التفويض في الصفات وحقيقة مذهب السلف
بعيدا عن التزوير والتمويهات
( الجزء الأول : المبحث التأصيلي )
الحمد لله الذي مَنّ على هذه الأمة بخير صحب ، وحفظ بهم دينه لمن أقبل عليه ورغب ، وجعل السلامة والعافية في ركبهم آمَنِ رَكْب .
والصلاة والسلام على نبيه وخليله محمد ، أشرفِ وأطهرِ من دعا وأرشد وخطب .
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ما قام طِرْف وأكرم وحيا ورحّب .
أما بعد :
فهذا هو الجزء الأول من مبحث التفويض الذي عكفت على تحضيره منذ أشهر ، وقد اعترضتْني فيه عدة مشاغل أخّرتْه عن النشر ، ولا زالت بعض المشاغل تعترضني ، منها سفري في هذا اليوم راجعا إلي بلدي .
فرأيت أن أستعجل بإخراج ما هو شبه جاهز منه حرصا والله على الفائدة لما يستقبلني من أمر الانشغال بأهلي وانتقالي إلى مسكن غير الذي كنت أسكنه قبل السفر .
فرأيت أن أطرح في هذا الموقع المبارك ما اقترب من التمام من الجزء الأول مع مراجعتي له مراجعة غير دقيقة ومع بقاء جزء مهم متمم سألحقه بهذا الجزء لاحقا بإذن الله
وهذا الجزء الأول يمثل مقدمة في الرد على أهل التفويض وجعلتها مقدمة تأصيلية وسيعقبه الجزء الثاني وهو مبحث جدلي في كشف تحريفات وتزويرات صاحب كتاب :
" القول التمام بإثبات التفويض مذهبا للسلف الكرام "
ذلكم الكتاب الذي تمالأ فيه جماعة من المنتسبين إلى العلم على مذهب أهل السنة والجماعة المتبعين للسلف الصالح من سلف هذه الأمة وغمزوا بهم ولمزوا وطعنوا وسفهوا وحرصوا على تشويه الحق الذي عليه هذه الطائفة ولا أريد الآن أن استعجل في كشف هذا ولا أن أكثر من الدعاوى .
لكني أُعْلِم من لم يطلع على هذا الكتاب أو من اطلع عليه ممن لم يدرس هذا الباب حق الدراسة أن الكتاب المذكور والله وتالله وبالله لَمِنَ الهزالة والضعف والبعد عن أصول العلم ما يستغربه كل صاحب علم وبصيرة !!
ولأجل هزالته فضلت أن أُأَخر نقده ، لأنه سيصرفني عن أصل الموضوع لكثرة ما اشتمل عليه من خلط علمي سيء ، وفضلت أن أشتغل بأصل الموضوع فهذا أقرب للصدق في النقد وأنفع بلا شك للخلق ، ولأنه من تقديم ما حقه التقديم ولن يصرفني عن تحضير الجزء الثاني وهو الخاص بملاحقة هذه الطائفة المخالفة للحق إلا قدر رب العالمين .
لا أريد أن أطيل بهذه المقدمة فلقد أزف الترحل وضاق بي الوقت جدا لكني أنبه إلى أن فصلا من أهم فصول هذا الجزء التأصيلي يكاد يجهز سأتبع إلحاقه به وهو يتعلق بتحديد معاني الصفات وضوابطها ، إضافة إلى مادة طيبة من أقوال السلف وأهل العلم فاتني إضافتها للفصول المثبتة في هذا الجزء سألحقها في فرصة قريبة بإذن الله
وأعتذر للقارئ على هذا الاستعجال الذي حرمني ترتيب هذا الجزء والتدقيق في إخراجه لكني أعده بفعل هذا قريبا بإذن الله
قبل الولوج أذكر بخلاصة مذهب السلف في الصفات :
فهم يثبتون من صفات الله كل ما جاءت به نصوص الكتاب والسنة لا يفرقون بين صفات دون صفات فكل ما جاءت به النصوص من ذلك فهو مثبت عندهم إثباتا حقيقيا صادقا لا كذب فيه ولا تمويه من غير تحريف أو تأويل أو تعطيل ومن غير تشبيه أو تكييف أو تمثيل
فهم يثبتون كل صفة بمعناها الظاهر من النص وعلى ما يتبادر منها من فهمٍ في لغة العرب
فالمعنى لغة هو المفهوم من ظاهرِ اللفظِ والذي تصِلُ إليه بغيرِ واسِطَة
كما عرفه المتخصصون من أهل العلم .
ولتتضح هذه الخلاصة أقول :
الإثبات هو :
ـ اعتقاد أن ظاهرها مراد
ـ اعتقاد أن الصفة المذكورة في ظاهر اللفظ هي على حقيقتها وهذا توضيح للفقرة السابقة
ـ اعتقاد أن معناها الظاهر معلوم لنا .
ـ اعتقاد أن لها كيفية وإن جهلناها
وباختصار نحن نثبت أي معنى للصفات جاءت به النصوص أو جاء عن السلف ولو كان بعضا من معنى الصفة
أما التكييف فهو وصف دقيق أو مفصل أو تام للصفة .
والتشبيه هو وصف للموصوف بصفة الغير إجمالا
والتمثيل هو وصف للموصوف بصفة الغير تفصيلا
والتعطيل نفي حقيقة الصفات المثبتة في النصوص عن الله
أما مباحث هذا الجزء فهي كالتالي :
ـ تقرير السلف لمبدإ إثبات معاني الصفات المنافي لتفويضها .
ـ تطبيقات الصحابة في ذلك
ـ تطبيقات التابعين في ذلك
ـ تطبيقات بقية السلف في ذلك
ـ تطبيقات أئمة أهل السنة السائرين على ما كان عليه السلف
ـ فصل في الكيف وما ورد عن السلف فيه
ـ فصل في الحد وما ورد فيه
ـ فصل فيما تعلّق به من نسب التفويض إلى السلف
لم يبق لي وقت أسأل الله التوفيق والسداد والحفظ والإعانة وأسأله الإخلاص في القول والعمل إنه ولي ذلك والقادر عليه
تقرير السلف لمبدإ إثبات معاني الصفات المنافي لتفويضها .
سأبدأ بأقوال السلف فمن بعدهم الخاصة بإثبات المعاني التي تبين موقفهم من الصفات عموما بما فيها الصفات الخبرية دون تطبيقاتهم على صفات معينة فذلك باب أوسع وهو وجه آخر يبين موقف السلف من إثبات المعاني سيلي هذا الوجه .
وسأقتصر بإذن الله على الصريح وما في حكمه تاركا العشرات من مقالاتهم الدالة على ذلك بسبب شدة عناد المخالف الذي يستغل في إبطالها كل سبيل ولو كان مناف للمروءة العلمية ومصداقية العلم
مع أن مجموع ما يجيبون عنه لا يحتمل أجوبة القوم
لكني هنا سأقتصر كما ذكرت على الصريح وما في حكمه
ـ الإمام مالك بن أنس إمام دار الهجرة
قال الإمام أبوبكر بن العربي المالكي الأشعري معترفا كما في شرحه على الترمذي المسمى بعارضة الأحوذي :
" وذهب مالك رحمه الله أن كل حديث منها ـ أي أحاديث الصفات ـ معلوم المعنى ولذلك قال للذي سأله : الاستواء معلوم والكيفية مجهولة " ا.هـ
عارضة الأحوذي (3/166)
ما أظن أنه بقي مجال لمن اعتدنا منهم العناد على منوال ( عنزة ولو طارت )
وقال الإمام المفسر القرطبي المالكي الأشعري في تفسيره ( 7/140-141 ) :
" وَقَدْ كَانَ السَّلَف الْأُوَل رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ لَا يَقُولُونَ بِنَفْيِ الْجِهَة وَلَا يَنْطِقُونَ بِذَلِكَ , بَلْ نَطَقُوا هُمْ وَالْكَافَّة بِإِثْبَاتِهَا لِلَّهِ تَعَالَى كَمَا نَطَقَ كِتَابه وَأَخْبَرَتْ رُسُله .
وَلَمْ يُنْكِر أَحَد مِنْ السَّلَف الصَّالِح أَنَّهُ اِسْتَوَى عَلَى عَرْشه حَقِيقَة . وَخُصَّ الْعَرْش بِذَلِكَ لِأَنَّهُ أَعْظَم مَخْلُوقَاته , وَإِنَّمَا جَهِلُوا كَيْفِيَّة الِاسْتِوَاء فَإِنَّهُ لَا تُعْلَم حَقِيقَته . قَالَ مَالِك رَحِمَهُ اللَّه : الِاسْتِوَاء مَعْلُوم - يَعْنِي فِي اللُّغَة - وَالْكَيْفَ مَجْهُول , وَالسُّؤَال عَنْ هَذَا بِدْعَة " ا.هـ
وقوله : " يعني في اللغة " هو من كلام القرطبي وموافق لنفس ما ذكره ابن العربي وهما أشعريان فماذا عسى أن يقول المخالف
وقال العلامة الملا عليّ القاري في المرقاة عند دفاعه عن الإمامين ابن القيم رحمه الله وشيخه شيخ الإسلام فقال ما نصه :
" ومن طالع شرح منازل السائرين لنديم الباري الشيخ عبد الله الأنصاري الحنبلي قدس الله تعالى سره الجلي ، تبين له أنهما كانا من أهل السنة والجماعة ، بل ومن أولياء هذه الأمة ، ومما ذكر في الشرح المذكور ما نصه على وفق المسطور هو قوله على بعض عبارة المنازل ... ما نصه :
" أن حفظه حرمة نصوص الأسماء والصفات بإجراء أخبارها على ظواهرها ، وهو اعتقاد مفهومها المتبادر إلى أفهام العامة ولا نعني بالعامة الجهال بل عامة الأمة .
كما قال مالك رحمه الله وقد سئل عن قوله تعالى الرحمن على العرش استوى طه : كيف استوى ؟
فأطرق مالك رأسه حتى علاه الرحضاء ثم قال :
" الاستواء معلوم ، والكيف غير معقول ، والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة "
فرق بين المعنى المعلوم من هذه اللفظة وبين الكيف الذي لا يعقله البشر وهذا الجواب من مالك رحمه الله شاف عام في جميع مسائل الصفات من السمع والبصر والعلم والحياة والقدرة والإرادة والنزول والغضب والرحمة والضحك ، فمعانيها كلها معلومة وأما كيفيتها فغير معقولة ... قال القاري عند نهاية كلام ابن القيم :
انتهى كلامه وتبين مرامه ، وظهر أن معتقده موافق لأهل الحق من السلف وجمهور الخلف فالطعن والتشنيع والتقبيح الفظيع غير موجه عليه ولا متوجه إليه فإن كلامه بعينه مطابق لما قاله الإمام الأعظم والمجتهد الأقدم في فقهه الأكبر " ا.هـ
فها هو الإمام القاري نقل كلام الإمام ابن القيم وهو يشرح عبارة مالك مقرا محتجا بما يتفق تماما مع كلام ابن العربي والقرطبي
وأنا لا أحتج بهذا في بيان مذهب ملا القارئ فإنه كان مضطرب المذهب وإنما الاحتجاج بفهمه لعبارة مالك الموافق لكلام ابن العربي والقرطبي
وقال الشيخ العلامة محمد الأمين الشنقيطي المالكي :
" أما المعاني فهي معروفة عند العرب كما قال الإمام مالك بن أنس -رحمه الله-: " الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والسؤال عنه بدعة "
كذلك يقال في النزول: النزول غير مجهول، والكيف غير معقول، والسؤال عنه بدعة، واطّرده في جميع الصفات؛ لأنَّ هذه الصفات معروفة عند العرب، إلاّ أنَّ ما وصف به خالق السموات والأرض منها أكمل وأجلّ وأعظم من أن يشبه شيئاً من صفات المخلوقين، كما أنَّ ذات الخالق -جلّ وعلا- حق والمخلوقون لهم ذوات، وذات الخالق -جلّ وعلا- أكمل وأنزه وأجلّ من أن تشبه شيئاً من ذوات المخلوقين" ا.هـ
وعبارة مالك ظاهرة كما شرحها هؤلاء العلماء وجلهم مالكية ، وجلهم أشاعرة ، وليسوا وهابيين ولا تيميين !! حتى لا يتذرع من اعتاد التهرب من مذاهب أهل العلم تحت شعارات تشويهية باطلة .
وما ذكروه ظاهر من عبارته ومنسجم مع المعروف من مذهبه ولولا ضيق المقام لشرحت هذا الانسجام .
وما سبق ذكره ظاهر لمن نظر في الأثر بعيدا عن التعصب والتكلف ولعلي أضيف ما يؤكد هذا
فالأثر قدروي بألفظ أصحها :
" جاء رجل فقال : يا أبا عبد الله ? الرَّحْمَنُ عَلَى العَرْشِ اسْتَوَى ? فكيف استوى ؟
قال : فأطرق مالك رأسه حتى علاه الرحضاء ثم قال :
" الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة، وما أراك إلاّ مبتدعاً. فأمر به أن يُخرج " ا.هـ
، ومما جاء من ألفاظ الأثر ما يوضح مراد مالك التالي :
قال الحافظ ابن عبد البر -رحمه الله-: أخبرنا أبو محمد عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن ...
عن سريج بن النعمان ، قال : حدّثنا عبد الله بن نافع ، قال : قال مالك بن أنس : " الله في السماء وعلمه في كلِّ مكان، لا يخلو منه مكان، قال : وقيل لمالك : الرَّحْمَنُ عَلَى العَرْشِ اسْتَوَى ? كيف استوى؟، فقال مالك -رحمه الله-: استواؤه معقول، وكيفيته مجهولة، وسؤالك عن هذا بدعة، وأراك رجل سوء " .
قال القاضي عياض :
" قال أبو طالب المكي :
كان مالك -رحمه الله- أبعدَ الناس من مذاهب المتكلِّمين، وأشدَّهم بُغضاً للعراقيين، وألزَمَهم لسنة السالفين من الصحابة والتابعين .
قال سفيان بن عيينة : سأل رجلٌ مالكاً فقال: ? الرَّحْمَنُ عَلَى العَرْشِ اسْتَوَى ? كيف استوى يا أبا عبد الله؟، فسكت مالكٌ مليًّا حتى علاه الرحضاء، وما رأينا مالكاً وجد من شيء وجده من مقالته، وجعل الناس ينظرون ما يأمر به، ثمَّ سُريَّ عنه فقال :
" الاستواء منه معلوم، والكيف منه غير معقول، والسؤال عن هذا بدعة، والإيمان به واجب، وإني لأظنُّك ضالاًّ، أخرجوه " .
قال الحافظ ابن عبد البر -رحمه الله-: وأخبرنا محمد بن عبد الملك... من طريق مهدي بن جعفر، ثم قال :
قال بقي : وحدّثنا أيوب بن صلاح المخزومي بالرملة، قال :
" كنا عند مالك إذ جاءه عراقي فقال له :
يا أبا عبد الله مسألة أريد أن أسألك عنها ؟، فطأطأ مالك رأسه فقال له : يا أبا عبدالله ? الرَّحْمَنُ عَلَى العَرْشِ اسْتَوَى ? كيف استوى ؟، قال : سألتَ عن غير مجهول، وتكلّمت في غير معقول، إنّك امرؤ سوء، أخرِجوه، فأخذوا بضبعيه فأخرجوه " .
وقال ابن رشد في البيان والتحصيل :
" قال سحنون :
أخبرني بعض أصحاب مالك أنَّه كان قاعداً عند مالك فأتاه رجل فقال: " يا أبا عبد الله مسألة ؟ ، فسكت عنه ثم قال له : مسألة ؟، فسكت عنه، ثم عاد فرفع إليه مالك رأسَه كالمجيب له .
فقال السائل : يا أبا عبد الله: ? الرَّحْمَنُ عَلَى العَرْشِ اسْتَوَى ?، كيف كان استواؤه؟ فطأطأ مالك رأسَه ساعة ثم رفعه، فقال: (( سألتَ عن غير مجهول، وتكلّمتَ في غير معقول، ولا أراك إلاَّ امرأ سوء، أَخرِجوه .
هذه مجمل الروايات التي جاءت بمعنى متقارب وأحدها صريح لا يحتمل تكلف المخالف وهو قوله :
" الاستواء معقول "
فلا يصلح حمله على اللفظ وحده بل هو نص في المعنى ، وباعتبارها إحدى روايات الأثر التي روت معناه وليست هي الأصح لكنها بمعنى الرواية الأصح فالاستدلال بها لا يرفضه من كان صادقا في طلب مراد مالك وهي أولى من تكلف المخالف
ثم الرواية الأصح وهي قوله " غير مجهول " لا يليق حملها على اللفظ لأنها خرجت جوابا عن مسؤول به وهو اللفظ لمسؤول عنه وهو الكيف فلا يكون المسؤول به نفسه جوابا وإلا كان أقرب إلى اللغو وهذا ليس من طبيعة الأجوبة عادة ، فضلا عن الأجوبة العلمية ، فضلا عن أجوبة كبار العلماء .
فحمله عليه خلاف الطبيعي وخلاف الأصل .
ولو كان لفظ الاستواء ( مجرد اللفظ ) هو المعْنِي في جواب مالك بقوله : " غير مجهول " كما يدعي المخالف :
ـ لما عبر مالك بهذا التعبير ولقال مالك مثلا : " الاستواء مذكور " أو نحو هذا ، وما احتاج إلى أسلوب النفي " غير مجهول " ! الذي يلجأ إليه من بحاجة إلى تقرير مراد فيه نوع بعد
ـ وما احتاج لنفي ما هو منتف اتفاقا وهو الجهل باللفظ وقد جاء في نص السؤال
ـ وما احتاج مالك لنفي ما لا معنى لنفيه !!
فقوله : " غير مجهول " ظاهره : أن المقصود بهذا أمر معروف وإن لم يُذكر ولم يفصح عنه ، لكونه معروفا وهذا ممتنع في مجرد اللفظ
ورواية : " سألت عن غير مجهول " لا تحتمل ذلك التكلف لأنها بينت أن الغير مجهول في عبارة مالك ليس مجرد لفظ الاستواء لقوله : " سألتَ " وبالاتفاق السائل لم يسأل عن مجرد اللفظ !
والجدير بالذكر ختاما ما يلي :
ـ أننا لم نختلف مع عامة مخالفينا في صحة الأثر إلا من شذ منهم وهذا الطرف الشاذ يعكس لك ما يخفيه بعضهم من الشعور بأن معناه ضدهم لكنه يخفيه
ـ كما أننا لم نختلف في قوله : " والكيف مجهول أو غير معقول " وأنه يدل على تفويضه للكيف
ـ كما أننا لا نختلف في أن مالكا لم يتعرض في الأثر لتفويض شيء آخر إلا الكيف
ـ وإنما خلافنا يكاد ينحصر في قوله : " الإستواء غير مجهول " أو الاستواء معلوم " أو الإستواء معقول "
وأظن أن الصواب في عبارة مالك واضح ظاهر لا يحتاج إلى تحكم وتكلف ومعَنا فيما نقول به ظاهر لفظ مالك نفسه ، واعتراف من علمائهم وروايات بالمعنى وماذا يطلبون أكثر من هذا ؟
ـ الإمام إسحاق بن راهويه من كبار أئمة السنة :
قال أَبُو الشَّيْخِ الْأَصْبَهَانِيُّ فِي كِتَابِ السُّنَّةِ لَهُ قَالَ :
وَفِيمَا أَجَازَنِي جَدِّي رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ : قَالَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ :
إنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَصَفَ نَفْسَهُ مِنْ كِتَابِهِ بِصِفَاتٍ اسْتَغْنَى الْخَلْقُ كُلُّهُمْ عَنْ أَنْ يَصِفُوهُ بِغَيْرِ مَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ وَأَجَلَّهُ فِي كِتَابِهِ , فَإِنَّمَا فَسَّرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعْنَى إرَادَةِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى
قَالَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ حَيْثُ ذَكَرَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ , فَقَالَ : { تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِك } وَقَالَ فِي مُحْكَمِ كِتَابِهِ : { فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ } , { وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ }, وَقَالَ : { بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ } وَقَالَ : { يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ } . وَقَالَ : { خَلَقْت بِيَدَيَّ } وَقَالَ فِي آيَاتٍ كَثِيرَةٍ { وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ } وَقَالَ : { وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي } وَكُلُّ مَا وَصَفَ اللَّهُ بِهِ نَفْسَهُ مِنْ الصِّفَاتِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا مِمَّا هِيَ مَوْجُودَةٌ فِي الْقُرْآنِ , وَمَا لَمْ نَذْكُرْ فَهُوَ كَمَا ذُكِرَ .
وَإِنَّمَا يَلْزَمُ الْعِبَادَ الِاسْتِسْلَامُ لِذَلِكَ وَالتَّعَبُّدُ لَا نُزِيلُ صِفَةً مِمَّا وَصَفَ اللَّهُ بِهِ نَفْسَهُ أَوْ وَصَفَ الرَّسُولُ عَنْ جِهَتِهِ لَا بِكَلَامٍ وَلَا بِإِرَادَةٍ , وَإِنَّمَا يَلْزَمُ الْمُسْلِمَ الْأَدَاءُ وَيُوقِنُ بِقَلْبِهِ أَنَّ مَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ فِي الْقُرْآنِ إنَّمَا هِيَ صِفَاتُهُ , وَلَا يَعْقِلُ نَبِيٌّ مُرْسَلٌ وَلَا مَلَكٌ مُقَرَّبٌ تِلْكَ الصِّفَاتِ إلَّا بِالْأَسْمَاءِ الَّتِي عَرَّفَهُمْ الرَّبُّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى , فَأَمَّا أَنْ يُدْرِكَ أَحَدٌ مِنْ بَنِي آدَمَ مَعْنَى تِلْكَ الصِّفَاتِ فَلَا يُدْرِكُهُ أَحَدٌ . وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إنَّمَا وَصَفَ مِنْ صِفَاتِهِ قَدْرَ مَا تَحْتَمِلُهُ عُقُولُ ذَوِي الْأَلْبَابِ . لِيَكُونَ إيمَانُهُمْ بِذَلِكَ وَمَعْرِفَتُهُمْ بِأَنَّهُ الْمَوْصُوفُ بِمَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ وَلَا يَعْقِلُ أَحَدٌ مُنْتَهَاهُ وَلَا مُنْتَهَى صِفَاتِهِ , وَإِنَّمَا يَلْزَمُ الْمُسْلِمَ أَنْ يُثْبِتَ مَعْرِفَةَ صِفَاتِ اللَّهِ بِالْإِتْبَاعِ وَالِاسْتِسْلَامِ كَمَا جَاءَ , فَمَنْ جَهِلَ مَعْرِفَةَ ذَلِكَ حَتَّى يَقُولَ إنَّمَا أَصِفُ مَا قَالَ اللَّهُ وَلَا أَدْرِي مَا مَعَانِي ذَلِكَ حَتَّى يُفْضِيَ إلَى أَنْ يَقُولَ بِمَعْنَى قَوْلِ الْجَهْمِيَّةِ يَدٌ نِعْمَةٌ وَيَحْتَجْ بِقَوْلِهِ أَيْدِينَا أَنْعَامًا وَنَحْوَ ذَلِكَ , فَقَدْ ضَلَّ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ . هَذَا مَحْضُ كَلَامِ الْجَهْمِيَّةِ حَيْثُ يُؤْمِنُونَ بِجَمِيعِ مَا وَصَفْنَا مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ , ثُمَّ يُحَرِّفُونَ مَعْنَى الصِّفَاتِ عَنْ جِهَتِهَا الَّتِي وَصَفَ اللَّهُ بِهَا نَفْسَهُ , حَتَّى يَقُولُوا مَعْنَى السَّمِيعِ هُوَ الْبَصِيرُ وَمَعْنَى الْبَصِيرِ هُوَ السَّمِيعُ , وَيَجْعَلُونَ الْيَدَ يَدَ نِعْمَةٍ وَأَشْبَاهَ ذَلِكَ يُحَرِّفُونَهَا عَنْ جِهَتِهَا لِأَنَّهُمْ هُمْ الْمُعَطِّلَةُ .
ساقه بحروفه من كتاب السنة لأبي الشيخ الأصبهاني شيخُ الإسلام كما في الفتاوى الكبرى له
ونقل طرفا منه موافقا ما نقله شيخ الإسلام الإمام أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الكرجي فِي كِتَابِهِ الَّذِي سَمَّاهُ " الْفُصُولُ فِي الْأُصُولِ عَنْ الْأَئِمَّةِ الْفُحُولِ إلْزَامًا لِذَوِي الْبِدَعِ وَالْفُضُولِ " وَكَانَ مِنْ أَئِمَّةِ الشَّافِعِيَّةِ – وهو في مجموع الفتاوى
فقول إسحاق : " فَإِنَّمَا فَسَّرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعْنَى إرَادَةِ اللَّهِ " ثم ذكر النصوص المشتملة على الصفات الخبرية محل النزاع .
فيه أن النبي كان يعلم تفسير معاني هذه النصوص وغيرها كما توضحه الأمثلة بل فيه أن ما ذكره صلى الله عليه وسلم أراد به تفسيرها كما هو صريح قوله ( فسر )
فالمعاني مرادة وإلا لما كان تفسيرا
وقوله : " لَا نُزِيلُ صِفَةً مِمَّا وَصَفَ اللَّهُ بِهِ نَفْسَهُ أَوْ وَصَفَ الرَّسُولُ عَنْ جِهَتِهِ لَا بِكَلَامٍ وَلَا بِإِرَادَةٍ , وَإِنَّمَا يَلْزَمُ الْمُسْلِمَ الْأَدَاءُ "
فيه أن هذه النصوص لها جهة لا تصرف عنها وهي ظاهرها
( لا بكلام ) كالتأويل ( ولا بإرادةٍ ) لترك هذا الظاهر ولو دون كلام كما هو التفويض
بل لابد من أداء هذه الجهة لزوما وهي الظاهر
وقوله : " وَلَا يَعْقِلُ نَبِيٌّ مُرْسَلٌ وَلَا مَلَكٌ مُقَرَّبٌ تِلْكَ الصِّفَاتِ إلَّا بِالْأَسْمَاءِ الَّتِي عَرَّفَهُمْ الرَّبُّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى "
فيه أن هذه الصفات تعقل معانيها وتفهم عن طريق أسماء هذه الصفات والتي هي ألفاظها اتفاقا
وقوله : " فَأَمَّا أَنْ يُدْرِكَ أَحَدٌ مِنْ بَنِي آدَمَ مَعْنَى تِلْكَ الصِّفَاتِ فَلَا يُدْرِكُهُ أَحَدٌ . وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إنَّمَا وَصَفَ مِنْ صِفَاتِهِ قَدْرَ مَا تَحْتَمِلُهُ عُقُولُ ذَوِي الْأَلْبَابِ . "
فيه أن هناك معنى لا يمكن أن يدركه أحد من بني آدم والذي عبر عنه بعدها ( بمنتهى الصفة ) وهو المعنى المفصل لحقيقة الصفة المعروف بالكيفية وهو ما لم توضحه النصوص
أما ما تدركه عقول ذوي الألباب من أصل المعنى فهو الذي وصف في النصوص وقوله في هذا واضح : " وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إنَّمَا وَصَفَ مِنْ صِفَاتِهِ قَدْرَ مَا تَحْتَمِلُهُ عُقُولُ ذَوِي الْأَلْبَابِ "
تأمل فصفاته لها قدر تدركه العقول وهو أصل المعنى وقال " وصف من صفاته " ولم يقل ذكر ليبين أن أصل المعنى مراد
ويؤكده أنه علل إيراد نصوص الصفات بما يدل على أنها معروفة المعاني في الجملة لا على أنها بمنزلة المتشابه وذلك ببيان أنها سيقت لتُوصل تلك العقول إلى معرفة الموصوف عن طريق هذه الصفات ولتحصيل الإيمان لها وهذا ينافي كونها للاختبار قصدا كما هو شأن المتشابه
ثم تخصيصه لمنتهى الصفة بأنه لا يعقل أكّد أن أول الصفة وهو أصل معناها مما يعقل ويعلم
ثم قطع الإمام إسحاق الطريق على المفوضة بإنكاره على من يزعم جهل المعنى ويدعي الاقرار بالصفة ولا يدري المعنى بل اعتبره سالكا بذلك طريق التجهم
عندما قال :
" فَمَنْ جَهِلَ مَعْرِفَةَ ذَلِكَ حَتَّى يَقُولَ إنَّمَا أَصِفُ مَا قَالَ اللَّهُ وَلَا أَدْرِي مَا مَعَانِي ذَلِكَ حَتَّى يُفْضِيَ إلَى أَنْ يَقُولَ بِمَعْنَى قَوْلِ الْجَهْمِيَّةِ .. "
فلا يخالف عاقل أن هذا الكلام يدل على أن معاني الصفات معلومة بدليل ذمه من يدعي جهل معاني الصفات ويتبنى عدم الدراية للمعاني فالمقام والسياق إنما لذم المذكور
وهذا دليل على أن خط التأويل في زمنهم أيضا يسير بمحاذاة التفويض وكل يخدم الآخر كما هو الحال اليوم فما أشبه الليلة بالبارحة
وكلام إسحاق صريح بأن مذهب الجهل بالمعنى يفضي إلى تحريف الجهمية وهذا يبين أن مذهب السلف لا يقوم على جهل معاني الصفات لأنه لا يفضي إلى ذلك
وقوله : " ثُمَّ يُحَرِّفُونَ مَعْنَى الصِّفَاتِ عَنْ جِهَتِهَا الَّتِي وَصَفَ اللَّهُ بِهَا نَفْسَهُ , ... وَيَجْعَلُونَ الْيَدَ يَدَ نِعْمَةٍ وَأَشْبَاهَ ذَلِكَ يُحَرِّفُونَهَا عَنْ جِهَتِهَا لِأَنَّهُمْ هُمْ الْمُعَطِّلَةُ " .
