بسم الله الرحمن الرحيم
الشُّبْهَةُ الثَّالِثَةُ
لَوْ كانَ اللهُ فِي السَّمَاءِ لكانَ محصورًا.
هؤلاءِ النُّفاةِ يوهمونَ عامَّةَ المسلمينَ أنَّ مقصودَهم تنزيهُ الله عنْ أنْ يكونَ محصورًا في بعضِ المخلوقاتِ، [أو مفتقرًا إلى مخلوق]، ويفترونَ الكذبَ على أهلِ الإثباتِ أنَّهم يقولونَ ذلكَ، كقولِ بعضهم أنَّهم يقولونَ إنَّ الله في جوفِ السَّمواتِ، إلى أمثالِ هذهِ الأكاذيبِ التي يفترونها على أهلِ الإثباتِ، فيخدعونَ بذلكَ جهَّالَ النَّاسِ، فإذا وقعَ الاستفصالُ والاستفسارُ، انكشفتِ الأسرارُ، وتبيَّنَ الليلُ مِنَ النَّهارِ، وتميَّزَ أهلُ الإيمانِ واليقينِ منْ أهلِ النِّفاقِ المُدَلِّسِينَ، الذين لَبَّسُوا الحقَّ بالباطلِ، وكتموا الحقَّ وهمْ يعلمون[440].
والردُّ على الشبهةِ المذكورةِ أنْ يقالَ:
من توهَّمَ أنَّ كونَ اللهِ في السَّمَاءِ بمعنى أنَّ السَّمَاءَ تحيطُ بهِ وتحويهِ فهوَ كاذبٌ - إنْ نقلهُ عنْ غيرهِ - وضالٌّ - إن اعتقدهُ في ربِّهِ - ومَا سمعنا أحدًا يفهمُ هذا مِنَ اللَّفظِ، ولا رأينَا أحدًا نقلهُ عنْ واحدٍ، ولوْ سئلَ سائرُ المسلمينَ هل تفهمونَ مِنْ قولِ اللهِ ورسولهِ «إنَّ الله في السَّماء» أنَّ السَّماءَ تحويهِ لبادرَ كلُّ واحدٍ منهم إلى أنْ يقولَ: هذا شيءٌ لعلَّهُ لمْ يخطرْ ببالنَا.
وإذا كانَ الأمرُ هكذا: فَمِنَ التكلُّفِ أنْ يُجعلَ ظاهرُ اللَّفظِ شيئًا محالًا لا يفهمهُ النَّاسُ منهُ، ثمَّ يريدُ أنْ يتأوَّلهُ، بلْ عندَ النَّاسِ «إنَّ الله في السَّماء» «وهو على العرشِ» واحدٌ، إذِ السَّماءُ إنَّما يرادُ بهِ العلوُّ، وكلُّ مَا علا فهوَ سماء. يقال: سما، يسمو، سموًّا، أي: علا، يعلو، علوًّا.
فإذا قيلَ: نزلَ المطرُ مِنَ السَّماءِ، كانَ نزولهُ مِنَ السَّحابِ.
وإذا قيلَ: العرشُ والجنَّةُ في السَّماءِ، لا يلزمُ منْ ذلكَ أنْ يكونَ العرشُ داخلَ السَّمواتِ، بلْ ولا الجنَّةِ.
و السَّلفُ والأئمَّةُ وسائرُ علماءِ السُّنَّةِ إذا قالوا: «اللهُ في السَّمَاءِ»، فالمرادُ بالسَّماءِ ما فوقَ المخلوقاتِ كلِّها، والمعنى: أنَّ اللهَ في العلوِّ لا في السُّفلِ، وهوَ العليُّ الأعلى، فله أعْلى العلوِّ، وهوَ مَا فوقَ العرشِ، وليسَ هناكَ غيرهُ - العليُّ الأعلى سبحانه وتعالى - «لا يقولونَ إنَّ هناك شيئًا يحويهِ أو يحصرهُ، أو يكونُ محلًا لهُ أو ظرفًا ووعاءً سبحانه وتعالى عنْ ذلكَ بلْ هوَ فوقَ كلِّ شيءٍ، وهو مستغنٍ عنْ كلِّ شيءٍ وكلُّ شيءٍ مفتقرٌ إليهِ، وهو عالٍ على كلِّ شيءٍ، وهو الحاملُ للعرشِ ولحملةِ العرشِ بقوَّتهِ وقدرتهِ، وكلُّ مخلوقٍ مفتقرٌ إليه وهو غنيٌّ عَنِ العرشِ وعنْ كلِّ مخلوقٍ»[441]. فأمَّا أنْ يكونَ في جوفِ السمواتِ فليسَ هذا قولُ أهلِ الإثباتِ، أهلِ العلمِ والسنَّةِ، ومنْ قالَ بذلكَ فهو جاهلٌ، كمنْ يقولُ: إنَّ اللهَ ينزلُ ويبقى العرشُ فوقَهُ، أو يقولُ: إنَّهُ يحصرهُ شيءٌ منْ مخلوقاتهِ، فهؤلاءِ ضُلَّالٌ: كما أنَّ أهلَ النَّفيِ ضُلَّالٌ[442].
