بسم الله الرحمن الرحيم
آيات أوردها السقاف معارضاً بها آيات العلو
الآية الأولى
احتج السقاف في ص60 بقوله تعالى (( فلما أتاها نودي من شاطيء الوادي الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة أن يا موسى إني أنا الله رب العالمين )) معارضاً به آيات العلو
حيث قال في 61 ((. فهذه الاية فيها قرائن كثيرة على أن الله تعالى كان في تلك البقعة عندما كلم سيدنا موسى والسياق يفيد ذلك مع أننا نؤوله ولا نقول بظاهره ! ! فأؤلا : نحن ننزه الله تعالى أن يكون نارا ! ! لان سيدنا موسى رأى نارا فذهب إليها فكلمه الحق سبحانه فهو كليم الله باتفاق ! ! وثانيا : ننزه الله تعالى أن يكون بجانب الطور ! ! أي ننزهه أن يكون في منطقة في الارض . وثالثا : ننزهه سبحانه عن أن يكون في شاطئ الواد الايمن ! ! وفي البقعة المباركة وعن أن يكون في الشجرة ! ! ورابعا : قد يقول قائل إن قوله * (أقبل ولا تخف) * قرينة أيضا على أنه سبحانه كان في ذلك المكان أو تلك البقعة أو ذلك الوادي ! !))
وجواب هذا أن يقال لا تعارض فالله عزوجل قادر أن يكلم عبده موسى متى شاء أينما شاء ومعنى من قوله تعالى (( من الشجرة )) أي عند الشجرة وبالتالي يكون معنى قوله تعالى (( من شاطيء الوادي الأيمن )) عند شاطيء الوادي الأيمن لأن الشجرة في الشاطيء كما نبه على ذلك ابن هشام في مغني اللبيب _ وهذا بديهي _
وظاهر القرآن يدل على أن الله عز وجل كلم موسى في الوادي المقدس
قال تعالى ((إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى ))
والشجرة في الوادي المقدس بداهةً فيكون قوله (( من شاطيء الوادي الأيمن من الشجرة ))
كقولك (( كلمت فلاناً عند بيته عند الباب ))
فإن النداء لم يحصل إلا عندما جاء موسى للمكان قال تعالى ((فلما جاءها نودي أن بورك من في النار ومن حولها وسبحان الله رب العالمين))
فهذه الآية تفسر قوله تعالى (((( فلما أتاها نودي من شاطيء الوادي الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة أن يا موسى إني أنا الله رب العالمين ))
فتأمل قوله في الآيتين (( فلما أتاها ))
وقوله (( فلما جاءها ))
ودلالة الآية الأولى على أن النداء لم يقع إلا عند قدوم موسى للوادي
فلا يكون معنى الآية أن موسى سمع الصوت قبل أن يأتي للوادي
ولا يتأتى الجمع بين الآيتين إلا إذا فسرنا (( من الوادي )) ب (( عند الوادي ))
وهذا ليس تأويلا كتأويلات الأشاعرة المتكلفة التي عند التحقيق حتى اللغة لا تخدمها كما سيأتي بيانه بل هو من تفسير الآيات بعضها ببعض بل هذا من أعظم الأدلة على التمسك بالظاهر واعتباره
وقد شهد امام في التفسير واللغة بجواز ذلك لغة وأنه هو الحق وهو قتادة بن دعامة السدوسي فقد قال ابن جرير الطبري في تفسيره 20885 حدثنا بشر وهو ابن هلال الصواف وهو ثقة حدثنا يزيد وهو ابن زريع وهو ثقة قديم السماع من سعيد حدثنا سعيد هو ابن ابي عروبة من أثبت الناس في قتادة عن قتادة أنه قال نودي من عند الشجرة وظاهر الآية يعضد ما ذهب اليه قتادة اذ أن قوله تعالى (( إني أنا الله رب العلمين )) يمتنع أن يكون صادراً من الشجرة !!
فعلى هذا يكون معنى الآية هو أن موسى سمع نداء ربه عند الشجرة _ وقد دلت الآيات الأخرى على هذا المعنى _ وهذا لا يعارض علوه على خلقه كما ترى
ثم إننا لو قلنا أن الله عز وجل نزل وكلم موسى لم يكن في ذلك نفيٌ لعلوه على خلقه قبل وذلك وبعده
ثم إن الظاهر الذي يزعم السقاف أن السياق يرفده لم يقل به أحدٌ من المسلمين إذ لا يقول أحد أن الله في مكان دون مكان من الأرض فحتى الجهمية يقولون في كل مكان
إذا فهمت هذا أمكنك أن تجيب على سفسطة السقاف
فقوله (( نحن ننزه من أن يكون ناراً ))
يقال له أين تجد في ظاهر أن القرآن أن الله عز وجل نار
بل الآيات تدل على خلاف ذلك فإن موسى رأى النار ولم ير رب العالمين وكذلك الشجرة فنعود إلى اعتبار الظاهر
وأما قوله (( ننزه من أن يكون في شاطيء الوادي الأيمن ))
قلت لم يفهم أحدُ من المسلمين هذا بل ظاهر الآيات يدل على خلاف ظاهر فموسى كان يرى كل ما في الوادي الأيمن ولم ير الله عز وجل
ومخاطبة الله عز وجل لعبيده لا تقتضي أن يكون هو سبحانه وهم في مكان واحد وهذا فكما أن أهل الجنة يرون ربهم وهو على العرش وهم في الجنة
فموسى كلم ربه والله في السماء وهو على الأرض
وقوله تعالى (( أقبل ولا تخف ))
فالمقصود منه أقبل على العصا وإلا لو كان المقصود أقبل على الله الذي أمامك _ كما يفهمه السقاف من السياق _ لكان يراه فطلب الرؤية بعد ذلك لا وجه له
ثم نقول للسقاف إذا كان السياق يدل على هذا المعنى فلم لا تقول به
فإن قال : الأدلة العقلية على خلافه
قلنا : قولكم في أن الله لا داخل العالم ولا خارجه أبعد عن بداهة العقول مما فهمت من الآية فرفع النقيضين معلوم البطلان بالضرورة غير أن الأشاعرة ألجأتهم المقدمات الفاسدة إلى هذا القول