إذا " معنى الصفات " كما هي عبارته لها جهة ينبغي علينا إثباتها ، وهذا أيضا إثبات صريح للمعنى يبطل مذهب التفويض
وقد أكد بما ذكر أن هذين الخطين يخرجان بالنصوص عن ظاهرها وجهتها والتأويل أصرح في التحريف وكلاهما خروج عن الظاهر خلافا لطريقة السلف
فإسحاق بن راهويه الإمام الكبير يثبت معاني الصفات بمنطوق كلامه وينكر على من ينادي بأنه مجهولة بمنطوق كلامه وتأمل عبارته :
" ... وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إنَّمَا وَصَفَ مِنْ صِفَاتِهِ قَدْرَ مَا تَحْتَمِلُهُ عُقُولُ ذَوِي الْأَلْبَابِ . لِيَكُونَ إيمَانُهُمْ بِذَلِكَ وَمَعْرِفَتُهُمْ بِأَنَّهُ الْمَوْصُوفُ بِمَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ وَلَا يَعْقِلُ أَحَدٌ مُنْتَهَاهُ وَلَا مُنْتَهَى صِفَاتِهِ , ... فَمَنْ جَهِلَ مَعْرِفَةَ ذَلِكَ حَتَّى يَقُولَ إنَّمَا أَصِفُ مَا قَالَ اللَّهُ وَلَا أَدْرِي مَا مَعَانِي ذَلِكَ حَتَّى يُفْضِيَ إلَى أَنْ يَقُولَ بِمَعْنَى قَوْلِ الْجَهْمِيَّةِ يَدٌ نِعْمَةٌ وَيَحْتَجْ بِقَوْلِهِ أَيْدِينَا أَنْعَامًا وَنَحْوَ ذَلِكَ , فَقَدْ ضَلَّ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ . هَذَا مَحْضُ كَلَامِ الْجَهْمِيَّةِ حَيْثُ يُؤْمِنُونَ بِجَمِيعِ مَا وَصَفْنَا مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ , ثُمَّ يُحَرِّفُونَ مَعْنَى الصِّفَاتِ عَنْ جِهَتِهَا الَّتِي وَصَفَ اللَّهُ بِهَا نَفْسَهُ "
وليس يصح في الأذهان شيء إذا احتاج النهار إلى دليل
ـ الإمام ابن الماجشون والإمام أحمد
قال الإمام ابن القيم في الصواعق :
" قال ابن الماجشون والإمام أحمد وغيرهما من السلف إنا لا نعلم كيفية ما أخبر الله به عن نفسه وإن كنا نعلم تفسيره ومعناه " ا.هـ
والعبارة بلفظها لأحدهم ومعناها للآخرين
ومن ذلك ما قاله أحمد - رحمه الله - كما في رسالة السنة برواية عبدوس بن مالك وهي من أصح ما ثبت عن أحمد :
" ومن لم يعرف تفسير الحديث ويبلغه عقله فقد كفي ذلك وأحكم له، فعليه الإيمان به والتسليم له، مثل حديث الصادق المصدوق، ومثل ما كان مثله في القدر، ومثل أحاديث الرؤية كلها ..."
فهذا نصٌّ في إثبات التفسير الذي هو بيان المعنى من الناحية اللغوية، وإشعار بأنه قد يشتبه على بعض الناس اشتباهاً إضافياً، أما من حيث الجملة فهو محكم معلوم المعنى، ولا يمكن أن يكون مجهولاً لدى كافة الأمة .
ورسالة عبدوس هذه من أصح ما جاء عن أحمد
وكونه تعالى يرى عيانا بالأبصار في الآخرة دون حجاب فيتجلى لعباده ليُرى هو من الصفات الخبرية خلافا لإمكانية الرؤية
وقد تواتر عن أحمد ما يدل على التعبير بأحاديث الرؤية مع وعن أحاديث الصفات وأن موقف السلف منهما واحد
من ذلك :
روى أبو بكرالمروذي رحمه الله قال :
" سألت أبا عبد الله عن الأحاديث التي تردها الجهمية في الصفات والرؤية والإسراء وقصة العرش ؟
فصححها أبو عبدالله ، وقال :
قد تلقتها العلماء بالقبول نسلم الأخبار كما جاءت
قال : فقلت له إن رجلا اعترض في بعض هذه الأخبار كما جاءت فقال يجفا وقال ما اعتراضه في هذا الموضع يسلم الأخبار كما جاءت "
وهو ثابت صحيح
وقال الخلال : وأخبرني علي بن عيسى أن حنبلاً حدثهم قال :
سألت أبا عبد الله عن الأحاديث التي تروي أن الله سبحانه ينزل إلى سماء الدنيا، وأن الله يرى، وأن الله يضع قدمه، وما أشبه هذه الأحاديث؟.
فقال أبو عبد اللّه : نؤمن بها ونصدق بها، ولا نَرُدُّ منها شيئاً، ونعلم أن ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم حق إذا كانت أسانيد صحاح، ولا نرد على الله قوله، ولا يوصف بأكثر مما وصف به نفسه بلا حد ولا غاية " لَيْسَ كَمِثْلِهِ شيءٌ وَهُوَ السّمِيع البَصيرُ "
وعن إسحاق بن منصور الكوسج قال :
قلت لأحمد- يعني ابن حنبل - ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة ، حين يبقى ثلث الليل الآخر إلى السماء الدنيا أليس تقول بهذه الأحاديث ؟ ويراه أهل الجنة ، يعني ربهم عز وجل ؟ ولا تقبحوا الوجه فإن الله عز وجل خلق آدم على صورته ، واشتكت النار إلى ربها عز وجل حتى وضع فيها قدمه و إن موسى لطلم ملك الموت ، قال أحمد : كل هذا صحيح ، قال إسحاق : هذا صحيح ، ولا يدعه إلا مبتدع أو ضعيف الرأي . آجري
أما التعبير بالرؤية بما يشمل حكم باقي الصفات
فعن حنبل قال : قلت لأبي عبد الله يعني أحمد في الرؤية
قال : أحاديث صحاح نؤمن بها ونقر وكلما روي عن النبي صلى الله عليه و سلم بأسانيد جيدة نؤمن به ونقر
وفي رواية أخرى قال أبو عبد الله أدركت الناس وما ينكرون من هذه الأحاديث أحاديث الرؤية وكانوا يحدثون بها على الجملة يمرونها على حالها غير منكرين لذلك ولا مرتابين
وأما عن غيره من السلف فعن الوليد بن مسلم قال :
سألت الأوزاعي وسفيان الثوري ومالك بن أنس والليث بن سعد عن هذه الأحاديث التي فيها الرؤية فقالوا : " أمروها بلا كيف "
وقيل لسفيان بن عينية هذه الأحاديث التي تروى في الرؤية فقال حق على ما سمعناها مما نثق به // رجاله ثقات
وعن العباس بن محمد الدوري قال سمعت أبا عبيد القاسم بن سلام يقول وذكر عنده هذه الأحاديث في الرؤية فقال هذه عندنا حق نقلها الناس بعضهم عن بعض // إسناده صحيح
فتقرير أحمد السابق أن تفسير النصوص في الرؤية قد يخفى على البعض فلا يعرفه يدل على أنه معروف في الأصل ، وهو تأصيل لباب الصفات كلها كما دلت عبارات أحمد الأخرى وغيرها
ـ الإمام عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري 276 هـ
قال رحمه الله :
" الواجب علينا أن ننتهي في صفات الله إلى حيث انتهى في صفته أو حيث انتهى رسوله صلى الله عليه وسلم ولا نزيل اللفظ عما تعرفه العرب ونضعه عليه ونمسك عما سوى ذلك "
عن كتابه اختلاف اللفظ ص25.
وسيأتي في باب التطبيقات ما يجلي مذهبه
ـ الإمام أبو العباس ابن سريج كبير الشافعية في زمانه ت 303 هـ
قال في رسالته في الاعتقاد عن نصوص الصفات :
" ... أن نقبلها ولا نردها، ولا نتأولها بتأويل المخالفين، ولا نحملها على تشبيه المشبهين، ولا نزيد عليها ولا ننقص منها، ولا نفسرها ولا نكيفها ولا نترجم عن صفاته بلغة غير العربية، ولا نشير إليها بخواطر القلوب ولا بحركات الجوارح، بل نطلق ما أطلقه الله عز وجل ونفسّر ما فسّره النبيُّ صلى الله عليه وسلم وأصحابه والتابعون والأئمة المرضيون من السلف المعروفين بالدين والأمانة، ونجمع على ما أجمعوا عليه، ونمسك عن ما أمسكوا عنه، ونسلم الخبر الظاهر والآية الظاهرة تنزيلها، لا نقول بتأويل المعتزلة والأشعرية والجهمية والملحدة والمجسمة والمشبهة والكرامية والمكيفة، بل نقبلها بلا تأويل ونؤمن بها بلا تمثيل، ونقول: الإيمان بها واجب، والقول بها سنة، وابتغاء تأويلها بدعة.." ا.هـ
فبصريح كلامه ومنطوقه أن لنا أن نترجم الصفات بمفهومها في لغة العرب
وأيضا بصريح كلامه ومنطوقه أن الأئمة من السلف فسروا نصوص الصفات وأن لنا أن نفسر بتفسيرهم وهو ما سيأتي في تطبيقات السلف
ـ الإمام محمد بن جرير بن يزيد الطبري ت 310 هـ
قال في كتابه " التبصير في معالم الدين " [ ص : 132-142 ] :
" القول فيما أدرك علمه من الصفات خبرا لا استدلالاً ... وذلك نحو إخباره عزوجل أنه : ( سميع بصير ) وأن له يدين بقوله : ( بل يداه مبسوطتان ) ، أن له يمينا لقوله : ( والسماوات مطويات بيمينه ) ، وأن له وجها بقوله : ( كل شي هالك إلاّ وجهه ) وقوله : ( ويبقى وجه ربك ) ، وأن له قدما بقول النبي : ( حتى يضع الرب فيها قدمه ) ، وأنه يضحك بقوله : ( لقي الله وهو يضحك إليه ) ، وأنه يهبط كل ليلة وينزل إلى سماء الدنيا لخبر رسول الله بذلك ، وأنه ليس بأعور لقول النبي
إذ ذكر الدجال فقال : ( إنه أعور وإن ربكم ليس بأعور ) ، وأن المؤمنون يرون ربهم يوم القيامة بأبصارهم كما يرون الشمس ليس دونها غياية ، وكما يرون القمر ليلة البدر ، لقول النبي ، وأن له أصابع لقول النبي : ( ما من قلب إلا وهو بين إصبعين من أصابع الرحمن ) " إلى أن قال :
"فإن قيل : فما الصواب من القول في معاني هذه الصفات التي ذكرت ، وجاء ببعضها كتاب الله عز وجل و وحيه وجاء ببعضها رسول الله ، قيل : الصواب من هذا القول عندنا : أن نثبت حقائقها على ما نَعرف من جهة الإثبات ونفي الشبيه كما نفى ذلك عن نفسه جل ثناؤه فقال : ( ليس كمثله شي وهو السميع البصير ) ."
فهذا صريح منه في أن الصواب في نصوص الصفات الخبرية أن نثبت من معانيها حقائقها على ما نعرف منها
والمراد بحقائقها ما هو ضد المجاز لأن الحقائق بمعنى الكيفيات ممتنع بالاتفاق وقوله على ما نعرف دال على ذلك فالكيفيات لا تعرف
ـ الإمام أبو الحسن الأشعري ت323 هـ
الإمام الأشعري في آخر أمره يرى أن معاني الصفات معلومة على ضوء لغة العرب
فها هو يقول عند ذكره للنصوص الواردة في الصفات الخبرية وعند تعرضه لصفة اليد ، بعد ذكر النصوص الدالة على إثبات اليد :
" وليس يجوز في لسان العرب ولا في عادة أهل الخطاب أن يقول القائل : عملت كذا بيدي ويعني به النعمة .
وإذا كان الله عز و جل إنما خاطب العرب بلغتها وما يجري مفهوما في كلامها ومعقولا في خطابها وكان لا يجوز في خطاب أهل اللسان أن يقول القائل : فعلت بيدي ( 1 / 127 ) ويعني النعمة بطل أن يكون معنى قوله تعالى : ( بيدي ) النعمة .
وذلك أنه لا يجوز أن يقول القائل : لي عليه يدي بمعنى لي عليه نعمتي ومن دافعَنا عن استعمال اللغة ولم يرجع إلى أهل اللسان فيها دوفع عن أن تكون اليد بمعنى النعمة .
إذ كان لا يمكنه أن يتعلق في أن اليد النعمة إلا من جهة اللغة فإذا دفع اللغة لزمه أن لا يفسر القرآن من جهتها ، وأن لا يثبت اليد نعمة من قبلها لأنه إن روجع في تفسير قوله تعالى : ( بيدي ) نعمتي فليس المسلمون على ما ادعى متفقين وإن روجع إلى ( 1 / 128 ) اللغة فليس في اللغة أن يقول القائل : بيدي يعني نعمتي وإن لجأ إلى وجه ثالث سألناه عنه ولن يجد له سبيلا
إلى أن قال :
وإن قالوا : قلنا ذلك من القياس
قيل لهم : ومن أين وجدتم في القياس أن قوله تعالى : ( بيدي ) لا يكون معناه إلا نعمتي ؟ ومن أين يمكن أن يعلم بالعقل أن تفسير كذا وكذا مع أنا رأينا الله عز و جل قد قال في كتابه العزيز الناطق على لسان نبيه الصادق ( 1 / 129 ) : ( وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ) من الآية ( 4 / 14 ) وقال تعالى : ( لسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين ) من الآية ( 103 / 16 ) وقال تعالى : ( إنا جعلناه قرآنا عربيا ) من الآية ( 3 / 4 ) وقال تعالى : ( أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله ) من الآية ( 82 / 4 ) ولو كان القرآن بلسان غير العرب لما أمكن أن نتدبره ولا أن نعرف معانيه إذا سمعناه فلما كان من لا يحسن لسان العرب لا يحسنه وإنما يعرفه العرب إذا سمعوه على أنهم إنما علموه لأنه بلسانهم نزل وليس في لسانهم ما ادعوه ...
إلى أن قال :
" فإن قالوا إذا أثبتم لله عز و جل يدين لقوله تعالى : ( لما خلقت بيدي ) فلم لا أثبتم له أيدي لقوله تعالى : ( مما عملت أيدينا ) من الآية ( 71 / 36 ) ؟
قيل لهم : قد أجمعوا على بطلان قول من أثبت لله أيدي فلما أجمعوا على بطلان قول من قال ذلك وجب أن يكون الله تعالى ( 1 / 138 ) ذكر أيدي ورجع إلى إثبات يدين لأن الدليل عنده دل على صحة الإجماع وإذا كان الإجماع صحيحا وجب أن يرجع من قوله أيدي إلى يدين لأن القرآن على ظاهره ولا يزول عن ظاهره إلا بحجة فوجدنا حجة أزلنا بها ذكر الأيدي عن الظاهر إلى ظاهر آخر ووجب أن يكون الظاهر الآخر على حقيقته لا يزول عنها إلا بحجة "
وقال :
" فإن قال قائل : إذا ذكر الله عز و جل الأيدي وأراد يدين فما أنكرتم أن يذكر الأيدي ويريد يدا واحدة ؟
قيل له : ذكر تعالى أيدي وأراد يدين لأنهم أجمعوا على بطلان قول من قال أيدي كثيرة وقول من قال يدا واحدة فقلنا يدان لأن القرآن على ظاهره إلا أن تقوم حجة بأن يكون على خلاف الظاهر ..
فإن قال قائل : ما أنكرتم أن يكون قوله تعالى : ( مما عملت أيدينا ) من الآية ( 71 / 36 ) وقوله تعالى : ( لما خلقت بيدي ) من الآية ( 75 / 38 ) على المجاز ؟
قيل له : حكم كلام الله تعالى أن يكون على ظاهره وحقيقته ولا يخرج الشيء عن ظاهره إلى المجاز إلا بحجة ألا ترون أنه إذا كان ظاهر الكلام العموم فإذا ورد بلفظ العموم والمراد به الخصوص فليس هو على حقيقة الظاهر وليس يجوز أن يعدل بما ظاهره العموم عن العموم بغير حجة كذلك قوله تعالى : ( لما خلقت بيدي ) من الآية ( 75 / 38 ) ( 1 / 140 ) على ظاهره أو حقيقته من إثبات اليدين ولا يجوز أن يعدل به عن ظاهر اليدين إلى ما ادعاه خصومنا إلا بحجة
ولو جاز ذلك لجاز لمدع أن يدعي أن ما ظاهره العموم فهو على الخصوص وما ظاهره الخصوص فهو على العموم بغير حجة وإذا لم يجز هذا لمدعيه بغير برهان لم يجز لكم ما ادعيتموه أنه مجاز أن يكون مجازا بغير حجة بل واجب أن يكون قوله تعالى : ( لما خلقت بيدي ) من الآية ( 75 / 38 ) إثبات يدين لله تعالى في الحقيقة غير نعمتين إذا كانت النعمتان لا يجوز عند أهل اللسان أن يقول قائلهم : فعلت بيدي وهو يعني النعمتين ( 1 / 141 ) ...
ويقال لهم : أليس إذا لعن الله الكافرين فلعنه لهم معنى ولعن النبي صلى الله عليه و سلم لهم معنى ؟
فمن قولهم نعم
فيقال لهم : فما أنكرتم من أن الله تعالى إذا علم نبيه صلى الله عليه و سلم شيئا فكان للنبي صلى الله عليه و سلم علم ولله تعالى علم وإذا كنا متى أثبتناه غضبانا على الكافرين فلا بد من إثبات غضب وكذلك إذا أثبتناه راضيا عن المؤمنين فلا بد من إثبات رضى وكذلك إذا أثبتناه حيا سميعا بصيرا فلا بد من إثبات حياة وسمع وبصر .. " ا.هـ
لا يرتاب من جُنّب الريب في قلبه أن منطوق كلام الإمام الأشعري وصريح كلامه دال على المراد وأن الأشعري يرى أن صفة خبرية كاليد إنما خاطب فيها الله العرب بخطاب مفهوم ومعقول ليعرفوا المعنى وهو مقصود بالخطاب في مثل صفة اليد وأنه خطاب على ظاهره وعلى حقيقته فهما يدان حقيقيتان
ولأن الإمام الأشعري نحى في كلامه هنا منحى التأصيل لأمثال هذه الصفة حتى كان كلامه كالقاعدة للصفات الخبرية وغيرها لأجل هذا سقت كلامه هنا في هذا الباب ولم أرجئه إلى باب تطبيقات السلف والأئمة
وكلامه منقول من كتابه الإبانة الذي قال عنه الإمام ابن رجب في الفتح :
" وهو من أجل كتبه ، وعليه يعتمد العلماء وينقلون منه ، كالبيهقي وأبي عثمان الصابوني وأبي القاسم ابن عساكر وغيرهم .
وقد شرحه القاضي أبو بكر ابن الباقلاني " ا.هـ
ـ الإمام الحافظ أبو عبد الله أبو عبد الله، محمد بن إسحاق ابن مندة ت 395 هـ
قال في كتابه التوحيد ج3/7:
" إن الأخبار في صفات الله جاءت متواترة عن نبي الله صلى الله عليه وسلم موافقة لكتاب الله عز وجل نقلها الخلف عن السلف قرناً بعد قرن ، من لدن الصحابة والتابعين إلى عصرنا هذا على سبيل إثبات الصفات والمعرفة والإيمان به والتسليم ...وكان ذلك مفهوماً عند العرب غير محتاج إلى تأويلها " ا.هـ
دون تعليق ، وهذا من غير تطبيقاته
ـ الحافظ الإمام أبو عمر أحمد بن محمد بن عبد الله الأندلسي الطلمنكي المالكي ت 429 هـ
ففي كتاب الوصول إلى معرفة الأصول قال رحمه الله :
" أجمع المسلمون من أهل السنة على أن معنى قوله : ( وهو معكم أينما كنتم ) ونحو ذلك من القرآن أنه علمه وأن الله تعالى فوق السموات بذاته مستو على عرشه كيف شاء
وقال أهل السنة في قوله الرحمن على العرش استوى إن الإستواء من الله على عرشه على الحقيقة لا على المجاز فقد قال قوم من المعتزلة والجهمية لا يجوز أن يسمى الله عزوجل بهذه الإسماء على الحقيقة ويسمى بها المخلوق
فنفوا عن الله الحقائق من أسمائه وأثبتوها لخلقه فإذا سئلوا ما حملهم على هذا الزيغ قالوا الإجتماع في التسمية يوجب التشبيه
قلنا هذا خروج عن اللغة التي خوطبنا بها لأن المعقول في اللغة أن الإشتباه في اللغة لا تحصل بالتسمية وإنما تشبيه الأشياء بأنفسها أو بهيئات فيها كالبياض بالبياض والسواد بالسواد والطويل بالطويل والقصير بالقصير ولو كانت الأسماء توجب إشتباها لاشتبهت الأشياء كلها لشمول إسم الشيء لها وعموم تسمية الأشياء به فنسألهم أتقولون إن الله موجود فإن قالوا نعم قيل لهم يلزمكم على دعواكم أن يكون مشبها للموجودين
وإن قالوا موجود ولا يوجب وجوده الإشتباه بينه وبين الموجودات
قلنا فكذلك هو حي عالم قادر مريد سميع بصير متكلم يعني ولا يلزم إشتباهه بمن اتصف بهذه الصفات " ا.هـ
هنا ختم الإمام الطلمنكي تطبيقه الصريح في إثبات معنى الاستواء عندما نص بأنه بذاته وأنه على حقيقته ، ختمه بتأصيل صريح أيضا عندما أنكر على المعتزلة نفيهم حقائق الصفات وخروجهم عن حقيقة الخطاب اللغوي في سائر الصفات ما كان على منوال صفة الاستواء وهي خبرية أو غيرها من باقي الصفات
فبين بهذا أصل أهل السنة المجانب للمعتزلة وهو إثبات هذه الصفات التي هي من قبيل الاستواء على حقائقها لا مجازاتها على مقتضى الخطاب العربي
وعبر عن الصفات بصيغة الأسماء تماما كما تقدم عن الإمام ابن راهويه .
وكلام الطلمنكي واضح في أنه أراد الصفات ، إذ عبر عن الاستواء بذلك وهو صفة باتفاق فعندما كان لكل صفة لفظ يعبر عنها ويعتبر بالنسبة لحقيقتها كالاسم فمن هنا جاز الاطلاق
ـ شيخ الإسلام أبو عثمان الصابوني
قال رحمه الله :
" وكذلك يقولون في جميع الصفات التي نزل بذكرها القرآن، ووردت بها الأخبار الصحاح من السمع والبصر والعين والوجه والعلم والقوة والقدرة، والعزة والعظمة والإرادة، والمشيئة والقول والكلام، والرضا والسخط والحياة، واليقظة والفرح والضحك وغرها من غير تشبيه لشيء من ذلك بصفات المربوبين المخلوقين، بل ينتهون فيها إلى ما قاله الله تعالى، وقاله رسوله صلى الله عليه وآله وسلم من غير زيادة عليه ولا إضافة إليه، ولا تكييف له ولا تشبيه، ولا تحريف ولا تبديل ولا تغيير، ولا إزالة للفظ الخبر عما تعرفه العرب، وتضعه عليه بتأويل منكر، ويجرونه على الظاهر، ويكلون علمه إلى الله تعالى، ويقرون بأن تأويله لا يعلمه إلا الله، كما أخبر الله عن الراسخين في العلم أنهم يقولونه في قوله تعالى: (والراسخون في العلم يقولون: آمنا به، كل من عند ربنا. وما يذكر إلا أولو الألباب " أ.هـ.
ـ الإمام ابن عبد البر حافظ أهل المغرب ت463 هـ
قال رحمه الله في التمهيد (7/131) :
" وأما قوله تعالى : ( أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم ) فمعناه من على السماء يعني على العرش ، وقد تكون في بمعنى على ، ألا ترى إلى قوله تعالى : ( فسيحوا في الأرض أربعة أشهر ) أي على الأرض وكذلك قوله : ( لأصلبنكم في جذوع النخل ) وهذا كله يعضده قوله تعالى : ( تعرج الملائكة والروح إليه ) وما كان مثله مما تلونا من الآيات في هذا الباب .
وهذه الآيات كلها واضحات في إبطال قول المعتزلة وأما ادعاؤهم المجاز في الاستواء ، وقولهم في تأويل استوى استولى فلا معنى له ، لأنه غير ظاهر في اللغة ، ومعنى الاستيلاء في اللغة المغالبة والله لا يغالبه ولا يعلوه أحد ، وهو الواحد الصمد ، ومن حق الكلام أن يحمل على حقيقته حتى تتفق الأمة أنه أريد به المجاز .
إذ لا سبيل إلى اتباع ما أنزل إلينا من ربنا إلا على ذلك ، وإنما يوجه كلام الله عز و جل إلى الأشهر والأظهر من وجوهه ما لم يمنع من ذلك ما يجب له التسليم .
ولو ساغ ادعاء المجاز لكل مدع ما ثبت شيء من العبارات وجل الله عز و جل عن أن يخاطب إلا بما تفهمه العرب في معهود مخاطباتها مما يصح معناه عند السامعين والاستواء معلوم في اللغة ومفهوم ... ا.هـ
ثم ذكر الاستواء لغة وأطال فيه
ما أظن أن هذا الكلام منه يحتاج إلى شرح وله تطبيقات تؤكد هذا ستأتي
ـ الخليفة القادر بالله أبو العباس احمد بن إسحاق بن المقتدر 422 هـ
له معتقد مشهور قرىء ببغداد بمشهد من علمائها وأئمتها وأنه قول أهل السنة والجماعة وأقره العلماء من أهل السنة في وقته
من ذلك
" وأنه خلق العرش لا لحاجة واستوى عليه كيف شاء وأراد لا استقرار راحة ... وكل صفة وصف بها نفسه أو وصفه بها رسوله فهي صفة حقيقة لا صفة مجاز ..." ا.هـ
وحمل الصفة على حقيقتها يعني على مفهومها الظاهر فهي عبارة تنقض التفويض من أساسه
ـ الإمام إسماعيل بن محمد التيمي الأصبهاني الشافعي 537 هـ
قال في كتابه الحجة في بيان المحجة ج1/ص183 :
" باب : قال علماء السلف :
جاءت الأخبار عن النبي متواترة في صفات الله تعالى موافقة لكتاب الله تعالى نقلها السلف على سبيل الإثبات والمعرفة والإيمان به والتسليم وترك التمثيل والتكييف وأنه عز وجل أزلي بصفاته وأسمائه التي وصف بها نفسه أو وصفه الرسول الحجة في بيان مدحه بذلك وصدق به المصطفى وبين مراد الله فيما أظهر لعباده من ذكر نفسه وأسمائه وصفاته وكان ذلك مفهوما عند العرب غير محتاج إلى تأويله " ا.هـ
وقال وقد سئل عن صفات الرب ؟ فقال :
" مذهب مالك والثوري والأوزاعي والشافعي وحماد ابن سلمة وحماد بن زيد وأحمد ويحيى بن سعيد القطان وعبد الرحمن بن مهدي وإسحاق بن راهويه أن صفات الله التي وصف بها نفسه ووصفه بها رسوله من السمع والبصر والوجه واليدين وسائر أوصافه إنما هي على ظاهرها المعروف المشهور من غير كيف يتوهم فيها ولا تشبيه ولا تأويل ، قال ابن عيينة كل شيء وصف الله به نفسه فقراءته تفسيره
ثم قال : أي هو هو على ظاهره لا يجوز صرفه إلى المجاز بنوع من التأويل " ا.هـ
وقال :
" دليل آخر ، أن من حمل اللفظ على ظاهره ، وعلى مقتضى اللغة حمله على حقيقته ، ومن تأوله عدل به عن الحقيقة إلى المجاز ، ولا يجوز إضافة المجاز إلى صفات الله وتعالى " ا.هـ
وكتابه مليء بإثبات معاني الصفات وكلامه أوضح من أن يوضح
ـ الحافظ الإمام أبو أحمد محمد بن علي بن محمد الكرخي القصاب ت بعد 360 هـ
قال رحمه الله :
" كل صفة وصف الله بها نفسه أو وصفه بها رسوله فليست صفة مجاز ولو كانت صفة مجاز لتحتم تأويلها ولقيل : معنى البصر كذا ومعنى السمع كذا ولفسرت بغير السابق إلى الأفهام فلما كان مذهب السلف إقرارها بلا تأويل علم أنها غير محمولة على المجاز وإنما هي حق بين "
عن تذكرة الحفاظ للذهبي 3/939 السير له 16/213-214
فالسابق إلى الأفهام من الصفات حقيقة لا مجازا هو الذي يصار إليه مع كل الصفات
وهذا صريح كلامه
ـ شمس الأئمة أبو العباس السرخسي الحنفي :
قال رحمه الله :
" وأهل السنة والجماعة ، أثبتوا ما هو الأصل ، معلوم المعنى بالنص أي بالآيات القطعية والدلالات اليقينية وتوقفوا فيما هو متشابه وهو الكيفية ، ولم يجوزا الاشتغال في طلب ذلك " ا.هـ
( عن شرح الفقه الأكبر لملا علي القاري ص 93 )
وهذا إن لم يمثل منه مذهبه الثابت فلا أقل أن يكون من باب الاعتراف فإني لم أقف على كلام آخر له
ـ الإمام أبو القاسم عبد اللّه بن خلف المقرىء الأندلسي
قال في الجزء الأول من كتاب " الاهتداء لأهل الحق والاقتداء "
شرح الملخص للشيخ أبي الحسن القابسي :
" ... عن مالك، عن ابن شهاب، عن أبي عبد اللّه الأغر، وعن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة رضي اللّه عنه أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال: " ينْزِلُ ربُّنا كلَّ ليلة إلى سماء الدُنيا حين يبقى ثُلُثُ الليل الآخر فيقول: من يدعُوني فأستجيب له، ومن يسألني فأعطيه، ومن يستغفرني فأغفر له " .
