تناقضات الطائفة السبعية ( رد الأشعرية على الأشعرية )
عادل القطاوي
الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه ..
أما بعد :
فخير ما أستهل به هذا المقال بعد كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم ..
هو هذا الكلام الذي قاله ابن القيم في الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة (1/226) وهو قوله ضمن كلام عن تأويل الصفات :
ثم يقال خصومكم من المعتزلة لم يجمعوا معكم على إثبات هذه الصفات .
فإن قلتم : انعقد الإجماع قبلهم ، قيل : صدقتم والله ، والذين أجمعوا قبلهم على هذه الصفات أجمعوا على إثبات سائر الصفات ولم يخصوها بسبع بل تخصيصها بسبع خلاف قول السلف وقول الجهمية والمعتزلة .
فالناس كانوا طائفتين : سلفية وجهمية ، فحدثت الطائفة السبعية [ الأشاعرة ] واشتقت قولاً بين القولين ، فلا للسلف أثبتوا ، ولا مع الجهمية بقوا .
وقالت طائفة أخرى : ما لم يكن ظاهره جوارح وأبعاض كالعلم والحياة والقدرة والإرادة والكلام لا يتأول , وما كان ظاهره جوارح وأبعاض كالوجه واليدين والقدم والساق والإصبع ؛ فإنه يتعين تأويله لاستلزام إثباته التركيب والتجسيم .
قال المثبتون : جوابنا لكم بعين الجواب الذي تجيبون به خصومكم من الجهمية والمعتزلة نفاة الصفات؛ فإنهم قالوا لكم لو قام به سبحانه صفة وجودية كالسمع والبصر والعلم والقدرة والحياة لكان محلاًً للأعراض، ولزم التركيب والتجسيم والانقسام كما قلتم لو كان له وجه ويد وأصبع لزم التركيب والانقسام.
فما جوابكم لهؤلاء نجيبكم به! فإن قلتم : نحن نثبت هذه الصفات على وجه لا تكون أعراضاً ولا نسميها أعراضاً فلا يستلزم تركيباً ولا تجسيماً . قيل لكم :
ونحن نثبت الصفات التي أثبتها الله لنفسه إذ نفيتموها أنتم على وجه لا يستلزم الأبعاض والجوارح, ولا يسمى المتصف بها مركباً ولا جسماً ولا منقسماً. اهـ
وبعد هذا التبيين الواضح من كلام ابن القيم عن هذه الطائفة السبعية وهم الأشاعرة ،،
أحببت أن أنقل صورا من التخبط بين أفراد هذه الطائفة التي تدعي أنها هي أهل السنة والجماعة !! وأنهم أهل الحق !! كما يتشدقون بها كثيرا ..
والصور التي أنقلها ما هي إلا ردود من الأشعرية على الأشعرية أنفسهم من القديم والحديث ..
فيها تراجعات عن أمور من العقائد تراجعوا عنها بعدما دعوا إليها بحدهم وحديدهم ونافحوا على صحتها وبدعوا مخالفيهم بل وكفروه أحياناً ..
وستجد الردود من بعضهم لبعض من سابق عن لاحق أو العكس لنحمد الله على أن هدانا للمنهج الحق منهج السلف الذي كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه والتابعين ثم من تبعه من العلماء الناصحين كالأئمة الأربعة وأصحاب الصحاح والسنن والمسانيد وفقهاء الأمصار المتبعين إلى يومنا هذا ..
1- رد بعضهم على بعض في التأويل
من الحجج الظاهرة على الأشاعرة في إبطال التأويل ما جاء عن كبار أئمتهم وعلمائهم في باب التأويل .
ما نقله مرتضى الزبيدي في [ إتحاف السادة المتقين 2/12و79 و110] عن القشيري اعترافه أن من السلف : الشافعي ومالك وأحمد والمحاسبي والقلانسي اختاروا عدم التأويل للمتشابهات ،، وأن أحمد سد باب التأويل على الإطلاق كما نقل عن والد الجويني أن طريقة كثير من السلف كابن عباس وعامة الصحابة الإعراض عن الخوض في التأويل .
وقال القشيري في [ التحبير في التذكير ص 73 ] : الله تعالى نهى العبد في وصفه ما لم يعلمه وإن كان صادقاً في قوله قال تعالى { وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } .
وقال إمام الحرمين الجويني في الرسالة النظامية [ ص21-24 ] :
اختلفت مسالك العلماء في هذه الظواهر فرأى بعضهم تأويلها والتزم ذلك في آي الكتاب وما يصح من السنن وذهب أئمة السلف إلى الانكفاف عن التأويل واجراء الظواهر على مواردها وتفويض معانيها إلى الله تعالى والذي نرتضيه رأيا وندين الله به عقيدة اتباع سلف الأمة للدليل القاطع على ان إجماع الأمة حجة فلو كان تأويل هذه الظواهر حتما لا وشك ان يكون اهتمامهم به فوق اهتمامهم بفروع الشريعة وإذا انصرم عصر الصحابة والتابعين على الاضراب عن التأويل كان ذلك هو الوجه المتبع .
ونقله الحافظ ابن حجر في الفتح (16/179) ونقله الذهبي في العلو للعلي الغفار (1/257) ومذهب الجويني في هذه الرسالة النظامية هو التفويض !!
وقال القرطبي فيما نقله عنه الحافظ ابن حجر :
إنما السلف لم يخوضوا في صفات الله لعلمهم بأنه بحث عن كيفية ما لا تُعلَم كيفيته بالعقل ، لكون العقول لها حد تقف عنده . وسيأتي كلامه كاملا .
وقال الحافظ نفسه في فتح الباري (10/324) :
واختلف في المراد بالقدم فطريق السلف في هذا وغيره مشهورة وهو أن تمر كما جاءت ولا يتعرض لتأويله بل نعتقد استحالة ما يوهم النقص على الله . اهـ
وحكىالشهرستانى في الملل والنحل (1/91) أن السلف لم يتعرضوا للتأويل فقال :
وأما السلف الذين لم يتعرضوا للتأويل ولا تهدفوا للتشبيه فمنهم : مالك بن أنس رضي الله عنهما إذ قال : الاستواء معلوم والكيفية مجهولة والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة . ومثل أحمد بن حنبل رحمه الله وسفيان الثوري وداود بن علي الأصفهاني ومن تابعهم حتى انتهى الزمان إلى عبد الله بن سعيد الكلابي وأبي العباس القلانسي والحارث بن أسعد المحاسبي وهؤلاء كانوا من جملة السلفإلا أنهم باشروا علم الكلام وأيدوا عقائد السلف بحجج كلامية وبراهين أصولية ..
وصنف بعضهم ودرس بعض حتى جرى بين أبي الحسن الأشعري وبين أستاذه مناظرة في مسألة من مسائل الصلاح والأصلح فتخاصما ، وانحاز الأشعري إلى هذه الطائفة فأيد مقالتهم بمناهج كلامية وصار ذلك مذهبا لأهل السنة والجماعة وانتقلت سمة الصفاتية إلى الأشعرية .. اهـ
وعده الكلابي والقلانسي والمحاسبي والأشعري من السلف محط نظر إذ إنه ذكر تعاطيهم علم الكلام واحتجاجهم به في الأصول وقد ذمه السلف ، فكيف يكونوا منهم ؟
وقال الشعرانيفي اليواقيت والجواهر (1/106) :
إن الله تعالى ما أمرنا أن نؤمن إلا بعين اللفظ الذي أنزله ، لا بما أوَّلناه بعقولنا ، فقد لا يكون التأويل الذي أوَّلناه يرضاه الله تعالى .