ويكفيك من بطلان هذا القول أنك لا تجد أحداً من السلف الصالح تكلم به فهو بدعةٌ منكرة
والأدلة العقلية على خلافه
فالموجودات إما أن تكون متحايثة _ متداخلة _ أو تكون متباينة
وقد ثبت بالنص والعقل أن الله عز وجل غير محايث لمخلوقاته فلم تبق إلا المباينة
فإن قال الجهمي : هذا قياسٌ منكم لله على مخلوقاته
قيل له : ليس كذلك بل إن قولكم أن الله عز وجل إذا كان على العرش لزم من ذلك التحيز والجسمية هو عين قياس الشاهد على الغائب
وبهذا يظهر تناقض القوم وأنه لا أدلة عقلية ولا حتى نقلية على قولهم
فغاية ما يحتجون به من النقليات قوله تعالى (( ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ))
وهذه الآية يحتج بها الجهمية الحلولية فيقولون المخلوقات تكون في مكان دون مكان والله عز وجل يخالفها فهو في كل مكان
وأما أهل السنة فيحتجون بهذه الآية أيضاً فيقولون الآية تضمنت نفياً و إثباتاً فأثبت لله صفات كمال مع نفي مماثلته للمخلوقات
وهذا ما نفعله فنثبت له العلو المطلق الذي ليس لأحدٍ من مخلوقاته
فإن قال السقاف رددت هذا الفهم لوقوع الإجماع على خلافه
قلنا وبهذا يجيبك منازعك أيضاً وآيات العلو لم ينعقد الإجماع على خلافها بل انعقد الإجماع على القول بها كما سيأتي بيانه
ويقال للسقاف أيضاً ليس كل تأويلٍ صحيح فصحة تأويل أو اثنين لا يدل على صحة بقية التأويلات
ولا توجد فرقةٌ من المسلمين تأخذ بجميع التأويلات
فالأشاعرة يردون تأويلات المعتزلة للسمع والبصر
والمعتزلة يردون تأويلات المرجئة للآيات المدخلة للأعمال في مسمى الإيمان
فإذا كان التأويل الذي يخالف السياق _ على زعم السقاف _ يعد تأويلاً صحيحاً
فما هو التأويل الفاسد إذن ؟!!
وخذ مثالاً على آيات العلو التي يمتنع تأويلها وهو قوله تعالى (( يخافون ربهم من فوقهم )) يمتنع حمل الآية على علو القهر لأن حرف الجر (من ) إذا جاء قبل قوله (فوق ) دل ذلك على الفوقية الحقيقية كقوله تعالى (( فخر عليهم السقف من فوقهم ))
وقوله ((كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ الأَرْضِ مَا لَهَا مِن قَرَارٍ))
وقوله تعالى ((هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِّن نَّارٍ يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُؤُوسِهِمُ الْحَمِيمُ ))
وهذا مطرد في جميع القرآن والسنة وكلام العرب
ومنه قول أم المؤمنين زينب بنت جحش (( زوجني الله من فوق سبع سماوات )) رواه البخاري 6985 في كتاب التوحيد باب {وكان عرشه على الماء} /هود: 7/. {وهو ربُّ العرش العظيم} /التوبة: 129/
الآية الثانية
احتج السقاف في ص31 بقوله تعالى ((والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة يحسبه الضمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا ووجد الله عنده فوفاه حسابه والله سريع الحساب )) معارضاً به آيات العلو
والجواب أن يقال أن هذا يوم القيامة لا في الدنيا كما أوهم السقاف بقوله ((والكلام هنا عن إنسان على وجه الارض ))
كما هو واضح في آخر الآية ثم إن الآية تخبر أن الله عزوجل عند أعمال الكفار فأين مكان أعمال الكفار ؟!! إنما هي معنى لا مكان مادي لها من هذا نعلم أن هذه العندية لا تخالف علو الله عزوجل على خلقه فهنا قرينة واضحة تبين لنا المعنى وهو أن الكلام على معاني لا ذوات قائمة بنفسها ولا يفهم أحد من هذه الآية شيئاً مخالفاً لعلو الله على خلقه ولو أخذ الناس بفهم السقاف لخرجنا بقول لم قل به أحدٌ من المسلمين وهو أن الله في مكانٍ في الأرض دون مكانٍ آخر فلو كان ظاهر الآية يدل على هذل لوجدت من يقوةل بهذا القول من أهل القبلة وقد قالوا هو أشنع منه
بينما يدل قوله تعالى ((إِنَّ الَّذِينَ عِندَ رَبِّكَ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ )) على علو الله عز وجل فالعندية هنا لو كانت تدل على الملك لما كان لتخصيص الملائكة بالذكر وجه فالله عز وجل له ملك السماوات والأرض
الآية الثالثة والرابعة
احتج السقاف في ص32 بقوله تعالى (( ونحن أقرب إليه منكم ولكن لا تبصرون ))
معارضاً بها آيات العلو وملزماً بتأويل آيات العلو
والجواب أن يقال أن القرب هنا معناه قربه بملائكته وهذا ليس تأويلاً بل ما دل عليه الدليل قال تعالى ((قُلْ يَتَوَفَّاكُم َّلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ ))