في هذا الحديث دليل على أنه تعالى في السماء على العرش فوق سبع سموات من غير مماسة ولا تكييف، كما قال أهل العلم، ودليل قولهم أيضَاً من القرآن قوله تعالى : " الرَّحْمنُ عَلى العَرْش اسْتَوَى "
وقوله تعالى: " ثمَّ اسْتَوى عَلى العَرْش ما لَكُم مِن دُونهِ مِن وليٍّ وَلا شَفِيع " وقوله تعالى: " إذاً لابْتَغوْا إلى ذي العَرْش سَبيلاً " وقوله تعالى: " يُدَبِّرُ الأمْرَ مِنَ السّماءِ إلى الأرْضِ "
وقوله تعالى: " تَعْرُجُ الملائكَةُ والرُّوحُ إليه "
وقوله تعالى لعيسى عليه الصلاة والسلام: " إنِّي مُتَوفِّيكَ ورافِعُكَ إليَّ " وقوله تعالى: " لَيْسَ لَهُ دافِعٌ، مِنَ اللَّهِ ذي المَعارج، تَعرُجُ الملائِكَةُ والرّوحُ إليهِ " والعروج: هو الصعود.
وقال مالك بن أنس: اللّه عز وجل في السماء، وعلمه في كل مكان لا يخلو من علمه مكان.
يريد واللّه يعلم بقوله في السماء: على السماء، كما قال تعالى: " ولأصَلِّبنَّكُم في جُذوع النّخْلِ "
وكمَا قال تعالى: آمنتم من في السماء " أي من على السماء يعني على العرش.
وكما قال تعالى: " فَسِيحُوا في الأرضِ " أي على الأرض، وقيل لمالك: الرحمن على العرش استوى، كيف استوى؟ قال مالك رحمه اللّه تعالى لقائله: استواؤه معقول وكيفيته مجهولة وسؤالك عن هذا بدعة وأراك رجل سوء.
قال أبو عبيدة في قوله تعالى: " الرحمن على العرش استوى " : أي علا.
قال: وتقول العرب استويت فوق الدابة وفوق البيت. وكل ما قدمت دليل واضح في إبطال قول من قال المجاز فيِ الاستواء، وإن استوى بمعنى استولى لأن الاستيلاء في اللغة المغالبة، وأنه لا يغالبه أحد ومن حق الكلام أن يحمل على حقيقته، حتى تتفق الأمة أنه أريد به المجاز إذ لا سبيل إلى اتباع ما أنزل إلينا من ربنا سبحانه وتعالى إلا على ذلك، وإنما يوجه كلام الله تعالى على الأشهر والأظهر من وجوهه ما لم يمنع ذلك ما يوجب له التسليم، ولو ساغ ادعاء المجاز لكل مدعٍ ما ثبت شيء من العبادات، وجَلَّ اللَّهُ تعالى أن يخاطب إلا بما تفهمه العرب من معهود مخاطباتها مما يصح معناه عند السامعين. والاستواء معلوم في اللغة، وهو العلو والارتفاع والتمكن ا.هـ
وهذا نقله عنه ابن عبد البر بتصرف يسير
ـ الحافظ عبد الغني المقدسي
قال الحافظ ابن رجب في ترجمة الحافظ عبد الغني :
وقرأت بخط الإِمام الحافظ الذهبي- رداً على ما نقل الإِجماع على تكفيره- أما قول "أجمعوا" فما أجمعوا، بل أفتى بذلك بعض أئمة الأشاعرة ممن كفروه، وكفرهم هو، ولم يبد من الرجل أكثر مما يقوله خلق من العلماء الحنابلة والمحدثين: من أن الصفات الثابت محمولة على الحقيقة، لا على المجاز، أعني أنها تجري على مواردها، لا يعبر عنها بعبارات أخرى، كما فعلته المعتزلة، أو المتأخرون من الأشعرية. هذا مع أن صفاته تعالى لا يماثلها شيء " ا.هـ
ـ الإمام العلامة أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية ت 728 هـ
قال رحمه الله تعالى تعليقاً على كلام مالك في الاستواء :
" وهكذا سائر الأئمة قولهم يوافق قول مالك في أنا لا نعلم كيفية استوائه كما لا نعلم كيفية ذاته ، ولكن نعلم المعنى الذي دل عليه الخطاب فنعلم معنى الاستواء ولا نعلم كيفيته ، ونعلم معنى النزول ولا نعلم كيفيته ، ونعلم معنى السمع والبصر والعلم والقدرة ولا نعلم كيفية ذلك ، ونعلم معنى الرحمة والغضب والرضا والفرح والضحك ولا نعلم كيفية ذلك ا.هـ
وأقواله في هذا المعنى أكثر من أن يسعها هذا الموضع وإنما ذكرت كلامه هنا لتجرؤ من لا يستحي ممن حشر شيخ الإسلام في سلك المفوضة فسبحان الله كم بلغت الصفاقة ببعض الناس اليوم
ـ الإمام الحافظ ابن رجب الحنبلي ت 7
قال رحمه الله :
" وقد دل القرآن على ما دل عليه هذا الحديث في مواضع ، كقوله : { هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِّنَ الغَمَامِ وَالْمَلائِكَةُ } [البقرة :210] . وقال : { هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن تَأْتِيَهُمُ المَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ } [الأنعام :
158] ، وقال : { وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفاًّ صَفاًّ } [الفجر :22] .
ولم يتأول الصحابة ولا التابعون شيئاً من ذلك ، ولا أخرجوه عن مدلوله ، بل روي عنهم ما يدل على تقريره والإيمان به وامراره كما جاء " ا.هـ
تأمل قوله في مقام الكلام عن الصفات الخبرية : " ولا أخرجوه عن مدلوله "
فهي ذات مدلول ( مفهوم ) والسلف يحملونها على هذا المدلول ( المفهوم ) اللغوي لا يخرجونها عنه
وقال منكرا عن الجهمية :
" وزعموا أن ظاهر ما يدل عليه الكتاب والسنة تشبيه وتجسيم وضلال ، واشتقوا من ذلك لمن آمن بما أنزل الله على رسوله اسماء ما أنزل الله بها من سلطان ، بل هي افتراء على الله ، ينفرون بها عن الإيمان بالله ورسوله .
وزعموا أن ما ورد في الكتاب والسنة من ذلك - مع كثرته وانتشاره - من باب التوسع والتجوز ، وأنه يحمل على مجازات اللغة المستبعدة ، وهذا من أعظم أبواب القدح في الشريعة المحكمة المطهرة ، وهو من جنس حمل الباطنية نصوص الإخبار عن الغيوب كالمعاد والجنةوالنار على التوسع والمجاز دون الحقيقة ، وحملهم نصوص الامروالنهي على مثل ذلك ، وهذا كله مروق عن دين الإسلام .
ولم ينه علماء السلف الصالح وأئمة الإسلام كالشافعي وأحمد وغيرهما عن الكلام وحذروا عنه ، إلا خوفاً من الوقوع في مثل ذلك ، ولو علم هؤلاء الأئمة أن حمل النصوص على ظاهرها كفر لوجب عليهم تبيين ذلك وتحذير الأمة منه ؛ فإن ذلك من تمام نصيحة المسلمين ، فكيف كان ينصحون الأمة فيما يتعلق بالاحكام العملية ويدعون نصيحتمهم فيما يتعلق بأصول الاعتقادات ، هذا من أبطل الباطل ...
وقد صح عن ابن عباس أنه أنكر على من أستنكر شيئاً من هذه النصوص ، وزعم أن الله منزه عما تدل عليه :
فروى عبد الرزاق في ( ( كتابه ) ) عن معمر ، عن ابن طاوس ، عن أبيه ، قال : سمعت رجلاً يحدث ابن عباس بحديث أبي هريرة : ( ( تحاجت الجنة والنار ) ) ، وفيه :
( ( فلا تمتلي حتى يضع رجله ) ) - أو قال : ( ( قدمه - فيها ) ) .
قال : فقام رجل فانتفض ، فقال ابن عباس : ما فرق هؤلاء ، يجدون رقة عند محكمة ، ويهلكون عند متشابهه .
وخَّرجه إسحاق بن راهويه في ( ( مسنده ) ) عن عبد الرزاق .
ولو كان لذلك عنده تأويل لذكره للناس ولم يسعه كتمانه " ا.هـ
وتأمل قوله " وزعم أن الله منزه عما تدل عليه " فإثبات المفهوم الذي دلت عليه هو
إلى أن قال :
" ومن جملة صفات الله التي نؤمن بها ، وتمر كما جاءت عندهم : قوله تعالى : ( وَجَاءَ رَبُّكَ والْمَلَكُ صَفاًّ صَفاًّ ( [ الفجر : 22 ] ونحو ذلك مما دل على إتيانه ومجيئه يوم القيامة .
وقد نص على ذلك أحمد وإسحاق وغيرهما .
وعندهما : أن ذلك من أفعال الله الاختيارية التي يفعلها بمشيئته واختياره .
وكذلك قاله الفضيل بن عياض وغيره من مشايخ الصوفية أهل المعرفة .
وقد ذكر حرب الكرماني أنه أدرك على هذا القول كل من أخذ عنه العلم في البلدان ، سمى منهم : أحمد وإسحاق والحميدي وسعيد بن منصور .
وكذلك ذكره أبو الحسن الأشعري في كتابه المسمى ب - الإبانة - ، وهو من أجل كتبه ، وعليه يعتمد العلماء وينقلون منه ، كالبيهقي وأبي عثمان الصابوني وأبي القاسم ابن عساكر وغيرهم " .
فإمرارها كما جاءت لم يمنع من إثبات ما دلت عليه من أنها أفعال قائمة به وأنها تتعلق بالمشيئة والاختيار وأن هذه الأفعال من صفاته وهو ما ينكره عامة الأشاعرة
أم أن كل هذا ليس من المعاني ؟!!
إذًا لم جعلتموها من المعاني المنفية في عقيدتكم والتي يلزم من إثباتها وصف الله بالحدوث ؟!!
ولابن رجب كلام آخر يأتي في التطبيق
ـ الحافظ الذهبي
قال رحمه الله في رسالته إثبات صفة اليد ، بعد أن ذكر أكثر من خمسين حديث وأثر في إثبات الصفة ثم قال :
" والأحاديث في إثبات اليد كثيرة وهذه قطعه من أقوال الأئمة الأعلام وأركان الإسلام ..." إلى أن قال :
" ويقال أيضاً نعلم بالاضطرار أن الصحابة والتابعين ومن بعدهم قد كان فيهم الأعرابي والأمي والمرأة والصبي والعامة ونحوهم ممن لا يعرف التأويل وكانوا مع هذا يسمعون هذه الآيات والاحاديث في الصفات وحدث بها الأئمة من الصحابة والتابعين على رؤوس الأشهاد ولم يؤولوا منها صفة واحدة يوماً من الدهر وإنما تركوا العوام على فطرهم وفهمهم..." أ.هـ
قال رحمه الله في العلو ج2 ص1337:
" هذا الذي علمت من مذهب السلف ، والمراد بظاهرها أي لا باطن لألفاظ الكتاب والسنة غير ما وضعت له ، كما قال مالك وغيره الاستواء معلوم ، وكذلك القول في السمع والبصر والعلم والكلام والإرادة والوجه ونحو ذلك ، هذه الأشياء معلومة فلا تحتاج إلى بيان وتفسير ، لكن الكيف في جميعها مجهول عندنا " ا.هـ
وقال رحمه الله في كتابه "العلو" ص (532) عن الصفات
" لا تأويل لها غير دلالة الخطاب ، كما قال السلف : "الاستواء معلوم"، وكما قال سفيان وغيره: "قراءتها تفسيرها" يعني أنها بينة واضحة في اللغة لا يبتغى بها مضايق التأويل والتحريف، وهذا هو مذهب السلف، مع اتفاقهم أيضاً أنها لا تشبه صفات البشر بوجه؛ إذ الباري لا مثل له لا في ذاته ولا في صفاته " ا.هـ
وعندما ذكر أثر أبي جعفر الترمذي : " النزول معقول، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة "
علّق الذهبيُّ على هذا الأثر بقوله :
" صدق فقيهُ بغداد وعالمُها في زمانه؛ إذ السؤال عن النزول ما هو؟ عيٌّ؛ لأنَّه إنما يكون السؤال عن كلمة غريبة في اللغة، وإلاّ فالنزول والكلام والسمع والبصر والعلم والاستواء عباراتٌ جليّةٌ واضحةٌ للسامع، فإذا اتّصف بها من ليس كمثله شيء، فالصفة تابعةٌ للموصوف، وكيفية ذلك مجهولة عند البشر " ا.هـ
وعندما ذكر موقف أبي عبيد القاسم بن سلام في الصفات قال :
" توفي أبو عبيد سنة أربع وعشرين ومائتين وقد ألف كتاب غريب الحديث ، وما تعرّض لأخبارالصفات بتفسير ، بل عنده لا تفسير لذلك غير موضع الخطاب للعربي " ا.هـ
ـ الإمام ابن عبد الهادي
قال رحمه الله :
" وقد علم أن نزول الرب تبارك وتعالى أمر معلوم معقول كاستوائه وباقي صفاته ، وإن كانت الكيفية مجهولة غير معقولة ، وهو ثابت حقيقة لا يحتاج إلى تحريف ، ولكن يصان عن الظنون الكاذبة
ـ العلامة الطوفي
وقال مرعي الحنبلي في أقاويل الثقات :
" وقال العلامة الطوفي في قواعد وجوب الإستقامة والإعتدال والمشهور عند أصحاب الإمام أحمد أنهم لا يتأولون الصفات التي من جنس الحركة كالمجيء والإتيان والنزول والهبوط والدنو والتدلي كما لا يتأولون غيرها متابعة للسلف الصالح قال وكلام السلف في هذا الباب يدل على إثبات المعنى المتنازع فيه قال الأوزاعي لما سئل عن حديث النزول يفعل الله ما يشاء وقال حماد بن زيد يدنو من خلقه كيف يشاء
قال وهو الذي حكاه الأشعري عن أهل السنة والحديث
وقال الفضيل بن عياض إذا قال لك الجهمي أنا أكفر برب
يزول عن مكانه فقل أنا أؤمن برب يفعل ما يشاء
ـ الإمام المقريزي
يقول الإمام المقريزي :
" لما بعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم إلى الناس ، وصف لهم ربهم بما وصف به نفسه ، فلم يسأله أحد من العرب بأسرهم ، قرويهم وبدويهم ، عن معنى شيء من ذلك ، كما كانوا يسألونه عن أمر الصلاة ، وشرائع الإسلام ، إذ لو سأله أحد منهم عن شيء من الصفات لنقل ، كما نقلت الأحكام وغيرها.
ومن أمعن النظر في دواوين الحديث والآثار عن السلف ، علم أنه لم يرد قط لا من طريق صحيح ولا سقيم عن أحد من الصحابة على إختلاف طبقاتهم ، وكثرة عددهم ، أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن معنى شيء مما وصف الرب سبحانه به نفسه في القرآن وعلى لسان نبيه بل كلهم فهموا معنى ذلك وسكتوا سكوت فاهم مقتنع ولم يفرقوا بين صفة وأخرى ، ولم يعترض أحد منهم إلى تأويل شيء منها بل أجروا الصفات كما وردت بأجمعهم ولم يكن عند أحد منهم ما يستدل به سوى كتاب الله وسنه رسوله ...
الخ الخطط للمقريزي
ـ الإمام السفاريني
قال السفاريني
" صفاته - سبحانه وتعالى - الذاتية والفعلية والخبرية ، ( كذاته ) - عز شأنه - ( قديمة ) ، لا ابتداء لوجودها ، ولا انتهاء ، إذ لو كانت حادثة لاحتاجت إلى محدث ، تعالت ذاته المقدسة وصفاته المعظمة عن ذلك ، فإن حقيقة ذاته مخالفة لسائر الحقائق ، وكذلك صفاته - تعالى ...
فالسلف في إثبات الصفات كالذات على الاستقامة .
وأما المنحرفون عن طريقهم ، فثلاث طوائف : أهل التخييل ، وأهل التأويل ، وأهل التجهيل...
( وأهل التجهيل ) هم الذين يقولون : إن الرسول لم يعرف معاني ما أنزل عليه من آيات الصفات ، ولا جبريل يعرف معاني الآيات ، ولا السابقون الأولون عرفوا ذلك ، وكذلك قولهم في أحاديث الصفات ، وأن الرسول تكلم بكلام لا يعرف معناه ، وهذا قول كثير من المنتسبين إلى السنة واتباع السلف ، فيقولون في آيات الصفات وأحاديثها : لا يعلم معرفتها إلا الله ، ويستدلون بقوله - تعالى : ( { وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ } ) ، ويقولون : تجرى على ظاهرها ، وظاهرها مراد مع قولهم : إن لها تأويلا بهذا المعنى لا يعلمه إلا الله " .
وقال بعد تعرضه لمن قاده علم الكلام إلى تأويل الصفات والخوض فيها خلافا لمراد الله ثم حصول الندم من بعضهم فقال :
" فعلم الكلام الذي نهى عنه أئمة الإسلام هو العلم المشحون بالفلسفة والتأويل ، والإلحاد والأباطيل ، وصرف الآيات القرآنية عن معانيها الظاهرة ، والأخبار النبوية عن حقائقها الباهرة ، دون علم السلف ومذهب الأثر ، وما جاء في الذكر الحكيم وصحيح الخبر ، فهذا لعمري ترياق القلوب الملسوعة بأراقم الشبهات ، وشفاء الصدور المصدوعة بتراجم المحدثات ، ودواء الداء العضال ، وبازهر السم القتال ، فهو فرض عين ، أو عين فرض على كل نبيه ، وهو العلم الذي تعقد عليه الخناصر لدحض حجة كل متحذلق وسفيه . فزال هذا الإشكال ، والله ولي الإفضال " .
وقال
" والمراد بالتأويل هنا أن يراد باللفظ ما يخالف ظاهره ، أو صرف اللفظ عن ظاهره لمعنى آخر ، أو عن حقيقته لمجازه ، وهو في آيات الصفات المقدسة من المنكرات عند أئمة الدين من علماء السلف المعتبرين "
ـ الأمير العلامة صديق بن حسن القنوجي رحمه الله ت 1307 هـ
قال رحمه الله :
" فهذه سبعة مواطن أخبر فيها بأنه سبحانه استوى على العرش، وفي هذه المسألة أدلة من السنة والآثار الصحيحة الكثيرة يطول بذكرها الكتاب! فمن أنكر كونه سبحانه في جهة العلو بعد هذه الآيات والأخبار فقد خالف الكتاب والسنة ! "
إلى أن قال :
" ومن ظن أن الصفات لا يعقل معناها، ولا يُدرى ما أراد الله ورسوله منها، وظاهرها تشبيه وتمثيل، واعتقاد ظاهرها كفر وضلال، وإنما هي ألفاظ لا معاني لها، وأن لها تأويلاً وتوجيهاً لا يعلمه إلا الله، وأنها بمنزلة "ألم"، و"كهيعص" وظن أن هذه طريقة السلف، ولم يكونوا يعرفون حقيقة قوله: "والأرض جميعاً قبضته يوم القيامة"، وقوله: "ما منعك أن تسجد لما خلقت بيديّ"، وقوله: "الرحمن على العرش استوى"، ونحو ذلك، فهذا الظانّ من أجهل الناس بعقيدة السلف وأضلهم عن الهدى، وقد تضمن هذا الظن استجهال السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار وسائر الصحابة، وكبار الذين كانوا أعلم الأمة علماً وأفقههم فهماً، وأحسنهم عملاً، وأتبعهم سنناً، ولازم هذا الظن أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يتكلم ذلك ولا يعلم معناه، وهو خطأ جسيم وجسارة قبيحة نعوذ بالله منها " ا.هـ
ـ العلامة الخزرجي
قال رحمه الله تعالى :
" واخجلتا من مقالٍ لا أساسَ لهُ ،، ،، زوراً على اللهِ من ينطقْ به يَهُنِ
أهَلْ يُخاطبُنا مولى العبادِ بما ،، ،، لم يَدرِ معناهُ هذا قول مُفْتَتَنِ
أهَلْ يقولُ لنا قولاً ومَقْصَدُهُ ،، ،، غيرَ الذي قالهُ إخفاءَ مُندَفِنِ
أهَل يُخاطِبُنا ظَهراً ويُبطنهُ ،، ،، عنَّا فما القصدُ من جَدواهُ بالعلَنِ
هذي مقالةُ جهمٍ والذينَ مضوا ،، ،، على طريقتهِ وهناً على وهنِ
بقيَّةٌ بَقِيَتْ من شؤمِ فِتنتهِ ،، ،، من نفخِ إبليسَ بالتعطيلِ والضغنِ
طوائفٌ رأسُها إبليسُ يُرْشِدُهم ،، ،، إلى الرَّدى وسبيلِ الغيِّ والشَّطَنِ
[ منظومة العلامة الخزرجي ضمن كتاب شهود الحق نقلا ]
ـ الإمام الألوسي
قال رحمه الله :
" وقيل : إن السلف بعد نفي ما يتوهم من التشبيه يقولون : لا ندري ما معنى ذلك والله تعالى أعلم بمراده . واعترض بأن الآيات والأخبار المشتملة على نحو ذلك كثيرة جداً ويبعد غاية البعد أن يخاطب الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم العباد فيما يرجع إلى الاعتقاد بما لا يدري معناه ، وأيضاً قد ورد في الأخبار ما يدل على فهم المخاطب المعنى من مثل ذلك ، فقد أخرج أبو نعيم عن الطبراني قال : حدثنا عياش بن تميم حدثنا يحيى بن أيوب المقابري حدثنا سلم بن سالم حدثنا خارجة بن مصعب عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إن الله تعالى يضحك من يأس عباده وقنوطهم وقرب الرحمة منهم فقلت : بأبي أنت وأمي يا رسول الله أو يضحك ربنا؟ قال : نعم والذي نفسي بيده إنه ليضحك " قلت : فلا يعد منا خيراً إذا ضحك فإنها رضي الله تعالى عنها لو لم تفهم من ضحكه تعالى معنى لم تقل ما قالت .
وقد صح عن بعض السلف أنهم فسروا ، ففي «صحيح البخاري» قال مجاهد : استوى على العرش علا على العرش وقال أبو العالية : استوى على العرش ارتفع " ا.هـ
ـ العلامة القرآني محمد بن الأمين الشنقيطي
قال الشنقيطي بعد ذكر صفة العلو وغيرها :
" وأمثال هذا من الصفات الجامعة كثيرة في القرآن، ومعلوم أنه جل وعلا متصف بهذه الصفات المذكورة حقيقة على الوجه اللائق بكماله، وجلاله. وإنما وصف به المخلوق منها مخالف لما وصف به الخالق، كمخالفة ذات الخالق جل وعلا لذوات الحوادث، ولا إشكال في شيء من ذلك، وكذلك الصفات التي اختلف فيها المتكلمون؛ هل هي من صفات المعاني أو من صفات الأفعال، وإن كان الحق الذي لا يخفى على من أنار الله بصيرته؛ أنها صفات معان أثبتها الله، جل وعلا، لنفسه، كالرأفة والرحمة ... " ا.هـ
تطبيقات السلف الصالح مع نصوص الصفات المبينة لإثباتهم معانيها دون تفويض
أولا : إثبات الصحابة لمعاني الصفات وتطبيقاتهم في ذلك .
قبل الشروع في التطبيقات أنبه إلى أن جلها منقول بأسانيد صحيحة ثابتة سوى نزر يسير جدا جدا به علل خفيفة فاتني التنبيه عليها في محلها سأنبه عليها في تعليق ملحق
ـ عبد الله بن مسعود رضي الله عنه
قال الإمام ابن مندة في كتابه الرد على الجهمية :
أخبرنا علي بن العباس بن الأشعث الغزى بغزة ثنا محمد بن حماد الطهراني ثنا عبد الرزاق أنبأ الثوري عن سلمة بن كهيل عن أبي الزعراء عن ابن مسعود في قوله جل وعز يوم يكشف عن ساق قال عن ساقيه قال أبو عبد الله هكذا في قراءة ابن مسعود
قال السيوطي في الدر المنثور :
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر وابن منده عن ابن مسعود في قوله : يوم يكشف عن ساق قال : عن ساقيه تبارك وتعالى
وهل إثبات ساقين من خلال هذه الآية إلا إثبات للمعنى ؟
وهل يقول منصف إن هذا من ابن مسعود تفويض للآية ؟!!
ومن طريق عبد الرحمن المسعودي عن المنهال بن عمرو عن أبي عبيدة عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال :
" تسارعوا إلى الجمعة فإن الله عز و جل يبرز لأهل الجنة في كل جمعة في كثيب من كافور أبيض فيكونون منه في القرب على قدر تسارعهم إلى الجمعة في الدنيا فيحدث الله لهم من الكرامة شيئا لم يكونوا رأوه قبل ذلك ثم يرجعون إلى أزواجهم فتحدثهم بما قد أحدث لهم ثم دخل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه المسجد فرأى رجلين فقال رجلان وأنا الثالث وإن شاء الله أن يبارك في الثالث "
رواه ابن المبارك في الزهد والطبراني وابن خزيمة وعبد الله بن أحمد في السنة والدارقطني في الرؤية وابن أبي زمنين في رياضه وابن بطة من طرق عن المسعودي وفيهم من سمع منهم قبل الاختلاط
وهذا إسناد ثابت ورواية أبي عبيدة عن ابن مسعود لها حكم الاتصال
فقوله : " يبرز " وقوله : " في كل جمعة " وقوله : " فيكونون منه في القرب " كل هذه معاني ينكرها المفوض والمؤول ويزعمون أنها تستلزم التجسيم كيف ومن عقائدهم أن محمدا صلى الله عليه وسلم لا يكون عند الشفاعة يوم القيامة أقرب إلى ذات ربه من إبليس عليه لعنة الله
فإن زعم أحد أن هذا من ابن مسعود على وجه التفويض قلنا هذا تنصل من الحجج على مبدإ العناد لأن هذا المفوض لا يرى لأحد إثبات المعاني ولو كان صحابيا فالكل عنده يجهل معاني الصفات فإذا أتيناه بإثبات صريح لصحابي نكص وزعم أنه مفوّض أيضا ويبدو أنه كلما أثبتنا له أحدا من السلف بادر لزعم أنه مراد به التفويض وهذا تلاعب طفولي لا يصلح في ميادين العلم
وعن عاصم عن زر عن عبد الله قال :
" ما بين السماء القصوى والكرسي خمسمائة عام، ويبن الكرسي والماء كذلك، والعرش فوق الماء والله فوق العرش، ولا يخفى عليه شيء من أعمالكم" ا.هـ
رواه الطبراني في الكبير والبخاري في خلق أفعال العباد وابن خزيمة في التوحيد واللالكائي في الاعتقاد والبيهقي في الأسماء والصفات وغيرهم
من طرق عن عاصم بن بهدلة عن زر عن عبد الله به
وهذا إسناد جيد فيه عاصم جيد الحديث
سياقه صريح في العلو الذاتي والأثر لا يحتمل التأويل مطلقا فسياقه قرينة توجب حمله على فوقية الذات وهو أثر ثابت
وبالله هذا التدرج المتسلسل بين السماء القصوى والكرسي ثم بين الكرسي والماء ثم الماء والعرش ليصل إلى تقرير أن الله فوق هذا العرش ثم يتحرز بدفع توهم أن هذه الفوقية الحقيقية قد توهم أنها تسبب في خفاء ما نعمله في الأرض عن الله
ـ أبو موسى الأشعري رضي الله عنه .