ونختم هنا بقول الطحاوي : وكل ما جاء من الحديث الصحيح عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - فهو كما قال وعلى معنى ما أراد : لا ندخل في ذلك متأولين بآرائنا ولا متوهمين بأهوائنا ، وأن التأويل المعتبر ترك التأويل ولزوم التسليم فإنه ما سَلِم في دينه إلا من سلَّم لله عز وجل ولرسوله - صلى الله عليه وسلم - . ولا تثبُت قدم الإسلام إلا على ظهر التسليم والاستسلام . فمن رام عِلْمَ ما حُظِرَ عنه عِلمُه ، ولم يقنع فهمُه بالتسليم : حجبه مُرامُه عن خالص التوحيد فيتذبذب بين الإيمان والكفر . اهـ
ويراجع شرح ابن أبي العز الحنفي عليه .
ابن حجر يعارض التأويل
ويعارض الحافظ ابن حجر التأويل جملة في فتح الباري (16/179) وينقل مقرا قول الحافظ ابن عبد البر : أهل السنة مجمعون على الإقرار بهذه الصفات الواردة في الكتاب والسنة ولم يكيفوا شيئا منها واما الجهمية والمعتزلة والخوارج فقالوا من أقر بها فهو مشبه فسماهم من أقر بها معطلة وقال امام الحرمين في الرسالة النظامية اختلفت مسالك العلماء في هذه الظواهر فرأى بعضهم تأويلها والتزم ذلك في آي الكتاب وما يصح من السنن وذهب أئمة السلف إلى الانكفاف عن التأويل واجراء الظواهر على مواردها وتفويض معانيها إلى الله تعالى والذي نرتضيه رأيا وندين الله به عقيدة اتباع سلف الأمة للدليل القاطع على ان إجماع الأمة حجة فلو كان تأويل هذه الظواهر حتما لا وشك ان يكون اهتمامهم به فوق اهتمامهم بفروع الشريعة وإذا انصرم عصر الصحابة والتابعين على الاضراب عن التأويل كان ذلك هو الوجه المتبع . انتهى
ثم عقب ابن حجر قائلا : وقد تقدم النقل عن أهل العصر الثالث وهم فقهاء الأمصار كالثوري والأوزاعي ومالك والليث ومن عاصرهم وكذا من أخذ عنهم من الأئمة فكيف لا يوثق بما اتفق عليه أهل القرون الثلاثة وهم خير القرون بشهادة صاحب الشريعة .
كما أنه ينفي وجوب التأويل الذي نقله الأشعرية وغيرهم ، وبين أن الدليل ثابت على انكفاء السلف عن التأويل واحتج بتوبة الجويني ورجوعه عن التأويل .
قول الغزالي في التأويل
وقال الغزالي ضمن وصاياه في قانون التأويل :
والوصية الثالثة : أن يكفَّ عن تعيين التأويل عند تعارض الاحتمالات، فإن الحكم على مراد الله سبحانه ومراد رسوله صلى الله عليه وسلم بالظن والتخمين خطر، فإنما تعلم مراد المتكلم بإظهار مراده، فإذا لم يظهر فمن أين تعلم مراده، إلا أن تنحصر وجوه الاحتمالات، ويبطل الجميع إلا واحداً، فيتعين الواحد بالبرهان . ولكن وجوه الاحتمالات في كلام العرب وطرق التوسع فيها كثير، فمتى ينحصر ذلك، فالتوقف في التأويل أسلم. اهـ
وكلامه السابق لهذا في تقديم للعقل على النقل ..
رد البيهقي على الرازي وغيره في وجوب التأويل
فقد قرر الرازي في أساس التقديس (182-183) أن مذهب جمهور المتكلمين وجوب الخوض في تأويل المتشابهات .
ويرد البيهقي هذا الإيجاب حيث يرى كما نقله ابن حجر في فتح الباري (4/190) عنه قال : وأسلمها الإيمان بلا كيف والسكوت عن المراد الا أن يرد ذلك عن الصادق فيصار إليه ومن الدليل على ذلك اتفاقهم على أن التأويل المعين غير واجب فحينئذ التفويض أسلم . اهـ
وهو صريح في تفضيل البيهقي التفويض على التأويل .
2- مفردات من تأويل الصفات
الباقلاني يثبت الصفات جملة
قال شيخ الإسلام في بيان تلبيس الجهمية (2/34) :
وهكذا ذكر القاضي ابو بكر ابن الباقلاني في عامة كتبه مثل التمهيد والابانة وكتابه الذي سماه كتاب الرد على من نسب الى الاشعري خلاف قوله بعد فصول ذكرها قال : وكذلك قولنا في جميع المروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في صفات الله تعالى اذا ثبتت بذلك الرواية من اثبات اليدين اللتين نطق بهما القرآن والوجه والعينين قال تعالى ويبقى وجه ربك ذو الجلال والاكرام وقال تعالى كل شيء هالك الا وجهه وقال في قصة ابليس من منعك ان تسجد لما خلقت بيدي وقال بل يداه مبسوطتان وقال تجري بأعيننا قال وروي في الحديث من رواية ابن عمر ان النبي صلى الله عليه وسلم لما ذكر الدجال قال انه أعور وان ربكم ليس بأعور فأثبت له العينين قال وهذا حديث غير مختلف في صحته عند العلماء بالحديث وهو في صحيح البخاري وقال عليه السلام فيما يروى من الاخبار المشهورة وكلتا يديه يمين ونقول انه تعالى يأتي يوم القيامة في ظلل من الغمام.
قول العز بن عبد السلام في الصفات عند الأشعرية
ذكر العز بن عبد السلام في قواعد الأحكام الكبرى (1/170) :
أن أصحاب الأشعري مترددرن مختلفون في صفات البقاء والقدم هل هي من صفات السلب أم من صفات الذات .
وقال في ص 172 :
والعجب أن الأشعرية اختلفوا في كثير من الصفات كالقدم والبقاء والوجه واليدين والعينين. وفي الأحوال كالعالمية والقادرية وفي تعدد الكلام واتحاده ومع ذلك لم يكفر بعضهم بعضا، واختلفوا في تكفير نفاة الصفات مع اتفاقهم على كونه حيا قادرا سميعا بصيرا متكلما، فاتفقوا على كماله بذلك واختلفوا في تعليله بالصفات المذكورة. اهـ
الزام الجويني للأشاعرة في الأخذ بظواهر الآيات في جميع الصفات
قرر الإمام الجويني في الإرشاد [ص155] في فصل اليدان والعينان والوجه ، التأويل لكثير من الصفات الثابتة في الكتاب والسنة ورد على المثبتين ووصفهم [ ص158] بقوله : الحشوية الرعاع المجسمة ..
وجاء على جميع الصفات الخبرية كالوجه واليدين والاستواء والمجيء والنزول ..
