله شيخ الإسلام عن السجزي في نقض التأسيس (1/466) وهو قوله ((وليس من قولنا إن الله فوق العرش تحديد له وإنما التحديد يقع للمحدثات فمن العرش إلى ما تحت الثرى محدود والله سبحانه وتعالى فوق ذلك بحيث لا مكان ولا حد لاتفاقنا أن الله تعالى كان ولا مكان ثم خلق المكان وهو كما كان قبل خلق المكان قال وإنما يقول بالتحديد من يزعم أنه سبحانه وتعالى على مكان وقد علم أن الأمكنة محدودة فإن كان فيها بزعمهم كان محدودا وعندنا أنه مباين للأمكنة ومن حلها وفوق كل محدث فلا تحديد لذاته في قولنا)) ولم يعلق عليه بشيء سوى قوله هذا لفظه لماذا لم ينقله السقاف على أنه مذهب شيخ الإسلام أم إنها الإنتقائية والحقد الذي في قلب السقاف المسود
وغاية ما في كلام شيخ الإسلام عن مسألة الحد في درء التعارض نفي التعارض بين قولي أحمد بن حنبل
وشيخ الإسلام لا يثبت صفة لله تسمى الحد بدليل قوله في نقض التأسيس (1/442) (( إنّ الكلام الذي ذكره إنما يتوجه لو قالوا: إن له صفةً هي الحدُّ ، كما توهمه هذا الرادُّ عليهم ، وهذا لم يقله أحدٌ ، ولا يقوله عاقل ، فإن هذا الكلام لا حقيقة له ، إذ ليس في الصفات التي يوصف بها شيء من الموصوفات كما وُصِفَ باليد والعلم ِ صفةٌ معينة يقال لها : الحدُّ ))
ووجه شيخ الإسلام كلام ابن المبارك في إثبات الحد على أنه رد على الجهمية الذين لا يثبتون التمايز بين الله تعالى وخلقه فقال في النقض (1/442) (( ولما كان الجهمية يقولون مامضمونه : إن الخالقَ لا يتميّز عن الخلقِ ، فيجحدون صفاته التي يتميّز بها ، ويجحدونَ صفاتِه التي يتميّز بها ، ويجحدون قدره حتى يقول المعتزلة غذا عرفوا أنه حي عالم قدير : فقد عرفنا حقيقته وماهيته ، ويقولون : إنه لا يباين غيره ، بل إما أن يصفوه بصفة المعدوم ، فيقولوا: لاداخل العالم ولا خارجه ولا كذا ولا كذا ، أو يجعلوه حالا في المخلوقات أو وجودِ المخلوقات ، فبيّن ابن المبارك أنّ الرب سبحانه وتعالى على عرشه مباين لخلقه ، منفصلٌ عنه ، وذكر الحدّ لأن الجهمية كانوا يقولون : ليس له حدٌّ ، وما لا حدّ له لا يباينُ المخلوقاتِ ، ولا يكون فوق العالم ، لأن ذلك مستلزم للحدِّ ، فلما سألوا أمير المؤمنين عبدالله بن المبارك : بماذا نعرفه ؟ قال : بأنه فوق سماواته ، على عرشه ، بائن من خلقه ، فذكروا لازم ذلك الذي تنفيه الجهمية ، وبنفيهم له ينفون ملزومه الذي هو موجود فوق العرشِ – سبحانه – مباينته للمخلوقات ، فقالوا له بحدٍّ ؟ قال: بحدّ.))ولهذا لم يتكلم شيخ الإسلام عن مسألة الحد في كتبه التقريرية كالعقيدة الواسطية ولاميته في العقيدة
وقد قال شيخ الإسلام (1/397) (( إن كثيراً من أئمة السنة والحديث أو أكثرهم يقولون إنه فوق سمواته على عرشه بائن من خلقه بحد))
قلت وقوله (( كثيرا )) ينفي وجود إجماع
أما قوله في نفس الكتاب وهو النقض (3/163) (( المحفوظ عن السلف والأئمة إثبات حد لله في نفسه، وقد بينوا مع ذلك أن العباد لا يحدونه ولا يدركونه، ولهذا لم يتناف كلامهم في ذلك كما يظنه بعض الناس، فإنهم نفوا أن يَحُد أحدٌ الله))