عن ابن جحادة ، عن سلمة بن كهيل ، عن عمارة بن عمير ، عن أبي موسى ، رضي الله عنه قال : الكرسي موضع القدمين وله أطيط كأطيط الرحل .
رواه الطبري في تفسيره والبيهقي في الأسماء والصفات وأبو الشيخ في العظمة وعبد الله بن أحمد في السنة وابن أبي شيبة في العرش
وإن كان عمارة لم يدرك أباموسى لكني أوردته لاعتماد كثير من الأئمة له ولأنه صح مثله عن ابن عباس
ـ عبد الله بن عباس رضي الله عنه .
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: قال : ( وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ ) [البقرة آية 255] , قَالَ: الكرسيُّ مَوْضِعُ الْقَدَمَيْنِ , وَلا يُقْدَرُ قَدْرَ عَرْشِهِ.
رواه جمع كبير من الأئمة منهم عبد الرزاق والطبري والطبراني وابن خزيمة والبيهقي وغيرهم بإسناد صحيح
تأمل تفسير الآية ومنه تعلم حرص هذا الصحابي على إثبات معاني الصفات ، فهو قد ذكر معنى يتعلق بصفة لم تذكر في ظاهر الآية
وعن الْحَكَمُ بْنُ أَبَانَ ، قَالَ : حَدَّثَنِي عِكْرِمَةُ قَالَ سُئِلَ ابْنُ عَبَّاسٍ هَلْ رَأَى مُحَمَّدٌ رَبَّهُ قَالَ نَعَمْ قُلْتُ أَنَا لابْنِ عَبَّاسٍ أَلَيْسَ يَقُولُ الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ فَقَالَ لا أُمَّ لَكَ وَكَانَتْ كَلِمَتُهُ لِي ، ذَلِكَ نُورُهُ الَّذِي هُوَ نُورُهُ إِذَا تَجَلَّى بِنُورِهِ لا يُدْرِكُهُ شَيْء.ٌ
رواه ابن خزيمة وابن أبي حاتم واللالكائي وغيرهم وإسناده حسن
قال الحافظ عن رجال هذا الإسناد في خبر آخر : لا بأس بهم
وفيه إثبات صفة النور على أنه نور حقيقة وذلك في قوله : " ذَلِكَ نُورُهُ الَّذِي هُوَ نُورُهُ "
وقال الحافظ في الفتح :
" وقد أخرج الأموي في مغازيه ومن طريقه البيهقي عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن ابن عباس في قوله تعالى ( ولقد رآه نزلة أخرى ) قال دنا منه ربه .
قال الحافظ : وهذا سند حسن وهو شاهد قوي لرواية شريك "
أليس هذا تفسيرا للآية مشتملا على معنى صفة القرب
قال اللالكائي :
وأخبرنا محمد بن عبد الرحمن قال أخبرنا عبد الله بن محمد البغوي قال ثنا سعيد بن يحيى الأموي قال حدثني أبي قال ثنا محمد بن عمرو بن علقمة عن أبي سلمة عن ابن عباس في قوله ولقد رآه نزلة أخرى عند سدرة المنتهى قال :
دنا ربه منه فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى فأوحى إلى عبده ما أوحى قال قد رآه النبي صلى الله عليه و سلم
وقال الله تعالى: { فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ } ، قال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: { آسفونا } أسخطونا.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قال: أخبرني عمرو بن دينار أنه سمع عكرمة، عن ابن عباس، قال : والله ما أدري ما حنانا.
سبحان الله هذا يدل على أن ابن عباس ليس من عادته تفويض الصفات إذ لو كان يفوضها ما خص هذه الصفة بعدم الدراية فحلفه على ذلك دال على أن هذا خلاف الأصل عنده
بدليل أنه جاءت تتمة لهذه الرواية تدل على هذا
قال ابن أبي حاتم في تفسيره :
عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ : ( وَحَنَانًا ) ، قَالَ :
" لا أدري مَا هُوَ، إلا أني أظنه تعطف الله عَلَى خلقه بالرحمة".
وهو في تفسير الثوري
يرويه سفيان عن أبيه عن عكرمة قال سئل بن عباس عن قوله فيه من لدنا وزكاة ما أدري ما هو الا أن يكون يعطف الله على عبده بالرحمة
وعند الحاكم في المستدرك :
أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الله الشافعي ، ثنا إسحاق بن الحسن الحربي ، ثنا أبو حذيفة ، ثنا سفيان ، عن أبيه ، عن عكرمة ، عن ابن عباس رضي الله عنهما ، قوله عز وجل : ( وحنانا من لدنا (1) ) قال : « التعطف بالرحمة »
قال السيوطي في الدر المنثور :
وأخرج عبد الرزاق والفريابي وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والزجاجي في أماليه والحاكم وصححه والبيهقي في الأسماء والصفات من طريق عكرمة عن ابن عباس في قوله : وحنانا قال : لا أدري ما هو إلا أني أظنه تعطف الله على خلقه بالرحمة
وأخرج ابن جرير عن سعيد بن جبير قال : سألت ابن عباس عن قوله : وحنانا فلم يجر فيها شيئا
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله : وحنانا من لدنا قال : رحمة من عندنا
وأخرج الطستي عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق قال له أخبرني عن قوله : وحنانا من لدنا قال : رحمة من عندنا
قال : وهل تعرف العرب ذلك ؟ قال : نعم
هذا من ابن عباس نقض لمذهب التفويض ، فهل من يفسر الرحمة على أنها حنان وتعطف من الله يكون قد فوض ؟!
إذًا اثبتوا على هذا المذهب وسموه ما شئتم
وروى الطبري وغيره عن ابن عباس قال :
" السماوات السبع والأرضون السبع وما فيهن في يد الرحمن كخردلة في يد أحدكم "
وهذا إثبات صريح لا يصدر من مفوض
ومثله ما ذكره أبو الشيخ في العظمة حيث قال :
ورواه سفيان عن عمار الدهني عن مسلم البطين عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله عز و جل والارض جميعا قبضته يوم القيامة والسموات مطويات بيمينه قال السماوات والارض قبضة واحدة
وهو في جزء المروذي من حديث ابن معين
حدثنا وكيع عن سفيان عن عمار عن مسلم البطين عن سعيد بن جبير عن ابن عباس ( والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسموات مطويات بيمينه ) قال السموات والأرض قبضة واحدة
وله طريق آخر عند الدارمي في النقض بنحوه
أليس هذا تفسيرا للصفة ؟
وقال الحافظ في الفتح :
" ونقل محي السنة البغوي في تفسيره عن ابن عباس وأكثر المفسرين أن معناه ارتفع ، وقال أبو عبيدة والفراء بنحوه " ا.هـ
قال البيهقي في كتابه الأسماء والصفات :
أنبأنا الحاكم ،حدثنا الأصم ، حدثنا محمد بن الجهم حدثنا يحيى بن زياد الفراء قال: "وقد قال عبد الله بن عباس: ( ثُمّ اسْتَوَى ) صعد، وهو كقولك للرجل كان قاعدا فاستوى قائماً، وكان قائمًا فاستوى قاعدًا، وكل في كلام العرب جائز"
بعيدا عن التزوير والتمويهات
( الجزء الأول : المبحث التأصيلي )
الحمد لله الذي مَنّ على هذه الأمة بخير صحب ، وحفظ بهم دينه لمن أقبل عليه ورغب ، وجعل السلامة والعافية في ركبهم آمَنِ رَكْب .
والصلاة والسلام على نبيه وخليله محمد ، أشرفِ وأطهرِ من دعا وأرشد وخطب .
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ما قام طِرْف وأكرم وحيا ورحّب .
أما بعد :
فهذا هو الجزء الأول من مبحث التفويض الذي عكفت على تحضيره منذ أشهر ، وقد اعترضتْني فيه عدة مشاغل أخّرتْه عن النشر ، ولا زالت بعض المشاغل تعترضني ، منها سفري في هذا اليوم راجعا إلي بلدي .
فرأيت أن أستعجل بإخراج ما هو شبه جاهز منه حرصا والله على الفائدة لما يستقبلني من أمر الانشغال بأهلي وانتقالي إلى مسكن غير الذي كنت أسكنه قبل السفر .
فرأيت أن أطرح في هذا الموقع المبارك ما اقترب من التمام من الجزء الأول مع مراجعتي له مراجعة غير دقيقة ومع بقاء جزء مهم متمم سألحقه بهذا الجزء لاحقا بإذن الله
وهذا الجزء الأول يمثل مقدمة في الرد على أهل التفويض وجعلتها مقدمة تأصيلية وسيعقبه الجزء الثاني وهو مبحث جدلي في كشف تحريفات وتزويرات صاحب كتاب :
" القول التمام بإثبات التفويض مذهبا للسلف الكرام "
ذلكم الكتاب الذي تمالأ فيه جماعة من المنتسبين إلى العلم على مذهب أهل السنة والجماعة المتبعين للسلف الصالح من سلف هذه الأمة وغمزوا بهم ولمزوا وطعنوا وسفهوا وحرصوا على تشويه الحق الذي عليه هذه الطائفة ولا أريد الآن أن استعجل في كشف هذا ولا أن أكثر من الدعاوى .
لكني أُعْلِم من لم يطلع على هذا الكتاب أو من اطلع عليه ممن لم يدرس هذا الباب حق الدراسة أن الكتاب المذكور والله وتالله وبالله لَمِنَ الهزالة والضعف والبعد عن أصول العلم ما يستغربه كل صاحب علم وبصيرة !!
ولأجل هزالته فضلت أن أُأَخر نقده ، لأنه سيصرفني عن أصل الموضوع لكثرة ما اشتمل عليه من خلط علمي سيء ، وفضلت أن أشتغل بأصل الموضوع فهذا أقرب للصدق في النقد وأنفع بلا شك للخلق ، ولأنه من تقديم ما حقه التقديم ولن يصرفني عن تحضير الجزء الثاني وهو الخاص بملاحقة هذه الطائفة المخالفة للحق إلا قدر رب العالمين .
لا أريد أن أطيل بهذه المقدمة فلقد أزف الترحل وضاق بي الوقت جدا لكني أنبه إلى أن فصلا من أهم فصول هذا الجزء التأصيلي يكاد يجهز سأتبع إلحاقه به وهو يتعلق بتحديد معاني الصفات وضوابطها ، إضافة إلى مادة طيبة من أقوال السلف وأهل العلم فاتني إضافتها للفصول المثبتة في هذا الجزء سألحقها في فرصة قريبة بإذن الله
وأعتذر للقارئ على هذا الاستعجال الذي حرمني ترتيب هذا الجزء والتدقيق في إخراجه لكني أعده بفعل هذا قريبا بإذن الله
قبل الولوج أذكر بخلاصة مذهب السلف في الصفات :
فهم يثبتون من صفات الله كل ما جاءت به نصوص الكتاب والسنة لا يفرقون بين صفات دون صفات فكل ما جاءت به النصوص من ذلك فهو مثبت عندهم إثباتا حقيقيا صادقا لا كذب فيه ولا تمويه من غير تحريف أو تأويل أو تعطيل ومن غير تشبيه أو تكييف أو تمثيل
فهم يثبتون كل صفة بمعناها الظاهر من النص وعلى ما يتبادر منها من فهمٍ في لغة العرب
فالمعنى لغة هو المفهوم من ظاهرِ اللفظِ والذي تصِلُ إليه بغيرِ واسِطَة
كما عرفه المتخصصون من أهل العلم .
ولتتضح هذه الخلاصة أقول :
الإثبات هو :
ـ اعتقاد أن ظاهرها مراد
ـ اعتقاد أن الصفة المذكورة في ظاهر اللفظ هي على حقيقتها وهذا توضيح للفقرة السابقة
ـ اعتقاد أن معناها الظاهر معلوم لنا .
ـ اعتقاد أن لها كيفية وإن جهلناها
وباختصار نحن نثبت أي معنى للصفات جاءت به النصوص أو جاء عن السلف ولو كان بعضا من معنى الصفة
أما التكييف فهو وصف دقيق أو مفصل أو تام للصفة .
والتشبيه هو وصف للموصوف بصفة الغير إجمالا
والتمثيل هو وصف للموصوف بصفة الغير تفصيلا
والتعطيل نفي حقيقة الصفات المثبتة في النصوص عن الله
أما مباحث هذا الجزء فهي كالتالي :
ـ تقرير السلف لمبدإ إثبات معاني الصفات المنافي لتفويضها .
ـ تطبيقات الصحابة في ذلك
ـ تطبيقات التابعين في ذلك
ـ تطبيقات بقية السلف في ذلك
ـ تطبيقات أئمة أهل السنة السائرين على ما كان عليه السلف
ـ فصل في الكيف وما ورد عن السلف فيه
ـ فصل في الحد وما ورد فيه
ـ فصل فيما تعلّق به من نسب التفويض إلى السلف
لم يبق لي وقت أسأل الله التوفيق والسداد والحفظ والإعانة وأسأله الإخلاص في القول والعمل إنه ولي ذلك والقادر عليه
تقرير السلف لمبدإ إثبات معاني الصفات المنافي لتفويضها .
سأبدأ بأقوال السلف فمن بعدهم الخاصة بإثبات المعاني التي تبين موقفهم من الصفات عموما بما فيها الصفات الخبرية دون تطبيقاتهم على صفات معينة فذلك باب أوسع وهو وجه آخر يبين موقف السلف من إثبات المعاني سيلي هذا الوجه .
وسأقتصر بإذن الله على الصريح وما في حكمه تاركا العشرات من مقالاتهم الدالة على ذلك بسبب شدة عناد المخالف الذي يستغل في إبطالها كل سبيل ولو كان مناف للمروءة العلمية ومصداقية العلم
مع أن مجموع ما يجيبون عنه لا يحتمل أجوبة القوم
لكني هنا سأقتصر كما ذكرت على الصريح وما في حكمه
ـ الإمام مالك بن أنس إمام دار الهجرة
قال الإمام أبوبكر بن العربي المالكي الأشعري معترفا كما في شرحه على الترمذي المسمى بعارضة الأحوذي :
" وذهب مالك رحمه الله أن كل حديث منها ـ أي أحاديث الصفات ـ معلوم المعنى ولذلك قال للذي سأله : الاستواء معلوم والكيفية مجهولة " ا.هـ
عارضة الأحوذي (3/166)
ما أظن أنه بقي مجال لمن اعتدنا منهم العناد على منوال ( عنزة ولو طارت )
وقال الإمام المفسر القرطبي المالكي الأشعري في تفسيره ( 7/140-141 ) :
" وَقَدْ كَانَ السَّلَف الْأُوَل رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ لَا يَقُولُونَ بِنَفْيِ الْجِهَة وَلَا يَنْطِقُونَ بِذَلِكَ , بَلْ نَطَقُوا هُمْ وَالْكَافَّة بِإِثْبَاتِهَا لِلَّهِ تَعَالَى كَمَا نَطَقَ كِتَابه وَأَخْبَرَتْ رُسُله .
وَلَمْ يُنْكِر أَحَد مِنْ السَّلَف الصَّالِح أَنَّهُ اِسْتَوَى عَلَى عَرْشه حَقِيقَة . وَخُصَّ الْعَرْش بِذَلِكَ لِأَنَّهُ أَعْظَم مَخْلُوقَاته , وَإِنَّمَا جَهِلُوا كَيْفِيَّة الِاسْتِوَاء فَإِنَّهُ لَا تُعْلَم حَقِيقَته . قَالَ مَالِك رَحِمَهُ اللَّه : الِاسْتِوَاء مَعْلُوم - يَعْنِي فِي اللُّغَة - وَالْكَيْفَ مَجْهُول , وَالسُّؤَال عَنْ هَذَا بِدْعَة " ا.هـ
وقوله : " يعني في اللغة " هو من كلام القرطبي وموافق لنفس ما ذكره ابن العربي وهما أشعريان فماذا عسى أن يقول المخالف
وقال العلامة الملا عليّ القاري في المرقاة عند دفاعه عن الإمامين ابن القيم رحمه الله وشيخه شيخ الإسلام فقال ما نصه :
" ومن طالع شرح منازل السائرين لنديم الباري الشيخ عبد الله الأنصاري الحنبلي قدس الله تعالى سره الجلي ، تبين له أنهما كانا من أهل السنة والجماعة ، بل ومن أولياء هذه الأمة ، ومما ذكر في الشرح المذكور ما نصه على وفق المسطور هو قوله على بعض عبارة المنازل ... ما نصه :
" أن حفظه حرمة نصوص الأسماء والصفات بإجراء أخبارها على ظواهرها ، وهو اعتقاد مفهومها المتبادر إلى أفهام العامة ولا نعني بالعامة الجهال بل عامة الأمة .
كما قال مالك رحمه الله وقد سئل عن قوله تعالى الرحمن على العرش استوى طه : كيف استوى ؟
فأطرق مالك رأسه حتى علاه الرحضاء ثم قال :
" الاستواء معلوم ، والكيف غير معقول ، والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة "
فرق بين المعنى المعلوم من هذه اللفظة وبين الكيف الذي لا يعقله البشر وهذا الجواب من مالك رحمه الله شاف عام في جميع مسائل الصفات من السمع والبصر والعلم والحياة والقدرة والإرادة والنزول والغضب والرحمة والضحك ، فمعانيها كلها معلومة وأما كيفيتها فغير معقولة ... قال القاري عند نهاية كلام ابن القيم :
انتهى كلامه وتبين مرامه ، وظهر أن معتقده موافق لأهل الحق من السلف وجمهور الخلف فالطعن والتشنيع والتقبيح الفظيع غير موجه عليه ولا متوجه إليه فإن كلامه بعينه مطابق لما قاله الإمام الأعظم والمجتهد الأقدم في فقهه الأكبر " ا.هـ
فها هو الإمام القاري نقل كلام الإمام ابن القيم وهو يشرح عبارة مالك مقرا محتجا بما يتفق تماما مع كلام ابن العربي والقرطبي
وأنا لا أحتج بهذا في بيان مذهب ملا القارئ فإنه كان مضطرب المذهب وإنما الاحتجاج بفهمه لعبارة مالك الموافق لكلام ابن العربي والقرطبي
وقال الشيخ العلامة محمد الأمين الشنقيطي المالكي :
" أما المعاني فهي معروفة عند العرب كما قال الإمام مالك بن أنس -رحمه الله-: " الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والسؤال عنه بدعة "
كذلك يقال في النزول: النزول غير مجهول، والكيف غير معقول، والسؤال عنه بدعة، واطّرده في جميع الصفات؛ لأنَّ هذه الصفات معروفة عند العرب، إلاّ أنَّ ما وصف به خالق السموات والأرض منها أكمل وأجلّ وأعظم من أن يشبه شيئاً من صفات المخلوقين، كما أنَّ ذات الخالق -جلّ وعلا- حق والمخلوقون لهم ذوات، وذات الخالق -جلّ وعلا- أكمل وأنزه وأجلّ من أن تشبه شيئاً من ذوات المخلوقين" ا.هـ
وعبارة مالك ظاهرة كما شرحها هؤلاء العلماء وجلهم مالكية ، وجلهم أشاعرة ، وليسوا وهابيين ولا تيميين !! حتى لا يتذرع من اعتاد التهرب من مذاهب أهل العلم تحت شعارات تشويهية باطلة .
وما ذكروه ظاهر من عبارته ومنسجم مع المعروف من مذهبه ولولا ضيق المقام لشرحت هذا الانسجام .
وما سبق ذكره ظاهر لمن نظر في الأثر بعيدا عن التعصب والتكلف ولعلي أضيف ما يؤكد هذا
فالأثر قدروي بألفظ أصحها :
" جاء رجل فقال : يا أبا عبد الله ? الرَّحْمَنُ عَلَى العَرْشِ اسْتَوَى ? فكيف استوى ؟
قال : فأطرق مالك رأسه حتى علاه الرحضاء ثم قال :
" الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة، وما أراك إلاّ مبتدعاً. فأمر به أن يُخرج " ا.هـ
، ومما جاء من ألفاظ الأثر ما يوضح مراد مالك التالي :
قال الحافظ ابن عبد البر -رحمه الله-: أخبرنا أبو محمد عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن ...
عن سريج بن النعمان ، قال : حدّثنا عبد الله بن نافع ، قال : قال مالك بن أنس : " الله في السماء وعلمه في كلِّ مكان، لا يخلو منه مكان، قال : وقيل لمالك : الرَّحْمَنُ عَلَى العَرْشِ اسْتَوَى ? كيف استوى؟، فقال مالك -رحمه الله-: استواؤه معقول، وكيفيته مجهولة، وسؤالك عن هذا بدعة، وأراك رجل سوء " .
قال القاضي عياض :
" قال أبو طالب المكي :
كان مالك -رحمه الله- أبعدَ الناس من مذاهب المتكلِّمين، وأشدَّهم بُغضاً للعراقيين، وألزَمَهم لسنة السالفين من الصحابة والتابعين .
قال سفيان بن عيينة : سأل رجلٌ مالكاً فقال: ? الرَّحْمَنُ عَلَى العَرْشِ اسْتَوَى ? كيف استوى يا أبا عبد الله؟، فسكت مالكٌ مليًّا حتى علاه الرحضاء، وما رأينا مالكاً وجد من شيء وجده من مقالته، وجعل الناس ينظرون ما يأمر به، ثمَّ سُريَّ عنه فقال :
" الاستواء منه معلوم، والكيف منه غير معقول، والسؤال عن هذا بدعة، والإيمان به واجب، وإني لأظنُّك ضالاًّ، أخرجوه " .
قال الحافظ ابن عبد البر -رحمه الله-: وأخبرنا محمد بن عبد الملك... من طريق مهدي بن جعفر، ثم قال :
قال بقي : وحدّثنا أيوب بن صلاح المخزومي بالرملة، قال :
" كنا عند مالك إذ جاءه عراقي فقال له :
يا أبا عبد الله مسألة أريد أن أسألك عنها ؟، فطأطأ مالك رأسه فقال له : يا أبا عبدالله ? الرَّحْمَنُ عَلَى العَرْشِ اسْتَوَى ? كيف استوى ؟، قال : سألتَ عن غير مجهول، وتكلّمت في غير معقول، إنّك امرؤ سوء، أخرِجوه، فأخذوا بضبعيه فأخرجوه " .
وقال ابن رشد في البيان والتحصيل :
" قال سحنون :
أخبرني بعض أصحاب مالك أنَّه كان قاعداً عند مالك فأتاه رجل فقال: " يا أبا عبد الله مسألة ؟ ، فسكت عنه ثم قال له : مسألة ؟، فسكت عنه، ثم عاد فرفع إليه مالك رأسَه كالمجيب له .
فقال السائل : يا أبا عبد الله: ? الرَّحْمَنُ عَلَى العَرْشِ اسْتَوَى ?، كيف كان استواؤه؟ فطأطأ مالك رأسَه ساعة ثم رفعه، فقال: (( سألتَ عن غير مجهول، وتكلّمتَ في غير معقول، ولا أراك إلاَّ امرأ سوء، أَخرِجوه .
هذه مجمل الروايات التي جاءت بمعنى متقارب وأحدها صريح لا يحتمل تكلف المخالف وهو قوله :
" الاستواء معقول "
فلا يصلح حمله على اللفظ وحده بل هو نص في المعنى ، وباعتبارها إحدى روايات الأثر التي روت معناه وليست هي الأصح لكنها بمعنى الرواية الأصح فالاستدلال بها لا يرفضه من كان صادقا في طلب مراد مالك وهي أولى من تكلف المخالف
ثم الرواية الأصح وهي قوله " غير مجهول " لا يليق حملها على اللفظ لأنها خرجت جوابا عن مسؤول به وهو اللفظ لمسؤول عنه وهو الكيف فلا يكون المسؤول به نفسه جوابا وإلا كان أقرب إلى اللغو وهذا ليس من طبيعة الأجوبة عادة ، فضلا عن الأجوبة العلمية ، فضلا عن أجوبة كبار العلماء .
فحمله عليه خلاف الطبيعي وخلاف الأصل .
ولو كان لفظ الاستواء ( مجرد اللفظ ) هو المعْنِي في جواب مالك بقوله : " غير مجهول " كما يدعي المخالف :
ـ لما عبر مالك بهذا التعبير ولقال مالك مثلا : " الاستواء مذكور " أو نحو هذا ، وما احتاج إلى أسلوب النفي " غير مجهول " ! الذي يلجأ إليه من بحاجة إلى تقرير مراد فيه نوع بعد
ـ وما احتاج لنفي ما هو منتف اتفاقا وهو الجهل باللفظ وقد جاء في نص السؤال
ـ وما احتاج مالك لنفي ما لا معنى لنفيه !!
فقوله : " غير مجهول " ظاهره : أن المقصود بهذا أمر معروف وإن لم يُذكر ولم يفصح عنه ، لكونه معروفا وهذا ممتنع في مجرد اللفظ
ورواية : " سألت عن غير مجهول " لا تحتمل ذلك التكلف لأنها بينت أن الغير مجهول في عبارة مالك ليس مجرد لفظ الاستواء لقوله : " سألتَ " وبالاتفاق السائل لم يسأل عن مجرد اللفظ !
والجدير بالذكر ختاما ما يلي :
ـ أننا لم نختلف مع عامة مخالفينا في صحة الأثر إلا من شذ منهم وهذا الطرف الشاذ يعكس لك ما يخفيه بعضهم من الشعور بأن معناه ضدهم لكنه يخفيه
ـ كما أننا لم نختلف في قوله : " والكيف مجهول أو غير معقول " وأنه يدل على تفويضه للكيف
ـ كما أننا لا نختلف في أن مالكا لم يتعرض في الأثر لتفويض شيء آخر إلا الكيف
ـ وإنما خلافنا يكاد ينحصر في قوله : " الإستواء غير مجهول " أو الاستواء معلوم " أو الإستواء معقول "
وأظن أن الصواب في عبارة مالك واضح ظاهر لا يحتاج إلى تحكم وتكلف ومعَنا فيما نقول به ظاهر لفظ مالك نفسه ، واعتراف من علمائهم وروايات بالمعنى وماذا يطلبون أكثر من هذا ؟
ـ الإمام إسحاق بن راهويه من كبار أئمة السنة :
قال أَبُو الشَّيْخِ الْأَصْبَهَانِيُّ فِي كِتَابِ السُّنَّةِ لَهُ قَالَ :
وَفِيمَا أَجَازَنِي جَدِّي رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ : قَالَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ :
إنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَصَفَ نَفْسَهُ مِنْ كِتَابِهِ بِصِفَاتٍ اسْتَغْنَى الْخَلْقُ كُلُّهُمْ عَنْ أَنْ يَصِفُوهُ بِغَيْرِ مَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ وَأَجَلَّهُ فِي كِتَابِهِ , فَإِنَّمَا فَسَّرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعْنَى إرَادَةِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى
قَالَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ حَيْثُ ذَكَرَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ , فَقَالَ : { تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِك } وَقَالَ فِي مُحْكَمِ كِتَابِهِ : { فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ } , { وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ }, وَقَالَ : { بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ } وَقَالَ : { يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ } . وَقَالَ : { خَلَقْت بِيَدَيَّ } وَقَالَ فِي آيَاتٍ كَثِيرَةٍ { وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ } وَقَالَ : { وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي } وَكُلُّ مَا وَصَفَ اللَّهُ بِهِ نَفْسَهُ مِنْ الصِّفَاتِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا مِمَّا هِيَ مَوْجُودَةٌ فِي الْقُرْآنِ , وَمَا لَمْ نَذْكُرْ فَهُوَ كَمَا ذُكِرَ .