ولكنه عاد إلى الحق وقرر هذا الذي أوله ودافع عنه جهده فقال في رسالة الاستواء والفوقية 1/74 :
فإن قالوا لنا في الاستواء والنزول واليد والوجه والقدم والضحك والتعجب من التشبيه شبهتم نقول لهم في السمع شبهتم ووصفتكم ربكم بالعرض فإن قالوا لا عرض بل كما يليق به قلنا في الاستواء والفوقية لا حصر بل كما يليق به فجميع ما يلزمونا به في الاستواء نلزمهم به في الحياة والسمع فكما لا يجعلونها هم أعراضا كذلك نحن لا نجعلها جوارح ولا ما يوصف به المخلوق وليس من الإنصاف أن يفهموا في الاستواء والنزول والوجه واليد صفات المخلوقين فيتحاجوا إلى التأويل والتحريف .
فإن فهموا في هذه الصفات ذلك فيلزمهم أن يفهموا في الصفات السبع صفات المخلوقين من الأعراض فما يلزمونا في تلك الصفات من التشبيه والجسمية نلزمهم به في هذه الصفات من العرضية وما ينزهوا ربهم به في الصفات السبع وينفون عنه عوارض الجسم فيها فكذلك نحن نعمل في تلك الصفات التي ينسبونا فيها إلى التشبيه سواء بسواء .
فسبحان مغير القلوب والأحوال .
تأويلهم صفة الرضا والرحمة بالارادة وصفة الضحك بالرضا !!
صفة الرضا ثابتة في الكتاب والسنة وأهل السنة يثبتونها لله تعالى بلا تأويل أو تعطيل ، ولكنها عند الأشاعرة مؤولة بالإرادة كما حكاه البيهقي عن شيخه الأشعري في الأسماء والصفات ( 1 / 479 ) فقال :
الرضا عند أبي الحسن الأشعري رضي الله عنه يرجع إلى الإرادة ، وهو إرادة إكرام المؤمنين ، وكذلك الرحمة ترجع إلى الإرادة وهي إرادة الإنعام والإكرام . اهـ
والعجيب في تناقضهم : أن التشابه عندهم سبب للتأويل لأن الصريح لا يؤول ، فكيف يُحكمون المتشابه بمتشابه ، وكيف يؤولون صفة بصفة مؤولة أصلاً ؟
ولذلك تناقض بعضهم تناقضا بينا فيما بينهم ..
فالسبكي يخالف جمهور الأشاعرة في أن الرضا غير الإرادة
نقل السبكي الابن في ترجمة والده السبكي الكبير في طبقات الشافعية الكبرى (10/150) أنه قال : إن الرضا غير الإرادة ذكره في التفسير في سورة الزمر . اهـ
وخالف جمهور الأشاعرة الزاعمين بأن كل ما يريده الله فهو يحبه ، وأنه يريد الكفر ويحبه ويرضاه ، وأن الإرادة والرضى والمحبة بمعنى واحد .
وعزا السبكي القول باتحاد الإرادة والمحبة إلى جمهور الأشاعرة غير أنه اختار لنفسه خلاف ما اختاره عامة الأشاعرة فقرر أن الرضا غير الإرادة .
ملا علي القاري يرد على تأويل الرضا والغضب
ونقل ملا على القاري في شرح الفقه الأكبر لأبي حنيفة (69-70) قول الإمام الطحاوي : ولا يقال إن الرضا إرادة الإكرام والغضب إرادة الانتقام فإن هذا نفيٌ للصفة .
ثم رد على من تأوَّل هذه الصفات - وهو وإن كان ماتريدي إلا أن المذهب سواء عند الأشعرية - فقال نقلا عن شارح الطحاوية :
ويقال لمن تأول الغضب والرضا بإرادة الإحسان : لم تأولت ذلك ؟ فلا بد أن يقول : لأن الغضب غليان دم القلب ، والرضا الميل والشهوة ، وذلك لا يليق بالله تعالى ! فيقال له : غليان دم القلب في الآدمي أمر ينشأ عن صفة الغضب ، [ لا أنه الغضب ]
ويقال له أيضا : وكذلك الإرادة والمشيئة فينا ، هي ميل الحي إلى الشيء أو إلى ما يلائمه ويناسبه ، فإن الحي منا لا يريد إلا ما يجلب له منفعة أو يدفع عنه مضرة ، وهو محتاج إلى ما يريده ومفتقر إليه ، ويزداد بوجوده ، وينقص بعدمه .
فالمعنى الذي صرفت إليه اللفظ كالمعنى الذي صرفته عنه سواء ، فإن جاز هذا جاز ذاك ، وإن امتنع هذا امتنع ذاك .
فإن قالوا : [ الإرادة ] التي يوصف الله بها مخالفة للإرادة التي يوصف بها العبد ، وإن كان كل منهما حقيقة ؟
قيل له : فقل إن الغضب والرضا الذي يوصف الله به مخالف لما يوصف به العبد ، وإن كان كل منهما حقيقة . فإذا كان ما يقوله في الإرادة يمكن أن يقال في هذه الصفات ، لم يتعين التأويل ، بل يجب تركه ؛ لأنك تسلم من التناقض ، وتسلم أيضا من تعطيل معنى أسماء الله تعالى وصفاته بلا موجب . فإن صرف القرآن عن ظاهره وحقيقته بغير موجب حرام ، ولا يكون الموجب للصرف ما دل عليه عقله ، إذ العقول مختلفة ، فكل يقول إن عقله دل على خلاف ما يقوله الآخر !
وهذا الكلام يقال لكل من نفى صفة من صفات الله تعالى ، لامتناع مسمى ذلك في المخلوق ، فإنه لا بد أن يثبت شيئا لله تعالى على خلاف ما يعهده . اهـ
وراجع شرح العقيدة الطحاوية لابن أبي العز الحنفي (1/305)
ابن بطال وابن التين وإثبات اليدين لله تعالى
قال ابن حجر في فتح الباري (16/166) باب قول الله تعالى لما خلقت بيدي :
قال ابن بطال : في هذه الآية اثبات يدين لله وهما صفتان من صفات ذاته وليستا بجارحتين خلافا للمشبهة من المثبتة وللجهمية من المعطلة ويكفي في الرد على من زعم أنهما بمعنى القدرة انهم أجمعوا على ان له قدرة واحدة في قول المثبتة ولا قدرة له في قول النفاة لأنهم يقولون أنه قادر لذاته ويدل على أن اليدين ليستا بمعنى القدرة أن في قوله تعالى لإبليس " ما منعك ان تسجد لما خلقت بيدي " إشارة إلى المعنى الذي أوجب السجود فلو كانت اليد بمعنى القدرة لم يكن بين آدم وابليس فرق لتشاركهما فيما خلق كل منهما به وهي قدرته ولقال إبليس وأي فضيلة له علي وأنا خلقتني بقدرتك كما خلقته بقدرتك ؟ فلما قال خلقتني من نار وخلقته من طين دل على اختصاص آدم بأن الله خلقه بيديه ، قال : ولا جائز أن يراد باليدين النعمتان لاستحالة خلق المخلوق بمخلوق لأن النعم مخلوقة ولا يلزم من كونهما صفتي ذات أن يكونا جارحتين .
ونقل قول ابن التين : قوله " وبيده الأخرى الميزان " يدفع تأويل اليد هنا بالقدرة وكذا قوله في حديث ابن عباس رفعه " أول ما خلق الله القلم فأخذه بيمينه وكلتا يديه يمين " الحديث .