فقوله (( السلف )) الألف واللام فيها للعهد لا للعموم لما تقدم وإطلاق لفظ الحد عند من أطلقه من باب الإخبار لا من باب الصفات وقد تقدم نفي كون الحد صفة لرب العالمين عن شيخ الإسلام
وهذه الألفاظ أطلقها بعض السلف لتقرير ما أثبته الله لنفسه ولم يبتدعوا ألفاظامعارضين بها ما أثبته الشارع لنفسه كقولهم عن رب العالمين ليس بجهة ولا متحيز ويريدون بذلك نفي العلو
والمقصود أن السلف استخدموا لفظة الحد لما ظهر الجهمية الذين ينكرون التباين بين الخالق والمخلوق
فلو قال الجهمي تقيةً (( الله على العرش )) لم يكن ناقضاً لاعتقاده فالله على العرش وتحته بحسب اعتقادهم لذا استخدم السلف لفظة (( بائن من خلقه )) و(( الحد )) لفضح الجهمية
وإلا فهم لا يثبتون صفةً زائدة على العلو الثابت في النصوص بهذه الألفاظ
الإفتراء الخامس عشر
زعم السقاف في ص95 أن البخاري قد أول الضحك بالرحمة
ثم أحال على مقدمته لدفع شبه التشبيه
وفيها قول البيهقي روى الفربري عن الإمام محمد بن إسماعيل البخاري (( معنى الضحك في الحديث الرحمة ))
قلت هذا منقطع بين البيهقي والفربري
وقد تقدم أن الصحابي الجليل عبد الله بن عمرو بن العاص أثبت لله صفة الضحك فلو ثبت الـتأويل عن البخاري لم يكن حجة علينا
وتأويل الضحك بالرحمة تأويل باللازم و لازم الشيء غيره وهذا أمر أوضح من أن يشرح
ومن الأحاديث التي لا يمكن معها تأويل الضحك بالرحمة
ما رواه أحمد 16232 رواه ابن ماجة 181 منطريق حماد بن سلمة أَنْبَأَنَا حماد بْنُ سلمة، عَنْ يعَلِيّ بْنُ عطاء، عَنْ وَكِيْع، عَنْ وَكِيْع بْنُ حدس، عَنْ عمه أَبِي رزين؛ قَالَ:
قَالَ رَسُول اللَّه صَلى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلمْ: (ضحك ربنا من قنوط عباده وقرب غيره) قَالَ، قلت: يا رَسُول اللَّه! أَوْ يضحك ربنا؟ قَالَ (نعم) قلت: لن نعدم من رب يضحك خيراً.
هذا حديث حسن وقد تقدم الكلام على هذا الإسناد وننبه هنا على أمر وهو أن حماد بن سلمة لم يختلط وإما تغير وبينهما فرق والتغير لا يطعن في صحة روايته وفيه إثبات أبي رزين لصفة الضحك إذ يستحيل أن يسأل أويرحم ربنا ؟!!
ولم يتفرد يزيد بن هارون بل تابعه هدبة بن خالد عند الطبراني في الكبير حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ثنا هدبة بن خالد ثنا حماد بن سلمة فذكره
وممن أثبت لله صفة الضحك من السلف معمر بن راشد حيث قال في جامعه باب من يضحك الله إليه
وهو أعلى طبقة من البخاري كما لا يخفى
ومن الأحاديث الصحيحة الثابتة في إثبات صفة الضحك لرب العالمين ما رواه الإمام مالك في الموطأ عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة رضي الله عنه:
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (يضحك الله إلى رجلين، يقتل أحدهما الآخر، يدخلان الجنة: يقاتل هذا في سبيل الله فيقتل، ثم يتوب الله على القاتل، فيستشهد).