وَإِنَّمَا يَلْزَمُ الْعِبَادَ الِاسْتِسْلَامُ لِذَلِكَ وَالتَّعَبُّدُ لَا نُزِيلُ صِفَةً مِمَّا وَصَفَ اللَّهُ بِهِ نَفْسَهُ أَوْ وَصَفَ الرَّسُولُ عَنْ جِهَتِهِ لَا بِكَلَامٍ وَلَا بِإِرَادَةٍ , وَإِنَّمَا يَلْزَمُ الْمُسْلِمَ الْأَدَاءُ وَيُوقِنُ بِقَلْبِهِ أَنَّ مَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ فِي الْقُرْآنِ إنَّمَا هِيَ صِفَاتُهُ , وَلَا يَعْقِلُ نَبِيٌّ مُرْسَلٌ وَلَا مَلَكٌ مُقَرَّبٌ تِلْكَ الصِّفَاتِ إلَّا بِالْأَسْمَاءِ الَّتِي عَرَّفَهُمْ الرَّبُّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى , فَأَمَّا أَنْ يُدْرِكَ أَحَدٌ مِنْ بَنِي آدَمَ مَعْنَى تِلْكَ الصِّفَاتِ فَلَا يُدْرِكُهُ أَحَدٌ . وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إنَّمَا وَصَفَ مِنْ صِفَاتِهِ قَدْرَ مَا تَحْتَمِلُهُ عُقُولُ ذَوِي الْأَلْبَابِ . لِيَكُونَ إيمَانُهُمْ بِذَلِكَ وَمَعْرِفَتُهُمْ بِأَنَّهُ الْمَوْصُوفُ بِمَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ وَلَا يَعْقِلُ أَحَدٌ مُنْتَهَاهُ وَلَا مُنْتَهَى صِفَاتِهِ , وَإِنَّمَا يَلْزَمُ الْمُسْلِمَ أَنْ يُثْبِتَ مَعْرِفَةَ صِفَاتِ اللَّهِ بِالْإِتْبَاعِ وَالِاسْتِسْلَامِ كَمَا جَاءَ , فَمَنْ جَهِلَ مَعْرِفَةَ ذَلِكَ حَتَّى يَقُولَ إنَّمَا أَصِفُ مَا قَالَ اللَّهُ وَلَا أَدْرِي مَا مَعَانِي ذَلِكَ حَتَّى يُفْضِيَ إلَى أَنْ يَقُولَ بِمَعْنَى قَوْلِ الْجَهْمِيَّةِ يَدٌ نِعْمَةٌ وَيَحْتَجْ بِقَوْلِهِ أَيْدِينَا أَنْعَامًا وَنَحْوَ ذَلِكَ , فَقَدْ ضَلَّ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ . هَذَا مَحْضُ كَلَامِ الْجَهْمِيَّةِ حَيْثُ يُؤْمِنُونَ بِجَمِيعِ مَا وَصَفْنَا مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ , ثُمَّ يُحَرِّفُونَ مَعْنَى الصِّفَاتِ عَنْ جِهَتِهَا الَّتِي وَصَفَ اللَّهُ بِهَا نَفْسَهُ , حَتَّى يَقُولُوا مَعْنَى السَّمِيعِ هُوَ الْبَصِيرُ وَمَعْنَى الْبَصِيرِ هُوَ السَّمِيعُ , وَيَجْعَلُونَ الْيَدَ يَدَ نِعْمَةٍ وَأَشْبَاهَ ذَلِكَ يُحَرِّفُونَهَا عَنْ جِهَتِهَا لِأَنَّهُمْ هُمْ الْمُعَطِّلَةُ .
ساقه بحروفه من كتاب السنة لأبي الشيخ الأصبهاني شيخُ الإسلام كما في الفتاوى الكبرى له
ونقل طرفا منه موافقا ما نقله شيخ الإسلام الإمام أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الكرجي فِي كِتَابِهِ الَّذِي سَمَّاهُ " الْفُصُولُ فِي الْأُصُولِ عَنْ الْأَئِمَّةِ الْفُحُولِ إلْزَامًا لِذَوِي الْبِدَعِ وَالْفُضُولِ " وَكَانَ مِنْ أَئِمَّةِ الشَّافِعِيَّةِ – وهو في مجموع الفتاوى
فقول إسحاق : " فَإِنَّمَا فَسَّرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعْنَى إرَادَةِ اللَّهِ " ثم ذكر النصوص المشتملة على الصفات الخبرية محل النزاع .
فيه أن النبي كان يعلم تفسير معاني هذه النصوص وغيرها كما توضحه الأمثلة بل فيه أن ما ذكره صلى الله عليه وسلم أراد به تفسيرها كما هو صريح قوله ( فسر )
فالمعاني مرادة وإلا لما كان تفسيرا
وقوله : " لَا نُزِيلُ صِفَةً مِمَّا وَصَفَ اللَّهُ بِهِ نَفْسَهُ أَوْ وَصَفَ الرَّسُولُ عَنْ جِهَتِهِ لَا بِكَلَامٍ وَلَا بِإِرَادَةٍ , وَإِنَّمَا يَلْزَمُ الْمُسْلِمَ الْأَدَاءُ "
فيه أن هذه النصوص لها جهة لا تصرف عنها وهي ظاهرها
( لا بكلام ) كالتأويل ( ولا بإرادةٍ ) لترك هذا الظاهر ولو دون كلام كما هو التفويض
بل لابد من أداء هذه الجهة لزوما وهي الظاهر
وقوله : " وَلَا يَعْقِلُ نَبِيٌّ مُرْسَلٌ وَلَا مَلَكٌ مُقَرَّبٌ تِلْكَ الصِّفَاتِ إلَّا بِالْأَسْمَاءِ الَّتِي عَرَّفَهُمْ الرَّبُّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى "
فيه أن هذه الصفات تعقل معانيها وتفهم عن طريق أسماء هذه الصفات والتي هي ألفاظها اتفاقا
وقوله : " فَأَمَّا أَنْ يُدْرِكَ أَحَدٌ مِنْ بَنِي آدَمَ مَعْنَى تِلْكَ الصِّفَاتِ فَلَا يُدْرِكُهُ أَحَدٌ . وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إنَّمَا وَصَفَ مِنْ صِفَاتِهِ قَدْرَ مَا تَحْتَمِلُهُ عُقُولُ ذَوِي الْأَلْبَابِ . "
فيه أن هناك معنى لا يمكن أن يدركه أحد من بني آدم والذي عبر عنه بعدها ( بمنتهى الصفة ) وهو المعنى المفصل لحقيقة الصفة المعروف بالكيفية وهو ما لم توضحه النصوص
أما ما تدركه عقول ذوي الألباب من أصل المعنى فهو الذي وصف في النصوص وقوله في هذا واضح : " وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إنَّمَا وَصَفَ مِنْ صِفَاتِهِ قَدْرَ مَا تَحْتَمِلُهُ عُقُولُ ذَوِي الْأَلْبَابِ "
تأمل فصفاته لها قدر تدركه العقول وهو أصل المعنى وقال " وصف من صفاته " ولم يقل ذكر ليبين أن أصل المعنى مراد
ويؤكده أنه علل إيراد نصوص الصفات بما يدل على أنها معروفة المعاني في الجملة لا على أنها بمنزلة المتشابه وذلك ببيان أنها سيقت لتُوصل تلك العقول إلى معرفة الموصوف عن طريق هذه الصفات ولتحصيل الإيمان لها وهذا ينافي كونها للاختبار قصدا كما هو شأن المتشابه
ثم تخصيصه لمنتهى الصفة بأنه لا يعقل أكّد أن أول الصفة وهو أصل معناها مما يعقل ويعلم
ثم قطع الإمام إسحاق الطريق على المفوضة بإنكاره على من يزعم جهل المعنى ويدعي الاقرار بالصفة ولا يدري المعنى بل اعتبره سالكا بذلك طريق التجهم
عندما قال :
" فَمَنْ جَهِلَ مَعْرِفَةَ ذَلِكَ حَتَّى يَقُولَ إنَّمَا أَصِفُ مَا قَالَ اللَّهُ وَلَا أَدْرِي مَا مَعَانِي ذَلِكَ حَتَّى يُفْضِيَ إلَى أَنْ يَقُولَ بِمَعْنَى قَوْلِ الْجَهْمِيَّةِ .. "
فلا يخالف عاقل أن هذا الكلام يدل على أن معاني الصفات معلومة بدليل ذمه من يدعي جهل معاني الصفات ويتبنى عدم الدراية للمعاني فالمقام والسياق إنما لذم المذكور
وهذا دليل على أن خط التأويل في زمنهم أيضا يسير بمحاذاة التفويض وكل يخدم الآخر كما هو الحال اليوم فما أشبه الليلة بالبارحة
وكلام إسحاق صريح بأن مذهب الجهل بالمعنى يفضي إلى تحريف الجهمية وهذا يبين أن مذهب السلف لا يقوم على جهل معاني الصفات لأنه لا يفضي إلى ذلك
وقوله : " ثُمَّ يُحَرِّفُونَ مَعْنَى الصِّفَاتِ عَنْ جِهَتِهَا الَّتِي وَصَفَ اللَّهُ بِهَا نَفْسَهُ , ... وَيَجْعَلُونَ الْيَدَ يَدَ نِعْمَةٍ وَأَشْبَاهَ ذَلِكَ يُحَرِّفُونَهَا عَنْ جِهَتِهَا لِأَنَّهُمْ هُمْ الْمُعَطِّلَةُ " .
إذا " معنى الصفات " كما هي عبارته لها جهة ينبغي علينا إثباتها ، وهذا أيضا إثبات صريح للمعنى يبطل مذهب التفويض
وقد أكد بما ذكر أن هذين الخطين يخرجان بالنصوص عن ظاهرها وجهتها والتأويل أصرح في التحريف وكلاهما خروج عن الظاهر خلافا لطريقة السلف
فإسحاق بن راهويه الإمام الكبير يثبت معاني الصفات بمنطوق كلامه وينكر على من ينادي بأنه مجهولة بمنطوق كلامه وتأمل عبارته :
" ... وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إنَّمَا وَصَفَ مِنْ صِفَاتِهِ قَدْرَ مَا تَحْتَمِلُهُ عُقُولُ ذَوِي الْأَلْبَابِ . لِيَكُونَ إيمَانُهُمْ بِذَلِكَ وَمَعْرِفَتُهُمْ بِأَنَّهُ الْمَوْصُوفُ بِمَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ وَلَا يَعْقِلُ أَحَدٌ مُنْتَهَاهُ وَلَا مُنْتَهَى صِفَاتِهِ , ... فَمَنْ جَهِلَ مَعْرِفَةَ ذَلِكَ حَتَّى يَقُولَ إنَّمَا أَصِفُ مَا قَالَ اللَّهُ وَلَا أَدْرِي مَا مَعَانِي ذَلِكَ حَتَّى يُفْضِيَ إلَى أَنْ يَقُولَ بِمَعْنَى قَوْلِ الْجَهْمِيَّةِ يَدٌ نِعْمَةٌ وَيَحْتَجْ بِقَوْلِهِ أَيْدِينَا أَنْعَامًا وَنَحْوَ ذَلِكَ , فَقَدْ ضَلَّ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ . هَذَا مَحْضُ كَلَامِ الْجَهْمِيَّةِ حَيْثُ يُؤْمِنُونَ بِجَمِيعِ مَا وَصَفْنَا مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ , ثُمَّ يُحَرِّفُونَ مَعْنَى الصِّفَاتِ عَنْ جِهَتِهَا الَّتِي وَصَفَ اللَّهُ بِهَا نَفْسَهُ "
وليس يصح في الأذهان شيء إذا احتاج النهار إلى دليل
ـ الإمام ابن الماجشون والإمام أحمد
قال الإمام ابن القيم في الصواعق :
" قال ابن الماجشون والإمام أحمد وغيرهما من السلف إنا لا نعلم كيفية ما أخبر الله به عن نفسه وإن كنا نعلم تفسيره ومعناه " ا.هـ
والعبارة بلفظها لأحدهم ومعناها للآخرين
ومن ذلك ما قاله أحمد - رحمه الله - كما في رسالة السنة برواية عبدوس بن مالك وهي من أصح ما ثبت عن أحمد :
" ومن لم يعرف تفسير الحديث ويبلغه عقله فقد كفي ذلك وأحكم له، فعليه الإيمان به والتسليم له، مثل حديث الصادق المصدوق، ومثل ما كان مثله في القدر، ومثل أحاديث الرؤية كلها ..."
فهذا نصٌّ في إثبات التفسير الذي هو بيان المعنى من الناحية اللغوية، وإشعار بأنه قد يشتبه على بعض الناس اشتباهاً إضافياً، أما من حيث الجملة فهو محكم معلوم المعنى، ولا يمكن أن يكون مجهولاً لدى كافة الأمة .
ورسالة عبدوس هذه من أصح ما جاء عن أحمد
وكونه تعالى يرى عيانا بالأبصار في الآخرة دون حجاب فيتجلى لعباده ليُرى هو من الصفات الخبرية خلافا لإمكانية الرؤية
وقد تواتر عن أحمد ما يدل على التعبير بأحاديث الرؤية مع وعن أحاديث الصفات وأن موقف السلف منهما واحد
من ذلك :
روى أبو بكرالمروذي رحمه الله قال :
" سألت أبا عبد الله عن الأحاديث التي تردها الجهمية في الصفات والرؤية والإسراء وقصة العرش ؟
فصححها أبو عبدالله ، وقال :
قد تلقتها العلماء بالقبول نسلم الأخبار كما جاءت
قال : فقلت له إن رجلا اعترض في بعض هذه الأخبار كما جاءت فقال يجفا وقال ما اعتراضه في هذا الموضع يسلم الأخبار كما جاءت "
وهو ثابت صحيح
وقال الخلال : وأخبرني علي بن عيسى أن حنبلاً حدثهم قال :
سألت أبا عبد الله عن الأحاديث التي تروي أن الله سبحانه ينزل إلى سماء الدنيا، وأن الله يرى، وأن الله يضع قدمه، وما أشبه هذه الأحاديث؟.
فقال أبو عبد اللّه : نؤمن بها ونصدق بها، ولا نَرُدُّ منها شيئاً، ونعلم أن ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم حق إذا كانت أسانيد صحاح، ولا نرد على الله قوله، ولا يوصف بأكثر مما وصف به نفسه بلا حد ولا غاية " لَيْسَ كَمِثْلِهِ شيءٌ وَهُوَ السّمِيع البَصيرُ "
وعن إسحاق بن منصور الكوسج قال :
قلت لأحمد- يعني ابن حنبل - ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة ، حين يبقى ثلث الليل الآخر إلى السماء الدنيا أليس تقول بهذه الأحاديث ؟ ويراه أهل الجنة ، يعني ربهم عز وجل ؟ ولا تقبحوا الوجه فإن الله عز وجل خلق آدم على صورته ، واشتكت النار إلى ربها عز وجل حتى وضع فيها قدمه و إن موسى لطلم ملك الموت ، قال أحمد : كل هذا صحيح ، قال إسحاق : هذا صحيح ، ولا يدعه إلا مبتدع أو ضعيف الرأي . آجري
أما التعبير بالرؤية بما يشمل حكم باقي الصفات
فعن حنبل قال : قلت لأبي عبد الله يعني أحمد في الرؤية
قال : أحاديث صحاح نؤمن بها ونقر وكلما روي عن النبي صلى الله عليه و سلم بأسانيد جيدة نؤمن به ونقر
وفي رواية أخرى قال أبو عبد الله أدركت الناس وما ينكرون من هذه الأحاديث أحاديث الرؤية وكانوا يحدثون بها على الجملة يمرونها على حالها غير منكرين لذلك ولا مرتابين
وأما عن غيره من السلف فعن الوليد بن مسلم قال :
سألت الأوزاعي وسفيان الثوري ومالك بن أنس والليث بن سعد عن هذه الأحاديث التي فيها الرؤية فقالوا : " أمروها بلا كيف "
وقيل لسفيان بن عينية هذه الأحاديث التي تروى في الرؤية فقال حق على ما سمعناها مما نثق به // رجاله ثقات
وعن العباس بن محمد الدوري قال سمعت أبا عبيد القاسم بن سلام يقول وذكر عنده هذه الأحاديث في الرؤية فقال هذه عندنا حق نقلها الناس بعضهم عن بعض // إسناده صحيح
فتقرير أحمد السابق أن تفسير النصوص في الرؤية قد يخفى على البعض فلا يعرفه يدل على أنه معروف في الأصل ، وهو تأصيل لباب الصفات كلها كما دلت عبارات أحمد الأخرى وغيرها
ـ الإمام عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري 276 هـ
قال رحمه الله :
" الواجب علينا أن ننتهي في صفات الله إلى حيث انتهى في صفته أو حيث انتهى رسوله صلى الله عليه وسلم ولا نزيل اللفظ عما تعرفه العرب ونضعه عليه ونمسك عما سوى ذلك "
عن كتابه اختلاف اللفظ ص25.
وسيأتي في باب التطبيقات ما يجلي مذهبه
ـ الإمام أبو العباس ابن سريج كبير الشافعية في زمانه ت 303 هـ
قال في رسالته في الاعتقاد عن نصوص الصفات :
" ... أن نقبلها ولا نردها، ولا نتأولها بتأويل المخالفين، ولا نحملها على تشبيه المشبهين، ولا نزيد عليها ولا ننقص منها، ولا نفسرها ولا نكيفها ولا نترجم عن صفاته بلغة غير العربية، ولا نشير إليها بخواطر القلوب ولا بحركات الجوارح، بل نطلق ما أطلقه الله عز وجل ونفسّر ما فسّره النبيُّ صلى الله عليه وسلم وأصحابه والتابعون والأئمة المرضيون من السلف المعروفين بالدين والأمانة، ونجمع على ما أجمعوا عليه، ونمسك عن ما أمسكوا عنه، ونسلم الخبر الظاهر والآية الظاهرة تنزيلها، لا نقول بتأويل المعتزلة والأشعرية والجهمية والملحدة والمجسمة والمشبهة والكرامية والمكيفة، بل نقبلها بلا تأويل ونؤمن بها بلا تمثيل، ونقول: الإيمان بها واجب، والقول بها سنة، وابتغاء تأويلها بدعة.." ا.هـ
فبصريح كلامه ومنطوقه أن لنا أن نترجم الصفات بمفهومها في لغة العرب
وأيضا بصريح كلامه ومنطوقه أن الأئمة من السلف فسروا نصوص الصفات وأن لنا أن نفسر بتفسيرهم وهو ما سيأتي في تطبيقات السلف
ـ الإمام محمد بن جرير بن يزيد الطبري ت 310 هـ
قال في كتابه " التبصير في معالم الدين " [ ص : 132-142 ] :
" القول فيما أدرك علمه من الصفات خبرا لا استدلالاً ... وذلك نحو إخباره عزوجل أنه : ( سميع بصير ) وأن له يدين بقوله : ( بل يداه مبسوطتان ) ، أن له يمينا لقوله : ( والسماوات مطويات بيمينه ) ، وأن له وجها بقوله : ( كل شي هالك إلاّ وجهه ) وقوله : ( ويبقى وجه ربك ) ، وأن له قدما بقول النبي : ( حتى يضع الرب فيها قدمه ) ، وأنه يضحك بقوله : ( لقي الله وهو يضحك إليه ) ، وأنه يهبط كل ليلة وينزل إلى سماء الدنيا لخبر رسول الله بذلك ، وأنه ليس بأعور لقول النبي
إذ ذكر الدجال فقال : ( إنه أعور وإن ربكم ليس بأعور ) ، وأن المؤمنون يرون ربهم يوم القيامة بأبصارهم كما يرون الشمس ليس دونها غياية ، وكما يرون القمر ليلة البدر ، لقول النبي ، وأن له أصابع لقول النبي : ( ما من قلب إلا وهو بين إصبعين من أصابع الرحمن ) " إلى أن قال :
"فإن قيل : فما الصواب من القول في معاني هذه الصفات التي ذكرت ، وجاء ببعضها كتاب الله عز وجل و وحيه وجاء ببعضها رسول الله ، قيل : الصواب من هذا القول عندنا : أن نثبت حقائقها على ما نَعرف من جهة الإثبات ونفي الشبيه كما نفى ذلك عن نفسه جل ثناؤه فقال : ( ليس كمثله شي وهو السميع البصير ) ."
فهذا صريح منه في أن الصواب في نصوص الصفات الخبرية أن نثبت من معانيها حقائقها على ما نعرف منها
والمراد بحقائقها ما هو ضد المجاز لأن الحقائق بمعنى الكيفيات ممتنع بالاتفاق وقوله على ما نعرف دال على ذلك فالكيفيات لا تعرف
ـ الإمام أبو الحسن الأشعري ت323 هـ
الإمام الأشعري في آخر أمره يرى أن معاني الصفات معلومة على ضوء لغة العرب
فها هو يقول عند ذكره للنصوص الواردة في الصفات الخبرية وعند تعرضه لصفة اليد ، بعد ذكر النصوص الدالة على إثبات اليد :
" وليس يجوز في لسان العرب ولا في عادة أهل الخطاب أن يقول القائل : عملت كذا بيدي ويعني به النعمة .
وإذا كان الله عز و جل إنما خاطب العرب بلغتها وما يجري مفهوما في كلامها ومعقولا في خطابها وكان لا يجوز في خطاب أهل اللسان أن يقول القائل : فعلت بيدي ( 1 / 127 ) ويعني النعمة بطل أن يكون معنى قوله تعالى : ( بيدي ) النعمة .
وذلك أنه لا يجوز أن يقول القائل : لي عليه يدي بمعنى لي عليه نعمتي ومن دافعَنا عن استعمال اللغة ولم يرجع إلى أهل اللسان فيها دوفع عن أن تكون اليد بمعنى النعمة .
إذ كان لا يمكنه أن يتعلق في أن اليد النعمة إلا من جهة اللغة فإذا دفع اللغة لزمه أن لا يفسر القرآن من جهتها ، وأن لا يثبت اليد نعمة من قبلها لأنه إن روجع في تفسير قوله تعالى : ( بيدي ) نعمتي فليس المسلمون على ما ادعى متفقين وإن روجع إلى ( 1 / 128 ) اللغة فليس في اللغة أن يقول القائل : بيدي يعني نعمتي وإن لجأ إلى وجه ثالث سألناه عنه ولن يجد له سبيلا
إلى أن قال :
وإن قالوا : قلنا ذلك من القياس
قيل لهم : ومن أين وجدتم في القياس أن قوله تعالى : ( بيدي ) لا يكون معناه إلا نعمتي ؟ ومن أين يمكن أن يعلم بالعقل أن تفسير كذا وكذا مع أنا رأينا الله عز و جل قد قال في كتابه العزيز الناطق على لسان نبيه الصادق ( 1 / 129 ) : ( وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ) من الآية ( 4 / 14 ) وقال تعالى : ( لسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين ) من الآية ( 103 / 16 ) وقال تعالى : ( إنا جعلناه قرآنا عربيا ) من الآية ( 3 / 4 ) وقال تعالى : ( أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله ) من الآية ( 82 / 4 ) ولو كان القرآن بلسان غير العرب لما أمكن أن نتدبره ولا أن نعرف معانيه إذا سمعناه فلما كان من لا يحسن لسان العرب لا يحسنه وإنما يعرفه العرب إذا سمعوه على أنهم إنما علموه لأنه بلسانهم نزل وليس في لسانهم ما ادعوه ...
إلى أن قال :
" فإن قالوا إذا أثبتم لله عز و جل يدين لقوله تعالى : ( لما خلقت بيدي ) فلم لا أثبتم له أيدي لقوله تعالى : ( مما عملت أيدينا ) من الآية ( 71 / 36 ) ؟
قيل لهم : قد أجمعوا على بطلان قول من أثبت لله أيدي فلما أجمعوا على بطلان قول من قال ذلك وجب أن يكون الله تعالى ( 1 / 138 ) ذكر أيدي ورجع إلى إثبات يدين لأن الدليل عنده دل على صحة الإجماع وإذا كان الإجماع صحيحا وجب أن يرجع من قوله أيدي إلى يدين لأن القرآن على ظاهره ولا يزول عن ظاهره إلا بحجة فوجدنا حجة أزلنا بها ذكر الأيدي عن الظاهر إلى ظاهر آخر ووجب أن يكون الظاهر الآخر على حقيقته لا يزول عنها إلا بحجة "
وقال :
" فإن قال قائل : إذا ذكر الله عز و جل الأيدي وأراد يدين فما أنكرتم أن يذكر الأيدي ويريد يدا واحدة ؟
قيل له : ذكر تعالى أيدي وأراد يدين لأنهم أجمعوا على بطلان قول من قال أيدي كثيرة وقول من قال يدا واحدة فقلنا يدان لأن القرآن على ظاهره إلا أن تقوم حجة بأن يكون على خلاف الظاهر ..
فإن قال قائل : ما أنكرتم أن يكون قوله تعالى : ( مما عملت أيدينا ) من الآية ( 71 / 36 ) وقوله تعالى : ( لما خلقت بيدي ) من الآية ( 75 / 38 ) على المجاز ؟
قيل له : حكم كلام الله تعالى أن يكون على ظاهره وحقيقته ولا يخرج الشيء عن ظاهره إلى المجاز إلا بحجة ألا ترون أنه إذا كان ظاهر الكلام العموم فإذا ورد بلفظ العموم والمراد به الخصوص فليس هو على حقيقة الظاهر وليس يجوز أن يعدل بما ظاهره العموم عن العموم بغير حجة كذلك قوله تعالى : ( لما خلقت بيدي ) من الآية ( 75 / 38 ) ( 1 / 140 ) على ظاهره أو حقيقته من إثبات اليدين ولا يجوز أن يعدل به عن ظاهر اليدين إلى ما ادعاه خصومنا إلا بحجة
ولو جاز ذلك لجاز لمدع أن يدعي أن ما ظاهره العموم فهو على الخصوص وما ظاهره الخصوص فهو على العموم بغير حجة وإذا لم يجز هذا لمدعيه بغير برهان لم يجز لكم ما ادعيتموه أنه مجاز أن يكون مجازا بغير حجة بل واجب أن يكون قوله تعالى : ( لما خلقت بيدي ) من الآية ( 75 / 38 ) إثبات يدين لله تعالى في الحقيقة غير نعمتين إذا كانت النعمتان لا يجوز عند أهل اللسان أن يقول قائلهم : فعلت بيدي وهو يعني النعمتين ( 1 / 141 ) ...
ويقال لهم : أليس إذا لعن الله الكافرين فلعنه لهم معنى ولعن النبي صلى الله عليه و سلم لهم معنى ؟
فمن قولهم نعم
فيقال لهم : فما أنكرتم من أن الله تعالى إذا علم نبيه صلى الله عليه و سلم شيئا فكان للنبي صلى الله عليه و سلم علم ولله تعالى علم وإذا كنا متى أثبتناه غضبانا على الكافرين فلا بد من إثبات غضب وكذلك إذا أثبتناه راضيا عن المؤمنين فلا بد من إثبات رضى وكذلك إذا أثبتناه حيا سميعا بصيرا فلا بد من إثبات حياة وسمع وبصر .. " ا.هـ
لا يرتاب من جُنّب الريب في قلبه أن منطوق كلام الإمام الأشعري وصريح كلامه دال على المراد وأن الأشعري يرى أن صفة خبرية كاليد إنما خاطب فيها الله العرب بخطاب مفهوم ومعقول ليعرفوا المعنى وهو مقصود بالخطاب في مثل صفة اليد وأنه خطاب على ظاهره وعلى حقيقته فهما يدان حقيقيتان
ولأن الإمام الأشعري نحى في كلامه هنا منحى التأصيل لأمثال هذه الصفة حتى كان كلامه كالقاعدة للصفات الخبرية وغيرها لأجل هذا سقت كلامه هنا في هذا الباب ولم أرجئه إلى باب تطبيقات السلف والأئمة
وكلامه منقول من كتابه الإبانة الذي قال عنه الإمام ابن رجب في الفتح :
" وهو من أجل كتبه ، وعليه يعتمد العلماء وينقلون منه ، كالبيهقي وأبي عثمان الصابوني وأبي القاسم ابن عساكر وغيرهم .