ونقل ابن حجر تحير أبي بكر بن فورك بقوله :
قيل اليد بمعنى الذات وهذا يستقيم في مثل قوله تعالى مما عملت أيدينا بخلاف قوله لما خلقت بيدي فإنه سيق للرد على إبليس فلو حمل على الذات لما اتجه الرد . اهـ
وقد رد السلف على مثل هذه المهاترات ، ومما قاله الإمام أبي حنيفة كما في الفقه الأكبر : ولا يقال يد الله بمعنى قدرته لأن هذا إبطال للصِّفة .
ابن العطار يرد على شيخه النووي في تأويل اليدين
قال الإمام ابن العطار في كتاب الاعتقاد الخالص من الشك والانتقاد [ ص 22 و 75 والذي حقق بعضه الشيخ علي الحلبي ] :
إذا ثبت نص في الكتاب والسنة مثل أن الله خلق آدم بيده ، وأنه كتب التوراة بيده : وجب إثباته وحرم علينا أن نقول : المراد باليدين النعمتين أو القدرتين فهذا تحريف لما فيه من التعطيل ، كيف والإجماع على أن الصفات توقيفية ..
وقال : وقد نفى بعضهم النزول وضعّف الأحاديث أو تأولها خوفاً من التحيز أو الحركة والانتقال : والمحققون أثبتوها وأوجبوا الإيمان بها كما يشاء سبحانه .
وابن العطار من أخص تلاميذ الإمام النووي رحمه الله ومع ذلك لم يرضى بتأويلات شيخه وصرح بخلاف كما في النص أعلاه .
نقلا من موسوعة أهل السنة للدمشقية (1/460)
3- أقوالهم في العلو والاستواء
ابن فورك يقول مؤولة الاستواء بالاستيلاء هم المعتزلة
قال شيخ الإسلام في بيان تلبيس الجهمية (2/332) :
مع أن المعروف عن أبي بكر بن فورك هو ما عليه الأشعري وأئمة أصحابه من إثبات أن الله فوق العرش كما ذكر ذلك في غير موضع من كتبه وحكاه عن الأشعري وابن كلاب وارتضاه وذكر البيهقي عنه في كتاب الصفات أنه قال استوى بمعنى علا وقال في قوله أأمنتم من في السماء أي من فوق السماء واحتج البيهقي لذلك بقول النبي صلى الله عليه وسلم لسعد بن معاذ حين حكم في بني قريظة لقد حكمت فيهم بحكم الله الذي حكم به فوق سبع سماوات .. اهـ
واعترف ابن فورك بأن تأويل الاستواء بالاستيلاء قول المعتزلة كما في كتابه مجرد مقالات أبي الحسن الأشعري [ص 325] .
وقال البيهقي في الأسماء والصفات (2/309) : وحكى الأستاذ أبو بكر بن فورك هذه الطريقة عن بعض أصحابنا أنه قال : استوى بمعنى : علا ، ثم قال : ولا يريد بذلك علوا بالمسافة والتحيز والكون في مكان متمكنا فيه ، ولكن يريد معنى قول الله عز وجل : { أأمنتم من في السماء } أي : من فوقها على معنى نفي الحد عنه ، وأنه ليس مما يحويه طبق أو يحيط به قطر ، ووصف الله سبحانه وتعالى بذلك بطريقة الخبر ، فلا نتعدى ما ورد به الخبر . اهـ
اعتراف أبي الحسن الطبري تلميذ الأشعري بالعلو ونفي التأويل
قال البيهقي في الأسماء والصفات 2 / 308 :
وذهب أبو الحسن علي بن محمد بن مهدي الطبري في آخرين من أهل النظر إلى أن الله تعالى في السماء فوق كل شيء مستو على عرشه بمعنى أنه عال عليه ، ومعنى الاستواء : الاعتلاء ، كما يقول : استويت على ظهر الدابة ، واستويت على السطح . بمعنى علوته ، واستوت الشمس على رأسي ، واستوى الطير على قمة رأسي ، بمعنى علا في الجو ، فوجد فوق رأسي . والقديم سبحانه عال على عرشه لا قاعد ولا قائم ولا مماس ولا مباين عن العرش ، يريد به : مباينة الذات التي هي بمعنى الاعتزال أو التباعد ، لأن المماسة والمباينة التي هي ضدها ، والقيام والقعود من أوصاف الأجسام . اهـ
البيهقي يرد على الأشعرية في العلو
قال البيهقي في الأسماء والصفات (2/303) :
باب ما جاء في قول الله عز وجل { الرحمن على العرش استوى } وقوله عز وجل : { ثم استوى على العرش }.
ثم قال : فأما الاستواء : فالمتقدمون من أصحابنا رضي الله عنهم كانوا لا يفسرونه ولا يتكلمون فيه كنحو مذهبهم في أمثال ذلك ..
ثم ذكر الآثار عن الأوزاعي ومالك وشيخه ربيعة وابن عيينة وقال :
والآثار عن السلف في مثل هذا كثيرة وعلى هذه الطريق يدل مذهب الشافعي رضي الله عنه ، وإليها ذهب أحمد بن حنبل والحسين بن الفضل البجلي . ومن المتأخرين أبو سليمان الخطابي .. اهـ
القرطبي يثبت العلو ويلقم الأشعرية حجراً
قال القرطبي في تفسيره (7/219-220) :
قوله تعالى : ( ثم استوى على العرش ) هذه مسألة الاستواء ، وللعلماء فيها كلام وإجراء .
وقد بينا أقوال العلماء فيها في الكتاب ( الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى وصفاته العلى ) وذكرنا فيها هناك أربعة عشر قولا .
والأكثر من المتقدمين والمتأخرين أنه إذا وجب تنزيه الباري سبحانه عن الجهة والتحيز فمن ضرورة ذلك ولواحقه اللازمة عليه عند عامة العلماء المتقدمين وقادتهم من المتأخرين تنزيهه تبارك وتعالى عن الجهة ، فليس بجهة فوق عندهم ، لأنه يلزم من ذلك عندهم متى اختص بجهة أن يكون في مكان أو حيز ، ويلزم على المكان والحيز الحركة والسكون للمتحيز ، والتغير والحدوث . هذا قول المتكلمين.
وقد كان السلف الأول رضي الله عنهم لا يقولون بنفي الجهة ولا ينطقون بذلك ، بل نطقوا هم والكافة بإثباتها لله تعالى كما نطق كتابه وأخبرت رسله .
ولم ينكر أحد من السلف الصالح أنه استوى على عرشه حقيقة .
وخص العرش بذلك لأنه أعظم مخلوقاته ، وإنما جهلوا كيفية الاستواء فإنه لاتعلم حقيقته .
قال مالك رحمه الله : الاستواء معلوم - يعني في اللغة – والكيف مجهول ، والسؤال عن هذا بدعة . وكذا قالت أم سلمة رضي الله عنها .
وهذا القدر كاف ، ومن أراد زيادة عليه فليقف عليه في موضعه من كتب العلماء .