و قال ابن ماجة( 4262 )حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حدّثنا شَبَابَةُ عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَطَاءٍ، عَنْ سَعِيدٍ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النبي صلى الله عليه وسلم؛ قَالَ (الْمَيِّتُ تَحْضُرُهُ الْمَلاَئِكَةُ. فَإِذَا كَانَ الرَّجُلُ صَالِحاً، قَالُوا: اخْرُجِي أَيَّتُهَا النَّفْسُ الطَّيِّبَةُ! كَانَتْ فِي الْجَسَدِ الطَّيِّبِ. اخْرُجِي حَميدَةً، وَأَبْشِرى بِرَوْحٍ وَرَيْحَانٍ وَرَبٍّ غَيْرِ غَضْبَانَ. فَلاَ يَزَالُ يُقَالُ لَهَا، حَتَّى تَخْرُجَ. ثُمَّ يُعرَجُ بَهَا إِلَى السَّمَاءِ. فَيُفْتَحُ لَهَا. فَيُقَالُ. مَنْ هذَا. فَيَقُولُونَ فُلاَنٌ. فَيقَالُ: مَرْحَباً بِالنَّفْسِ الطَّيِّبَةِ، كَانَتْ فِي الْجَسَدِ الطَّيِّبِ. ادْخُلِي حَمِيدَةً، وَأَبْشِرِي بْرَوْحٍ وَرَيْحَانٍ وَرَبٍّ غَيْرِ غَضْبَانَ. فَلاَ يَزَالُ يُقَالُ لَهَا ذلِكَ حَتَّى يُنْتَهَى بِهَا إِلَى السَّمَاءِ الَّتِي فِيهَا اللهُ عَزَّ وَجَلَّ. وَإِذَا كَانَ الرَّجُلُ السُّوءُ قَالَ: اخْرُجِي أَيَتُهَا النَّفْسُ الْخَبِيَثَةُ! كَانَتْ فِي الْجَسَدِ الْخَبِيثِ. اخْرُجِي ذَمِيمَةً. وَأَبْشِرِي بِحَميمٍ وَغَسَّاقٍ. وَآخَرَ مَنْ شَكْلِهِ أْزْوَاجٌ. فَلاَ يَزَالُ يُقَالُ لَهَا ذلِكَ حَتَّى تَخْرُجَ. ثُمَّ يُعْرَجُ بِهَا إِلَى السَّمَاءِ. فَلاَ يُفْتَحُ لَهَا. فَيُقَالُ: مَنْ هذَا. فَيُقَالُ: فُلاَنٌ. فَيُقَالُ: لاَ مَرْحَباً بَالنَّفْسِ الْخَبِيثَةِ، كَانَتْ فِي الْجَسَدِ الْخَبِيثِ. ارْجِعِي ذَمِيمَةً. فَإِنَّهَا لاَ تُفْتَحُ لَكِ أَبْوابُ السَّمَاءِ. فَيُرْسَلُ بِهَا مِنَ السَّمَاءِ، ثُمَّ تَصِيرُ إِلَى الْقَبْرِ).
قلت هذا إسناد هو الغاية في الصحة وتأمل معي قوله (( الى السماء التي فيها الله )) تجد شاهدا قويًا لمعنى حديث الجارية ولا يمكن حمل ذلك على المكانة مع ذكر العروج وهو الصعود وذكر فتح الأبواب وإلا لكان المعنى أن النفس المؤمنة تصل الى مكانة الله عزوجل والعياذ بالله
ومثله قوله تعالى (( ونحن أقرب اليه من حبل الوريد )) فهو قرب الملائكة بدليل قوله في الآية التي بعدها (( إذ يتلقى المتلقيان عن اليمين وعن الشمال قعيد )) والله الموفق
ولو أخذنا بفهم السقاف لخرجنا بقول لا يقول به أحدٌ من المسلمين فحتى الجهمية الذين يقولون بأن الله في كل مكان لا يقولون بهذا الفهم
فالله عز وجل على مذهبهم لا يصح منه قربٌ ولا بعد لأنه في كل مكان
الآية الخامسة
واحتج السقاف في ص32 بقوله تعالى (( إني ذاهب الى ربي سيهدين )) والجواب
أن يقال أن القرآن يفسر بعضه بعضا فالذهاب هنا هو الهجرة قال تعالى ((إني مهاجر إلى ربي )) ومعنى الآية مهاجر الى الأرض التي أمرني ربي بالهجرة إليها أو إلى رضا ربي وهذا له نظيره فقد قال صلى الله عليه وسلم (( فمن كانت هجرته الى الله ورسوله فهجرته الى الله ورسوله ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته الى ما هاجر اليه )) رواه البخاري
ولو حملنا الآية على فهم السقاف لكان الله في مكانٍ في الأرض دون آخر وهذا لم يقل به أحدٌ من العالمين حتى الجهمية يقولون هو في كل مكان
فهذا الإجماع على عدم الأخذ بهذا الفهم السقيم يجعل لآيات العلو مزيةً فإن ظاهرها أجمع عليه السلف بخلاف فهم السقاف لهذه الآية الذي لم يقل به أحد
ثم إن القرآن يفسر بعضه بعضاً فقد دل القرآن على أن إبراهيم إنما هاجر إلى أرضٍ أمره الله بالهجرة إليها ولم يأت أنه رأى الله عز وجل
وهذه قرينة الحال
ولو فرضنا جدلاً أن إبراهيم كان يعني أن سيهاجر إلى أرضٍ يلقى فيها الله فإن هذا لا يعارض علو الله عز وجل على خلقه فإن موسى كلم الله عز وجل
والله في العلو وهو في الأرض
والقرآن يفسر بعضه بعضاً فإن رأى السقاف أننا تركنا الأخذ بظاهر هذه الآية بظواهر آيات أخرى في تفسيرها
وهذه القرائن غير موجودة في قوله تعالى ((إذ قال الله يا عيسى إنى متوفيك ورافعك إلى ومطهرك من الذين كفروا )) ( آل عمران :55)
قال ابن جرير الطبري في تفسير هذه الآية ((قال الله لعيسى: {إني متوفيك ورافعك إلي} فتوفاه ورفعه إليه))
وقال بعدها على لسان بعض أهل التفسير ((قالوا: ومعنى الوفاة: القبض، لما يقال: توفيت من فلان ما لي عليه، بمعنى: قبضته واستوفيته. قالوا: فمعنى قوله: {إني متوفيك ورافعك} أي قابضك من الأرض حيا إلى جواري))
وقال ابن جرير 5623 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قوله: {إني متوفيك ورافعك إلي ومطهرك من الذين كفروا} قال: فرفعه الله إليه، توفيه إياه، وتطهيره من الذين كفروا
الآية السادسة
وقد احتج السقاف بقوله تعالى(( وَهُوَ اللّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ
وَجَهرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ )) معارضا بها آيات العلو
والجواب أن يقال أن ظاهر الآية ليس في فيه أن ذات الله في السماوات والأرض فإنه لم قل ( وهو في السموات ) فالظرف متعلق باسم الله فيكون بمنزلة قوله تعالى (( وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله )) فعلى هذا يكون القرآن يفسر بعضه بعضاً ولا يظن الظان أن هذه الآية دليل على مذهب فإن ما فوق السماوات وما تحت الأرض غير مذكور في الآية وهم يقولون (( الله في كل مكان ))