وقد شرحه القاضي أبو بكر ابن الباقلاني " ا.هـ
ـ الإمام الحافظ أبو عبد الله أبو عبد الله، محمد بن إسحاق ابن مندة ت 395 هـ
قال في كتابه التوحيد ج3/7:
" إن الأخبار في صفات الله جاءت متواترة عن نبي الله صلى الله عليه وسلم موافقة لكتاب الله عز وجل نقلها الخلف عن السلف قرناً بعد قرن ، من لدن الصحابة والتابعين إلى عصرنا هذا على سبيل إثبات الصفات والمعرفة والإيمان به والتسليم ...وكان ذلك مفهوماً عند العرب غير محتاج إلى تأويلها " ا.هـ
دون تعليق ، وهذا من غير تطبيقاته
ـ الحافظ الإمام أبو عمر أحمد بن محمد بن عبد الله الأندلسي الطلمنكي المالكي ت 429 هـ
ففي كتاب الوصول إلى معرفة الأصول قال رحمه الله :
" أجمع المسلمون من أهل السنة على أن معنى قوله : ( وهو معكم أينما كنتم ) ونحو ذلك من القرآن أنه علمه وأن الله تعالى فوق السموات بذاته مستو على عرشه كيف شاء
وقال أهل السنة في قوله الرحمن على العرش استوى إن الإستواء من الله على عرشه على الحقيقة لا على المجاز فقد قال قوم من المعتزلة والجهمية لا يجوز أن يسمى الله عزوجل بهذه الإسماء على الحقيقة ويسمى بها المخلوق
فنفوا عن الله الحقائق من أسمائه وأثبتوها لخلقه فإذا سئلوا ما حملهم على هذا الزيغ قالوا الإجتماع في التسمية يوجب التشبيه
قلنا هذا خروج عن اللغة التي خوطبنا بها لأن المعقول في اللغة أن الإشتباه في اللغة لا تحصل بالتسمية وإنما تشبيه الأشياء بأنفسها أو بهيئات فيها كالبياض بالبياض والسواد بالسواد والطويل بالطويل والقصير بالقصير ولو كانت الأسماء توجب إشتباها لاشتبهت الأشياء كلها لشمول إسم الشيء لها وعموم تسمية الأشياء به فنسألهم أتقولون إن الله موجود فإن قالوا نعم قيل لهم يلزمكم على دعواكم أن يكون مشبها للموجودين
وإن قالوا موجود ولا يوجب وجوده الإشتباه بينه وبين الموجودات
قلنا فكذلك هو حي عالم قادر مريد سميع بصير متكلم يعني ولا يلزم إشتباهه بمن اتصف بهذه الصفات " ا.هـ
هنا ختم الإمام الطلمنكي تطبيقه الصريح في إثبات معنى الاستواء عندما نص بأنه بذاته وأنه على حقيقته ، ختمه بتأصيل صريح أيضا عندما أنكر على المعتزلة نفيهم حقائق الصفات وخروجهم عن حقيقة الخطاب اللغوي في سائر الصفات ما كان على منوال صفة الاستواء وهي خبرية أو غيرها من باقي الصفات
فبين بهذا أصل أهل السنة المجانب للمعتزلة وهو إثبات هذه الصفات التي هي من قبيل الاستواء على حقائقها لا مجازاتها على مقتضى الخطاب العربي
وعبر عن الصفات بصيغة الأسماء تماما كما تقدم عن الإمام ابن راهويه .
وكلام الطلمنكي واضح في أنه أراد الصفات ، إذ عبر عن الاستواء بذلك وهو صفة باتفاق فعندما كان لكل صفة لفظ يعبر عنها ويعتبر بالنسبة لحقيقتها كالاسم فمن هنا جاز الاطلاق
ـ شيخ الإسلام أبو عثمان الصابوني
قال رحمه الله :
" وكذلك يقولون في جميع الصفات التي نزل بذكرها القرآن، ووردت بها الأخبار الصحاح من السمع والبصر والعين والوجه والعلم والقوة والقدرة، والعزة والعظمة والإرادة، والمشيئة والقول والكلام، والرضا والسخط والحياة، واليقظة والفرح والضحك وغرها من غير تشبيه لشيء من ذلك بصفات المربوبين المخلوقين، بل ينتهون فيها إلى ما قاله الله تعالى، وقاله رسوله صلى الله عليه وآله وسلم من غير زيادة عليه ولا إضافة إليه، ولا تكييف له ولا تشبيه، ولا تحريف ولا تبديل ولا تغيير، ولا إزالة للفظ الخبر عما تعرفه العرب، وتضعه عليه بتأويل منكر، ويجرونه على الظاهر، ويكلون علمه إلى الله تعالى، ويقرون بأن تأويله لا يعلمه إلا الله، كما أخبر الله عن الراسخين في العلم أنهم يقولونه في قوله تعالى: (والراسخون في العلم يقولون: آمنا به، كل من عند ربنا. وما يذكر إلا أولو الألباب " أ.هـ.
ـ الإمام ابن عبد البر حافظ أهل المغرب ت463 هـ
قال رحمه الله في التمهيد (7/131) :
" وأما قوله تعالى : ( أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم ) فمعناه من على السماء يعني على العرش ، وقد تكون في بمعنى على ، ألا ترى إلى قوله تعالى : ( فسيحوا في الأرض أربعة أشهر ) أي على الأرض وكذلك قوله : ( لأصلبنكم في جذوع النخل ) وهذا كله يعضده قوله تعالى : ( تعرج الملائكة والروح إليه ) وما كان مثله مما تلونا من الآيات في هذا الباب .
وهذه الآيات كلها واضحات في إبطال قول المعتزلة وأما ادعاؤهم المجاز في الاستواء ، وقولهم في تأويل استوى استولى فلا معنى له ، لأنه غير ظاهر في اللغة ، ومعنى الاستيلاء في اللغة المغالبة والله لا يغالبه ولا يعلوه أحد ، وهو الواحد الصمد ، ومن حق الكلام أن يحمل على حقيقته حتى تتفق الأمة أنه أريد به المجاز .
إذ لا سبيل إلى اتباع ما أنزل إلينا من ربنا إلا على ذلك ، وإنما يوجه كلام الله عز و جل إلى الأشهر والأظهر من وجوهه ما لم يمنع من ذلك ما يجب له التسليم .
ولو ساغ ادعاء المجاز لكل مدع ما ثبت شيء من العبارات وجل الله عز و جل عن أن يخاطب إلا بما تفهمه العرب في معهود مخاطباتها مما يصح معناه عند السامعين والاستواء معلوم في اللغة ومفهوم ... ا.هـ
ثم ذكر الاستواء لغة وأطال فيه
ما أظن أن هذا الكلام منه يحتاج إلى شرح وله تطبيقات تؤكد هذا ستأتي
ـ الخليفة القادر بالله أبو العباس احمد بن إسحاق بن المقتدر 422 هـ
له معتقد مشهور قرىء ببغداد بمشهد من علمائها وأئمتها وأنه قول أهل السنة والجماعة وأقره العلماء من أهل السنة في وقته
من ذلك
" وأنه خلق العرش لا لحاجة واستوى عليه كيف شاء وأراد لا استقرار راحة ... وكل صفة وصف بها نفسه أو وصفه بها رسوله فهي صفة حقيقة لا صفة مجاز ..." ا.هـ
وحمل الصفة على حقيقتها يعني على مفهومها الظاهر فهي عبارة تنقض التفويض من أساسه
ـ الإمام إسماعيل بن محمد التيمي الأصبهاني الشافعي 537 هـ
قال في كتابه الحجة في بيان المحجة ج1/ص183 :
" باب : قال علماء السلف :
جاءت الأخبار عن النبي متواترة في صفات الله تعالى موافقة لكتاب الله تعالى نقلها السلف على سبيل الإثبات والمعرفة والإيمان به والتسليم وترك التمثيل والتكييف وأنه عز وجل أزلي بصفاته وأسمائه التي وصف بها نفسه أو وصفه الرسول الحجة في بيان مدحه بذلك وصدق به المصطفى وبين مراد الله فيما أظهر لعباده من ذكر نفسه وأسمائه وصفاته وكان ذلك مفهوما عند العرب غير محتاج إلى تأويله " ا.هـ
وقال وقد سئل عن صفات الرب ؟ فقال :
" مذهب مالك والثوري والأوزاعي والشافعي وحماد ابن سلمة وحماد بن زيد وأحمد ويحيى بن سعيد القطان وعبد الرحمن بن مهدي وإسحاق بن راهويه أن صفات الله التي وصف بها نفسه ووصفه بها رسوله من السمع والبصر والوجه واليدين وسائر أوصافه إنما هي على ظاهرها المعروف المشهور من غير كيف يتوهم فيها ولا تشبيه ولا تأويل ، قال ابن عيينة كل شيء وصف الله به نفسه فقراءته تفسيره
ثم قال : أي هو هو على ظاهره لا يجوز صرفه إلى المجاز بنوع من التأويل " ا.هـ
وقال :
" دليل آخر ، أن من حمل اللفظ على ظاهره ، وعلى مقتضى اللغة حمله على حقيقته ، ومن تأوله عدل به عن الحقيقة إلى المجاز ، ولا يجوز إضافة المجاز إلى صفات الله وتعالى " ا.هـ
وكتابه مليء بإثبات معاني الصفات وكلامه أوضح من أن يوضح
ـ الحافظ الإمام أبو أحمد محمد بن علي بن محمد الكرخي القصاب ت بعد 360 هـ
قال رحمه الله :
" كل صفة وصف الله بها نفسه أو وصفه بها رسوله فليست صفة مجاز ولو كانت صفة مجاز لتحتم تأويلها ولقيل : معنى البصر كذا ومعنى السمع كذا ولفسرت بغير السابق إلى الأفهام فلما كان مذهب السلف إقرارها بلا تأويل علم أنها غير محمولة على المجاز وإنما هي حق بين "
عن تذكرة الحفاظ للذهبي 3/939 السير له 16/213-214
فالسابق إلى الأفهام من الصفات حقيقة لا مجازا هو الذي يصار إليه مع كل الصفات
وهذا صريح كلامه
ـ شمس الأئمة أبو العباس السرخسي الحنفي :
قال رحمه الله :
" وأهل السنة والجماعة ، أثبتوا ما هو الأصل ، معلوم المعنى بالنص أي بالآيات القطعية والدلالات اليقينية وتوقفوا فيما هو متشابه وهو الكيفية ، ولم يجوزا الاشتغال في طلب ذلك " ا.هـ
( عن شرح الفقه الأكبر لملا علي القاري ص 93 )
وهذا إن لم يمثل منه مذهبه الثابت فلا أقل أن يكون من باب الاعتراف فإني لم أقف على كلام آخر له
ـ الإمام أبو القاسم عبد اللّه بن خلف المقرىء الأندلسي
قال في الجزء الأول من كتاب " الاهتداء لأهل الحق والاقتداء "
شرح الملخص للشيخ أبي الحسن القابسي :
" ... عن مالك، عن ابن شهاب، عن أبي عبد اللّه الأغر، وعن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة رضي اللّه عنه أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال: " ينْزِلُ ربُّنا كلَّ ليلة إلى سماء الدُنيا حين يبقى ثُلُثُ الليل الآخر فيقول: من يدعُوني فأستجيب له، ومن يسألني فأعطيه، ومن يستغفرني فأغفر له " .
في هذا الحديث دليل على أنه تعالى في السماء على العرش فوق سبع سموات من غير مماسة ولا تكييف، كما قال أهل العلم، ودليل قولهم أيضَاً من القرآن قوله تعالى : " الرَّحْمنُ عَلى العَرْش اسْتَوَى "
وقوله تعالى: " ثمَّ اسْتَوى عَلى العَرْش ما لَكُم مِن دُونهِ مِن وليٍّ وَلا شَفِيع " وقوله تعالى: " إذاً لابْتَغوْا إلى ذي العَرْش سَبيلاً " وقوله تعالى: " يُدَبِّرُ الأمْرَ مِنَ السّماءِ إلى الأرْضِ "
وقوله تعالى: " تَعْرُجُ الملائكَةُ والرُّوحُ إليه "
وقوله تعالى لعيسى عليه الصلاة والسلام: " إنِّي مُتَوفِّيكَ ورافِعُكَ إليَّ " وقوله تعالى: " لَيْسَ لَهُ دافِعٌ، مِنَ اللَّهِ ذي المَعارج، تَعرُجُ الملائِكَةُ والرّوحُ إليهِ " والعروج: هو الصعود.
وقال مالك بن أنس: اللّه عز وجل في السماء، وعلمه في كل مكان لا يخلو من علمه مكان.
يريد واللّه يعلم بقوله في السماء: على السماء، كما قال تعالى: " ولأصَلِّبنَّكُم في جُذوع النّخْلِ "
وكمَا قال تعالى: آمنتم من في السماء " أي من على السماء يعني على العرش.
وكما قال تعالى: " فَسِيحُوا في الأرضِ " أي على الأرض، وقيل لمالك: الرحمن على العرش استوى، كيف استوى؟ قال مالك رحمه اللّه تعالى لقائله: استواؤه معقول وكيفيته مجهولة وسؤالك عن هذا بدعة وأراك رجل سوء.
قال أبو عبيدة في قوله تعالى: " الرحمن على العرش استوى " : أي علا.
قال: وتقول العرب استويت فوق الدابة وفوق البيت. وكل ما قدمت دليل واضح في إبطال قول من قال المجاز فيِ الاستواء، وإن استوى بمعنى استولى لأن الاستيلاء في اللغة المغالبة، وأنه لا يغالبه أحد ومن حق الكلام أن يحمل على حقيقته، حتى تتفق الأمة أنه أريد به المجاز إذ لا سبيل إلى اتباع ما أنزل إلينا من ربنا سبحانه وتعالى إلا على ذلك، وإنما يوجه كلام الله تعالى على الأشهر والأظهر من وجوهه ما لم يمنع ذلك ما يوجب له التسليم، ولو ساغ ادعاء المجاز لكل مدعٍ ما ثبت شيء من العبادات، وجَلَّ اللَّهُ تعالى أن يخاطب إلا بما تفهمه العرب من معهود مخاطباتها مما يصح معناه عند السامعين. والاستواء معلوم في اللغة، وهو العلو والارتفاع والتمكن ا.هـ
وهذا نقله عنه ابن عبد البر بتصرف يسير
ـ الحافظ عبد الغني المقدسي
قال الحافظ ابن رجب في ترجمة الحافظ عبد الغني :
وقرأت بخط الإِمام الحافظ الذهبي- رداً على ما نقل الإِجماع على تكفيره- أما قول "أجمعوا" فما أجمعوا، بل أفتى بذلك بعض أئمة الأشاعرة ممن كفروه، وكفرهم هو، ولم يبد من الرجل أكثر مما يقوله خلق من العلماء الحنابلة والمحدثين: من أن الصفات الثابت محمولة على الحقيقة، لا على المجاز، أعني أنها تجري على مواردها، لا يعبر عنها بعبارات أخرى، كما فعلته المعتزلة، أو المتأخرون من الأشعرية. هذا مع أن صفاته تعالى لا يماثلها شيء " ا.هـ
ـ الإمام العلامة أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية ت 728 هـ
قال رحمه الله تعالى تعليقاً على كلام مالك في الاستواء :
" وهكذا سائر الأئمة قولهم يوافق قول مالك في أنا لا نعلم كيفية استوائه كما لا نعلم كيفية ذاته ، ولكن نعلم المعنى الذي دل عليه الخطاب فنعلم معنى الاستواء ولا نعلم كيفيته ، ونعلم معنى النزول ولا نعلم كيفيته ، ونعلم معنى السمع والبصر والعلم والقدرة ولا نعلم كيفية ذلك ، ونعلم معنى الرحمة والغضب والرضا والفرح والضحك ولا نعلم كيفية ذلك ا.هـ
وأقواله في هذا المعنى أكثر من أن يسعها هذا الموضع وإنما ذكرت كلامه هنا لتجرؤ من لا يستحي ممن حشر شيخ الإسلام في سلك المفوضة فسبحان الله كم بلغت الصفاقة ببعض الناس اليوم
ـ الإمام الحافظ ابن رجب الحنبلي ت 7
قال رحمه الله :
" وقد دل القرآن على ما دل عليه هذا الحديث في مواضع ، كقوله : { هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِّنَ الغَمَامِ وَالْمَلائِكَةُ } [البقرة :210] . وقال : { هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن تَأْتِيَهُمُ المَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ } [الأنعام :
158] ، وقال : { وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفاًّ صَفاًّ } [الفجر :22] .
ولم يتأول الصحابة ولا التابعون شيئاً من ذلك ، ولا أخرجوه عن مدلوله ، بل روي عنهم ما يدل على تقريره والإيمان به وامراره كما جاء " ا.هـ
تأمل قوله في مقام الكلام عن الصفات الخبرية : " ولا أخرجوه عن مدلوله "
فهي ذات مدلول ( مفهوم ) والسلف يحملونها على هذا المدلول ( المفهوم ) اللغوي لا يخرجونها عنه
وقال منكرا عن الجهمية :
" وزعموا أن ظاهر ما يدل عليه الكتاب والسنة تشبيه وتجسيم وضلال ، واشتقوا من ذلك لمن آمن بما أنزل الله على رسوله اسماء ما أنزل الله بها من سلطان ، بل هي افتراء على الله ، ينفرون بها عن الإيمان بالله ورسوله .
وزعموا أن ما ورد في الكتاب والسنة من ذلك - مع كثرته وانتشاره - من باب التوسع والتجوز ، وأنه يحمل على مجازات اللغة المستبعدة ، وهذا من أعظم أبواب القدح في الشريعة المحكمة المطهرة ، وهو من جنس حمل الباطنية نصوص الإخبار عن الغيوب كالمعاد والجنةوالنار على التوسع والمجاز دون الحقيقة ، وحملهم نصوص الامروالنهي على مثل ذلك ، وهذا كله مروق عن دين الإسلام .
ولم ينه علماء السلف الصالح وأئمة الإسلام كالشافعي وأحمد وغيرهما عن الكلام وحذروا عنه ، إلا خوفاً من الوقوع في مثل ذلك ، ولو علم هؤلاء الأئمة أن حمل النصوص على ظاهرها كفر لوجب عليهم تبيين ذلك وتحذير الأمة منه ؛ فإن ذلك من تمام نصيحة المسلمين ، فكيف كان ينصحون الأمة فيما يتعلق بالاحكام العملية ويدعون نصيحتمهم فيما يتعلق بأصول الاعتقادات ، هذا من أبطل الباطل ...
وقد صح عن ابن عباس أنه أنكر على من أستنكر شيئاً من هذه النصوص ، وزعم أن الله منزه عما تدل عليه :
فروى عبد الرزاق في ( ( كتابه ) ) عن معمر ، عن ابن طاوس ، عن أبيه ، قال : سمعت رجلاً يحدث ابن عباس بحديث أبي هريرة : ( ( تحاجت الجنة والنار ) ) ، وفيه :
( ( فلا تمتلي حتى يضع رجله ) ) - أو قال : ( ( قدمه - فيها ) ) .
قال : فقام رجل فانتفض ، فقال ابن عباس : ما فرق هؤلاء ، يجدون رقة عند محكمة ، ويهلكون عند متشابهه .
وخَّرجه إسحاق بن راهويه في ( ( مسنده ) ) عن عبد الرزاق .
ولو كان لذلك عنده تأويل لذكره للناس ولم يسعه كتمانه " ا.هـ
وتأمل قوله " وزعم أن الله منزه عما تدل عليه " فإثبات المفهوم الذي دلت عليه هو
إلى أن قال :
" ومن جملة صفات الله التي نؤمن بها ، وتمر كما جاءت عندهم : قوله تعالى : ( وَجَاءَ رَبُّكَ والْمَلَكُ صَفاًّ صَفاًّ ( [ الفجر : 22 ] ونحو ذلك مما دل على إتيانه ومجيئه يوم القيامة .
وقد نص على ذلك أحمد وإسحاق وغيرهما .
وعندهما : أن ذلك من أفعال الله الاختيارية التي يفعلها بمشيئته واختياره .
وكذلك قاله الفضيل بن عياض وغيره من مشايخ الصوفية أهل المعرفة .
وقد ذكر حرب الكرماني أنه أدرك على هذا القول كل من أخذ عنه العلم في البلدان ، سمى منهم : أحمد وإسحاق والحميدي وسعيد بن منصور .
وكذلك ذكره أبو الحسن الأشعري في كتابه المسمى ب - الإبانة - ، وهو من أجل كتبه ، وعليه يعتمد العلماء وينقلون منه ، كالبيهقي وأبي عثمان الصابوني وأبي القاسم ابن عساكر وغيرهم " .
فإمرارها كما جاءت لم يمنع من إثبات ما دلت عليه من أنها أفعال قائمة به وأنها تتعلق بالمشيئة والاختيار وأن هذه الأفعال من صفاته وهو ما ينكره عامة الأشاعرة
أم أن كل هذا ليس من المعاني ؟!!
إذًا لم جعلتموها من المعاني المنفية في عقيدتكم والتي يلزم من إثباتها وصف الله بالحدوث ؟!!
ولابن رجب كلام آخر يأتي في التطبيق
ـ الحافظ الذهبي
قال رحمه الله في رسالته إثبات صفة اليد ، بعد أن ذكر أكثر من خمسين حديث وأثر في إثبات الصفة ثم قال :
" والأحاديث في إثبات اليد كثيرة وهذه قطعه من أقوال الأئمة الأعلام وأركان الإسلام ..." إلى أن قال :
" ويقال أيضاً نعلم بالاضطرار أن الصحابة والتابعين ومن بعدهم قد كان فيهم الأعرابي والأمي والمرأة والصبي والعامة ونحوهم ممن لا يعرف التأويل وكانوا مع هذا يسمعون هذه الآيات والاحاديث في الصفات وحدث بها الأئمة من الصحابة والتابعين على رؤوس الأشهاد ولم يؤولوا منها صفة واحدة يوماً من الدهر وإنما تركوا العوام على فطرهم وفهمهم..." أ.هـ
قال رحمه الله في العلو ج2 ص1337:
" هذا الذي علمت من مذهب السلف ، والمراد بظاهرها أي لا باطن لألفاظ الكتاب والسنة غير ما وضعت له ، كما قال مالك وغيره الاستواء معلوم ، وكذلك القول في السمع والبصر والعلم والكلام والإرادة والوجه ونحو ذلك ، هذه الأشياء معلومة فلا تحتاج إلى بيان وتفسير ، لكن الكيف في جميعها مجهول عندنا " ا.هـ
وقال رحمه الله في كتابه "العلو" ص (532) عن الصفات
" لا تأويل لها غير دلالة الخطاب ، كما قال السلف : "الاستواء معلوم"، وكما قال سفيان وغيره: "قراءتها تفسيرها" يعني أنها بينة واضحة في اللغة لا يبتغى بها مضايق التأويل والتحريف، وهذا هو مذهب السلف، مع اتفاقهم أيضاً أنها لا تشبه صفات البشر بوجه؛ إذ الباري لا مثل له لا في ذاته ولا في صفاته " ا.هـ
وعندما ذكر أثر أبي جعفر الترمذي : " النزول معقول، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة "
علّق الذهبيُّ على هذا الأثر بقوله :
" صدق فقيهُ بغداد وعالمُها في زمانه؛ إذ السؤال عن النزول ما هو؟ عيٌّ؛ لأنَّه إنما يكون السؤال عن كلمة غريبة في اللغة، وإلاّ فالنزول والكلام والسمع والبصر والعلم والاستواء عباراتٌ جليّةٌ واضحةٌ للسامع، فإذا اتّصف بها من ليس كمثله شيء، فالصفة تابعةٌ للموصوف، وكيفية ذلك مجهولة عند البشر " ا.هـ
وعندما ذكر موقف أبي عبيد القاسم بن سلام في الصفات قال :
" توفي أبو عبيد سنة أربع وعشرين ومائتين وقد ألف كتاب غريب الحديث ، وما تعرّض لأخبارالصفات بتفسير ، بل عنده لا تفسير لذلك غير موضع الخطاب للعربي " ا.هـ
ـ الإمام ابن عبد الهادي
قال رحمه الله :
" وقد علم أن نزول الرب تبارك وتعالى أمر معلوم معقول كاستوائه وباقي صفاته ، وإن كانت الكيفية مجهولة غير معقولة ، وهو ثابت حقيقة لا يحتاج إلى تحريف ، ولكن يصان عن الظنون الكاذبة
ـ العلامة الطوفي
وقال مرعي الحنبلي في أقاويل الثقات :
" وقال العلامة الطوفي في قواعد وجوب الإستقامة والإعتدال والمشهور عند أصحاب الإمام أحمد أنهم لا يتأولون الصفات التي من جنس الحركة كالمجيء والإتيان والنزول والهبوط والدنو والتدلي كما لا يتأولون غيرها متابعة للسلف الصالح قال وكلام السلف في هذا الباب يدل على إثبات المعنى المتنازع فيه قال الأوزاعي لما سئل عن حديث النزول يفعل الله ما يشاء وقال حماد بن زيد يدنو من خلقه كيف يشاء
قال وهو الذي حكاه الأشعري عن أهل السنة والحديث
وقال الفضيل بن عياض إذا قال لك الجهمي أنا أكفر برب
يزول عن مكانه فقل أنا أؤمن برب يفعل ما يشاء
ـ الإمام المقريزي
يقول الإمام المقريزي :
" لما بعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم إلى الناس ، وصف لهم ربهم بما وصف به نفسه ، فلم يسأله أحد من العرب بأسرهم ، قرويهم وبدويهم ، عن معنى شيء من ذلك ، كما كانوا يسألونه عن أمر الصلاة ، وشرائع الإسلام ، إذ لو سأله أحد منهم عن شيء من الصفات لنقل ، كما نقلت الأحكام وغيرها.
ومن أمعن النظر في دواوين الحديث والآثار عن السلف ، علم أنه لم يرد قط لا من طريق صحيح ولا سقيم عن أحد من الصحابة على إختلاف طبقاتهم ، وكثرة عددهم ، أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن معنى شيء مما وصف الرب سبحانه به نفسه في القرآن وعلى لسان نبيه بل كلهم فهموا معنى ذلك وسكتوا سكوت فاهم مقتنع ولم يفرقوا بين صفة وأخرى ، ولم يعترض أحد منهم إلى تأويل شيء منها بل أجروا الصفات كما وردت بأجمعهم ولم يكن عند أحد منهم ما يستدل به سوى كتاب الله وسنه رسوله ...
الخ الخطط للمقريزي
ـ الإمام السفاريني
قال السفاريني
" صفاته - سبحانه وتعالى - الذاتية والفعلية والخبرية ، ( كذاته ) - عز شأنه - ( قديمة ) ، لا ابتداء لوجودها ، ولا انتهاء ، إذ لو كانت حادثة لاحتاجت إلى محدث ، تعالت ذاته المقدسة وصفاته المعظمة عن ذلك ، فإن حقيقة ذاته مخالفة لسائر الحقائق ، وكذلك صفاته - تعالى ...
فالسلف في إثبات الصفات كالذات على الاستقامة .
وأما المنحرفون عن طريقهم ، فثلاث طوائف : أهل التخييل ، وأهل التأويل ، وأهل التجهيل...
( وأهل التجهيل ) هم الذين يقولون : إن الرسول لم يعرف معاني ما أنزل عليه من آيات الصفات ، ولا جبريل يعرف معاني الآيات ، ولا السابقون الأولون عرفوا ذلك ، وكذلك قولهم في أحاديث الصفات ، وأن الرسول تكلم بكلام لا يعرف معناه ، وهذا قول كثير من المنتسبين إلى السنة واتباع السلف ، فيقولون في آيات الصفات وأحاديثها : لا يعلم معرفتها إلا الله ، ويستدلون بقوله - تعالى : ( { وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ } ) ، ويقولون : تجرى على ظاهرها ، وظاهرها مراد مع قولهم : إن لها تأويلا بهذا المعنى لا يعلمه إلا الله " .
وقال بعد تعرضه لمن قاده علم الكلام إلى تأويل الصفات والخوض فيها خلافا لمراد الله ثم حصول الندم من بعضهم فقال :
" فعلم الكلام الذي نهى عنه أئمة الإسلام هو العلم المشحون بالفلسفة والتأويل ، والإلحاد والأباطيل ، وصرف الآيات القرآنية عن معانيها الظاهرة ، والأخبار النبوية عن حقائقها الباهرة ، دون علم السلف ومذهب الأثر ، وما جاء في الذكر الحكيم وصحيح الخبر ، فهذا لعمري ترياق القلوب الملسوعة بأراقم الشبهات ، وشفاء الصدور المصدوعة بتراجم المحدثات ، ودواء الداء العضال ، وبازهر السم القتال ، فهو فرض عين ، أو عين فرض على كل نبيه ، وهو العلم الذي تعقد عليه الخناصر لدحض حجة كل متحذلق وسفيه . فزال هذا الإشكال ، والله ولي الإفضال " .