قال شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميَّة رحمه الله: وليس معنى قولهِ: {وَهُوَ مَعَكُمْ} [الحديد: 4] أنَّهُ مختلطٌ بالخلقِ؛ فإنَّ هذا لا توجبهُ اللُّغةُ، وهو خلافُ ما أجمعَ عليهِ سلفُ الأمَّةِ، وخلافُ ما فطرَ الله عليهِ الخلقَ، بلِ القمرُ آيةٌ منْ آياتِ الله منْ أصغرِ مخلوقاتهِ، وهوَ موضوعٌ في السَّماء، وهوَ مَعَ المسافرِ وغيرِ المسافرِ أينمَا كانَ.
وهوَ سبحانهُ فَوْقَ عَرْشِهِ، رقيبٌ على خلقهِ، مهيمنٌ عليهمْ، مطَّلعٌ عليهم... إلى غيرِ ذلكَ منْ معاني ربوبِيَّتهِ.
وكلُّ هذا الكـلام الذي ذكـرهُ الله - من أنَّه فوق العرشِ وأنَّهُ معنا - حقٌّ على حقيقتهِ، لا يحتاجُ إلى تحريفٍ، ولكنْ يصانُ عَنِ الظُّنونِ الكاذبةِ، مثلَ أنْ يُظنَّ أنَّ ظاهرَ قولهِ: {فِي السَّمَاءِ} [الملك: 14]، أنَّ السَّماءَ تظلُّهُ أو تقلُّهُ، وهذا باطلٌ بإجماعِ أهلِ العلمِ والإيمانِ؛ فإنَّ الله قدْ وسعَ كرسيُّهُ السَّماواتِ والأرضَ، وهوَ يمسكُ السَّماواتِ والأرضَ أنْ تزولا، ويمسكُ السَّماءَ أنْ تقعَ على الأرضِ، إلَّا بإذنهِ، ومنْ آياتهِ أنْ تقومَ السَّماءُ والأرضُ بأمرهِ[443].
فمنْ يمسكُ السَّمواتِ والأرضَ؟ وبأمرهِ تقومُ السَّماءُ والأرضُ، وهوَ الذي يمسكهما أنْ تزولا، أيكونُ محتاجًا إليهما مفتقرًا إليهما؟.
وإذا كان المسلمونَ يكفِّرونَ منْ يقولُ: إنَّ السَّمواتِ تقلُّهُ أو تظلُّهُ؛ لما في ذلكَ من احتياجهِ إلى مخلوقاتهِ، فمنْ قالَ: إنَّهُ في استوائهِ على العرشِ محتاجٌ إلى العرشِ كاحتياجِ المحمولِ إلى حاملهِ فإنَّهُ كافرٌ؟ لأنَّ الله غنيٌّ عَنِ العالمينَ حيٌّ قيُّومٌ، هو الغنيُّ المطلقُ وما سواهُ فقيرٌ إليهِ. فكيفَ بمنْ يقولُ إنَّهُ مفتقرٌ إلى السَّمواتِ والأرضِ؟ فأينَ حاجتهُ في الحملِ إلى العرشِ، منْ حاجةِ ذاتهِ إلى ما هو دونَ العرشِ[444]؟!
فكيفَ يُتوهَّمُ بعدَ هذا أنَّ خلقًا يحصرهُ ويحويهِ؟! وقدْ قالَ سبحانهُ: {وَلأَُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} [طه: 71]، أي «على جذوعِ النَّخلِ» {فَسِيرُوا فِي الأَرْضِ} [آل عمران: 137]، بمعنى «على الأرضِ» ونحو ذلكَ، وهوَ كلامٌ عربيٌّ حقيقةً لا مجازًا وهذا يعلمهُ منْ عرفَ حقائقَ معاني الحروفِ، وأنَّها متواطئةٌ في الغالبِ لا مشتركةٌ[445].