ومن طريقه البخاري 2671 ومسلم 1890 في صحيحهما وغيرهما كثير
وقدم تشبث السقاف بما رواه النسائي 3165 عن محمد بن منصور حدثنا سفيان عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
-إن الله عز وجل يعجب من رجلين يقتل أحدهما صاحبه وقال مرة أخرى ليضحك من رجلين يقتل أحدهما ثم يدخلان الجنة)) للطعن في هذه الرواية وليس في رواية النسائي كما ترى نفي للضحك وقد حذف السقاف الجزء المتعلق بالضحك _ وذلك في تعليقه على دفع شبه التشبيه وهذه من تدليساته الكثيرة فهو ( مدالس موالس )
فهي محض زيادة تردد فيها الراوي والجازم مقدم على المتردد
وشيخ النسائي وإن كان ثقة إلا أنه قد انفرد التردد
فقد روى هذا الخبر الإمام أحمد 7322 عن سفيان عن أبي الزناد به
وكذا رواه الحميدي في المسند برقم 1071 عن سفيان به
وقال مسلم في صحيحه حدثنا محمد بن أبي عمر المكي حدثنا سفيان عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة
: أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال ( يضحك الله إلى رجلين يقتل أحدهما الآخر كلاهما يدخل الجنة ) فقالوا كيف ؟ يا رسول الله قال ( يقاتل هذا في سبيل الله عز و جل فيستشهد ثم يتوب الله على القاتل فيسلم فيقاتل في سبيل الله عز و جل فيستشهد )
( 1890 ) - وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وزهير بن حرب وأبو كريب قالوا حدثنا وكيع عن سفيان عن أبي الزناد بهذا الإسناد مثله
129 - ( 1890 ) حدثنا محمد بن رافع حدثنا عبدالرزاق أخبرنا معمر عن همام بن منبه قال هذا ما حدثنا أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه و سلم فذكر أحاديث منها
وبهذا يبطل إرجاف السقاف
واعلم رحمني الله وإياك أن حمل الضحك في هذا الحديث على الرحمة متعذر وذلك لأن الرحمة سبب في دخول الجنة أما الضحك في هذا الحديث فهو حاصل لدخولهما الجنة فهو نتيجة وليس سبباً في ذلك وفرق بين السبب والنتيجة
تنبيه
ومما يبطل هذا التأويل ما قررناه آنفاً من أن الرحمة لازم الضحك ولازم الشيء غيره
الإفتراء السادس عشر
قال السقاف في ص 110 ((ونقول لهم مجيبين : ما لم يرد في الكتاب ولا في السنة لا يصح وصف الله تعالى به فمن قال مثلا : هل يقال بأن الله يشبه الفأر ؟ ! فيقول له المتمسلف : هذا اللفظ لا ينبغي إثباته ولا نفيه .
ونقول له : * ( سبحان ربك رب العزة عما يصفون * بل يجب نفيه ويكفر مثبته ويكفي في نفيه قوله سبحانه * ( ليس كمثله شئ )ونقول لهم مجيبين : ما لم يرد في الكتاب ولا في السنة لا يصح وصف الله تعالى به ) * فقول من قال إثباته بدعة ونفيه بدعة هو في الحقيقة باطل وبدعة !! ))
قلت كذبت يا حسن فنحن نرى أن هذه العبارة كفر وننكرها ونؤمن أن نقيضها هو الصواب
ولكن لو قال قائل كما دعا السقاف (( الله عز وجل لا يشبه الفأر )) لم يكن ذلك مدحاً فلو قلت لملك وأنت تمدحه (( أنت لا تشبه الفأر ولا الكلب ولا القطة )) لأضحك العقلاء عليه وأغضب ذلك الملك منه فما بالك برب العالمين
أما قوله تعالى (( ليس كمثله شئ وهو السميع البصير )) ففيه الجمع بين نفي النقص وإثبات الكمال أما مجرد نفي النقص فلا يعد كمالاً كأن تقول (( الجدار لا يظلم )) فهذا ليس فيه إثبات العدل له