وقال
" والمراد بالتأويل هنا أن يراد باللفظ ما يخالف ظاهره ، أو صرف اللفظ عن ظاهره لمعنى آخر ، أو عن حقيقته لمجازه ، وهو في آيات الصفات المقدسة من المنكرات عند أئمة الدين من علماء السلف المعتبرين "
ـ الأمير العلامة صديق بن حسن القنوجي رحمه الله ت 1307 هـ
قال رحمه الله :
" فهذه سبعة مواطن أخبر فيها بأنه سبحانه استوى على العرش، وفي هذه المسألة أدلة من السنة والآثار الصحيحة الكثيرة يطول بذكرها الكتاب! فمن أنكر كونه سبحانه في جهة العلو بعد هذه الآيات والأخبار فقد خالف الكتاب والسنة ! "
إلى أن قال :
" ومن ظن أن الصفات لا يعقل معناها، ولا يُدرى ما أراد الله ورسوله منها، وظاهرها تشبيه وتمثيل، واعتقاد ظاهرها كفر وضلال، وإنما هي ألفاظ لا معاني لها، وأن لها تأويلاً وتوجيهاً لا يعلمه إلا الله، وأنها بمنزلة "ألم"، و"كهيعص" وظن أن هذه طريقة السلف، ولم يكونوا يعرفون حقيقة قوله: "والأرض جميعاً قبضته يوم القيامة"، وقوله: "ما منعك أن تسجد لما خلقت بيديّ"، وقوله: "الرحمن على العرش استوى"، ونحو ذلك، فهذا الظانّ من أجهل الناس بعقيدة السلف وأضلهم عن الهدى، وقد تضمن هذا الظن استجهال السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار وسائر الصحابة، وكبار الذين كانوا أعلم الأمة علماً وأفقههم فهماً، وأحسنهم عملاً، وأتبعهم سنناً، ولازم هذا الظن أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يتكلم ذلك ولا يعلم معناه، وهو خطأ جسيم وجسارة قبيحة نعوذ بالله منها " ا.هـ
ـ العلامة الخزرجي
قال رحمه الله تعالى :
" واخجلتا من مقالٍ لا أساسَ لهُ ،، ،، زوراً على اللهِ من ينطقْ به يَهُنِ
أهَلْ يُخاطبُنا مولى العبادِ بما ،، ،، لم يَدرِ معناهُ هذا قول مُفْتَتَنِ
أهَلْ يقولُ لنا قولاً ومَقْصَدُهُ ،، ،، غيرَ الذي قالهُ إخفاءَ مُندَفِنِ
أهَل يُخاطِبُنا ظَهراً ويُبطنهُ ،، ،، عنَّا فما القصدُ من جَدواهُ بالعلَنِ
هذي مقالةُ جهمٍ والذينَ مضوا ،، ،، على طريقتهِ وهناً على وهنِ
بقيَّةٌ بَقِيَتْ من شؤمِ فِتنتهِ ،، ،، من نفخِ إبليسَ بالتعطيلِ والضغنِ
طوائفٌ رأسُها إبليسُ يُرْشِدُهم ،، ،، إلى الرَّدى وسبيلِ الغيِّ والشَّطَنِ
[ منظومة العلامة الخزرجي ضمن كتاب شهود الحق نقلا ]
ـ الإمام الألوسي
قال رحمه الله :
" وقيل : إن السلف بعد نفي ما يتوهم من التشبيه يقولون : لا ندري ما معنى ذلك والله تعالى أعلم بمراده . واعترض بأن الآيات والأخبار المشتملة على نحو ذلك كثيرة جداً ويبعد غاية البعد أن يخاطب الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم العباد فيما يرجع إلى الاعتقاد بما لا يدري معناه ، وأيضاً قد ورد في الأخبار ما يدل على فهم المخاطب المعنى من مثل ذلك ، فقد أخرج أبو نعيم عن الطبراني قال : حدثنا عياش بن تميم حدثنا يحيى بن أيوب المقابري حدثنا سلم بن سالم حدثنا خارجة بن مصعب عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إن الله تعالى يضحك من يأس عباده وقنوطهم وقرب الرحمة منهم فقلت : بأبي أنت وأمي يا رسول الله أو يضحك ربنا؟ قال : نعم والذي نفسي بيده إنه ليضحك " قلت : فلا يعد منا خيراً إذا ضحك فإنها رضي الله تعالى عنها لو لم تفهم من ضحكه تعالى معنى لم تقل ما قالت .
وقد صح عن بعض السلف أنهم فسروا ، ففي «صحيح البخاري» قال مجاهد : استوى على العرش علا على العرش وقال أبو العالية : استوى على العرش ارتفع " ا.هـ
ـ العلامة القرآني محمد بن الأمين الشنقيطي
قال الشنقيطي بعد ذكر صفة العلو وغيرها :
" وأمثال هذا من الصفات الجامعة كثيرة في القرآن، ومعلوم أنه جل وعلا متصف بهذه الصفات المذكورة حقيقة على الوجه اللائق بكماله، وجلاله. وإنما وصف به المخلوق منها مخالف لما وصف به الخالق، كمخالفة ذات الخالق جل وعلا لذوات الحوادث، ولا إشكال في شيء من ذلك، وكذلك الصفات التي اختلف فيها المتكلمون؛ هل هي من صفات المعاني أو من صفات الأفعال، وإن كان الحق الذي لا يخفى على من أنار الله بصيرته؛ أنها صفات معان أثبتها الله، جل وعلا، لنفسه، كالرأفة والرحمة ... " ا.هـ
تطبيقات السلف الصالح مع نصوص الصفات المبينة لإثباتهم معانيها دون تفويض
أولا : إثبات الصحابة لمعاني الصفات وتطبيقاتهم في ذلك .
قبل الشروع في التطبيقات أنبه إلى أن جلها منقول بأسانيد صحيحة ثابتة سوى نزر يسير جدا جدا به علل خفيفة فاتني التنبيه عليها في محلها سأنبه عليها في تعليق ملحق
ـ عبد الله بن مسعود رضي الله عنه
قال الإمام ابن مندة في كتابه الرد على الجهمية :
أخبرنا علي بن العباس بن الأشعث الغزى بغزة ثنا محمد بن حماد الطهراني ثنا عبد الرزاق أنبأ الثوري عن سلمة بن كهيل عن أبي الزعراء عن ابن مسعود في قوله جل وعز يوم يكشف عن ساق قال عن ساقيه قال أبو عبد الله هكذا في قراءة ابن مسعود
قال السيوطي في الدر المنثور :
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر وابن منده عن ابن مسعود في قوله : يوم يكشف عن ساق قال : عن ساقيه تبارك وتعالى
وهل إثبات ساقين من خلال هذه الآية إلا إثبات للمعنى ؟
وهل يقول منصف إن هذا من ابن مسعود تفويض للآية ؟!!
ومن طريق عبد الرحمن المسعودي عن المنهال بن عمرو عن أبي عبيدة عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال :
" تسارعوا إلى الجمعة فإن الله عز و جل يبرز لأهل الجنة في كل جمعة في كثيب من كافور أبيض فيكونون منه في القرب على قدر تسارعهم إلى الجمعة في الدنيا فيحدث الله لهم من الكرامة شيئا لم يكونوا رأوه قبل ذلك ثم يرجعون إلى أزواجهم فتحدثهم بما قد أحدث لهم ثم دخل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه المسجد فرأى رجلين فقال رجلان وأنا الثالث وإن شاء الله أن يبارك في الثالث "
رواه ابن المبارك في الزهد والطبراني وابن خزيمة وعبد الله بن أحمد في السنة والدارقطني في الرؤية وابن أبي زمنين في رياضه وابن بطة من طرق عن المسعودي وفيهم من سمع منهم قبل الاختلاط
وهذا إسناد ثابت ورواية أبي عبيدة عن ابن مسعود لها حكم الاتصال
فقوله : " يبرز " وقوله : " في كل جمعة " وقوله : " فيكونون منه في القرب " كل هذه معاني ينكرها المفوض والمؤول ويزعمون أنها تستلزم التجسيم كيف ومن عقائدهم أن محمدا صلى الله عليه وسلم لا يكون عند الشفاعة يوم القيامة أقرب إلى ذات ربه من إبليس عليه لعنة الله
فإن زعم أحد أن هذا من ابن مسعود على وجه التفويض قلنا هذا تنصل من الحجج على مبدإ العناد لأن هذا المفوض لا يرى لأحد إثبات المعاني ولو كان صحابيا فالكل عنده يجهل معاني الصفات فإذا أتيناه بإثبات صريح لصحابي نكص وزعم أنه مفوّض أيضا ويبدو أنه كلما أثبتنا له أحدا من السلف بادر لزعم أنه مراد به التفويض وهذا تلاعب طفولي لا يصلح في ميادين العلم
وعن عاصم عن زر عن عبد الله قال :
" ما بين السماء القصوى والكرسي خمسمائة عام، ويبن الكرسي والماء كذلك، والعرش فوق الماء والله فوق العرش، ولا يخفى عليه شيء من أعمالكم" ا.هـ
رواه الطبراني في الكبير والبخاري في خلق أفعال العباد وابن خزيمة في التوحيد واللالكائي في الاعتقاد والبيهقي في الأسماء والصفات وغيرهم
من طرق عن عاصم بن بهدلة عن زر عن عبد الله به
وهذا إسناد جيد فيه عاصم جيد الحديث
سياقه صريح في العلو الذاتي والأثر لا يحتمل التأويل مطلقا فسياقه قرينة توجب حمله على فوقية الذات وهو أثر ثابت
وبالله هذا التدرج المتسلسل بين السماء القصوى والكرسي ثم بين الكرسي والماء ثم الماء والعرش ليصل إلى تقرير أن الله فوق هذا العرش ثم يتحرز بدفع توهم أن هذه الفوقية الحقيقية قد توهم أنها تسبب في خفاء ما نعمله في الأرض عن الله
ـ أبو موسى الأشعري رضي الله عنه .
عن ابن جحادة ، عن سلمة بن كهيل ، عن عمارة بن عمير ، عن أبي موسى ، رضي الله عنه قال : الكرسي موضع القدمين وله أطيط كأطيط الرحل .
رواه الطبري في تفسيره والبيهقي في الأسماء والصفات وأبو الشيخ في العظمة وعبد الله بن أحمد في السنة وابن أبي شيبة في العرش
وإن كان عمارة لم يدرك أباموسى لكني أوردته لاعتماد كثير من الأئمة له ولأنه صح مثله عن ابن عباس
ـ عبد الله بن عباس رضي الله عنه .
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: قال : ( وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ ) [البقرة آية 255] , قَالَ: الكرسيُّ مَوْضِعُ الْقَدَمَيْنِ , وَلا يُقْدَرُ قَدْرَ عَرْشِهِ.
رواه جمع كبير من الأئمة منهم عبد الرزاق والطبري والطبراني وابن خزيمة والبيهقي وغيرهم بإسناد صحيح
تأمل تفسير الآية ومنه تعلم حرص هذا الصحابي على إثبات معاني الصفات ، فهو قد ذكر معنى يتعلق بصفة لم تذكر في ظاهر الآية
وعن الْحَكَمُ بْنُ أَبَانَ ، قَالَ : حَدَّثَنِي عِكْرِمَةُ قَالَ سُئِلَ ابْنُ عَبَّاسٍ هَلْ رَأَى مُحَمَّدٌ رَبَّهُ قَالَ نَعَمْ قُلْتُ أَنَا لابْنِ عَبَّاسٍ أَلَيْسَ يَقُولُ الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ فَقَالَ لا أُمَّ لَكَ وَكَانَتْ كَلِمَتُهُ لِي ، ذَلِكَ نُورُهُ الَّذِي هُوَ نُورُهُ إِذَا تَجَلَّى بِنُورِهِ لا يُدْرِكُهُ شَيْء.ٌ
رواه ابن خزيمة وابن أبي حاتم واللالكائي وغيرهم وإسناده حسن
قال الحافظ عن رجال هذا الإسناد في خبر آخر : لا بأس بهم
وفيه إثبات صفة النور على أنه نور حقيقة وذلك في قوله : " ذَلِكَ نُورُهُ الَّذِي هُوَ نُورُهُ "
وقال الحافظ في الفتح :
" وقد أخرج الأموي في مغازيه ومن طريقه البيهقي عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن ابن عباس في قوله تعالى ( ولقد رآه نزلة أخرى ) قال دنا منه ربه .
قال الحافظ : وهذا سند حسن وهو شاهد قوي لرواية شريك "
أليس هذا تفسيرا للآية مشتملا على معنى صفة القرب
قال اللالكائي :
وأخبرنا محمد بن عبد الرحمن قال أخبرنا عبد الله بن محمد البغوي قال ثنا سعيد بن يحيى الأموي قال حدثني أبي قال ثنا محمد بن عمرو بن علقمة عن أبي سلمة عن ابن عباس في قوله ولقد رآه نزلة أخرى عند سدرة المنتهى قال :
دنا ربه منه فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى فأوحى إلى عبده ما أوحى قال قد رآه النبي صلى الله عليه و سلم
وقال الله تعالى: { فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ } ، قال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: { آسفونا } أسخطونا.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قال: أخبرني عمرو بن دينار أنه سمع عكرمة، عن ابن عباس، قال : والله ما أدري ما حنانا.
سبحان الله هذا يدل على أن ابن عباس ليس من عادته تفويض الصفات إذ لو كان يفوضها ما خص هذه الصفة بعدم الدراية فحلفه على ذلك دال على أن هذا خلاف الأصل عنده
بدليل أنه جاءت تتمة لهذه الرواية تدل على هذا
قال ابن أبي حاتم في تفسيره :
عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ : ( وَحَنَانًا ) ، قَالَ :
" لا أدري مَا هُوَ، إلا أني أظنه تعطف الله عَلَى خلقه بالرحمة".
وهو في تفسير الثوري
يرويه سفيان عن أبيه عن عكرمة قال سئل بن عباس عن قوله فيه من لدنا وزكاة ما أدري ما هو الا أن يكون يعطف الله على عبده بالرحمة
وعند الحاكم في المستدرك :
أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الله الشافعي ، ثنا إسحاق بن الحسن الحربي ، ثنا أبو حذيفة ، ثنا سفيان ، عن أبيه ، عن عكرمة ، عن ابن عباس رضي الله عنهما ، قوله عز وجل : ( وحنانا من لدنا (1) ) قال : « التعطف بالرحمة »
قال السيوطي في الدر المنثور :
وأخرج عبد الرزاق والفريابي وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والزجاجي في أماليه والحاكم وصححه والبيهقي في الأسماء والصفات من طريق عكرمة عن ابن عباس في قوله : وحنانا قال : لا أدري ما هو إلا أني أظنه تعطف الله على خلقه بالرحمة
وأخرج ابن جرير عن سعيد بن جبير قال : سألت ابن عباس عن قوله : وحنانا فلم يجر فيها شيئا
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله : وحنانا من لدنا قال : رحمة من عندنا
وأخرج الطستي عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق قال له أخبرني عن قوله : وحنانا من لدنا قال : رحمة من عندنا
قال : وهل تعرف العرب ذلك ؟ قال : نعم
هذا من ابن عباس نقض لمذهب التفويض ، فهل من يفسر الرحمة على أنها حنان وتعطف من الله يكون قد فوض ؟!
إذًا اثبتوا على هذا المذهب وسموه ما شئتم
وروى الطبري وغيره عن ابن عباس قال :
" السماوات السبع والأرضون السبع وما فيهن في يد الرحمن كخردلة في يد أحدكم "
وهذا إثبات صريح لا يصدر من مفوض
ومثله ما ذكره أبو الشيخ في العظمة حيث قال :
ورواه سفيان عن عمار الدهني عن مسلم البطين عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله عز و جل والارض جميعا قبضته يوم القيامة والسموات مطويات بيمينه قال السماوات والارض قبضة واحدة
وهو في جزء المروذي من حديث ابن معين
حدثنا وكيع عن سفيان عن عمار عن مسلم البطين عن سعيد بن جبير عن ابن عباس ( والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسموات مطويات بيمينه ) قال السموات والأرض قبضة واحدة
وله طريق آخر عند الدارمي في النقض بنحوه
أليس هذا تفسيرا للصفة ؟
وقال الحافظ في الفتح :
" ونقل محي السنة البغوي في تفسيره عن ابن عباس وأكثر المفسرين أن معناه ارتفع ، وقال أبو عبيدة والفراء بنحوه " ا.هـ
قال البيهقي في كتابه الأسماء والصفات :
أنبأنا الحاكم ،حدثنا الأصم ، حدثنا محمد بن الجهم حدثنا يحيى بن زياد الفراء قال: "وقد قال عبد الله بن عباس: ( ثُمّ اسْتَوَى ) صعد، وهو كقولك للرجل كان قاعدا فاستوى قائماً، وكان قائمًا فاستوى قاعدًا، وكل في كلام العرب جائز"
ــ عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه .
وقال ابن أبي حاتم :
حدثنا أبو زرعة، حدثنا أبو بكر بن مقدم، حدثنا معتمر بن سليمان، سمعت عبد الجليل القيسي يحدث عن عبد الله بن عمرو {هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام} الآية. قال :
يهبط حين يهبط وبينه وبين خلقه سبعون ألف حجاب، منها النور والظلمة والماء فيصوت الماء في تلك الظلمة صوتا تنخلع له القلوب
وقال الطبري :
ثنا الحسين، قال: ثنا معتمر بن سليمان، عن عبد الجليل، عن أبي حازم، عن عبد الله بن عمرو قال: يهبط الله حين يهبط، وبينه وبين خلقه سبعون حجابا، منها النور والظلمة والماء، فيصوّت الماء صوتا تنخلع له القلوب.
ـ عبد الله بن عمر رضي الله عنه .
عن عبيد المكتب عن مجاهد عن ابن عمر قال :
" إن الله خلق بيده أربعة أشياء آدم والقلم والعرش وجنات عدن واحتجب من خلقه بأربعة بنار وظلمة ونور وظلمة وقال لسائر الخلق كن فكان " .
رواه ابن أبي حاتم في التفسير وأبو الشيخ في العظمة والدارمي والحاكم ومن طريقه البيهقي واللالكائي وابن أبي زمنين من طرق عن عبيد به
وهذا من ابن عمر إثبات صريح ولأجل هذا أول بعض الأشاعرة ذكر الاحتجاب لأنه يستلزم الجسمية عندهم
وما أدري بأي منطق علمي يريد منا هؤلاء أن نستدل فإذا كانت الآثار أيضا تؤول وتفوض فقولوا لنا بالصريح وضعوها وافرشوها على الطاولة :
( ليس لأحد أن يستدل إلا على فهم ومزاج الأشاعرة وما خالفهم فهو مؤول أو مفوض والسلام عليكم )
قولوها وأظهروا عجزكم للقراء وأريحونا
ثانيا : إثبات التابعين لمعاني الصفات وتطبيقاتهم في ذلك .
ـ حكيم بن جابر بن طارق الأحمسي
قال ابن أبي شيبة في المصنف :
حدثنا عبد الله بن نمير قال حدثنا إسماعيل بن أبي خالد عن حكيم بن جابر قال : إن الله تبارك وتعالى لم يمس بيده من خلقه غير ثلاثة أشياء : [ الجنة ] بيده ثم جعل ترابها الورس والزعفران وجبالها المسك ، وخلق آدم بيده ، وكتب التوراة لموسى عليه السلام.
وقال الآجري في الشريعة :
وحدثنا جعفر الصندلي قال : حدثنا زهير بن محمد المروزي قال : حدثنا يعلى- يعني ابن عبيد - قال : حدثنا إسماعيل بن أبي خالد ، عن حكيم بن جابر قال : أخبرت أن ربكم عز وجل لم يمس إلا ثلاثة أشياء : غرس الجنة بيده ، وجعل ترابها الورس والزعفران ، وجبالها المسك ، وخلق آدم عليه السلام ، وكتب التوراة لموسى عليه السلام .
وقال ابن بطة :
حدثنا جعفر قال ثنا محمد قال ثنا يعلي بن عبيد قال ثنا إسماعيل ابن أبي خالد عن حكيم بن جابر قال أخبرت أن ربكم عز و جل لم يمس إلا ثلاثة أشياء غرس جنة عدن بيده وخلق آدم بيده وكتب التوراة بيده
ـ الإمام محمد بن كعب القرظي
قال عثمان بن سعيد الدارمي :
حدثنا عبد اللّه بن صالح، حدثني حرملة بن عمران، عن سليمان بن حميد، قال : سمعت محمد بن كعب القرظي يحدث عمر بن عبد العزيز، قال :
إذا فرغ الله من أهل الجنة والنار أقبل الله في ظلل من الغمام والملائكة، فسلم على أهل الجنة في أول درجة فيردون عليه السلام،
وقال اللالكائي :
أخبرنا الحسين قال أخبرنا أحمد قال ثنا بشر قال ثنا عبد الله بن يزيد المقري قال ثنا حرملة بن عمران قال حدثني سليمان بن حميد أنه سمع محمد بن كعب القرظي يحدث عن عمر بن عبد العزيز قال :
إذا فرغ الله من أهل الجنة وأهل النار أقبل تبارك وتعالى في ظلل من الغمام ومعه الملائكة فيقف على أهل أول درجة من الجنة فيسلم عليهم فيردون عليه وهو قوله سلام من قولا من رب رحيم
سليمان بن حميد
روى عنه جمع كبير وترجم له أكثر الأئمة ولم يجرحه أحد وكان موفدا لدى الأمير ابن عبد العزيز وهذا مما يشير إلى عدالته ووثقه ابن حبان
روى عنه الليث ابن سعد والإمام عمرو بن الحارث وإبراهيم بن نشيط الوعلاني وسعيد بن أبي أيوب ويحيى بن أبي أسيد وأبو شريح عبد الرحمن بن شريح المعافري وضمام بن إسماعيل الاسكندراني وحرملة بن عمران
فالسند جيد بلا إشكال
وفي الأثر إثبات المجيء وأنه بمعنى الإقبال وهذا ينافي التفويض .
وكذا قوله : " فيقف على ..."
فهذا وإن كنت لا أثبته لله لتفرد هذا الأثر به غير أنه يدل على أن صاحب الأثر وهو إمام كبير من أئمة السلف وبحضور الإمام عمر بن عبد العزيز على أن إثبات المعاني قد كان هو مذهبهم مع الصفات لا التفويض
وقال الإمام الآجري :
وحدثنا أبو بكر بن أبي داود قال : حدثنا محمد بن عباد بن آدم قال : حدثنا بكر بن سليمان الأسواري ، عن محمد بن إسحاق قال : سمعت محمد بن كعب يحدث :
إن الله عز وجل لم يمس بيده إلا ثلاثة أشياء: آدم ، والتوراة فإنه كتبها لموسى ، وطوبى شجرة في الجنة ، غرسها الله بيده ، ليس في الجنة غرفة إلا فيها منها قنو ، وهي التي قال الله عز وجل فيها : الذين آمنوا وعملوا الصالحات طوبى لهم وحسن مآب .
ــ ربيعة بن عمرو الجرشي
روى الطبري في تفسيره قال :
ثنا معاذ بن هشام، قال: ثني أبي، عن قتادة، قال: ثنا النضر بن أنس، عن ربيعة الجُرْشي، قال :
( وَالأرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ ) قال: ويده الأخرى خلو ليس فيها شيء.
وله طريق آخر عن معاذ بن هشام به سندا ومتنا
والأثر صريح في إثبات معنى الصفة وأن السلف كانوا يفسرون آيات الصفات بما يؤكد إثبات الصفة
ـ الضحاك بن مزاحم
قال عبد الله بن أحمد في السنة :
حدثني أبي نا وكيع حدثني أبو حجير عن الضحاك والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه قال كل ذلك في يمينه //
حدثني أبي نا الفضل بن دكين عن سلمة عن الضحاك والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه قال كلا في يمينه
وقال ابن جرير :
حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله : ( وَالأرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ) يقول: السموات والأرض مطويات بيمينه جميعا.
قال في الدر المنثور :
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن الضحاك رضي الله عنه والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسموات مطويات بيمينه قال : كلهن في يمينه .
وهذا تفسير للآية المشتملة على الصفة بما يؤكد إثبات معنى الصفة
وروى الدارقطني في الرؤية قال :
حدثنا محمد بن مخلد حدثنا جعفر بن أبى عثمان الطيالسى حدثنا يحيى بن معين حدثنا أبو عبيدة الحداد حدثنا سليمان بن عبيد أبو الحسن حدثنا الضحاك بن مزاحم أسنده إلى عبد الله بن مسعود قال :
قال رسول الله يرويه عن ربه عز و جل قال :
نحلت إبراهيم خلتى وكلمت موسى تكليما وأعطيت محمدا كفاحا
قال رجل من القوم : ما الكفاح ؟
قال [ يعني الضحاك ] : يا سبحان الله يخفى الكفاح على رجل عربى الكفاح المشافهه .
وهو ثابت عن الضحاك
سئل أحمد كما في المعرفة والتاريخ
وسأله الهيثم بن خارجة فقَال : أبو داود أحب إليك أم أبو عبيدة الحداد ؟ قَال : أبو داود أحفظهما ، وكان أبو عبيدة قليل الغلط كثير الكتاب.
قال أحمد: لم يكن صاحب حفظ، وكان كتابه صحيحا.
سمعت يحيى يقول أبو عبيدة الحداد عبد الواحد بن واصل وهو ثقة
قال الخطيب : وكان ثقة
نا علي بن الحسين بن حبان قال وجدت في كتاب أبي بخط يده :
ذكر أبو زكريا أبا عبيدة الحداد فقال كان من المتثبتين ما أعلم أنا اخذنا عليه خطأ ألبتة جيد القراءة لكتابه "
ووثقه عدد كبير
وسليمان بن عبيد السلمي قال ابن أبي حاتم :
بصري روى عن أبى الصديق الناجي روى عنه يحيى بن سعيد القطان وخالد بن الحارث والنضر بن شميل سمعت أبى يقول ذلك ذكره أبى عن إسحاق بن منصور عن يحيى بن معين قال سليمان بن عبيد السلمي ثقة سألت أبى عن سليمان بن عبيد فقال صدوق
وفي الأثر تفسير الصفة على مقتضى اللغة وهذا ينقض التفويض وإلا فهل يعقل أن يكون تفسير تكليم الله لنبيه محمد بأنه مشافهة أن يكون تفويضا ؟!
وقال الطبري :
حدثني موسى بن عبد الرحمن قال: ثنا أبو أُسامة، عن الأجلح، قال: سمعت الضحاك بن مزاحم يقول:
إذا كان يوم القيامة، أمر الله السماء الدنيا بأهلها، ونزل من فيها من الملائكة، وأحاطوا بالأرض ومن عليها، ثم الثانية، ثم الثالثة، ثم الرابعة، ثم الخامسة، ثم السادسة، ثم السابعة، فصَفُّوا صفًا دون صفّ، ثم ينزل الملك الأعلى على مجنبته اليسرى جهنم ..."
وقال الدارمي :
حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا أبو عوانة حدثنا الأجلح حدثنا الضحاك بن مزاحم قال :
" إن الله يأمر السماء يوم القيامة فتنشق بمن فيها فيحيطون بالأرض ومن فيها ويأمر السماء الثانية حتى ذكر سبع سموات فيكونون سبعة صفوف قد أحاطوا بالناس قال ثم ينزل الله في بهائه وجماله ومعه ما شاء من الملائكة على مجنبته اليسرى جهنم فإذا رآها الناس تلظى وسمعوا زفيرها وشهيقها ند الناس في الأرض فلا يأتون قطرا من أقطارها إلا وجدوا سبعة صفوف من الملائكة وذلك قوله عز و جل : ( يوم التناد ) يقول يند الناس فيقول الله عز و جل ( إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السموات والأرض فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان ) وذلك قوله عز و جل ( إذا دكت الأرض دكا دكا وجاء ربك والملك صفا صفا وجيء يومئذ بجهنم ) ( ويوم تشقق السماء بالغمام ونزل الملائكة تنزيلا ) ( وانشقت السماء فهي يومئذ واهية والملك على أرجائها ) قال قلت له ما أرجاؤها قال حافتها "
والأثر جيد الإسناد وله طريق آخر ذكرها القرطبي عن جويبر عن الضحاك
والأثر صريح في نزول الله بذاته ومجيئه بذاته
وقال ابن أبي عاصم :
حدثنا ابن أبي عُمَر حَدَّثنا مروان بن معاوية عن صالح بن مسعود عن الضحاك بن مزاحم في قوله الصمد قال : الصمد الذي ليس بأجوف
حدثنا المقدمي حَدَّثنا وكيع عن سلمة بن نبيط عن الضحاك قال : " الصمد الذي لا جوف له "
وهل هذا إلا إثبات للمعنى
ـ أبو وائل شقيق بن سلمة
عن أبي سنان عن أبي وائل قال :
قال يجاء بالعبد يوم القيامة فيستره الله عز و جل بيده ويعرفه بذنوبه ثم يغفر له
رواه ابن أبي شيبة في المصنف وأسد في الزهد وكذا هناد
وهذا منه تفسير للحديث الوارد في هذا المعنى " حَتَّى يَضَعَ كَنَفَهُ عَلَيْهِ ، فَيَقُولُ : عَمِلْتُ كَذَا وَكَذَا ؟ فَيَقُولُ : نَعَمْ ، فَيُقَرِّرُهُ ، ثَمَّ يَقُولُ : قَدْ سَتَرْتُ عَلَيْكَ فِي الدُّنْيَا ، وَأَنَا أَغْفِرُهَا لَكَ الْيَوْمَ "
والأثر فيه إثبات لحقيقة اليد
شريح بن عبيد الحضرمي
قال أبو الشيخ في العظمة :
حدثنا عبدالله بن محمد بن العباس حدثنا سلمة حدثنا ابو المغيرة حدثنا صفوان بن عمرو عن شريح بن عبيد رحمه الله تعالى قال :
لما صعد النبي صلى الله عليه و سلم الى السماء فأوحى الله عزوجل الى عبده ما أوحى قال فلما أحس جبريل بدنو الرب تبارك وتعالى خر ساجدا
وهذا إسناد جيد
وفيه إثبات الدنو على حقيقته
ـ سعيد بن المسيب
قال الطبري :
حدثنا ابن بشار وزيد بن أخزم، قالا ثنا ابن داود، عن المستقيم بن عبد الملك، عن سعيد بن المسيب قال: ( الصمد ) : الذي لا حِشوة له .