لَوْ كانَ اللهُ فِي السَّمَاءِ لكانَ محصورًا.
هؤلاءِ النُّفاةِ يوهمونَ عامَّةَ المسلمينَ أنَّ مقصودَهم تنزيهُ الله عنْ أنْ يكونَ محصورًا في بعضِ المخلوقاتِ، [أو مفتقرًا إلى مخلوق]، ويفترونَ الكذبَ على أهلِ الإثباتِ أنَّهم يقولونَ ذلكَ، كقولِ بعضهم أنَّهم يقولونَ إنَّ الله في جوفِ السَّمواتِ، إلى أمثالِ هذهِ الأكاذيبِ التي يفترونها على أهلِ الإثباتِ، فيخدعونَ بذلكَ جهَّالَ النَّاسِ، فإذا وقعَ الاستفصالُ والاستفسارُ، انكشفتِ الأسرارُ، وتبيَّنَ الليلُ مِنَ النَّهارِ، وتميَّزَ أهلُ الإيمانِ واليقينِ منْ أهلِ النِّفاقِ المُدَلِّسِينَ، الذين لَبَّسُوا الحقَّ بالباطلِ، وكتموا الحقَّ وهمْ يعلمون[440].
والردُّ على الشبهةِ المذكورةِ أنْ يقالَ:
من توهَّمَ أنَّ كونَ اللهِ في السَّمَاءِ بمعنى أنَّ السَّمَاءَ تحيطُ بهِ وتحويهِ فهوَ كاذبٌ - إنْ نقلهُ عنْ غيرهِ - وضالٌّ - إن اعتقدهُ في ربِّهِ - ومَا سمعنا أحدًا يفهمُ هذا مِنَ اللَّفظِ، ولا رأينَا أحدًا نقلهُ عنْ واحدٍ، ولوْ سئلَ سائرُ المسلمينَ هل تفهمونَ مِنْ قولِ اللهِ ورسولهِ «إنَّ الله في السَّماء» أنَّ السَّماءَ تحويهِ لبادرَ كلُّ واحدٍ منهم إلى أنْ يقولَ: هذا شيءٌ لعلَّهُ لمْ يخطرْ ببالنَا.
وإذا كانَ الأمرُ هكذا: فَمِنَ التكلُّفِ أنْ يُجعلَ ظاهرُ اللَّفظِ شيئًا محالًا لا يفهمهُ النَّاسُ منهُ، ثمَّ يريدُ أنْ يتأوَّلهُ، بلْ عندَ النَّاسِ «إنَّ الله في السَّماء» «وهو على العرشِ» واحدٌ، إذِ السَّماءُ إنَّما يرادُ بهِ العلوُّ، وكلُّ مَا علا فهوَ سماء. يقال: سما، يسمو، سموًّا، أي: علا، يعلو، علوًّا.
فإذا قيلَ: نزلَ المطرُ مِنَ السَّماءِ، كانَ نزولهُ مِنَ السَّحابِ.
وإذا قيلَ: العرشُ والجنَّةُ في السَّماءِ، لا يلزمُ منْ ذلكَ أنْ يكونَ العرشُ داخلَ السَّمواتِ، بلْ ولا الجنَّةِ.
و السَّلفُ والأئمَّةُ وسائرُ علماءِ السُّنَّةِ إذا قالوا: «اللهُ في السَّمَاءِ»، فالمرادُ بالسَّماءِ ما فوقَ المخلوقاتِ كلِّها، والمعنى: أنَّ اللهَ في العلوِّ لا في السُّفلِ، وهوَ العليُّ الأعلى، فله أعْلى العلوِّ، وهوَ مَا فوقَ العرشِ، وليسَ هناكَ غيرهُ - العليُّ الأعلى سبحانه وتعالى - «لا يقولونَ إنَّ هناك شيئًا يحويهِ أو يحصرهُ، أو يكونُ محلًا لهُ أو ظرفًا ووعاءً سبحانه وتعالى عنْ ذلكَ بلْ هوَ فوقَ كلِّ شيءٍ، وهو مستغنٍ عنْ كلِّ شيءٍ وكلُّ شيءٍ مفتقرٌ إليهِ، وهو عالٍ على كلِّ شيءٍ، وهو الحاملُ للعرشِ ولحملةِ العرشِ بقوَّتهِ وقدرتهِ، وكلُّ مخلوقٍ مفتقرٌ إليه وهو غنيٌّ عَنِ العرشِ وعنْ كلِّ مخلوقٍ»[441]. فأمَّا أنْ يكونَ في جوفِ السمواتِ فليسَ هذا قولُ أهلِ الإثباتِ، أهلِ العلمِ والسنَّةِ، ومنْ قالَ بذلكَ فهو جاهلٌ، كمنْ يقولُ: إنَّ اللهَ ينزلُ ويبقى العرشُ فوقَهُ، أو يقولُ: إنَّهُ يحصرهُ شيءٌ منْ مخلوقاتهِ، فهؤلاءِ ضُلَّالٌ: كما أنَّ أهلَ النَّفيِ ضُلَّالٌ[442].