والاستواء في كلام العرب هو العلو والاستقرار . اهـ
وقال شيخ الإسلام في بيان تلبيس الجهمية لابن تيمية (2/333) :
قال أبو عبد الله القرطبي صاحب التفسير الكبير في كتاب شرح الأسماء الحسنى بعد أن حكى كلام الحضرمي : هذا قول القاضي أبي بكر في كتاب تمهيد الأوائل له وقاله الاستاذ ابن فورك في شرح أوائل الأدلة وهو قول عمر بن عبد البر والطلمنكي وغيرهما من الأندلسيين وقول الخطابي في شعار الدين ثم قال بعد أن ذكر في الاستواء أربعة عشر قولا وأظهر الأقوال ما تظاهرت عليه الآي والأخبار والفضلاء الأخيار أن الله على عرشه كما أخبر في كتابه وعلى لسان نبيه بلا كيف بائن من جميع خلقه هذا مذهب السلف الصالح فيما نقل عنهم الثقاة . اهـ
الرازي يثبت العلو بفطرته في تفسير الفاتحة
مع أنه من أكابر النافين للعلو والإستواء الحقيقي إلا أن الله أنطقه تصريحا بهذه العقيدة الفطرية .
فقال في تفسيره عند سورة الفاتحة (1/223) مانصه :
وخسف بقارون فجعل الأرض فوقه ، ورفع محمداً عليه الصلاة والسلام فجعل قاب قوسين تحته ، وجعل الماء ناراً على قوم فرعون أغرقوا فأدخلوا ناراً ، وجعل النار برداً وسلاماً على إبراهيم ، ورفع موسى فوق الطور .. اهـ
ولاحظ قوله [ ورفع محمدا ] و [ قاب قوسين تحته ] والمراد بتحته أي تحت الله تعالى .. وأهل السنة لا يقولون بهذا التصريح .. وهو ما ينفيه الرازي جهده !! فياللعجب .
ثم اعجب منه بعد ذلك ، قال في سورة النجم (14/399) في قوله تعالى ( ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى ) :
أي فتدلى إليهم بالقول اللين والدعاء الرفيق .. وعلى هذا ففي الكلام كمالان كأنه تعالى قال إلا وحي يوحي جبريل على محمد ، فاستوى محمد وكمل فدنا من الخلق بعد علوه وتدلى إليهم وبلغ الرسالة والثالث : وهو ضعيف سخيف ، وهو أن المراد منه هو ربه تعالى وهو مذهب القائلين بالجهة والمكان ، اللّهم إلا أن يريد القرب بالمنزلة ، ... ، وههنا لما بيّن أن النبي صلى الله عليه وسلم استوى وعلا في المنزلة العقلية لا في المكان الحسي قال وقرب الله منه تحقيقاً لما في قوله « من تقرب إليّ ذراعاً تقربت إليه باعاً » . اهـ
وقال في قوله تعالى ( فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى ) : أي بين جبرائيل ومحمد عليهما السلام مقدار قوسين أو أقل ... فارتفع النبي صلى الله عليه وسلم حتى بلغ الأفق الأعلى من البشرية وتدلى جبريل عليه السلام حتى بلغ الأفق الأدنى من الملكية فتقاربا ولم يبق بينهما إلا حقيقتهما .. اهـ
محاولات قديمة لنفي العلو :
ذكر الإمام البيهقي في الأسماء والصفات (2/314) حكايتان عن ابن الأعرابي [ وهو أبو عبد الله محمد بن زياد الأعرابي اللغوي صاحب النحو ]
الأولى : قال ابن الأعرابي :
قال لي أحمد بن أبي دؤاد [ هو الجهمي ] : يا أبا عبد الله ، يصح هذا في اللغة ، ومخرج الكلام : الرحمن علا من العلو ، والعرش استوى ؟
قال : قلت : يجوز على معنى ، ولا يجوز على معنى ، إذا قلت : الرحمن علا من العلو ، فقد تم الكلام ، ثم قلت : العرش استوى . يجوز إن رفعت العرش ، لأنه فاعل ، ولكن إذا قلت : له ما في السماوات وما في الأرض ، فهو العرش . وهذا كفر .
والثانية : فيما روى أبو الحسن بن مهدي الطبري ، عن أبي عبد الله نفطويه قال :
أخبرني أبو سليمان يعني داود قال : كنا عند ابن الأعرابي فأتاه رجل فقال : يا أبا عبد الله ، ما معنى قوله : { الرحمن على العرش استوى } فقال : إنه مستو على عرشه كما أخبر . فقال الرجل : إنما معنى قوله { استوى} أي : استولى .
فقال له ابن الأعرابي : ما يدريك ؟ العرب لا تقول استولى على العرش فلان ، حتى يكون له فيه مضاد ، فأيهما غلب قيل : قد استولى عليه ، والله تعالى لا مضاد له فهو على عرشه كما أخبر . اهـ
4- القول بالكلام النفسي
حكى شيخ الإسلام في التسعينية الموجودة ضمن الفتاوى الكبرى (6/627) :
أن الإمام العز بن عبد السلام لما قيل له في مسألة القرآن: كيف يعقل شيء واحد هو أمر ونهي وخبر واستخبار؟ قال رحمه الله : ما هذا بأول إشكال ورد على مذهب الأشعري . اهـ
ولذلك فقولهم بأن كلام الله شيء واحد قديم ، وهو أمر ونهي وخبر الخ تناقض بين .
وقولهم بالكلام النفسي وأنه ليس بحرف وصوت يرد الأدلة الواضحة من الكتاب والسنة ، وغاية آرائهم في هذا الباب فلسفة كلامية أخذت من الخارجين عن الملة ..
فلا عجب أن نرى من يرد عليهم ويسفه مقالتهم منهم أو من غيرهم ..
ابن حجر لا يرضى رأي الأشاعرة في الكلام النفسي
قال ابن حجر في فتح الباري (16/225) كتاب التوحيد شرح حديث :
قول الله يا آدم ( في رواية التفسير ) يقول الله يوم القيامة يا آدم - قوله - فينادي بصوت ان الله يأمرك أن تخرج من ذريتك بعثا إلى النار . الحديث .
قال : واختلف أهل الكلام في أن كلام الله هل هو بحرف وصوت أو لا ..
فقالت المعتزلة : لا يكون الكلام الا بحرف وصوت والكلام المنسوب إلى الله قائم بالشجرة.
وقالت الأشاعرة : كلام الله ليس بحرف ولا صوت وأثبتت الكلام النفسي وحقيقته معنى قائم بالنفس وإن اختلفت عنه العبارة كالعربية والعجمية واختلافها لا يدل على اختلاف المعبر عنه والكلام النفسي هو ذلك المعبر عنه .
وأثبتت الحنابلة أن الله متكلم بحرف وصوت ، أما الحروف فللتصريح بها في ظاهر القرآن وأما الصوت فمن منع قال إن الصوت هو الهواء المنقطع المسموع من الحنجرة وأجاب من أثبته بأن الصوت الموصوف بذلك هو المعهود من الآدميين كالسمع والبصر وصفات الرب بخلاف ذلك فلا يلزم المحذور المذكور مع اعتقاد التنزيه وعدم التشبيه وأنه يجوز ان يكون من غير الحنجرة فلا يلزم التشبيه .