وقد دلت أدلة الكتاب والسنة على أن الله عز وجل ليس في الأرض من أشهرها آيات المجيء والنزول وأحاديث والإحتجاب فالذي في كل مكان لا يكون للحجاب في حقه معنى والآيات التي قبض الله عز وجل للأرض وغيرها من المحكمات وردنا للتأويل فلو أخذنا بفهم السقاف لهذا النص لرددنا ظواهر جميع النصوص الأخرى وللنص معنى متجه
الآية السابعة
كثيرا ما يحتج أهل الأهواء ومنهم السقاف _ كما في ص 86_ بقوله تعالى (( نسوا الله فنسيهم )) على وجوب التأويل
والجواب عن هذا أن صفة النسيان لا تقاس على غيرها من الصفات الثبوتية لرب العالمين كالوجه واليد وغيرها من وجوه ثلاثة
الأول أن صفة النسيان صفة نقص بيد أن بقية الصفات صفات كمال ( على الأقل في حق المخلوق وهذه نقطة متفق عليها )
الثاني أنها سيقت سياق المقابلة بينما فقوله تعالى (( نسوا الله فنسيهم)) فيه مقابلة الله تعالى لنسيانهم بنسيان بينما سيقت بقية الصفات مساق الإخبار
الثالث أن صفة النسيان جاء نفيها تفصيليا فقد قال تعالى (( وما كان ربك نسيا )) فما تركنا ظاهر تلك الآية إلا لظاهر هذه الآية بينما يزعم المعطلة أن بقية الصفات التي ينفونها جاء نفيها إجمالا في قوله تعالى (( ليس كمثله شيء )) وقد بينا بطلان هذا القيل فيما تقدم فيحتاج المعطلة لنفي تفصيلي لصفة اليد مثلا لكي يستقيم لهم قياسها على صفة النسيان
ثم إن من معاني النسيان في اللغة الترك ولا يوجد في السياق ما يدل على بطلان حمل النسيان في هذه الآية على الترك بل إن له نظائره في الكتاب كقوله تعالى (( فنسي آدم ولم نجد له عزما )) والله الموفق
وأبعد من هذا احتجاجهم بحديث (( عبدي مرضت ولم تعدني )) رواه مسلم فالحديث فيه تفسير
حيث يقول العبد (( كيف أعودك وأنت رب العالمين ))
فيأتي الجواب (( عبدي مرض فلو عدته لوجدتني عنده ))
فالحديث فسر نفسه بنفسه فلا تقاس عليه النصوص الأخرى التي تركت دون تأويل
والمرض صفة نقص في المحدثات فكيف تقاس على صفات الكمال
آيات المعية
احتج السقاف في ص 32 بآيات المعية كمثل قوله تعالى (( وهو معكم أينما كنتم )) معارضاً بها آيات العلو والجواب
الأجمالي عنها جميعا أن يقال المعية في لغة العرب لا تستلزم الممازجة فالعرب تقول مشينا ومعنا القمر وهو ليس ممتزج معهم فآيات المعية لا تعارض آيات العلو
فمنها قوله تعالى (( إنني معكما أسمع وأرى )) فذكر السمع والرؤية المستلزمان للعلم دليل على أن المعية بالعلم كما أنها أيضاً للتأييد بدليل اختصاص موسى وهارون بهذه المعية ولو كانت معيةً ذاتيةً لما كان لاختصاصهما بها وجه
لذا فتخصيص بعض بالمعية دون بعض يدل على أنها بالتأييد والنصرة فالقائلون بالمعية الذاتية لا يفرقون بين الناس فيها ومما يدل على ذكرها في سياق الدعوة والجهاد والسياق من المقيدات وعلى ضوئه يفهم النص وهذا ليس تأويلاً بل هو عين التمسك بظاهر النص
ومنها قوله تعالى (( ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم )) الآية فذكر النجوى دليل على أن المقصود بالمعية معية العلم ويؤيد ذلك قوله تعالى في بداية الآية (( ألم تر أن الله يعلم ما في السماوات وما في الأرض )) وقوله تعالى في آخر الآية (( إن الله بكل شيء عليم ))
ومنها قوله تعالى (( وهو معكم أين ما كنتم والله بما تعملون بصير )) فذكر صفة البصر دليل على أن المعية بالعلم ويؤيد ذلك قوله تعالى في نفس الآية (( يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها )) الآية
وزعم السقاف أنه لا يمكن حمل قوله تعالى (( والله معكم)) على معية العلم لأن الله علم على الذات لا الصفة فأقول جواباً على هذا الهراء أن العرب قد تطلق الموصوف وتريد إحدى صفاته كقولهم فلان مع فلان دائما ويقصدون بذلك أنه يؤيده دائما ولا يخفى أن التأييد صفة
فالمعية بين المخلوقات لا تستلزم المحايثة فضلاً عنها بين الخالق والمخلوق والسلف أعلم باللغة من هذا الجهول وقد أجمعوا على تفسير المعية بمعية العلم
آيات أوردها السقاف معارضاً بها آيات العلو
الآية الأولى
احتج السقاف في ص60 بقوله تعالى (( فلما أتاها نودي من شاطيء الوادي الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة أن يا موسى إني أنا الله رب العالمين )) معارضاً به آيات العلو
حيث قال في 61 ((. فهذه الاية فيها قرائن كثيرة على أن الله تعالى كان في تلك البقعة عندما كلم سيدنا موسى والسياق يفيد ذلك مع أننا نؤوله ولا نقول بظاهره ! ! فأؤلا : نحن ننزه الله تعالى أن يكون نارا ! ! لان سيدنا موسى رأى نارا فذهب إليها فكلمه الحق سبحانه فهو كليم الله باتفاق ! ! وثانيا : ننزه الله تعالى أن يكون بجانب الطور ! ! أي ننزهه أن يكون في منطقة في الارض . وثالثا : ننزهه سبحانه عن أن يكون في شاطئ الواد الايمن ! ! وفي البقعة المباركة وعن أن يكون في الشجرة ! ! ورابعا : قد يقول قائل إن قوله * (أقبل ولا تخف) * قرينة أيضا على أنه سبحانه كان في ذلك المكان أو تلك البقعة أو ذلك الوادي ! !))