وقال ابن أبي عاصم :
حدثنا أبو موسى حَدَّثنا عَبد الله بن داود عن المستقيم بن عبدالملك عن سعيد بن المسيب قال الصمد الذي ليس له حشوة
حدثنا اسحق بن احمد انا صالح بن مسمار انا محمد بن ربيعة أنبأنا مستقيم بن عبدالملك قال سمعت سعيد بن المسيب يقول الصمد الذي لا حشو له
ــ الحسن البصري
قال ابن أبي عاصم :
حَدَّثنا أبو موسى حَدَّثنا يحيى بن سعيد وعبد الرحمن بن مهدي وثنا المقدمي حَدَّثنا بشر بن الفضل وعبد الرحمن بن مهدي عن الربيع بن مسلم عن الحسن قال :
الصمد الذي ليس بأجوف
ــ سعيد بن جبير
قال ابن أبي عاصم
وحدثنا أبو بكر بن أبي شَيْبة حدثنا أبو أحمد وثنا المقدمي حَدَّثنا ابن أبي الوزير عن محمد بن مسلم عن إبراهيم بن ميسرة عن سعيد بن جبير قال الصمد الذي لا جوف له
حَدَّثنا نصر بن علي حَدَّثنا أبي عن محمد بن مسلم عن سعيد بن جبير مثله
ـ عبيد بن عمير
قال عبد الله بن أحمد :
حدثني أبو معمر نا سفيان عن حميد يعني الأعرج عن مجاهد عن عبيد ابن عمير : ( وإن له عندنا لزلفى ) قال : يقول أدنه أدنه إلى موضع الله أعلم به
حدثني أبو معمر نا وكيع عن سفيان عن منصور عن مجاهد عن عبيد بن عمير قال حتى يضع بعضه عليه
وحدثني أبو معمر نا وكيع عن سفيان عن منصور عن مجاهد عن عبيد بن عمير وإن له عندنا لزلفى قال يقول الرب عز و جل لداود أدنه حتى يضع بعضه على بعضه
حدثني عبد الله بن عمر أبو عبد الرحمن نا وكيع عن سفيان عن منصور عن مجاهد عن عبيد بن عمير وإن له عندنا لزلفى قال ذكر الدنو منه حتى ذكر أنه يمس بعضه // إسناده حسن
وقال الخلال :
حدثنا أبو بكر قال ثنا أبو بكر بن خلاد الباهلي قال ثنا وكيع قال ثنا سفيان عن منصور عن مجاهد عن عبيد بن عمير وإن له عندنا لزلفى قال ذكر الدنو حتى يمس بعضه
حدثنا أبو بكر قال ثنا محمد بن بشرقال ثنا عبدالرحمن بن شريك قال ثنا أبي قال ثنا منصور قال ثنا مجاهد قال سمعت عبيد بن عمير وسئل عن قوله وإن له عندنا لزلفى قال ذكر الدنو منه // إسناده ضعيف
قال ابن أبي عاصم :
حدثنا أبو بكر بن أبي شَيْبة حَدَّثنا ابن فضيل عن الليث عن مجاهد عن عبيد بن عمير{وإن له عندنا لزلقى وحسن مآب} قال ذلك الدنو منه حتى أن يمسه ببعضه
روى ابن أبي شيبة قال :
حدثنا وكيع عن سفيان عن منصور عن مجاهد عن عبيد بن عمير { وإن له عندنا لزلفى } قال : ذكر الدنو منه.
وفي تفسير الثوري :
سفين عن مجاهد عن عبيد بن عمير في قوله وإن له عندنا لزلفى وحسن مئاب قال يدنوا من الرب تبارك وتعالى حتى يضع يده قريبا
وقال عبد الله بن أحمد :
حدثني هارون بن معروف نا سفيان بن عيينة عن حميد يعني الأعرج عن مجاهد عن عبيد يعني ابن عمير قال :
ما يأمن داود عليه السلام يوم القيامة حتى يقال له أدنه فيقول ذنبي ذنبي حتى بلغ فيقال أدنه فيقول ذنبي ذنبي فيقال له أدنه فيقول ذنبي ذنبي حتى بلغ مكانا الله أعلم به قال سفيان كأنه يمسك شيئا .
حدثني هارون بن معروف نا الأقرع أن سفيان زاده حتى يضع يده في يده .
حدثني أبو معمر نا سفيان عن حميد الأعرج عن مجاهد عن عبيد بن عمير وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب قال يقول الرب عز و جل أدنه أدنه حتى ينتهي إلى موضع الله عز و جل أعلم به // إسناده ضعيف
وقال الحافظ ابن عساكر في تاريخ دمشق :
أخبرنا أبو طاهر محمد بن أبي بكر بن عبد الله السنجي وأبو محمد بختيار بن عبد الله الهندي قالا أنا أبو علي الحسن بن محمد بن عبد العزيز بن إسماعيل التككي أنا أبو علي بن شاذان أنا عثمان بن أحمد نا أحمد بن عبد الجبار نا وكيع بن الجراح عن سفيان عن منصور عن مجاهد عن عبيد بن عمير " وإن له عندنا لزلفى " قال ذكر الدنو منه يوم القيامة حتى ذكر أنه يمس بعضه .
هذا في حق داود عليه السلام لأنه يوافي القيامة خائفا من ذنبه فيؤمنه الله بإكرامه بقربه " ا.هـ
لاخلاف أن البعضية ليست في ذات الله حاشاه تعالى وإنما هي باعتبار ما يراه العبد من الذات إلى مالم يره لا أن مارآه هو بعض فعلا
ونسأل هؤلاء الذين يحرصون على التمويه في مثل هذه القضايا الدقيقة :
أنتم تثبتون رؤية الله فمالذي يراه المخلوق من ربه ؟
إن قلتم يرى ربه بحيث لا يخفى عليه شيء عنه فقد قلتم قولا عظيما وأثبتم أن العبد يحيط بربه وهذا تكذيب للقرآن الذي نص على أن العبد لا يحيط بربه مطلقا لا في علم ولا رؤية بل هذا هو الإدراك الذي نفاه الله بعينه في قوله ( لا تدركه الأبصار )
وإن قلتم إن العبد يرى ربه دون أن يحيط به فإما أن يكون هذا عندكم تبعيضا فلم تعيبون ما تقولون به وإن لم يكن تبعيضا فقد اعترفتم بما يلزمكم في معنى الآثار السابقة
ولا شك ولا خلاف في ثبوت ما سبق عن عبيد بن عمير وهو القاضي التابعي الكبير من أفاضل أهل مكة في زمنه كما ذكر ابن حبان وأخذ عن الخليفة الراشد عمر وابنه عبد الله بن عمر وهو شيخ التابعي الكبير عطاء بن رباح كان مجاهد يفخر به على التابعين
وروي هذا الإثبات عن غير عبيد من السلف
ومن ذلك ما ورواه ابن فورك عن يحيى بن أبي كثير عن عكرمة عن ابن عباس ...
ذكره القاضي أبو يعلى ثم قال القاضي :
" أما قوله : " أبدى عن بعضه " فهو على ظاهره وأنه راجع إلى الذات إذ ليس في حمله على ظاهره وأنه راجع إلى الذات ليس في حمله على ظاهره ما يحيل صفاته ولا يخرجها عما تستحق .
قال : فإن قيل بل في حمله على ظاهره ما يحيل صفاته لأنه يستحيل وصفه بالكل والبعض والجزء فوجب حمله على إبداء بعض آياته وعلاماته تحذيرا وإنذارا ، قيل : لا يمتنع إطلاق هذه الصفة على وجه لا يفضي إلى التجزئة والتبعيض كما أطلقنا تسمية يد ووجه لا على وجه التجزئة والتبعيض ، وإن كنا نعلم أن اليد في الشاهد بعض الجملة قال : وجواب آخر وهو أنه لو جاز أن يحمل قوله : " وإذا أبدى عن بعضه " على بعض آياته لوجب أن يحمل قوله : " أراد أن يدمر على قوم تجلى لها " على جميع آياته ! ومعلوم أنه لم يدمر قرية بجميع آياته لأنه قد أهلك بلادا كل بلد بغير ما أهلك به الآخر " ا.هـ
ونقل طرفا منه ابن الجوزي في دفع شبه التشبيه
فالخلاصة ما سبق عن عبيد بن عمير هو من الأدلة على إثبات السلف لمعاني الصفات وأنهم أبعد الناس عن التفويض
ــ عمرو بن دينار
تاريخ دمشق
أنا أبو القاسم عبد الرحمن بن أحمد بن علي الزجاجي أنا أبو مسلم عبيدالله بن محمد بن أحمد بن أبي مسلم الفرضي حدثني أبو عبد الله علي بن سليمان صاحب الحكيمي في شوال سنة أربعين وثلاثمائة نا الحسن بن عرفة نا علي بن ثابت الجزري عن المكيين عمرو بن دينار وغيره في قوله " وإن له عندنا لزلفى وحسن ماب " قال لا يزال يدنيه حتى يمس بعضه
هو بالمعنى السابق
ـــ مجاهد بن جبر
قال الطبري :
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد( فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى ) قال: الله من جبريل عليه السلام .
وقال البيهقي
وعن مجاهد في قوله عز وجل : {فكان قاب قوسين أو أدنى} يعني : حيث الوتر من القوس ، يعني ربه تبارك وتعالى من جبريل عليه السلام
هل هذا تفويض ؟!
أليس هذا تحقيقا للدنو والقرب وبيانا لمعناه ؟
وقال الطبري :
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى ; وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله( وَحَنَانًا مِنْ لَدُنَّا ) قال: تعطفا من ربه عليه.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد ، مثله.
وقال القرطبي
قلت: فالحنان العطف، وكذا قال مجاهد ...
يا قوم ها هو إثبات المعاني فلم الجحود ؟
وبنحوه قال الطبري :
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام، عن عنبسة، عن القاسم بن أبي بزّة، عن مجاهد، في قوله : ( سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا ) قال: يحبهم ويحببهم إلى خلقه.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد( سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا ) قال: يحبهم ويحببهم إلى المؤمنين.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله.
فهذا إثبات للود بمعناه
وقال الطبري :
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن منصور، عن مجاهد، قال: ( الصمد ) : المُصْمَت الذي لا جوف له .
حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن منصور، عن مجاهد، مثلَه سواء.
حدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال : ( الصمد ) : المصمت الذي ليس له جوف . الطبري
وقال ابن أبي عاصم :
حَدَّثنا أبو بكر حَدَّثنا ابن إدريس ووكيع عن شعبان وثنا أبو موسى حَدَّثنا عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان عن منصور عن مجاهد قال الصمد الذي لا جوف له
حَدَّثنا أبو بكر حدثنا وكيع وثنا أبو موسى حَدَّثنا عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان عن منصور عن مجاهد قال الصمد الذي لا جوف له
حَدَّثنا أبو بكر حَدَّثنا وكيع عن سفيان وثنا أبو موسى حَدَّثنا عبد الرحمن ابن مهدي عن شعبان عن ابن أبي نجيح عن مجاهد مثله
حَدَّثنا أبو بكر حَدَّثنا ابن أخي إدريس عَنْ أَبِيه عن عطية وعن ليث عن مجاهد قال الصمد الذي ليس بأجوف
والذي لا جوف له هو ما كان له ذات حقيقية غير مجوفة
أليس كل هذا إثباتا للصفة بمعناها ؟
ولتعلم حقيقة المعنى المثبت قارن بإنكار هذا التفسير من قبل بعض الأشاعرة .
وفي صحيح البخاري تحت الحديث رقم 6981 قال البخاري :
" وقال مجاهد : ( استوى ) علا ( على العرش ) "
ـــ عامر بن شراحيل الشعبي
قال أبو الشيخ في كتابه العظمة :
حدثنا ابراهيم حدثنا عبيد بن آدم العسقلاني حدثنا ابي عن حماد بن سلمة عن عطاء بن السائب عن الشعبي رحمه الله تعالى قال ان الله تبارك وتعالى على العرش حتى ان له أطيطا كأطيط الرحل .
وقال ابن بطة في الإبانة :
حدثنا أبو بكر أحمد بن سلمان قال حدثني محمود بن جعفر قال ثنا أبو بكر المروذي قال ثنا أبو عبد الله قال ثنا حسن بن موسى الأشيب قال ثنا حماد عن عطاء بن السائب عن الشعبي قال إن الله تعالى قد ملأ العرش حتى إن له أطيطا كأطيط الرحل الجديد
ورواه حرب عن إسحاق عن آدم بن أبي إياس عن حماد عن عطاء بن السائب عن الشعبي عن ابن مسعود بلفظ ابن بطة
والأحفظ وقفه على الشعبي
فهذا الخبر الصحيح عن الشعبي قد أثبت بطريقيه أن فوقية الله على العرش فوقية حقيقية والسياق يدوّي بهذا
ـــ عكرمة
قال ابن أبي حاتم :
حَدَّثَنَا أَبِي، ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعِيدٍ الْجَوْهَرِيُّ، ثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ أَبِي شَيْبَانَ، عَنْ عِكْرِمَةَ " أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا " ، قَالَ:"كَانَ اللَّهُ فِي نُورِهِ".
فهنا أثبت عكرمة أن لله نورا حقيقيا خلافا لمعتقد الأشاعرة الذين ينفون النور عن الله بدعوى أنه يلزم من إثباته الجسمية
وأنا أبين هذا لأعرف القارئ بقدر الإثبات الذي يحاول المخالف دائما تجاهله
وقال الإمام الطبري :
حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر ، قال: ثنا شعبة، عن سماك، عن عكرمة، في هذه الآية( وَحَنَانًا مِنْ لَدُنَّا ) قال: رحمة.
فدل على معنى الرحمة وأنها تحنن وحنان لأن تفسير الآية فيه إثبات لمعنى الصفتين الرحمة والحنان وأنهما بمعنى متقارب فكل منهما تفسر الأخرى
وقال الطبري :
حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج، قال: قال عكرمة في قوله:" هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام"، قال: طاقات من الغمام، والملائكة حوله
وهذا تفصيل في تفسير آيات الصفات يؤكد إثبات معنى الصفة
وقال عبد الله بن أحمد :
حدثني أبي نا أبو المغيرة الخولاني نا الأوزاعي نا يحيى بن أبي كثير عن عكرمة قال إن الله عز و جل إذا أراد أن يخوف عباده أبدى عن بعضه إلى الأرض فعند ذلك تزلزل وإذا أراد أن تدمدم على قوم تجلى لها //
" وقد ذكر القاضي أبو يعلى في كتاب أبطال التأويلات لأخبار الصفات ما رواه عبدالله بن أحمد بن حنبل حدثني أبي حدثنا أبو المغيرة الخولاني حدثنا الأوزاعي حدثني يحيى بن أبي كثير عن عكرمة قال : إن الله إذا أراد أن يخوف عبادة أبدى عن بعضه إلى الأرض فعند ذلك تزلزل وإذا أراد أن يدمر على قول تجلى لها
قال : ورواه ابن فورك عن يحيى بن أبي كثير عن عكرمة عن ابن عباس " أن الله تبارك وتعالى إذا أراد أن يخوف أهل الأرض أبدى عن بعضه وإذا أراد أن يدمر عليها تجلى لها "
ثم قال : أما قوله أبدى عن بعضه فهو على ظاهره وأنه راجع إلى الذات إذ ليس في حمله على ظاهره وأنه راجع إلى الذات ليس في حمله على ظاهره ما يحيل صفاته ولا يخرجها عما تستحق فإن قيل بل في حمله على ظاهره ما يحيل صفاته لأنه يستحيل وصفاته بالكل والبعض والجزء فوجب حمله على إبداء بعض آياته وعلاماته تحذيرا وإنذارا قيل لا يمتنع إطلاق هذه الصفة على وجه لا يفضي إلى التجزئة والتبعيض كما أطلقنا تسمية يد ووجه لا على وجه التجزئة والتبعيض وإن كنا نعلم أن اليد في الشاهد بعض الجملة قال : وجواب آخر وهو أنه لو جاز أن يحمل قوله وإذا أبدى عن بعضه على بعض آياته لوجب أن يحمل قوله أراد أن يدمر على قوم تجلى لها على جميع آياته ومعلوم أنه لم يدمر قرية بجميع آياته لأنه قد أهلك بلادا كل بلد يغير ما أهلك به الآخر
قال العبد لله :
البعض هنا ليس في ذاته وإنما هو باعتبار ما يراه الرائي مقابل ما لم يره فإن الله لا يحيط بذاته ولا بشيء من صفاته أحد
من ألزمنا بالتبعيض فهو قائل حقيقة بأن الله لا يرى ولا يتجلى إلا محاطا به وهذا كفر أشد مما يفر منه ولا نقوله لهم إلزاما بل هو حقيقة قولهم .
قال ابن أبي حاتم :
- حَدَّثَنَا أَبِي، ثنا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ، ثنا حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ: " " هَلْ يَنْظُرُونَ إِلا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلائِكُةُ " , يَقُولُ: وَالْمَلائِكَةُ حَوْلَهُ"
وقال الطبري :
حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج، قال: قال عكرمة في قوله:" هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام"، قال: طاقات من الغمام، والملائكة حوله= قال ابن جريج، وقال غيره: والملائكةُ بالموت
فقوله : " والملائكة حوله " نص في إثبات إتيان الذات
وانظر ما سيأتي في تطبيقات باقي أئمة السلف عند بيان تطبيقات ابن جرير
جاء في حاشية تفسير الطبري كما نقل القاسمي :
وفي حواشي " جامع البيان " : كيف لا يؤمن بإتيانه ومجيئه تعالى يوم القيامة ، وقد جاء في القرآن في عدة مواضع : { هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ } [ البقرة 210 ] { وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً } [ الفجر : 22 ] { إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ } [ النحل 33 ] . وأي أمر أصرح منه في القرآن ؟ .
وروي الطبري في " تفسيره " عن ابن عباس مرفوعاً : إن في الغمام طاقات يأتي الله فيها ، محفوفاً . وذلك قوله : { هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الإمام وَالْمَلائِكَةُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ } [ البقرة : 210 ] .
قال عِكْرِمَة : والملائكة حوله ، فهذا من صفات الله تعالى . يجب علينا الإيمان بظاهرها ونؤمن بها كما جاءت وإن لم نعرف كيفيتها . وعدم علمنا بكيفيتها ، بمنزلة عدم علمنا بكيفية ذاته . فلا نكذب بما علمناه لعدم علمنا بما لم نعلمه . وهذا هو مذهب سلف هذه الأمة وأعلام أهل السنة . انتهى .
وهذا تعليق من صاحبه شاهد بحضور مذهب السلف في كل مناحي العلم
ـ قتادة بن دعامة السدوسي
قال الطبري :
حدثنا الحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، في قوله( وَحَنَانًا مِنْ لَدُنَّا ) قال: رحمة من عندنا.
وهذا إثبات لمعنى الحنان والرحمة
وقال الطبري :
حدثنا بشر. قال. ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله : ( وَأَشْرَقَتِ الأرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا ) قال: فما يتضارون في نوره إلا كما يتضارون في الشمس في اليوم الصحو الذي لا دخن فيه.
وهذا إثبات لحقيقة النور إذ لا يشك ناظر في أن هذا لا يستقيم حمله على النور المعنوي
وقال الطبري :
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله : ( فَلَمَّا آسَفُونَا ) قال: أغضبوا ربهم.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة( فَلَمَّا آسَفُونَا ) قال: أغضبونا.
آسفونا يعني فعلوا ما جعلنا نأسف بمعنى نغضب
ـــ عبد الرحمن بن البيلماني
قال الإمام الآجري :
أخبرنا ابن أبي داود قال : حدثنا سلمة بن شبيب قال : حدثنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن يحيى بن أبي كثير قال : حدثني عبد الرحمن بن البيلماني قال : ما من ليلة إلا ينزل ربكم عز وجل إلى السماء ، فما من سماء إلا وله فيها كرسي ، فإذا نزل إلى السماء خر أهلها سجوداً حتى يرجع ، فإذا أتى السماء الدنيا : أطت وترعدت من خشية الله عز وجل ، وهو باسط يديه يدعو عباده : ياعبادي من يدعوني أجبه ؟ ومن يتب إلي أتب عليه ؟ ومن يستغفرني أغفر له ؟ ومن يسألني أعطه ؟ ومن يقرض غير معدم ولا ظلوم ، أو كما قال .
قال محمد بن الحسين رحمه الله : فيما ذكرته كفاية لمن أخذ بالسنن ، وتلقاها بأحسن قبول ، ولم يعارضها بكيف ولم ؟ واتبع ولم يبتدع .
هذا أثر صحيح وابن البيلماني تابعي معروف بل من كبارهم فقد كان مولى لعمر وأثره هذا ينضح بمعاني الصفات
ـــ الإمام أبو العالية الرياحي
وفي صحيح البخاري تحت الحديث رقم 6981 قال البخاري :
" قال أبو العالية : ( استوى ... ) ارتفع ..
ـــ وائل بن داود
وقال الإمام أحمد بن سلمان النجاد :
ثنا عبد الله قال ثنا محمد بن عون قال ثنا خلف بن خليفة عن وائل بن داود في قول الله عز و جل الله عز و جل وكلم الله موسى تكليما قال مرارا .
وفي السنة لعبد الله قال :
حدثني محرز بن عون نا خلف بن خليفة عن وائل بن داود في قول الله عز و جل وكلم الله موسى تكليما قال مشافهة مرارا
والأثر رواه ابن أبي حاتم في التفسير من طريق آخر عن خلف عن وائل باللفظ الأول
وقوله مرارا هو من إثبات المعنى ، وهذا المعنى الذي أثبته " مرارا " تنفيه الأشاعرة إذ يدل عندهم على قيام الحوادث بالله فهم يرون أن الله لم يتكلم حقيقة إلا في الأزل
فهل إثبات الإمام وائل لهذا المعنى هو تفويض ؟!!
ـ خالد بن معدان
روى الإمام ابن قتيبة الدينوري في كتابه المجالسة من طريقين عن مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ ، نَا بَقِيَّةُ ، عَنْ أُمِّ عَبْدِ اللهِ بِنْتِ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ ، عَنْ أَبِيهَا قَالَ :
" إِنَّ الْعَرْشَ يَثْقُلُ عَلَى حَمَلَةِ الْعَرْشِ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ ، فَإِذَا قَامَ الْمُسَبِّحُونَ ؛ خُفِّفَ عَلَيْهِمْ "
وقال عبد الله بن أحمد :
حدثني أبي نا أبو المغيرة حدثتنا عبدة بنت خالد بن معدان عن أبيها خالد ابن معدان أنه كان يقول إن الرحمن سبحانه وتعالى ليثقل على حملة العرش من أول النهار إذا قام المشركون حتى إذا قام المسبحون خفف عن حملة العرش .
وإسناد عبد الله أصح
فهذه ابنة أحد كبار علماء التابعين ولها رواية وقد روى عن جماعة من الأئمة هي على قول مخالفينا تنسب التجسيم والكفر لأبيها
وقال الإمام النجاد :
ثنا عبد الله بن احمد قال حدثني ابي قال ثنا ابو المغيرة قال ثنا عبدة عن أبيها خالد بن معدان قال ان الله عز و جل لم يمس بيده إلا آدم خلقه بيده والجنة والتوراة كتبها بيده قال ودملج الله لؤلوة بيده فغرس فيها قضبانها ..."
وهو في السنة لعبد الله بن أحمد
فهذا أحد أئمة السلف يثبت صفة باللازم وهذا من آكد صور إثبات المعنى عندهم
ـــ عروة بن الزبير
قال ابن خزيمة :
حَدَّثَنَا محمد بن العلاء أبو كريب قال حدَّثنا أبو اسامة عن هشام وهو ابن عروة عن أبيه قال :
قدمت على عبد الملك فذكرت عنده الصخرة التي ببيت المقدس فقال عبد الملك هذه صخرة الرحمن التي وضع عليها رجله فقلت سبحان الله يقول الله تبارك وتعالى {وسع كرسية السموات والأرض} وتقول وضع رجله على هذه يا سبحان الله إنما هذه جبل قد أخبرنا الله أنه ينسف نسفًا فيذرها قاعًا صفصفًا .
فأقر عروة أن لله رجلا حقيقية ولم ينكر أنه يكون بها فعل له كما يشاء لكنه أنكر أن ينسب لها فعل دون دليل بل يراه مصادما للدليل وتعليله دال على ذلك
وقال البيهقي :
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، أَخْبَرَنَا أبو العباس محمد بن يعقوب ، حَدَّثَنَا محمد بن إسحاق الصاغاني ، حَدَّثَنَا سريج بن يونس ، حَدَّثَنَا إسماعيل بن إبراهيم ، عن أيوب ، عن حميد بن هلال ، قال : قال رجل : رحم الله رجلا أتى على هذه الآية : {ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام} فيسأل الله تبارك وتعالى بذاك الوجه الباقي الجميل .
من أين وصف الوجه بالجميل ؟
وهل يوصف وجه بالجمال ويكون معناه غير المعروف وهو الحسن والبهاء
وقد أوله البيهقي غفر الله له
روايات ضعيفة بينة الضعف :
حدثنا ابراهيم بن محمد بن الحسن حدثنا احمد بن سعيد أنبأنا ابن وهب عن عبدالله بن عياش عن زيد بن أسلم في قوله عز وجل الله نور السموت والارض نور على نور يضيء بعضه بعضا
حدثني عليّ بن الحسن الأزديّ، قال ثنا يحيى بن يمان، عن عمار بن عمرو، عن الحسن، في قوله : ( وَالأرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ) قال: كأنها جوزة بقضها وقضيضها.
حَدَّثَنَا ابن معمر قال حدَّثنا روح قال حدَّثنا عباد بن منصور قال سألت الحسن فقلت ثم دنا فتدلى من ذا يا أبا سعيد قال ربي.
وَحَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الصَّبَّاحِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيُّ، أَخْبَرَنِي عَبَّادُ بْنُ مَنْصُورٍ، قَالَ: سَأَلْتُ عِكْرَمَةَ:" " مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى " ، فَقَالَ عِكْرَمَةُ: تُرِيدُ أَنْ أُخْبِرَكَ أَنَّهُ قَدْ رَآهُ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: قَدْ رَآهُ، ثُمَّ قَدْ رَآهُ، قَالَ: فَسَأَلْتُ عَنْهُ الْحَسَنَ، فَقَالَ: رَأَى جَلالَهُ، وَعَظَمَتَهُ، وَرِدَاءَهُ" تفسير حاتم
حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَةَ، ثنا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنِي موسى بْنُ سَعِيدِ بْنِ أَسْلَمَ أَخُو أَبِي مُسْلِمٍ الْجُعْفِيُّ، ثنا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: " " فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ " ، قَالَ: كَشَفَ بَعْضَ الْحُجُبِ".
- ثنا احمد قال ثنا عبد الله قال قرأت على ابي حدثنا ابراهيم بن الحكم قال حدثني ابي عن عكرمة قال ان الله لم يمس بيده الا ثلآثا خلق آدم قال بيده وغرس الجنة بيده وكتب التوراة بيده
العظمة
حدثنا عبد الله بن محمد بن زكريا ، قال : حدثنا سلمة ، حدثنا زيد بن الحباب ، حدثنا معتمر أبو الحكم الباهلي ، عن قتادة رحمه الله تعالى ، قال : « من رأى خلقا من خلقه فتوسم فيه حتى ينزل الجبار تبارك وتعالى ، قال : ( ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية (1) ) تحمله الملائكة على كواهلها بأيد ، وعزة ، وحسن ، وجمال ، حتى إذا جلس على كرسيه نادى تعالى به : ( لمن الملك اليوم (2) ) ، فلم يجبه أحد ، فعطفها على نفسه تبارك وتعالى ، فقال : ( لله الواحد القهار اليوم تجزى كل نفس بما كسبت لا ظلم اليوم إن الله سريع الحساب ) »
عبد الله ثقة كما في طبقات المحدثين
معتمر بن نافع قال ابن حبان في الثقات ربما أخطأ وقال أبو حاتم شيخ
الهيثم بن رافع
حدثنا أبو بكر قال ثنا محمد بن بشر بن شريك النخعي قال ثنا عبد الرحمن بن شريك قال ثنا أبي قال حدثني عبدالعزيز بن رفيع وسالم الأفطس عن سعيد بن جبير قال إذا نظر داود إلى خصمه ولى هاربا منه فينادي الله عز و جل يا داود ادن مني فلا يزال يدنيه حتى يمس بعضه // إسناده ضعيف لأن فيه محمد بن بشر .
يتبع إن شاء الله
كتبه العبد الفقير إلى توفيق الله ومرضاته محمد بن خليفة الرباح
---
0 comments:
إرسال تعليق