وقد قال عبد الله بن احمد بن حنبل في كتاب السنة : سألت أبي عن قوم يقولون لما كلم الله موسى لم يتكلم بصوت ، فقال لي أبي : بل تكلم بصوت ، هذه الأحاديث تروى كما جاءت وذكر حديث بن مسعود وغيره . اهـ
وقال في كتاب التوحيد (16/254) أيضا : ومحصل ما نقل عن أهل الكلام في هذه المسألة خمسة أقوال : الأول : قول المعتزلة انه مخلوق .
والثاني : قول الكلابية انه قديم قائم بذات الرب ليس بحروف ولا أصوات والموجود بين الناس عبارة عنه لا عينه .
والثالث : قول السالمية انه حروف وأصوات قديمة الأعين وهو عين هذه الحروف المكتوبة والأصوات المسموعة .
والرابع : قول الكرامية انه محدث لا مخلوق وسيأتي بسط القول فيه في الباب الذي بعده .
والخامس : أنه كلام الله غير مخلوق وانه لم يزل يتكلم إذا شاء نص على ذلك احمد في كتاب الرد على الجهمية ، وافترق أصحابه فرقتين منهم من قال هو لازم لذاته والحروف والأصوات مقترنة لا متعاقبة ويسمع كلامه من شاء وأكثرهم قالوا انه متكلم بما شاء متى شاء وانه نادى موسى عليه السلام حين كلمه ولم يكن ناداه من قبل .
والذي استقر عليه قول الأشعرية : أن القرآن كلام الله غير مخلوق مكتوب في المصاحف محفوظ في الصدور مقروء بالألسنة قال الله تعالى فأجره حتى يسمع كلام الله وقال تعالى بل هو آيات بينات في صدور الذين اوتوا العلم وفي الحديث المتفق عليه عن ابن عمر كما تقدم في الجهاد لا تسافروا بالقرآن إلى أرض العدو كراهية ان يناله العدو وليس المراد ما في الصدور بل ما في الصحف وأجمع السلف على ان الذي بين الدفتين كلام الله وقال بعضهم القرآن يطلق ويراد به المقروء وهو الصفة القديمة ويطلق ويراد به القراءة وهي الألفاظ الدالة على ذلك وبسبب ذلك وقع الاختلاف.
واما قولهم انه منزه عن الحروف والأصوات فمرادهم الكلام النفسي القائم بالذات المقدسة فهو من الصفات الموجودة القديمة واما الحروف فان كانت حركات ادوات كاللسان والشفتين فهي أعراض وان كانت كتابة فهي أجسام وقيام الأجسام والأعراض بذات الله تعالى محال ويلزم من أثبت ذلك ان يقول بخلق القرآن وهو يأبى ذلك ويفر منه فألجأ ذلك بعضهم إلى ادعاء قدم الحروف كما التزمته السالمية ومنهم من التزم قيام ذلك بذاته ومن شدة اللبس في هذه المسألة كثر نهي السلف عن الخوض فيها واكتفوا باعتقاد أن القرآن كلام الله غير مخلوق ولم يزيدوا على ذلك شيئا وهو أسلم الأقوال والله المستعان.
رجوع الايجي والشهرستاني عن القول بالكلام النفسي
قال الجرجاني شارح مواقف الإيجي (3/141-142) : واعلم أن للمصنف مقالة مفردة في تحقيق كلام الله تعالى على وفق ما أشار إليه في خطبة الكتاب ومحصولها أن لفظ المعنى يطلق تارة على مدلول اللفظ وأخرى على الأمر القائم بالغير ، فالشيخ الأشعري لما قال الكلام هو المعنى النفسي فهم الأصحاب منه أن مراده مدلول اللفظ وحده وهو القديم عنده ..
وأما العبارات فإنما تسمى كلاما مجازا لدلالتها على ما هو كلام حقيقي حتى صرحوا بأن الألفاظ حادثة على مذهبه أيضا لكنها ليست كلامه حقيقة ..
وهذا الذي فهموه من كلام الشيخ له لوازم كثيرة فاسدة كعدم إكفار من أنكر كلامية ما بين دفتي المصحف مع أنه علم من الدين ضرورة كونه كلام الله تعالى حقيقة وكعدم المعارضة والتحدي بكلام الله تعالى الحقيقي وكعدم كون المقروء والمحفوظ كلامه حقيقة إلى غير ذلك مما لا يخفى على المتفطن في الأحكام الدينية فوجب حمل كلام الشيخ على أنه أراد به المعنى الثاني .
فيكون الكلام النفسي عنده أمرا شاملا للفظ والمعنى جميعا قائما بذات الله تعالى وهو مكتوب في المصاحف مقروء بالألسن محفوظ في الصدور وهو غير الكتابة والقراءة والحفظ الحادثة وما يقال من أن الحروف والألفاظ مترتبة متعاقبة فجوابه أن ذلك الترتب إنما هو في التلفظ بسبب عدم مساعدة الآلة فالتلفظ حادث والأدلة الدالة على الحدوث يجب حملها على حدوثه دون حدوث الملفوظ جمعا بين الأدلة
وهذا الذي ذكرناه وإن كان مخالفا لما عليه متأخرو أصحابنا إلا أنه بعد التأمل تعرف حقيقته . تم كلامه .. وهذا المحمل لكلام الشيخ مما اختاره الشيخ محمد الشهرستاني في كتابه المسمى بنهاية الإقدام ولا شبهة في أنه أقرب إلى الأحكام الظاهرية المنسوبة إلى قواعد الملة .
5- أول واجب على المكلف
مبدأ القصد والنظر اللذان هما عند الأشعرية أول الواجب على المكلف هو من أصول مذهب المعتزلة بقي من جملة ما بقي عند الأشاعرة وقد قرره كبارهم كالباقلاني والرازي والإيجي وغيرهم .. لكن كثير من عقلائهم رد هذا المذهب وشنع على القائلين به ..
قال ابن حجر في فتح الباري (16/122) :
المعرفة لا تتأتى الا بالنظر والاستدلال وهو مقدمة الواجب فيجب فيكون أول واجب النظر وذهب إلى هذا طائفة كابن فورك وتعقب بان النظر ذو أجزاء يترتب بعضها على بعض فيكون أول واجب جزأ من النظر وهو محكى عن القاضي أبي بكر بن الطيب وعن الأستاذ أبي إسحاق الاسفرايني أول واجب القصد إلى النظر وجمع بعضهم بين هذه الأقوال بأن من قال أول واجب المعرفة أراد طلبا وتكليفا ومن قال النظر أو القصد أراد امتثالا لأنه يسلم انه وسيلة إلى تحصيل المعرفة فيدل ذلك على سبق وجوب المعرفة ..
السمناني وابن السمعاني وانكار مسألة أول واجب على المكلف
فقال الحافظ ابن حجر في فتح الباري (2/54) : وقد نقل القدوة أبو محمد بن أبي جمرة عن أبي الوليد الباجي عن أبي جعفر السمناني وهو من كبار الاشاعرة أنه سمعه يقول : أن هذه المسألة من مسائل المعتزلة بقيت في المذهب والله المستعان.
ورد أبو المظفر ابن السمعاني هذا المبدأ الأشعري الاعتزالي ووصفه بأنه قول مبتدع لم يعرفه السلف الذين كان أول الواجب عندهم الإتيان بالشهادتين .
كما سيأتي من قول الحافظ بعد .