وجواب هذا أن يقال لا تعارض فالله عزوجل قادر أن يكلم عبده موسى متى شاء أينما شاء ومعنى من قوله تعالى (( من الشجرة )) أي عند الشجرة وبالتالي يكون معنى قوله تعالى (( من شاطيء الوادي الأيمن )) عند شاطيء الوادي الأيمن لأن الشجرة في الشاطيء كما نبه على ذلك ابن هشام في مغني اللبيب _ وهذا بديهي _
وظاهر القرآن يدل على أن الله عز وجل كلم موسى في الوادي المقدس
قال تعالى ((إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى ))
والشجرة في الوادي المقدس بداهةً فيكون قوله (( من شاطيء الوادي الأيمن من الشجرة ))
كقولك (( كلمت فلاناً عند بيته عند الباب ))
فإن النداء لم يحصل إلا عندما جاء موسى للمكان قال تعالى ((فلما جاءها نودي أن بورك من في النار ومن حولها وسبحان الله رب العالمين))
فهذه الآية تفسر قوله تعالى (((( فلما أتاها نودي من شاطيء الوادي الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة أن يا موسى إني أنا الله رب العالمين ))
فتأمل قوله في الآيتين (( فلما أتاها ))
وقوله (( فلما جاءها ))
ودلالة الآية الأولى على أن النداء لم يقع إلا عند قدوم موسى للوادي
فلا يكون معنى الآية أن موسى سمع الصوت قبل أن يأتي للوادي
ولا يتأتى الجمع بين الآيتين إلا إذا فسرنا (( من الوادي )) ب (( عند الوادي ))
وهذا ليس تأويلا كتأويلات الأشاعرة المتكلفة التي عند التحقيق حتى اللغة لا تخدمها كما سيأتي بيانه بل هو من تفسير الآيات بعضها ببعض بل هذا من أعظم الأدلة على التمسك بالظاهر واعتباره
وقد شهد امام في التفسير واللغة بجواز ذلك لغة وأنه هو الحق وهو قتادة بن دعامة السدوسي فقد قال ابن جرير الطبري في تفسيره 20885 حدثنا بشر وهو ابن هلال الصواف وهو ثقة حدثنا يزيد وهو ابن زريع وهو ثقة قديم السماع من سعيد حدثنا سعيد هو ابن ابي عروبة من أثبت الناس في قتادة عن قتادة أنه قال نودي من عند الشجرة وظاهر الآية يعضد ما ذهب اليه قتادة اذ أن قوله تعالى (( إني أنا الله رب العلمين )) يمتنع أن يكون صادراً من الشجرة !!
فعلى هذا يكون معنى الآية هو أن موسى سمع نداء ربه عند الشجرة _ وقد دلت الآيات الأخرى على هذا المعنى _ وهذا لا يعارض علوه على خلقه كما ترى
ثم إننا لو قلنا أن الله عز وجل نزل وكلم موسى لم يكن في ذلك نفيٌ لعلوه على خلقه قبل وذلك وبعده
ثم إن الظاهر الذي يزعم السقاف أن السياق يرفده لم يقل به أحدٌ من المسلمين إذ لا يقول أحد أن الله في مكان دون مكان من الأرض فحتى الجهمية يقولون في كل مكان
إذا فهمت هذا أمكنك أن تجيب على سفسطة السقاف
فقوله (( نحن ننزه من أن يكون ناراً ))
يقال له أين تجد في ظاهر أن القرآن أن الله عز وجل نار
بل الآيات تدل على خلاف ذلك فإن موسى رأى النار ولم ير رب العالمين وكذلك الشجرة فنعود إلى اعتبار الظاهر
وأما قوله (( ننزه من أن يكون في شاطيء الوادي الأيمن ))
قلت لم يفهم أحدُ من المسلمين هذا بل ظاهر الآيات يدل على خلاف ظاهر فموسى كان يرى كل ما في الوادي الأيمن ولم ير الله عز وجل
ومخاطبة الله عز وجل لعبيده لا تقتضي أن يكون هو سبحانه وهم في مكان واحد وهذا فكما أن أهل الجنة يرون ربهم وهو على العرش وهم في الجنة
فموسى كلم ربه والله في السماء وهو على الأرض
وقوله تعالى (( أقبل ولا تخف ))
فالمقصود منه أقبل على العصا وإلا لو كان المقصود أقبل على الله الذي أمامك _ كما يفهمه السقاف من السياق _ لكان يراه فطلب الرؤية بعد ذلك لا وجه له
ثم نقول للسقاف إذا كان السياق يدل على هذا المعنى فلم لا تقول به
فإن قال : الأدلة العقلية على خلافه
قلنا : قولكم في أن الله لا داخل العالم ولا خارجه أبعد عن بداهة العقول مما فهمت من الآية فرفع النقيضين معلوم البطلان بالضرورة غير أن الأشاعرة ألجأتهم المقدمات الفاسدة إلى هذا القول
ويكفيك من بطلان هذا القول أنك لا تجد أحداً من السلف الصالح تكلم به فهو بدعةٌ منكرة
والأدلة العقلية على خلافه
فالموجودات إما أن تكون متحايثة _ متداخلة _ أو تكون متباينة
وقد ثبت بالنص والعقل أن الله عز وجل غير محايث لمخلوقاته فلم تبق إلا المباينة
فإن قال الجهمي : هذا قياسٌ منكم لله على مخلوقاته
قيل له : ليس كذلك بل إن قولكم أن الله عز وجل إذا كان على العرش لزم من ذلك التحيز والجسمية هو عين قياس الشاهد على الغائب
وبهذا يظهر تناقض القوم وأنه لا أدلة عقلية ولا حتى نقلية على قولهم