قال شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميَّة رحمه الله: وليس معنى قولهِ: {وَهُوَ مَعَكُمْ} [الحديد: 4] أنَّهُ مختلطٌ بالخلقِ؛ فإنَّ هذا لا توجبهُ اللُّغةُ، وهو خلافُ ما أجمعَ عليهِ سلفُ الأمَّةِ، وخلافُ ما فطرَ الله عليهِ الخلقَ، بلِ القمرُ آيةٌ منْ آياتِ الله منْ أصغرِ مخلوقاتهِ، وهوَ موضوعٌ في السَّماء، وهوَ مَعَ المسافرِ وغيرِ المسافرِ أينمَا كانَ.
وهوَ سبحانهُ فَوْقَ عَرْشِهِ، رقيبٌ على خلقهِ، مهيمنٌ عليهمْ، مطَّلعٌ عليهم... إلى غيرِ ذلكَ منْ معاني ربوبِيَّتهِ.
وكلُّ هذا الكـلام الذي ذكـرهُ الله - من أنَّه فوق العرشِ وأنَّهُ معنا - حقٌّ على حقيقتهِ، لا يحتاجُ إلى تحريفٍ، ولكنْ يصانُ عَنِ الظُّنونِ الكاذبةِ، مثلَ أنْ يُظنَّ أنَّ ظاهرَ قولهِ: {فِي السَّمَاءِ} [الملك: 14]، أنَّ السَّماءَ تظلُّهُ أو تقلُّهُ، وهذا باطلٌ بإجماعِ أهلِ العلمِ والإيمانِ؛ فإنَّ الله قدْ وسعَ كرسيُّهُ السَّماواتِ والأرضَ، وهوَ يمسكُ السَّماواتِ والأرضَ أنْ تزولا، ويمسكُ السَّماءَ أنْ تقعَ على الأرضِ، إلَّا بإذنهِ، ومنْ آياتهِ أنْ تقومَ السَّماءُ والأرضُ بأمرهِ[443].
فمنْ يمسكُ السَّمواتِ والأرضَ؟ وبأمرهِ تقومُ السَّماءُ والأرضُ، وهوَ الذي يمسكهما أنْ تزولا، أيكونُ محتاجًا إليهما مفتقرًا إليهما؟.
وإذا كان المسلمونَ يكفِّرونَ منْ يقولُ: إنَّ السَّمواتِ تقلُّهُ أو تظلُّهُ؛ لما في ذلكَ من احتياجهِ إلى مخلوقاتهِ، فمنْ قالَ: إنَّهُ في استوائهِ على العرشِ محتاجٌ إلى العرشِ كاحتياجِ المحمولِ إلى حاملهِ فإنَّهُ كافرٌ؟ لأنَّ الله غنيٌّ عَنِ العالمينَ حيٌّ قيُّومٌ، هو الغنيُّ المطلقُ وما سواهُ فقيرٌ إليهِ. فكيفَ بمنْ يقولُ إنَّهُ مفتقرٌ إلى السَّمواتِ والأرضِ؟ فأينَ حاجتهُ في الحملِ إلى العرشِ، منْ حاجةِ ذاتهِ إلى ما هو دونَ العرشِ[444]؟!
فكيفَ يُتوهَّمُ بعدَ هذا أنَّ خلقًا يحصرهُ ويحويهِ؟! وقدْ قالَ سبحانهُ: {وَلأَُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} [طه: 71]، أي «على جذوعِ النَّخلِ» {فَسِيرُوا فِي الأَرْضِ} [آل عمران: 137]، بمعنى «على الأرضِ» ونحو ذلكَ، وهوَ كلامٌ عربيٌّ حقيقةً لا مجازًا وهذا يعلمهُ منْ عرفَ حقائقَ معاني الحروفِ، وأنَّها متواطئةٌ في الغالبِ لا مشتركةٌ[445].
0 comments:
إرسال تعليق