رد ابن حجر على هؤلاء واستدلاله بكلام خطير للقرطبي
قال : وقد ذكرت في كتاب الإيمان من أعرض عن هذا من أصله وتمسك بقوله تعالى ( فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها ) وحديث كل مولود يولد على الفطرة فإن ظاهر الآية والحديث ان المعرفة حاصلة بأصل الفطرة وان الخروج عن ذلك يطرأ على الشخص لقوله عليه الصلاة و السلام فأبواه يهودانه وينصرانه .
وقد وافق أبو جعفر السمناني وهو من رؤوس الأشاعرةعلى هذا وقال : إن هذه المسألة بقيت في مقالة الأشعري من مسائل المعتزلة وتفرع عليها ان الواجب على كل أحد معرفة الله بالأدلة الدالة عليه وانه لا يكفي التقليد في ذلك . انتهى
رد العلائي عليهم
وقرأت في جزء من كلام شيخ شيخنا الحافظ صلاح الدين العلائي ما ملخصه :
ان هذه المسألة مما تناقضت فيها المذاهب وتباينت بين مفرط ومفرط ومتوسط فالطرف الأول قول من قال يكفي التقليد المحض في اثبات وجود الله تعالى ونفي الشريك عنه وممن نسب إليه إطلاق ذلك عبيد الله بن الحسن العنبري وجماعة من الحنابلة والظاهرية ومنهم من بالغ فحرم النظر في الأدلة واستند إلى ما ثبت عن الأئمة الكبار من ذم الكلام كما سيأتي بيانه والطرف الثاني قول من وقف صحة ايمان كل أحد على معرفة الأدلة من علم الكلام ونسب ذلك لأبي إسحاق الأسفرايني وقال الغزالي : أسرفت طائفة فكفروا عوام المسلمين وزعموا ان من لم يعرف العقائد الشرعية بالأدلة التي حرروها فهو كافر فضيقوا رحمة الله الواسعة وجعلوا الجنة مختصة بشرذمة يسيرة من المتكلمين .
وذكر نحوه أبو المظفر بن السمعاني وأطال في الرد على قائله ونقل عن أكثر أئمة الفتوى أنهم قالوا لا يجوز ان تكلف العوام اعتقاد الأصول بدلائلها لأن في ذلك من المشقة أشد من المشقة في تعلم الفروع الفقهية وأما المذهب المتوسط فذكره وسأذكره ملخصا بعد هذا .
رد القرطبي عليهم والإشارة الى تكفير قائله
وقال القرطبي في المفهم في شرح حديث أبغض الرجال إلى الله الألد الخصم الذي تقدم شرحه في أثناء كتاب الأحكام وهو في أوائل كتاب العلم من صحيح مسلم :
هذا الشخص الذي يبغضه الله هو الذي يقصد بخصومته مدافعة الحق ورده بالأوجه الفاسدة والشبه الموهمة وأشد ذلك الخصومة في أصول الدين كما يقع لأكثر المتكلمين المعرضين عن الطرق التي أرشد إليها كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وسلف أمته إلى طرق مبتدعة واصطلاحات مخترعة وقوانين جدلية وأمور صناعية مدار أكثرها على آراء سوفسطائية أو مناقضات لفظية ينشأ بسببها على الآخذ فيها شبه ربما يعجز عنها وشكوك يذهب الإيمان معها وأحسنهم انفصالا عنها أجدلهم لا أعلمهم فكم من عالم بفساد الشبهة لا يقوى على حلها وكم من منفصل عنها لا يدرك حقيقة علمها ثم ان هؤلاء قد ارتكبوا أنواعا من المحال لا يرتضيها البله ولا الأطفال لما بحثوا عن تحيز الجواهر والألوان والأحوال فأخذوا فيما أمسك عنه السلف الصالح من كيفيات تعلقات صفات الله تعالى وتعديدها واتحادها في نفسها وهل هي الذات أو غيرها وفي الكلام هل هو متحد أو منقسم وعلى الثاني هل ينقسم بالنوع أو الوصف وكيف تعلق في الأزل بالمأمور مع كونه حادثا ثم إذا انعدم المأمور هل يبقى التعلق وهل الأمر لزيد بالصلاة مثلا هو نفس الأمر لعمرو بالزكاة إلى غير ذلك مما ابتدعوه مما لم يأمر به الشارع وسكت عنه الصحابة ومن سلك سبيلهم بل نهوا عن الخوض فيها لعلهم بأنه بحث عن كيفية ما لا تعلم كيفيته بالعقل لكون العقول لها حد تقف عنده ولا فرق بين البحث عن كيفية الذات وكيفية الصفات ومن توقف في هذا فليعلم أنه إذا كان حجب عن كيفية نفسه مع وجودها وعن كيفية إدراك ما يدرك به فهو عن إدراك غيره أعجز وغاية علم العالم أن يقطع بوجود فاعل لهذه المصنوعات منزه عن الشبيه مقدس عن النظير متصف بصفات الكمال ثم متى ثبت النقل عنه بشيء من أوصافه وأسمائه قبلناه واعتقدناه وسكتنا عما عداه كما هو طريق السلف وما عداه لا يأمن صاحبه من الزلل ويكفي في الردع عن الخوض في طرق المتكلمين ما ثبت عن الأئمة المتقدمين كعمر بن عبد العزيز ومالك بن أنس والشافعي وقد قطع بعض الأئمة بأن الصحابة لم يخوضوا في الجوهر والعرض وما يتعلق بذلك من مباحث المتكلمين فمن رغب عن طريقهم فكفاه ضلالا ..
قال : وأفضى الكلام بكثير من أهله إلى الشك وببعضهم إلى الإلحاد وببعضهم إلى التهاون بوظائف العبادات وسبب ذلك اعراضهم عن نصوص الشارع وتطلبهم حقائق الأمور من غيره وليس في قوة العقل ما يدرك ما في نصوص الشارع من الحكم التي استأثر بها وقد رجع كثير من أئمتهم عن طريقهم حتى جاء عن امام الحرمين انه قال ركبت البحر الأعظم وغصت في كل شيء نهى عنه أهل العلم في طلب الحق فرارا من التقليد والآن فقد رجعت واعتقدت مذهب السلف هذا كلامه أو معناه وعنه انه قال عند موته يا أصحابنا لا تشتغلوا بالكلام فلو عرفت انه يبلغ بي ما بلغت ما تشاغلت به.
إلى ان قال القرطبي : ولو لم يكن في الكلام الا مسئلتان هما من مبادئه لكان حقيقا بالذمإحداهما قول بعضهم ان أول واجب الشك إذ هو اللازم عن وجوب النظر أو القصد إلى النظر واليه أشار الامام بقوله ركبت البحر .
ثانيتهما قول جماعة منهم ان من لم يعرف الله بالطرق التي رتبوها والأبحاث التي حرروها لم يصح ايمانه حتى لقد أورد على بعضهم ان هذا يلزم منه تكفير أبيك وأسلافك وجيرانك فقال لا تشنع علي بكثرة أهل النار قال وقد رد بعض من لم يقل بهما على من قال بهما بطريق من الرد النظري وهو خطأ منه فان القائل بالمسألتين كافر شرعا لجعله الشك في الله واجبا ومعظم المسلمين كفارا حتى يدخل في عموم كلامه السلف الصالح من الصحابة والتابعين وهذا معلوم الفساد من الدين بالضرورة والا فلا يوجد في الشرعيات ضروري .