الوجه الثاني من وجوه نكارة هذه العبارة أن تخصيص بعض الأفراد بالذكر موهم لعدم وجود العموم
ومعناه أنك لو قلت في ملك (( أنت لا تشبه الفأر )) قد يفهم السامع أنه يشبه حيواناً آخر لهذا فقد جاء نفي المثليه والشبه عاماً في النصوص
الوجه الثالث أن هذا المثال حجة على المعطلة فلو قائل في قولكم في ملك من الملوك (( لا يشبه الفأر )) تشبيه له بالفيل فهو أيضاً لا يشبه الفأر ومن هذا نعرف أن الطريقة السلفية في نفي النقص وإثبات كمال ضده هي أسلم وأعلم وأحكم من طريقة المعطلة البدعية والتي لا تسلم من الإعتراضات
الإفتراء السابع عشر
زعم السقاف في ص 110 أن الذهبي قد رجع في كتابه ( سير أعلام النبلاء ) عن عقيدة شيخه ابن تيمية وعاد إلى عقيدة الإسلام الحقة ( التعطيل )
وغاية ما عند السقاف احتجاجه بما قاله الذهبي في ترجمة الإمام مالك في السير (8/105) (( فقولنا في ذلك وبابه الإقرار والإمرار وتفويض معناه إلى قائله الصادق المعصوم ))
والجواب أن الذهبي إنما فوض الكيف بدليل تصريحه في جمع من التراجم التي تلت هذه الترجمة بالإثبات وإليك بعضاً من هذه الكلمات النيرات
قال علي بن الحسن بن شقيق يقول: قلت لابن المبارك: كيف تعرف ربنا عز وجل؟ قال: في السماء على العرش، ولا نقول كما قالت الجهمية: هو معنا ههنا
فعلق الذهبي (8/402) (( قلت: الجهمية يقولون: إن الباري تعالى في كل مكان والسلف يقولون: إن علم الباري في كل مكان ويحتجون بقوله تعالى: "وهو معكم أينما كنتم" الحديد: 4 يعني: بالعلم ويقولون: إنه على عرشه استوى كما نطق به القرآن والسنة ))
قلت انظر كيف أقر عبارة ابن المبارك المصرحة بالإثبات بل وثنى عليها بشرح مذهب السلف في المسألة
ونقل في (11/370) قول حرب الكرماني قلت لإسحاق "ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم" المجادلة: 7، كيف تقول فيه؟ قال حيثما كنت فهو أقرب إليك من حبل الوريد وهو بائن من خلقه وأبين شيء في ذلك قوله "الرحمن على العرش استوى" وأقره
وقال في ترجمة الدارمي (13/325) (( ومن كلام عثمان رحمه الله في كتاب النقض له: اتفقت الكلمة من المسلمين أن الله تعالى فوق عرشه فوق سماواته))
فعلق عليه بقوله
قلت: أوضح شيء في هذا الباب قوله عز وجل:" الرحمن على العرش استوى"- فليمر كما جاء كما هو معلوم من مذهب السلف وينهى الشخص عن المراقبة والجدال وتأويلات المعتزلة" ربنا آمنا بما أنزلت واتبعنا الرسول"-
فانظر كيف أقر هذا الإجماع واحتج له بالآية الكريمة
وقال الذهبي في ترجمة الطبري (14/279) ((أخبرنا أحمد بن هبة الله: أخبرنا زين الأمناء الحسن بن محمد أخبرنا أبو القاسم الأسدي أخبرنا أبو القاسم بن أبي العلاء أخبرنا عبد الرحمن بن أبي نصر التميمي أخبرنا أبو سعيد الدينوري مستملي ابن جرير أخبرنا أبو جعفر محمد بن جرير الطبري بعقيدته فمن ذلك وحسب امرئ أن يعلم أن ربه هو الذي على العرش استوى فمن تجاوز ذلك فقد خاب وخسر
وهذا تفسير هذا الإمام مشحون في آيات الصفات بأقوال السلف على الإثبات لها لا على النفي والتأويل وأنها لا تشبه صفات المخلوقين أبداً ))
قلت ما تحته خط من كلام الذهبي وهو من أصرح ألفاظه في الإثبات بل ونسبة ذلك الإثبات للسلف
وأكتفي بهذا القدر وعلى فرض أن الذهبي فوض فقد رجع إلى عقيدة الإسلام الحقة ( الإثبات )
0 comments:
إرسال تعليق