فغاية ما يحتجون به من النقليات قوله تعالى (( ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ))
وهذه الآية يحتج بها الجهمية الحلولية فيقولون المخلوقات تكون في مكان دون مكان والله عز وجل يخالفها فهو في كل مكان
وأما أهل السنة فيحتجون بهذه الآية أيضاً فيقولون الآية تضمنت نفياً و إثباتاً فأثبت لله صفات كمال مع نفي مماثلته للمخلوقات
وهذا ما نفعله فنثبت له العلو المطلق الذي ليس لأحدٍ من مخلوقاته
فإن قال السقاف رددت هذا الفهم لوقوع الإجماع على خلافه
قلنا وبهذا يجيبك منازعك أيضاً وآيات العلو لم ينعقد الإجماع على خلافها بل انعقد الإجماع على القول بها كما سيأتي بيانه
ويقال للسقاف أيضاً ليس كل تأويلٍ صحيح فصحة تأويل أو اثنين لا يدل على صحة بقية التأويلات
ولا توجد فرقةٌ من المسلمين تأخذ بجميع التأويلات
فالأشاعرة يردون تأويلات المعتزلة للسمع والبصر
والمعتزلة يردون تأويلات المرجئة للآيات المدخلة للأعمال في مسمى الإيمان
فإذا كان التأويل الذي يخالف السياق _ على زعم السقاف _ يعد تأويلاً صحيحاً
فما هو التأويل الفاسد إذن ؟!!
وخذ مثالاً على آيات العلو التي يمتنع تأويلها وهو قوله تعالى (( يخافون ربهم من فوقهم )) يمتنع حمل الآية على علو القهر لأن حرف الجر (من ) إذا جاء قبل قوله (فوق ) دل ذلك على الفوقية الحقيقية كقوله تعالى (( فخر عليهم السقف من فوقهم ))
وقوله ((كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ الأَرْضِ مَا لَهَا مِن قَرَارٍ))
وقوله تعالى ((هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِّن نَّارٍ يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُؤُوسِهِمُ الْحَمِيمُ ))
وهذا مطرد في جميع القرآن والسنة وكلام العرب
ومنه قول أم المؤمنين زينب بنت جحش (( زوجني الله من فوق سبع سماوات )) رواه البخاري 6985 في كتاب التوحيد باب {وكان عرشه على الماء} /هود: 7/. {وهو ربُّ العرش العظيم} /التوبة: 129/
الآية الثانية
احتج السقاف في ص31 بقوله تعالى ((والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة يحسبه الضمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا ووجد الله عنده فوفاه حسابه والله سريع الحساب )) معارضاً به آيات العلو
والجواب أن يقال أن هذا يوم القيامة لا في الدنيا كما أوهم السقاف بقوله ((والكلام هنا عن إنسان على وجه الارض ))
كما هو واضح في آخر الآية ثم إن الآية تخبر أن الله عزوجل عند أعمال الكفار فأين مكان أعمال الكفار ؟!! إنما هي معنى لا مكان مادي لها من هذا نعلم أن هذه العندية لا تخالف علو الله عزوجل على خلقه فهنا قرينة واضحة تبين لنا المعنى وهو أن الكلام على معاني لا ذوات قائمة بنفسها ولا يفهم أحد من هذه الآية شيئاً مخالفاً لعلو الله على خلقه ولو أخذ الناس بفهم السقاف لخرجنا بقول لم قل به أحدٌ من المسلمين وهو أن الله في مكانٍ في الأرض دون مكانٍ آخر فلو كان ظاهر الآية يدل على هذل لوجدت من يقوةل بهذا القول من أهل القبلة وقد قالوا هو أشنع منه
بينما يدل قوله تعالى ((إِنَّ الَّذِينَ عِندَ رَبِّكَ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ )) على علو الله عز وجل فالعندية هنا لو كانت تدل على الملك لما كان لتخصيص الملائكة بالذكر وجه فالله عز وجل له ملك السماوات والأرض
الآية الثالثة والرابعة
احتج السقاف في ص32 بقوله تعالى (( ونحن أقرب إليه منكم ولكن لا تبصرون ))
معارضاً بها آيات العلو وملزماً بتأويل آيات العلو
والجواب أن يقال أن القرب هنا معناه قربه بملائكته وهذا ليس تأويلاً بل ما دل عليه الدليل قال تعالى ((قُلْ يَتَوَفَّاكُم َّلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ ))