وختم القرطبي كلامه بالاعتذار عن اطالة النفس في هذا الموضع لما شاع بين الناس من هذه البدعة حتى اغتر بها كثير من الأغمار فوجب بذل النصيحة والله يهدي من يشاء . انتهى
6- اختلافهم في حجية العقل وتقديمه على النقل
ذهب الرازي في كثير من كتبه كمعالم أصول الدين وأساس التقديس ومحصل الأفكار :
الى تقديم الدليل العقلي على الأدلة الشرعية وحجته أن العقل أصلٌ في إثبات الشرع فإذا خالف الدليل الشرعي الدليلُ العقلي وجب تقديم الدليل العقلي عليه ووجب تأويل الدليل الشرعي بما يوافق الدليل العقلي.
وذهب الغزالي في قانون التأويل الى أن العقل حاكم لايكذَّب قط ، وأن من كذَّب العقلَ فقد كذّّب الشرع. ولولا صدق العقل لما عُرِف النبُي من المتنبي .
وزاد تهافت المتأخرين على تقديم العقل على النقل حتى قال الإيجي في المواقف بأن أدلة الكتاب والسنة في إفادتها لليقين في العقليات نظر .
وقال الآمدي في غاية المرام في علم الكلام : أن دلالة الكتاب والسنة تتقاصر عن إفادة القطع .
وكلامه في هذا كثير يتناقلونه عن بعضهم آخذين به من المعتزلة قبلهم عاضين عليه بالنواجذ وكأنه وحي أوحي إليهم .. ولأنه كذب في اصله مردود شرعا وعقلا ، فوجد الكثير منهم من رده وعابهم على هذا .
قال أبو بكر الباقلاني في الإنصاف (1/3) :
وأن يعلم : أن طرق المباين عن الأدلة التي يدرك بها الحق والباطل خمسة أوجه : كتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وإجماع الأمة وما استخرج من هذه النصوص وبنى عليها بطريق القياس والاجتهاد وحجج العقول .
فجعله في المرتبة الأخيرة بعد القرآن والسنة والاجماع والقياس ، وهو الحق .
واعترف الماتريدي في التوحيد (183) بقصور العقل وأنه مخلوق له حد كغيره من وسائل الإدراك يعترضه ما يعترض غيره من الآفات مع غموض الأشياء واستغلاقها .
في حين أنه يقول عن العقل : والعقل سبيل معرفة حجة الرسل ... والعقل سبيل إدراك معنى أوامر الله .. والعقل إنما هو لإدراك العواقب ، والعقل سبيل شكر المنعم . الخ
فأي تخبط واختلاف بعد هذا ؟
ألم يخالف الأشعرية والماتريدية إماميهما الشافعي وأبي حنيفة في هذا ؟
فقد نص الشافعي فيما نقله الذهبي في سير أعلام النبلاء (10/80) على أن العلم بالصفة قبولاً وردّاً وتأويلاً مما لا يُدرَكُ بالعقل .
وقال أبو حنيفة فيما رواه البغوي عنه في شرح السنة : لا ينبغي أن ينطق في الله بشيء من ذاته ولكن يصفه بما وصف به نفسه ، ولا يقول فيه برأيه شيئاً ، تبارك الله تعالى رَبُّ العالمين .
وذكره شارح العقيدة الطحاوية 2/427 والألوسي في جلاء العينين ص368 وابن جماعة في ايضاح الدليل 1/45.
وينقل السيوطي الأشعري في كتابه صون المنطق والكلام (ص49) عن ابن السمعاني قوله : فصل ما بيننا وبين المبتدعة هو مسألة العقل ، فإنهم أسسوا دينهم على المعقول ، وجعلوا الاتباع والمأثور تبعاً للمعقول .
وقال : وإنما علينا أن نقبل ما عقلناه إيماناً وتصديقاً ، وما لم نعقله قبلناه تسليماً واستسلاماً .
بل الغزالي نفسه رجع عن التأويل وأعلن قبيل موته استنكاره الشديد لطريق التأويل وعلم الكلام وأنه بدعة مذمومة ومخالفة للسلف.
ووصف التأويل بصفته اللائقة به فسماه " التعطيل " وأفتى بحرمة خوض العلماء والوعاظ في التأويل ، حكاه عنه المرتضى الزبيدي. وأوضح أن " علاج وهم التشبيه " أسهل من علاج التعطيل ، إذ يكفي أن يقال مع هذه الظواهر { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ } .
انظر إلجام العوام عن علم الكلام 96 و 107 و 108 وإتحاف السادة المتقين 2 / 83 كما في موسوعة الدمشقية .
ونقل الحافظ ابن حجر عن إمام الحرمين الجويني رحمه الله قوله كما في رسالته النظامية [23] : والذي نرتضيه رأيا وندين الله به : عقيدة اتباع سلف الأمة للدليل القاطع على أن إجماع الأمة حجة . فلو كان تأويل هذه الظواهر حتما فلا شك حينئذ أن يكون اهتمامهم به فوق اهتمامهم بفروع الشريعة، وإذا انصرم عصر الصحابة والتابعين على الإضراب عن التأويل كان ذلك هو الوجه المتبع .
ثم نقل الحافظ ابن حجر(16/163) :
قول الشيخ شهاب الدين السهروردي في كتاب العقيدة له أخبر الله في كتابه وثبت عن رسوله الاستواء والنزول والنفس واليد والعين فلا يتصرف فيها بتشبيه ولا تعطيل إذ لولا أخبار الله ورسوله ما تجاسر عقل ان يحوم حول ذلك الحمى قال الطيبي هذا هو المذهب المعتمد وبه يقول السلف الصالح وقال غيره لم ينقل عن النبي صلى الله عليه و سلم ولا عن أحد من أصحابه من طريق صحيح التصريح بوجوب تأويل شيء من ذلك ولا المنع من ذكره ومن المحال ان يأمر الله نبيه بتبليغ ما أنزل إليه من ربه وينزل عليه اليوم أكملت لكم دينكم ثم يترك هذا الباب فلا يميز ما يجوز نسبته إليه مما لا يجوز مع حضه على التبليغ عنه بقوله ليبلغ الشاهد الغائب حتى نقلوا أقواله وأفعاله وأحواله وصفاته وما فعل بحضرته فدل على انهم اتفقوا على الإيمان بها على الوجه الذي أراده الله منها ووجب تنزيهه عن مشابهة المخلوقات بقوله تعالى ليس كمثله شيء فمن أوجب خلاف ذلك بعدهم فقد خالف سبيلهم وبالله التوفيق
وأغرب ما في عقيدة الاشاعرة أنهم يقولون أن التحسين والتقبيح انما هو بالشرع لا بالعقل !! ولم أجد أغرب من هذا التناقض عندهم .
ومثله قولهم في الرؤية .. حتى ضحكت عليهم المعتزلة فقالوا على لسان القاضي عبد الجبار المعتزلي : من سلّم أن الله ليس في جهة وادعى مع ذلك أنه يُرى فقد أضحك الناس على عقله .
وللحديث بقية إن شاء الله ..
ونرجو ممن عنده فائدة أو تعليق على شيء مضى أن يذكرنا به مأجورا ..
شكر الله لكم ..
---
0 comments:
إرسال تعليق