و قال ابن ماجة( 4262 )حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حدّثنا شَبَابَةُ عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَطَاءٍ، عَنْ سَعِيدٍ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النبي صلى الله عليه وسلم؛ قَالَ (الْمَيِّتُ تَحْضُرُهُ الْمَلاَئِكَةُ. فَإِذَا كَانَ الرَّجُلُ صَالِحاً، قَالُوا: اخْرُجِي أَيَّتُهَا النَّفْسُ الطَّيِّبَةُ! كَانَتْ فِي الْجَسَدِ الطَّيِّبِ. اخْرُجِي حَميدَةً، وَأَبْشِرى بِرَوْحٍ وَرَيْحَانٍ وَرَبٍّ غَيْرِ غَضْبَانَ. فَلاَ يَزَالُ يُقَالُ لَهَا، حَتَّى تَخْرُجَ. ثُمَّ يُعرَجُ بَهَا إِلَى السَّمَاءِ. فَيُفْتَحُ لَهَا. فَيُقَالُ. مَنْ هذَا. فَيَقُولُونَ فُلاَنٌ. فَيقَالُ: مَرْحَباً بِالنَّفْسِ الطَّيِّبَةِ، كَانَتْ فِي الْجَسَدِ الطَّيِّبِ. ادْخُلِي حَمِيدَةً، وَأَبْشِرِي بْرَوْحٍ وَرَيْحَانٍ وَرَبٍّ غَيْرِ غَضْبَانَ. فَلاَ يَزَالُ يُقَالُ لَهَا ذلِكَ حَتَّى يُنْتَهَى بِهَا إِلَى السَّمَاءِ الَّتِي فِيهَا اللهُ عَزَّ وَجَلَّ. وَإِذَا كَانَ الرَّجُلُ السُّوءُ قَالَ: اخْرُجِي أَيَتُهَا النَّفْسُ الْخَبِيَثَةُ! كَانَتْ فِي الْجَسَدِ الْخَبِيثِ. اخْرُجِي ذَمِيمَةً. وَأَبْشِرِي بِحَميمٍ وَغَسَّاقٍ. وَآخَرَ مَنْ شَكْلِهِ أْزْوَاجٌ. فَلاَ يَزَالُ يُقَالُ لَهَا ذلِكَ حَتَّى تَخْرُجَ. ثُمَّ يُعْرَجُ بِهَا إِلَى السَّمَاءِ. فَلاَ يُفْتَحُ لَهَا. فَيُقَالُ: مَنْ هذَا. فَيُقَالُ: فُلاَنٌ. فَيُقَالُ: لاَ مَرْحَباً بَالنَّفْسِ الْخَبِيثَةِ، كَانَتْ فِي الْجَسَدِ الْخَبِيثِ. ارْجِعِي ذَمِيمَةً. فَإِنَّهَا لاَ تُفْتَحُ لَكِ أَبْوابُ السَّمَاءِ. فَيُرْسَلُ بِهَا مِنَ السَّمَاءِ، ثُمَّ تَصِيرُ إِلَى الْقَبْرِ).
قلت هذا إسناد هو الغاية في الصحة وتأمل معي قوله (( الى السماء التي فيها الله )) تجد شاهدا قويًا لمعنى حديث الجارية ولا يمكن حمل ذلك على المكانة مع ذكر العروج وهو الصعود وذكر فتح الأبواب وإلا لكان المعنى أن النفس المؤمنة تصل الى مكانة الله عزوجل والعياذ بالله
ومثله قوله تعالى (( ونحن أقرب اليه من حبل الوريد )) فهو قرب الملائكة بدليل قوله في الآية التي بعدها (( إذ يتلقى المتلقيان عن اليمين وعن الشمال قعيد )) والله الموفق
ولو أخذنا بفهم السقاف لخرجنا بقول لا يقول به أحدٌ من المسلمين فحتى الجهمية الذين يقولون بأن الله في كل مكان لا يقولون بهذا الفهم
فالله عز وجل على مذهبهم لا يصح منه قربٌ ولا بعد لأنه في كل مكان
الآية الخامسة
واحتج السقاف في ص32 بقوله تعالى (( إني ذاهب الى ربي سيهدين )) والجواب
أن يقال أن القرآن يفسر بعضه بعضا فالذهاب هنا هو الهجرة قال تعالى ((إني مهاجر إلى ربي )) ومعنى الآية مهاجر الى الأرض التي أمرني ربي بالهجرة إليها أو إلى رضا ربي وهذا له نظيره فقد قال صلى الله عليه وسلم (( فمن كانت هجرته الى الله ورسوله فهجرته الى الله ورسوله ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته الى ما هاجر اليه )) رواه البخاري
ولو حملنا الآية على فهم السقاف لكان الله في مكانٍ في الأرض دون آخر وهذا لم يقل به أحدٌ من العالمين حتى الجهمية يقولون هو في كل مكان
فهذا الإجماع على عدم الأخذ بهذا الفهم السقيم يجعل لآيات العلو مزيةً فإن ظاهرها أجمع عليه السلف بخلاف فهم السقاف لهذه الآية الذي لم يقل به أحد
ثم إن القرآن يفسر بعضه بعضاً فقد دل القرآن على أن إبراهيم إنما هاجر إلى أرضٍ أمره الله بالهجرة إليها ولم يأت أنه رأى الله عز وجل
وهذه قرينة الحال
ولو فرضنا جدلاً أن إبراهيم كان يعني أن سيهاجر إلى أرضٍ يلقى فيها الله فإن هذا لا يعارض علو الله عز وجل على خلقه فإن موسى كلم الله عز وجل
والله في العلو وهو في الأرض
والقرآن يفسر بعضه بعضاً فإن رأى السقاف أننا تركنا الأخذ بظاهر هذه الآية بظواهر آيات أخرى في تفسيرها
وهذه القرائن غير موجودة في قوله تعالى ((إذ قال الله يا عيسى إنى متوفيك ورافعك إلى ومطهرك من الذين كفروا )) ( آل عمران :55)
قال ابن جرير الطبري في تفسير هذه الآية ((قال الله لعيسى: {إني متوفيك ورافعك إلي} فتوفاه ورفعه إليه))
وقال بعدها على لسان بعض أهل التفسير ((قالوا: ومعنى الوفاة: القبض، لما يقال: توفيت من فلان ما لي عليه، بمعنى: قبضته واستوفيته. قالوا: فمعنى قوله: {إني متوفيك ورافعك} أي قابضك من الأرض حيا إلى جواري))
وقال ابن جرير 5623 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قوله: {إني متوفيك ورافعك إلي ومطهرك من الذين كفروا} قال: فرفعه الله إليه، توفيه إياه، وتطهيره من الذين كفروا
الآية السادسة
وقد احتج السقاف بقوله تعالى(( وَهُوَ اللّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ
وَجَهرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ )) معارضا بها آيات العلو
والجواب أن يقال أن ظاهر الآية ليس في فيه أن ذات الله في السماوات والأرض فإنه لم قل ( وهو في السموات ) فالظرف متعلق باسم الله فيكون بمنزلة قوله تعالى (( وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله )) فعلى هذا يكون القرآن يفسر بعضه بعضاً ولا يظن الظان أن هذه الآية دليل على مذهب فإن ما فوق السماوات وما تحت الأرض غير مذكور في الآية وهم يقولون (( الله في كل مكان ))
وقد دلت أدلة الكتاب والسنة على أن الله عز وجل ليس في الأرض من أشهرها آيات المجيء والنزول وأحاديث والإحتجاب فالذي في كل مكان لا يكون للحجاب في حقه معنى والآيات التي قبض الله عز وجل للأرض وغيرها من المحكمات وردنا للتأويل فلو أخذنا بفهم السقاف لهذا النص لرددنا ظواهر جميع النصوص الأخرى وللنص معنى متجه
الآية السابعة
كثيرا ما يحتج أهل الأهواء ومنهم السقاف _ كما في ص 86_ بقوله تعالى (( نسوا الله فنسيهم )) على وجوب التأويل
والجواب عن هذا أن صفة النسيان لا تقاس على غيرها من الصفات الثبوتية لرب العالمين كالوجه واليد وغيرها من وجوه ثلاثة
الأول أن صفة النسيان صفة نقص بيد أن بقية الصفات صفات كمال ( على الأقل في حق المخلوق وهذه نقطة متفق عليها )
الثاني أنها سيقت سياق المقابلة بينما فقوله تعالى (( نسوا الله فنسيهم)) فيه مقابلة الله تعالى لنسيانهم بنسيان بينما سيقت بقية الصفات مساق الإخبار
الثالث أن صفة النسيان جاء نفيها تفصيليا فقد قال تعالى (( وما كان ربك نسيا )) فما تركنا ظاهر تلك الآية إلا لظاهر هذه الآية بينما يزعم المعطلة أن بقية الصفات التي ينفونها جاء نفيها إجمالا في قوله تعالى (( ليس كمثله شيء )) وقد بينا بطلان هذا القيل فيما تقدم فيحتاج المعطلة لنفي تفصيلي لصفة اليد مثلا لكي يستقيم لهم قياسها على صفة النسيان
ثم إن من معاني النسيان في اللغة الترك ولا يوجد في السياق ما يدل على بطلان حمل النسيان في هذه الآية على الترك بل إن له نظائره في الكتاب كقوله تعالى (( فنسي آدم ولم نجد له عزما )) والله الموفق
وأبعد من هذا احتجاجهم بحديث (( عبدي مرضت ولم تعدني )) رواه مسلم فالحديث فيه تفسير
حيث يقول العبد (( كيف أعودك وأنت رب العالمين ))
فيأتي الجواب (( عبدي مرض فلو عدته لوجدتني عنده ))
فالحديث فسر نفسه بنفسه فلا تقاس عليه النصوص الأخرى التي تركت دون تأويل
والمرض صفة نقص في المحدثات فكيف تقاس على صفات الكمال
آيات المعية
احتج السقاف في ص 32 بآيات المعية كمثل قوله تعالى (( وهو معكم أينما كنتم )) معارضاً بها آيات العلو والجواب
الأجمالي عنها جميعا أن يقال المعية في لغة العرب لا تستلزم الممازجة فالعرب تقول مشينا ومعنا القمر وهو ليس ممتزج معهم فآيات المعية لا تعارض آيات العلو
فمنها قوله تعالى (( إنني معكما أسمع وأرى )) فذكر السمع والرؤية المستلزمان للعلم دليل على أن المعية بالعلم كما أنها أيضاً للتأييد بدليل اختصاص موسى وهارون بهذه المعية ولو كانت معيةً ذاتيةً لما كان لاختصاصهما بها وجه
لذا فتخصيص بعض بالمعية دون بعض يدل على أنها بالتأييد والنصرة فالقائلون بالمعية الذاتية لا يفرقون بين الناس فيها ومما يدل على ذكرها في سياق الدعوة والجهاد والسياق من المقيدات وعلى ضوئه يفهم النص وهذا ليس تأويلاً بل هو عين التمسك بظاهر النص
ومنها قوله تعالى (( ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم )) الآية فذكر النجوى دليل على أن المقصود بالمعية معية العلم ويؤيد ذلك قوله تعالى في بداية الآية (( ألم تر أن الله يعلم ما في السماوات وما في الأرض )) وقوله تعالى في آخر الآية (( إن الله بكل شيء عليم ))
ومنها قوله تعالى (( وهو معكم أين ما كنتم والله بما تعملون بصير )) فذكر صفة البصر دليل على أن المعية بالعلم ويؤيد ذلك قوله تعالى في نفس الآية (( يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها )) الآية
وزعم السقاف أنه لا يمكن حمل قوله تعالى (( والله معكم)) على معية العلم لأن الله علم على الذات لا الصفة فأقول جواباً على هذا الهراء أن العرب قد تطلق الموصوف وتريد إحدى صفاته كقولهم فلان مع فلان دائما ويقصدون بذلك أنه يؤيده دائما ولا يخفى أن التأييد صفة
فالمعية بين المخلوقات لا تستلزم المحايثة فضلاً عنها بين الخالق والمخلوق والسلف أعلم باللغة من هذا الجهول وقد أجمعوا على تفسير المعية بمعية العلم
0 comments:
إرسال تعليق